قصة ساتزوج منحرفا البارت الخامس والثلاثون35 البارت السادس والثلاثون 36 بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت الخامس والثلاثون35
البارت السادس والثلاثون 36
بقلم امانى عطيه 


أطلقت نجوى زفرة ارتياح طويلة وهى تهتف فى سعادة :
- أخيراً ، سنرحل غداً إلى الإسكندرية 
حاول ممدوح أن يخفى ضيقه قائلاً :
- أين تريدون الذهاب اليوم ؟
أجابت نجوى بسرعة :
- أنا لا أريد الخروج اليوم 
نظر إليها فى تساؤل فأردفت :
- أريد أن أركب الخيل ، نحن لم نقم بذلك منذ وقت طويل 
بادلها أشرف رغبتها قائلاً :
- فكرة جيدة ، ما دمنا سنسافر غداً ، فلا داع لمغادرة المنزل اليوم 
تنهد ممدوح وهو ينهض قائلاً :
- حسناً ، سأذهب لأبدل ملابسى ، بدلوا ملابسكم ريثما أعود

صعد الدرج مسرعاً ورغبة ملحة تغمره وتملأه شوقاً لرؤية هذه العنيدة التى كادت أن تفقده صوابه ، دلف إلى حجرته فى لهفة حاول إخفاءها ، وتبدلت بخيبة أمل قوية عندما تبين له عدم وجودها بالحجرة ، ازدادت رغبته فى رؤيتها إلحاحاً ، ترى هل تعلم أنه سيرحل غداً ، هل تشعر بما يشعر به من ضيق أقرب إلى الحزن .. أم أن فراقه يسعدها كما تدعى ..؟ هذه الحمقاء تستحق القتل ، كيف وهو الزعيم الذى لا يقهر كما يقولون عنه ..؟ كيف سمح لبلهاء مثلها أن تفعل به كل هذا ؟ كيف وصل الأمر إلى هذا الحد فى غفلة منه..؟ أين صلابته التى طالما تغزلوا فيها ؟ 
هز رأسه فى دهشة واستنكار كيف يداهمه كل هذا الشوق لرؤية المرأة الوحيدة التى يمتلكها شرعاً ، أخرج الملابس التى يريدها وألقى بها على الفراش وهم بارتدائها ، لم يستطع مقاومة هذه الرغبة التى عادت تلح عليه من جديد ، سيطلب من سعدية أن تأمرها بالحضور إليه وإن لم تطعه سيقتلها ، فهى ملك له شاءت أم أبت .. وعليها أن تدرك ذلك جيداً . 
اتجه إلى الباب لينفذ ما اعتزم عليه ، لكنه ما كاد يضع يده على مقبضه حتى عاد أدراجه من جديد . لن يتنازل ويذهب إليها أبداً ، على الأقل ليس بهذا الشكل المهين ، عندما ينتهون من ركوب الخيل سيكون الوقت ما زال مبكراً ، سيتعلل بأنه يريد النوم حتى يستطيع القيادة فى اليوم التالى ، ربما لن يصدقوه ، وربما يسخرون منه بطريقتهم المعتادة ، وربما تثور نجوى وتعترض ، لكن كل هذا لا يهم ، المهم هو أن يراها ، إن تصنعت النوم سوف يوقظها ، فليدع اليوم كبرياءه جانباً ، ليوم واحد فقط ، فشوقه إليها لم يشعر بمثله من قبل ، فهو يشتاق حتى إلى لسانها السليط ، هى أيضاً تشتاق إليه فهو على يقين من هذا ، لكن عنادها هو ما يحجبها عنه ، زفر بقوة وهو يلقى بالقميص الذى يرتديه جانباً حين بلغ مسامعه هذا الصوت فامتلأ حنيناً أخفاه سريعاً وهى تحدق فى وجهه ، يبدو أن وجوده فى الحجرة كان مفاجأة لها كما له ، أشاحت بوجهها عنه حتى لا يرى حنينها الذى لا تجيد إخفائه كما يفعل 
قال بعد فترة من الصمت :
- هل انتهيت من أعمالك فى المطبخ ؟
ظلت صامتة فاقترب منها فى بطء ووضع يديه على كتفها قائلاً :
- لماذا تفضلين دور الخادمة يا ليلى ؟
أجابته دون أن تستدير إليه :
- دور الخادمة أفضل من أدوار كثيرة لا أحب القيام بها 
ارتعدت حين قبل كتفها العارى قائلاً :
- سأرحل غداً 
ـ أعلم 
ـ ألن تقولى شيئاً ؟ 
ـ وداعاً 
ـ وداعاً ... تتحدثين وكأنك لا تريدين رؤيتى مرة أخرى 
ـ إن كانت رؤيتك تسبب لى كل هذا الألم ، أفضل أن لا أراك أبداً
ـ و ماذا ستفعلين بعد ذهابى ؟
ـ ما كنت أفعله قبل أن أراك 
ـ ما الذى كنت تفعلينه قبل أن تريننى ؟ 
ـ سأذهب إلى عملى ، فهو عشقى الوحيد 
ـ حتى الآن ؟ 
ـ ماذا تعنى ؟ 
ـ إن كان عملك هو عشقك الوحيد كما تقولين فأنا لن أسمح لك بالعمل 
استدارت إليه فى حدة سقطت معها المنشفة من فوق شعرها المبلل لكنها لم تبال فقد كان خوفها على عملها أكبر من أى شعور آخر .. صاحت به كنمرة شرسة تعرض وليدها للخطر : 
ـ العمل كان من أهم شروطى لقبولى الزواج منك 
قال فى تهكم واستنكار :
- شروطك !!!
قالت فى عصبية :
- نعم شروطى أيها المتعجرف ، سل والديك إن كنت لا تصدقنى 
ضرب كفاً بأخرى وهو يهتف قائلاً :
- أى زمن هذا ؟ أنت تضعين شروطاً لقبولك الزواج منى ؟!!
جذبها إليه بعنف قائلاً :
- امرأة غيرك ، كان يجب أن تشكر الله نهاراً وليلاً على ما أخذته منى حتى الآن
أزاحته وهتفت ساخرة :
- أخذته منك !! 
ـ ألا يكفيك كونك زوجتى ؟
نظرت إليه فى استنكار وكأنها لا تجد ما تقوله .. فابتسم وهو يغوص فى عينيها قائلاً : 
ـ ولا كونك أقربهن إلى قلبى ؟ 
صاحت فيه غاضبة :
- هل ستكف عن غرورك إذا علمت أن الشئ الوحيد الذى فعلته وندمت عليه كل الندم هو زواجى منك..؟
قبلها فى لهفة هامساً :
- كفى دلالاً يا ليلى 
عجزت فى التخلص من ذراعيه فراحت تلكمه فى غضب قائلة :
- دلالاً ... لماذا لا تصدق أننى لا أطيقك ؟
قال فى ثقة زادتها غضباً :
- لأنك كاذبة يا ساحرتى 
حاول تقبيلها من جديد لكنها أشاحت بوجهها بعيداً وهى تصرخ :
- كلا ، لقد أقسمت أن لا تلمسنى مرة أخرى 
قال ساخراً :
- أقسمت ..! ما أكثر ذنوبك ..! 
عادت تصرخ فى انفعال :
- ذنبى الوحيد هو زواجى من متوحش مثلك
تأملها فى شغف قائلاً :
- وجمالك هذا ، ألا تعتبرينه ذنباً !! بل أنه أعظم ذنوبك يا ليلى ، جمالك هو الذنب الذى لن أغفره لك أبداً 
حدقت فى عينيه بعينين تتراقص النار فيهما ، قذفه لهيبهما وزاده اشتعالاً فراح يهتف فى نبرة أكثر ولعاً : 
ـ وكيف أغفره وقد أغراك بإغواء رجل مثلى ، لقد عبرت منطقة محرمة يا جميلتى ، وعليك أنت وحدك تحمل ما تفعلينه بى 
وفى جنون راح يبثها بعضاً من ناره المشتعلة حتى انهمرت دموعها وهى تلكمه بعنف ، هتفت يائسة عندما شعرت وكأنها غزال يصارع أسداً جائعاً :
ـ اقتلنى إذاً وخذ ما تريده من جثتى أيها الغريزى المتوحش 
ابتسم فى شراسة قائلاً :
- أخشى أن أفعل هذا يوماً 
خمدت مقاومتها وانهارت قواها فاتسعت ابتسامته هامساً :
- هل أيقنت أخيراً أن العنف لن يجدى معى ؟
استجمع جنونها ما تبقى لها من قوة فبصقت على وجهه وهى تصرخ بأنفاس لاهثة :
ـ ربما أقنعك هذا بأننى لا أتدلل أيها المنحل 
تحولت رغبته المجنونة فيها إلى رغبة أكثر جنوناً فى الانتقام لكبريائه الذبيح ، فانهال عليها صفعاً ولكماً حتى كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وهو يصرخ فيها : 
ـ أيتها البلهاء الغبية ، من تظنين نفسك ؟ إلى أى مدى تتوقعين أن أحتملك ؟ اعلمى أنك لست أكثر من امرأة من مئات يزحفن خلفى ، وستبقين هكذا للأبد ، وسأبقى أنا رجلك الوحيد ، وسترضخين لهذا شئت أم أبيت 

ذهب ليغسل وجهه وعاد وهو يجففه بعنف كاد يسلخ معه جلده وكأن بصاقها قد عبر تحته ..! ألقى بالمنشفة أرضاً ، اقترب منها وما زال الغضب يكسو وجهه ، كانت ترتعد كالمحمومة وقد عجزت عن الصراخ لهول آلامها .. نظر إلى وجهها الذى اختفت ملامحه تحت سيل من الدماء ، راودته رغبة فى إسعافها ، لكنه بدل من ذلك انحنى ليجذب شعرها بعنف وضغط على أسنانه قائلاً : 
ـ سأروضك يا ليلى مهما كلفنى الأمر ، سأجبرك على طاعتى ولو اضطررت إلى تكسير رأسك العنيد هذا ..

تأوهت فى ضعف عندما تركها فى جفاء وأسرع ليبدل ملابسه ويغادر الغرفة دون أن يلتفت إليها ، داهمها شعور مريع بأنها ستفارق الحياة قبل أن يأتى أحد لنجدتها ، لن تكتمل رسالتها أبداً مع هذا المتوحش ، فلتذهب الدكتوراه للجحيم ، لقد تسرعت في هذه الزيجة .. أخطأت .. أجرمت .. لكن هذا العقاب فاق كل ذنوبها ، كثيراً ما سمعت وقرأت عن النهايات المأساوية لمعظم الجميلات على مدى التاريخ ، فهل كن بقدر حماقتها ؟ هل فعلن ما فعلته من تهور وطيش ؟ أهذه نهايتها هى أيضاً ؟ ماذا ستكتب جرائد الغد عنها ؟ هل سيثأر لها القضاء ويحكم بإعدامه على ما فعله بها .. أم أنه سينجو بفعلته مستغلاً ما له من نفوذ ؟ وماذا سيفعل فؤاد .. هل سيتركه طليقاً .. أم سيقتله ويشرد أسرته ؟ وماذا عن أساتذتها وزملائها وطلابها ، هل سيترحمون عليها ويقدرون ما قامت بها في لحظة مجنونة ظنت فيها أنها تضحى من أجل العلم ؟ 
لا تدرى كم دهراً مضى قبل أن تدخل سعدية إلى الغرفة ، وما إن رأتها الفتاة حتى صرخت فى فزع ، واندفعت تهلل فى صدمة وهى تحدق فى ليلى التى سكنت عن الحركة ..
همت بمغادرة الغرفة وهى تهتف :
- سأستدعى أحداً لنجدتك وأعود حالاً 
حركت ليلى أهدابها فى توسل ، وارتجفت شفتاها لتقول شيئاً فاقتربت الفتاة منها حتى كادت تلتصق بوجهها لتستمع فى صعوبة إلى صوتها الواهن حين قالت : 
-لا أريد أن يعرف أحد ما أنا فيه ، أرجوك يا سعدية 
ربتت الفتاة على كفها فى إشفاق قائلة :
- اطمئنى يا سيدتى .. لن أخبر أحداً
لم يمض وقت طويل حتى عادت الفتاة بصحبة حماتها وانهمكتا فى محاولة مستميتة لتضميد جراحها بعد أن أصرت على عدم استدعاء الطبيب خوفاً من انتشار الخبر ، تمكنتا أخيراً من وضعها فى الفراش فى حالة مستقرة ، مسحت حماتها على شعرها فى حنان هامسة :
- هل تشعرين بتحسن الآن ؟
عادت دموعها تنهمر رغماً عنها ، قبلت المرأة جبهتها قائلة :
- لا تغضبى يا ابنتى .. حقك عندى 
حدقت فيها صامتة ، فتنهدت المرأة قائلة فى مرارة :
- ممدوح سقط من فوق ظهر الحصان
غمغمت قائلة :
- حمداً لله كونى وجدت من يدافع عنى ؟
ابتسمت المرأة فى عتاب قائلة :
- هل أنت شامتة فيه ؟
قالت باكية :
- كاد أن يقتلنى ولم يحاول حتى إسعافى
ابتسمت المرأة فى حنان قائلة :
- يقول رفاقه أنه كان شاردا ً كل الوقت وهذا ما جعله يسقط من فوق ظهر الحصان الذى اعتاد أن يركبه منذ نعومة أظافره
أغمضت عينيها فى ألم بينما تابعت المرأة لتخفف عنها :
- أنا على يقين من أنه كان مشغولاً بكِ .. لو لم يكن مهتماً لأمرك ما كان طلب من سعدية أن تترك العجين وتذهب إليك على عجل ..
قالت سعدية 
-أقسم بالله يا سيدتى .. بأننى لم أرى سيدى ممدوح مهتماً وقلقاً بهذا الشكل من قبل .. كان يدفعنى دفعاً إليك .. لم يكن باستطاعته أن ينتظر حتى أغسل يدى من العجين ..!
قالت والدته 
- صدقينى يا ليلى .. ممدوح مهتم بك .. بدأ يحبك بالفعل .. أنا أدرى بولدى .. لكنه هكذا دائماً لا يحب الاعتراف بضعفه أبداً



تعليقات