قصة ساتزوج منحرفا البارت السابع عشر17 الثامن عشر18بقلم امانى عطيه


قصة ساتزوج منحرفا
البارت السابع عشر17
الثامن عشر18
بقلم امانى عطيه


شعرت ليلى بأنها تهوى وتهوى حتى استقرت أخيراً فى قاع الهاوية ، صرخات تصم أذنيها ، هناك من يهتف باسمها فى لهفة وجزع لكنها لا ترى شيئاً ، الظلام الدامس يسود المكان ، هناك من يضرب رأسها بالمطرقة ، إنها تسمع صوت المطرقة وتشعر بآلام رهيبة لم تعد تحتملها ، حاولت الصراخ دون جدوى ، صوتها المختنق لا يساعدها ، عادت تصرخ وتصرخ حتى سمعت صوتها أخيراً ، فتحت عينيها بصعوبة ، أنفاسها مضطربة ، رفعت يديها فى حركة لا إرادية تتحسس وجهها ، تلفتت حولها فى جزع ، لم يكن فى الحجرة سواها ، طرقات عنيفة تهز باب غرفتها وصوت عرفت فيه صوت حماتها تهتف فى لوعة وقلق .. لم تكن تحلم إذاً .. ليس كابوساً ما عاشته منذ قليل ..
- ليلى...ليلى هل أنت بخير؟ 
جمعت شتاتها بصعوبة قائلة :
- نعم ....
حاولت النهوض من فراشها ، شعرت بآلام مبرحة ، هناك شئ لم تعهده من قبل ، شهقت فى ذعر وغضب ، لم تعد هى ليلى عذراء الأمس ، لقد غدت زوجة لهذا القذر شاءت أم أبت ...

جلست ليلى فى حجرة كبيرة امتلأت عن أخرها بالنساء اللواتى أخذن يثرثرن بلا توقف حتى كاد الصداع أن يمزق رأسها إرباً ، زاد من ضيقها هذا البخور الذى أحضرته حماتها خوفاً عليها من الحسد وهى تجلس بين هذه العيون النهمة ، رغبة واحدة امتلكت كل حواسها ، الهروب ، الهروب هو الشئ الوحيد الذى ربما يخلصها من هذا الكابوس الذى لا ينتهى ، ستهرب الآن وليكن ما يكون ، تسمرت العيون فى ترقب وهى ترى العروس وقد نهضت فجاة واستعدت لشئ ما ، شعرت ليلى بحرج بالغ زادها ضيقاً فوق ضيقها ، كادت أن تطلق صرخات هيستيرية لولا دخول نادية إلى الحجرة وعلى شفتيها ابتسامة مرحة وما أن وقع بصرها على ليلى حتى تهللت قائلة :
- كيف حالك أيتها العروس الجميلة ؟
ألقت ليلى بنفسها بين ذراعى صديقتها التى تلقتها فى جزع وقد لاحظت وجهها الشاحب وجسدها المرتعد ثم ما لبثت أن قالت فى صوت حاولت أن تخفى ارتباكه :
- ليلى ...معى هدية خاصة جداً لك 
جذبتها ليلى إلى غرفتها غير مبالية بهمسات النسوة ونظراتهن الفضولية وما إن دلفت إلى حجرتها وأغلقت الباب خلفها حتى أطلقت لدموعها العنان وسط دهشة نادية وصدمتها .
بعد مضى وقت ليس بالقليل نجحت محاولات نادية المستميتة فى تهدئة صديقتها ، أخيراً تمتمت ليلى بصوت مختنق :
- الوضع أسوأ كثيراً مما ظننت ، هذا القذر لا يمكن تحمله ، الأمر فوق طاقتى يا نادية 
ربتت نادية على كتفها فى حنان قائلة :
- ماذا حدث ؟
ـ هذا الوقح يتلذذ بإهانتى وكأنه ينتقم منى 
نظرت إليها نادية فى جزع قائلة :
- هل اكتشف وجود حبوب منع الحمل ؟
هزت رأسها نفياً .. فأردفت نادية فى مزيد من القلق :
- هل أخبرته عن سبب زواجك منه ؟
صاحت ليلى بانفعال :
- ليس بعد ، لكننى سأخبره به حتى أحطم غروره فوق العادى
انتفضت نادية وهى تصرخ فيها محذرة :
- حذار أن تفعلى هذا ، الذى سيتحطم هو رأسك وليس غروره 
تنهدت ليلى فى ضيق قائلة :
- هل تصدقين أنه أخبرنى فى لا مبالاة بأنه كان يفضل أن أكون عشيقته وليس زوجته ، وبأنه تزوجنى فقط كى ينقذ والده من الموت ؟  هل تصدقين بوجود رجل يتحدث لعروسه بهذا الكم من الوقاحة في ليلتهما الأولى ؟
ابتسمت نادية فى هدوء قائلة :
- تذكرى أن السبب الذى تزوجته لأجله أكثر إهانة من هذا 
 أردفت ليلى فى عناد :
- سأخبره عن سبب زواجى منه لأر..........
قاطعتها نادية بصوت مرتجف :
- إنه عنيف جداً ، ربما قتلك أيتها الطائشة 
سألتها ليلى ببعض الذعر :
- هل قتل أحداً من قبل ؟
ـ كلا ،  لكنه كاد أن يفعلها أكثر من مرة .. 
صاحت فى حدة :
- ولماذا لم يدخل السجن إذاً ؟
ـ بسبب نفوذ والده وثرائه بالطبع .. ألم نخبرك بكل هذا قبل الزواج ؟!
ـ وكيف يشاركه الحاج سالم ظلماً كهذا ؟ 
ـ الحاج سالم يعشق ولده حد العبادة ، ويفتخر به كثيراً رغم كل عيوبه 
غمغمت ليلى فى يأس :
- ومن سيساعدنى للخلاص منه إذاً ؟
ضحكت نادية وهى تشير إلى صوره المعلقة على الجدران قائلة :
- ولماذا تريدين الخلاص منه ومعظم النساء يتمنين أن يصبحن مكانك ؟
نظرت إليها ليلى فى عتاب فابتسمت فى مكر قائلة :
- كل ما عليك هو طاعته وإظهار بعض التعاون وأنا على يقين من أنه يجيد معاملة الجميلات 
أحنت ليلى وجهها وزفرت بضيق قائلة :
- إنه ليس في حاجة إلى تعاونى ، فهو يأخذ ما يريده منى دون الرجوع إلىَ ، إنه أكثر من رأيت وقاحة ولا مبالاة .. كل ما يفعله يشعرنى بالجنون
قالت نادية فى هدوء :
- لا تنسى كونك زوجته 
غمغمت ليلى فى ضيق :
- ليتنى أستطيع النسيان ، ليت ما أنا فيه ليس إلا كابوساً فأستيقظ منه 
ربتت نادية على كتفها قائلة :
- لقد حذرناك جميعاً ولكنك قررت وحدك 
انهارت قائلة :
- وهذا ما يزيد من عذابى ، لماذا لم يقتلنى فؤاد ؟ لماذا تركنى لهذا العقاب المرير ؟

******

فى الردهة الواسعة بالطابق الأسفل ، جلس ممدوح بين والده ورفاقه يستقبلون سيلاً من الرجال المهنئين بدا وكأنه لن يتوقف أبداً .. راح يستمع فى صبر نافد وابتسامة صفراء إلى دعواتهم له بالفضيلة والهداية ، حانت منه التفاتة إلى رفاقه فوجدهم أكثر ضيقاً منه وهم يتطلعون إليه فى لهفة وشوق لمعرفة ما حدث أمس بينه وبين هذه الغامضة التى تزوجها ، اقترب منه أشرف هامساً :
- وماذا بعد ، هل سنبقى فى جلسة التعذيب هذه للأبد ؟
تنهد ممدوح بضيق قائلاً :
- ثق أننى أشعر بما تشعر به وربما أكثر 
تابع أشرف بنفس النبرة الهامسة :
- جد لنا حلاً إذاً 
ـ أخشى أن أسلب أبى هذه الفرحة التى تملأ وجهه 
ـ امنحنا نحن أيضاً بعض الشفقة 
اتسعت ابتسامة ممدوح ولكنه قبل أن يعلق بشئ ، أقبل فؤاد لتقديم التهنئة ونظر كلاهما للآخر فى برود واضح بينما تقدم الحاج سالم إلى ضيفه يحتضنه فى ترحاب وحفاوة .. سرى فيض من الهمس والهمهمة بين الحاضرين قطعه فؤاد حين اقترب من ممدوح مصافحاً فبادله ممدوح المصافحة ، وكذلك فعل رفاقه وكأن شيئاً لم يكن  
 لم يمض وقت طويل حتى نهض فؤاد مستعداً للرحيل فهتف الحاج سالم مستنكراً :
- بهذه السرعة .. لن تنصرف قبل أن تشاركنا الغداء .
ابتسم فؤاد فى هدوء قائلآ :
- كرمك لا يحتاج إلى برهان يا حاج سالم , لكننى أنتظر بعض التجار من سوهاج وأخشى أن يصلوا إلى المنزل ولا يجدوننى هناك ، هل يمكننى رؤية العروس قبل أن أنصرف ؟ 
وقف ممدوح وسط دهشة والده ورفاقه ودهشة فؤاد نفسه قائلاً :
- ما دمت مصراً على الرحيل ، سأرافقك لرؤية العروس إذاً 
تدخل والده منزعجاً :
- أنا الذى سأرافقه 
أجابه ممدوح فى حزم قائلاً : 
- ابق أنت مع ضيوفك يا أبى ، هيا يا سيد فؤاد 
تقدمه فؤاد إلى الدرج بينما اقترب منه والده وقال هامساً :
- تذكر يا ولدى أنه فى بيتك 
ابتسم ممدوح قائلاً :
- اطمئن لن أقتله 
راح ممدوح يصعد الدرج عدواً كعادته ، لكنه توقف ما إن نظر خلفه وأدرك أن فؤاد لا يستطع مجاراته فابتسم قائلاً :
- تمتلك جسداً ثقيلاً يا سيد فؤاد   
ضغط فؤاد على كلماته قائلاً :
- العمل لا يترك لى وقتاً للاعتناء بنفسى 
قال ممدوح فى لا مبالاة :
- هذا ليس عذراً كافياً ، إن لبدنك عليك حق 
أجابه فؤاد فى مكر :
- أخشى أنك لا تهتم سوى بهذه الحقوق 
ضحك ممدوح ولم يعلق ، وصلا إلى الحجرة التى أعدت خصيصاً من أجل العروسين ، فتحها ممدوح قائلاً: ـ  تفضل ، سأرسل لاستدعاء ليلى حالاً  
جلس فؤاد على أحد الكراسى الوثيرة وتأمل ما حوله بإعجاب قائلاً :
- الحجرة رائعة ، أتمنى لكما التوفيق
قدم له ممدوح علبة سجائره قائلاً :
-  تفضل                 
 لكن فؤاد رفضها بأدب متعللاً بأنه لا يدخن ، فابتسم ممدوح قائلاً :
- تبدو فاضلاً أكثر من اللازم 
 نظر إليه فؤاد وابتسم مرغماً بينما أشار ممدوح إليه بطبق من الفاكهة قائلاً:
- لا أظن أن هذه من الممنوعات 
 تناول فؤاد منه تفاحة شاكراً ثم ما لبث أن سأله ببعض الاهتمام :
- هل أخبرت ليلى بما حدث بيننا أمس ؟
أجابه ممدوح فى وقاحة مقصودة :
- لم يكن هناك وقت 
 ساد الصمت بينهما قليلاً حتى قطعه فؤاد قائلاً :
- عذراً ، إن كنت قد أخذتك من ضيوفك 
هتف ممدوح ممتناً :
- لقد أنقذتنى من هذه الجلسة المملة 

أقبلت ليلى فى تلك اللحظة وأسرعت ترتمى بين ذراعى فؤاد فى لهفة وكأنها وجدت أخيراً من ينقذها من براثن هذا الذئب ، تأملها فؤاد فى قلق قائلاً :
- ماذا بك ؟
قالت بصوت مرتبك :
- كنت أخشى أن لا تأتى 
تمتم وهو يتفحصها بإمعان ليتأكد من كونها بخير :
- وكيف لا آتى ، ومن لى أغلى من ليلى  ؟ 
تحجر الدمع فى عينيها وهى تتعجب كيف لم تدرك ذلك من قبل ، لماذا لم تستمع إليه حين نصحها بالابتعاد عن هذا المتوحش ؟  همس فؤاد باسمها فى قلق ثم حول ناظريه إلى ممدوح وسأله بانفعال :
- ماذا فعلت بها ؟
أجابه ممدوح وهو يتطلع إلى ليلى التى تجاهلت النظر إليه منذ دخولها إلى الحجرة :
- وماذا تظننى قد فعلت بها وقد علمت بالأمس فقط أنها تحدت الجميع للزواج منى ؟
نظر إليه فؤاد فى غضب لكنه لم يجد ما يقول .. عاد ينظر إلى ليلى فى قلق وتساؤل 
فتصنعت ابتسامة قائلة :
 ـ لا تقلق بشأنى ، أنا بخير ... ربما كنت مرهقة قليلاً لأننى لم أنم جيداً 
تفحصها فؤاد فى ريبة قائلاً :
- سأسافر غداً إلى سوهاج ، يمكننى تأجيل السفر أو حتى إلغائه إذا اقتضى الأمر 
كتمت ليلى غيظها بصعوبة حين أمسك ممدوح بكتفيها وأدارها إليه قائلاً :
- اطمئن يا فؤاد ، يمكننى أنا الاعتناء بها جيداً ،  فالرجل لن يجد امرأة مثلها كل يوم ، هى أيضاً قد وجدت أخيراً الرجل الذى يمكنه التعامل معها بالطريقة التى تفضلها ، أليس كذلك يا عروسى الجميلة ؟

حمدت ليلى الله على أن ظهرها فى مواجهة أخيها حتى لا يراها عندما أغمضت عينيها وعضت على شفتيها حتى كادت تدميها .. اتسعت ابتسامة ممدوح وهو يجذبها إليه ويقبلها غير مبالٍ بوجود فؤاد الذى هز رأسه مستنكراً ولكنه وقف عاجزاً لا يدرى ماذا يفعل  .... ؟



تعليقات