وكفى بها فتنه
البارت الرابع عشر 14
بقلم مريم غريب
عند عودتهم إلي البيت ...
قالت "سلاف" لعمتها أنها متعبة جدا و في حاجة ماسة إلي النوم ، و أن يمكنهم التحدث غدا في الصباح
كانت "أمينة" مهتمة أكثر بسماع ما جري من "عائشة" و هكذا تركت "أدهم" و "سلاف" يذهب كلا منهما إلي غرفته دون إعتراض ..
أغلقت "سلاف" الباب عندما صارت في غرفتها .. بدلت ملابسها سريعا ، كانت منهكة جسمانيا و عقليا فإستلقت علي سريرها فورا
تنفست بعمق و هي تستعيد أحداث المقابلة التي جرت بينها و بينه ..
علي الأقل فهمت لماذا كان يعاملها تلك المعاملة السيئة ، أراد أن يعصم نفسه من الفتنة .. كان يصدها بهذه الطريقة القاسية لكي يضع حدا بينهما لا يمكن تجاوزه
و لكن كما فهمت أيضا أن السحر إنقلب علي الساحر و هو لم يصمد أمامها طويلا مثلما قال لها
حتي أخر لحظة لم يعطها إجابة شافية علي سؤالها .. لماذا يريد الزواج منها ؟؟؟
إنه أجاب بالطبع ، و لكنها شعرت بأن كان من الضروري أن يقول المزيد ... كان يجب أن يقول شيئا خاصا ، إجابته ناقصة و هو يشترط الزواج قبل أن يفصح عن أي شئ أخر
علي كل هي أيضا لم تريحه و سيقضي الليلة كلها مستيقظا في مضجعه .. قالت أن بإمكانه سماع قرارها النهائي غدا
زفرت "سلاف" بتعب و غطت رأسها باللحاف المنفوخ ، و لم يستغرق الأمر إلا ثوان قليلة جدا .. ثم إستغرقت في النوم ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في غرفة "حليمة" ... تفرغ "عائشة" من سرد التفاصيل علي أمها و جدتها
ثم تختم كلامها بفكاهتها المعتادة :
-أهم حاجة إن الخبر هيطلع من دماغ عمتي راجية إن شاء الله . أراهنكوا مش هتستحمل و هاتجلها ذابحة .. و ضحكت
أمينة بتوبيخ :
-يابت بطلي قلة أدب و كلميني بجد شوية
عائشة بدهشة :
-ما أنا قولتلك كل حاجة يا ماما !
أمينة : لأ ماقولتيش أهم حاجة يا فالحة
عائشة : طيب يا نونو إيه هي أهم حاجة بالنسبة لك في الحوار ده كله ؟!
أمينة بجدية :
-قوليلي ردود أفعالهم كانت عاملة إزاي ؟
يعني بنظرتك كده . كنتي شايفة سلاف فرحانة ؟؟؟
عائشة بتفكير :
-هي سلاف حساسة أه و مشاعرها بتبان
بس إنهاردة كانت تقيلة أوي . كان صعب أي حد يقراها
أمينة بإنفعال :
-يعني إيه ؟؟؟ أنا وديتك معاهم علي الفاضي ؟ مش عارفة أخد منك معلومة مفيدة !!
عائشة بضيق :
-الله ! إنتي مش قولتيلي إبقي قومي و سيبيهم يقعدوا لوحدهم . ده إللي أنا عملته
-خلاص يا أمينة .. قالتها "حليمة" بصرامة ، و أكملت :
-خبر إنهاردة بفلوس بكره يبقي ببلاش
الصبح هنعرف رأي البنت و نرتاح كلنا
إطمني إن شاء الله خير
تنهدت "أمينة" بحرارة و قالت :
-يآاا رب يا ماما
أنا نفسي أفرح بأدهم أوي و مش مصدقة إن في واحدة عجبته أخيرا و ماقالش لأ المرة دي
حليمة بإبتسامة :
-ما قالش لأ يا أمينة عشان معجب بيها
و مين عارف !
جايز يكون حبها
أمينة بسعادة :
-يا رب يتمم الموضوع علي خير
لو حصل و الله مش هبقي عايزة حاجة تاني من الدنيا
هكون إطمنت عليه
عائشة بتكشيرة حزينة :
-بقي كده يا ماما ؟
يعني سي أدهم هو كل إللي يهمك في حياتك ؟!
نظرت لها "أمينة" و قالت مداعبة :
-إنتي حاجة تانية يا شوشو
يا عبيطة ده أنا عايزة أزيحه عشان أروقلك يا جميل
هو أنا ممكن يهنالي بال إلا لو شوفتك في بيتك مبسوطة مدلعة !
عائشة و هي تضحك :
-مآااشي . ثبتيني إنتي كده
عموما ربنا يخليكي لينا إحنا الإتنين إنتي و تيتة حليمة
و لا لأ . نناه علي رأي سلاف
ضحكت "حليمة" بدورها و قالت :
-آه منك يا جنية إنتي
إن شاء الله المرة الجاية نجتمع عشان نطرقك من هنا إنتي كمان قولي يا رب
عائشة بإبتسامة معابثة :
-يا رب يا ننـآاااه
يا رب !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أشرق صباح جديد علي منزل "آل عمران" ...
إستيقظت "سلاف" باكرا و هي تشعر بنشاط كبير .. أدت روتينها الصباحي و إرتدت ثيابها المؤلفة من چينز أزرق و قميص أصفر
وضعت علي رأسها حچابا صغيرا من اللون الأبيض و إنتعلت حذاءً بنفس لون الحچاب ، ثم خرجت من غرفتها
لتجد الجميع قد إستيقظ ..
ذهبت إلي المطبخ لتساعد "أمينة" و "عائشة" في إعداد الفطور ، فقد لاحظت أنها لا تساهم و لو بجزء من جهدها في هذا البيت الذي تعيش فيه منذ جاءت إلي هنا ، و أدركت أن ذلك ليس صائبا .. عليها أن تقدم مساعدة و لو بسيطة علي الأقل
بدا القلق علي "أمينة" عند رؤيتها ، لكنها تصرفت بطبيعية و رحبت بها في المطبخ متحاشية الحديث في أي شئ ..
.........
كان "أدهم" جالسا علي المائدة هو و جدته عندما أتت "عائشة" حاملة طبقي الجبن و الزبدة
جاءت "سلاف" و رائها حاملة العصير الطازج مع سلة من قطع الخبز ..
-صباح الخير ! .. قالتها "سلاف" بصوتها الرقيق و هي تضع ما بيديها علي المائدة
ليتصلب "أدهم" في مقعده فجأة ..
حدق إليها ، فإلتقت عيناه بعينيها و كان علي وجهه تعبير حذر قلق ... أدار رأسه سريعا ، و تمتم :
-صباح النور !
حليمة بإبتسامة جذلة :
-صباح النور يا روحي
تعالي يا قطتي . تعالي أقعدي جمبي
إبتسمت "سلاف" و مضت لتجلس بجوار جدتها ..
جاءت "أمينة" أخيرا ، و بدأ الجميع في تناول الطعام ...
أخذ "أدهم" قدحين من القهوة ، كان يشرب بنهم لا يخلو من التوتر و تقريبا لم يأكل سوي نصف شطيرة
إبتسمت "سلاف" إبتسامة لا مبرر لها ، و إلتقطت قطعة خبز ، ثم قضمت طرفها و هي تدرس تعابير وجهه ..
و تساءلت ... متي يصبح الوضع مناسبا حتي تبدأ كلامها ؟
هب "أدهم" من مكانه فجأة قائلا :
-طيب عن إذنكوا أنا !
إستقطب أنظار الجميع في هذه اللحظة ، و قالت "أمينة" بلطف :
-يا حبيبي طيب كمل فطارك
إنت تقريبا شربت قهوة بس !
أدهم مطرقا برأسه :
-شبعان يا أمي الحمدلله
السلام عليكم
-أدهم لحظة من فضلك ! .. إستوقفته "سلاف" بسرعة
تجمد "أدهم" فورا :
-عايزة حاجة يا سلاف ؟ .. سألها بصوت مرتبك
سلاف برقة :
-لو سمحت أقعد شوية
كنت عايزة أتكلم معاك في حاجة قدام نناه و عمتو و عائشة
يعني لو عندك وقت !
زم "أدهم" شفتاه و رفع يده اليسري لينظر في ساعته ..
أدهم : طيب . ممكن أستني شوية كمان .. ثم جلس من جديد مكملا بصوت أجش :
-إتفضلي يا سلاف إتكلمي
أنا سامعك !
لمعت عيناه العسليتان بإتجاهها من خلال أهدابه ..
قالت "سلاف" وسط الترقب المحدق بها :
-إنت إمبارح لما خرجنا طلبت تتجوزني و شرحتلي موقفك و رغبتك . و أنا كمان قولتلك إني هبلغك بقراري النهائي إنهارده
بدا التوتر علي وجه "أدهم" ... لكن ملامحه بقت ساكنة كما هي ، مع بعض الجهد
تابعت "سلاف" بإبتسامتها الجذابة :
-أنا بس عندي سؤال أخير حابة أسألهولك قدام الكل هنا قبل ما أقول قراري
أدهم بثبات :
-أسألي إللي إنتي عايزاه
سلاف ... بعد صمت قصير :
-دلوقتي أنا لو وافقت أتجوزك . أضمن إزاي إنك مش هتفرض سيطرتك عليا بعد الجواز ؟ و لا هتقيد حريتي ؟
بمعني تقولي إعملي ده و ماتعمليش ده
أنا لازم يبقي ليا رأي و رأيي يـُحترم كمان
ضغط "أدهم" علي شفتيه ... ضاقت عيناه ، نظر إليها نظرة طويلة كمن يحاول إتخاذ قرار
ثم قال بجدية تامة :
-طبعا إنتي ليكي رأي و رأيك يـُحترم زي ما قولتي
بس عايزك تكوني متأكدة إني عمري ما هفرض عليكي حاجة ضد مصلحتك
بالعكس . لو حصل نصيب أنا هعاملك بما يرضي الله
إستحالة أظلمك طبعا أنا متعلم أصول و قواعد ديني و عمري ما خرجت عنه لا في صغير و لا كبير من حياتي
كل ده أنا شخصيا بضمنهولك .. و أردف محذرا بصرامة :
-بس أهم حاجة لازم تبقي عارفها كويس
إن عقد الجواز إللي هيربطنا مش هيتفك أبدا
لو قبلتي تتجوزيني مش هينفع ترجعي و لا خطوة لورا
عشان كده لو محتاجة وقت تاني تفكري أنا ماعنديش مانع
هستناكي
نظرت له "سلاف" بتركيز شديد ، و دام الصمت المطبق طويلا هذه المرة ..
لتقول "سلاف" فجأة و بنبرة واثقة :
-لأ يا أدهم
أنا مش محتاجة وقت زيادة عشان أفكر
أنا خلاص قررت
تردد "أدهم" لحظة ، ثم قال بصوت قوي :
-و أنا جاهز أسمع قرارك
إستنشقت "سلاف" نفسا عميقا ، و إبتسمت بخفة قائلة :
-أنا موافقة
موافقة أتجوزك يا أدهم ........ !!