رواية أسير عينيها الفصل السادس والستون 66 والسابع والستون 67 الجزء الرابع بقلم دينا جمال

رواية أسير عينيها

الفصل السادس والستون 66 والسابع والستون 67 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال

في شركة جاسر مهران، في المصعد، اختبئت مايا بين أحضان أدهم ترتجف بعنف تكاد تختنق من عنف شهاتقها المتتابعة وهو فقط يحاول تهدئتها بشتئ الطرق:

- مايا اهدي، اهدي يا حبيبتي، الاسانسير هيشتغل حالا، انتي بس اهدي، حاولي تاخدي نفسك...


ابعدها عنه برفق مد يده أسفل ذقنها يرفع وجهها لأعلي قليلا يحاول جعلها تلتقط أنفاسها مرت دقائق قبل أن يشعر بها تهدئ قليلا، ارتمي بجسده على احد جوانب المصعد جوارها، ينظر لسرواله الاسود من الجيد أنه اسود حتى لا تظهر بقع الدماء فيه، ولكن تلك الاجزاء الممزقة منه إثر قفزته المتهورة يظهر أسفلها جروح غائرة، تنزف بلا توقف، نظر لها بطرف عينيه نظرة سريعة ليجدها تستند جواره تلتقط أنفاسها بصعوبة يشعر بخوفها يرى شحوب وجهها الظاهر، يسمع أنفاسها الثقيلة المتقطعة، دون أن يتردد امسك رأسها يضعها على كتفه يحرك يده الاخري على خصلات شعرها برفق يهمس برفق:.


- اهدي يا مايا، دقايق وهنخرج من هنا، بصي فوق في فتحة كبيرة اهي، المكان مش مقفول...


رفعت وجهها لأعلي تنظر لتلك الفتحة التي قفز منها لتقطب جبينها متعجبة كيف فعل ذلك، بدأت تهدي شيئا فشئ من حالة الذعر التي تملكتها، التفتت تنظر له ممتنة خاطر بحياته لأجلها، لأنه يعرف أنها تعاني رهاب بشع من من الأماكن المغلقة، لمحت عينيها سائل أحمر يلطخ الأرض جواره لتقطب جبينها قلقة، تنظر لملابسه بهلع لتلمح عينيها ذلك الجزء الممزق من سرواله مدت يدها تزيح ذلك الجزء الممزق أسفل ركبته لتشهق فزعة جرح طويل عميق ينزف بغزارة كأنه يحارب في معركة الاستنزاف، بحثت حولها بتلهف تنساب دموعها ذعرا عليه امسكت وشاح أسود اللون يلتف حول أحد حلقات حقيبتها لتنزعه سريعا تلفه حول جرح ساقه هي تبكي وهو يبتسم ابتسامة واسعة عرفت طريقها لثغره وهو يراها خائفة عليه تهرع لمساعدته، تحبه، لازالت تحبه، يكاد قلبه ينفجر من السعادة، اول شعاع يضئ من جديد في حياته بعد أن ظن أن شمسه لن تسطع أبدا...


انهت هي لف جرح ساقه، تمسح دموعها براحتي يدها حمحمت مرتبكة ليتناهي إلي اسماعها صوت جاسر مدير الشركة يصيح في أحد العمال:

- ساعة عشان تيجوا، انتوا عارفين الأسانسير واقف بقاله قد ايه، أنا ليا تصرف تاني مع البيه صاحب الشركة، اتفضلوا دقايق والاقيه شغال في ناس محبوسة فيه.


تنهدت بارتياح، دقايق وسيعمل المصعد، بالإضافة الي وجود أدهم معها جعلها تتناسي حالة الذعر التي تقتلها، رهاب الإمكان المغلقة مرض يقتلها منذ أن حُبست وهي صغيرة في أحد المصاعد وباتت تخشي الأماكن المغلقة حد الذعر...

اقترب قليلا بجذعه العلوي منها يبتسم لها مرهقا، يشعر بدوار طفيف يغزو رأسه يبدو أنه نزف الكثير من الدماء، امسك بكف يدها يخبئه داخل كفه ابتسم يهمس لها بشغف:

- وحشتيني بجد وحشتيني اوي...


ترقرقت الدموع في عينيها اشاحت بوجهها بعيدا عنه، قلبها ينتفض كطير جريح عاشق ذبحته سكين الخيانة حاولت نزع كفها من يده لتشعر بأصابعه تشدد وثاقها حول أصابعها ترفض رفض قاطع أن تبتعد عنه ليسمع قلبها قبل أذنيها صوته وهو يهمس لها بعشق يجرف قلبها رغما عنها الي شط عشقه الآمن:.


- أنا عارف أنك مجروحة من اللي عملته، وكنت عايز اعمله، وأنا مش هبرر اللي حصل عشان عارف اني مهما قولت مش هبرر غلطتي، وأنا مش هطلب منك تسامحيني على الأقل دلوقتي، أنا بس مش عايزك تكرهيني...


التفتت تنظر لوجهه لتري عينيه الذابلة المتعبة تناظرها بنظرات عاشقة نادمة، نظرات تحتوي تطمئن، ترجو، ابتلعت لعابها الجاف كانت على وشك أن ترتمي بين أحضانها تخبره أنها أيضا اشتاقت له حد الموت حياتها لم تكن سوي جحيما بدونه ولكن حركت المصعد المفاجئة ازالت بقسوة تلك الفقاعة الناعمة التي كان يلفها فيها، ابعدت يدها عن يده، تجلس بعيدا عنه، ما هي الا لحظات ونزل المصعد الي الطابق السفلي وانفتح الباب ليهرع حمزة إليها ينتشلها لأحضانه يغرزها داخل صدره يتمتم مذعورا:.


- الحمد لله يا رب الحمد لله كنت هموت من الرعب لما جاسر اتصل بيا وقالي انك محبوسة في الاسانسير أنا عارف عندك فوبيا، انتي كويسة يا حبيبتي كويسة.


حركت رأسها إيجابا تنظر لأدهم الذي يستند على زملائه وهو يخرج من المصعد أعطاها نظرة أخيرة نادمة، ساقه اليسري بها ألم لن يستطع وصف بشاعته ابدااا، في الخارج كان الجميع ينظر إليهم نظرات شك وريبة يحاول الجميع معرفة العلاقة الخفية بينهما حتى ينتفض أدهم فزعا عليها بتلك الطريقة، بينما صاح جاسر محتدا:

- حد يجيب دكتور الشركة بسرعة.


حالة من الهرج والمرج الجميع يتحرك بشكل عشوائي سريع وهو يجلس يراقب عينيه فقط تبحث عنها جاء الطبيب وعالج جرحه وتركوه يجلس في أحدي الغرف إلي أن يهدئ قليلا ومن ثم سيقوم سائق الشركة بإيصاله الي منزله، دخل جاسر الي تلك الغرفة يبتسم ابتسامة هادئة رزينة جذب مقعد يجلس جواره ربت على ذراعه يردف مبتسما:.


- حمد لله على سلامتك يا أدهم، الدكتور بيقول ما ينفعش تدوس على رجلك على الأقل أسبوع، اعتبر نفسك في اجازة لحد ما رجلك تخف وما تقلقش يا سيدي مش هخصم من مرتبك.


ابتسم أدهم ابتسامة باهتة عينيه لا تنزاح عن باب الغرفة لا يرغب في أن يراها، في تلك اللحظة تحديدا يرغب بشدة في أن يرى حمزة يعانقه يبكي بين ذراعيه كطفل صغير خائف ينشد الأمان، لاحظ جاسر نظرات عينيه المعلقة بالباب ليتنهد حزينا، خالد أخبره بإيجاز ما حدث مع أدهم وحمزة وهو حقا حزين على ما حل بهم، ربت مرة أخري على كتف أدهم يردف معاتبا:.


- اللي أنت عملته دا كان قمة الشجاعة، بس باللي عملته بردوا هتخلي كل موظفين الشركة مش هيبقي ليهم غير أدهم واللي عمله ويا تري ايه علاقته بمايا وازاي عرف أن عندها فوبيا، وليه اترعب عليها كدة، ما حسبتش إنت عملت ايه يا أدهم، أنا عارف أنه غصب عنك، بس اللي أنت عملته هيضرها جداا..


ما إن انهي ما يقول التفت أدهم ينظر اليهم متوترا هو لم يفكر في كل ذلك قلبه اندفع خوفا حين شعر بأن مكروها سيصيبها، استأذن جاسر وغادر بعد أن أخبره أن السائق سيكون هنا بعد قليل، بينما جلس هو يصارع امواج أفكاره العاتية هل حقا اذاها بدلا من أن يحميها، هل ستكرهه بسبب ما فعل هو فقط كان يرغب في إنقاذها، أنتشله فجاءة من تلك الموجة العنيفة رائحة، رائحة يعرف صاحبها جيدا، رفع وجهها سريعا ليجد حمزة أبيه، يقف هناك عند باب الغرفة نظر له متلهفا كأنه فقط طفل صغير رأي ابيه بعد طول غياب، اقترب حمزة من أدهم يسير بخطى بطيئة، جلس على المقعد الذي جذبه جاسر قبل قليل، ينظر بعيدا بينما أدهم لا ينظر إلا له، يبتسم بتوسع، حمحم حمزة يلتف برأسه ناحيته يردف:.


- أنا متشكر جداا على مساعدتك لمايا وبعتذر على اللي حصل لرجلك، انا مستعد ادفعلك أي مبلغ تطلبه، اعتبرها تعويض او مكفاءة على اللي مساعدتك لبنتي

اختفت الابتسامة من فوق شفتي أدهم ينظر للجالس هناك بالقرب منه يكاد يبكي، كيف يقول له أباه مثل ذلك الكلام، يعرف انه غاضب منه على ما فعل ولكنه لم يتصور حتى في اسوء كوابيسه أن يقول له حمزة مثل تلك الكلمات ابتلع غصته الخانقة اشاح بوجهه بعيدا يغمغم باختناق:.


- متشكر أنا لا عايز عوض ولا عايز مكفاءة أنا كنت برد جزء من جميل قديم في رقبتي...

القي حمزة نظرة طويلة ناحية ادهم كم رغب في أن يجذبه يطوقه بين أحضانه يستعيد طفله الصغير، ولكنه لم يفعل جل ما فعل انه تحرك قام، وقف دس يديه في جيبي سرواله يغمغم في برود ظاهر تحته مرجل يغلي حزنا:

- براحتك أنا عرضت ولسه عرضي قائم، في اي عايز مكفئتك قولي، عن إذنك.


تحرك حمزة الي خارج الغرفة وقف بالقرب من الباب ليلفت برأسه ناحية ادهم نظرة طويلة تبادلها، نظرة بها من الحنين والألم والعتاب والشوق ما بها، تنهد حمزة يكبح مشاعره الابوية الثائرة ليخرج من الغرفة سريعا يغلق الباب خلفه...


اعتدلت في جلستها تهز جسده برفق تغمغم متلهفة:

- خالد، خالد اصحي يا خالد

لا استجابة أمسكت ذراعه تهزه بعنف تصرخ فزعة:

- اصحي يا خالد، خاااااالد، يا خااااااالد.


ايييييييه في اييييييه حد يصحي حد كدة: انتفض في جلسته مفزوعا حين سمعها تصرخ باسمه بتلك الطريقة وكأن كارثة قد حلت عليها، لم يكد يستوعب ما يحدث وجدها تندفع ناحيته تختبئ في صدره تشهق في بكاء عنيف جسدها يرتجف كأن كهرباء صعقتها، طوقها بذراعيه يزرعها داخل صدره يحاول تهدئتها يشعر بكفيها تتشبث بملابسه مسح على شعرها برفق يحاول تهدئتها من تلك الغريبة التي تملكتها، يهدهد قلبها الخائف:.


- مالك يا لينا ايه اللي حصل

ابتعدت عنه تتحسس وجهه بكفيها، تنساب دموعها بغزارة بلا توقف علا نشيجها تهمس من بين شهقاتها العنيفة المتتالية:

- - حرام عليك، رعبتني عليك، كنت عمالة اصحيك وأنت ما بتصحاش...

ارتسمت شبح ابتسامة صغيرة باهتة على شفتيه ليمد يده يمسح ما سقط من دموعها يغمغم ساخرا:

- ايه افتكرتي اني أنا مو...


وقبل أن يكمل ما يقول شعر بها تضع كف يدها سريعا فوق فمه تمنعه من إكمال ما يقول، حركت رأسها نفيا بعنف تردف فزعة:

-لاء ما تقولش كدة، ما تجبش سيرة الموت، أنت مش هتسبني أنت فاهم

تنهد يآسا يحرك رأسه إيجابا مد يده يزيح كف يدها برفق كتف ذراعيه امام صدره رفع حاجبه الأيسر يتمتم مستهجنا:

- ليه هو انتي مش زعلانة مني وشاكة فيا، وانا خلاص ما بقتش بحبك وبكذب وبخبي عليكي.


انهمرت دموعها إضعافا تحرك رأسها بالإيجاب هي على أتم ثقة من أنه يخفي شيئا هاما عليها رفعت كفيها تمسح دموعها، حمحمت تحاول إجلاء نبرة صوتها من تلك الغصة الباكية:

- أيوة أنا زعلانة منك وواثقة انك عامل حاجة ومخبيها عليا، ولو طلعت حاجة تأذيني يا خالد بأي شكل من الأشكال صدقني هسيبك، بس أنت افضل عايش، حتى لو بعدت عنك، أفضل بس عايش وكويس..


لا ينكر أن دقات قلبه تسارعت خوفا وهو فقط يتخيل أن لينا علمت بموضوع شهد وتركته دون رجعه، ازدرد لعابه الجاف ليوجه لها ابتسامة باهتة يمسح ما سقط من عينيها يضمها بين ذراعيه يغمغم واثقا:

- ومين قالك اني بعمل حاجة غلط او اني هسيبك تبعدي عني، دا لما تشوفي قفاكي يا قلبي

ضيقت عينيها تنظر له مغتاظة غاضبة لتكور قبضتها تصدمها على صدره بعنف تتمتم حانقة:

- بقى كدة طب يا رب تموت.


توسعت عينيها فزعا في اللحظة التالية لتصيح سريعا بهلع:

- لالالا بعد الشر عنك بعد الشر...

ضحك هو عاليا ينظر لها يلاعب حاجبيع مشاكسا يشاكسهل عبثا:

- مجنونة يا بسبوسة

علت ضحكاتها هي الأخرى لتضع رأسها على صدره بعد لحظات تطوق ظهره بذراعيها تهمس له بشغف:

- ما تخوفنيش عليك كدة تاني، أنت كل حاجة ليا في الدنيا.


صمتت للحظات لتخرج من بين شفتيها تنهيدة طويلة تعبر عن استكانة دقات قلبه المتسارعة خوفا علا ثغرها ابتسامة صغيرة تتمتم فرحة:

- تعرف لينا وزيدان شكلهم اتصالحوا

قطب جبينه متعجبا ليسمعها تكمل:

- أنا روحت اشوف لينا ما لقيتهاش في أوضتها، روحت اوضة زيدان لقيتهم نايمين في سابع نومة ما رضتش اصحيهم، يا رب يكونوا اتصالحوا.


يشك في ذلك ابنته عنيدة للغاية رأسه صلب تماما مثله لن تلين بتلك السهولة، شئ ما حدث، تغيرت ملامحه في لحظة من التعجب والتفكير إلي الغيظ والغضب حين سمعها تردف:

- تعرف بابا واحشني اوي بقالي كتير ما شوفتوش

قلب عينيه متهكما ذلك الرجل العجوز كلما كبر في العمر زاد جبروته أكثر، تذكر شجارهم الأخير بسبب أن جاسم يريد أن تسافر لينا ومعها ابنته له كل شهرين يفضوا معه عدة أيام هناك وانتهي الأمر برفضه القاطع:.


- لاء يعني لاء يا جاسم، عايز تقعد معانا هنا هشيلك على راسي إنت في مقام والدي الله يرحمه، إنما مراتي وبنتي مش هيسافروا بعيد عني ولو ساعة واحدة.


وانتهي الأمر بحل وسط من قبل زوجته أن يسافرا في الإجازات كل عام إلي والدها وأيامه في تلك الأوقات تصبح جحيما بسبب أفعال جاسم، يكفي أنه يبيت كل ليلة وحيدا لأن جاسم لا يرغب في ترك ابنته، تنهد يزفر أنفاسه الغاضبة المشتعلة يكاد يتميز من الغيظ، كلما يتذكر ما يحدث له بسبب جاسم في كل زيارة...


تنهدت متعبة اخيرااا عادت للمنزل بصحبة والدتها بعد أن أصرت الأخيرة اصرار قاطعا لا يقبل النقاش إن يذهبا إلي طبيب عظام آخر وبالفعل أوصلهم السائق، إلي عيادة طبيب عظام متخصص في مجاله واجري لسارة نفس الفحوصات التي اجراها حسام تقريبا، وارته تالا صورة الأشعة وتقرير حسام عن الحالة وما كتبه من أدوية فما كان من الطبيب إلا أنه قطب جبينه متعجبا ينظر للسيدة الواقفة أمامه:.


- معلش يعني هو حضرتك بتكشفي تاني ليه، الأشعة والتقرير والعلاج اللي مع حضرتك مظبوطين مية في المية وأنا ما اقدرش اغيرلك نوع علاج واحد من اللي مكتوب...

والدتها كادت تتميز من الغيظ، حين علمت أن تقارير حسام كلها سليمة واخيرا عادا إلي البيت هرع عمر إليهم يسألهم فزعا:

- كل دا يا تالا وسارة مالها دراعها ملفوف ليه أنا اتصلت بيكوا بدل المرة ألف كان ناقص انزل ادور عليكوا في الشوارع، كنتوا فين.


سردت سارة بإيجاز ما حدث لينظر عمر لذراع سارة الذي يلتف حوله الضمادات، اطمأن على ابنته وتركها تتجه الي غرفتها حيث توجد شقيقتها، اقترب هو من تالا التي تجلس على أحد المقاعد تسمك أصابع قدميها المنتفخة من إثر ذلك الحذاء ذو الكعب العالي، ابتسم هو يقترب من زوجته اخرج من جيبه قماشة سوداء رفيعة ليتحرك وقف خلفها يعصب عينيها فجاءة بقطعة القماش، لتشهق هي متفاجئة مما فعل، مال هو ناحية اذنيها يهمس لها بشغف:.


- ما تخافيش، قومي معايا

ابتلعت لعابها مرتبكة، تري ماذا فعل هي حقا لن تتقبل منه أي شئ مهما كان تنهدت حائرة لتتحرك معه الي الداخل يمسك يديها بجذبها برفق دفع باب الغرفة ليتوجها معا الي الداخل يوصد الباب عليهما، ابتعد عنها يقف في منتصف الغرفة يهمس لها:

- فتحي عينيكِ.


ازاحت ما فوق عينيها، تفتح مقلتيها تنظر للغرفة حولها ورود وبالونات مختلفة الالوان تغطي الأرض شموع في كل مكان مشهد تقليدي رومانسي يأتي كثيرا، ولكن المختلف شاشة التلفاز المضاءة على فيلم يبدو أنه وقف عند لقطة معينة، وقبل أن تسأله بادر هو حين اقترب يأخذ جهاز التحكم من فوق الطاولة الصغيرة ضغط على أحد الأزرار ليبدأ الفيلم في العمل من جديد فيلم مختلف من نوعه، حديث الطراز، رأت تلك السيدة التي رأتها معه في ذلك المقطع القصير، تجلس أرضا في غرفة شبه مظلمة يديها وقدميها مقيدتان بحبال سميكة تنساب دموعها ذعرا، ليصدح صوت رجل ما يهدر بصوت حاد عالي كالرعد:.


- ما تنطقي يا بت

حركت رأسها إيجابا عدة مرات سريعة متتالية ترتجف ذعرا، تردف بنبرة كارهة حاقدة رغم ما بها من ذعر:

- هقول والله هقول اللي حصل، نظرت ناحية شاشة الكاميرا تردف متلعثمة من الذعر:.


- تالا انتي مش فكراني بس، أنا عارفة أنك اكيد مش هتفتكريني أنا نادرين، كنت معاكي في نفس الكلية على فكرة، كنت بكرهك اوي يا تالا حب المعيدين والدكاترة الدفعة كلها كانت بتحبك وتحترمك وأنا كنت بكرهك وبغير منك، حتى عمر دنجوان الجامعة حبك واتجوزك، عدت سنين وأنا كرهي ليكي بيزيد ما بيقلش، وكانت فرصتي لما عرفت اني هشتغل وسيط بين شركة السياحة وشركة جوزك، كنتي طالبة ممتازة وناجحة بس زوجة فاشلة يا تالا، عمر كان محتاج يحس أنه ما لا كبر ولا عجز محتاج يجدد شبابه اللي بتحاولي تقتليه انتي اللي بعديته بايدك وما كنش ينفع اسيب الفرصة دي تضيع من ايدي، يوم ما جالي البيت وشرب وسكر وما بقاش شايف قدامه، قولت خلاص هحقق انتقامي منك كااااامل، بس هو ما قربليش مجرد ما دخلنا الأوضة وخدني في حضنه فجاءة لقيته عمال يبكي زي الطفل الصغير، بيكلمك ويعاتبك انك بعدتيه عنك وعن البنات وأنه لسه بيحبك كنت هتجنن من الغيظ فحاولت أمثل قدام الكاميرا انه فايق، وبيخونك، أنا بكرهك يا تالا ولسه لحد بكرهك وهفضل أكرهك، أنا ما بقولش كدة عشان ابرئ عمر بيه بتاعك، بس في مسدس 9 ملي قدام دماغي، وفي حقنة غريبة ادهولي الكلام بيخرج من لساني غصب عني، أنا حقيقي بكرهك يا تالا وبتمني ليكي الموت.


وانتهي مقطع الفيديو عند ذلك الحد وهي تقف متجمدة عينيها متسعة بشكل مخيف تكاد تسقط خارج وجهها، دقات قلبها تتصارع بشكل بشع، ناردين تذكرتها زميلة الدراسة، ناردين صديقتها قديما هي من فعلت بها ذلك، لما كل ذلك الكره ماذا فعلت هي لتكرهها لتلك الدرجة، لتحاول هدم بيتها، اجفلت من شرودها الحزين على جملة عمر:

- أنا غلطت وغلطت جامد اوووي ما بنفيش الغلط عني، بس فوقت يا تالا، صدقيني أنا بحبك، وما خنتكيش.


ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها لتجلس على حافة الفراش تخلع حجاب رأسها تلقيه بعيدا تشبك أصابعها في خصلات شعرها تتمتم متهكمة:

- ما خونتيش بجسمك بس خونتي بمشاعرك، روحت بمشاعرك ليها، فكرت فيها، حبيتها، دي خيانة بردوا يا عمر

اقترب منها يجلس على ركبتيه امام الفراش يمسك ذراعيها يضغط عليهما برفق يصيح متألما:.


- كنتي عيزاني اعمل ايه وأنا حاسس اني مكروه منبوذ منك دا حتى البنات، علاقتي بيهم كانت ضعيفة جدااا، سنين وأنا عايش حاسس اني غريب في بيتي...

توسعت ابتسامتها الساخرة تنفض يديه بعيدا عن ذراعيها قامت تقف بعيدا عنه عقدت ذراعيها أمام صدرها تتشدق ساخرة:

- يعني أنا السبب أنا اللي خليتك تخوني عشان ما كنتش عايزة اشيلك مسؤوليات زيادة واقول كفاية عليه تعب الشغل وبلاش اشغله بمشاكل البيت التافهة.


وقف أمامها مباشرة يردف منفعلا:

- مشاكل البيت التفاهة دي هي اللي بتخلي للحياة طعم، سارة خربشت سارين، سارة وسارين نحجوا، شوف جبنا لبس ايه، تيجي معانا واحنا بنشتري هدوم للبنات، جمل كان نفسي اسمعها، نفسي احس اني عايش وسطكوا، انما أنا كنت مهمش، تالا أنا كنت بتوتر لو حضنت من البنات من كتر ما انتي بعداهم عني...

وبدأ الصياح يعلو في الغرفة من كلا الطرفين.


- أنا مش غلطانة أنا بس ما كنتش عايزة ازعجك، كنت بقول لنفسي دايما اني اقدر أشيل المسؤولية لوحدي

- وأنا ما طلبتش منك تشيليها لوحدك كام مرة عرضت عليكي وكنتي بتردي عليا بجملة واحدة ( وأنت هتفهم ايه يا عمر في تربية البنات خليك يا حبيبي في شغلك )

- يعني برضوا بتجيب الغلط عليا، أنت مش شايف نفسك غلطان خالص، وأنت من امتي شوفت نفسك غلطان أساسا.


- أنا ما قولتش اني مش غلطان بس انتي بردوا مشاركني في جزء كبير من الغلط دا فما تجيش اللوم في الآخر كله عليا، تالا مع كل اهمالك ليا عشان خاطر البنات كنت بتتعاملي مع البنات بمنتهي الرسمية كل اللي يفرق معاكي أنهم يبقوا متفوقين فئ الدراسة والتدريبات وبس، واديكي شوفتي اللي حصل لسارة وسارين بسببنا.


- بردوا بترمي الغلط عليا على الأقل أنا فوقت واشتريت بناتي مش البيه اللي باع عشرة سنين في لحظة نطقها أنتي طالق يا تالا

- وأنا ما بقولش اني مش غلطان، أنا لما بعدت فوقت وعرفت قد ايه كنت غلطان وحاولت أصلح عشان الحياة ترجع ليه مش عايزة تديني فرصة، فرصة يا تالا، صدقيني الفيديو دا قديم واديكي سمعتي ما حصلش بينا حاجة، خلينا نرمي كل اللي فات بقى يا تالا ونفتح صفحة جديدة...


انتهت أصوات الصياح من الغرفة وبقيت أصوات انفاسهم العالية تالا تقف عند الباب وعمر يقف عند الفراش، ينظر لها راجيا أن تسامح وتمضي معه وهي تنظر له نظرات طويلة بها من القهر والألم ما بها، مدت يدها تفتح باب الغرفة لتخرج من الغرفة اتجهت الي الغرفة الاخري، تغلقها عليها من الداخل ليتهاوي هو جالسا على الفراش يخفي وجهه بين كفيه يتمني فقط لو يعود الزمن للوراء.


مرت عدة أيام أحوالها متشابهة على الجميع، عداها هي كانت تجلس في غرفتها اعلي فراشها تمسك بورقة صغيرة في يدها كتب عليها جملة واحدة ( فكري كويس ).


تلك الورقة وجدتها في يدها حين استيقظت من قيلولتها الطويلة على فراشه بحثت عنه لتعرف من والدتها أنه أصر على المغادرة، تركها تفكر أي طريق تختار، تعود او ترحل وتتخلي عن طفلها، احتضنت بطنها بذراعيها تحرك رأسها نفيا لن تترك له طفلها ابداا، تنهدت تخرج من بحر افكارها على صوت رنين هاتفها برقم معاذ تجاهلته كثيرا في الأيام الماضية ولكنها تشعر بحاجة ملحة للتحدث مع اي من كان، ربما زيدان محق وهي تحتاج لعلاج نفسي، ابتسمت ساخرة تلتقط هاتفها فتحت الخط وقبل أن تنقط بحرف سمعته يبادر قلقا:.


- ايه يا لينا بقالي كذا يوم بتصل بيكي وما بترديش وروحت ليكي الكلية ما بتبجيش انتي كويسة طمنيني عليكي

شردت تبتسم ساخرة وجملته تتردد في أذنيها بوقع سريع مخيف ( انتي ما حبتيش معاذ يا لينا )، زفرت انفاسها الثائرة غضبا مما قال لتحادث ذلك المنتظر على الخطط دون كلل:

- أنا كويسة يا معاذ، الحمل تاعبني بس شوية ومعظم المحاضرات اون لاين وكمان فرح بنت عمي بكرة عندنا في الفيلا فمالهاش لازمة اني انزل دلوقتي.


سمعته يضحك بخفة ليردف مشاكسا:

- ايه دا فرح أنا نقطي ضعفي الأفراح، اسمحيلي بقى أنا عازم نفسي عندكوا بكرة عشان البوفية اولا وعشان اشوف عشان حقيقي وحشتيني ثاني...

ظلت هي صامتة للحظات عينيها متوسعين مدهوشة مما يقول مجئ معاذ قد يستفز والدها وفي الاغلب سيفعل، أرادت أن ثنيه عن المجئ ولكن قبل أن تنطق بحرف سمعته يغمغم بمرح:

- أنا عارف اني ضيف شرف يا بنتي من غير ما تقولي، هشوفك بكرة بقى، سلام يا لوليا.


قالها ليغلق الخط، جلست هي صامتة بضع لحظات لتقطب جبينها متعجبة تتسأل مع نفسها كيف علم معاذ بذلك الاسم؟!


في الحارة عند جدة أدهم، ينتصف أدهم جالسا على فراشه يمد ساقه المكدومة بينما جدته تجلس جواره تطعمه الي أن انتفخت معدته ليهمس مستاءا:

- كفاية يا جدتي بطني هتنفجر

اقتطعت قطع لحم من الدجاجة الكبيرة امامها تدسها في فمه رغما عنه تردف بصرامة:

- مش عايزة اسمع صوتك تاكل وانت ساكت مش كفاية متعور ومش قادر تدوس على رجلك.


أصله عيل خرع أنا كنت عارف انه مش هيكمل يومين في شغلانة، : تشدق بها مراد ساخرا وهو يدخل من باب الغرفة ليرميه أدهم بنظرة نارية حانقة، رفعت منيرة وجهها تنظر لمراد تردف ساخرة:

- وأنت لابس كدة ورايح فين في انصاص الليالي يا ابن وحيد

نظر مراد لجدته ساخرا ليتوجه لباب الغرفة يردف متهكما قبل أن يغادر:

- خليكي في حالك يا منيرة، زغطي انتي في ننوس عينك.


اشتعلت أنفاس أدهم غضبا بينما قامت منيرة من جوار ادهم تلف شالها الصوف حول شعرها تتمتم سريعا:

- أدهم أنا نسيت حاجة في المحل هنزل اجيبها بسرعة وجاية

وقبل أن تعطيه فرصة حتى للرد، كانت قد غادرت الغرفة، ليضرب هو كف فوق آخر حقا لا يفهم ما يحدث.


دقات عالية متتالية على باب منزله، دقات جعلته يتوعد للطارق بأنه سيدق عنقه ما أن يراه، فتح باب المنزل بعنف قسمات وجهه تصرخ غضبا لتتوسع عينيه على آخرهما حين رأي ذلك الرجل جاسم يقف امامه ينظر له بتلك النظرة الماكرة التي يكرهها، اجفل على صوت صيحة سعيدة تأتي من خلفه لتندفع لينا تعانق والدها ليضمها جاسم إليه يربت على رأسها برفق:.


- وحشتيني يا حبيبتي، وحشتيني أوي، حاجات كتير حصلت في غيابي وأنا جاي اشوف خالد باشا كان بيعمل ايه!


نركز بقى الأيام الجاية منحدر حاد، برجاء ربط الأحزمة ممنوع القراءة لأصحاب القلوب الضعيفة ومحبي خالد السويسي.


الرواية طويلة ولسه في أحداث كتير، واحترامي الكامل للجميع، حضرتك لو مش عاجباك الرواية حقك الكامل اصل دي اذواق، بس بلاش نشتم أنا بحترم حضرتكوا لأبعد حد، قسما بالله أنا أوقات ما ببقي قادرة ابص حتى على شاشة الموبايل، بشوف تعليقات بتخليني اقول يا ريتني ما ضيعت وقتي فئ كتابة الفصل، بقيت بكتب الفصل رغما عني عشان بس المتابعين... تبع 

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل السابع والستون


جلس على الأريكة المجاورة لهم، يكاد وجهه ينفجر من الغيظ، يكور قبضته يشد عليها، يصور له خياله مشهد سعيد للغاية وهو يلكم جاسم في وجهه توسعت ابتسامته يتخيل المشهد مرارا وتكرارا، ولكنه في النهاية يبقي خيال والواقع أن جاسم ذلك العجوز المتسلط يجلس على الاريكة المجاورة يحتضن زوجته يتحدثان يضحكان وهو يجلس كقطعة ديكور قديمة لا فائدة منها فقط يراقب وهو يغلي غضبا، ذلك العجوز الماكر كم يكره، مد يده يلتقط هاتفه يبعث برسالة نصية الي رقم زيدان كتب فيها.


( زيدان تعالي هنا حالا قبل ما ارتكب جريمة واقتل الراجل اللي قاعد ادامي دا )

لحظات وبعث له زيدان وجه يضحك وبعدها رسالة

( هو جدي جاسم جه ولا ايه )

امتعضت ملامح خالد غيظا يشتم زيدان في نفسه ليبعث له

( اخلص عشان أنا على اخري، خمس دقايق والاقيك قدامي )

رفع وجهه عن الهاتف ينظر لجاسم نظرات حانقة قاتلة حين هتف الأخير ساخرا:

- ايه يا أبو الخلد، مركز مع مين كدا، اوعي تكون بتكلم بنات.


ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي خالد ينظر لجاسم نظرات متهكمة سخيفة ليتشدق ساخرا:

- اه طبعا بكلم بنات على الفيس اللي الباسورد بتاعه مع بنتك

لم تتغير نظرات جاسم الماكرة فقط لف ذراعه حول كتف ابنته واتسعت ابتسامته الخبيثة ليردف بعدها متهكما:

- ومين عارف مش يمكن تكون عامل إيميل تاني وعايش حياتك، ما أنت ما تتضمنش.


توسعت عيني لينا في دهشة إثر كلمات والدها هي تعرف أن خالد لا يفعل ذلك ابداا، وتعرف ايضا أنه سيغضب للغاية على ما قال، نظرت ناحية خالد متوترة لتري ابتسامته تزداد اتساعا

ابتسامة باردة صفراء تخفي خلفها غضب تراه جيدا، لتسمعه يضحك ضحكة ساخرة صفراء:

- إنت أدري يا جاسم، ما الحرامي بيبقي فاكر الناس كلهم حرامية

نظرت لينا لخالد غاضبة من لسانه السليط، بينما تعالت ضحكات جاسم:.


- ومين يعرف يغلبك في الكلام يا جوز بنتي، دا أنت كلامنجي قديم

صوت المفتاح وضع في الباب، انفتح الباب ليدخل زيدان يتمتم مبتسما:

- حمد لله على سلامتك يا جدي

اقترب زيدان منهم ليتحرك جاسم من جوار ابنته قام واقفا يعانق زيدان يربت على ظهره برفق يقول مبتسما:

- اهلا اهلا بالغالي واحشني والله يا زيدان

باحترام مد زيدان يده امسك كف جاسم يقبل يده ليربت جاسم على رأسه يردف متفاخرا:.


- تعرف يا زيدان، أنت أحسن واحد في العيلة بنت المجانين دي...

نظر لخالد في غيظ يردف ساخرا:

- فيك بس عيب واحد، إنه خالك وأنت شارب منه

أحمر وجه خالد غضبا ليهب واقفا فجاءة يقترب من جاسم ليقف زيدان حائلا بينهما ليصيح خالد غاضبا:

- وماله خاله يا جاسم، أنت تغيب تغيب وجاي تعمل الحفلة عليا.


قديما ربما كان جاسم سيغضب وربما ينفجر في خالد ولكن الآن لاء، كبر كثيرا لدرجة أن اعصابه لم تعد تثار بسهولة ابدااا، عاد يجلس جوار ابنته يضع ساقا فوق اخري يتشدق ساخرا:

- هو مش أنت اللي قايلي، عايز تقعد معانا هنا هشيلك على راسي إنت في مقام والدي الله يرحمه، ولا أنت بتاع كلام وبس، كلامنجي زي ما قولت.


تهدجت أنفاس خالد غضبا ليته لم يقل تلك الكلمات، انسحبت لينا سريعا تحضر المشروبات، وجلس هو وجاسم وزيدان معا في غرفة واحدة، نظر جاسم حوله يردف متعجبا:

- اومال لينا الصغيرة فين مش شايفها

نايمة تعبانة أصلها حامل، نطقها خالد بغيظ من بين أسنانه ينظر لجاسم حانقا، ليمد الأخير يده يربت على كتف زيدان يقول مبتسما:

- مبروك يا زيدان

رد له زيدان الإبتسامة يحرك رأسه إيجابا بخفة ابتسم، ابتسامة باهتة يردف بخفوت:.


- الله يبارك فيك يا جدي اومال غيث فين صحيح

عاد جاسم بظهره إلي ظهر الأريكة يجلس مسترخيا للغاية ينظر لخالد يغظيه بنظراته الساخرة، يحادث زيدان مبتسما:

- غيث راح يشوف والده ووالدته وهيجي بكرة بإذن الله، الا قولي يا خالد، هي لينا وافقت على الجواز ازاي، يعني آخر مرة كنت هنا كان في مشاكل جامدة بينها وبينك يا زيدان.


ضحك خالد ساخرا يشد على قبضته، كم يرغب في تحطيم وجه جاسم في تلك اللحظة تحديدا، رسم ابتسامة باردة على شفتيه يقول باستفزاز:

- غيرت رأيها، حبته فجاءة، أنا عارف أنت بترمي على ايه يا جاسم، مش أنا اللي اجوز بنتي غصب عنها

لم تتغير ابتسامة جاسم فقط رفع حاجبيه مستهجنا ما يقول ليستفزه بقوله:

- متوقعها منك، ما أنت اتجوزت أمها غصب عنها.


عند ذلك الحد لم يستطع خالد تمالك أعصابه أكثر هب واقفا لتقف معه عروقه النافرة تصرخ معه حين هدوء صوته عالي كالرعد:

- لمها يا جاسم، أم مين اللي اتجوزتها غصب عنها، بلاش تفتح في القديم، عشان دفترك اول دفتر هيتفتح، حاسب أحسن أجنحتك هتخبط في وشي...

اندفعت لينا تضع صينية الأكواب بعنف على الطاولة أمامها تصيح فيهم بنزق:.


- وبعدين معاكوا بقى ما فيش مرة تتقابلوا الا لما تقلب خناقة، في ايه يا خالد اهدي مش كدة إنت بتزعق لبابا، بابا خالد ما جوزش لينا غصب عنها هي اللي اختارت زيدان بإرادتها، وزيدان قدامك أهو يشهد.


نظر خالد وجاسم كل منهما للآخر نظرات حانقة غاضبة ليلتفت الجميع على حركة خفيفة تأتي من ناحية السلم، نظروا جميعا ليجدوا لينا تنزل بهدوء، تعلقت عيني زيدان بها تحديدا ببطنها التي لم تنتقخ بعد ليبلع لعابه مرتبكا خائفا وذلك الحلم يمر أمامه سريعا، ارتسمت ابتسامة خلابة على شفتيها جعلت قلبه يبتسم دقاته تنفجر ومقاومته تضعف، اشاح بوجهه بعيدا هو لم يكن يرغب في القدوم أراد تركها لتحسم أمرها نهائيا، ولكن لأجل خاله فقط هو هنا، اقتربت لينا منهم لتتسارع دقات قلبه كل خطوة تخطوها تجاهه تفجر دقاته، كشاب مراهق يرى محبوبته خلسة، جلست لينا جوار جاسم، ليمسح جاسم على شعرها برفق يضمها لصدره يغمغم مبتسما:.


- وحشتيني يا حبيبة جدو، ايه يا بنتي الحلاوة دي هي الحوامل بيبقوا حلوين اوي كدة

ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها، تختلس النظر لزيدان الجالس جواره جدها من الناحية الأخري، لاحظ جاسم تلك النظرات المختلسة بينهما ليتمتم مبتسما:

- انتوا متخانقين ولا ايه، دا انتوا مالحقتوش تتجوزوا عشان تتخانقوا

زاغت عينيها لم تعرف بما تجيب، ليتولي هو مهمة الرد بلباقة بدلا عنها:.


- ابدأ، لينا بس الحمل تاعبها ومش مستحملة ريحتي اليومين دول، فقولت أبعد عنها عشان ما تتعبش أكتر

تبدلت إبتسامة جاسم بأخري رزينة خبيرة يحرك رأسه إيجابا يتمتم متهكما:

- هو رد منطقي ويُعقل بس أنت كداب، اتعملت الكدب من خالك يا زيزو

زفر خالد حانقا ينظر لجاسم بأعين حمراء كالجمر، تكاد تخرج منها النيران تحرقه حيا، قام جاسر واقفا ينظر لخالد متحديا يبتسم في توسع:.


- على العموم أنا هعرف كل حاجة، لينا بنتي حبيبتي وحشتني هتنام جنبي، يلا يا حبيبتي.


شد خالد على أسنانه غاضبا مغتاظا يقبض على رسغ لينا الجالسة جواره يطالعها بنظرات حانقة يحذرها من التحرك، لتبادله نظرات ناعسة تترجاه أن يترك يدها، مرة وأخري سحبت يدها من يده بنعومة توجهت ناحية والدها ليعقد يدها في يده، يبتسم متشفيا، تحرك جاسم بصحبة لينا الي أعلي ليهب خالد واقفا نظر لابنته وزيدان غاضبا يصيح يخرج غيظه فيهم:

- ما تطلعوا تناموا انتوا صاحيين ليه، دي عيشة تقصر العمر.


قالها ليصعد الي أعلي بخطوات حانقة تكاد تحترق الأرض تحت قدميه من الغيظ، ابتسمت لينا يآسه من أفعال والدها، لتسمع صوت ضحكة خفيفة تأتي منه، اختلست نظرة سريعة له لتصدم عينيها بمقلتيه، حمحمت مرتبكة لتتحرك من مكانها سريعا، تأخذ طريقها الي أعلي، من تلبكها تعثرت في طرف البساط المفترش ارضا شهقت حين كادت تسقط أرضا، لتشعر بيده تطوقها سريعا انتشلها قبل أن تسقط أرضا، التحمت مقلتيها بعينيه تتنفس بعنف تستند بكفيها على صدره تشعر بدقات قلبه تتصارع أسفل كفها، اسبلت اهدابها متوترة، لحظات قليلة قبل أن تعي ما يحدث لتنسل من بين ذراعيه وهو فقط تركها، تصعد الي أعلي بخطى سريعة مرتبكة، دقات تتصارع خوفا و، ، لترتسم ابتسامة باهتة على شفتيه، يأخذ طريقه الي غرفته مباشرة...


توجه خالد الي غرفته مد يده يحاول فتح المقبض ليقطب جبينه غاضبا لما الباب مغلق حاول مرة وأخري بعنف حتى كاد ينكسر المقبض في يده، لحظات وسمع المفتاح يتحرك من الداخل وانفتح الباب ليظهر جاسم على وجهه ابتسامة سخيفة باردة:

- نعم، خير يا جوز بنتي، بترزع في الباب ليه، مش عارف أنام

دي أوضتي أنا، صاح بها خالد منفعلا عروق رقبته نفسها على وشك أن تخرج وتلكم جاسر

، بينما عقد الأخير ذراعيه أمام صدره يتمتم ساخرا:.


- واوضة بنتي برضوا، عن إذنك بقى عشان عايزين ننام.


وقبل أن يعي خالد ما يحدث كان باب الغرفة يصفع في وجهه توسعت عينيها في دهشة ينظر لباب الغرفة المغلق، يشد على قبضة يده لو لم يكن الرجل في عمر والده لكان اذاقه العذاب كأسا، بخطى حانقة توجه ناحية غرفة أخيه فتحها دون سابق إنذار ليجد حمزة يجلس جوار الشرفة يتطلع الي الحديقة، دخل خالد الي الغرفة يصفع الباب خلفه ليرتمي على فراش أخيه يتميز من الغيظ، جسده يغلي غضبا، نظر بطرف عينيه ناحية أخيه ليراه يمسح وجهه كأنه كان يبكي ومسح دموعخ سريعا حتى لا يراها وتأكد من ذلك حين التف حمزة له ورأي عينيه الحمراء، ليقطب جبينه يسأله متعجبا:.


- أنت كنت بتعيط ولا إيه

رسم حمزة ابتسامة باهتة على شفتيه يحرك رأسه نفيا بخفة حمحم يجلي نبرة صوته من تلك الغصة الباكية المختنقة:

- لا ابدا ما كنتش بعيط ولا حاجة، إنت مالك شكلك على اخرك، جاسم مش كدة

قام من مكانه بخفة توجه يجذب مقعد ليجلس امام أخيه يقطب جبينه قلقا عليه يسأله متلهفا:

- سيبك من جاسم دلوقتي، مالك كنت بتعيط ليه وما تقوليش ما كنتش بعيط.


نظر حمزة لخالد من خلف ستار أبيض شفاف يغشي حدقتيه شيئا فشئ بدأ يزداد الي أن انهمر يغرق وجهه ارتمي بجسده بين أحضان أخيه يبكي وتتعالي شهقاته:

- أدهم يا خالد، أدهم أنا اذيته اوي قولتله كلام صعب، صعب أوي، مش ناسي بصته ليا، كان عايز يعيط، ابني وأنا عارفه...


تنهد خالد حزينا على حال أخيه صحيح أنه يود صفعه على وجهه لأنه يرغب في الزواج من بدور ولكنه الآن حزينا على حاله، يعرف أن حمزة كان مرتبط بأدهم بقيد لن ينكسر بتلك السهولة ربت على كتفه يسأله قلقا:

- ايه اللي حصل يا ابني احكيلي

تنهد حمزة حزينا يزفر أنفاسه البائسة، ليمسح ما سقط من دموعه بعنف قاسي، خرج صوته حزينا متألما يتمزق:.


- جاسر مهران اتصل بيا وقالي أن مايا محبوسة في الأسانسير جريت جري، مايا عندها فوبيا من ساعة ما اتحسبت في الأسانسير وهي صغيرة، لما روحت قلبي وقف من الخوف، لما عرفت ان أدهم متشعلق بين السما والأرض عشان يوصلها كنت خايف عليها ومرعوب عليه، لما الأسانسير فتح جريت خدت مايا في حضني وعينيا بتحضنه هو كمان بتطمن عليه، كنت هموت واجري عليه لما لقيت رجله بتنزف بشكل بشع، بس ما قدرتش يا خالد، لما جابلوا الدكتور، دخلت كلامه بشكل سخيف عرضت عليه فلوس تمن مساعدته لمايا وتعويض عن اللي حصل لرجله، لو تشوف بصته لما سمع كلامي كان بيعتذر وبيلومني على جرحي ليه بكلامي، انا خايف عليه اوي يا خالد، خايف يكون حصله حاجة وأنا مش حمل يحصله حاجة.


لم يكن يدري أنه يبكي الا حين رأي قطرات الدموع تسقط على كفيه ليرفع يده سريعا يسمح دموعه، بينما ابتسم خالد يآسا كل فرد من هذه العائلة به ما يكفي من المشاكل ويزيد، ابتسم يحادث أخيه برفق:

- روح شوفه يا حمزة، هو على الأقل أنقذ مايا وواجبك أنك تروح تشكره بشكل أحسن من كدة، خد معاك 2 كيلو برتقال وروح زوره.


خرجت ضحكة حزينة من بين شفتي حمزة، يفكر في كلمات أخيه، يزوره ولما لا، زيارة سريعة لن تضر في شئ، يطفئ بها قلقه على حال ابنه، عاد ينظر لأخيه يحرك رأسه إيجابا يتمتم مبتسما:

- قولي بقى جاسم عمل ايه، الراجل دا مش سهل خد بالك كويس

زفر خالد حانقا ليتوجه الي فراش أخيه يلقي بثقله عليه، تسطح يعقد ذراعيه خلف رأسه يتمتم حانقا:.


- يا رب يمشي بكرة دا راجل سم، طول ما هو هنا بيبقي واقفلي زي اللقمة في الزور، أنا ما بعرفش اتكلم مع لينا كلمتين على بعض وبليل يقولك بنتي وحشاني عشان ما يخليهاش تنام جنبي، يا أما نفسي اولع فيه

خرجت ضحكات حمزة العالية من غيظ أخيه من أفعال جاسم، قام من مكانه يتسطح جوار أخيه يعقد ذراعيه خلف رأسه هو الآخر يتمتم مبتسما بسخرية:.


- الايام دي غريبة اوي يا خالد، بتعدي بسرعة البرق، مين يصدق أن أنا زمان كنت عايز اقتلك

ضحك خالد متهكما ينظر لأخيه باشمئزاز:

- عشان أنت تربية زبالة، ولحد دلوقتي ما اتغيرتش وعايز تتجوز بدور اللي قد بنتك

نظر حمزة له بطرف عينيه مستهجنا يطالعه بنظرات ساخرة بضع لحظات ليرد متهكما:

- دي ناقرة ودي ناقرة يا أبو الخلد، أنا وبدور متفاهمين جدا وعارفين احنا بنعمل ايه، بدور مش طفلة يا خالد...


زفر خالد حانقا ها هو متحذلق آخر سيصيبه بجلطة، دفعه في كتفه بعنف يوليه ظهره يتمتم غاضبا:

- طب اتخمد بقى وبطل رغي عيلة تعل كاتكوا الارف كلكوا.


على صعيد قريب في غرفة لينا أبنه خالد كانت تجلس على فراشها مشهد مكرر يحدث كثيرا تفكر، ترغب حقا في إعطائه تلك الفرصة لتنتهي من ذلك الصراع للأبد، شعرت بالاختناق لتتوجه ناحية شرفتها وقفت امام تيار الهواء تفتح ذراعيها تمدهما جوارها، اغمضت عينيها تتنفس بعنف تصطدم دفعات الهواء بها كأنها تؤازرها تشاركها حيرتها، فتحت عينيها بعد قليل، لتلتفت برأسها ناحية شرفة غرفته المجاورة، كانت تظنه نائم لم تكن تتوقع أنه يقف هناك يستند بجسده على سور الشرفة رأسه متلف ناحيتها يضع التبغ بين شفتيه يسحقه بعنف، ابتلعت لعابها لتتضارب دقات قلبها، هي تعرف أن الحمل يغير في الهرمونات، يجعل الكثيرات يطلبن الكثير من الطلبات الغريبة، وطلبها هي كان اغربهم، ترغب بشدة في أن تنفس سيجار تبغ، لم تنفر من رائحتها، بل إرادتها، أرادت أن تجربها، زفرت أنفاسها الثائرة تنظر لتلك الشعلة الصغيرة التي تضئ مقدمة السيجار نظرات متلهفة ترغب فيها، بينما رفع هو حاجبه الأيسر متعجبا وهو يرى نظراته مسلطة على شفتيه!، ليذهب عقله لفكرة أخري تماما، ابتسم ساخرا على افكاره المراهقة، رغم الألم الذي يزال يطحن عظامه يحثه للعودة لفراشه، ولكن رؤيتها كانت المسكن الوحيد له هنا، قالت جملة بصوت خفيض، رغم خفوت نبرتها الا أن أذنيه التقطتها كردار حساس يلتقط منها أدق الهمسات، قالت مرتبكة:.


- أنا بتوحم

للحظات نسي كل ما بينهما من خلاف وشجار وعلا ثغره ابتسامة سعيدة متلهفة أبعد التبغ عن شفتيه يمسكه بين اصبعيه السبابة والوسطي ليردف بعدها سريعا:

- بتتوحمي على ايه وأنا اجيبهولك دلوقتي حالا

توترت قمساتها ليقطب جبينه متعجبا لما توترت لتلك الدرجة لاحظ أن عينيها مرتكزين على أصابع يده اليسري تحديدا على السيجارة في يده، لتتسع عينيه مندهشا مما يرى، هدر فجاءة مذهولا:.


- لاء ما تقوليليش، بتتوحمي على سجاير، ليه حامل في هجام

اخفض رأسها أرضا تحركها إيجابا ليزفر حانقا القي تلك اللعينة التي في يده ارضا يدهسها بحذائه، يشد على أسنانه مغتاظا لما لا تطلب طلب غريب كاللتي تطلبه جميع السيدات، لما السجائر تحديدا!

زفر أنفاسه الحانقة ليمد يده في جيب سرواله يلتقط هاتفه سريعا كان يطلب رقم حسام، لحظات واتاه الرد من صديقه ليبارد هو قائلا بنزق:.


- بقولك يا حسام من غير رغي، اختك بتتوحم على سجاير، اعمل إيه أنا بقى اجيبلها حشيش افيد لشعر البيبي

تعالت ضحكات حسام المتشفية، كم وجدها فرصة ذهبية ليضايق صديقه ليتشدق ساخرا:

- ما هو ابن زيدان عايزاها تتوحم على ايه يعني، ميكس فراولة باللبن، اوعي تشربها سجاير ياض، شممها الريحة من بعيد، والأفضل تجيب السجاير الطبية اللي هي بالأعشاب دي وبردوا تشممها الريحة بس، اوعي تخليها تشرب سجاير يا زيدان.


دون حتى أن يشكره أغلق الخط في وجهه، ينظر للينا يآسا سجائر نفذ كل الخيارات أمام ابنه الأحمق ليرغي في السجائر، التفت يريد المغادرة ليقول قبلا:

- حسام بيقول ما ينفعش تشربي سجاير، وانك بس تشمي الريحة من بعيد واعتقد أنك شميتي بما فيه الكفاية النهاردة، تصبحي على خير

ودون كلمة أخري استدار وغادر، بينما هي لوضعها تغمض عينيها تفكر والهواء يصفع جسدها وهو يراقب من داخل الغرفة دون كلل أو ملل.


على صعيد بعيد للغاية في أسيوط تحديدا في منزل رشيد الشريف، في غرفة شاهيناز

تجلس على فراشها الواسع الوثير جوارها طبق كبير به الكثير من الفاكهة بعثته شروق لها، التقطت تفاحة حمراء اللون تقطم منها بغيظ شديد، تكاد تنفجر غضبا منذ أن سافر مراد وحياتها لا تتعدي خارج أسوار تلك الغرفة، جاسر لا يراها من الأساس...

Flash back.


التقت به في حديقة المنزل الخلفية بعيدا عن الأعين خوفا من أن يراهم أحد، اقترب منها يعقد ذراعيه أمام صدره يهمس بصوت خفيض ساخر:

- كنت فاكر أنك أنصح من كدة يا شاهيناز، واضح أن القعدة والبط والحمام عجبوكي، انا ما ينفعش اقعد اكتر من كدة، جاسر وش هيشك فيا، أنا مسافر ومش رايح إسكندرية، جاسر مقعدني ضيف شرف في المطعم ماليش لازمة هناك، أنا رايح مش هرجع غير لما تقوليلي أنك مضتيه على الورق...


زفرت أنفاسها الحانقة ستفعل أي شئ فقط لتحصل على أموال جاسر الذي بات يعاملها وكأنها أقل من جرد حقير لا قيمة له لوت شفتيها تتمتم ساخرة:

- طب والكتكوت الصغير، صبا هانم، حبيبة أخوها، هتعمل معاها ايه

لمعت عينيه بنظرة خبيثة شيطانية دس يديه في جيبي سرواله يهمس متلذذا:

- سيبي الكتكوت عليا أنا أعرف كويس هعمل معاها ايه، المهم تركزي أنتي، قبل ما تولدي، ونغني حلقاتك برجالاتك

Back.


اجفلت من شرودها تغرز اظافرها بعنف في التفاحة في يدها تمزقها من جميع الاتجاهات تجز على أسنانها حانقة، تفكر كيف ستنفذ خطتها الدنيئة

على بعد غرفتين منها في نهاية الرواق في الغرفة في الواجهة يتسطح جاسر على الفراش يداعب بيده خصلات شعر سهيلة التي تستند برأسها على صدره تعانق جذعه بذراعيها ابتسم هو يدني برأسه يقبل قمة رأسها يتمتم بابتسامة حالمة:

- ما كنتش أعرف اني هحبك اوي كدة يا قلقاسة.


خرجت منها ضحكة خفيفة تزيد التصاقها بها، رفعت وجهها تنظر لعينيه نظرات ناعسة ناعمة تهمس بخفوت خجول:

- أنا بقى بحبك، من زمان اوي، من وأنا عيلة صغيرة

ضحك عاليا يقرص وجنتها برفق يغمغم مشاكسا:

- يا بت يخربيتك واقعة واقعة يعني

كورت قبضتها تصدمه على صدره بخفة عقدت جبينها تتمتم متدللة:

- بقى كدة يا جاسر، قوم بقى ما تنامش جنبي، زعلانة منك

عاد يضحك مرة أخري ينظر لها نظرات ماكرة ليغمغم في خبث:.


- خلاص هروح أنام عند شاهيناز

توسعت عينيه مندهشا حين رآها تنتفض في جلستها تقبض على تلابيب ملابسه بعنف اخافه هو نفسه، نظر لها ليجدها تنظر له بشراسة شعرها المفرود يهبط على وجهها ليعطيها مظهر مخيف شرس، لتهتف فيه محتدة غاضبة:.


- طب ابقي فكر بس تروح كدة يا جاسر وأنا اعملك وجبة تتقدم في مطعمك، الليلة دي ليلتي أنا، أنا مستحملة بالعافية انها تشاركني فيك، ولولا اني واثقة فيك وعارفة أنك ما بتلمسهاش، أنا كنت مشيت وسيبتك...

تبددت دهشته بعد لحظات الي ابتسامة واسعة سعيدة تلك المجنونة اكتشف أنه يحبها منذ سنوات ولا يعرف، مد يده يزيح خصلاتها التي تدلت تخفي وجهها يضعها خلف أذنيها يغمغم مبتسما بشغف:

- بيخبوا عني القمر.


انفجرت حمرة قانية تزحف الي وجهها بأكمله كأنها حبة طماطم طازجة، ضحك هو بخفة يشاكسها مازحا:

- اللي أعرفه أن البنات لما بتتكسف خدودها بتحمر، انتي وشك كله بيحمر ليه، بتبقي شبه الطماطم

طماطم، نطقتها باشمئزاز ترفع حاجبيها متهكمة لوت شفتيها تردف ساخرة:

- اللي أعرفه بردوا لما واحد يحب يغازل واحدة يقولها بتبقي شبه الفراولة، التفاح، مش الطماطم يا شيف

اعتدل جالسا هو الآخر يحاوط كتفيها بذراعه يلاعب حاجبيه عابثا:.


- أحلي تفاح امريكاوي في الكفر كلياته يا جمر أنتي

ضحكت عاليا تستند برأسها على صدره تنهدت تردف قلقة:

- لينا وحشتني اوي، بقالها مدة كل ما اكلمها أحس أن في حاجة مخبياها عني، يا رب تبقي كويسة

ابتلع لعابه الذي جف فجاءة شعوره بالذنب ناحيتها يقتله، يعرف أنه أهملها كثيرا الفترة الماضية، خرجت تنهيدة حارة مثقلة من بين شفتيه يخرج ما يجيش بعقله:.


- هي اكيد زعلانة مني، قصرت في حقها أوي الفترة اللي فاتت، بابا دا جبل مش عارف حقيقي كان شايل الحمل دا كله ازاي، بيجي عليا وقت من التعب ببقي عايز على الأرض واعيط بجد

حركت رأسها نفيا بخفة رفعت وجهها له تنظر له مبتسمة تحاول طمئنته:.


- لينا بتحبك يا جاسر ما تخافش مش هتزعل منك، أنا كنت دايما بقولها قد ايه أنت تعبان ومشغول بسبب حادثة والدك، ما تقلقش مش هتزعل منك، بس عارف أنا مبسوطة أوي أن الخلفات اللي كانت بينك وبين والدك راحت

ابتسم يحرك رأسه إيجابا، والده كم كان مخطئا في أفكاره عنه، حين عاصر بدلا عنه في مرضه اكتشف أن لولا توجيهات والده ما كان سيصمد يوم واحد، حرك يده على شعر سهيلة يغمغم بارتياح:.


- الحمد لله ربنا يخليه ويبارك في عمره، اهو بدأ يتحرك وسطينا تاني، بكرة الصبح بدري هنسافر على القاهرة عشان نحضر فرح عثمان وسارين، مجهزة الشنط

حركت رأسها إيجابا سريعا تبتسم سعيدة غدا سيكون من أسعد إيام حياتها، ستسافر هي وجاسر ستري والدها، ولينا كم اشتاقت لصديقتها، تركت جاسر تتسطح على الفراش تغمض عينيها ترغب في النوم لتستيقظ باكرة للسفر، ليقطب هو جبينه يسألها متعجبا:

- انتي هتعملي ايه.


نظرت له كأنه كائن فضائي بثلاثة رؤوس تتمتم ساخرة:

- هنام

تعالت ضحكاته الخبيثة يتمتم مشاكسا:

- يعني بعد الصرف والدبايح دي كلها تقوليلي هتنامي يا سعدية واقول ايه للرجالة اللي تحت

عند ذلك الحد أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، مولااااااااي.


في صباح اليوم التالي باكرا، استيقظت شاهيناز في تمام السابعة صباحا، تعرف أن جاسر سيأخذ زوجته العزيزة ويسافر اليوم الي القاهرة، بعض التعاطف معها ربما تجعله يشرب الكوب وما فيه، سمعت اصواتهم بالخارج فعرفت أنهم على وشك الرحيل، اسرعت تمسك كوب به مياة سوداء التي وضعت فيه ذلك السحر، اليوم هو أنسب يوم ليمر على ذلك العمل، لأنها ليلة قمرية، القمر سيكون مكتمل، كما اخبرتها الخادمة، خرجت من غرفتها لتراه يتجه ناحية غرفته يصيح بصوت عالي:.


- يا سهيلة بطلي زن هشوف الموبايل شكلي نسيته في الأوضة وجاي

التفت ليجدها أمامه تبكي كطفلة صغيرة فقدت حلواها، كان قبلا ربما ينخدع في تلك الدموع أما الآن ما يسكته عنها ذلك الصغير الذي بين احشائها إلي الآن لم يتأكد شكه بأنه ليس طفله، والا لكان ألقاها بعيدا منذ زمن، وقف امامها مباشرة يرميها بنظرات باردة ساخرة:

- خير يا شاهيناز بتعيطي ليه.


انفجرت في البكاء تشهق في نوبة عنيفة تنظر له نظرات ضعيفة مستكينة خائفة لتهمس من بين شهقاتها:

- هو أنا عملت إيه يا جاسر، عملت إيه عشان تكرهني اوي كدة

ضحك داخله ساخرا كم هي بارعة في التمثيل، دس يديه في جيبي سرواله يتمتم متهكما:

- بسببك، بسببك أنتي اتجوزت عرفي، انتي اللي طلعتي في طريقي، خليتني غلطت، أنتي السبب في أن والدي غضب عليا، لولا اللي في بطنك أنا كنت طلقتك.


توسعت عينيها في صدمة مما قال بصعوبة منعت نفسها في ان تصيح في وجهه تنعه بأفظع الشتائم، ليرميها هو بنظرة ساخرة متهكمة، توجه الي غرفته التقط هاتفه ليغادر من جوارها مر من جوارها متجها لأسفل بينما تقف هي تبكي في صمت تنكس رأسها لأسفل، رفعت وجهها ما أن غادر لتتوسع ابتسامتها الخبيثة تنظر للكوب الفارغ في يدها، جاسر مر على السحر ولم يلحظ، الآن فقط عليها الإنتظار، الي أن يبدأ السحر في سحره.


في ناحية أخري تماما، الاستعدادات في بيت خالد السويسي على قدم وساق منذ الصباح والعمال ينتشرون في الحديقة كأنهم خلية نحل تعمل بنظام شديد، كل منهم لديه دور يؤديه بسلاسة شديدة، قرابة الظهيرة خرجت لينا من غرفة نومها ما أن فتحت الباب شهقت مذعورة ما أن رأت خالد يقف أمامها مباشرة يعقد ذراعيه أمام صدره اجفلت تشهق خائفة:

- حرام عليك يا خالد خضتني

انثني جانب فمه بابتسامة ساخرة سخيفة يتمتم متهكما:.


- سلامتك من الخضة يا قلب خالد كل دا نوم ايه نموسيتك حكلي، جاسم باشا خلص تحقيق معاكي الفجر

تنهدت متعبة منهم جميعا لما لا تعيش حياة طبيعية هادئة ولو لبضع ساعات، حاولت رسم ابتسامة على شفتيها تقول برتابة:

- أنت عارف بابا يا خالد...

قاطعها حين خرجت من بين شفتيه ضحكة متهكمة يتشدق ساخرا:

- انتي هتقوليلي على ابوكي، بيحب يعرف الصغيرة قبل الكبيرة، دا عشرة عمر.


تنهدت يآساة تعرف جيدا أن خالد في تلك اللحظاا تحديدا لا ينفع معه الجدال، بل ينفع الدلال، اقتربت تضع رأسها على صدره تلف ذراعيها حول جذعه شبت على أطراف أصابعها تقبل وجنته تتمتم مبتسمة بنعومة:

- خلاص بقى يا لودي عشان خاطرما تزعلش، وأنا هصالحك النهاردة بعد فرح سارين

توسعت ابتسامته تشق وجهه ليشدد على عناقها مال يهمس جوار أذنيها متوعدا:

- عارفة لو ابوكي صمم تنامي جنبه زي امبارح هحبسهولك...


ضحكت عاليا تحرك رأسها نفيا يآست من أفعال ذلك الرجل التي لا تتغير مع مرور السنوات، شهقت فجاءة حين شعرت بيده تقبض على رسغ يدها يجذبها لحجرة مكتبه الصغيرة في الطابق العلوي، حاسرها بين الباب المغلق وهو أمامها مباشرة يلاعب حاجبيه بحركات غريبة مضحكة مال جوار أذنيها يهمس لها بصوت خفيض خبيث:.


- في مقولة عظيمة بتتكتب في نهاية كل ورقة نتيجة، بتقولك لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد، أنا بقول بقى ما نأجلش الصلح لبليل، لحسن ابوكي يطب زي القضئ المستعجل فجاءة

بابا، همست بها بصوت خفيض مرتجف عينيها متسعتين على المهنا ينظران خلفه، ليبتسم هو ساخرا يتمتم باستياء:.


- ايوة يا ستي ابوكي، ما قالكيش أنه ناوي يسافر امتي، لو مش لاقي تذاكر أنا حبايبي كتير في المطار اجبله تذكرة على الطيارة اللي طالعه بعد ساعة و business class كمان

بابا، بابا، همست بها تنظر لخالد عينيها تتحركان تنظر له وخلفه في آن لتتوسع ابتسامته الخبيثة يقترب منها أكثر يهمس عبثا:

- أنا بابا وأنا ماما وأنا حبيبك، انتي متنحة كدة ليه يا بنتي.


ابتعد عنها قليلا ينظر لوجهها ليلاحظ عينيها التي تنظران خلفه قطب جبينه متعجبا ليلتفت برأسه ينظر خلفه توسعت عينيه مصدوما حين وجد جاسم يجلس على مقعد مكتبه يضع ساقا فوق اخري ينظر لخالد نظرات سوداء قاتلة بينما أصفر وجه لينا حرجا من موقفهم المحرج ذلك، ابتسم جاسم حانقا يردف على مضض:.


- ما تكمل الفيلم الهابط بتاعك ها أنت بابا وماما وحبيبها وايه تاني، عيب على شعرك الأبيض خليت ايه للعيال المراهقين ولا كبرت واتهبلت

احتقن وجه خالد غضبا من كلام جاسم المهين، ولكنه يعرف جيدا جاسم يسعي فقط لجعله يفقد أعصابه حتى يثبت للينا أنه لم يتغير، رسم ابتسامة ساخرة على شفتيه ينظر لجاسم ساخرا يردف متهكما:

- اتهبلت!، آه اتهبلت عشان بدلع مراتي، ما تتعبش نفسك يا جاسم مش هتوصل للي إنت عايزه.


اشتعلت أنفاس الأخير غضبا بينما خالد يبتسم في استفزاز، قاطع تلك اللحظات المتوترة صوت زامور سيارة يأتي من الخارج، توجه خالد ناحية الشرفة ينظر للقادم ليبتسم يحادث لينا:

- جاسر وسهيلة جم.


ابتسمت لينا سعيدة لتهبط الي أسفل تبعها خالد يلقي نظرة ساخرة ناحية جاسم قبل أن يغادر، لينظر الأخير في أثره غاضبا متوعدا، نزل خالد الي أسفل ليجد جاسر يعانق لينا اختفت الإبتسامة من فوق شفتيه اقترب من جاسر يصفعه على رقبته من الخلف بعنف ليتأوه الأخير متألما يبتعد عن لينا سريعا ينظر لخالد بغيظ كطفل صغير يتمتم حانقا:

- ملك العالم واخد الرقم القياسي في الضرب على القفا، ايه يا عمنا دي عمتي والله.


ضحك خالد ساخرا يفتح ذراعيه يقول مبتسما:

- أنا قايلك ممنوع اللمس، تعالا يا جينيس العيلة في حضن عمك

ضحك الجميع ليندفع جاسر يعانق خالد ليربت الأخير على كتفه يقول مبتسما:

- واحشني ياض، رشيد بيقولي أنك سادد مكانه جامد

ابتعد جاسر عن خالد يعدل من وضع تلابيب ملابسه يبتسم مغترا:

- دي أقل حاجة عندي...

نظر حوله هنا وهناك متلهفا يبحث عنها في كل مكان نظر للينا يسألها سريعا بنبرى متلهفة خائفة:.


- اومال لينا فين وحشاني أوي

توجهت لينا ناحية سهيلة تمسك بيدها تجذبها معها لأعلي:

- لسه نايمة الحمل تاعبها اوي تعالوا اطلعوا ليها

توسعت عيني جاسر فرحا يصيح مندهشا:

- لينا حامل بجد، أنا هبقي خالو...

تركهم وصعد يركض لأعلي متجها لغرفتها بينما ضحكت لينا على افعاله تركت سهيلة تلحق به، لتصعد هي الي غرفة زيدان دقت باب الغرفة لتسمع صوته يأذن بالدخول، فتحت الباب تتطل بوجهها المبتسم تقول بحنو:.


- صباح الخير يا زيزو

ابتسمت زيدان ينتصف جالسا على فراشه لتدخل لينا الي الغرفة توجهت ناحية فراش زيدان جلست على حافته ليلتقط كف يدها يقبله يتمتم مبتسما:

- صباح الخير يا ماما

ابتسمت لينا تربت على وجنته بخفة تردف بحنو:

- صباح الفل يا حبيبي، مش من عادتك يعني تصحي متأخر...

رفع كتفيه لأعلي لترتسم ابتسامة باهتة على شفتيه تنهد يقول ساخرا:.


- ابدا جسمي بس لسه واجعني من الحادثة وأنا كمان في اجازة بسببها، فهصحي بدري أعمل ايه أندب حظي عشان بنتك رافضة بكل الأشكال تديني فرصة، فرصة واحدة، على فكرة أنا بفكر أسافر

توسعت عيني لينا هلعا لتقترب منه سريعا تقطب جبينها خائفة تصيح متلعثمة:

- تسافر، تسافر ليه وفين، وهترجع امتي

لاحت ابتسامة صغيرة على شفتيه كم يمتن لقلقها عليه، يمتن لها بكل لحظة من لحظات حياته، ما فعلته لأجله ليس بالقليل إطلاقا...


في الآن ذاته توجه خالد إلي غرفة مايا ابنه حمزة يحمل في يده حقيبة سوداء كبيرة دق الباب عدة دقات سمع صوت خافت ضعيف يسمح له بالدخول أدار المقبض ودخل ليجد مايا جالسة على فراشها تنظر للفراغ نظرات عينيها حزينة ذابلة، اقترب يجلس جوارها لتلتفت برأسها ناحيته رأي الحزن يحفر خطوطه على قسمات وجهها، ابتسم لها يداعب خصلات شعرها برفق:

- ايه القمر بتاعنا مكشر ليه.


حركت رأسها نفيا تشيح بوجهها بعيدا تحتبس دموعها رغما عنها، لتشعر بعمها يمسك برأسها يضعها على صدره يقول برفق:

- أنتي زعلانة عشان بابا هيتجوز

حركت رأسها نفيا في نفس اللحظة التي نطق فيها خالد الجملة، صمتت بضع لحظات تبلع لعابها الجاف، تهمس بصوت خفيض مرتعش:

- لا ابدا، هو حقه أنه يتجوز، كفاية أنه عاش سنين لوحده بعد موت ماما...


نظر لها مندهشا يرفع حاجبيه متعجبا مما تقول تلك ليست مايا التي يعرفها رأت نظراته المتعجبة لتضحك ضحكة خفيفة حزينة تردف:

- حضرتك مستغرب صح

حرك رأسه إيجابا لتتنهد ابتسمت تردف بنبرة هادئة:

- أنا نفسي مستغربة نفسي، في حاجات كتير فيا اتغيرت حتى نظرتي للحياة نفسها اتغيرت، اللون البمبي اللي كان مالي حياتي راح، حاسة إني بعيش الحياة لأول مرة

ربت على رأسها بكف يده برفق يسألها مبتسما:.


- أدهم وحشك صح، انتي لسه بتحبيه مش كدة

ابتعدت عن صدر عمها، ابتسمت في هدوء تذكره بما قال قبلا:

- حضرتك قولتلي قبل كدة أنا عمك مش صاحبتك، يعني ما ينفعش اتكلم مع حضرتك في المواضيع دي خالص

ضحك عاليا يقرص وجنتها بخفة امسك بالحقيبة يعطيها إليها يغمغم من بين ضحكاته:

- بتغلبيني في الكلام يا بنت حمزة، ماشي يا ستي هعديهالك، خدي فستانك أهو يا رب يعجبك دا ذوق لينا...


تركها وغادر يغلق الباب خلفه لتنظر هي لحقيبة الفستان المغلقة مدت يدها تفتح الحساب لنتذكر في تلك اللحظة تحديدا جملتها التي كانت تضايق بها أدهم، مع كل فستان جديد تشتريه كانت تذهب إلي غرفته تلتف حول نفسها كالعروس تقول جملتها المعتادة:

- أدهم ايه رأيك في الفستان

نطقتها بصوت هامس لتدمع عينيها تحتضن حقيبة الفستان المغلقة تبكي في صمت...


في تلك الأثناء تحديدا، علا صوت صرخات لينا، كانت تصرخ بعنف، صراخ شديد وكأنها رأت شبحا هرع كل من في المنزل إليها، ليجدها تدفع جاسر لخارج غرفتها تصرخ فيه وهي تبكي تتسابق دموعها في الهطول:

- امشي اطلع برة مش عايزة اشوفك، أنا مش مسمحاك ومش عايزة اشوفك، أنت خلاص نستني واتجوزت وعيشت حياتك، امشي برة.


وقف الجميع مذهولا ينظرون للينا في دهشة الجميع يعرف علاقة لينا وجاسر القوية، ماذا حدث لتطرد لينا اخاها من غرفتها، حاول جاسر أن يتحدث سريعا:

- يا لينا اسمعيني

لم تدعه يكمل حرف آخر صرخت فيه بقهر:

- مش عايزة اسمع حاجة...

نظرت ناحية سهيلة تتنفس بعنف تحادثها:

- عايزة تدخلي، ادخلي لوحدك، يا أما تخليكي معاه.


توجهت ناحية غرفتها تصفع الباب في وجوه الجميع، ليقف جاسر مدهوشا يقبض على كف يده عينيه تغشاهما الدموع يتذكر صياحها ما أن رأته تلومه أنه نسيها لم يعد يهتم بها، جملة واحدة لازالت تدق في أذنيه بعنف

« كنت فين وهو بيدبحني وكلهم شايفينه مظلوم »

توجه بانظاره ناحية زيدان ليندفع ناحيته يقبض على تلابيب ملابسه يصيح فيه:.


- أنت عملت فيها اييييه، بتقولي ما كنتش جنبي لما دبحني وكلهم شايفينه مظلوم، انطق عملت فيها ايييه...

تنهد زيدان حانقا ليبعد يدي جاسر عن ملابسه يجذبه خلفه الي غرفته بشكل سريع موجز قص عليه ما حدث، لتنهمر الدموع من عيني جاسر تهاوي جالسا على فراش زيدان يخفي وجهه بين كفيه يهمس متألما:

- كل دا حصل فيها، ليها حق ما تقبلش تبص في وشي، وانتوا ما عرفتوش مين اللي كان السبب، مين اللي حطلك الحبوب في العصير.


تنهد زيدان متعبا يحرك رأسه نفيا، ليتحرك جاسر من مكانه خرج من غرفة زيدان يتجه الي غرفة لينا فتح بابها بهدوء يطل للداخل ليري لينا تبكي بين أحضان سهيلة، اقترب من فراش لينا، شعرت لينا به لترفع وجهها إليه ترميه بنظرات نارية معاتبة، نظر لسهيلة فابتعدت عنها ليجلس هو أمامها مباشرة لم يعطيها اي فرصة للنطق بحرف واحد اسرع يختطفها رغما عنها يضمها لأحضانه بدأت تصرخ بشراسة تحاول ضربه ليبتعد عنها ليشدد هو على عناقها أكثر فأكثر يغرزها داخل صدره، إلي أن خارت قواها وتمسكت هي بقميصه تبكي وتنوح بصوت عالي ليشاركها في بكاء صامت يهمس لها نادما حزينا متألما:.


- حقك عليا يا حبيبتي، أنا آسف، عارف انك زعلانة اوي، ما كنتش موجود طول الفترة اللي فاتت، مريتي بكل دا لوحدك، مش هتكرر تاني حقك عليا والله، اوعدك مش هتتكرر تاني ابداا...


ظل يعانقها يهدأها يعتذر لها بكلماته المهدئة الحانية الي أن بدأت تهدئ قليلا ابعدها عنه قليلا يقبل جبينها يمسح على رأسها برفق يبتسم لها، لتعطيه شبح ابتسامة باهتة، لحظات وتبدلت نظراتها إلي أخري هلعة حين رأت عينيه تزوغ وكأنه سيفقد الوعي، ليميل بجسده فجاءة ناحية الأرض يتقيأ بعنف، مادة سوداء قاتمة، شهقت سهيلة مذعورة على حاله، لينا تمسك بذراعه حتى لا يسقط أرضا من عنف حركة جسده وهو يتقيأ، اندفعت سهيلة ناحيته ما أن شعر بها تقترب منه دفعها بيده الأخري بعيدا عنه بعنف مسح فمه بكف يده يتنفس بعنف نظر لسهيلة يقول من بين أنفاسه اللاهثة:.ابعدي...


           الفصل الثامن والستون من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات