رواية أسير عينيها الفصل الاول 1 والثاني 2 الجزء الرابع بقلم دينا جمال


رواية أسير عينيها

الفصل الاول 1 والثاني 2 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال 


كانت لا تزال السابعة صباحا حينما دق المنبة الخاص به بصوته المزعج يصدح مرة بعد مرة كأنه يصرخ فيه أن يستقيظ، انكمشت ملامح وجهه بضيق ليتأفف بضجر يحاول فتح مقلتيه مد يده تجاه ذلك الجهاز الصغير المزعج، التقطه ليلقيه بعنف على أحد الجدران ليتهشم المسكين إلى بقايا صغيرة تأفف ينهض جالسا على الفراش يفرك جبينه بعنف ليلتفت برأسه ناحيتها ليجدها توليه ظهرها هو متأكد انها مستيقظة ما أن تشعر به يستيقظ تبتعد عنه سريعا توليه ظهرها وكأنها لم تكن تختبئ في صدره الليل بطوله، اخيرا سمع صوتها تهمس بتلك النبرة الجافة الباردة التي يكرهها:.


- دا رابع منبة تكسره الأسبوع دا!

زفر بحنق من تجاهلها له معاملتها التي تصبح جافة باردة تحمله ذنب لا ذنب له فيه

مد يده يضعها على ذراعها، لترفع يدها بهدوء أزاحت يده لتشد الغطاء حتى وجهها تختفي عنه، وهنا بلغ به الغضب مبلغه، امسك الغطاء يدفعه عنها بحدة، يزمجر غاضبا:

- لما تكلميني بصيلي.


لحظات من الصمت لا يسمع سوي صوت انفاسه الهادرة لم تهتم بما يقول تماما بل بقيت على نفس موضعها تنام على جانبها الايسر توليه ظهرها، طال صمتها لدرجة أنه ظن انها قد نامت، ليسمعها تهتف بتلك النبرة الجافة مجددا:

- دي كانت معلومة عابرة!


حتى كلامها بات قليلا، تهدجت انفاسه شوقا وغضبا ليمسك ذراعها جذبها بقوة لتشهق بعنف حينما وجدت نفسها فجأة تجلس أمامه مباشرة جبينه يرتطم بجبينها، تشعر بانفاسه الهاردة الغاضبة، تلطم صفحة وجهها بعنف رقيق، كأنها تعاتبها بقوة حانية، بلعت لعابها بتوتر تحاول الا تصطدم بمقلتيه الغاضبتين، أرادت ان تشيح بوجهها بعيدا ليقبض بكفه على فكها برفق يجبرها على النظر له، لحظات صمت تحاول بكل السبل التحرر من اسره لتسمعه يهمس بألم:.


- أنا ما غلطتش اللي حصل دا مش بسببي صدقيني انتي ما تعرفيش ايه اللي حصل، اديني فرصة اشرحلك وبعدين احكمي

انهمرت شلالات الدموع من انهار عينيها كأنه نهر وحان وقت فيضانه، نزعت نفسها من بين يديه لتقبض على تلابيب ملابسه باظافرها تنوح باكية:

- لييييييييه اذيتها كدة، لييييه حرام عليك، ليييييييه...


امسك كتفيها يبعدها للخلف قليلا، شدد بكفيه على كتفيها ينظر لعينيها المنتفختين من أثر البكاء، والهالات السوداء تحيط بهما كظلمة الليل الحالك، تنهد بألم مقررا اخبارها

بما حدث كاملا، :

- بطلي عياط واسمعيني!


بدأ يقص عليها ما حدث كاملا طوال المدة الماضية، لتشخص عينيها حتى آخرهما عذرا، شهقة قوية خائفة خرجت من قلبها قبل جوفها وضعت يدها على فمها تنظر له بذعر مما يقول، ليتنهد بألم ما أن انهي حديثه، اغمض عينيه للحظات باسي متمتما بشرود:

- عرفتي بقي إيه اللي حصل بالظبط!


هزت رأسها إيجابا لتشهق في بكاء عنيف جسدها يرتجف بشدة من الخوف لتحرك شفتيها كانت تتمتم في البداية بكلام لم يسمعه سرعان ما تحولت التمتمة لصرخات ذبيحة شقت سكون المكان:

- بنتي، بنتي عايزين ياخدوا بنتي مني ليييه، كل دا حصل لبنتي وأنا مش موجودة

اتجهت برأسها ناحيته ليخمد بكائها قليلا فقط قليلا امسكت كفيه تصغط عليهما تهتف من بين نشيجها الحار:.


- اعمل اي حاجة، عشان خاطري، عشان خاطري، مش هستحمل بنتي تضيع مني، ابوس إيدك.


خرجت منه تنهيدة حارة طويلة يعود بوعيه من تلك الذكري القديمة القاسية، انهيار لينا الحاد ومعامتلها الجافة له قبلها، وما حدث قبل ذلك، كم كانت قاسية تلك الفترة بكل ما حدث فيها، وما حدث بعدها كان فقط نتيجة متوقعة لها، اتجه بنظرة لها، ليجدها نائمة تتوسد صدره كطفلة صغيرة، ابتسم برفق يربط على منابت شعرها الصفراء لو مرت مئة عام.


ستظل في نظرة طفلته الصغيرة، عشقه الوحيد، نبض شريانه كما يقول دائما، وضع رأسها برفق على الوسادة ليتحرك بخفة متجها إلى المرحاض وقف امام المرآه ينظر لنفسه.


دخل عنفوانه وكبريائه في صراع حاد مع الزمن فكانت النتيجة لصالحه ولصالح الزمن معا نفس الطول الفاره والجسد المعضل مع وجود تلك الشعيرات البيضاء التي غزت شعره ولحيته لتزيده وقارا له حدة خاصة تليق به هو فقط، لاحت على شفتيه ابتسامة صغيرة، يغبط لينا في نفسه فرغم مرور كل تلك الأعوام لا تزال تبدو شابة وكأنها في ريعان شبابها، صحيح أنها تستخدم تلك المواد الغريبة لحقن بشرتها والصبغات الغالية لتبقي لون شعرها كما هو فتبدو كأنها ابنته لا زوجته، جز على أسنانه بغيظ فحينما يأخذها هي وابنته لأي مكان يظنها الجميع ابنته بل ويتقدم لها الخُطاب أيضا، اغتسل وبدل ملابسه، خرج من المرحاض يقف امام مرآه الزينة يمشط شعره بفرشاته الخاصة لترتسم على شفتيه شبح ابتسامة صغيرة يهمس لنفسه:.


- شيخ الشباب يا خالد!

صدح صوت ذلك المنبة المزعج يصرخ بعلو صوته، ليقطب جبينه غاضبا من ذاك الجهاز الصغير اللعين، اتجه ناحيته يحمله بين يديه ود بشدة لو دفعه إلى الحائط ليكون مصيره كمن سبقوه ليجدها تقفز ناحيته تتعلق بذلك الجهاز الصغير عينيها شبه مغلقة تمتم بهمس ناعس:

- بالله عليك ما تكسره، كفاية كسر منبهات بقي يا حبيبي...

اخذت منه المنبة تضعه مكانه لتقترب منه تقبل وجنته تبتسم ناعسة:

- صباح الخير.


ما كادت تنزل من الفراش تبعتد عنه لتبتسم بيأس حينما شعرت به يحاوط خصرها بذراعه يعيدها إليه يبتسم بعبث ضحكت رغما عنها ضحكة صغيرة خافتة، لتتسع ابتسامته يلف ذراعه الآخر يطوقها بذراعيه يهمس بخبث محبب إليها:

- صباح الخير بس، كدة حاف!

عبست بنعاس تتمني فقط أن تعرف متي سيتوقف ذلك الرجل عن انحرافه هذا، مدت يديها تحاول فك ذراعيه الذين يحاوطونها كالكماشة مطت شفتيها بضيق تزجره بدلال:.


- يا ابني بس بقي، نفسي اعرف إنت هتبطل قلة ادبك دي امتي هاا، دا أنت بقيت بابا وقريب هتبقي جدو..

ضيق عينيه بغيظ ليشدد من أحكام ذراعيه حول خصرها يقربها منه يهمس بشر كأنه سفاح محترف:

- على الله اشوف حد يهوب ناحيتها، هخليه بقايا بني آدم

قربت يديها من رقبته كأنها تريد خنقه تجز على اسنانها بغيظ تضيق عينيها تطالعه بنظرات حادة غاضبة:

- مش قولنا تبطل وحشية بقي يا بربري أنت.


رفع حاجبه الأيسر ينظر ليديها نظرات ماكرة متسلية، لتبلع لعابها بتوتر تعرف تلك النظرات الماكرة جيدا، رفع أحد يديه يضعها خلف رأسها مقربا وجهها منه يبتسم بشراسة اظهرت انيابه الحادة:

- وحشية وبربري، الله يرحم قاسي متوحش عنيف كرجل الكهف، فاكرة ولا افكرك...

تهدجت أنفاسها بعنف تتلوي بين ذراعيه بقوة تحاول التحرر منه الا أنه رفض وبشدة لتتوقف عن المقاومة تنظر له بحسرة رفعت سبابتها برجاء تهمس بترجي:.


- تعرف يا خالد أنا ليا أمنية واحدة بس في الدنيا ومستعدة أموت بعدها

قطب جبينه بحذر ينظر لها بترقب وقلبه ينقبض بعنف من تلك الكلمة الحمقاء التي نطقتها للتو ليجدها تهتف برجاء:

- انك تبطل قلة الأدب والانحراف اللي فيك دا

ضحك عاليا، ضحكات صاخبة صدحت في ارجاء الغرفة ليجدها تربع ذراعيها امام صدرها تزم شفتيها تتمتم حانقة:

- ايوة يا أخويا أضحك أضحك، انا نفسي اعرف مامتك كانت بتتوحم على ايه.


لم تزده كلماتها الا ان ارتفعت ضحكاته تعلو أكثر ليهدأ من صوته تدريجيا ينظر لها يلاعب حاجبيه بعبث مغمغا بخبث:

- يا بنتي قلة الأدب دي فن مش عن عن

تركها متجها ناحية المرآة يكمل من تعديل هيئته لتنظر له بابتسامة حالمة، اتجهت هي ناحية المرحاض ما كادت تدخل اليه لتلفت برأسها له:

-صحيح، اعزم زيزو على الغدا النهاردة بقاله كتير ما جاش هنا

تغضنت ملامحها بحسرة تتنهد بضيق مكملة:.


- أنا مش فاهمة ازاي طاوعك قلبك تبعده عن البيت، حتى ولو هو اللي طلب، مش ابنك دا

وضع فراشة الشعر من يده التفت لها يعقد ذراعيه أمام صدره يناظرها بنظرات هادئة غامضة ليهز رأسه نفيا مغمغا بجد:

- لاء مش ابني، أنا عارف كويس أنا بعمل ايه، جهزي نفسك عشان اوصلك في طريقي وأنا هروح اصحي لينا

دون كلمة أخري تركها وخرج من الغرفة لتتنهد بضيق، لا تفهم سبب تغير خالد تجاه زيدان بتلك الطريقة.


منزل ضخم يقف وحيدا وسط الصحراء، مكان منعزل خالي من الناس، الناس التي لم تسبب الا في اذيته كرههم وأصر أن يكون وحيدا في ذلك البيت البعيد الضخم لا أحد سواه هو فقط لا حارس لا خادم فقط هو والصحراء الشاسعة ندا بالند، يركض يشق غبار الطريق كأسد ضاري تتعالي الاتربه الصفراء حوله كأنها تصارعه تحاول إيقافه، تود أن تغرقه في بحر من الذكريات، موجات من الماضي الأليم يركض بعنف كأنه يهرب منها يرد فقط

النجاة!


سقط على ركبتيه ارضا متعب خائر القوي، نظر للصحراء امامه يتنفس بعنف يطالعها بنظرات حادة ثابتة، هب واقفا يعود مرة أخري إلي ملجئه البعيد، اتجه سريعا إلى غرفته.


يلقي بجسده تحت الماء البارد عله يطفئ من نار ذكرياته التي تحرق جسده بلا رحمة توصمه بوصمة عار، عار لن يعرفه سواه، خرج من المرحاض بعدما هدأت نيرانه قليلا يكمل ارتداء ملابسه، لتقع عينيه على صورتها التي اخذها خلسة دون أن يدري أحد امسكها برفق كأنه يخشي حتى على صورتها أن تتأذي نظر لابتسامتها الواسعة الصافية لتخرج من بين شفتيه تنهيدة حار تخبرهم باندلاع النيران في قلبه من جديد نيران عالية حادة مشتعلة عاشقة تلمس وجهها بأصابعه ليهمس بشوق:.


- قريب، قريب اوي!

وضع صورتها بحذر ليكمل ارتداء ملابسه، متجها إلي عمله.


في مكان آخر يختلف كل الاختلاف عن سابقه شقة متوسطة الحال في عمارة صغيرة في حي

راقي نوعا يخلو من تلك الذبابات الصغيرة المزعجة التي يطلق عليها اسم « التكاتك »

حي هادئ تحاوطه الاشجار، عمارة قديمة عريقة تشيد باصرار مدي أصالة المكان.


شقة كبيرة نوعا ما في الطابق الثالث، تتكون من غرفتين للنوم وصالة واسعة، مطبخ متوسط الحجم يفوح منه رائحة طعام شهية تيقظ النائم، صوت راديو صغير أصرت تلك السيدة أن تحتفظ به رغم تطور الزمن، تستمع إلى برنامجها المفضل التي عرفته مصادفة ويا لها من مصادفة سعيدة التي جعلتها تستمع إلي ذلك البرنامج الإذاعي الشهير والمحبوب « صباحك ومطرحك ».


، داخل أحدي غرف النوم دخلت تلك السيدة تفتح الباب بهدوء، نظرت للنائم على الفراش بابتسامة صغيرة حانية، عينيها تخترز قسمات وجهه لتتنهد بحزن تشعر بقبضة تعتصر قلبها، اتجهت ناحية نافذة غرفته تسحب الستائر السوداء التي تحجب الضوء فتحت زجاج الغرفة على مصرعيه ليدخل هواء الصباح الباكر، اتجهت ناحية فراش النائم جلست بجانبه تربط على كتفه برفق:

- حسام، حسام، يا حسام، قوم يا ابني هتتأخر على الشغل.


تململ الأخير في نومه يغمغم وهو نائم:

- حاضر الصبح

خرجت منها ضحكة صغيرة خافتة فهو حينما يكون غارقا في النوم يخترف بكلام غريب، لتعاود هو إيقاظه مرة اخري:

- قوم يا حسام هتتأخر على العيانين يا إبني، يلا قوم يا ابني لواحد من العيانين يدعي عليك بسبب تأخيرك دا

انتصف الأخير في جلسته يمد ذراعيه في الهواء يتثأب بقوة بالكاد يستطيع فتح عينيه ارتسمت على شفتيه ابتسامة ناعسة ينظر لوالدته يهمس بخمول:.


- صباح الفل يا ست الكل

ابتسمت والدته بحبور تربط على خده بلطف كأنه طفل صغير تهمس بحنانها الفطري الدافئ:

- صباح النور يا حبيبي، يلا قوم بقي هتتأخر على شعلك

انزل ساقيه ارضا يجلس معتدلا ليميل مقبلا رأس والدته ويديها كما تعود ان يفعل منذ سنوات طوال مغمغا برفق:

- حاضر يا ست الكل

ابتسمت بسعادة بينما توجه هو إلى المرحاض ليغتسل تنهدت بابتسامة حانية قامت تتحدث مع نفسها:.


-الحق احضره الفطار يأكل لقمة بدل ما ينزل على لحم بطنه

خرجت من الغرفة ليخرج حسام بعد دقائق من المرحاض وقف يمشط شعره الاسود الكثيف أمام مرآه الزينة يبتسم بنشاط بعد ساعات كافية من النوم...

أرتدي قميص ابيض اللون يظهر عضلات جسده المتناسقة، وبنطال من خامة الجينز ازرق اللون

القي نظرة أخيرة على نفسه في المرآة ليبتسم بثقة حمل حقيبته الجلدية التي تحتوي على جهاز اللاب توب الخاص به ليتجه إلى خارج الغرفة.


« حسام مختار عادل، طبيب شاب في مجال النسا والتوليد مجتهد في عمله، في الثانية و الثلاثين من عمره، ذو قامة طويلة وجسد متناسق، يعمل دائما على الاعتناء به، شعر أسود كثيف واعين سوداء حادة لامعة، يعيش مع والدته في شقتهم بعد وفاة والده قبل ثلاثة أعوام، والدته أغلي ما يملك هو على أتم استعداد ليفعل اي شئ فقط لرضاها ».


اتجه إلى غرفة ابنته دق الباب عدة مرات وكالعادة لا مجيب اميرته تغط في نوم عميق فتح الباب، يدخل إلى الغرفة نظر لحسنائه النائمة بابتسامة صغيرة حزينة لولا تلك الحادثة القديمة لكانت تحيا الآن حياة طبيعية مثلها مثل مئات الفتيات، كور قبضة يده يشد عليها ينهر نفسه بعنف، كيف لم يستطع أن يحميها، كيف تركهم يفعلون بها هذا، ما عاشته طفلة في ريعانها ليس بقليل، تنهد بألم ليتجه ناحية نافذة غرفتها يشد ستائرها بقوة لتدخل أشعة الشمس الحارة تشاكس الأميرة النائمة، تملمت الأخيرة بضيق تتأفف ناعسة:.


- بابي اقفل الشباك، لسه ما نمتش

ضحك رغما عنه ليقترب من فراشها جلس جانبها يصفع جبينها براحة يده برفق:

- ما نمتيش ايه دا انتي بقالك يجي عشرين ساعة نايمة، قومي يا بنت

نفخت خديها بضجر تعلمت تلك الحركة من والدتها لتنتصف جالسة على الفراش تبتسم ناعسة، مالت تقبل خد والدها تهمس بمكر:

- خالد باشا بنفسه جاي يصحيني، مش عواديك يعني يا بابي.


رفع حاجبه الايسر بسخرية لما تلك الفتاة تشبهه لتلك الدرجة قرص انفها برفق ليغمغم بتهكم:

- بقي كدة يا بنت خالد ماشي، على العموم أنا كنت جاي اقولك مالوش لزوم تروحي الجامعة النهاردة.


اتسعت عينيها بذهول تنظر له بدهشة رمشت بعينيها عدة مرات وقلبها يدق بعنف لما لا يريد منها الذهاب، يجب أن تذهب، يجب أن تراه، كيف سيمر اليوم دون أن تراه دون أن تسمع صوته، دون أن تضحك من خلجاتها بسعادة من مزحاته اللطيفة، بلعت لعابها تنظر لوالدها بتوتر تهمس:

- ليه يا بابي أنا عندي محاضرات مهمة.


أخرج هاتفه من جيب حلته الفخمة فتحه يشهره أمام وجهها لتري انها صورة لجدول محاضراتها الإسبوعية، نظرت لمحاضرات اليوم لتجد فقط محاضرة واحدة فقط لا غير، تنهدت بحزن، تلعن في نفسها من قام بتغير جدول محاضراتها، لتسمع صوت والدها يهتف بهدوء:

- محاضرة واحدة والدكتور بتاعها بيجيلك آخر الأسبوع يشرحلهالك هنا، يعني مالوش لزوم مروحاك النهاردة، اجهزي وحصليني على الفطار.


هزت رأسها إيجابا بطاعة ليخرج خالد من الغرفة مغلقا الباب خلفه لتمسك وسادته تجز عليها باسنانها بغيظ لن تخرج لن تراه، تكاد تجن من الغيظ، اتجهت سريعا إلى المرحاض لتلحق بهم فوالدها حازم جدا خاصة في مواعيد الطعام

«لينا خالد السويسي --- 24 عاما.


فتاة جميلة متوسطة الطول تفوق طول والدتها ببعض سنتيمترات، بشرتها بيضاء صافية، ملامحها طفولية ماكرة مزيج خاص بين براءة لينا وعنفوان خالد، وجنتيها متشربتان بحمرة طبيعية ذات أعين بنية دافئة شعر بني داكن، امتزج فيه شعر والدتها الأشقر وليل شعر والدها الحالك

، تدرس في السنة السادسة في كلية الطب، بناءا على رغبة والدها، تكره دراستها بشدة أو بمعني اصح كانت حتى تعرفت عليه!».


على طاولة الإفطار، انهي خالد إفطاره السريع ليقم ملتقطا هاتفه ومفاتيحه، نظر لزوجته سريعا ليعاود النظر في ساعة يده ليهتف على عجل:

- أنا متأخر هتيجي اوصلك ولا مش هتروحي

تركت فنجان الشاي من يدها تبتسم بهدوء تهز رأسها نفيا:

- لا يا حبيبي مش رايحة، طالما لوليتا مش هتروح الجامعة أنا هفضل معاها وكمان عايزة اعمل الاكل لزيزو بايدي...


وقفت لقمة الطعام في فمها حينما سمعت أسمه شخصت عينيها بذعر تنظر لوالديها، بصعوبة بلعت لقمة الطعام لتهمس بصوت مرتجف مبحوح:

- هو زيدان جاي!

حركت والدتها رأسها إيجابا تبتسم برفق لتهب واقفة تنظر لهم بذعر تصيح بكره ممزوج بفزع:

- لاء ما تخليهوش يجي، قوله ما يجيش يا بابا أنا بكرهه مش عيزاه يجي، ما تخليهوش يجي.


وجه خالد لابنته نظرات حادة غاضبة ليتركهم ويخرج من البيت، تنهدت لينا بتعب تغمض عينيها، مشتتة تعبت من الجميع، خالد رحل غاضبا وابنتها تجلس مكانها ترتجف فزعة كأن زيدان وحش مخيف سيأكلها، وهي بين شوقها لولدها الحبيب التي تولت تربيته منذ أن كان طفلا وخوفها على ابنتها ممزقة لا تعرف من عليها أن تراضي.


قامت من مكانها لتجلس على الكرسي جوار ابنتها جذبت رأسها تحتضنها برفق لتختبئ الأخيرة بين أحضان والدتها تبكي بعنف وومضات سريعة مما حدث قديما تمر أمام عينيها بسرعة وعنف، سمعت صوت والدتها تهمس بحزن:

- لوليتا أنا نفسي أعرف انتي ليه بتخافي من زيدان اوي كدة، حبيبتي دا عمره ما آذاكي، ليه بتكرهيه وبتخافي منه اوي كدة.


هزت رأسها نفيا لا تعرف بما ترد فقط تبكي بصمت، فتحت فمها لتتحدث لتصمت تماما شهقت تعطس بقوة لتبعدها لينا عنها بسطت كفها فوق جبينها لتتنهد بتعب حقا هذا ما كان ينقصها، جزت على اسنانها تبتسم بيأس:

- صحيتي من النوم استحميتي بماية ساقعة مش كدة، على أوضتك على ما اجبلك علاج واعملك حاجة سخنة، واتصلي ببابا اعتذرليه ما ينفعش تزعقي قدامه ولا ايه

اخفضت رأسها بخجل من تصرفها الأحمق تهز رأسها إيجابا لتتحرك لأعلي.


خرج من المنزل واجما حائرا من تصرفات ابنته الطائشة، يعلم كرهها الشديد لزيدان ما حدث قديما لا يمكن أن تنساه ببساطة حتى ولو مرت سنوات عليه، ولكنها ابدا لم تقتنع أن زيدان لا دخل له بما حدث ابدا، اتجه ناحية سيارته الدفع الرباعي السوداء ليجد قائد حرسه الذي بات يلازمه مع فريق من الحرس بعد تعرضه لعدة محاولات اغتيال، احدهم يصر على قتله وبشدة!، أسرع قائد الحرس يفتح باب السيارة الخلفي، ليجلس خالد على المقعد الخلفي، واستقل السائق ومعه قائد الحرس مقدمة السيارة، سأله الحارس باحترام:.


- الشركة ولا الإدارة يا باشا

نظر للحراس يتمتم بهدوء حاد:

- الادارة وبلغ زيدان اني عايزة قدامي في خلال ساعة بالكتير.


اوقف سيارته امام مبني عمله لينزل منها يتحرك بشموخ ثقة ثبات، دخل إلى مقر عمله بخطي واثقة، وهامة مرفوعة، نظرات ثابتة، طلة مهيبة لا تليق الا به هو، يكاد قميصه يشكو من عدم تحمله لعضلاته الضخمة، طوله الفاره يجعله كصقر محلق بين طيات السحاب، زرقه عينيه تري فيهما امواج البحر المتلاطمه، شعر بني كثيف لحية خفيفة اضافت إلى ملامح وجهه القاسية وسامة قاسية، هو.


« خالد زيدان الحديدي، ابن المقدم الشهيد زيدان الحديدي، في الثانية والثلاثين من عمره طويل القامة مفتول العضلات شعره بني كثيف عينين زرقاء حادة ثاقبة، عصبي حاد الطباع مع الجميع عداها هي يكره التعامل مع الناس يعشق العزلة والانطواء »

اكمل طريقه إلى وجهته يقف كل من يراه ويؤدي له التحية بينما يتجاهله مكملا طريقه

وقف امام باب تلك الغرفة دق الباب بهدوء.


ليسمع الأذن بالدخول ادار مقبض الباب الذي لو تكلم لصرخ من قبضته الحديده

دلف إلى داخل الغرفة ليرفع يده ويؤدي التحية بقوة يغمغم بأدب:

- صباح الخير يا افندم

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي الجالس خلف مكتبه ليرفع رأسه عن الاوراق ينظر للواقف أمامه لتتبدل ابتسامته بأخري بها نوع من الفخر للواقف امامه حمحم بهدوء يهتف:

- صباح النور يا زيدان، استرح يا سيادة المقدم.


ارتسمت شبح ابتسامة على شفتيه ليجلس على المقعد الجلدي الاسود المجاور للمكتب الاسود الكبير الذي كتب على لوحة خشبية سوداء في مقدمته « اللواء خالد السويسي »

حمحم بهدوء يغمغم بأدب:

- خير يا سيادة اللوا قالولي ان سيادتك عايزني

ترك خالد القلم من يده رفع رأسه عن الاوراق التي امامه ينظر للجالس أمامه نظرات هادئة رزينة ليهتف اخيرا بصوته الاجش الرخيم:

- زيدان زمايلك بيشتكوا من طريقة معاملتك معاهم.


زفر الأخير بحنق كل يوم والثاني يذهب أحد الحمقي كما يطلق عليهم يشكوه لأنه فقط منعزل لا يحب التعامل معهم، وهم لا يكفوا عن مضايقته فينفجر فيهم ليفروا راكضين يشتكوا منه كالأطفال تنهد بضيق يحاول ان يهدأ:

- يا سيادة اللواء أنا طلبت من سيادتك بدل المرة ألف تنقلني مكتب لوحدي بس...

قاطعه خالد حينما صدم بكف يده سطح مكتبه بقوة يصيح بحدة:.


- وأنا قولتلك بدل المرة ألف لاء، هتفضل في مكتبك وهتختلط بزمايلك وهتعاملهم كويس، انت فاهم

اخفض رأسه ارضا يكور يده يشد عليها لن يمكنه أن يصيح أمامه هو تحديدا لن يفعلها ابدا حرك رأسه إيجابا ليهمس بأدب:

- حاضر يا سيادة اللوا، حاجة تانية ولا اروح على مكتبي

كاد ان يقوم ليشير له خالد بيده ليجلس مرة أخري ازاح شخصية لواء الشرطة جانبا ليرسم على شفتيه ابتسامة هادئة يطرق بسن القلم على سطح المكتب بهدوء:.


- آه، اخبارك ما بقتش بتيجي الفيلا خالص ليه

ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتي زيدان لتشرد عينيه في الفراغ تنهد بسأم قائلا:

- خليني بعيد أحسن يا خالي، انت عارف إلى فيها، لينا اول ما بتشوفني بتعمل ازاي

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه يغمغم بتهكم:

- دي لو شافت عفريت مش هتعمل كدة، دي ما بترداش حتى تسلم عليا، فالحة بس اول ما تشوف الزفت جاسر تجري تترمي في حضنه

افلتت ضحكة خافتة قصيرة من بين شفتي خالد يكمل ساخرا:.


- يا حمار دا اخوها في الرضاعة، خلينا في المهم لينا عزماك على الغدا وصاحية من بدري تجهز فيه، قول لاء مش جاي عشان اسففك تراب الإدارة

حمحم بحرج يحرك يده على رقبته من الخلف بخجل يبتسم:

- احم، ايه التهزيق دا، حاضر يا خالي جاي طبعا، بس ممكن بعد إذن حضرة جناب سيادتك طلب صغير

نظر له خالد ساخرا يرفع حاجبيه بتهكم من أفعال ذلك الفتي التي تذكره بأفعال ابنته كلاهما يصبح ودودا حينما يريد منه شيئا، ليغمغم بتهكم:.


- طالما قلبت مؤدب فجاءة يبقي عايز تسمع صوت لينا

ابتسم بسعادة طفل صغير يحرك رأسه إيجابا بلهفة، ولحسن حظه دق هاتف خالد في ذلك الوقت برقم ابنته، ابتسم بتعجب يالها من مصادفة فتح الخط ينقر على زر مكبر الصوت، ليسمع كلاهما صوت لينا تهمس بأسف:

- بابي أنا عارفة أنك زعلان مني عشان اللي حصل الصبح، أنا آسفة يا بابي، ما تزعليش مني مش هتتكرر تاني.


قطب زيدان جبينه بتعجب تشاجرا!، تلك الوقحة هو بالرغم من سنوات عمره ومركزه لا يجرؤ على أن يرفع صوته عليه، وهي تتشاجر معه بوقاحة، إن كان يكره فيها شئ فهو دلالها الزائد، ليسمع صوت خالد يهتف بهدوء:

- خلاص يا حبيبتي ما فيش حاجة

لتصيح لينا بسعادة: - حبيبي يا بابا تعرف أنك وحشتني اوي اوي

ضحك ساخرا يهتف بتهكم: يا كدابة، دا أنا ما سايبك من اقل من ساعتين.


لتهتف الصغيرة بمرح: وهما ساعتين دول قليلين دول بيحصل فيهم بلاوي، ادفاي بيتخانق مع شانتي وبيكرها ويقولها أنا هنتقم منك وبعدين

قاطعها خالد سريعا يهتف:

-بسسسس يا حبيبتي أنا عارف بتجيبوا ضغط منين للشلل دا، اقفلي اقفلي روحي شوفي البتاع دا هتلاقيه طلقها وخلصنا.


ضحكت الصغيرة تودع والدها، اغلق خالد الخط ينظر للجالس امامه ليلاحظ تلك الإبتسامة السعيدة الواسعة المرتسمة على شفتيه ليتنهد بحسرة على حاله، كلما زاد عشق زيدان للينا زاد كره لينا لزيدان..


في فيلا خالد السويسي.


اغلقت الخط مع والدها تبتسم بسعادة كالعادة والدها لم يستطع ان يغضب فهي مدللته الوحيدة، بلهفة قامت متجهه إلى دولاب ملابسها تخرج من تحت طيات ثيابها هاتف أسود صغير، تستخدمه للاتصال برقم واحد فقط، فهي حقا لا تستطيع محادثته من هاتفها لأن جميع المحادثات التي تجريها تتحول تلقائيا إلى هاتف والدها خاصة وأن كان الرقم الذي ستحادثه غير مدون لها، تتحول المكالمة نفسها إلى هاتف والدها في نفس الوقت التي تجريها فيها، اتجهت ناحية باب الغرفة توصده جيدا بالمفتاح لتجلس على الفراش تربع ساقيها بلهفة طلبت ذلك الرقم تضع الهاتف على اذنها تتصاعد دقات قلبها بسعادة مع سماع صوت رنين الهاتف، لترتسم ابتسامة واسعة حالمة على شفتيها حينما سمعت صوته الرخيم الدافئ الذي تعشقه لتهمس بسعادة ممتزجة بخجل:.


- معاذ!تبع

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الثاني


معاذ، همست بإسمه بسعادة بها همسة خجل

دقات قلبها على وشك تحطيم قفصها الصدري والقفز خارجا لترقص من شدة سعادتها، تنفسها سريع مضطرب هادئ، لحظات صمت لتسمع أنغام صوته الدافئة كلمة واحدة اذابت قلبها في بوتقة عشقه الحار:

- وحشتيني

وضعت يدها على قلبها تحتضنه حتى لا يهرب من مكانه في حين عجز لسانها عن النطق بحرف وانهدرت أنفاسها بعنف حينما اكمل، بنبرة خافتة ظهر فيها قلقه عليها:.


- ما جتيش ليه النهاردة استنيتك كتير ولولا أنك مش بترضي تخليني أنا اللي اكلمك كنت اتصلت بيكي في ساعتها اطمن عليكي، انتي كويسة اوعي تكوني تعبانة ولا حاجة

بلعت لعابها بتوتر تحاول إيجاد صوتها الهارب من شدة الخجل حمحمت تهمس بصوت خافت خوفا من أن يسمعها احد:

- أنا كويسة، بس بابا ما رضيش يخليني اجي النهاردة..

تنهدت بألم لتهمس باختناق حزين: اصله عازم زيدان عندنا النهاردة على الغدا

سمعت صوته يهدر بحدة غاضبا:.


- يا ادي زفت، هو كل شوية الزفت دا عندكوا، أنا خايف والله ليكون ابوكي عايز يجوزهولك

شهقت فزعا تتصارع دقاتها خوفا من مجرد الفكرة لتحرك رأسها نفيا بعنف كأنه يراها هتفت سريعا بقلق:

- لالالا طبعا مستحيل، أنا اتجوز زيدان مش هيحصل أبدا، معاذ أنا بحبك أنت

هدأت أنفاسه الغاضبة لتعود نبرته العاشقة مرة اخري هامسا برفق:

- وأنا بموت فيكي يا قلب معاذ، هانت يا قلبي عيد ميلادك الجاي محضرلك مفاجأة هتعجبك اوي أوي.


ارتسمت ابتسامة واسعة خجولة على شفتيها لتنصهر وجنتيها بحمرة الخجل لتسمعه يكمل:

- هشوفك بكرة ضروري تيجي مش هقدر اقعد يومين من غير أشوفك، دا أنا مش عارف هكمل يومي النهاردة ازاي، لازم تيجي

حركت رأسها إيجابا بطاعة تهمس بوله: حاضر

سمعته يهمس بمكر: يا ايه، حاضر يا ايه

همست سريعا بخجل: حبيبي...


نطقتها سريعا لتغلق الخط تحتضن هاتفها تبتسم كالبلهاء تنهدت بحرارة تقبل الهاتف بقوة تتنهد بعشق فقط ساعات وستراه من جديد، اجفلت على صوت دقات على باب غرفتها اتسعت عينيها بذعر لتركض ناحية دولاب غرفتها خبئت الهاتف تحت ملابسها لتركض ناحية باب الغرفة

دخلت لينا تحمل صينية طعام صغيرة عليها بضع شطائر وكوب مشروب ساخن وبعض الاقراص الطبية تنظر لابنتها بتعجب:

- ايه يا لوليتا قافلة الباب ليه.


ابتسمت بتوتر تهز رأسها نفيا لتشير لملابسها:

- ااا، ااا ابدا اصلي كنت هغير هدومي.


صدح صوت المنبة مرة تليها أخري يصرخ بصوت عالي مزعج منذ مدة طويلة وهو لم يتوقف عن الصراخ، اخيرا بعد وقت طويل تململ ذلك النائم يقطب جبينه منزعجا من ذلك الصوت الصارخ مد يده يغلق المنبه ليمسكه بيده يرفعه امام عينيه التي بالكاد يفتحها بقدر ضئيل، ينظر لساعتها لتتسع عينيه في لحظة قفز من مكانه يصيح بذعر:

- يا نهار أسود اتأخرت الإجتماع.


نظر لتلك النائمة بعمق لم تتحرك حتى من مكانها نظرات نارية مشتعلة ليصيح باسمها غاضبا:

- تالاااا انتي يا ست هانم

تأففت الأخيرة من صوته تحاول فتح عينيه تتثأب بنعاس:

- اوووف في ايه يا عمر على الصبح

شد على أسنانه بغيظ ليلقي المنبه جوارها على الفراش بعنف يصيح غاضبا:

- في زفت اجتماع اتأخرت عليه، عشان الهانم نايمة ولا هي هنا

القت الفراش من عليها بعنف تنفض شعرها للوراء لتقم متجهه ناحيته تصيح هي الاخري:.


- هو أنت صغير يعني يا عمر عايز حد يصحيك، وبعدين أنا طول الليل سهرانة مع البنات، ولا أنت بتتلكك عشان تتخانق

أمسك رسغ يده بقوة يهزها بعنف يصيح حانقا:

- بتتلكك و اتخانق، بقولك عندي زفت اجتماع مهم ومأكد عليكي من امبارح بليل أنك تصحيني، وبعدين بنات ايه اللي سهرانة جنبهم هما اطفال دول في ثانوية عامة...

ترك رسغ يدها يتجه ناحية المرحاض يهتف بحدة:.


- أنا داخل أخد دش اطلع الاقيكي محضرة الهدوم والفطار، عيشة بقت تقرف وتسد النفس

اتجه إلى المرحاض يصفع بابه خلفه لتنظر تالا في أثره بحزن تتنهد بيأس، تغير كثيرا عن عمر الشاب المرح الذي أحبته.


في غرفة قريبة كثيرا من غرفتهم، كبيرة نوعا ما بها فراشين صغيرين الوانها معظمها وردية تجلس فتاتين تؤام كل منهن على فراشها على الرغم من كونهما تؤام الا أن يمكنك أن التمييز بينهما بسهولة، سارة وسارين، في الثامنة عشر من عمرهما، يتمثلان في الطول ولكن يختلفان في الشكل والطباع، سارة فتاة حساسة بريئة جدا انطوائية لا تعرف كيف تكون صداقات هادئة ساذجة، بشعر أسود طويل وقامة متوسطة الطول، وعينيان سوداء كعيني والدتها، أما سارين أخذت مرح وشقاوة عمر حتى لون عينيه، مرحة تحب تكوين الكثير من الصداقات عكس أختها تماما.


انسابت دموع سارة تضم ركبتيها لصدرها تضع يديها على اذنيها، كعادتهم كل صباح يبدأ والديها في الشجار وتبدأ هي في الانهيار تشعر بأنها اتعس فتاة في العالم، تنهدت سارين تنظر لحال أختها بحزن

لتذهب إلى فراشها جلست جوارها تربط على كتفها برفق تحاول التحدث بمرح

: - جري ايه يا سرسورة فكي كدة يا بنتي مش اول خناقة يعني، دي الخناقة رقم مليون و300 ألف بتاعت كل يوم الصبح.


ابتسمت سارة بحزن لتمد سارين كف يدها تسمح دموع أختها بحنو لتسمعها تهمس بألم

- هما ليه لازم كل يوم يتخانقوا، طالما بيكرهوا بعض اوي كدة ليه بيتجوزوا، ليه بيخلفونا عشان نتعذب بسببهم

ابتسمت سارين بألم هي الاخري، اختها محقة لما ربط بينهما عقد زواح مقدس لما انجبا طفلتين، يسمعان كل يوم وليلة شجار والدها مع والدتها، تنهدت بضجر تحاول استعادة شخصيتها المرحة لتخفف عن أختها ولو قليلا.


خرج من مرحاض غرفته متجها إلى غرفة الملابس الخاصة به التقط قميص أسود اللون وبنطال من خامة الجينز أسود وقف أمام المرآه يمشط شعره يبستم لانعاكسه بغرور قاسي ارتدي قلادة فضية تحمل شكل الحصان

ليلقي نظرة اخيرة مغترة على نفسه يبتسم بزهو ليرسل لنفسه قبلة في الهواء، متجها إلى الخارج يمشي كأنه الملك.


( هو عثمان على رفعت محفوظ شاب في الثالثة والعشرين من عمره، طويل كباقي أفراد عائلته، مغرور لأبعد حد ينظر للجميع على أنهم أقل منه، متعجرف متكبر يتعامل مع الجميع كأنه الملك تخرج من جامعة الهندسة التكنولوجية حاد الذكاء فيما يخص البرمجة والإلكترونيات، وسيم أخذ عيني ابيه الرمادية ليسحر قلوب العذارى يتلاعب بهم كما يتلاعب بأجهزة الحاسوب، يعشق رياضة ركوب الخيل يعتبرها مصدر دخله الأساسي يجني من خلفها الكثير والكثير فهو البطل الأول فيها ).


خرج من غرفته ليجد ابيه يجلس على الأريكة في غرفة الصالون، يشرب قهوته ممسكا بجريدة تغطي وجهه ما كاد يقترب منه حتى سمع صوت ابيه يهتف ساخرا:

- اهلا اهلا بالصياد، صح النوم يا بيه

تنهد عثمان بضجر يقلب عينيه بملل ستبدأ وصلة جديدة من التوبيخ كعادتهم كل صباح، ازاح «على» الجريدة عن وجهه ينظر لولده بحدة يبتسم ساخرا رفع فنجان القهوة الخاض به يرتشف القليل مغمغا بتهكم، :.


مش لقب الاسبوع دا الصياد بردوا، ولا غيرته ما انت كل أسبوع بلقب ما شاء الله

شوية الصياد وشوية القناص وشوية الفارس

ابتسم عثمان ابتسامة صفراء واسعة ينظر لوالده ببراءة حمل وديع ليهتف ببراءة:

- صباح الخير يا بوبس

وضع على كوب القهوة بعنف على الطاولة ليعتدل في جلسته يصيح في ذلك المستفز الجالس أمامه بحدة:

- صباح الزفت على دماغك، أنت ايه ياض البرود بتاعك ولا كأنك عامل مية مصيبة ومصيبة.


أشار عثمان لنفسه يفتح عينيه على وسعهما ينظر لابيه بدهشة مصطنعة أجاد تمثيلها:

- انا!

اشتعلت قسمات وجه على غضبا ليلقي عليه الجريدة بعنف يهدر غاضبا:

- لا يا برئ انا، أنا اللي كل يوم والتاني يجيلي ابو بنت من اللي بيه كان بيتسلي بيها يومين، ويعملي فضيحة في الشركة بسبب البيه

قلب عينيه بملل من كلام والده المكرر كل صباح نفس الكلام، ليرفع كتفيه بلامبلاة كأن الأمر برمته لا يعينه، ابتسم بمرح قائلا:.


يا بوبس طالما in public و no felling يبقي so what، وبعدين على فكرة عشان تبقي عارف يعني هما اللي بيرموا نفسهم عليا وأنا عشان قلبي طيب ومهذب ما برضاش اكسر بخاطرهم، يرضيك يعني يا بوبس اكسر بخاطرهم

قام على يلتقط ساعته وهاتفه ينظر لابنه شرزا يعلم أنه مهما تحدث معه لن يجدي نفعا، اقترب منه يشهر سبابته يهتف يخرج كلامه حادا غاضبا من بين أسنانه:.


- لا يا حنين اكسر بخاطرهم، اكسر بخاطرهم بدل ما اكسر أنا دماغك، قسما بالله يا عثمان لو اتعدلت ومشيت مظبوط لوديك عند عمك محمد ولا عمك خالد يربوك التربية الميري اللي على حق بدل تربية أمك اللي بوظتك اديك شايف زيدان ما يقدرش يرفع وشه في وش خالد مش البيه اللي بيناطحني بالكلام.


ظهرت لبني في تلك اللحظة تحمل صينية طعام صغيرة عليها بعض الشطائر وكوب شاي بحليب وضعتها امام عثمان، لتنظر لعلي بضيق تصيح متبرمة بحنق:

- في ايه يا على، هو كل يوم نفس الفيلم، كل يوم منكد على الواد كدة...

احتضنت رأسه صغيرها تنظر لعلي بحدة:

- مالك وماله ما يعمل اللي هو عايزة، مش معقول أنت بقيت مش معقول يا على

نظر على له بتهكم ليبتسم ساخرا:.


- ايوة يا اختي افضلي دلعي فيه، لحد ما يتكفي على وشه، أنا فعلا اللي مش معقول

رحل «على » غاضبا صافعا الباب خلفه بحدة لتنظر لبني لابنها البكر والوحيد فهي رفضت تماما إنجاب أطفال بعده حتى يحظي هو بكامل اهتمامها الخاص، تركت لبني رأس عثمان تسرح شعره الاسود الكثيف بأصابعها تبتسم له بسعادة، ليقابل ابتسامتها بأخري عابسة متمتما بضجر:

- عاجبك كدة يا ماما، كلام بابا بتاع كل يوم.


جلست جواره تربت على خده برفق كأنه طفل صغير تهمس بحنو:

- سيبك منه ابوك دماغه قديمة، افطر يا حبيبي وشوف وراك ايه، أنا همشي بقي عشان ما اتآخرش على شغلي

قامت تقبل جبينه بحنو، لتتجه ناحية باب المنزل التفتت تنظر له نظرة اخيرة سعيدة تلوح له بيدها وداعا ومن ثم خرجت من المنزل.


ليقلب عثمان عينيه بملل، يبتسم ساخرا على حاله، لا أحد يبقي معه اكثر من دقائق منذ الصغر هو اعتاد على ذلك، والدته التي تسعي دائما لتكون لها اسم خاص في عالم الصحافة حتى أصبحت رئيسة تحرير الجريدة التي تعمل بها، كانت دائما تعوضه عن غيابها بالكثير من اللعب والهدايا ما من شئ رغب فيه ولم يحصل عليه، والده دائم العمل لا يراه الا صباحا حينما يذهب.


ومساءا حينما يعود هما من فعلا به ذلك، تنهد بضيق ليقم التقط هاتفه ومفاتيح سيارته متجها إلى النادي يبحث عما يشغل به وقته.


يجلس على كرسي مكتبه الوثير يتطلع بتركيز إلى الأوراق أمامه يقرأها جيدا يتفحص أدق ثغراتها خوفا من حدوث خلل في تلك الصفقة الهامة لحظات والقي الورق من يده بعنف يزفر بحنق، عقله مشوش افكاره مبعثرة غاضبة، زفر بعنف يمسح وجهه بكف يده عله يهدئ قليلا أزاح كف يده من على وجهه لتقع عينيه على تلك الصورة الموضوعة امامه في إطارا صغير تحتل جزء صغير ضئيل من مكتبه، حملها ينظر لصورة ابنتيه التؤام ومعهم زوجته بابتسامة صغيرة حانية ركز عينيه على صورة تالا لتختفي ابتسامته يبتلع حسرته، يحاول فقط أن يفهم لما وصلت علاقتهم لهذا الحد من السوء، ألم يكونا أسعد زوجين، تملئ حياته مرح وشقاوة وجنون، لما باتت علاقتهم فاترة باردة خيط رفيع يتمسك به متمثل في ابنتيه، لولاهما لكان حرر نفسه من تلك العلاقة منذ سنوات فتالا نفسها لم تعد تحبه باتت تهزهده ترفضه وهو أبشع ما يؤلم كبريائه رفضها المستمر له.


صار شغلها الشاغل الاطفال منذ أن دخلن إلى المدارس وتحولت تالا من زوجة محبة شغوفة عاشقة له لأم لا تهتم سوي لأطفالها فقط أما زوجها فيسكن على هامش حياتها، رجع من بحر افكاره العاصفة على صوت دقات منتظمة على باب الغرفة، سمح للطارق بالدخول لتدخل مساعدته الشخصية تهتف سريعا بعملية:

- مستر عمر، مدام ناردين مندوبة شركة السياحة وصلت يا افندم.


وقف عمر عن كرسيه يستعد لإستقبال تلك الضيفة الهامة لعقد صفقة من اكبر الصفقات إلى ستخوضها الشركة، نظر لمساعدته يهتف بهدوء:

- خليها تتفضل

أومأت الفتاة بهدوء لتتحرك لخارج الغرفة خطوتين تهتف للواقفة خارجا:

- مدام ناردين اتفضلي يا افندم مستر عمر في انتظارك.


لحظات ودخلت من باب الغرفة، دخلت من سلبت أنفاسه تسمر مكانه كتمثال من حجر يتطلع إلى شعلة الفتنة التي تتحرك قادمة إليه اخترزتها عينيه شبر بشر بدأ من حذائها الاسود ذو الكعب الرفيع الذي يصدر صوت قوي مثير، ملابسها العملية الفاتنة رغما عنه لم تستطع عينيه الا تفحصها بدقة من اخمص قدمها إلى اعلي نقطة في رأسها تنورتها السوداء قميصها النسائي الأحمر تعلوه سترة مخملية سوداء تعانقها برفق، وصلت عينيه بعد رحلة طويلة إلى تفاصيل وجهها، ليشعر بالاختناق حرارة لاهبة تحرق جسده ازاح رابطة عنقه قليلا يحرر أزرار قميصه الأولي يزفر بحرارة حينما وقعت عينيه على، عينيها الخضراء الساحرة الجريئة المحددة بدقة بذلك «الكحل» شعرها الأحمر الغجري يتطاير خلفها برقة كأنه شرارات من نار تحرق اوصاله بلا هوادة، اجفل من شروده اللذيذ على صوتها الناعم تبتسم بهدوء:.


- صباح الخير مسيو عمر

مدت يدها لتصافحه حمحم بعنف يحاول استعادة أنفاسه المسلوبة ليمد يده يصافحها بعملية:

- صباح النور، مدام ناردين مش كدة

هزت رأسها إيجابا تبتسم برقة ليشير إلى الكرسي المقابل لمكتبه يبتسم بهدوء هاتفا:

- اتفضلي استريحي.


جلست على الكرسي تنظر له مازالت محتفظة بابتسامتها الرقيقة، وضعت ساق فوق أخري بجراءة كأنها تتحداه ان يقاوم أنثي بمثل فتنتها، اشاح هو بوجهه في الاتجاه الآخر يغمض عينيه يكور قبضته يشد عليها بعنف ينهر نفسه بقوة:

- استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم ايه اللي أنا بنيله دا، الله يسامحك يا تالا انتي السبب

اخذ نفسا عميقا يحاول أن يهدي به ليسمعها تهتف بصوتها الرقيق:

- مسيو عمر أنت كويس.


التفتت لها يحاول الابتسام بمجاملة

حرك رأسه ايجابا ليجلس على كرسيه مرة أخري فتح الأوراق التي امامه يحاول أشغال نفسه عنها ليهتف بعملية:

-أنا تمام، نشوف بقي الصفقة عشان اكيد حضرتك مستعجلة

نظرت ناحيته بعينيها الخضراء الجريئة ترتسم ابتسامة ماكرة متشفية على شفتيها هي تعرف جيدا أنه تأثر بها ومن هو حتى يقاوم فتنتها الصارخة هي جاءت هنا لأجل هدف واحد ويبدو انها على وشك تحقيقه، لتهمس برقة تحمل الكثير خلفها:.


- أنا وقتي كله ليك مسيو عمر، قصدي للصفقة!


جلست على فراشها تربع ساقيها أمامها الكثير والكثير من الكتب التي تكرهها تكره دراستها التي لم تخترها بإرادتها فقط والدها رغب في ذلك ومن هي حتى تقول لوالدها لا، تنهدت بضجر تلقي الكتاب من يدها بعنف، لتسمع صوت مرح محبب لها قادم من خلفها...

- لوبياااااااا

لتنقض عليها من الخلف تعانقها بقوة لتضحك لينا عاليا تعانق صديقتها المجنونة، :

- يا بت اوعي هتخنقيني.


ابتعدت سهيلة عنها تضحك بقوة لتقترب تقرصها من ذراعها بعنف لتصيح لينا متألمة تنظر لصديقتها شرزا تمسد على ذراعها برفق:

- يخربيت ايدك التقيلة

تخصرت سهيلة بغرور ترفع حاجبها الايسر بتوعد تهتف بحدة مازحة:

- ما جتيش ليه النهاردة يا ست الحسن والمولان إنتي

ضحكت لينا رغما عنها تنظر لصديقها بغباء تهتف ساخرة:

- تفتكري ليه يعني، قرارات عليا يا حبيبتي.


تنهدت سهيلة بحزن على حال صديقتها، لتجد لينا تقترب منها نظرت حولها بحذر لتهمس لها بخفوت خوفا من أن تسمعها والدتها:

- قوليلي، معاذ كويس سأل عليا، أنا كلمته في الفون من شوية

تنهدت سهيلة بضجر تبتعد عن لينا وقفت امام فراشها تكتف ذراعيها أمام صدرها تتبرم بضيق:

- آه يا اختي سأل عليكي، أنا مش عارفة انتي بتحبي الواد السمج دا على ايه، عيل تنح وسقيل والرخامة بتبظ من وشه، دا زيدان برقبته.


انتفضت لينا سريعا تضع يدها على فم صديقتها تهمس بحدة:

- هشش وطي صوتك، إنتي عايزة حد يسمعنا

اتجهت لينا ناحية باب الغرفة توصده بالمفتاح، التفتت لصديقها لتنفجر سهيلة فيها تهمس بحدة غاضبة:

- أنا نفسي أعرف إنتي عقلك فيه ايه، ايه المميز في الزفت اللي اسمه معاذ دا عشان تحبيه اوي كدة، لو على الوسامة زيدان احلي منه ألف مرة، على الغني فأنتي بتحبي طالب لسه بياخد مصروفه.


اقتربت لينا من سهيلة تنظر لها بحدة تهمس غاضبة هي الاخري:

- إنتي مالك ومالي أنا بحب معاذ عشان نفسه شخصه مش غني ولا فلوس، زيدان اللي بتتكملي عنه دا أكتر إنسان بكرهه في حياتي كلها، إنسان متوحش ما عندوش قلب، فارض نفسه على حياتي، قلبي لمعاذ وعمره ما هيدق لغيره

دفعتها سهيلة بعنف تصيح فيها غاضبة:

- انتي حرة خليكي ماشية وراه زي العامية لحد ما تقعي على وشك

ردت لينا لها الدفعة تصرخ فيها:.


- وانتي مالك مالكيش دعوة بيا هي حياتي ولا حياتك

اتجهت ناحية باب الغرفة تنظر للينا غاضبة تصيح فيها:

- انتي حرة

ما كادت تفتح الباب حتى سمعت صوت لينا تهمس بخفوت حزين:

- سهيلة

تنهدت سهيلة بيأس لتلفت لها تبتسم بمرح لتبادلها لينا الإبتسامة سرعان ما انفجرا الاثنتين في الضحك، تعانقتنا بقوة لتهتف سهيلة ضاحكة:

- بس والله هتاخدي على وشك

لتهتف لينا من بين ضحكاتها:

- مالكيش دعوة.


تخصرت سهيلة تهتف بمرح تسمد بيدها على معدتها:

- عندكوا طبيخ ايه يا بت أنا واقعة من الجوع

اختفت ابتسامة لينا تزفر بضجر:

- مامي من الصبح في المطبخ بتعمل الأكل عشان عازمين زي زفت على الغدا

نظرت سهيلة لها بمكر لتهتف ساخرة:

- ايه دا عازمين معاذ على الغدا اصل دا الزفت الوحيد اللي أنا اعرفه

صرخت لينا غاضبة لتلتقط وسادتها تركض خلف سهيلة تصيح فيها بأنها ستلقنها درسا قاسيا...


« سهيلة عزالدين المنشاوي، صديقة لينا المقربة والوحيدة تعتبرها كأخت لها، تؤام متلازم منذ الصغر، معها في نفس المدرسة ودخلتا معا نفس الجامعة، ابنه رجل الأعمال عز الدين المنشاوي، تسكن في الفيلا المجاورة لفيلا خالد، جميلة عينيها عسلتين شعرها أسود قصير، مرحة للغاية تكره معاذ لأبعد حد، »

فرت سهيلة إلى المطبخ لتختبئ خلف لينا تصيح ضاحكة:

- الحقيني يا طنط لوبيا بنتك اتجننت وعايزة تاكلني.


ضحكت لينا عاليا تقف حاجزا بين ابنتها وصديقتها لترفع سبابتها تهتف بحزم لا يليق بها تماما:

- بس يا بنت انتي وهي اكبروا بقي...

نظرت لينا الصغيرة ناحية طاولة المطبخ تشير لسهيلة بعينيها لتتسع ابتسامة الاخري ركضتا ناحية الطاولة بمعني اصح ناحية ذلك الطبق الكبير التي تتوسطه قطع الدجاج « البانية » لينقضا عليه، يسرقان بضع القطع لتصرخ لينا فيهم تركض خلفهم تصيح:.


- تعالي هنا يا طفسة منك ليها، دا بتاع الغدا يا جزم

هربت الفتاتين ليختبأ أسفل طاولة السفرة الكبيرة يأكلان باستمتاع، يضحكان بصخب لتنظر لينا لهم بابتسامة صغيرة ومن ثم عادت إلى المطبخ تكمل ما كانت تفعل.


وقف جوار جواده الأشهب يمشط شعره الطويل بفراشة خاصة للخيل، لديه بطولة نهاية هذا الأسبوع ويحتاج إلى كثير من التدريبات، ربط على رأس الأشهب يبتسم له برفق ابتسامة صافية خالية من غروره المعتاد، ليسمع صوت انثوي رقيق يأتي من خلفه:

- عثمان الصياد مش كدة.


التفت برأسه ينظر لصاحبة ذلك الصوت ليجد فتاة جميلة، نادرا ما أصبح يقول عن انثي جميلة فقد رأي كل انواع الجمال الشرقي والغربي لكن تلك الفتاة حقا جميلة ناعمة، تلك الكلمة التي ترددت في رأسه حينما نظر لها في الوهلة الاولي، حرك رأسه ايجابا لتقترب منه تمد يدها لمصافحته:

- ليلا الزهاوي

عقد جبينه لحظات يفكر تردد كلمة الزهاوي في رأسه لينظر لها متفأجا يهتف بدهشة:

- بنت مختار الزهاوي رجل الإعمال المعروف.


حركت رأسها إيجابا تزيح خصلاتها خلف اذنيها تبتسم بترفع، اقتربت من جواده تربط على رأسه برفق تنظر للواقف امامها بغرور:

- سمعت عنك كتير، يا صياد، صحيح هما ليه سموك الصياد

ارتسمت ابتسامة مغترة على شفتيه ينظر لها بمكر صيد جديد في شباك الصياد حتما سيستمع، قفز بخفة فوق صهوة

جواده يربط على شعره الاسود الكثيف:

- بتحبي الخيل

عقدت جبينها بتعجب ليمد لها كف يده يبتسم بهدوء:

- تعالي.


رجعت للخلف خطوة تبتسم بدلال يعرفه جيدا لتهمس بنعومة:

- تؤتؤ أخاف أقع

اقترب بجواده خطوتين منها ليميل بجسده يحملها يضعها امامه بخفه وهي حتى لم تقاوم ليهمس جوار اذنيها مبتسما بمكر:

- ما فيش صيد بيقع من شباك الصياد

قالها ليشد صهوة جواده بقوة ليصهل الخيل عاليا ينطلق راكضا إلى حيث يعلم فقط الصياد.


انتهي دوام العمل ليستقل خالد سيارته وبجانبه سيارة زيدان متجهين إلى منزل خالد توقف زيدان في منتصف الطريق امام محل كبير يبيع الحلوي ليشتري لمعشوقته الكثير من الشوكولاتة التي تعشقها، ابتسم ساخرا وهو يحاسب البائع يتمني فقط لو تحبه ولو ربع حبها لتلك الحلوي...

وقفت السيارتين امام باب الفيلا الداخلي، ليتقدم خالد يفتح الباب بمفتاحه الخاص.


في تلك الاثناء كانت سهيلة رحلت منذ قليل، وجلست لينا على اريكة كبيرة أمام التلفاز تشاهد مسلسلها الهندي المفضل تصيح كل حين وآخر على والدتها:

- يا ماما هو الأكل هيخلص امتي أنا جعانة

لتتبرم بضيق تهتف في نفسها بحنق:

- لازم طبعا نستني سي زفت اللهي يا رب ما يجي يا رب تتقلب بيه العربية وما يجي، بني ادم تنح ورخم وغتت يا يموت ولا يتشل حتى.


سمعت صوت مفتاح والدها وصوت الباب وهو يفتح لتصرخ بسعادة طفلة صغيرة انطلقت سريعا ناحيته تعانقه بقوة تتعلق برقبته ليضحك خالد عاليا:

- بابا حبيبي وحشتني فين الشوكولاتة بتاعتي

صفعها برفق على جبينها يقطب جبينه بغيظ مصطنع:

- كل الفيلم دا عشان الشوكولاتة، نسيت اجيب شوكولاتة

رفعت سبابتها امام وجه والدها تضيق عينيها بدراما تهتف بتأثر اجادت تمثيله:.


- لن أنسي لك هذا الموقف، الشوكولاتة اللي ما جاتش دي في رقبتك انتي يا حكومة

يقف خلف خاله يشاهدها وهي تضحك تمزح تصرخ بسعادة شعلة من المرح تتوهج امام عينيه ليبتسم رغما عنه يتمني لو كانت تتعلق بعنقه هو مقسما بأنه على استعداد أن يحضر لها كل يوم تلك الحلوي فقط ليحصل على عناق كهذا، تدخل في تلك اللحظة تقدم بضع خطوات ليظهر ممسكا بعلبة الشوكولاتة الكبيرة يحاول أن يكون مرحا وهو يتحدث:.


- لالالا كله الا زعلك يا ستي، اتفضلي الشوكولاتة اللي انتي بتحبيها اهي

اختفت الإبتسامة من على شفتيها تنظر له شرزا نظرات حادة كارهه، نظرت لعلبة الشوكولاتة في يده بإشمئزاز لتهمس بجمود:

- كنت بحبها..

نظر خالد لابنته بحدة لتخفض رأسها أرضا عاد خطوتين يربط على كتف زيدان الذي اختفت ابتسامته في لحظة كسي وجهه وجوم غاضب، ربط خالد على كتف زيدان يبتسم بهدوء:.


- خش يا زيزو عشان نتغدي الواحد واقع من الجوع من كتر الشغل

تقدم زيدان متجها إلى غرفة الصالون ليدني خالد من ابنته يهمس بحدة متوعدا:

- حسابك معايا بعدين، هاتي عصير وحصليني.


حركت رأسها إيجابا تفرك يديها بتوتر، اتجهت ناحية المطبخ تسير شاردة حزينة، تعرف أن والدها لن يفعل لها شئ ولكنها تكره ذلك الزيدان تمقته تتمني فقط لو يختفي من حياتها لتعيش سعيدة، نظرت لوالدتها التي تتحرك سريعا هنا وهناك تهتف في الخدم بربكة من شدة سرعتها:

- بسرعة يلا خصلوا معايا عشان نحط الأكل..


تنهدت بضجر مدلل امه جاء، اتجهت ناحية البراد تأخذ زجاجة عصير تفاح افرغت منها كوب، لتأخذها متجهه إلى غرفة الصالون، دخلت الغرفة تضع كوب العصير امامه ببرود لتعود إلى اريكتها بعيدا عنه تشاهد التلفاز...

هي شجاعة امامه فقط في وجود والدها أن كانت معها بمفردها، تركهم خالد متجها إلى غرفته ليبدل ملابسه...


شخصت عينيها بفزع هي وهو فقط!، قامت سريعا من مكانها تود الفرار لخارج الغرفة ما كادت تتقدم خطوتين ناحية الباب شعرت بيده تقبض على رسغها بقوة ودون قوة تذكر جذبها ليلقيها جالسة على احد المقاعد بعيدا عن الباب رفعت وجهها سريعا تنظر له بذعر لتجده يميل عليها بجسده جاعلا من ذراعيه حاجزا يمنعها من الفرار توسعت عينيها على آخرهما تنظر لوجهه لتري ابتسامته القاسية تزداد اتساعا اقترب حتى باتت المسافة بين وجهه وجهها سنتيمترات قليلة لتسمعه يتمتم بكلمة واحدة وابتسامة ماكرة تعلو شفتيه:.


- اهلااا!...


           الفصل الثالث والرابع من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات