رواية أسير عينيها
الفصل المائه و ثلاث عشر 113 والمائه واربع عشر 114 الجزء الرابع
بقلم دينا جمال
توسعت عيني عمر في فزع حين رأي ابنته تقف أمام الباب تحمل حقيبة ثياب في يدها، تتساقط الدموع تغرق وجهها لحظات وظهر خلفها عثمان الذي توسعت عينيه في دهشة حين رآها تبكي، لما تبكي من الأساس، امسك عمر يد ابنته يجذبها لداخل المنزل ليندفع كالسهم ناحية عثمان يقبض على تلابيب ملابسه يصيح فيه:
- عملت ايه في البنت، جايبلها بشنطة هدومها معيطة، اكيد عملت فيها كارثة، وربي يا عثمان لو كنت اذيتها لهقتلك.
نظر عثمان لسارين مدهوشا ليعاود النظر لعمر، رفع يديه يزيح يدي عمر عن ملابسه ابتسم يتمتم في بساطة:
- اهدي يا عمي أنا عاذرك لما أب يشوف بنته واقفة معيطة قدام باب بيته يبقي اكيد حصل مصيبة، بس الموضوع فيه سوء تفاهم.
ضيق عمر مقلتيه ينظر لعثمان في شك نظرات حادة تحمل وعيد قاتل أن كان مس ابنته بسوء، التفت عمر يدخل للمنزل ليدخل خلفه عثمان يغلق باب المنزل، توجه عمر ناحية ابنته يجذب يدها ناحية غرفة والدتها، نظر لعثمان ابتسم باصفرار يتمتم:
- استناني هنا...
ضحك عثمان يآسا الآن فقط عرف مين أين ورثت سارين جنونها، ارتمي بجسده على اقرب مقعد ليجد أمامه كوب عصير وصحن به بعض التسالي وجهاز التحكم الخاص بالتلفاز يبدو أن عمه العزيز كان على وشك مشاهدة فيلم ما، ابتسم يلتقط جهاز التحكم يبحث بين القنوات إلى أن وجد قديم يحبه، وضع جهاز التحكم مكانه ليتلقط كوب العصير وصحن التسالي يضجع بظهره إلى الأريكة يشاهد التلفاز.
في الداخل، ارتمت سارين بين أحضان تالا تبكي لتشهق تالا مفزوعة من حالها حاوطتها بذراعيها تتمتم فزعة:
- في ايه يا سارين، حصل ايه يا حبيبتي، ما تفهمني يا عمر
رفع الأخير كتفيه لأعلي بمعني أنا لا أعلم، بينما ظلت سارين تحرك رأسها نفيا بعنف مرة بعد أخري، اقترب عمر من ابنته يمسح على رأسها برفق يسألها جزعا:
- مالك يا سارين في ايه يا بنتي.
وهي فقط تحرك رأسها بالنفي، نظرت تالا لعمر لتمد يدها ناحيته تربت على كتفه تهمس له بصوت خفيض قلق:
- عمر، معلش اخرج برة، يمكن مكسوفة تتكلم قدامك.
شحب وجه عمر قلقا، هل يمكن أن يكون ذلك الفتي فعل شئ سيئا لتلك الدرجة التي تجعل ابنته تخجل من الحديث أمامه، اشتعلت نيران غضبه ليخرج من الغرفة اندفع غاضبا ناحية الخارج ليجد عثمان في حاله تلك يضجع على الاريكة يأكل التسالي يشرب العصير، يضحك على ما يحدث في الفيلم أمامه، اندفع عمر ناحيته يصيح محتدا:
- يا برودك يا اخي قاعد تاكل فشار وتضحك، انطق ياض عملت ايه في البت مخليها مكسوفة تتكلم قدامي.
ابتسم عثمان في هدوء تام ليعتدل في جلسته يضع ما في يده على الطاولة امامه ابتسم يغمغم ساخرا:
- ما يمكن ما فيش اصلا حاجة تتحكي، أنا نفسي ما اعرفش بنتك بتعيط ليه
ارتمي عمر على المقعد المجاور للاريكة التي يجلس عليها عثمان يصيح فيه:
- وشنطة هدومها، ما تعرفش عنها حاجة بردوا جايبلي البت معيطة بشنطة هدومها وتقولي ما عملتلهاش حاجة، اومال مين اللي عمل أمي.
ابتسم عثمان ساخرا ليتحرك من مكانه ناحية باب المنزل حيث وضع حقيبة سارين الاخري التقط الحقيبتين ليعود لعمر، وضع الحقائب على الطاولة امامه ابتسم يتمتم متهكما:.
- الشنطة دي فيها الفستان اللي سارين هتحضر بيه قراية فتحة أختها النهاردة، قالتلي عايزة ابات مع سارة النهاردة يا عثمان قولت ماشي، خدي معاكي بيجامة واحدة لانها ليلة واحدة والصبح بدري هاجي اخدك، وقفنا بالعربية قدام البيت نزلت هي الأول، وقالتلي عثمان هات الشنطة التانية فيها الجزمة وشنطة الميكب بتاعتي وهدية جيباها لسارة، قولتها حاضر ركنت العربية وجبت الشنطة وطلعت لقتيها بتعيط ليه ما اعرفش!
لانت قسمات وجه عمر قليلا يعقد ما بين حاجبيه إن كان ما يقوله عثمان صحيحا إذا لما ذلك البكاء العنيف من ناحية سارين هو حقا لا يفهم، عاد ينظر لعثمان يسأله:
- انتوا كنتوا متخانقين قبل ما تيجوا
حرك عثمان رأسه نفيا، صمت للحظات لينتهد حائرا يعاود تحريك رأسه بالإيجاب نظر لعمر يردف:
- سارين عيزاني أسيب السباقات وركوب الخيل، خايفة ليحصلي اللي حصل قبل كدة
بس أنا رفضت وهي من ساعتها مقموصة.
في تلك اللحظات خرجت سارين مندفعة من غرفة والدتها نظرت لعثمان تصيح غاضبة:
- حقي أخاف عليك بعد اللي حصل، وبعدين إنت طلبت مني أخد حبوب منع الحمل وأنا وافقت، زي ما وافقت على طلبك انت كمان وافق على طلبي
ليصيح عثمان هو الآخر بالمقابل:
- لا يا سارين انتي موافقتيش أنك تاخدي حبوب منع الحمل، انتي عملتيها ديل، لو أنا وافقت اني اسيب السباقات انتي كمان هتوافقي تاخدي حبوب منع الحمل.
- بسسس أنت وهي احترموا وجودي على الأقل
صاح بها عمر غاضبا ليسود الصمت بعدها، عثمان ينظر لسارين نظرة حزينة معاتبة، بينما الأخيرة تنظر أرضا تبكي في صمت، جذب عمر يد ابنته يجلسها جوار عثمان على الاريكة جذب هو أحد المقاعد ليصبح بالقرب منهم جلس يستند بمرفقيه على فخذيه يسألهم محتدا:
- فهموني في ايه أنت وهي...
تنهد عثمان حانقا ينظر لسارين بجانب عينيه نظرة خاطفة سريعة معاتبة ألم يتفقا سويا الا يخبرا أحد بمشاكلهم، وانها ستبقي حبيسة باب منزلهم لن يعلم بها أحد سواهم، لما كل ذلك البكاء والانهيار الذي اضطره لأخبار عمر عن سبب خلافهم، زفر أنفاسه مرة أخري نظر لعمر يتمتم:
- زي ما قولت لحضرتك سارين مش عيزاني اشارك في سباقات بعد كدة
نظر عمر لسارين التي تنظر أرضا تفرك يديها متوترة ليعاود النظر لعثمان يسأله مباشرة:.
- وايه موضوع حبوب منع الحمل
صمت عثمان ينظر بعيدا، لحظات طويلة من الصمت جعلت عمر يوجه الحديث لابنته يغمغم بترفق:
- اتكلمي انتي يا سارين لو عثمان مش عايز يتكلم
رفعت وجهها لمحة خاطفة ناحية عثمان استطاعت أن تري ضيقه جيدا مما فعلت، نظرت ناحية والدها وقبل أن تنطقي بحرف بادر عثمان يقول بنزق:.
- الموضوع ما فيهوش كلام يا عمي، الحكاية وما فيها أن لسه سارين عندها أربع سنين جامعة، فكرة حملها دلوقتي هتبقي متعبة ليها هي، أنا مش هتعب في حاجة، مش أنا اللي هحمل ولا هولد ولا هرضع، عرضت عليها أنها تأخذ حبوب منع الحمل لحد ما تخلص كليتها وهي وافقت، بس بنتك عشان بغزالة، بعد ما وفقت قالتلي زي ما وافقت على كلامك أنت كمان تسيب سباقات الخيل، يا اما مش موافقة، مش فاهم ايه علاقة دا بدا اصلا.
زفر عثمان أنفاسه غاضبا، بينما نظر عمر لسارين يسألها بعينيه عن صحة ما يقول عثمان، دق هاتف عثمان في تلك الاثناء استأذن منه ليتوجه ناحية شرفة المنزل الكبيرة، ما إن دخلها نهض عمر من مكانه توجه ناحية سارين جلس جوارها على الأريكة، مد يده يربت على رأسها يسألها مبتسما:
- الكلام اللي قاله الواد دا صح.
اومأت الأخيرة برأسها بالإيجاب دون أن تعقب بحرف فقط تنظر لكفي يدها التي تفركهما بعنف، امسك عمر بذقنها يرفع وجهها إليه قليلا يتمتم مبتسما:.
- أنتي وسارة غلاتكوا عندي قد بعض بس انتي حتة زيادة شوية عشان بحسك شبهي اكتر، سارين أنا مع عثمان في موضع تأجيل الأطفال، هو عنده حق مش هو اللي هيتعب ولا هيحمل ولا كل الكلام دا، حتى لو فضل جنبك دايما، التعب الاكبر هيبقي عليكي بردوا، مش هتعرفي تركزي في كليتك، ومش معاكي ابدا يا سارين في حتة المساومة دي، موضوع الخلفة مالوش علاقة بالسبق، ليه فكرة Deal or no deal احنا مش في البورصة يا حبيبتي.
ارتسم على ثغرها ابتسامة صغيرة شاحبة، رفعت يدها تمسح ما سقط من دموع حائرة ارتجفت شفتاها تهمس بنبرة خافتة مرتبكة:
- أنا خايفة عليه، خايفة ليحصله زي ما حصل قبل كدة، ويمكن المرة الجاية بعد الشر عنه يبقي اسوء، من حقي أخاف عليه، حاولت كذا مرة اقوله وهو رافض تماما، قولت يمكن يوافق لو خيرته
مسح عمر على حجاب سارين برفق، احتضن وجهها بين كفيه يحادثها مترفقا:.
- حبيبتي كل حاجة في الدنيا دي نصيب وما حدش يقدر يمنع نصيبه ابداا، وبعدين مش هاوي هيقع تاني اللي حصله قبل كدة كان مكيدة وأهو تعلم منها، ما تعيشيش نفسك في قلق يا سارين، وبعدين عثمان هيبدا من الاسبوع الجاي شغل في الشركة، عايزة اقولك شهرين ومش هيبقي فيه حيل يركب حمار مش حصان، دا أنا بتنفتخ، إسألي ماما كانت بتفتح الباب اروح مرمي على الكنبة دي نايم من التعب
ضحكت سارين بخفة تنظر لوالدها لتتمتم في حرج:.
- ما هي ماما قالتلي نفس الكلام دا بالظبط
ضيق عمر عينيه ينظر لها مغتاظا ليمد يده يحاول امساك اذنيها من فوق حجابها يتمتم حانقا:
- ولما هي قالتلك نفس الكلام دا بتقوقي ليه يا قوقة، دا ربنا يكون في عونه عثمان والله
زمت سارين شفتيها غاضبة رفعت يدها تمسد اذنها برفق، حين مد عمر يده يمسك بها طرف حجابها يتمتم مبتسما:.
- المناحة اللي دخلتي بيها ما خلتيش الواحد يشوف القمر اللي بالحجاب، ايه الجمال دا، بركاتك يا شيخ عثمان.
ضحكت سارين تنظر للمراءة المقابلة لها تطالع صورتها بفخر، شعور لذيذ يدغدغ كيانها حين تنظر لصورتها الجديدة، مقاطع الفيديو التي حرص عثمان على أن تراها جميعا كان لها مفعول السحر في تغيير طريقة ثيابها، منظور رؤيتها للحياة من جديد، في تلك الاثناء خرج عثمان من الشرفة لم ينظر ناحية سارين حتى، توجه بانظاره ناحية عمر، يحادثه:
- طب استأذن أنا، هروح بقي وهاجي بكرة بإذن الله أخد سارين عن اذنكوا.
قام عمر من مكانه توجه ناحية عثمان وقف أمامه يغمغم ضاحكا:
- يا عم القفوش، أنت هتبات معانا النهاردة ودا قرار غير قابل للنقاش
حرك عثمان رأسه نفيا فتح فمه يريد أن يعترض ليبادر عمر قائلا في حدة:
- هتبات معانا يا عثمان، يا مش هرجعلك سارين قبل شهر، قولت ايه
جز عثمان على أسنانه في غيظ ينظر لعمر حانقا، تنهد رغما عنه يحرك رأسه بالإيجاب على مضض، ليضحك عمر يلف ذراعه حول كتفي عثمان يحادثه:.
- عارف يا عثمان أنا ما بطيقكش بس إنت طلعت عيل جدع، عشان كدة مش هستخسر فيك البيجامة الكحلي بتاعتي هديهالك تنام فيها
ابتسم عثمان ساخرا دون رد، لينظر عمر لابنته يغمغم متوسلا:
- سيرو حبيبة قلب بابا، ابوكي معدته نشفت من اكل الشارع وسارة ما بتعرفش تقلي بيضة، المطبخ عندك عيشي.
ابتسمت سارين تحاول اختلاس النظرات لعثمان، صحيح أنها لم تكن تفقه في الطهي سوي قلي بيضة واحدة، ولكن للضرورة أحكام في فترة مرض عثمان وضرورة تناوله للطعام الصحي، جعلت من فتاة لا تعرف في المطبخ سوي قلي بيضة، طاهية ماهرة تستطيع صنع حتى الطعام الصيني، قامت من مكانها تلتقط حقيبة ثيابها، تختلس النظرات لعثمان إلى أن وصلت إلى غرفتها هي وشقيقتها، دخلت إلى الغرفة لتري سارة تغط في نوم عميق ولكن العجيب في الأمر، لما تنام سارة بثيابها، سارة منظمة دائما ما كانت تسخر منها حين تفعل ذلك، تنهدت قلقة تنظر لقسمات وجه سارة المنقضبة وهي نائمة، بدلت ثيابها، لتتوجه ناحية المطبخ، فتحت البراد تخرج بعض احتياجتها منه، استقامت واقفة لتري عثمان يقف خلفها، رأت نظرة باردة باهتة للغاية في حدقتيه، مر من جوارها ناحية البراد التقط زجاجة مياه باردة، تحرك للخارج لتترك ما في يدها سريعا على طاولة المطبخ لحقت به وضعت يدها على ذراعها تهمس باسمه ظل واقفا مكانه دون أن يلتفت لها فقط غمغم بخواء:.
- نعم!
فتحت فمها لتعاود إغلاقه من جديد لا تعرف ما تقول، يبدو غاضبا، هل ما فعلته اغضبه، كسرت ذلك العهد الذي اتخذاه ليلة زفافهم، ولكنها كانت فقط خائفة تشعر بالحيرة، حين طال صمتها ابتسم هو ساخرا ليتحرك للخارج حيث يجلس عمر، ارتمي جواره يشاهدان ذلك الفيلم الذي كان يراه عثمان قبل قليل ياكلان التسالي، وقفت سارين عند باب المطبخ تنظر لهم تبتسم، عثمان كطفل يرضي ببساطة وهي تعرف جيدا كيف ستصالحه، ابتسمت لتأخذ طريقها عائدة للمطبخ تعد الغداء.
كانت آخر من نزل بعد ذهاب فارس وياسمين ومعهم جوري إلى المستشفي ليطمئنوا على صغير أخيها، تأخرت هي لسبب لا تتذكره، والدها ينتظرها في سيارته بالأسفل، نظرت بأعين شاردة وجه شاحب، عينين لم يذوقا للنوم طعما، رعشة بشعة تسري في جسدها كل حين وآخر، نزلت إلى أسفل تبحث عن سيارة والدها، السيارة تقف هناك ولكن والدها ليس فيها وقفت مكانها للحظات لا تعرف ما تفعل الا أنها سمعت صوته يأتي من خلفها مباشرة:.
- عربية عمي رشيد ما فيهاش بنزين، فراح مع ماما وبابا وقالولي استناكي اوصلك المستشفي.
غيث هنا للمرة الثانية، طوال تلك الأيام التي قضتها في بيت عمها لم تره ولو لمرة واحدة، عرفت مصادفة أنه يملك شقة صغيرة به ذهب إليها، التفتت له تنظر ناحيته غيث دائما صاحب ذوق مميز في الملابس يحب تلك الملابس التي تدعي « السويت شيرت » فهو يرتدي احداها الآن بلون زيتي غامق وسروال من الجينز الأبيض، ابتسمت مرتبكة ليتحرك هو فتح باب سيارته، تقدمت تجلس، أغلق الباب ليلتف حولها جلس خلف مقعد السائق، يضع حزام الأمان، قطبت جبينها في عجب، حتى والدها لا يضع حزام الأمان وهو يقود، ادار بالمفتاح محرك السيارة لينطلق إلى وجهته، الطريق صامت، هو يصب تركيزه الكامل على قيادته للسيارة، أما هي فتشرد في عالم آخر تتذكر يوم زفاف أدهم ومايا تحديدا في رقصة الزفاف النهائية، لم تره كان غائبا عن عينيها ولكنه ظهر من العدم فجاءة أمامها، وظهر وأماكن فتاة يبتسم لها يراقصها، هل هي ضحية جديدة من ضحاياه، في اللحظة التي ظهر فيها نظرت ناحية غيث هلعة قلبها ينتفض بعنف بين اضلاعها لتري في عينيه نظرة ثابتة كأنه يخبرها أن تهدئ، وهذا ما فعلت تماما تماسكت بأكبر قدر ممكن، تماسكت تشد على أعصابها بقوة حتى كادت تنقطع، لن يعلم والدها لن تكون السبب في نظرة ألم واحدة في عينيه ذلك فقط ما جعلها تتماسك...
انسابت دموعها وهي جالسة جواره في السيارة، لتري يده تمتد بمحرمة ورقية ناعمة أمام وجهها وصوته يغمغم في هدوء:
- برافو عليكي، حقيقي انبهرت من رد فعلك في الفرح، كنت خايف بصراحة لاعصابك تبوظ لما تشوفيه
مسحت ما سقط من دموعها بالمحرمة تنظر له خرج صوتها الهامس من بين شفتيها تسأله بنبرة متحشرجة:
- مين البنت اللي كان بيرقص معاها، ضحية جديدة بيضحك عليها.
حرك غيث رأسه بالنفي عينيه لا تحيد عن الطريق أمامه فقط غمغم بهدوء:
- مراته
توسعت عيني صبا في ذهول، صدمة جعلت جسدها يرتجف التفتت برأسها ناحية غيث تصيح فيه بحرقة:
- متجوز!، مستحيل الشيطان دا يكون متجوز، واكيد هي عارفة أنه شيطان واكيد هي زيه
مرة أخري عاد غيث يحرك رأسه نفيا يحكم قبضته على عجلة المقود، القيادة في مصر أصعب بكثير من الخارج يكفي تغير مكان عجلة القيادة تجعله في توتر دائم، تنهد يردف ساخرا:.
- صدقيني البنت دي حالها أغلب منك ألف مرة، اتجوزته غصب عنها لأنه كان عايز يعتدي عليها، ولانها غلبانة ومالهاش حد اضطرته تتجوزه عشان الفيضحة
توسعت حدقتيها فزعا كيف يمكن لشخص أن يكون بكل ذلك القدر من الشر والخبث، انفجرت الدموع من حدقتيها تصرخ بحرقة:
- وازاي، ازاي جاسر يخرجه من السجن، ليه شيطان زي دا موجود في الدنيا، ليه ما يموتش، عشان ما يأذنيش أنا وغيري وغيري.
توقفت سيارة غيث في احدي اشارات المرور المزدحمة، التفت غيث ناحية صبا، رفع كتفيه ابتسم يتمتم في هدوء:.
- احنا مش في يوتوبيا الفاضلة يا صبا، احنا في ميزان الخير والشر محسوبين فيه بين البشر وفي قلب كل واحد فينا، ما حدش فينا اتولد شرير شر مطلق، وما حدش فينا هيفضل برئ زي ما كان وهو طفل، الظروف هي اللي بتشكل شخصية كل واحد، على الرغم من قذارة مراد بس هو معذور صدقيني من وهو طفل ما عاشش حياة سوية ابدا، كفاية بس اني اقولك أن اهله رموه من وهو طفل عنده خمس سنين..
- إنت بتبررله بتحاول تلاقيله مبررات على قرفه.
صاحت بها صبا غاضبة تتنفس بعنف، ليبتسم غيث فئ هدوء حرك رأسه نفيا يتمتم بنبرة هادئة واثقة:
- أنا مش ببررله يا صبا، الشيطان ما بيجربش الأنسان أنه يعمل معصية هو بنفسه اللي بيعمله، مراد ما اجبركيش أنك تقعي في شباكه، انتي بكامل إرادتك وقعتي يا صبا.
شعرت بألم بشع ينخر قلبها هل يشركها في الذنب الآن، هي الضحية هنا، نعم هي الضحية المغفلة التي سمحت لذئب برئ بأن يلعب بزمام مشاعرها، هي من سمحت، يعني هي المخطئة وضعت يديها على رأسها تحركها نفيا بعنف، هي المخطئة، هي لم تقصد، انهمرت دموعها ليسارع هو يردف سريعا:
- صبا اهدي يا صبا، أنا ما بتهمكيش أنك غلطانة، أنا عارف أنك طيبة وبريئة وساذجة عشان كدة هو ضحك عليكي...
- أرجوك وصلني عند بابا.
غمغمت بها صوت خفيض بائس حزين، تنهد ينظر لها نادما الأحمق ما كان يجب أن يقول ما قال، هو فقط لم يكن يقصد، ماذا حدث لك يا حضرة المحامي منذ متي وأنت لا تقصد ما تقول، أم كنت تقصد وفقط انخلع قلبك حين رأيت ما فعلت بها كلماتك المعاتبة الحادة، أدار محرك السيارة مع انطلاق الضوء الأخضر من اشارة المرور يكمل الطريق في صمت، بضع دقائق اخري وكان قد وصل إلى المستشفي، ما إن اوقف السيارة نزلت صبا منها سريعا تصفع الباب خلفها دخلت بخطي سريعة لداخل المستشفى ليتنهد هو حزينا ينهر نفسه بعنف، تحرك هو الآخر للداخل حيث غرفة سهيلة زوجة جاسر، ما إن دق باب الغرفة ودخل بصحبة صبا توسعت عينيه اندهاشا حين رأي سهيلة تبكي بلا توقف ترتمي بين أحضان شروق، الجميع ينظر ناحية سهيلة حزينا، توسعت عينيه قلقا هل يعقل أن الطفل قد مات!، خرج سؤاله من بين شفتيه دون حاجز:.
- هو في اي يا جماعة، خير حصل حاجة
تنهد جاسر يآسا يحرك رأسه، نظر ناحية سهيلة يتمتم:
- حسام قال أن الولد لازم يفضل في الحضانة شهر ودلوقتي سهيلة عاملة مناحة، عشان مش عايزة تسيب المستشفي وتبعد عن الولد.
ابتسم غيث ساخرا النساء وعاطفتهم الجياشة، استاذن وخرج من الغرفة يقف خارجا، في تلك اللحظات رأي لينا ابنه عم والده، تقترب بمئزرها الأبيض تتحرك بسرعة ناحية غرفة سهيلة، وقفت امامه ما أن اقتربت منه تحادثه مبتسمة:
- ازيك يا غيث عامل ايه يا حبيبي
ابتسم غيث في لباقة ساحرة ليمد يده يرفع كف يدها يقبله برسمية مخملية قديمة يغمغم متغزلا:
- زي القمر زيك، ايه الجمال دا برنسيس خارجة من حكاية الأميرة النائمة.
ضحكت بخفة تصطدمه على ذراعه برفق تردف ضاحكة:
- عارف لو خالك كان هنا كان علقك
ضحك غيث في هدوء دائما ضحكات ذلك الغيث هادئة استند بظهره إلى الحائط خلفه يدس يديه في جيبي سرواله يغمغم في ثقة:
- ما فيش قانون في العالم يمنع أني اعترف بالجمال لما اشوفه، وأنتي في العصر اللي احنا فيه دا، المادة الخام للجمال، ايقونة لن تتكرر..
صمت للحظات ليكمل ضاحكا:.
- بس اوعي تقولي لخالي أن أنا قولتلك الكلام دا عشان ما فيش قانون في العالم هيمنعه أنه يعملني شاروما غيث لو عرف اني عاكستك
ضحكت لينا عاليا بعد حديث قصير مع غيث دقت الباب طلت برأسها إلى الداخل تتمتم مبتسمة:
- قالولي أن سهيلة بتعيط
قامت سهيلة من بين أحضان شروق تهرول ناحية لينا ارتمت بين أحضانها تعانقها بقوة
تصيح باكية:.
- طنط عشان خاطري مش هقدر أبعد عن ابني، انتي عارفة أنا اتحرمت من ماما بدري أوي، مش عايزة اسيب ابني مش هقدر
ادمعت عيني لينا في لحظة، هي دائما على وشك البكاء ابعدت سهيلة عنها قليلا امسكت بذراعيها بين كفيها تحادثها بحنو:.
- حبيبتي ربنا ما يحرمه منك ولا يحرمك منه، يا سهيلة أنا مستعدة اخلي الأوضة دي ليكي، بس هتعيشي شهر في المستشفى ليه يا بنتي، صدقيني أحمد كويس جداا هو بس لازم يفضل في الحضانة لحد ما نمو جسمه يكمل...
حركت سهيلة رأسها بالإيجاب مرة تليها أخري وأخري تنهمر دموعها بلا توقف تغمغم بحرقة:
- ايوة، أنا ما عنديش مشكلة يوم اتنين شهر، بس افضل جنب ابني عشان خاطري يا طنط، وحياة لينا عندك وافقي.
تنهدت لينا متحسرة على حال سهيلة، فقدان سهيلة لوالدتها في عمر مبكر، جعل بداخلها ما يشبه خوف على طفلها الصغير من أن تفقده، حاولت لينا أن ترسم ابتسامة على شفتيها، تنهدت تحرك رأسها بالإيجاب تحادثه بحنو:
- حبيبتي الأوضة والمستشفي كلها تحت امرك، انا ما يرضنيش اكسر بخاطرك ابدا يا سهيلة
ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتي سهيلة تعانق لينا بقوة، ابتعدت عنها بعد لحظات تسمح دموعها بكفيها تحادثها ممتنة:.
- شكرا، شكرا اوي يا طنط
ابتسمت لينا في هدوء، في حين اقتربت سهيلة من جاسر تجذب كف يده تحادثه على عجل:
- يلا قوم نشوف أحمد ما شوفنهوش بقالنا ساعتين
نظر جاسر لسهيلة مشفقا، حقا مشفقا يتمني أن تمر الأيام سريعا ويخرج لهم الصغير سالما، سهيلة تكاد تجن فقط لتحمله، تحرك بصحبتها لخارج، وقفت لينا بين الجمع في الغرفة، تنظر لهم ليكن رشيد أول من تحدث بعقلانية:.
- ما ينفعش اللي أنتي عملتيه دا يا لينا، يعني ايه يعيشوا في المستشفى
نظرت لينا لرشيد تبتسم في هدوء تحادثه هي الاخري بتعقل:.
- رشيد أنت دكتور نسا وعارف حالة اي أم بعد الولادة بتبقي عاملة ازاي ولو في شك ولو واحد مية أن الطفل عنده اي مرض، سهيلة اتحرمت من مامتها وهي صغيرة، والدتها كان عندها سرطان، واتحجزت في المستشفى شهور، سهيلة كان عندها تسع سنين تقريبا وباباها كان بيرفض يأخذها معاه المستشفى عشان ما يفضلش في ذاكرتها صورة والدتها وهي تعبانة، بس للأسف والدة سهيلة ماتت، سهيلة بتترعب لما تعرف أن حد محجوز في المستشفى، ودا ابنها ما كانش ينفع ارفض يا رشيد.
حرك رشيد رأسه بالإيجاب الآن فقط فهم سر الحالة الغريبة التي اصابت زوجة ولده، مسكينة سهيلة حقا مسكينة، بعد نقاش قصير تقرر أن تبقي سهيلة في المستشفى بصحبة جاسر وقامت لينا بتوفيا فراش آخر في الغرفة، رشيد رفض تماما مكوث شروق في المشفي هي الاخري، وعليه تقرر عودة شروق وصبا ورشيد إلى أسيوط...
اخيرا انتهي اليوم الشاق في المشفي، خرجت لينا تستقل سيارتها، تستند برأسها إلى ظهر الأريكة الخلفية والسائق يقود متجها بها إلى المنزل، بعد فترة وجيزة وقفت السيارة، نزلت منها لتري سيارة حسام تقف هي الأخري في حديقة المنزل، نزل حسام منها توجه ناحية لينا يردف مباشرة:
- دكتورة لينا أنا محتاج اتكلم معاكي ضروري.
رفعت لينا حاجبيها في دهشة تحرك رأسها بالإيجاب، تحركت بصحبة حسام إلى احد المقاعد في الحديقة، جلست وجلس امامها رأت توتره الظاهر للغاية من حركة ساقه السريعة اظافره الذي يقضمها بين حين وآخر، لن تتحدث ستتركه يتحدث هو اولا، اخذ نفسا قويا يزفره بحدة ليغمغم فجاءة:
- أنا عملت حاجة غبية اوي وبصراحة مضايق من نفسي اووووي، هحكيلك يا دكتورة.
بدأ يقص عليها ما حدث صباح اليوم انهي كلامه ليخلل أصابعه في خصلات شعره اضطربت حدقتيه يغمغم نادما:
- أنا ما كانش قصدي ازعلها بالشكل دا أنا بس كنت، كنت يعني، بصراحة كنت غيران
ضحكت لينا تحرك رأسها نفيا تردف يآسة:.
- اكيد كنت غيران، ما هو العرق المجنون دا ما بينطرش غير لما بتكونوا غيرانين، سارة ما غلطتش يا حسام وأنت عارف كدة، وأنا قولتلك قبل كدة سارة حساسة طريقتك دي خوفتها منك، المهم هي عملت ايه في الامتحان
ارتسمت ابتسامة مطمئنة على شفتيه تنهد يردف بارتياح:
- الحمد لله حلت فيه كويس جداا، أنا من خوفي عليها من اللي حصلها لما شافت ورقة الإمتحان، خلتني قعدت صححت الامتحان في العربية، بنت اللذين وقعت قلبي...
تبدلت نظرات لينا باخري حزينة رفعت سبابتها أمام حسام تعاتبه بحدة:.
- اللي أنت عملته السبب ولو كانت حلت وحش في الامتحان كنت هتبقي إنت بردوا السبب يا حسام، في عرف عائلة السويسي المجنونة، ممنوع اي انثي تتكلم مع راجل غريب، بس سارة ما اجرمتش، سارة لسه في سنة اولي ولسه بتتعرف على الناس، لسه ما تعرفش حاجة، بدل ما تهددها، فهمها، كان هيحصل ايه لو قولتلها بكل هدوء سارة معلش أنا بتضايق لما بشوفك واقفة مع شاب، حسام أنت لو ما صالحتش سارة النهاردة واتحكمت في العرق الضارب بتاع العيلة المجنونة دي، أنا اللي هقفلك في الجوازة دي، عن إذنك هروح اعمل كيكة.
تركته وغادرت بإيباء لتتوسع عينيه في دهشة يضرب كفا فوق آخر يتمتم مندهشا:
- عندها حق والله احنا عيلة مجانين، اومال فين الحج
نهض من مكانه يتحرك للداخل، يعلو بصوته يبحث عن والده:
- يا باااااباااا يا حج، أنت فين يا ابا الحج
- يا حيوان أنت بتنادي على بليلة أنا في المكتب.
سمع حسام ذلك الصوت الحاد الغاضب يأتي من غرفة مكتب والده لترتسم على شفتيه ابتسامة واسعة دخل إلى مكتب والده دق الباب بأدب جم فتح الباب، دخل إلى المكتب، ارتمي بجسده على المقعد المجاور لمكتب والده ابتسم يغمغم مبتهجا:
- مساء الفل يا سيد الكل
رفع خالد عينيه ينظر لحسام نظرة خاطفة مشمئزة يرفع حاجبه الأيسر ساخرا ليعاود النظر إلى الأوراق أمامه حمحم حسام يعاود الحديث من جديد:.
- بقولك يا حج أنا بفكر أخد حاجة مختلفة معانا واحنا رايحين نتقدم لسارة
رفع خالد وجه عن الاوراق ترك القلم من يده نظر لحسام يقطب ما بين حاجبيه يحادثه بجدية:حاجة مختلفة زي ايه يعني
ابتسم حسام في توسع يغمغم بزهو:
- ست فرخات.
غض خالد على شفتيه في غيظ ما كان يجب أن يأخذ كلام حسام على محمل الجد من البداية، القي القلم من يده بعنف لينحني يخلع حذائه، ففر حسام من أمامه راكضا سريعا يتبعه فردة حذاء طائرة وصوت خالد يصيح خلفه:
- امشي ياض يا ابن ال، من هنا، قصدك حاجة متخلفة شبهك يا متخلف، يا دكتور الحمير، دا أنا لو مخلف دكر بط كان نفعني عنك
دخلت لينا من باب غرفة المكتب تحمل فردة حذاء خالد وقفت بالقرب منه تضحك عاليا:.
- والله العظيم احنا بيت مجانين
تحرك خالد من خلفه مكتبه اقترب منه وقف أمامها يلف ذراعه حول خصرها جذبها لترتطم بصدره تستند بكفيها على صدره لاعب حاجبيه عبثا يغمغم مشاكسا:
- اعتقد أن دي حاجة انتي عرفاها من زمان يا بسبوسة
ضحكت لينا برقة رفعت ذراعيها تلفهما حول عنقه تغمغم بدلال:
- من زمان اوي يا قلب البسبوسة.
خرجت تنهيدة حارة من بين شفتيه، في فقعة حالمة وردية تلفهما معا فقعة لم يكسرها سوي رائحة حريق!، توسعت عيني لينا فزعا تدفع خالد بعيدا عنه تصيح فزعة:
- الكيكة اتحرقت.
خرجت تهرول لخارج الغرفة إلى المطبخ مباشرة، فتحت باب الفرن ليغزو دخان اسود كثيف المكان وخرج من الفرن كعكعة سوداء متفحمة، نظرت لينا لعكعتها متحسرة، لتسمع صوت ضحكات عند باب المطبخ ابنتها وحسام شقيقها يقفان عند الباب يضحكان على تلك الكعكة المتفحمة اردفت لينا ضاحكة:
- ماما بيتهيئلي الكيكة لسه عايزة تستوي
ليكمل حسام ضاحكا:
- لا يا بنتي دي بالشوكولاتة، فرن الكتروني بيحط الشوكولاتة على الكيكة لوحده.
نظرت لينا لهما في غيظ، صدم حسام كفه بكف لينا يضحكان عاليا التفتا معا ليغادرا لتختفي الضحكات من فوق شفتي كل منهما شحب وجه حسام ينظر للينا، التي ابتسمت كطفلة بلهاء، قبض خالد على تلابيب ملابسهم يدفعهم لداخل المطبخ وقف أمامهم يعقد ذراعيه أمام صدره يغمغم بحدة قاطعة:
- بتتريقوا على مراتي، طب ايه رأيك يا حمار أنت والمعزة اللي معاك انكوا مش هتتحركوا من المطبخ غير لما تنسفوا الكيكة دي.
انهي كلامه لينزع طوقه الجلدي يمسكه بين كفيه يغمغم متوعدا:
- يلااا
انتفض حسام يركض بصحبة لينا إلى صينية الكعكة المتفحمة، تدمع أعينهم من طعمها المحترق المتفحم، بينما يقف خالد كالجلاد عازما على تلقينهم درسا لن ينسوه، فلا أحد ابدا يهين زوجته أي من كان.
حل الليل اخيرا خرج حسام من غرفته يتأنق بقميص رمادي وسروال اسود، انكمشت قسمات وجهه يضع يده على معدته يشعر بألم شديد جراء تناوله لتلك الكعكة المحترقة، لحظات وخرجت لينا من غرفتها تتأنف بسرواا أسود وقميص ازرق غامق طويل، هو يحب الازرق وهي تحبه هو، تضع يدها هي الاخري على معدتها من الألم، اقتربت من حسام تتاوه تحادثه حانقة:
- كان لازم نضحك يعني، بطني مش حاسة بيها
- ابوكي دا دراكولا.
غمغم بها حسام متألما يوم خطبته يذهب وهو يشعر بألم حاد في معدته ما تلك البشري الرائعة نزل بصحبة شقيقته لأسفل، ليجدا والديهم خالد في حلة أنيقة ولينا في فستان أنيق يجمع اللونين الاسود والفضي، غمغم خالد ساخرا ما أن رآهم:
- ساعة على ما البهوات ينزلوا يلا
- ربنا على المفتري
- حسبي الله ونعم الوكيل.
همسا بهما لينا وحسام وهما يسيران خلف والديها، استقل خالد ولينا الاريكة الخلفية، بينما حسام مقعد السائق ولينا جواره، في الطريق وقف حسام أمام محل شهير للمأكولات السريعة غاب لدقائق ليعود ومعه علبة كبيرة، وبعدها وقف أمام محل للازهار غاب لدقائق ومن ثم عاد ومعه باقة كبيرة، واخيرا عند محل الحلوي غاب لفترة طويلة ليعود ومعه عدة حقائب، حين دخل اردف خالد ساخرا:.
- لاء مش كفاية، روح هات عجل نخش بيه، وعجل ليه وأنت موجود
نظر حسام لوالده من خلال مرآه السيارة الإمامية ضيق عينيه يتمتم بغيظ:
- أنا مش هرد على حضرتك عشان أنا النهاردة عريس
ضحك خالد ساخرا اقترب بجسده من مقعد حسام يصفعه على رقبته من الخلف يغمغم متهكما:
- لا يا حبيب ابوك أنت مش هترد عليا عشان ما افركشلكش الجوازة، وشد شوية متأخرين.
تنهد حسام مغتاظا يتمتم مع نفسه حانقا أليس هو ذلك الطبيب المحترم والمحاضر الجامعي صاحب الشهادات العالية لما يُشعره والده دائما أنه مراهق في الثانوية، ومراهق طائش أيضا يتعاطي المخدرات
اخيرا وصلت وجهتهم إلى بيت عمر، نزل حسام اولا بتلهف ليشهق بعنف حين اسقط عامل ري الاشجار سطل الماء فوق رأسه ليبتل العريس من رأسه لاخمص قدميه!تبع
رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل مئة وأربعة عشر
لحظات طويلة الجمت الصدمة جميع الواقفين جحظت أعينهم ينظرون للعريس الغارق في المياة، يقف حسام كمن أصابته صاعقة عينيه شاخصة فمه متدلي في ذهول، المياة تقطر من أعلي رأسه إلى اخمص قدميه، قاطع تلك اللحظات صوت ضحكات خالد الذي صدح فجاءة، ينظر لولده وهو يغرق في المياة دمعت عينيه من الضحك، لتتعالي ضحكات لينا شقيقته وضعت يدها على فمها تحاول كتم ضحكاتها، في حين احمرت عيني حسام ينظر لهم شرزا، عضت لينا على شفتيها تكتم صوت ضحكاتها، من الجيد أن الشارع شبه فارغ في ذلك الوقت، والا كان شارك المارة في نوبة الضحك ويزداد موقف حسام سوءً، حمحمت تلكز خالد بمرفقها في ذراعه بحدة، تنظر لابنتها بحدة، توقفت لينا عن الضحك تضع يدها على فمها تكبح ضحكاتها، بينما ظل خالد يضحك اشار ناحية حسام يردف من بين ضحكاته:.
- العريس المبلول، الله يخربيتك عرتنا، شكلك فظيع
عاد يضحك من جديد لتشد لينا ذراعه ليقترب منها نزل برأسه قليلا ناحيتها لتهمس له متوعدة:
- عارف يا خالد لو ما بطلتش ضحك، هتنام في الاوضة التانية لوحدك شهر
توسعت عيني خالد قليلا ليحمحم بخشونة يحاول السيطرة على سيل ضحكاته، في حين اقتربت لينا من حسام ربتت على كتفه تحادثه مترفقة:.
- حسام ما حصلش حاجة دي حادثة وبتحصل كتير، ارجع بسرعة غير هدومك وتعالا، يلا يا ابني
حرك حسام رأسه بالإيجاب سريعا، اخرج باقة الأزهار وعلبة الحلوي يعطيهم للينا زوجة أبيه يحادثها:
- اتفضلي مش هتأخر.
ابتسمت لينا له تربت على ذراعه، ليبتسم لها ممتنا، نظر حسام لشقيقته شرزا يحرك كفه على رقبته كأنه سكين، استقل سريعا السيارة يلتف بها يعود من حيث أتي، وقفت لينا أمام زوجها وابنتها عقدت ما بين حاجبيها تحادثهم غاضبة:
- ما ينفعش بجد اللي انتوا عملتوه دا، خالد حسام مش صغير عشان تتريق عليه، وأنت يا أستاذة لينا، الموضوع مش مضحك تماما للضحك دا كله، لما نروح تعتذروا لحسام.
قالت ما قالت بحدة لتتقدمهم لأعلي نظر لخالد لابنته يرفع حاجبه الأيسر يتمتم ساخرا:
- أمك بتربينا
تحرك خالد خلف زوجته وخلفهم لينا، إلى منزل عمر، دقت لينا الباب لحظات ليفتح لهم عمر يبتسم، دخل الجميع إلى غرفة «الصالون» بصحبة عمر الذي يردف مبتسما:
- نورتوا والله يا جماعة، اتفضلوا
جلست لينا جوار زوجها على أريكة صغيرة وابنتهم على مقعد بالقرب منهم، نظر عمر لشقيقه يتمتم مبتسما:.
- منور والله يا كبير، ايه دا اومال حسام فين
ما إن نطق عمر تلك الجملة انفجر خالد في الضحك، حتى ادمعت عينيه ظل يضحك رغم نظرات لينا المحذرة له بأن يصمت، نظر لشقيقه يردف من بين ضحكاته العالية:
- حسام اتبل!
قالها لينفجر في الضحك من جديد، بينما جعد عمر ما بين حاجبيه ينظر لأخيه مستنكرا، لكزت لينا زوجها بمرفقها بعنف تنظر له حانقة، نظرت لعمر تبتسم تحاول إيجاد حجة مناسبة لذلك الموقف الذي هم فيه:.
- حسام يا عيني بعد ما وصلنا جاله تليفون مستعجل من المستشفي حالة ولادة خطيرة طلع يجري، بس زمانه جاي
- خطيرة بالجبنة
تشدق بها خالد ساخرا ليضحك مجددا حتى أدمعت عينيه، لتضعط لينا بحذائها على قدمه تنظر له متوعدة، بينما استمر هو في الضحك وكأن شيئا لم يكن، نظرت لينا لعمر تعتذر مبتسمة:
- معلش يا عمر أصل خالد دمه خفيف النهاردة، ممكن اشوف تالا وحشتني بقالي كتير ما شوفتهاش.
ابتسم عمر يحرك رأسه بالإيجاب سريعا، قام أمامها لتميل هي سريعا على إذن خالد تهمس له محتدة قبل أن تغادر بصحبة عمر:
- عارف يا خالد لو حد عرف باللي حصل تحت، هسيبك واسافر عند بابا، أصله وحشني أوي
صمت خالد في لحظات عن الضحك ينظر لها واجما، لتبتسم هي باصفرار، تربت على خده كأنه طفل صغير مطيع، قامت بصحبة عمر للداخل ليميل خالد ناحية لينا يهمس لها محتدا:
- كانت بتخاف مني زمان دلوقتي بقت بتهددني بنت الارندلي...
وضعت لينا يدها على فمها من جديد تخفي ضحكاتها من غضب أبيها...
في حين تحركت لينا بصحبة عمر إلى غرفة تالا، وقف عمر امام باب الغرفة من الخارج يحادثها مبتسما:
- هروح اشوف أبو الخلد ابو دم خفيف واسيبكوا ترغو..
ضحكت لينا بخفة تحرك رأسها بالإيجاب، غادر عمر لترفع هي يدها تدق الباب إدارات المقبض تفتحه حين سمعت صوت تالا، اطلت برأسها أولا تنظر لتالا مبتسمة تردف بمرح:
- أنا جيت اشوف مامي تالا التعبانة.
ابتسمت تالا في شحوب ظاهر، دخلت لينا إلى الغرفة توصد الباب خلفها اقتربت من فراش تالا تعانقها برفق، ابعدتها عنه تنظر لها مبتسمة جلست جوارها على الفراش تحادثها:
- عاملة ايه يا تالا وحشاني، مبروك يا حبيبتي ألف مبروك يا قلبي، ربنا يتم حملك على خير وتقومي بالسلامة.
نظرت تالا للينا تبتسم حزينة، للحظات كستل الشفقة مقلتيها تنظر لها بأسي، لم تكن تريد أن تراها لينا، ليس لأي سبب كان فقط كي لا تجرح مشاعرها، بالطبع خلف ابتسامتها اللطيفة تلك قلب يعتصر من الألم، تحركت عيني لينا تنظر لبطن تالا المنتفخ قليلا، لترتسم ابتسامة حزينة على شفتيها تنهدت تخمد نيران قلبها التي اشتعلت فجاءة حين رفعت عينيها لتالا تحادثها مبتسمة:.
- أنا عارفة أنك مش عيزاني اشوفك عشان ما تجرحيش مشاعري، بس صدقيني أنا مبسوطة عشانك اوي، وبدعيلك من كل قلبي أنك تقومي بالسلامة، أنتي تستحقي تفرحي يا تالا بعد كل اللي حصل بينك انتي وعمر، ما تحبسيش نفسك يا تالا، أنا عارفة أنك تعبانة الفترة دي، بس بعد فترة بإذن الله هتبقي أحسن، أول ما الواد حسام يقولي انتي كويسة هتيجي البيت ونتغدي كلنا سوا.
ادمعت عيني تالا تنظر للينا قبل أن تبادر باحتضانها بقوة تهمس لها بصوت خفيض باكي حزين:
- انتي جميلة اوي يا لينا، بجد جميلة من جوا قبل برا، مش خالد بس اللي محظوظ أنك في حياته، كلنا محظوظين بوجودك في حياتنا.
ابعدت لينا تالا عنها تبتسم لها بعد حديث قصير خرجت لينا من الغرفة بعد أن ودعت تالا تغلق عليها الباب برفق وقفت أمام الباب المغلق لحظات صامتة قبل أن تهبط من مقلتيها دمعة حزينة بائسة رفعت يدها تمسحها سريعا، رأت سارين تخرج من غرفتها هي وشقيقتها تزفر حائرة تبدو متوترة، تنظر لباب الغرفة المغلقة، اقتربت لينا منها وضعت يدها على كتفها تسألها:
- مالك يا سارين في حاجة يا حبيبتي.
توترت حدقتي سارين للحظات قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب تنهدت حائرة تهمس متوترة:
- سارة يا طنط ما اعرفش مالها، كانت نايمة ومن ساعة ما صحيت وهي مش راضية تتكلم، ودلوقتي رافضة تلبس، ولما سألتها مالك فضلت تعيط، أنا مش عارفة اعمل ايه، هقول لبابا
حركت لينا رأسها نفيا سريعا ابتسمت تحادث سارين بتلهف:
- مالوش لزوم يا حبيبتي تقولي لبابا، أنا هدخل اتكلم معاها...
ابتسمت سارين للينا ممتنة، تحركت لينا لداخل غرفة سارة وسارين بينما تحركت سارين إلى المطبخ اصطدمت في طريقها بعثمان الذي خرج توا من أحدي غرف الضيوف، يرتدي قميص أسود اللوم ذلك القميص ملك والدها وسروال من الجينز الازرق القاتم، ملك والدها أيضا من الجيد أن ملابس والدها ناسبت عثمان، وقفت سارين أمامه تبتسم كقطة حالمة، بينما وقف هو يزيح اكمام قميصه للخلف، عثمان دائما يفعل تلك الحركة بالاكمام يزيحها للخلف بشكل مهندم للغاية، فتحت فمها مبتسمة تود أن تقول شيئا، ليتجاوزها هو وكأنها غير موجودة من الأساس توسعت عينيها في دهشة لم ينظر إليها حتى، تحرك وكأنها هواء شفاف او عائق طريق مزعج مر من جواره تفاده وغادر، التفتت تنظر له وهو يغادر متوجها إلى غرفة الصالون عقدت ذراعيه ابتسمت تتمتم:.
- بقي كدة يا عثعث عاملي زعلان وبتنطنشي ماشي صبرك عليا يا صياد
ابتسمت في خبث لتتوجه إلى المطبخ تعد المشروبات والحلوي للضيوف
في غرفة سارة، اقتربت لينا من سارة المسطحة على الفراش توليها ظهرها جلست جوارها تمسح بيدها على شعرها برفق تحادثها بحنو:
- سارة، أنا عارفة أنك صاحية يا حبيبتي، ممكن اتكلم معاكي.
قامت سارة تجلس على الفراش تنساب دموع عينيها بلا توقف، انكمشت قسمات وجه لينا تنظر لوجهها الشاحب عينيها المنتفخة حدقتيهت الحمراء، شفتيها المرتجفة، تلك الدموع التي لا تتوقف عن الهبوط رغم محاولتها العنيفة لمسحها، تحركت لينا لتصبح مقابلة لها، مدت يدها تمسح دموع عينيها تحادثها حزينة:
- ليه يا سارة اللي انتي عملاه دا، انتي كدة بتأذي نفسك يا بنتي، ما حدش ابدا يستاهل أنك تعملي في نفسك كدة.
اغمضت مقلتيها لتخرج من بين شفتيها شهقة بكاء خافتة، تنهمر دموعها من جديد، لا تعرف بما تجيب، فتحت عينيها حين سمعت لينا تحادثها:
- حسام حكالي على اللي حصل في الكلية، كان شكله يضحك اوي وهو بيقولي أنا كنت غيران ومش عارف أنا عملت كدة ازاي
صمتت لينا للحظات تراقب تعابير وجه سارة الباهتة التي لم تتغير، لتتنهد تأخذ نفسا قويا تحادثها بحزم:.
- أنتي حساسة أوي يا سارة بتفكريني بنفسي زمان، حبيبتي الحساسية والكيوت دي مشاعر حلوة، بس ما تنفعش مع رجالة عيلة السويسي، حسام حكالي على اللي عمله وأنا هددته أنا اللي هقفله في جوازه منك، كان لازم تقفي قدامه وتقوليله أنا ما عملتش حاجة غلط عشان تكلمني كدة، ايه اللي حصل انتي زعلتي وعيطتي ونكدتي على نفسك، وكان ممكن ما تحليش كويس في الامتحان...
انشفي يا سارة، حسام بيحبك انتي ما شوفتيش خناقته هو وخالد عشان خالد يوافق انه يجي يتقدملك، وصلت إن خالد ضربه بالقلم وحسام كان هيسيب البيت، كل دا كويس، بس عرق الغيرة اللي عند حسام أنا عرفاه ومجرباه، بدل ما تفضلي تعيطي وتنكدي على نفسك وتوصلي للحالة دي، قوليله أنا ما عملتش حاجة غلط، ثوري خدي حقك، أنتي اللي هتخسري صدقيني لو فضلتي تسكتي عن حقك كل مرة بالشكل دا.
توقفت دموع سارة عن الجريان وكأن البئر جف فجاءة تنظر للفراغ عينيها شاردة، سارة دائما هي الحساسة كثيرة البكاء هي الضحية التي كاد يستغلها ذئب بشري قبلا، والآن يفرض هيمنته الذكورية بكل عنفوان، عليها أن تتغير أن تصبح حتى مثل سارين او تدافع عن ذاتها كما تقول لينا زوجة عمها، تنهدت حائرة تحرك رأسها بالإيجاب لتتوسع ابتسامة لينا تحادثها بخبث:
- اسمعي بقي هتعملي ايه لما حسام يجي.
في الخارج، خالد وعمر وعثمان يتحدثون ولينا تعبث في هاتفها بملل، تحاول التواصل مع حسام ليسرع قليلا، خرجت سارين من المطبخ تحمل صينية كبيرة عليها المشروبات والحلوي وضعتها امامهم تردف مبتسمة:
- اتفضلوا
ربت خالد على وسادة الأريكة الخالية المجاورة له ينظر لها مبتسما، لتجلس سارين جواره لف خالد ذراعه حول كتفيها قبل قمة رأسها يغمغم مبتسما:.
- دا الجمال عدي الكلام، أنا أول مرة اشوف قمر لابس حجاب عشان يبقي قمرين
ضحكت سارين عاليا لترتسم ابتسامة صغيرة على شفتي عثمان، ضحكاتها حقا تسعده، عاد خالد يحادث سارين من جديد يتمتم مبتسما:
- قوليلي عاملة ايه في كليتك انتي دخلتي علاج طبيعي مش كدة
ابتسمت سارين تحرك رأسها إيجابا نظرت لعثمان نظرة خاطفة لتعاود النظر لعمها تردف:
- الحمد لله، الدراسة في الكلية سهلة
اقترب خالد من اذن سارين يهمس لها:.
- انتي متخانقة مع عثمان
نظرت له متفاجئة عينيها متسعة في دهشة كيف علم ليبتسم خالد ساخرا أخفض صوته يهمس لها متهكما:
- اصله عمال يبصلك من كحك لكحك وانتي عين معايا والعين التانية معاه، مين فيكوا اللي غلطان
- مش عارفة، همست بها سارين بصوت خفيض مرتبك للغاية اختلست النظرات لعثمان لتراه ينظر ناحيتها غاضبا، ابتسم خالد فئ مكر ينظر لعيني عثمان الغاضبة، ليعاود النظر لسارين يتمتم ساخرا:.
- مش عارفة بردوا يا بنت عمر، ماشي يا بريئة، هو الواد بيبصلنا كدة ليه أنا عمك على فكرة
ضحكت سارين رغما عنها عاليا ليزفر عثمان أنفاسه حانقا ليتمتم خالد ساخرا:
- خدي بالك هيطلع نار من مناخيره دلوقتي
وضعت سارين يدها على فمها تمنع ضحكاتها، في حين نظر خالد لعثمان يبتسم في اصفرار ابتسامة مستفزة واسعة، قامت سارين من جوار خالد حمحمت تتمتم سريعا:
- هقوم اجبلكوا عصير تاني.
نظر لينا لساعة الحائط تزفر حانقة لما تأخر شقيقها الأحمق كل ذلك الوقت، ما هي الا دقائق ودق جرس الباب قامت لينا سريعا تفتح الباب زفرت حانقة ما أن رأت حسام ابتسمت تتمتم ساخرة:
- حمد لله على السلامة ايه جاي من الصين، كل دا تأخير.
نظر حسام لها باستعلاء ليعدل من تلابيب حلته السوداء الكلاسيكة ذات القميص الابيض ورابطة العنق السوداء، ذلك الدبوس المميز عند اكمام سترة الحلة جعلت لينا تقطب ما بين حاجبيها تسارعت دقات قلبها تلك الحلة ليست لحسام، تلك الحلة تعرفها تتذكر شكل ذلك الدبوس جيدا، تلك حلة...
قبل أن تنطقها سمعت صوته يأتي من هناك يصعد الفاصل من درجات السلم يغمغم ساخرا:.
- يا عم خش اخرتنا بقالك ساعة بتنقي في البدل دا زمان الناس نامت.
حلة زيدان إذا، حسام ذهب لزيدان وها هما معا، دخل حسام أولا ليدخل هو من خلفه لما يجب أن يكن وسيما في كل مرة تراه فيها، لما يبدو هو عريس الليلة، على الرغم من انها نادرا ما تراه يرتدي « تيشرت » زيدان يفضل الملابس الرسمية، ولكنه اليوم يرتدي « تيشرت أبيض اللون اكمامه تصل للمنتصف، وسروال أسود من الجينز، وحذاء رياضي أبيض، هل كان يركض أم ماذا، ما إن دخل إلى المنزل مد يده يود مصافحتها يغمغم بابتسامة متكلفة:.
- ازيك يا لينا، اخبارك ايه
بعد آخر مواجهة بائسة بينهما يأتي اليوم يحادثها بتحفظ يخبرها أنها فقط إبنه خاله وإن ما حدث بالكامل صفح وطواها، مدت يدها تضعها داخل خفه تتمتم بخفوت:
- الحمد لله.
سحبت يدها من يده ليتحرك هو للداخل بينما وقفت هي تضع يدها على نابضها تشعر به سينفجر، ضربت الأرض بقدميها لما جاء، لما في كل مرة تراه فيها، تشعر بأنها تراه للمرة الأولي وكأنها لم تكن تحمل في طفل منه يوما، ربما لأنها لم تعد تلك الفتاة الضعيفة البائسة، ربما لأنها منذ زمن طويل بدأت تشعر بالامان والحياة من جديد، ربما كان مقدر أن يحدث ذلك كله لتحي بعد خوف أمنا لن يضيع، تنهدت حائرة حانقة من ذاتها، لما تشعر في تلك اللحظات انها مراهقة حمقاء تحب ابن عمتها خلسة وتخشي أن يفضح أحدهم امرها، تنهدت حانقة لتتوجه للداخل سمع صوت ضحكاتهم جميعا يصدح في المكان، توجهت تجلس على مقعد بعيد عن الجميع تنظر لهم، حين نظر والدها لحسام يغمغم ساخرا:.
- ايه يا حوسو غيرت الكشف المستعجل، قصدي خلصت الكشف المستعجل
ليضيق حسام حدقتيه غاضبا ينظر لوالده حانقا، عابس الوجه، بينما يجلس هو يتابع ما يقولون يشارك في احاديثهم بكلمات قليلة، تنهدت تبتسم شاردة، قطبت جبينها فجاءة رفعت وجهها تنظر لزيدان ذلك.
« التيشرت » الذي يرتديه زيدان تعرفه، هي من اشترته له كيف نسيته، توسعت عينيها في دهشة ترمش باهدابها عدة مرات سريعة متتالية، في السواق القريب من القرية السياحية تتمشي بصحبته اعجبها، اشترته في خلسة منه وهو يتنقي لها أحدي فساتين السهرة، كانت تود إعطائه له هدية في يوم الحفل المشؤوم ولكنها لم تفعل، والآن هو يرتديه؟! توسعت عينيها في دهشة تنظر له مذهولة، لم تخرج من دهشتها الا على صوت والدها يحادث عمر أخيه برزانة معتادة في مثل تلك المواقف:.
- خلاص هزرنا وضحكنا بص يا عمر، أنت طبعا عارف احنا هنا ليه، أنا جاي اطلب منك أيد سارة بنتك لحسام، أنت قولت أنك موافق يوم فرح أدهم بس ناقص رد العروسة، هي فين سارة صحيح
- سارة اهي.
صاحت بها لينا بابتسامة واسعة تمسك يد سارة في يدها تجذبها برفق لداخل الغرفة التفت حسام برأسه سريعا ينظر ناحية باب الغرفة تسمرت عينيه ينظر لها مسحورا، تقافزت دقات قلبه على وشك تحطيم صدره، ها هي أمامه تقف هناك جوار زوجة أبيه، ترتدي فستان هادئ وردي اللون يخطف الأنفاس، تنظر لأسفل يشعر بها مرتبكة متوترة، تقبض كفها الآخر تشد عليه، لما تخفي وجهها عنه يريد أن يراها يعتذر لها، يخبرها بأنه أحمق نادم على ازعاجها بكلماته السامة الغبية، لما تشدد كفها على كف لينا بذلك الشكل، لحظات فقط وفهم، حين نظرت لينا لهم ابتسمت تردف بهدوء:.
- معلش يا خالد هقاطع كلامكوا بس سارة عايزة تتكلم مع حسام قبل ما تقول رأيها موافقة أو لاء
انقبض قلب حسام مع كلمة لينا الأخيرة، في حين قطب خالد جبينه ينظر لأخيه متعجبا، ليبادله عمر بنظرات متعجبة حقا لا يفهم ما يحدث، في حين هب حسام سريعا يغمغم متلهفا:
- آه طبعا طبعا
نظر خالد لحسام ساخرا، في حين نظرت لينا لعمر تحادثه مبتسمة:
- بعد إذنك طبعا يا عمر.
تردد عمر للحظات قبل أن يحرك رأسه بالإيجاب، سيفهم كل شئ من سارة بعد أن تنتهي تلك الزيارة، ابتسمت لينا تشير لحسام ليتبعها، التقط حسام حقيبة كبيرة وعلبة مغلقة ليتحرك خلف لينا إلى الشرفة حين طاولة مستديرة جلست سارة على أحد جانبيها وحسام على المقعد الآخر امامها، نظرت لينا لسارة تشجعها بعينيها تبتسم لها في هدوء شدت على كفها، قبل أن تنظر لحسام تردف محتدة:.
- أنا واقفة برة يعني لو فكرت تزعلها هاجي ارميك من البلكونة
توسعت عيني حسام في دهشة ينظر لزوجة أبيه مصعوقا، متي أصبحت بتلك الشراسة، تلك القصيرة صاحبت اللسان الذي يفوقها طولا، خرجت لينا من الشرفة لينظر حسام سريعا ناحية سارة ما حدث كاملا لا يهم، الأهم الآن أنها يراها اخيرااا، أنه هنا ليتخذها زوجة وحبيبة، كسر الصمت يهمس لها بتلهف مشتاق:
- سارة، أنا.
رفعت وجهها له في تلك اللحظات رأي من خلال حدقتيها المضطربتين أنها تود قول شيئا ما، مترددة وربما خائفة منه بعد ما فعل، صمت ينتظر ما ستقول، زفرة طويلة خرجت من بين شفتيها تشد على أسنانها رفعت وجهها له تتذكر ما قالته لها لينا، حركت رأسها إيجابا كأنها تستعيد تلك الكلمات في عقلها من جديد، تجنبت النظر لعينيه تماما تغمغم في هدوء جاف:.
- بص يا حسام ولو سمحت ما تقاطعنيش، أنا ما عملتش اي حاجة غلط عشان تكلمني بالشكل دا وتقف تهددني، أنا ما روحتش وقفت مع شهاب وقولتلن كلمني لو سمحت، أنا كنت رايحة المحاضرة هو جه يسألني أن كنت سجلت محاضرة امبارح لأنه ما كنش موجود، قولتله اني هبعتها على تليجرام الدفعة، بس، لا واقفة بضحك ولا بهزر، ولا ينفع إنت تكلمني بالشكل دا، كان ممكن تقولي بمنتهي البساطة انك بتضايق، مش واقف تهددني وتكلمني وكأني عاملة جريمة، خليتني مش عارفة حتى أنا حليت إيه في الامتحان...
- ناقصة درجة، بعد ما اختارتي الإجابة الصح شخبطتي عليها واختارتي الغلط.
توسعت عينيها في دهشة تنظر له مذهولة لا تنكر شعورها بالسعادة مما قال، رغم ذلك حافظت على تعابيرها الهادئة الجامدة، في حين ارتسمت هو ابتسامة صغيرة على ثغره لينا زوجة من شجعتها لتقول تلك الكلمات كيف علم؟ من تلك الجملة التي قالتها سارة «ممكن تقولي بمنتهي البساطة انك بتضايق، » والتي قالتها لينا له قبلا بشكل مختلف قليلا، أعجبه غضب سارة، أعجبه توترها وهي تحاول اخباره كم هي غاضبة منه، محاولاتها أن تظهر شجاعة، ظل صامتا بعد أن قال ما قال يراقب تعابير وجهها، رائها كيف حاولت أن تبدو جامدة في تعابيرها اللطيفة حمحمت في حدة لا تليق بها تماما تردف بجمود:.
- شكرا، أنا عارفة اني حليت كويس، عشان كنت مذاكرة كويس، مش دا موضوعنا، أنا مش هسمحلك ابدا بالشكل دا تاني، أنا
- أنا آسف، أنا بحبك.
همس بهما بصوت خفيض شغوف رخيم، لتشخص حدقتيها في ذهول تندفع الدماء إلى وجنتيها، وتفر باقية الدماء من جسدها خجلا تاركة إياها جثة تتجمد من وقع جملتين فقط، اختفت أنفاسها تسارعت دقاتها، ضمت كفيها تفركهما بعنف حين سمعته تنظر أرضا جسدها شبه يرتجف، لينا لم تخبرها أنه سيقول تلك الكلمات التي تسلب القلب في لحظة، اغمضت عينيها حين سمعته يكمل ما يقول بنبرة هادئة رخيمة حنونة:.
- أنا آسف يا سارة، انتي عندك حق، ما كنش ينفع ازعقلك بالشكل دا، من غير ما اعرف الموضوع، أنا بس كنت غيران أوي، بس اوعدك أن دي اول واخر مرة هزعلك فيها، أنتي غالية عندي اوي يا سارة اغلي مما تتصوري.
في تلك اللحظة تحديدا تريد أن تبكي من الخجل، تركض إلى غرفتها تحتمي بها من دقات قلبها المتسارعة مشاعرها التي يغزف عليها انغاما تبعثرها، فتحت مقلتيها حين سمعته يطلب منها ذلك برفق، لتراه يحمل صندوق كبير من محل طعام شهير للغاية وضعه على الطاولة، ليمسك بحقيبة كبيرة من الورق يضعها جوار الصندوق على الطاولة يغمغم مبتسما:
- دول عشانك اعتبريهم هدية أو اعتذار، أنا مش عايزك تزعلي ابدا يا سارة.
رفعت عينيها لمقلتيه لحظة واحدة تنظر لعينيه اللامعة التي لم يحجب لمعانها زجاج نظارته الشفافة، ارتسمت ابتسامة كبيرة خجولة على شفتيها تنظر بعيدا
في اللحظة التالية دخل خالد إلى الشرفة فجاءة يغمغم ساخرا:
- اجيب مخدة من عند عمك عمر وامدد على الكنبة، لو ناوي نبات هنا قولي
نظر حسام لأبيه حانقا، في حين أحمر وجه سارة خجلا اشار خالد بيده لحسام لأن يخرج من الغرفة، اقترب هو من إبنه أخيه يحادثها مبتسما برفق:.
- سارة، حبيبتي، ما فيش اي حد في الدنيا يقدر يغصبك توافقي على حاجة انتي مش عاوزاها، لو مش موافقة يا حبيبتي...
- أنا موافقة
قاطعته سارة تهمس بها بصوت خفيض متوتر خجول، لتخرج ضحكة صغيرة من بين شفتي خالد، يربت على رأسها برفق، عاد لهم، يجلس مكانه من جديد يتمتم مبتسما:
- بما أن سارة موافقة نقرا الفاتحة.
جائت لينا في تلك الاثناء تمسك بيد سارة جلست جوارها على أحدي المقاعد القريبة منهم، نظر عمر لابنته يسألها بعينيه أن كانت حقا موافقة أم لاء، لتومأ سارة برأسها بخجل ابتسم عمر في حين رفع حسام يده سريعا ليضحك الجالسين على ما يفعل، بدأوا جميعا في قراءة الفاتحة إلى أن انتهوا ربت خالد على ساق يردف:
- نتفق بقي، بنت اخويا هتيجي معززة مكرمة بشنطة هدومها بس
حرك عمر رأسه نفيا سريعا يعترض بحدة على ما يقول أخيه:.
- لا يا خالد معلش، اخوك مش فقير الحمد لله، زي ما جهزت سارين ههجز سارة، والموضوع هيمشي طبيعي زي ما بيحصل في اي جوازة
هنا تدخل حسام فجاءة يردف ساخرا:
- طب بما ان الأجهزة الكهربائية على العروسة فأنا عايز بلايستيشن 5 الجديد
التفت خالد لحسام ينظر له شرزا يتوعد له، في حين صدم زيدان قدم حسام بعنف تأوه حسام يمسد ساقه ينظر لصديقه حانقا ضحك زيدان يحادث عمر سريعا:.
- بيهزر طبعا أنت عارف حسام دمه خفيف بس ساعات بتقلش منه، شربات يا حسام
قلب حسام عينيه ساخرا، ليقرر هو تولي دفة الحديث ويا ليته لم يفعل نظر لعمر يقول بجدية مفرطة:
- قبل الشقة والعفش والكلام دا كله، هنتجوز أمتي، أنا بقي نعمل شبكة وكتب وفرح في ليلة واحدة ويا ريت بكرة
رفع عمر حاجبيه ينظر لحسام مستهجنا ما يقول ليلكزه خالد بمرفقه في صدره يهمس له حانقا:
- اخرس بدل ما اقل منك قدام الناس.
زفر حسام أنفاسه غاضبا، لما يعامله أبيه بتلك الطريقة، هو العريس هنا ويجب أن يتولي هو تحديد ميعاد زفافه ليردف قائلا من جديد في حدة:
- انتوا كدة كدة مش هترضوا تخلوني اخرج معاها غير لما اكتب عليها، فيها ايه لو عملنا الشبكة والفرح مع بعض، مش هتحصل حاجة يعني، نخليها في اجازة نص السنة.
تجهم وجه عمر ينظر لذلك الفتي الارعن كم يرغب في أن يصفعه على فمه ليتوقف عن تلك التراهات التي يقولها، كاد خالد أن يتحدث حين بادر زيدان يقول في هدوء مقنع:
- بصراحة أنا مع حسام في اللي بيقوله، طالما المبدئ موجود يبقي ما فيش داعي للتأخير، يعني على ما تيجي اجازة نص السنة، تكون الشقة جهزت ودي مسؤولية حسام وحضرتك يا خالي بما إنك والد العروسة وخالد باشا طبعا، كان على الهدوم أو الفرش، فدي مسؤولية لينا.
بنتك يا خالي وماما طبعا مش هتتأخر ومدام تالا وسارين، وفي خدامين كتير في الفيلا ممكن يساعدوا، القاعة حسام اللي هيحجزها ويتفق عليها، وإن كان على فستان الفرح تقدر سارين تجيبه بعد الامتحانات، الموضوع بسيط جدااا
ما إن انهي زيدان كلامه اندفع حسام يعانق صديقه بقوة يتمتم فرحا:
- حبيبي يا أبو الصحاب، ربنا يخليك للغلابة.
لم يقتنع عمر تماما بما قال زيدان فأخبرهم بأنه بحاجة لوقت أكثر لمشارة ابنته وسيعطيهم رده، نزلت العائلة إلى أسفل ليجدوا سيارة زيدان تقف هناك، فالسيارة الاخري مقعد السائق مبتل بفعل ملابس حسام، جلس زيدان خلف المقود جواره خالد ولينا في الخلف في المنتصف بين والدتها وحسام، التفت خالد لزيدان يحادثه متهكما:
- ايه يا واد العقل دا، دا أنا اقتنعت
ضحك زيدان يرفع يده يؤدي التحية لخالد يتمتم ضاحكا:.
- تلميذك يا باشا
كاذب، كاذب، كاذب، رددتها لينا داخل نفسها مئات المرات تلميذ فاشل تعلم كل شئ من والدها الا قواعد العشق...
- ايوة يعني تفتكروا عمي عمر هيوافق ولا لاء..
غمغم بها حسام قلقا لينظر له الجميع شرزا بعد ما فعله بالاعلي، خالد على وشك أن يلقيه من السيارة:
- إنت تخرس خالص بدل ما ارميك من العربية، ايه اللي أنت هببته فوق دا
قلب حسام عينيه بملل يردف ساخرا:.
- أنا عملت ايه يعني مش هو اللي عملي فيها أبو العروسة وأنا هجهز بنتي بنفسي، هي مش الأجهزة الكهربائية على العروسة بردوا
شد خالد على أسنانه يطحن قبضته التفت بجسده إلى حسام يصيح فيه محتدا:
- تقوم قايلهم عايز بلايستيشن 5 يا ابن ال...
ضحك حسام ساخرا دون أن يرد، في حين انفجر الجميع في الضحك، التفت خالد لزيدان يسأله ساخرا:
- وأنت يا سي زيدان ياللي عاملي فيها أشيك شاب في مصر، فين ست انجليكا اختفت فين.
انثني جانب فم زيدان بابتسامة صغيرة رفع كتفيه لأعلي يغمغم في سخرية مريرة:
- طبعا أشيك شاب في مصر، أنت ما تعرفش قيمة التيشرت دا، وإن كان على أنجليكا فهي سافرت روسيا بس هترجع قريب...
الشقراء غادرت دعت في قلبها إلا تعود من جديد سيرة الشقراء كفيلة بأنها تصيبها بالغثيان، لا هي حقا تشعر بالغثيان بالفعل، يبدو أن الكعكة المحترقة ترغب فئ الخروج من بين امعائها، صاحت متألمة تردف سريعا:
- زيدان وقف العربية بسرعة.
وضعت يدها على فمها، ليوقف زيدان السيارة سريعا اندفعت بجسدها خارجا ترتمي أرضا تتقئ بعنف، هرع الجميع إليها، امسك حسام بها جيدا حتى لا تسقط أرضا، يحاول مساعدتها في تنظيم تنفسها حتى لا تختنق، اخرجت كل ما في جوفها لترتمي برأسها على صدر حسام تنظر لهم مجهدة، ابتسمت لوالدتها في إجهاد تطمئنها بصوت هامس أنها بخير، ليحملها حسام إلى السيارة من جديد، استندت على صدره تتنفس بعنف، لينا تمسح على شعرها برفق، قاد هو السيارة بهدوء تلك الكلمة خوفا عليها ينظر لها من خلال المرآة بين حين وآخر يتذكر صيحتها بأسمه وكأنه كانت تستنجد به، أو هكذا صور له قلبه المتعب.
في صباح اليوم التالي، تقف في شرفة غرفتها في منزل عمها تنظر للسماء هي تحب الطيور خاصة الحمام تحب النظر إليها وهي تطير ترفرف في فضاء سرمدي من الحرية لن ينتهي أبدا، حرية لن تحصل عليها هي ابدا، هي لا تريد حرية اختيار طعام او ملابس، او اي جامعة تختار، هي تريد حرية الروح من قيد العادة، سجن المألوف، قبضان العادات التي تسجن خلفها طير الحمام تمنعه من التحليق بعيدا كما يريد، تنهدت تزفر أنفاسها اليوم سيعودون جميعا هي ووالديها إلى أسيوط من جديد، انتهت زيارتها القصيرة، خرجت من غرفتها لازال الوقت باكر ولكنها استيقظت على اي حال، حين خرجت لصالون المنزل رأت ياسمين زوجة عمها تضع الإفطار على الطاولة ابتسمت لها، قبل ان يصدح فجاءة صوت رنين هاتف المنزل، من بات يطلب هاتف المنزل في تلك الأيام توجهت ياسمين إلى الهاتف، ما إن وضعت السماعة على اذنيها لحظات فقط وشخصت عينيها فزعا تصرخ باسم ولدها، صرخات فزعة مذعورة، غيث اصطدمت سيارة في حادث، هو الآن في المستشفى، أسرع الجميع إلى عنوان المستشفى، هي ووالدها وفارس وجوري وياسمين يركضون في طرقات المستشفي يبحثون عن رقم الغرفة، التي ما أن وصلوها هرع فارس إلى الطبيب يسأله فزعا:.
- طمني ابني عامل ايه، قالولي جاي في حادثة عربية
ربت الطبيب على كتف فارس يبتسم شبه ابتسامة يغمغم في هدوء جاد:
- واضح أن أستاذ غيث مش متعود على السواقة في مصر، بعد الأشعة طلع عنده ضلعين مكسورين للأسف وكدمات ما وصلش الباقي منها لكسور الحمد لله.
لم تنتظر ياسمين أكثر اندفعت إلى غرفة غيث تهرول ناحية فراشه وقفت أمام فراشه تنظر لجزعه العاري الملتف بشاش طبي، كدمات متفرقة تعلو جسده يبدو أن الحادث حقا كان عنيفا ليؤذيه لتلك الدرجة، فاضت دموع عينيها اقتربت منه تربت على خصلات شعره تهمس باسمه بحرقة:
- غيث، غيث، رد على ماما يا حبيبي.
دخل فارس خلفها بصحبة رشيد وصبا وجوري، اقترب من زوجته يربت على كتفها برفق ينظر لوالده بالكاد يسيطر على دموع عينيه يحاول طمئنه نفسه قبلها:
- ما تخافيش يا ياسمين الدكتور بيقول هيبقي كويس، يارب، بإذنك يارب هيبقي كويس.
وقفت صبا هناك بعيدا تنظر له رغما عنها انسابت دموعها بحرقة وضعت يدها على فمها تنظر لحالته المذرية، وعقلها يذهب لتفسير واحد فقط أن مراد هو من فعل ذلك، هو من حاول قتله بعد ما فعله، توترت حدقتيها تنظر لغيث لتعاود النظر لوالدها، هل تخبر والدها بأمر مراد، أم تكتفي بالصمت وتترك ذلك الشيطان يحاول أن يقتل أخاها كما حاول قتل غيث، بالطبع هو من غيره سيفعل، ستخبر والدها وما يحدث، هي المخطئة في البداية وعليها أن تدفع ثمن خطئها الآن!
تقف في المطبخ تدندن بلحن أغنية ايطالية تحبها تلتف حول نفسها كفراشة بين حديقة أزهار، سعيدة كلمة قليلة للغاية عما تشعر به في تلك اللحظات تكاد تطير فيها من الفرح، قلبها يتراقص مع انغام الموسيقي، هي وادهم والعشق ثالثهما، قيس وليلى ولا مكان لجني الشعر هنا، فقصائد قيس فاضت كنهر عذب في قلب ليلي روته لتزهر جنة عشقهم الخالدة، ابتسمت سعيدة تنظر للطعام الذي أعدته بيديها لزوجها الحبيب النائم، صوت دقات هاتف أدهم، خرجت من المطبخ سريعا هناك ملقي على الأريكة التقطته لتري اسم والدها فتحت الخط تضع الهاتف على اذنها لتسمع صوت أبيها الحاد:.
- جري ايه يا عم أدهم أنت هتفضل عايش في دور العريس كتير، الشغل متعطل وأنت ولا هنا
ضحكت عاليا تحادثه والدها مبتسمة في حبور:
- أنا مايا يا بابا أدهم لسه نايم
ابتسم حمزة ما أن سمع صوت ابنته ليبادر قائلا:
- حبيبة بابا وحشاني والله، روحي صحي عريس الغفلة وقوليله متعطل بسببه، لو ما جاش هاجي أنا اعلقه.
ضحكت مايا من جديد تحادث والدها لدقائق قبل أن تغلق معه الخط، تحركت ناحية غرفة نومهما اقتربت من الفراش حيث يغط أدهم في نوم عميق كطفل برئ!، جلست جوار رأسه مدت يدها برفق تربت على خده تحادثه بهمس خافت:
- أدهم، أدهم اصحي يا أدهم، أدهم اصحي عشان الشغل
تململ في نومته يتأثب ناعسا فتح عينيه قليلا لترتسم ابتسامة سعيدة على ثغره امسك كف يدها يقبلها يتمتم ناعسا:.
- صباح العسل، بذمتك في حد يصحي من النوم يلاقي العسل دا كله قدامه
ابتسمت خجلة! تسبل عينيها برقة جذبت يدها من يده تغمغم بخفوت رقيق:
- على فكرة انا بتكسف، قوم يلا عشان تروح الشركة، أنا هروح احط الفطار على السفرة.
رفع حاجبيه ينظر في اثرها مدهوشا من تلك التي تخجل؟!، مايا، حرك رأسه يبتسم في حالمية شديدة، أيام كالجنة قضاها معها، ولكن لما يجب أن تدق الساعة الثانية عشر بتلك السرعة، لما يجب أن ينتهي حلم الأمير سريعا ويضطر إلى الذهاب لعمله!
أمام عمارة سكنية كبيرة حديثة الطراز لافتة كبيرة خط على سطحها ( قاسم رشوان، طبيب نفسي ) وقفت سيارته أمام عيادة الطبيب ينظر للافتة لحظات طويلة يزفر أنفاسه حانقا لا لن يذهب ولكنه يحتاج إلى أن يذهب، لن يفعل، ولكنه بحاجة للحديث بحاجة لذلك، حسم قراره، ليقرر الصعود لأعلي لا مجال للتراجع الآن، ما إن صعد إلى أعلي وقفت سيارة لينا هي الاخري نزلت من سيارتها لتلمح عينيها سيارة زيدان تقف أسفل عيادة قاسم، زيدان هنا، ماذا يفعل، ولما جاء لقاسم من الأساس، هناك حلقة مفقودة، ستعرفها الآن، أخذتها طريقها سريعا لأعلي تبحث عنه هو أولا!