رواية خادمة القصر
الفصل الثاني 2
بقلم اسماعيل موسى
إنتهت ديلا من جمع بقايا الأطباق المهشمه، وقامت بمسح السجاد الفاخر مره ومرتين، فكل مقعد داخل القصر منتقى بعنايه فائقه، انها لا تعرف قيمة تلك القطع لكنها تعرف شيء واحد فقط أن غضب الباشا ليس له حد، وانه تركها تأكل عيش وعليها ان تكون ممتنه، اللحظه التى اسقطت فيها الأطباق شعرت بنهايتها، لطالما تفاخرت فى اليومين السابقين ان صاحب القصر الغامض اختارها للعمل عنده دون عن كل فتيات القريه، لكن الحقيقه ان محمود البستانى كان معجب بالفتاه التى تشبه فلقة القمر واعتقد ان منحها عمل لا تحلم به ربما يجعلها تعجب به.
الساعه العاشره ليلا اعدت ديلا عشاء خفيف ثم انسحبت من الرواق نحو غرفتها واغلقت الباب على نفسها مثلما أمرها البستانى.
هبط ادم الفهرجى درجات السلم فى فمه لفافة التبغ، تناول قطعتين واحتسى كوب شاى ثم رحل، منذ زمن طويل يأكل ادم الفهرجى ليظل حى لا أكثر
خرجت ديلا نحو الطاوله وتناولت الطعام الذى اعتقدت انه لم يلمس
بعد ساعه اعدت فنجان قهوه وقفت بارتجافه امام غرفة ادم، طرقت الباب أربعة مرات ثم تركت الصنيه النحاسيه المزركشه ورحلت.
داخل أسوار القصر توجد حديقه كبيره داخلها أشجار ضخمه تشبه الغابه، فى تلك المساحه التى تقترب من ثلاثة فدادين زرع ادم غابته الخاصه التى يتجول فيها فوق حصانه
عندما يكون ادم داخل الحديقه لا يسمح لديلا بالخروج من غرفتها مهما حدث ومهما طال الوقت تظل حبيسة جدران غرفتها
قبل شروق الشمس نزل ادم من غرفته يرتدى زى الركض قصد درب الركض وراح يحرك سيقانه بصدر شبه عارى تلفحه نسمات شماليه بارده، قطع المضمار سبعة مرات قبل أن يستلقى على العشب
ثم بكسل نهض وصعد للطابق العلوى حيث اخذ حمام طويل ساخن قبل أن يهبط لتناول طعام إفطاره المرصوص فوق الطاوله
يقراء ادم الصحيفه التى تحضر خصيصا له كل يوم من القاهره وهو يحتسى القهوه، كانت ديلا داخل غرفتها التى تركت بابها موروب
خطاء كبير وحماقه لا تغتفر، كان ادم يجلس تحت لوحه جداريه كبيره لسيدة كليمت يستمع لموسيقى هادئه لشوبار
سحق عقب لفافة التبغ وهم بالنهوض
كان ديلا الغير منتبهه تبدل ملابسها منحنيه بطريقه مغريه نحو خزانة الملابس ولمحها ادم، تذمر فى البدايه لكن بعين الفنان حدق بجسد الفتاه وراح غضبه يتلاشى، تشبة واحده من بنات باريس الذين يخوضون داخل مياه النهر حتى خصرهم
ارجح ادم رأسه كأنه ينفض فكره لزجه التصقت بعقله ثم صرخ انت؟ اغلقى باب غرفتك
ركض جسد ديلا المرتج بكل رعب العالم واغلقت الغرفه
كاد قلبها يتوقف عن النبض، وقفت فى منتصف الغرفه بجسد مرتعش الأطراف، عندما نظرت لجسدها الشبه عارى شعرت بخوف وخجل، لقد رآنى، ماذا سأفعل الان؟ تعلم أن البشوات والبهوات عندما يرغبن بفتاه يحصلن عليها
لكن الرواق ساكن وربما رحل الباشا لغرفته، فتحت ديلا باب الغرفه بحذر، وجدت عيون ادم ترمقها بغضب
تعالى هنا؟
فى تلك اللحظه ماتت ديلا عدت مرات، تحركت بطريقه آليه نحو سيدها الباشا، محتضنه صدرها غير قادره على رفع عينها
اسمعى!!
لا اقبل بالأخطاء هنا، سامحتك مره من قبل، عليك أن تعرفى ان عقابى شديد وقاسى، ولا تعتقدى اننى سأقوم بضربك مثلا، هذا سلوك حيوانى لا انسانى، سأقوم بصرفك من هنا، اعلم انك تحتاجين العمل من أجل أسرتك، اخبرنى البستانى بالفقر المدقع الذى يحيط بكم
همست ديلا، والنبى يا باشا متطردنيش، اعمل ار حاجه فيا لكن بلاش تقطع عيشى، فيها ايه يعنى لما تضربنى؟ دا انا جتتى نحست من ضرب ابويا
صرخ ادم، من امرك بالكلام؟
ثم هشم فنجان القهوه بغضب كأن الف عفريت تملكه، نهض ودار من حولها وهو يرفع كتفيه بتذمر
سيصرخ؟
سيضربها او يطردها؟
نزلت دموع ديلا رغم عنها، كيف تستطيع أن تفهم ماذا يريده او ما يفكر به؟
وكادت ان تقول سامحني، لكنها صمتت، رفعت عينيها الدامعه نحو ادم وكانت اول مره ترى فيها وجهه، تغيرت ملامحها كلها
وجه شاب عاجى مكتسى بلحيه طويله صفراء زادته وسامه وشعر طويل غير مشذب، عيون لا تعرف كيف تحمل مثل هذا الغضب، وجد ادم امامه وجه بريء، وجه طفولى ملائكى
ترك ادم مكانه فى الرواق وصعد نحو سطح القصر حتى يستمتع بشمس الشتاء الدافئه
ظلت ديلا ربع ساعه شارده فى ملكوت الله، تشعر انها فى حلم من تلك الأحلام التى تباغت الفتيات فى ليالى الشتاء النادره
كأنها فى عالم لا تشعر به يدور من حولها غير منتبه لها
صرخه عملاقه، اين القهوه يا خادمه؟
تذكرت ديلا ان موعد فنجان القهوه مضى منذ دقائق وان الدنيا تحطمت فوق رأسها
لكنه يطلب القهوه وهذا يعنى انه صفح عنها وسامحها، بسرعة البرق صنعت فنجان قهوه وصعدت نحو سطح القصر ناسيه ردائها الأقرب بقميص نوم طويل
القصه بقلم اسماعيل موسى
اشاح ادم وجهه نحو الجهه الأخرى، يا فتاه، قال ادم بهدوء، غبائك سوف يقتلنى، لا أعلم إلى متى سيكون على تحمل لا مبلاتك ووفضويتك، عندما اطلبك احرصى على ارتداء ملابس محتشمه لائقه
انتحبت ديلا، بكت، والله غصب عنى يا بيه، اعمل ايه انت الى مخوفنى، انا معرفش طلعت هنا ازاى ولا لابسه ايه، والله مكنش قصدى!
ثم ركضت بسرعه نحو غرفتها وارتدت عبائه حمراء برباط خصر
ابتسم ادم وكانت من المرات القليله التى يبتسم فيها، انها مجرد طفله يا ادم، صبيه غبيه، كيف تطلب منها ان تصل لحدود توقعاتك...