بقلم ندا الشرقاوى
طريق شبة مهجور ،مصابيح الأعمدة مكسورة،تنثر ضوءًا باهتًا يكاد لا يكشف سوى أطياف الظلام على الجدران المتاكلة ،الريح كانت تصفرّ كانها تحذر من شيء سيحدث ،شيء لن يمر بهدوء في الخلف اصوات كلاب ضالة تنبح بعيدًا ،لكنها لا تغطي على اصوات الهدوء المشحون بالتوتر ،الهدوء الذي يسبق العاصفة .
في قلب هذا الصمت ،كان يوجد أسطول من السيارات السوداء تنساب بهدوء قاتل ،إطارتها تضغط على الحجر الصغير المتناثر ،تصدر صوتًا خافتًا لكنه يبدو كأنه طبول حرب ،داخل السيارة يوجد الشباب وقمر ،الصمت يحيط بهم لكنه ليس صمتًا عاديًا ،بل صمت مليء بالنار ،صمت يحمل داخله قرارات لا رجعه فيها ،انتقام لاشخاص فارقوا الحياة وأشخاص ليس لهم ذنب .
يمسك معتز بالمقود بقوة ،كانهُ يحاول تفريغ غضبة في قطعة الحديد الباردة ،عيناه مثبتتان على الطريق ،لكن ذهنه ليس هنا ،بل في الماضي :خيانة ،دم ،أحداث لن تغفر ،بجواره أحمد ،ينفض رماد لفافته في الهواء ،ثم يعيدها إلى شفتيه الغليظة ،يسحب نفسًا عميقاًا ،وكأنه يستنشق اللحظة الاخيرة من الهدوء قبل أن ينفجر الطوفان
في الخلف ،يجلس كُل من يونس وقمر لا أحد يتحدث يكتفي يونس بضم كفيها على كفه ،وهى تضغط على كفه بقوة كانها تستمد قوتها منه ،كانت تفكر في أكثر موته بشعه وهى أن ترى فارس وشاهين يصرخان وسط اللهب .
هتف أحمد بصوت غاضب
-خلاص الليلة دي مش هتعدي بالساهل الضربة بموته ،يا احنا نعيش يا هما .
رد معتز وعيناه تضيقان بتركيز
-أنا قولتلكم من الأول ،الدم بالدم …ماينفعش نسيبهم كده ،وإلا نبقى ولا حاجة
هتفت قمر بهدوء قاتل ،وكأنها تلقي بحكم الإعدام
-مفيش حد هيطلع من المكان عايش ،حق ابويا وامي لازم اجيبه ،اللي حاشه عني إني فكرت إني لو قتلته مهما حصل ابو اخواتي لكن خلاص كده معتش ليه عازه
القت كلمتها ودفنت راسها في عنق يونس
كان يونس يتمتم لها ببعض الكلمات الرقيقة حتى تهدا قليلًا ،لو بيده لاخذها منزله ولم يخرجها منه ،فهو يشتاق لها حد اللعنه .
اقتربت سيارات الحرس قبلهم لتأمين المكان ،كانت ڤيلًا بعيده عن الضوضاء ،قديمة ليست من التراث الحديث ،معظم النوافذ مكسوره ،اضواء خافته ،الليلة سيشهد حرب واي حرب فهى اللحظة المنتظرة لقمر ،كانوا كاشباح جاءت تطالب بدمائها
تم تامين المكان ،وفعلو كما امرت قمر ،هبط معتز أولًا
يليه أحمد وقمر ويونس كانت خطواتهم ثابته ،ينظرون مثل الصقر الذي ينظر الى فريسته دلفو إلى الداخل
ابتسمت قمر ابتسامة واسعه وهى ترى فارس وشاهين يجلس كُل منها على مقعد وموثقون بالحبال جميعًا
اخذت قمر مقعد وجلست وهى تقول بنبرة ساخرة
-عاش من شافك يا اونكل ،ليك وحشه تصدق
نظر إليها شاهين بزهول وخوف من نظرتها فهذه المره لا ترحم قمر
وجهت الحديث لفارس
-ايه يا فروسه بقا اول تعامل بينا يبقا كده مش عيب ولا اي بتتدارى ورا حريم برده ،اي بابي قالك تعال خد حقي
نظر إليها فارس بغيظ وغضب لم يعلم انها بهذا الجبروت
اخذت تكمل حديثها
-بس قبل ما تاخد حقك مش أخد حقي أنا ولا اي ،يعني السيد الوالد قهر ابويا في اخر ايامه وموته حصرته ،اتجوز امي وهيا حامل في اخواتي اللي هما من صلب ابويا وعاشوا معاه ١٤ سنه ،لا لا ووصلت بيه الحال انه يقت*ل امي ،لا لا مش كده يا شاهين بيه ،الحبكة الدراميه مش كده ،بقا كنت عاوز تلبسني القضيه ولا عاوز تلاعبني بالعيال ولا عاوز اي ،بس كملتها انت وخطفت اختي ليليان جلال المحمدي ،ليه بس كده ليه تعجل قضاك مستعجل اوي ولا اي ،كل دا مكفاش وخدت بدل المليون اتنين ،جاي تبعت الحيله بقا يسقط مرات ابن عمي علشان تقهره اكتر صح بس خلاص كده النهاية قربت ،كان نفسي اقولك ابقا سلملي على ابويا بس معتقدتش انكم هتتجمعوا حتى في الاخرى ،شكل استاذ فارس عاوز يقول حاجه تقريبا
وجهت الحديث ليونس قائلة
-حبيبي شيل اللي على بوقو خليه ينطق
توجه يونس إلى فارس وازال الشريط الازق بقوه مما شعره بالوجع قم هتف
-أنتِ اي جبروت ،عاوزه اي!مفيش حاجة بتهدك ابدا أنتِ شيطانه ،شيطانه يا قمر أمك سابتك وأنتِ صغيره علشان أنتِ شيطانه محدش بيستحملك ولا حد بيحبك كله عاوزك علشان نفوذك مش سواد عيونك
قهقة يونس بصوت عالي واقترب من فارس قائلًا
-وأنت بقا هتعرفنا نعمل اي ومنعملش اي وعرفت منين بقا غلاوتها عندنا بتشم على ضهر ايدك هو البودره عرفتك ولا اي
نظر اليه فارس بغضب لانه كشف امره ثم هتف
-اه عريس الغفله اللي ممشياه وحده ست
أخرسته صفعه قويه على وجنته من يونس
-مفيش غيرك أنت حتت واحد شمام ميسواش في سوق الرجاله بصله هيعرفني أنا ومراتي نتعامل ازاي
اقتربت قمر من يونس وهى تقول
-يونس اهدى
هتف معتز بملل
-كفايه بقا يا جماعة يا ريت نخلص اللي جايين علشانه الاهدار في الوقت معاهم مش حلو
رد أحمد قائلًا
-عندك حق خساره فيهم الجاز
أنهى كلامه وهو يلوّح بيده في ضجر، ثم أشار إلى أحد الرجال قائلاً:
-هات الجاز، خلّصونا منهم بقا!”
تحرّك أحدهم بسرعة، حاملاً الجركن، وبدأ في سكبه على فارس وشاهين المقيّدين في منتصف الفيلًا . كان الهواء مشبعًا برائحة الوقود، وأصوات أنفاسهم الثقيلة تمتزج بصوت السائل وهو ينسكب فوق ملابسهم،صراخ شاهين وفارس الذي كان يهز المكان ،كانت قمر تستمتع بصراخهم اليوم تقدر أن تترحم على والدتها .
نظرت قمر إلى المشهد ببرود أمرت أحمد أن يُعطيها ولاعته، اشعلتها ببطء وتقول بصوت خافت لكنه حاسم:
-محدش هيعرف لكم طريق تاني!.،ولما يوصل الخبر هتكونوا رماد .
بدوا جميعًا التراجع عن المكان خطوه خطوه حتى وصلوا إلى خارج المكان تبادلوا النظرات ، ثم رمى كُل من أحمد وقمر عود ثقاب مشتعلاً والولاعة نحو الأرض المبللة بالجاز، ليلتهم اللهب المكان في لحظة، بينما تصاعدت الصرخات وسط النيران التي بدأت تلتهم كل شيء.
ابتعدوا عن المكان سريعًا كان يونس يحمي قمر تحت ذراعيه خوفًا أن يُصيبها شئ
ابتعدوا جميعًا خرجت قمر من حضن يونس وقفت أمام الحرس وهى تقول
-بلغوا البوليس دلوقتي علشان النار متلحقتش تاكل فيهم اوي علشان يدفنوا فيهم حاجه
رد معتز ساخرًا
-طول عمرك صاحبه واجب وقلبك رُهيف يابت
قهقة الجميع عليهم وهتفت
-الحوار دا مش هيخرج بره عننا محدش يعرف بيه ولا حتى جدك أحنا هنعرف زينا زي الغريب ولو اتوجه لينا تهمه احنا عندنا دليل أن كلنا كُنا في المستشفى ولا اي
نظرو إليهم بتفهم
وانتهى اليوم على هذا الحديث
كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ،عادو جميعًا ،أحمد إلى المستشفى ومعتز إلى منزله ،أما العاشقين إلى منزل قمر ،اراد يونس اخذها إلى منزلهم لكنها رفضت
في منزل قمر
كان يونس يقف في منتصف الغرفة الرئيسية ،ينظر إلى كُل شىء لاول مره يدلف إلى منزل قمر ،طالع المنزل بانبهار وإعجاب ،خرجت قمر من غرفة النوم وهى تقول
-عجبك البيت
نظر إليها وجدها تقف بترنج شتوي جميل باللون الكحلي رافعه خصلاتها لاعلى تقدم منها وهو يقول
-عجبني صحبت البيت مش هيعجبني البيت
وضع يده على خصرها وقربها منه وتمتم بهدوء
-تعبانه اوي يا قمر صح
اخذت نفس عميق ووضعت راسها على صدره ثم هتفت
-اوي يا يونس ،مكنش نفسي يحصل كده أنا مش قتالة قتله يا يونس ،بس دا حقي من ساعة ما امي ماتت او بمعنى اصح اتقتلك وانا مترحمتش عليها يا يونس كان في نار بتاكل جوايا ،الراجل دا دمر حياتي كلها أنا واخواتي ،حرم اخواتي من اقل حاجه انهم يكبروا مع ابوهم ،حرمني أن امي تكون معايا اه جدي وجدتي حاولوا يخففوا عني لكن كان نفسي اشوف الحنية بتاعت الأهل يا يونس ،لما دخلت حياتي منكرش إني فكرت فيك وانجذبت ليك في نفس الوقت خوفت حياتك مش حياتي ،بس غصب عني وقعت في حبك شوفت حنيتك عليا حبيتك وبرده مقدرتش قولت مستحيل راجل يتحملني أنا مش وحشه يا يونس ولا قلبي ميت بس حقي وحق ابويا وامي كان لازم اجيبه وحق سما ملهاش ذنب ،يونس أنت ملكش ذنب تعيش معايا أنا مستهلكش يا يونس
رفعت راسها لتنظر إليه ،ورفعت نفسها حتى تكون في مستواه وضعت قبله على أحد خديه وقالت
-طلقني يا يونس
تمت بحمد الله