رواية أسير عينيها الفصل الخامس والخمسون 55 والسادس والخمسون 56 الجزء الرابع بقلم دينا جمال

رواية أسير عينيها

الفصل الخامس والخمسون 55 والسادس والخمسون 56 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال

دوامة عنيفة قاسية ألقوها داخلها، كلمات مبعثرة تتطاير في جسدها كالزجاج، تشل عقلها حتى عن التفكير جمل كثيرة تتصارع في رأسها « أدهم يبحث عن والده، أدهم يظن أن والدها قتل والده، والد أدهم قتل نفسه، أدهم كان يود إيذائها، اغتصابها، ولكنه تراجع لم يفعل، الآن فقط فهمت لما جذبها بتلك الطريقة يهرب بها من الملهي، كان يهرب من شيطان يوسوس له بالجحيم، كلماته التي ظل يرددها طوال الطريق، ليس بخائن، وضعت يديها تمسك رأسها تشعر بعقلها سينفجر، انتفضت فزعة كمن لدغها عقرب حين صدحت جملة والدها:.


- قولتلك أنا مش أبوك، امشي اطلع برة يلا بررررررررة...

انتفضت سريعا تمسك بيد والدها انفجرت دموعها تتوسله راجية:

- لا يا بابا عشان خاطري، عشان خاطري أدهم ما اذنيش، هو بيحبني وأنا كمان بحبه، بحبه اووووي...

توسعت عيني حمزة، صدمة زلزلت كيانه ابنته تحبه!، تذكر جملة أخيه حين حذره

« النار اللي عندك مش نيران صديقة يا حمزة ».


كان أعمي لم يري ما رآه حتى أخيه، ابنته تحب أخيها كما فرضه هو أن يكن أخيها، جف لعابه ينظر لها فزعا لتحرك رأسها إيجابا بتلهف:

- أنا عارفة أنه مش اخويا سمعتك وأنت بتتكلم مع عمي كنت أنا في ثانوي، وساعتها كنت فاكرة نفسي مريضة، أنا حاسة بمشاعر حب ناحية اخويا، كان دايما في حاجة جوايا بتحسسني اننا مش اخوات، أدهم عمره ما خان ثقتك، بيخاف عليا حتى من نفسه، سامحه يا بابا عشان خاطري...


في تلك اللحظات التي لا يحسد حمزة عليها، يشعر بأنه كان اكبر مغفل في العالم، جمع تحت سقف واحد عاشقين برباط محرم فرضه هو، يعذب به الجميع، لم تقدر قدميه على الوقوف اكثر تهاوي على المقعد خلفه، عينيه متسعه على آخرها ينظر لنقطة ثابتة في الفراغ عقله يصرخ متألما:

- بيحبوا بعض، يعني ايه، خالد كان عنده حق، وأنا اللي بقوله أنا واخد بالي كويس، طلعت مغفل حمار...


في تلك اللحظات التفت أدهم ليغادر لتتوسع عيني مايا فزعا، هرولت ناحيته تعترض طريقه تصيح وهي تبكي:

- لا يا أدهم ما تمشيش عشان خاطري، هو بابا بس زعلان منك وهيصالحك تاني، فاكر لما كنت بقولك أنا بغير منك، بابا بيحبك اكتر مني، هو بيحبك والله، ما تمشيش يا أدهم وحياتي عندك.


أخفض رأسه ارضا تنهمر دموعه يشعر بالاشمئزاز من نفسه، تمر سنوات عمره امامه كشريط سريع متتالي، منذ أن كان طفلا إلى أن بات ما هو عليه اليوم رجل ناجح، خائن! وحين قرر الخيانة خان من أعطاه الحياة الكرامة، رفع وجهه ينظر لتلك الواقفة امامه ليخرج صوته ضعيفا ممزقا:.


- سامحيني يا مايا شيطاني حاول يغلبني، بس الحمد لله اني ما اذتكيش، ساعتها ما كنتش هسامح نفسي ابدا، صدقيني انتي تستاهلي حد انضف، واحد ما يخونش، واحد مش غبي ما يقعش نفس وقعتي دي، ما يعضش الايد اللي طول عمرها بتطبطب عليه

حركت رأسها نفيا دموعها المختنقة قيدت لسانها عن النطق بحرف واحد، تحرك هو يتجاوزها ليغادر ليسمع صوت حمزة يصدح من خلفه في حدة:

- استني عندك يا بيه.


تصنم وقف مكانه كأنه فقط صنم من حجارة، التفت ناحية حمزة يخفض رأسه أرضا لا يجرؤ حتى على النظر في وجه ابيه بعد ما فعل، توجه حمزة ناحية مايا يمسك بكف يدها يبعدها عن أدهم وقف ينظر لكل منهما في غيظ نظر لمايا يصيح فيها غاضبا:

- اطلعي على أوضتك حضري شنطتك، يلااا

حاولت أن تقل شيئا لينظر لها غاضبا تحتد نبرته أكثر:

- أنا مش قولت يلااا، يلااا.


هرولت سريعا تجر ساقيها المخدرة إلى أعلي تدعو فقط أن لا يطرد أبيها أدهم من حياتها، وقف حمزة أمام أدهم يعقد ذراعيه أمام صدره دمائه تشتغل غاضب كلمة قليلة عن ذلك الشعور البشع الذي يفتت خلايا جسده، زفر أنفاسه المشتعلة يغمغم بكلمات مقتضبة للغاية:

- على أوضتك، توضب شنطتك عشان هننزل مصر في اول طيارة، آخر محطة ليك معايا اني هوديك لحد جدتك في مصر، غير كدة ما فيش.


اقترب منه خطوتين يقبض على تلابيب ملابسه يشهر سبابته أمام وجهه يزمجر غاضبا:

- واياك تقرب من مايا، فاهمني طبعا.


دون أن يرفع وجهه حرك رأسه إيجابا كطفل صغير مذنب، ليلفظه حمزة بعيدا عنه، توجه أدهم إلى غرفته بينما، وقف هو بالكاد يمنع نفسه من أن يعود في قراره ويبقي طفله معه لآخر انفاسه، تنفس بعنف يلتقط هاتفه يحجز تذاكر لرحلة بعد ساعتين على الأكثر متجهه إلى مصر، اغلق الخط، ليتصل برقم أخيه دون أن يعطيه فرصة للرد غمغم بصوت حزين بائس:

- جهز ورق أدهم هنبقي عندك الصبح، أنا كويس يا خالد، سلام.


أغلق الخط ليتوجه إلى غرفة مكتبه صفع الباب خلفه ليرتمي مع اول مقعد قابله اخفي وجهه بين كفيه يبكي، تنساب دموعه تغرق وجهه، ألم قاسي يعتصر قلبه...


ظل يتجول بسيارته بلا هدف إلى أن انتصف الليل، وقف بسيارته اخيرا في حديقة منزله، تنهد يحاول أن يسكت عقله ولو قليلا، اغمض عينيه يحاول الاسترخاء ليفاجئه رنين هاتفه، لينا اتصلت به اكثر من ألف مرة ولكن تلك المرة كان أخيه التقط الهاتف سريعا يفتح الخط يدعو فقط ان يكن الأمر مر على خير، قبل أن ينطق بحرف سمع صوت أخيه المتألم:

- جهز ورق أدهم هنبقي عندك الصبح.


انتفض يعتدل في جلسته ترى ماذا حدث، خطة حمزة الغربية على ما اثمرت في النهاية ارتعد قلبه من صوت أخيه ليسأله متلهفا:

- أنت كويس يا حمزة صوتك ماله حصل ايه يا ابني طمني.


جملة واحدة هي ما سمعها من اخيه وبعدها اغلق الخط، ليبعد هو الهاتف عن أذنه تنهد يلتقط أنفاسه المنهكة لينزل من سيارته توجه لداخل منزله يفتح الباب بمفتاحه، كان يظن انهم ناموا جميعا، وجد ابنته تجلس على الأريكة تنتظره، وقفت سريعا ما أن رأته تبتسم متوترة اقترب هو يتوجه مباشرة إلى غرفته لتعترض طريقه ابتسمت تغمغم في ارتباك:

- مساء الخير يا بابا، هو أنا ممكن اطلب من حضرتك طلب.


ابتسم ساخرا، يعرفها جيدا لا تصبح بذلك الكم من التهذيب الا حين ترغب في شئ، حرك رأسه نفيا بهدوء تام، لتقطب جبينها مغتاظة، تجاهلت رفضه لتبتسم ابتسامة واسعة تردف سريعا:.


- حضرتك اكيد عارف إني سحبت ورقي من كلية طب، أنا كنت عايزة اقدم في كلية إدارة أعمال اللي هي كلية (، ) الخاصة، كلمت الشؤون بتاعتهم في فون يعني فقلولي ما ينفعش اقدم دلوقتي عشان الترم الأول قرب يخلص ولازم استني للسنة الجاية، بس اكيد يعني الوضع هيختلف لو حضرتك اتدخلت في الموضوع.


ظل ينظر لها للحظات نظرات فارغة زجاج عينيه لا يعكس روحه المتعبة، مد يده يربط على وجهها برفق لتبتسم في أمل، سرعان ما اندثرت ابتسامتها حين سمعته يردف في هدوء تام:

- خلي اللي سحبلك ملفك من الكلية الأولي يقدمه في الكلية التانية، تصبحي على خير.


توسعت عينيها في دهشة الجمت لسانها، تحرك والدها يغادر متوجها إلى غرفته، لتشد على اسنانها في غيظ، تفكر كيف ستحل تلك المعضلة، بينما توجه خالد بخطي بطيئة إلى غرفته، فتح بابها إلى الداخل توجه يغلق الباب خلفه، في لحظة وجد لينا تندفع ناحيته تتعلثم من شدة قلقة:.


- كنت فين يا خالد قلقتني عليك اتصلت بيك مليون مرة، ومحمد قالي أنك مشيت من الشغل من بدري، وعلى قالي أنك مش في الشركة، أنا حتى اتصلت عند مامتك بس الممرضة قالتلي أنك ما جتش أصلا، أنت كويس كنت هموت من الخوف عليك

تجاوزها وهي تتحدث يتوجه إلى دولاب ملابسه أخذ بعض الملابس ليتوجه إلى المرحاض يغلق الباب خلفه، توسعت عينيها تفغر فاهها تردف في حنق:

- ولا كأني بتكلم، اوووف بقي، قلبته وحشة ورخمة.


وقفت تنتظره إلي أن خرج من المرحاض يتوجه إلى مرآه الزينة يمشط شعره، رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها تحركت ناحيته، جذبت المقعد الصغير تقف فوقه تلتقط فرشاة الشعر من يده تمشط بها خصلات شعره بينما وقف هو صامتا في جمود، حاولت تفتيت ذلك الجليد لتبتسم تردف متدللة:.


- تعرف أن شكلك كدا احلي بشعرك الأبيض في اسود دا، بص أنا شعري لسه زي ما هو، فاكر لما كنت بقولك ان تيتا الله يرحمها كانت بتقولي أن شعري عامل الشمس، في ألوان الشمس من الشروق للغروب

كانت فقط ترغب أن تراه يبتسم ولو ابتسامة صغيرة، ولكن على العكس بقيت تعابيره جامده تماما تنهدت حزينة لتمد يديها تكوب وجهه بين كفيها تبتسم له في حنان تهمس:.


- خالد، أنا عارفة أنك زعلان، بس أنا ما حسبتهاش كدا صدقني، أنا بس كنت خايفة على بنتي، دا حقي يا خالد، دي بنتي الوحيدة يا خالد...

لم يعطيها الفرصة لتكمل ابعد كفيها عن وجهه يتوجه إلى فراشه تمدد عليه يجذب الغطاء لينام، تنهدت مغتاظة من تجاهله، لتقترب من فراشه جذبت الغطاء عنه بحدة تهتف حانقة:

- ماشي ما تكلمنيش، بس قوم كل، أنت ما كلتش حاجة من الصبح

جذب الغطاء يوليها ظهره يتمتم بجملة واحدة:

- كلامك شبعني!


وقفت للحظات تحرك ساقها اليسري في عصبية لترتسم على شفتيها ابتسامة ماكرة ستتدلل كما كانت تفعل وهي صغيرة، توجهت للجانب الآخر من الفراش، لتندث سريعا بين ذراعيه تسند رأسها على صدره حاول إبعاده عنه لتتشبث بملابسه تحرك رأسها نفيا بعنف:

- ابدا ابدا مش هتبعد ابدا.


تنهدا ضجرا منها ينظر لها، نظرة معاتبة فارغة، ليغمض عينيه يتصنع النوم، لتمد هي يديها تقرص خديه بخفة امسكت وجنتيه ترفعهما لاعلي لترسم ابتسامة على وجهه الصامت، ابتسمت تضحك بخفة لتفتح فمه برفق تنظر لاسنانه لتهمس بخفوت وهي تضحك:

- عندك أنياب هو أنت اصلا vampire

تجهمت ملامحها في غيظ حين سمعته يتمتم ساخرا:

- اعقلي ونامي لهسيبلك الأوضة واروح أنام في أوضة تانية.


ظل تتمتم حانقة منه تصدم رأسها بصدره في غيظ لحظات وبدأت تشعر بالنعاس يداهمها تمتمت بصوت خفيض قبل أن تغلق عينيها:

- ما تزعلش مني، أنت عارف اني بحبك اوي

لحظات وغطت في نوم عميق، ليفتح هو عينيه ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه يريح رأسها جيدا على صدره يقبل جبينها، جذب الغطاء يدثرها به ليغمض عينيه يستسلم للنوم، لترتسم ابتسامة صغيرة ماكرة على شفتيها تغمر وجهها في صدره.


تعلن شركة مصر للطيران عن وصول الرحلة رقم 854 القادمة من مطار دبي الدولي، كانت لا تزال الساعة السابعة صباحا حين وصلت الطائرة مشهد تكرر من قبل، ولكن باختلاف كبير، فثلاثهم والصمت رابعهم، لا أحد يتحدث او حتى ينطق بحرف واحد، حمزة يمسك بيد مايا يسير في المقدمة، وادهم يسير خلفهم، مايا تلتفت برأسها للخلف كل لحظة واخري لتتأكد فقط أن يسير معهم حتى لو في الخلف، أنه لم يتركهم، سيارة بها سائق بعثها عمها لتكن في انتظارهم، جلست مايا جوار والدها في الخلف وجلس أدهم في الأمام جوار السائق، ولا يزال الصمت كطير جارح يحذرهم من النطق بحرف واحد ولكن الصمت الظاهر يخفي خلفه ملحمة تصرخ في قلب وعقل كل منهم، أدهم يفكر حياته انقلبت رأسا على عقب بسبب غبائه هو حقا لا يهتم لا بالمال لا بالسيارة لا بالمركز، هو خسر والده وحبيبته، يفكر حقا في الانتحار لينهي ذلك العذاب...


حمزة قلبه يصرخ يرفض إبعاد طفله عنه، يحارب قرار عقله الثائر، كيف سيقصيه بعد كل تلك السنوات التي شب فيها منذ أن كان طفلا إلى أن صار ذلك الرجل اليافع الذي يجلس في المقعد أمامه

مايا، بالكاد تمنع دموعها، خائفة ترى ما سيفعل والدها، من الجيد أنه لم يبعد أدهم، ترتعد من القادم...

ما إن اقتربوا من منزل عمها اخرج حمزة هاتفه يطلب رقم أخيه.


في فيلا خالد السويسي

تملمت لينا منزعجة بين احضان خالد وصوت هاتفه يتكرر بشكل مزعج، فتحت عينيها متأففة تحرك جسد خالد تهمس بصوت ناعس متحشرج:

- خالد يا خالد، خالد موبايلك بيرن سكته

بالكاد فتح عينيه مد يده على الطاولة الصغيرة خلفه يبحث عن الهاتف التقطه يرفعه أمام عينيه ينظر لاسم المتصل في ذلك الوقت المبكر، اعتدل في جلسته يفتح الخط سريعا حين ابصر رقم أخيه ليهتف سريعا متلهفا:

- خير يا حمزة انتوا كويسين.


قامت لينا تجلس جواره تفرك عينيها ناعسة تنظر له تقطب جبينها متعجبة ما به حمزة، ولما خالد قلق عليه لتلك الدرجة، بدأت بيديها تلملم خصلات شعرها المبعثرة من أثر النوم لتسمعه يهتف بتلهف:

- أنت تحت يعني طب أنا نازلك.


قالها ليهب من فراشه سريعا ارتدي خفه المنزلي يتحرك لخارج الغرفة لتتثأب هي ناعسة، تحركت من الفراش متجهه إلى شرفة غرفتهم لتري البوابة الكبيرة تُفتح وسيارة حمزة تدخل للبيت، ترى ما سر تلك الزيارة الباكرة

في الأسفل وقفت سيارة حمزة في الحديقة ليلتفت برأسه إلي ابنته يحادثها باقتضاب:

- يلا يا مايا انزلي

اضربت حدقتيها تنظر لوالدها تارة ولادهم تارة أخري، ازدردت ريقها تحرك رأسها نفيا تهمس متوترة خائفة:.


- طب وأنت وأدهم مش هتنزلوا معايا

حرك حمزة رأسه نفيا نظر لابنته في حدة ليردف في حزم قاطع:

- أدهم هيرجع لأهله، يلا انزلي

توسعت عينيها فزعا لتأخذ دموعها اشارة البدا انهمرت كفضيان طال حبسه فقط تحرك رأسها نفيا تنفي ما يقول والدها، يريد إبعاده عنها، إبعاد روحها العاشقة عن قلبها النابض بعشقه لا وألف لا لن تسمح بذلك، امسكت يد والدها تتوسله باكية:.


- لا يا بابا عشان خاطري، أنا عارفه أنه غلط بس كلنا بنلغط، احنا بني آدمين، دا ابنك، دا أنا كنت بغير منه وأنا صغيرة، ليه دلوقتي عايز تبعده، حرام عليك

قبض حمزة على ذراعي مايا يصيح فيها غاضبا:

- ابني مش هيحب بنتي حب من النوع دا، وأنا مش بقرون عشان اسيبكوا عايشين تحت سقف واحد وكل واحد بيحب التاني، دا غير غلطة البيه، اللي مالهاش اي غفران عندي، اتفضلي انزلي يلااااا يا مايا.


حركت رأسها نفيا بعنف ترفض التحرك ليفتح حمزة الباب المجاور له نزل من السيارة يجذبها من الخارج، وجد اخيه يقف خارجا ينتظرهم ليدفع مايا ناحية خالد يهتف فيه محتدا:

- خلي بالك منها على ما اجي

انفطر قلب خالد على تلك الباكية تحاول التخلص من ذراعيه تصيح باسم أدهم:

- ااادهم، لا يا باااابااا عشان خاطري ما تبعهدوش، اااادهم...


توجه حمزة إلى مقعد السائق يدير محرك السيارة ينطلق بها للخارج آخر ما رأته ابتسامة أدهم الباهتة التي ودعها بها للأبد...

التفت لعمها تقبض على تلابيب ملابسه تصرخ بنبرة ذبيحة معذبة:

- لييييه ما سبتنيش اروحله. هيبعده عني مش هشوفه تاااااني، لييييه

ابتسم خالد في هدوء يكوب وجهه مايا بين كفيه يمسح دموعها بسبابتيه يهمس لها في هدوء ماكر:.


- أدهم حمزة السويسي، مايا حمزة السويسي، تفتكري دول ينفعوا يتجوزوا، نروح للمأذون نقوله عايزين نجوز الإتنين دول، هيقيم علينا الحج ونبقي نستاهل، ابوكي رجع أدهم لاسمه وحياته الحقيقة، وما تقلقيش هتفضل عيني عليه، وشوية وابوكي هيصفاله، وساعتها لما يجي يتقدم المأذون هيقول بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير وأنا اللي هشهد على الجوازة دي.


ارتمت بين أحضان عمها تبكي بعنف تهمس من بين شهقاتها القاسية:

- مش هقدر اعيش من غيره، هيوحشني اوي أوي، أنا بحبه أوي

ضحك خالد يصدم مايا على رأسها بخفة يغمغم في مرح باهت:

- يا بت أنا عمك مش صاحبتك يخربيت جنانك، العار والتار، تعالي يا حبيبتي النهاردة بس هسيبك تنامي في حضن انطي لينا، بعد كدة هعلقك لو لقيتك نايمة في حضنها.


لم تقدر شفتيها حتى على الابتسام فقط تحركت بقلب مكدوم روح معذبة تنزف بصحبة عمها إلى أعلي تنظر خلفها بين ثانية وأخري عل والدها يعد في قراره، اخذها خالد إلى غرفته فتح بابها يبحث عن لينا، خرجت لتوها من المرحاض لتتوسع عينيها فزعا حين رأي مايا تبكي بتلك الشكل، هرولت ناحيتها تضم لصدرها تسألها فزعة:

- مالك يا حبيبتي، حصل ايه يا خالد مايا بتعيط كدة ليه.


حرك رأسه نفيا في خفة ينظر للفتاة مشفقا على حالها تنهد يهمس بصوت خفيض متعب:

- نيميها في حضنك وخليكي جنبها

ربت برفق على رأس إبنه أخيه ليتركهم ويخرج من الغرفة، يدور فكره في محور فكرة واحدة حمزة الآن بالطبع يتعذب مما حدث.


بدأت السيارة تخرج من تلك المنطقة الراقية شوارع كثيرة تخوضها السيارة وسط صمت أدهم وحمزة، وخاصة ذلك الأخير الذي يتفتت قلبه، يعتصر المقود بين كفيه، أدهم فقط ينظر من النافذة جواره تدمع عينيه، يتذكر قديما حين كان يخطئ كان يعاقبه حمزة بحرمانه بإرساله إلي غرفته، ولكن الآن خطأه اكبر بكثر فلم يرسله فقط إلى غرفته بل اقصاه من حياته بأكملها، دخلت إلى سيارة إلى حي شعبي كبير، أمام عمارة سكنية مكونة من ثلاثة طوابق ومحل صغير اسفلها وقفت سيارة حمزة، التفت أدهم برأسه في المكان، لتقع عينيه على سيدة مسنة تقف في ذلك المحل، قسمات وجهها ضاحكة تلف حول رأسها حجاب أبيض كبير ترتدي جلباب أسود، شعر ناحيتها بألفة لم يفهم سببها، أجفل على جملة حمزة التي نطقها في برود:.


- جدتك هناك اهي، اسمها منيرة، اتفضل خد شنطتك وأنزل

التفت أدهم برأسه ينظر لوالده في رجاء صامت يشعر بأنه طفل صغير في يومه الدراسي الأول، حرك رأسه إيجابا يفتح باب السيارة، يتوجه لصندوق السيارة يخرج حقائبه منها، اغمض حمزة عينيه يطلق العنان لدموع عينيه، يمسحها سريعا، تحرك ينزل من السيارة يتوجه لذلك الدكان، خطي لداخله حمحم يهتف بصوت هادئ:

- السلام عليكم، ازيك يا ست منيرة.


قطبت تلك السيدة المسنة جبينها تنظر للواقف امامها متعجبة حمحمت ترد تحيته:

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، خير يا بيه

التفت حمزة برأسه ناحية أدهم يشير له بعينيه أن يتقدم ناحيتهم، عاود النظر لمنيرة رسم ابتسامة خفيفة على شفتيه يردف:

- ابنك وحيد الله يرحمه كان سافر من سنين بلد عربي يشتغل فيها مش كدا...

اتسعت عيني السيدة في دهشة من ذلك الرجل وكيف علم حركت رأسها ايجابا تنظر له في حذر تردف:.


- ايوة يا بيه، الله يرحمه، مات وسابني في الدنيا لوحدي، بس ربك ما بينساش حد، المدير بتاعه الله يكرمه اشترالي البيت والمحل دا، استرزق منه، أنت مين يا بيه

حرك حمزة رأسه نفيا بخفة يردف في هدوء:

- ما سبكيش في الدنيا لوحدك ولا حاجة، وحيد الله يرحمه كان عنده طفل عمره 3 سنين لما مات اسمه أدهم

ادمعت عيني السيدة تلقائيا لتكتسي الحسرة قسمات وجهها حركت رأسها ايجابا سريعا تهمس بنبرة متحشرجة باكية:.


- ايوة كان قالي أنه خلف وبعتلي صور ابنه وهو صغير بس لما مات انقطعت اخباره وما عرفتش اوصل لابنه حاجة من ريحته تعوضني عن فراقه

حرك حمزة رأسه إيجابا ليتمزق قلبه حين امسك بيد أدهم يدفعه ناحية جدته يردف في هدوء زائف يحمل طيات من الألم تصرخ:

- أدهم ابن ابنك وحيد يا ست منيرة، أدهم وحيد سليمان.


شهقة عنيفة خرجت من بين شفتي منيرة تنظر للشاب الواقف أمامها في دهشة، لهفة، حذر، شك، أيمكن فقط أن تكن لعبة منهم، ولكن لما، السيارة التي يملكها ذلك الرجل بأموال لا تحصي، أدهم حفيدها بعد كل تلك السنوات، يقف أمامها، مدت يدها تريد أن تتلمس وجهه لتبعدها سريعا قلبها يحثها لاختطافه بين أحضانها وعقلها لا يزال يشعر بالشك، في تلك اللحظات وضع حمزة ظرف كبير على الطاولة الصغيرة في المحل، فتحته السيدة منيرة بحذر، لتجد فيه شهادة ميلاد أدهم، بطاقة وحيد، وبعض متعلقاته كان منهم صورتها هي ووالده التي كان يحتفظ بها وحيد دائما في محفظته نظرت لحمزة في حذر ليردف الأخير:.


- أنا مدير وحيد الله يرحمه في الشغل، أدهم السنين اللي فاتت كان تحت رعايتي، وأهو كبر وبقي مهندس، وعايز يرجع لأهله، أنا كدة وصلت الأمانة عند إذنك يا ست منيرة

التفت ليغادر لينتفض أدهم سريعا يهتف باسمه:

- بابا!

وقف حمزة يشد على يده بعنف يحاول تهدئة دقات قلبه الثائرة، التفت ناحية أدهم يرسم ابتسامة باهتة على شفتيه:

- بابا ايه بقي خليك مع جدتك، سلام يا أدهم.


قالها ليتقدم بخطي سريعة متلهفة إلى سيارته يغادر المكان سريعا، وقف أدهم ينظر في أثره يكاد يبكي كطفل صغير فقد والده للتو، قبل أن يعي بمغادرة والده وجد تلك السيدة تندفع ناحيته تجذبه إلى أحضانها تعانقها بعنف تهمس من بين شهقاتها المتقطعة:

- الحمد لله يا رب الحمد لله، حققت دعايا، وشوفتك يا ابني قبل أموت، واحش ستك يا قلب ستك، دا أنت اللي باقيلي من ريحة الغالي، اخوك من زمان هاجج وما بيجيش غير بطلوع الروح.


صدمة تليها اخري لديه شقيق أيضا، ابعدته تلك السيدة عن أحضانها تتحسس قسمات وجهه برفق تنظر له بحنان ينهمر من مقلتيها، أمسكت ذراعه تتحرك به لخارج المحل تردف متلهفة:.


- تعالا، تعالا اطلع استريح، أنا هعملك كل الأكل اللي تحبه قولي إنت تحب إيه وأنا هعملهولك، وتحكيلي كل اللي حصل، ونكلم اخوك الكبير يمكن يرضي يجي المرة دي، ربنا يهديك يا مراد يا ابن وحيد، والله يا ابني هو طيب، بس شيطان ركبه كدة، اقوله يا ابني عيش عيشة أهلك يقولي واللي عايشين في قصور احسن مننا في ايه، عايز ياخد بالشبشب على وشه.


ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه ينظر لتلك السيدة، جدته وطريقتها العفوية فئ الكلام، ليجدها تصيح باسم احد الصبيان التي تلعب الكرة امامهم:

- واد يا حمادة اقف في المحل على ما اجي، وأنا هديك كيس شيبسي كبير لما انزل

ابتسم الفتي في سعادة يحرك رأسه إيجابا سريعا يندفع يقف في المحل، أخذته توحيد تصعد إلى الطابق الأول لا تتوقف عن الحديث:.


- البيت دا بتاعنا الدور الارضي عملاه مخزن للمحل، والدور الاول عايشة فيه، التاني والتالت بقي مأجراهم بردوا يجيبوا قرشين، فوق السطوح بقي مربية فراخ وحمام وبط، هدبحهم كلهم عشانك، توقفت امام باب منزل، باب رآه فقط فئ الأفلام القديمة، لتفتحه بالمفتاح، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه يتذكر مفتاحه الإلكتروني الذي كان يفتح الباب ما أن يلامس سطح الشاشة المشفرة في برجهم الفاخر، دخلت السيدة تتقدمه تجذب يده إلى الداخل، تتمتم فرحة:.


- خش يا أدهم ما تتكسفش يا ابني

خطي لداخل المنزل ينظر لارجاءه، منزل يختلف كل الاختلاف عن حياته في منزل والده، ربما سيعتاد، ربما، لم يمر سوي القليل ويكاد شوقه لهم يفتت فؤاده المثقل، التفت برأسه ناحية جدته يهمس بصوت ثقيل متعب:

- أنا تعبان وعايز أنام

ابتسمت الجدة في حنان تربت على ذراعه برفق تجذبه خلفها إلى ممر قصير فتحت باب غرفة لتدخل وهو خلفها، تردف مبتسمة:.


- دي اعتبرها اوضتك يا سيدي نضيفة وزي الفل، ريح ساعتين على ما اعملك الأكل..

حرك رأسه إيجابا بالكاد ابتسم، لتعاود هي النظر له بتلهف عاودت احتضانه في شوق تربت على رأسه بحنو:

- الحمد لله يا رب، أنا مش مصدقة اني شوفتك بعد السنين دي كلها...


ابتعدت عنه تمسح دموعها نظرت له تبتسم لتخرج من الغرفة تغلق الباب خلفها، وقف هو ينظر لتلك الغرفة للحظات ليرتمي بجسده على الفراش يخفي وجهه في تلك الوسادة يسمح لدموعه بالانهمار.


في غرفتها، كانت تغط في نوم عميق بعد ليلة من الأرق تفكر فيها لحل مشكلة الجامعة دون أن تصل لإجابة، زفرت غاضبة من صوت رنين هاتفها التقطته تفتح الخط تتمتم حانقة:

- ايوة مين على الصبح

حمحم الموظف بحرج من طريقة الفتاة الفظة ليهتف في رتابة:

- احم، حضرتك مدام لينا السويسي معاكي جماعة (، ) الخاصة، تقدري حضرتك تكوني عندنا بعد ساعة عشان تقدمي الورق.


توسعت عينيها في دهشة لتهب تقف على ركبتيها على الفراش تغمغم في ذهول:

- اقدم الورق هو ينفع

اجاب الموظف بنبرة هادئة رتيبة:

- ايوة يا افندم ينفع، يا ريت حضرتك ما تتأخريش قبل ما العميد يمشي

قفزت من فراشها تصيح في الرجل متلهفة:

- دقايق وهبقي عندكوا.


اغلقت الخط تبتسم في سعادة تقفز في حماس بالطبع والدها من تدخل، توقفت عن القفز حين شعرت بألم بدأ ينخر امعائها بعنف إثر تلك الحركة العنيفة وقفت تنحي للإمام قليلا تنكمش قسماتها ألما، تتعجب في نفسها لم تصاب بذلك الألم من قبل، لحظات وبدأ يختفي لتتوجه سريعا إلى المرحاض بدلت ثيابها لتهرع إلى أسفل وجدت والدها يجلس على الأريكة في غرفة استقبال الضيوف، هرعت ناحيته تقبل وجنته تهمس في سعادة:.


- شكرا يا بابا شكرا بجد، أنا هروح الجامعة مش هتآخر.


قالتلها لتهرول للخارج ليقطب هو جبينه متعجبا، لما تشكره من الأساس، رفع كتفيه لأعلي يبتسم ساخرا، يعش وسط حقبة من المجانين، توجه خالد إلى غرفة مكتبه ليري ابنته تستقل احدي السيارات والسائق في الأمام اشار إلى أحد سيارات حراسته أن تتبعها، وقف ينظر إلى أن رحلت ابنته، لتدخل سيارة حمزة في تلك اللحظة، نزل أخيه منها، رأي الألم يصرخ في حدقتيه تنهد حزينا متحسرا على حال أخيه، اشار له أنه ينتظره في غرفة المكتب، فتح الباب ينتظر اخيه، دخل حمزة إلى الغرفة دون سابق كلام ارتمي بين أحضان أخيه يبكي على فراق قطعه من قلبه، ربت خالد على رأسه برفق يحاول التخفيف عنه:.


- روح هاته يا حمزة، كلنا بنغلط يا اخويا، قولتلك من الاول بلاش خطتك الغريبة دي

حرك حمزة رأسه نفيا بعنف ليبتعد عن أخيه يمسح ما سقط من عينيه بحدة:

- لاء يا خالد، اللي عمله سهل اسامحه عليه بسهولة كدة، دا غير أن البيه والهانم طلعوا بيحبوا بعض، كنت شايف وحذرتني، بس أنا كنت اعمي وعامل نفسي مفتح

ابتسم خالد يآسا من عناد أخيه، ليأخذ حمزة مقعده ويجلس خالد أمامه يتحاوران:.


- طب وهتعمل ايه، خلاص يا حبيبي قضي الأمر، بنتك كانت هتموت من العياط لما خدته ومشيت

حرك حمزة رأسه بعيدا عن أخيه تنهد يقول حائرا:

- ما اعرفش صدقني ما اعرفش، محتاج ارتاح وافكر، حاسس أن مخي هيتشل، أنا مش قادر اصدق لحد دلوقتي انهم بيحبوا بعض

ربت خالد على ساق أخيه يحادثه بحزم:.


- أنت اللي عملت كده يا حمزة أنا قولتلك من الأول ما تتبناش، واحد وواحدة عايشين تحت سقف واحد وهما الاتنين عارفين انهم مش أخوات، مستني ايه، دا أنت تحمد ربنا ان أدهم حافظ جميلك، وحبها ما استغلهاش

تنهد حمزة حانقا ينظر لخالد غاضبا هب واقفا يصيح في أخيه:

- ما خلاص يا خالد بطل تقطيم فيا، أنا جايلك عشان تقطمني، اخد بنتي وامشي

ابتسم خالد ساخرا ينظر لأخيه في تهكم:.


- خدوهم بالصوت مش كدا، اترزعق اقعد نشوف هنتصرف ازاي

تنهد حمزة حائرا عقله لا يتوقف عن التفكير في أدهم، التفت حمزة لأخيه يغمغم في هدوء:

- المهم دلوقتي مايا، أدهم تحت عنينا هبلغك اخباره أول بأول، وأنت تخلي بالك من مايا، وفي أسرع وقت هيتبدل اسم أدهم في الأوراق الرسمية كلها لاسمه الحقيقي، أدهم مهندس شاطر، وأنا اقدر اشغله في شركة الكترونيات كبيرة، ونشوف الدنيا هتاخدنا على فين.


حرك حمزة رأسه إيجابا بالكاد يمنع نفسه من العودة لهناك وإعادة ولده لاحضانه من جديد.


على صعيد آخر وصلت سيارة لينا إلى الجامعة دلها الموظف إلى مكتب عميد الجامعة دقت الباب لتدخل، قطبت جبينها متعجبة حين رأت شاب تقريبا في الثلاثينات يجلس على مكتب العميد، تقدمت ناحيته حمحمت تبتسم متوترة:

- احم حضرتك استاذ شهاب عميد الكلية

ابتسم الشاب يحرك رأسه إيجابا لترفع كتفيها متعجبة، ربما هو صاحب تلك الجامعة، ابتسمت تمد يدها تصافحه:

- أنا لينا خالد السويسي، الموظف بتاع الشؤون.


لم يعطيها الفرصة لتكمل سرعان ما ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه يهتف سريعا بتلهف:

- اهلا وسهلا مدام لينا اتفضلي اقعدي واقفة ليه، انتي ما تعرفنيش، أنا وزيدان جوزك كنا زمايل في الثانوي، ولما عرف أنك مقدمة عندنا كلمني وأنا طبعا اتشرف بوجودك عندنا.


توسعت عينيها في دهشة زيدان هو من تدخل كانت تظن أن والدها هو من فعل، ولكن لما يفعل زيدان ذلك، آخر حديث دار بينهما كان على وشك خنقها، لم تدم مقابلتها مع العميد سوي دقائق، قدمت اوراقها واخبرها ان محاضراتها ستبدأ من الغد، خرجت من مكتبه شاردة تفكر لما إنت يا زيدان، نزلت لأسفل تبحث عن سيارات والدها لا أحد قطبت جبينها متعجبة أين ذهبوا وتركوها، أخرجت هاتفها تود الاتصال بالسائق لتجد أحدهم يجذب الهاتف من يدها بخفة، رفعت وجهها تنظر للفاعل في حدة لتجده هو يقف أمامها يمسك بباقة من المفترض أن الباقة يكن فيها أزهار، أما الباقة التي يمسكها كان بها شطائر وقطع شوكولاتة مغلفة ابتسم في وجهها يردف:.


- العربيات مشيت، باباكي اتصل وعايزهم، ينفع أنا اوصلك

رمشت بعينيها في ذهول هل الواقف أمامها زيدان حقا، كاد احد الطلاب ان يصطدم بها أثناء رحيله ليجذبهل زيدان ناحيته التصقت انفاها بسترة حلته لتنكمش ملامحها في اشمئزاز ما أن اخترق رائحة عطره الباهظ انفها، دفعته بعنف بعيدا عنها تشعر بألم غريب يعصف بامعائها وقفت جوار احدي الاشجار تخرج كل ما في جوفها ليهرع هو اليها خائفا فزعا.تبع 

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السادس والخمسون


- العربيات مشيت، باباكي اتصل وعايزهم، ينفع أنا اوصلك.


رمشت بعينيها في ذهول هل الواقف أمامها زيدان حقا، كاد احد الطلاب ان يصطدم بها أثناء رحيله ليجذبهل زيدان ناحيته التصقت انفاها بسترة حلته لتنكمش ملامحها في اشمئزاز ما أن اخترق رائحة عطره الباهظ انفها، دفعته بعنف بعيدا عنها تشعر بألم غريب يعصف بامعائها وقفت جوار احدي الاشجار تخرج كل ما في جوفها ليهرع هو اليها خائفا فزعا، القي الباقة جواره ارضا يهرع إليها حاوط جسدها بذراعيه يحاول أحكام السيطرة على جسدها كانت تتقئ بعنف مرعب، جسدها يميل تلقائيا للأمام، فيحكم هو ذراعيه حولها حتى لا تسقط أرضا، التفت حوله ينظر لأحد حراسه الواقف بعيدا يصيح فيه غاضبا:.


- هاتلي ازازة ماية بسرعة

عاد ينظر إليها متلهفا قلبه ينتفض ذعرا لم يهتم بنظرات الاشمئزاز التي يلقيها الطلاب في طريقهم عليهم، فقط ما يهمه تلك التي تكاد تختنق حرك يديه يمسح على شعرها برفق يحادثها قلقا:

- اهدي، اهدي خلاص، حاولئ تاخدي نفسك هتتخنقئ...


تقدم الحارس منه يركض يعطيه زجاجة المياة، لينزعها غطائها بعنف يلقيه بعيدا اسندها بأحد ذراعيه يملئ كفه يمسح على وجهها برفق يرفع وجهها لاعلي يسندها على كتفه، امسك الزجاجة يقربها من فمها يهمس لها قلقا:

- اشربي حاجة بسيطة.


ارتشفت جرعة صغيرة للغاية ليعاود إسناد رأسها لكتفه ينظر لها قلقا وجهها الشاحب عينيها الغائرة، بالكاد تلتقط أنفاسها بجهد شاق، برفق حملها بين ذراعيه لتحرك رأسها نفيا بعنف ما أن التصقت أنفها بسترته، قطب جبينه متعجبا ما تفعل، تشجنت ملامحها في اشمئزاز، لينزلها أرضا التقطت نفسا قويا تبعد به رائحته عن أنفها، خلع سترة حلته يلقيها على ذراعه الاخر يتحرك بها لف ذراعه حول كتفيها يحاول أن يكن بعيدا عنها إلى الآن لم يفهم ما بها، تحركت معه بوهن شديد فتح باب السيارة يجلسها فيها، التف سريعا ما أن جلس وجد الحارس يعطيه الباقة اخذها منه يلقيها على الاريكة الخلفية، أدار سريعا محرك السيارة يغمغم متلهفا:.


- احنا هنطلع على اقرب مستشفي، نطمن عليكي ولو

لم تدعه يكمل ما يقول حركت رأسها نفيا بوهن تنظر له بحدة رغم انطفئ بريق عينيها من التعب:

- مش هروح معاك في حتة، اوعي تكون فاكر عشان أنت اللي اتوسطت في موضوع الكلية اني خلاص هسامحك، أنا عندي افضل في كليتي القديمة، ولا أن يكون ليك جيميل عليا

تنفس بعنف يحاول تهدئة نفسه من وقع كلامها السام اغمض عينيه يشد على قبضته لحظات فتح عينيه وابتسم شبح ابتسامة باهتة:.


- ماشي يا لينا اعملي اللي تحبيه بس بردوا هنروح المستشفى نطمن عليكي، كان نفسك هيروح من دقايق لولا ستر ربنا

احتدت عينيها تنظر له في غيظ ممتزج بمقت شديد، اخذت نفسا قويا لتندفع تصيح فيه:

- أنت عارف أنا تعبت ليه عشان ريحتك، ريحتك اللي فكرتني بالقرف اللي عملته فيا، ريحتك اللي رجعتني لعذاب ليلة عمري ما هنساها، أنا كويسة، كويسة اوي، بس أنت أبعد عني أخرج من حياتي...


ضغط على مكابح السيارة بقوة لتقف على جانب الطريق، شد على المقود بين قبضتيه يكبح نفسه بصعوبة من إلقائها خارج السيارة، تدق كلمات خالد بعنف في رأسه تتصارع في قلبه

« قدامك شهر لو ما صلحتش علاقتك بلينا، هتطلقها بمزاجك كان او غصب عنك

- الواد دا يا أما فعلا بيحبها وبياخد حقه من اللي عملناه فيه، يا مزقوق علينا من حد ».


لن يتركها له هو من يحبها، هو من صارع كل تلك السنوات لأجلها، جرح ما فعله بها حتى لو رغما عنه لن يندمل بتلك السهولة، هي تحتاج إليه لاحتوائه لها، لن يتخلي عن قضية عمر قضاه ليربحها، تنهد يهدئ نفسه عاود النظر لها يبتسم ليقول في هدوء:.


- مبروك عليكي بقيتي طالبة رسمي في الكلية، على فكرة أنا معايا كورسات كتير في إدارة الأعمال، الفترة اللي خالي كان فيها في عملية وطولت وكان عاملي توكيل بإدارة الشركة ما كنش ينفع ابوظ الدنيا، فكنت باخد كورسات واطبقها على الشغل والحمد لله عدت...


لم تتغير قسمات وجهها فقط اشاحت بوجهها بعيدا عنه تنظر للطريق من النافذة المجاورة لها للطريق والمارة كطفلة صغيرة تنظر من نافذة غرفتها العالية، طفلة منحتها الحياة السعادة لتنتزعها منها بمنتهي القسوة والعنف، ادمعت عينيها رغما عينيها لما كتب عليها التعاسة، لو ما حدث لم يحدث لكانت تقضي الايام أسعد أيامها في أحضان زوجها المحب، ولكن حتى زوجها خدعها لعب بمشاعرها، تثبت لها الحياة يوما بعد يوم انها لم تكن سوي لعبة بلهاء، لا حول لها ولا قوة، وهي ليست تلك المستكينة الضعيفة، ربما هي دماء والدها الثائرة من ترفض الاستسلام لطوفان عشق ذلك الجالس جوارها بعد ما فعله بعد أن خدعها، وصلت السيارة إلى فيلا والدها قبل أن ينطق بحرف نزلت من سيارته سريعا تصفع الباب خلفها تندفع للداخل، ليتنهد هو يآسا مسح وجهه بكف يده ليدير محرك السيارة يعود إلى عمله...


حين دخلت هي إلى المنزل بدأ ذلك الألم يشتد شيئا فشئ، توجهت سريعا لغرفتها، لتقابلها والدتها في طريقها ابتسمت لينا ما أن رأت ابنتها:

- ايه يا لوليتا كنت فين الصبح بدري كدة

بجهد مؤلم سيطرت على قسمات وجهها حتى لا تصرخ من الألم، ارتسمت على شفتيها شبح ابتسامة باهتة تغمغم سريعا:

- كنت بقدم في الجامعة، وهبدأ محاضرات من بكرة...


قطبت لينا جبينها تنظر لابنتها قلقة لتبسط راحة يدها على جبين ابنتها تتحسس حرارتها لتغمغم قلقة:

- جسمك متلج ليه كدة...

حركت رأسها نفيا بخفة تحاول الابتسام:

- لاء ابدا الجو بس برد اوي برة الشتا السنة دي شكله صعب أوي وكان تكييف العربية كان عالي، أنا هطلع أنام.


تجاوزت والدتها إلى اعلي سريعا قبل أن تسألها، اي سؤال آخر توجهت إلى غرفتها توصد الباب خلفها سطحت جسدها على الفراش تمسد على بطنها، بخفة لا تفهم حتى لما هي تتألم، لحظات فقط، فتحت عينيها على آخرها انتصفت جالسة تشهق فزعة تغمغم مع نفسها:

- نهار أسود إن شاء الله لاء، طب اعرف إزاي، اقول لماما، لالا لتقول لزيدان وكدة مش هعرف اخلص منه، طب اعمل إيه، مش يمكن بيتهيئلي مش اكتر، بس.


قاطع سيل أفكارها المضطربة، صوت دقات على باب غرفتها حمحمت تسمح للطارق بالدخول لتدخل مايا ابن عمها، ابتسمت لينا تنظر لمايا متعجبة خاصة حين رأت وجهها الاحمر القاني عينيها الدامعة، وقفت من فراشها تتجه صوبها امسكت بيدها تجذبها لتجلس أمامها اسألها قلقة:

- مالك يا مايا.


وكانت كلمة كليلة سوداء لم يسطع شمسها ارتمت مايا بين أحضان لينا تبكي، تشهق في بكاء عنيف، تغمغم بكلمات كثيرة مبعثرة لم تفهم لينا سوي كلمة أدهم

في الأسفل وقفت لينا أمام مكتب خالد تشجع نفسها للدخول منذ ساعات وهو يغلق المكتب بصحبة أخيه، تنهدت بقوة تدق الباب وقبل أن تسمع رده أدارت مقبض الباب ودخلت، رأت خالد يجلس على مقعد أمام حمزة يتحدثان ابتسمت توجه انظارها لطفلها الكبير الغاضب تردف:.


- مش كفاية كلام بقي احضرلكوا الفطار اكيد جوعتوا ولا ايه

قطب حمزة جبينه متعجبا من نبرة لينا الغريبة، بينما ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي خالد نظر لها يتمتم ببرود:

- اولا أنا ما قولتلكيش ادخلي فعيب اوي لما تدخلي هجم كدة، وشكرا يا ستي مش جعانين، ولو عوزنا حاجة في بدل الخدامة عشرة هطلب منها اللي أنا عاوزه، اتفضلي بقي.


توسعت عيني لينا غضبا من كلامه المحرج لها وخاصة أمام أخيه، رمته بنظرة حانقة لتستدير وتغادر المكان بأكمله تصفع الباب خلفها، التفت حمزة لاخيه يرفع حاجبه الأيسر متهكما:

- لا ما تقولش أن قيس قافش على ليلي

ضحك خالد ساخرا يتمتم متهكما:

- لا وانت الصادق ليلي هتتجنن قيس، هتضرب البرج الفاضل عنده

قام حمزة امسك بعلبة محارم ورقية صغيرة يلقيها على أخيه يغمغم ساخرا:.


- لا يا حبيبي أنت مجنون من زمان، صالح ياض مراتك لأن أكيد أنت اللي غلطان من غير ما اعرف ايه اللي حصل، أنا هطلع أنام

قالها ليستدير ويغادر الغرفة متوجها إلي غرفته، لتدخل لينا بعده تحمل حقيبة يدها الصغيرة رفعت رأسها قليلا بغرور تردف:

- على فكرة أنا رايحة المستشفي وأنا مش باخد إذنك أنا بس بقولك، عشان حتى لو رفضت أنا رايحة، سلام.


استدارت لتغادر لتشهق بقوة حين شعرت به يجذب يدها لترتد للخلف دفعها بحركة عنيفة ناحية الاريكة السوداء في جانب الغرفة ليتوجه إلى الباب يوصده بالمفتاح من الداخل، هبت بخفة تقف أمامه تنظر به حانقة لتصيح فيه:

- هتفضل طول عمرك همجي، آه يا ضهري

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وقف بالقرب منها يكتف ذراعيه أمام صدره يغمغم متهكما:

- العضمة كبرت بقي يا لوليتا.


احتقنت عينيها غيظا لتلقي الحقيبة من يدها اندفعت ناحيته تقف امامه مباشرة تشهر سبابتها أمام وجهه اندفعت شرارات غضبها تصيح فيه:

- عضمة مين يا بابا اللي كبرت، دول لما بيشوفونا مع بعض بيفتكروني بنتك...

التحمت مقلتيها بمقلتيه للحظات طويلة خارج حدود الزمان والمكان هدأت شرارتها الغاضبة هدئ رعد سمائها الغاضبة، لتلمع مقلتيه بعشقها يكاد ينير، همس بصوت رخيم اجش:.


- وهي أنتي مش كدة فعلا، لما نطقتي كلمة بابا قولتيها ليا أنا، لما بدأتي تمشي، كنتي بتيجي ليا أنا، لما بدأتي تمسكي القلم تكتبي أول حرف كان كف ايدك جوا كفي أنا، يعني لما يفتكروكي بنتي عشان أنا شعري أبيض، دا مش هيغير حقيقة أنك بنتي، من أيام ما كنت عيل عنده عشر سنين.


ادمعت عينيها تحرك رأسها إيجابا سريعا انزلت سبابة يدها لتندفع ناحيته تلف ذراعيها حول عنقه تعانقه، ساعدها كعب حذائها الطويل الرفيع أن تصل لطوله مع قامتها القصيرة، يديها تتحرك برفق على خصلات شعره تهمس من بين شهقاتها الضعيفة:

- عشان خاطري ما تزعلش مني، إنت عارف أنا بحبك قد إيه

عانقها يشدد على احتضانها يسند رأسه لكتفها يهمس بصوت خفيض متعب:.


- حاسس أن الجبل بيتهد فوق رأسي، لما كانت الهموم بتزيد عليا، كنت برجع آخر الليل ارمي نفسي في حضني، اشكيلك عشان ايدك تطبطب عليا واسمع منك اللي يخليني اقف على رجلي من تاني، إكسير حياة بيرد الروح فيا تاني، ما تاخديش انتي روحي يا لينا...

شددت على عناقه تحرك رأسها إيجابا دون توقف تغمغم متلهفة:

- أنا آسفة، آسفة.


ابعدها عنه قليلا يمسح دموعها المتساقطة كعادته ابتسم يحرك رأسه إيجابا يقرص وجنتها بخفة يغمغم في مرح باهت:

- ماشي يا لينا أنا عارف أنك هبلة وما بتعرفيش انتي بتقولي إيه

ابتسمت ببلاهة أول الأمر، لم يمر لحظات قطبت جبينها تنظر له محتدة ابتعد هو عنها يتوجه ناحية مكتبه لتصيح فيه غاضبة:

- هي مين دي اللي هبلة، مش كفاية احرجتني قدام اخوك ودلوقتي بتقول عليا هبلة، والله لوريك يا خالد.


التفت لها يعقد ذراعيه أمام صدره رفع حاجبه الأيسر متهكما، ابتسم يتمتم في ثقة:

- وريني

حركت عينيها في كل الاتجاهات تتمتم مع نفسها مغتاظة:

- يعني كان لازم اسخن اوي كدة...

عادت تنظر له لتبتعد عنه خطوة واحدة تشهر سبابتها امام وجهه من بعيد تتمتم في إيباء زائف:.


- لعلمك بقي انا مش هوريك، عارف ليه عشان الغفران من شيم الأقوياء، مش بالعضلات على فكرة يا اما ناس عندها عضلات وبتفتري على الاضعف منها، والكيكة في الفرن عن إذنك

قالتها لتفر من الغرفة لتصدح ضحكاته العالية ينظر في أثرها يبتسم شاردا زوجته المجنونة لن تكبر ابداا.


على صعيد آخر بعيد للغاية عن تلك الاحياء الراقية في منزل جدة أدهم لم يزر النوم جفنيه ولو دقائق، تحرك من فراشه يتوجه صوب الشرفة الصغيرة في غرفته فتحها ليدخل الهواء المحمل بغبار الشارع إلى غرفته تنهد يجلس على مقعد صغير جوار الشرفة يستند برأسه إلى حافة الشرفة الصغيرة ينظر لذلك الطريق نظرات خاوية فارغة، تدمع عينيه كأنه فقط طفل صغير، كم يرغب في تلك اللحظات في العودة إلي أحضان ابيه وتقبيل يديه حتى يسامحه على ما اقترف وكاد يقترف من حماقات، ساعات وهو يجلس على وضعه ذاك إلى أن فُتح باب الغرفة التفت برأسه للفاعل ليجد تلك السيدة تدخل إلى الغرفة شهقت فزعة أول الأمر حين رأت فراشه فارغ، لتجول بعينيها سريعا في الغرفة تنهدت تزفر أنفاسها حين رأته يجلس هناك تنفست تردف بارتياح:.


- هو أنت هنا يا أدهم حرام عليك يا ابني وقعت قلبي، افتكرتك مشيت

توجهت تلك السيدة اليه تجذب مقعد آخر جلست أمامه ربطت على يده تسأله بحنان:.


- مالك يا أدهم، إنت مش مبسوط أنك رجعت لأهلك، إنت عارف أنا لما جه الراجل اللي كان معاك دا وقالي انك كنت عنده كان هاين عليا اطبق في زمارة رقبته، ازاي يبعدك عني سنين، بس لما شوفتك بيه زيه طول بعرض، وعرفت أنك ما شاء الله مهندس قد الدنيا، قلبي برد، أنا ما كنتش اقدر اديك ربع اللي هو ادهولك، لما انتفضت تنادي عليه وهو ماشي، اتأكدت فعلا من كلامي، رغم اني ما صدقت اشوفك بعد السنين دي كلها، بس حالك مش عاجبني حزين، مطفي، لو عايز ترجعله يا ابني ارجعله، بس ابقي زورني من وقت للتاني ما تسبنيش زي اخوك يا أدهم.


عند ذلك الحد انفجر أدهم في البكاء جذبته منيرة إلى احضانه ليتعلق بها كطفل صغير يردد من بين شهقاته العنيفة:

- حتى لو عوزت ارجع خلاص ما بقاش ليا مكان، أنا اذيته، اذيته اووووي، هو اداني كل حاجة وأنا اديته الخيانة، أنا بس عايزه يسامحني، مش عايز اي حاجة غير أنه يسامحني، وما يبعدنيش عنها أنا بحبها اوووي

ادمعت عيني منيرة تربت على ظهر حفيدها بحنو لتهمس له بترفق كأنه طفل صغير:.


- طب إيه رأيك أروح أنا استسمحه، لو زعلان منك يسامحك، إن شاء الله حتى ابوس على ايده

انتفض أدهم من بين أحضان جدته يحرك رأسه نفيا بعنف قطب جبينه ينظر لها في حدة ليردف سريعا:

- لاء طبعا، أنا صحيح ما اعرفكيش غير النهاردة، بس انتي جدتي، مستحيل اخليكي تذلي نفسك لحد، اوعي تقولي كدة تاني

ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي منيرة تربت على يده بحنو لتقم تجذبه خلفها للخارج تردف مبتهجة:.


- حاضر يا أستاذ أدهم، تعالا يلا عشان تاكل، عملالك دكر بط، هتاكل صوابعك وراه

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه حين جذبته جوارها تطعمه كأنه فقط طفل صغير وحين يحاول اخباره بأن معدته على وشك الانفجار ترد متهكمة:

- فين دي يا واد اللي هتنفجر هو إنت باينلك بطن أساسا، إنت ما كنتش بتاكل ولا ايه، ولا تكون فرحان بالكام عضلة اللي عندك هيفسوا يا اهبل لو ما اتغذتش كويس.


سمع صوت دقات هاتف ليس بهاتفه بحث بعينيه ليري ضوء هاتف صغير يأتي من فوق التلفاز أمامه ليسمع جدته تحادثه:

- معلش يا ابني قوم هات الموبايل من فوق التليفزيون

حرك رأسه إيجابا بخفة توجه إلى التلفاز التفط الهاتف عاد يعطيه لها لترتسم ابتسامة واسعة على شفتيها تتمتم بسعادة:

- دا مراد أخوك...

فتحت الخط سريعا تضع الهاتف على اذنها تتمتم سريعا بتلهف:

- ايوة يا مراد عامل ايه يا ابني

لحظات وسمعت صوته يقول برتابة:.


- أنا بخير الحمد لله يا منيرة، انتي اخبارك ايه، متصل اهو اطمن عليكي

ضحكت منيرة بخفة تزجره:

- يا واد قولتلك بطل تقولي يا منيرة حاف كدة، المهم إنت لازم تيجي ضروري في حاجة مهمة لازم تشوفها

قلب الأخير عينيه يتمتم ساخرا:

- حاجة ايه يا منيرة فتحتي فرع جديد للجبن عندك في المحل، مش فاضي دلوقتي أجي.


اخوك هنا يا مراد، تمتمت بها منيرة فجاءة بحزم، ليسود الصمت للحظات طويلة من جهة الأخيرة يحاول عقله استيعاب تلك الصدمة التي سمعها للتو، فما كان منه الا انفجر غاضبا:

- والبيه كان فين كل السنين دي وراجع ليه دلوقتي، بقولك ايه يا منيرة الواد دا اكيد نصاب، ارميه برة لهاجي اقتله

احتدت عيني منيرة غضبا لتصيح في ذلك الوقح محتدة:.


- أرمي مين برة هو بيتك ولا بيتي يا ابن وحيد، على العموم أنا قولتلك اللي عندي عايز تيجي إنت حر مش عايز إنت بردوا حر، سلام

أغلقت منيرة الخط تنظر لأدهم الذي ينظر للفراغ شاردا لتربت على وجهه تبتسم:

- بقولك ايه قوم اغسل ايديك وغير هدومك وتعالي ننزل أنا وأنت المحل

حرك رأسه إيجابا يتحرك بخواء تثقل خطواته هموم قلبه، راقبته منيرة إلى أن اختفت من أمام عينيه لتتنهد حزينة ترفع وجهها للسماء تدعو من خلجات قلبها:.


- ربنا يهديك يا مراد، ويريح قلبك يا أدهم.


على صعيد آخر في منزل عمر السويسي في غرفة الفتاتين، وقفت سارة بصحبة سارين يبحثان بين ملابسهم الجديدة عما سترتديه كل منهن بعد غد في حفل عقد قران سارين، انقضت سارة على سارين تعانقها بقوة تصيح سعيدة:

- أنا مش مصدقة اخيرا خلصنا امتحانات، وبعد بكرة كتب كتابك على عثمان، دي هتبقي حفلة تحفة...


ابتسمت سارين متوترة تحرك رأسها إيجابا تبلع لعابها الجاف تفكر ترى ما سيكون رد فعلها حين يعلم أنها، قاطع سيل تفكيرها صوت والدها يصدح من الخارج:

- سارين تعالي هنا.


يبقي عرف، تمتمت بها في نفسها لتلتفت إلى الخارج تحاول السيطرة على دقات قلبها الهادرة، وجدت والدها يقف في منتصف الصالة يمسك هاتفه بالطبع كان يحادث عثمان، يبدو على وشك الانفجار من الغضب، حاولت رسم ابتسامة باهتة على شفتيها تغمغم ببلاهة وكأنها لا تعرف شيئا:

- خير يا بابا حصل حاجة

رفع عمر حاجبيه ينظر لها ساخرا يتمتم متهكما:.


- لا يا بريئة ما حصلش حاجة خالص، الهانم بس اتفقت مع عثمان بيه، انهم ما يعملوش فرح، وانا رجل كرسي مش كدة، من غير ما تاخدوا رأيي ولا تعرفوني، الاقي عثمان بيكلمني، عمي أنا وسارين مش عاوزين نعمل فرح، يا فرحتي بيك إنت وسارين

حمحمت متوترة تحاول تهدئة والدها، توجهت تجلس على المقعد جواره، ابتسمت تربت على ذراعه تردف بخفوت:.


- يا بابا يا حبيبي، احنا مش صغيرين وبصراحة فكرة الفرح وخصوصا في وضع عثمان دا، هيبقي مؤلم لنفسيته جدا وخصوصا نظرات الناس اللي ما بترحمش، وبعدين احنا ممكن نفرح بعد كدة عادي لما يخف ويقوم على رجليه

حرك عمر رأسه نفيا بعنف نظر لابنته بحدة ليردف بلهجة حادة قاطعة:.


- لا يا سارين أنا وافقت على كل الجنان اللي انتي عايزة تعمليه، انما الفرح دا حقي أنا، حقي اشوف بنتي عروسة لابسة فستانها الأبيض، ما فيش فرح، ما فيش جواز ودا آخر اللي عندي

قالها ليتركها متوجها إلى غرفته تنهدت هي حائرة تخفي وجهها بين كفيها لا تعرف ما العمل...


بينما في الداخل دخل عمر إلى الغرفة تالا كالعادة لم تكن في الغرفة، هو حرفيا يأسرها في المنزل، يرفض رفضا قاطعا بأن ينفصلا، لتتحول حياته لجحيم تالا تركت له الغرفة وتحججت للفتيات انها مريضة تخاف أن تعديه، لا توجه له ولو نظرة واحدة، خرج من غرفته متوجها إلى غرفتها، فتح الباب ودخل ليجدها تجلس جوار النافذة تضم ركبتيها لصدرها تنظر للخارج، التفتت له سريعا تنظر له باحتقار ما أن رأته ليبتسم هو يردف في مرح باهت:.


- ايه دا انتي مش المفروض تعبانة، في تعبانة تقعد جنب الشباك المفتوح عشان تتعب أكتر

نظرت له من أعلي لأسفل باشمئزاز لتعاود النظر من النافذة من جديد، لحظات وسمع تقولها:

- خلي عندك دم وطلقني أنا ما بقتش طايقة حتى اشوفك، بقرف منك ومن نفسي...

كتف ذراعيه أمام صدره ينظر لها في هدوء مخيف يردف:

- مش هطلقك يا تالا، اللي حصل دا كان في فترة واحنا متخانقين، صدقيني كانت غلطة وما اتكررتش تاني سامحيني أنا آسف.


التفتت برأسها بحدة اشتعلت النيران تحرق عينيها لتنزل من مكانها متجهه اليه تصرخ بقهر:

- أنت مش بني آدم فاهم، إنت حيوان، عايزني اسامحك لو كان جااك فيديو زي دا ليا، كنت هتقبل مني سامحني أنا آسفة، كنت هتقبل معلش يا حبيبي أصله في فترة ما احنا متخانقين، إنت طول عمرك رمرام من أيام الجامعة، عمرك ما هتتغير، طلقني، لهبلغ عنك واقول أنك خاطفني واوديك في ستين داهية.


ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه حرك رأسه نفيا بخفة يردف ساخرا:

- ما فيش واحد بيخطف مراته يا استاذة، وجودك في البيت دا اساسي أنا مش هسمح للبيت دا يتهد تاني...

اشتعلت انفاسها غضبا تنظر له بحقد نظرت حولها سريعا لتجد مزهرية كبيرة امسكتها تلقيها عليه تصرخ بقهر:

- هقتلك يا عمر، هموتك.


القت المزهرية عليه لتصدم برأسه بعنف لتصرخ فزعة حين رأت الدماء تغرق وجهه في لحظات، زاغت عينيه ليسقط أرضا أمامها لا حول له ولا قوة...


الفصل السابع والخمسون والثامن والخمسون من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات