وكفى بها فتنه
البارت الرابع والعشرون 24
بقلم مريم غريب
في إحدي الأمسيات .. يذهب "أدهم" إلي غرفة جدته ليجالسها قليلا كما تجري العادة
و كعادتها أيضا تحب مناقشته في كل ما يتعلق بجديده ..
حليمة بإهتمام :
-طيب إيه إللي خلاكوا تغيروا معاد الفرح يعني ؟؟؟
أدهم بإبتسامة :
-ده كان طلب سلاف يا تيتة
هي إللي قالتلي نقدم المعاد
حليمة بحيرة :
-ليه يعني ؟
منها لنفسها كده ! .. ثم نظرت له بشك و قالت :
-و لا إنت إللي فضلت تزن علي ودانها يا واد ؟
مش قادر تمسك نفسك الكام شهر دول ؟!
ضحك "أدهم" بقوة و قال :
-و الله أنا ما فتحت بؤي معاها في الموضوع ده
إنتي ظلماني يا تيتة
حليمة بتهكم :
-أه ظلماك أووي
إنت يا واد مابتشوفش نفسك و إنت بتبصلها أو بتكلمها !
باين عليك إنك هتموت عليها بعد الشر يعني
أدهم معترفا :
-أنا مش هكدب عليكي أنا فرحان طبعا إن الفترة نقصت
أنا حقيقي حبيتها و فعلا مستعجل اليوم إللي هنتجمع فيه أنا و هي . بس هي إللي إقترحت المعاد الجديد مش أنا
حليمة بحذاقة :
-يبقي أكيد في سبب
ماقالتلكش حاجة ؟
أدهم بصوته الهادئ :
-لأ ماقالتش . بس أعتقد لو في سبب يعني فهو إيمان
حليمة بدهشة :
-إيمان !!
أدهم : أه
جايز غيرانة . أو بمعني أصح غريزة الأمومة هي إللي حركتها
حليمة بتفهم :
-إمم يعني قصدك إنها حنت للأطفال و نفسها تبقي أم زي أختك ؟
أدهم : أيوه يا تيتة بالظبط كده
أصل مالهاش تفسير تاني . كانت بتقنعني و هي بتعيط و إنتي عارفة إنها حساسة و بتتأثر أوي بمشاعرها
حليمة : عموما ده طبيعي
بس إللي فرحني بين كل ده إني بقيت متأكدة أنها حبتك
لو ماكانتش حبتك عمرها ما كانت إتلهفت علي الجواز عشان تخلف منك .. ثم أكملت براحة :
-الحمدلله يا حبيبي
أنا كده إطمنت عليها و عليك . إن شاالله أبوها يكون مرتاح في تربته دلوقتي .. و دمعت عيناها
إبتسم "أدهم" و حني رأسه ليقبل يدها ، ثم قال :
-ربنا يرحمه و يخليكي لينا و يباركلنا في عمرك يا أحلي جدة في الدنيا
حليمة و هي ترد له الإبتسامة :
-ربنا يفرحني بيكوا يا رب و يسعدكوا يا حبيبي .. و ربتت علي خده بحنان
..............
فتحت "سلاف" البراد و راحت تخرج بعض المحتويات اللازمة للعشاء ..
كان "أدهم" واقفا يراقيها ، و كانت تحس بنظراته تجري علي وجهها الشاحب و تفتش فيه
لكنها أصرت علي عدم إظهار أي شئ له ، أي تعبير خاطئ يمكن يشعره بوجود خطبا ما ..
كان يقضم من تلك التفاحة الناضجة بهدوء شديد ، عندما كاد إناء الملح أن ينزلق من يدها
إلتقطه "أدهم" في اللحظة المناسبة و سألها بقلق :
-إيه يا سلاف مالك ؟؟؟
أجفلت "سلاف" و هي تجيبه مغالبة توترها :
-مافيش حاجة يا أدهم
البرطمان كان هيقع من إيدي غصب عني بس !
أدهم و هو يعاينها بنظرات حائرة :
-طيب يا حبيبتي و لا يهمك . بس إبقي خدي بالك بعد كده
ممكن تكوني ماسكة حاجة تانية خطر مثلا و تقع عليكي لا قدر الله
سلاف بإبتسامة متكلفة :
-حاضر
هبقي أخد بالي يا أدهم
أدهم : ماشي
أساعدك في حاجة طيب ؟
سلاف برقة :
-لأ يا حبيبي شكرا
أنا الفترة دي في إختبارات لازم أتعلم الطبخ و أعرف أطبخ لوحدي
روح إنت أقعد برا لحد ما أخلص
أدهم بإصرار :
-لأ أنا واقف معاكي
و بعد الكثير من الإحتجاجات إستسلمت "سلاف" لرغبته و باشرت عملها و هو لا يزال يقف قربها ، كان يساعدها عندما تقتضي الحاجة ... و هكذا إلي أن إنتهت من تحضير العشاء
عاونها "أدهم" قسرا في نقله إلي غرفة الطعام ، و قد حدث ما كانت تخشاه ..
إنهالت عليهما العبارات الساخرة ..
فقالت "عائشة" :
-أيوه بقي يا دومي
صدق إللي قال الحب بهدلة و إنت يا شيخنا ماكنتش بتشيل معانا معلقة من المطبخ !!
لترد عليها "أمينة" و هي تضحك :
-ما خلاص بقي يا شوشو
الحب مالوش سلطان
إحتقن وجه "سلاف" بالدماء و عجزت عن الرد ، إكتفت فقط بإلقاء نظرة حادة علي وجه زوجها المبتسم بشقاوة ..
و بعد العشاء ..
يطلب "أدهم" من زوجته أن تعد له فنجانا من القهوة
صنعت "سلاف" القهوة و ذهبت بها إلي غرفته ... كان يجلس علي الكرسي الهزاز ، يقرأ كتابا علي ضوء المصباح الخافت
رفع ناظريه إليها و قال مبتسما :
-تعالي يا حبيبتي .. و إمتدت يداه صوبها
كانت دعوة لا تقاوم ..
مشت "سلاف" نحوه فورا و قلبها يخفق بإضطراب
وضعت القهوة علي الطاولة المحاذية لكرسيه ، بينما سحبها "أدهم" من يدها و أخذها بين ذراعيه
راح يهزها معه و هو يضحك بخفوت ، لتسأله محاولة إستعارة الإسترخاء الذي ينعم هو به :
-إنت بتقرا إيه يا أدهم ؟
رفع "أدهم" الكتاب الضخم و أجاب بصوته الهادئ :
-ده كتاب في مبادئ التشريح
سلاف و قد إنتابتها القشعريرة :
-تشريح !
حرام عليك بيجيلك قلب إزاي تقرا الحاجات دي قبل ما تنام ؟!
أدهم و هو يضحك :
-عادي يا حبيبتي
أنا تخطيت مرحلة الرهبة دي من زمان
دلوقتي بقيت جبلة مابحسش إنتي لو تشوفيني في العمليات أو في تطبيقات العملي مع الطلبة هيغم عليكي زيهم
كشرت "سلاف" و عاتبته بضيق شديد :
-بس ماتتكلمش
أنا مش عايزة أعرف إنت بتعمل إيه
ماتخوفنيش من فضلك !
همس "أدهم" و هو يحتضنها بشدة :
-معقولة ممكن تخافي مني ؟؟؟
لازم تعرفي إني معاكي إنتي بس ببقي واحد تاني خالص
حاجة زي السحر كده . مثلا زي ما بتمسكي الريموت كنترول و بتقلبي من قناة لقناة تانية مختلفة خالص
أنا ببقي كده لما بكون مع الناس و معاكي
إبتسمت "سلاف" و طبعت قبلة طويلة علي عنقه ، ثم قالت :
-أنا مش ممكن أخاف منك
إنت مافيش زيك أصلا يا دومي
ضمها "أدهم" أكثر و هو يقول بحنان :
-و إنتي أجمل هدايا ربنا ليا
أنا بقيت حاسس إنك بقيتي جزء مني يا سلاف
أول ما ببعد عنك بحس إني ناقص و لما بشوفك برجع كامل تاني
لم تتفوه "سلاف" بحرف ... سرحت في كلماته فقط ، تحديدا في كلمة _ البعد _ لا تعرف لماذا تدخل تلك الكلمة في أحاديثهم مؤخرا ، بات الأمر يقلقها حقا !!!
-سلاف ! .. صاح "أدهم" بقلق و هو يهزها عندما ناداها أكثر من مرة و لم ترد
سلاف بإنتباه :
-نعم يا أدهم !
أدهم : نعم إيه بس ؟
كنتي سرحانة في إيه يا هانم ؟؟؟
ضحكت "سلاف" برقة و قالت :
-بفكر فيك يا قلبي
أدهم بشك : لا بجد ؟
ما أنا جمبك أهو !
صمتت "سلاف" ثانيةً و قد داهمتها فكرة ما ... راحت تتصور بعقلها مدي نجاحها
لتفيق علي صوت "أدهم" من جديد :
-سرحتي في إيه تاني ؟؟؟ .. كان الضيق يغلف صوته
إعتدلت "سلاف" قليلا لتنظر له ، ثم قالت بجدية :
-أدهم أنا عايزة ألبس النقاب
عبس "أدهم" و هو يقول بإستغراب شديد :
-عايزة تلبسي النقاب ؟
ليه يا سلاف ؟ يعني إيه إللي جاب الفكرة علي بالك ؟؟!!
سلاف متظاهرة بالهدوء :
-أبدا . أنا بس فكرت إن ده هيكون أحسن
أنا دلوقتي بقيت متجوزة و شايفة إن مافيش داعي ناس غريبة يشوفوني
أدهم بعدم إقتناع :
-يعني هي البنت المحجبة بتظهر وشها قبل ما تتجوز و بعد ما تتجوز تغطيه ؟
جبتي منين النظرية العجيبة دي ؟؟؟
سلاف بضيق :
-أدهم أنا بتكلم بجد
و أيا كان السبب أنا ياسيدي عايزة أتنقب
أدهم حائرا :
-ما الحجاب الشرعي حلو بردو يا حبيبتي
أنا مش عارف إيه إللي قلب حالك فجأة كده !!
سلاف بتصميم :
-عايزة أتنقب يا أدهم
أدهم بإستسلام :
-خلاص براحتك
و لو إن دي حاجة لازم تفرحني إن محدش هيقدر يشوفك غيري .. ثم قال بجدية :
-بس علي فكرة أنا مش من أنصاره لو كنتي خايفة إني أجبرك تلبسيه بعد الجواز
إطمني أنا شايف أنه مش ضروري أبدا
نظرت له "سلاف" و كررت بهدوء ممزوج بالثقة :
-أنا عارفة
بس أنا بردو عايزة أتنقب يا أدهم
نظر لها "أدهم" عاجزا عن فهمها ، ثم تنهد و قال :
-طيب خدي رأي ماما و تيتة حليمة الأول
سلاف بإبتسامة :
-أوك
بس في جميع الأحوال بردو قراري مش هيتغير .. ثم نظرت لفنجان القهوة الذي برد الآن و أكملت :
-قهوتك بردت
هاروح أعملك غيرها .....