رواية أسير عينيها
الفصل السابع والسابعون 77 الجزء الرابع
بقلم دينا جمال
احضني يا خالد، احضني اوي، ولو لمرة واحدة احضني علي اني شهد مش لينا.
اندفع يطوقها بذراعيه يضم رأسها لصدره، يغرزها بين أحضانه يعوضها ولو قليلا عن ما عانت بسبب قديما والآن، لم يكن يفكر في أي شئ وهو يحتضنها بينما تتشبيث هي بقميصه تنساب دموعه ودموعها معاّ، قاطع تلك اللحظات صوت شهقة، يعرف صاحبة ذلك الصوت جيدا فتح عينيه، ينظر سريعا لمصدر الصوت لتشخص عينيه فزعا حين رآها، لينا تقف أمامه مباشرة في شقة شهد تراه وهو يحتضنها بتلك الطريقة، والألم الذي رآه في عينيها أبشع مما قد يُوصف، في تلك اللحظة تحديدا عرف أن النهاية التي ظل حذرا منها يخطط لها جيدا قد أتت دون أن يحسب لها حساب.
احترقت مقلتيها وهي تشاهد بعينها زوجها بين أحضان اخري، كانت تشك والآن تأكدت أنه طعنها بخنجر الخيانة مرة اخري...
Flash back.
سمعت صوت رسالة تصل لهاتف خالد الآخر، التقطته تفتحه تنظر لما أرسل له وكانت الصدمة التي صفعتها حين قرأت علي سطح الشاشة جملة قصيرة وقعت علي قلبها كوقع النار في الهشيم نظرت لاسم المرسل حسام، حسام هي حقا كانت تشك في علاقته بخالد يكفي الشبه الغريب بينهما، كانت تراقب تصرفات حسام في المستشفى لتلاحظ أنه تقريبا يتصرف مثل زوجها تماما اختلافات طفيفة، لا يمكن ملاحظة الفرق بينهما والآن فقط تأكدت جميع شكوكها من كلمة واحدة في تلك الجملة القصيرة.
« بابا زيدان خلاص سافر ».
بابا! أعادت قراءة الكلمة مئات المرات عقلها يحاول ترجمة تلك الكلمة المكونة من أربعة أحرف فقط ( ب، ا، ب، ا ) أبيه خالد والد حسام، زوجها لديه ابن آخر، ولكن للحظات عقدت جبينها تتذكر أنها قرأت تاريخ ميلاد حسام في ملفه الخاص، حسام أكبر من لينا عمرا، إذا كيف يمكن أن يحدث ذلك، توسعت عينيها فزعا وشهقة فزعة خرجت من بين شفتيها، خالد متزوج قبلها، كان كما تعرف رحاب وابنته منها ماتت وشهد واجهضت طفلها، إذا كيف، هل يمكن أن يكن جراب الساحر يحوي خدع لم تعرفها، طوال تلك السنوات وخالد متزوج ويخفي عليها، قضت عمرا كاملا في كذبة نسجها هو واحكمها جيدا فلم تعرف الحقيقة من الكذب، والدها، والدها هو الوحيد الذي يقدر علي مساعدتها، والدها سيعرف كل شئ وحينها فقط ستعرف ما تفعل.
Back.
عادت من شرودها القصير تنظر له للحظات طويلة كانت او قصيرة في تلك اللحظات تحديدا الوقت نفسه توقف من وقع الصدمة، رأي في عينيها انعاكس صورته وهو يحتضن شهد تلك المسكينة بين ذراعيه ومسكينة أخري تقف أمامه وهو الجاني في الحالتين، لم يعبئ بصراخ حسام باسم والدته، ولا بصفرات الإسعاف التي بدأت تدوي بعنف في المكان، كل شئ توقف وهو ينظر لمقلتيها يري العذاب ينهمر منهما، دون أن تنطق بحرف واحد تحركت من الغرفة ومن المنزل بأكمله، أسرع حسام يحمل والدته التي فقدت وعيها تماما يركض بها لأسفل حيث سيارة الإسعاف، وقف هو مكانه يغمض عينيه لا يقدر علي الإتيان بحركة واحدة حتي، جر قدميه جرا الي الخارج، الأفكار في رأسه تغرق في بحر موحل أسود، يتوقع أسوء ما يمكن أن يحدث، نزل لأسفل ليجد حسام يصيح في المسعفين أنه لن يترك والدته، استقل حسام قسرا سيارة الإسعاف بصحبة والدته تتحرك سريعا للمستشفي، وعلي مرمي بصره بعيدا رآها توقف سيارة أجري ترحل هي الاخري وهو يقف عند مفترق الطرق، الخسارة حليفته من جميع النواحي، لا لن يخسر ابدا، سيشرح للينا الوضع كاملا لينا ستتفهم لينا تحبه لن تبتعد عنه، هرع إلي سيارته يركض إلي المنزل تاركا كل شئ خلفه.
في الحارة تحديدا في شقة منيرة، كانت تقف في المطبخ الكبير تمسك سكين كبير حاد تقطع به قطع البصل تعد الغداء، عقلها شارد سابح في كلمات السيدة منيرة التي تلقيها علي مسامعها كل ساعة تقريبا، إن تتحلي بالشجاعة، إلا تكن تلك الفتاة الضعيفة، ولكن كيف وهي فقط طفلة صغيرة انتزعت براءتها كزهرة انتزعوا رحقيها رغما عنها، انسابت دموعها رغما عنها لتمد يدها سريعا تمسح ما سقط من دموعها، شهقت بعنف مفزوعة حين شعرت بيد تلتف حول جسدها، أحد ما خلفها يضم ظهرها لصدرها، ارتجف جسدها ذعرا حين سمعت صوت مراد يهمس بخبث مقزز:.
- بقولك إيه ما احنا خلاص كتبنا الكتاب بلاش بقي شغل الشرف دا، دا انتي حتي حلالي وبكرة تبقي أم العيال.
انهمرت دموعها بعنف تحرك رأسها نفيا بقوة كادت أن تصرخ حين شعرت به يحط بكفه الغليظة فوق فمها يمنعها من الصراخ تشعر بيده الأخير تعتصر جسدها بغيظ يهمس لها محتدا:
- مش هنخلص بقي من الشغل دا هو أنا كل ما اجي جنبك تصرخي...
نظرت لباب المطبخ سريعا ستدفعه وتركض تهرب منه لتتوسع عينيها هلعا حين رأت الباب مغلق من اغلقه بالطبع هو، حركت جسدها بعنف تحاول إبعاده عنها بأي شكل كان، انتفض فؤادها حين سمعته يغمغم في مكر خبيث:
- أنا قافل باب المطبخ بالمفتاح، مش هتعرفي تهربي مني، أوعدك هاخد منك اللي أنا عاوزه وبعدين اطلقك كفاية اوي إني ادبست فيكي، وخدتك علي عيبك.
توقفت عن الحركة وكلماته السامة تنغرز في روحها كنخجر سام مشتغل يحرق روحها بنيران الظلم والقهر، استغل هو حالة الاستسلام التي أصابتها ليدفعها علي أرض الحجرة، يبتسم متشفيا يخلع قميصه ببطئ مخيف، بينما هي كحجر أصم تنظر للفراغ تتذكر وهي ابدا لم تنسي حادثة قديمة سلبت روحها، دفعت ثمنا ليس لها به ذنب...
Flash back
خرجت من غرفتها متأففة من رائحة تلك السجائر البغضية التي تملئ المكان، نظرت لشقيقها الذي بالكاد يفتح عينيه مستلقي علي الأريكة عقله يلهو في نشوة ذلك السم، وقفت روحية أمامه تصيح فيه:
- حرام عليك يا سيد إنت إيه يا اخي ما بتحسش ما عندكش دم، الناس بقت بتقرف مننا بسبب القرف اللي أنت بتبيعه وبتشربه دا، اتقي الله بقي.
جل ما حدث أنه أبتسم ابتسامة بلهاء مغيبة ولم يعقب بحرف واحد، زفرت حانقة من حاله ليصدح صوت دقات عنيفة في تلك اللحظة أصابها الذعر من تلك الدقات المخيفة وصوت اجش يصدح من خلف الباب المغلق:
- افتح يا سيد، افتح لاكسر الباب فوق دماغك، أنا عايز فلوسي يا سيد.
ازدردت لعابها خائفة من ذلك الصوت الأجش المخيف، وقفت للحظات في حيرة من أمرها لا تعرف أتتقدم للأمام أم تذهب للخلف تختبئ خلف باب غرفتها المهترئ القديم، لمحت بطرف عينيها اخيها يترنح واقفا يتوجه بخطوات مترنحة ثقيلة تجاه باب منزلهم لتتوجه هي إلي غرفتها تغلق الباب عليها، اقتربت من الباب المغلق تلصق اذنيها به تحاول أن تسترق السمع لتعرف ما يحدث بالخارج، سمعت ذلك الصوت الغليظ وهو يصيح في أخيها:.
- بقولك ايه يا سيد أنا عايز فلوسي أنت واخد مني بضاعة بعشر تلاف جنية، لا جبت البضاعة ولا سددت تمنها، فتجيب فلوسي بالذوق احسنلك.
سمعت صوت ضحكة تائهة تأتي من أخيها ليغمغم بعدها بهذيان مخيف:
- فلوسك بح، طارت مع الحمام، ما فيش فلوس، اقولك حاجة حلوة، شايف الباب دا، وراه أختي خدها مكان فلوسك.
توسعت عينيها في هلع كممت فمها بيمناها بينما تلطم خدها بيسراها، بما يهذي ذلك المجنون، لحظات وسمعت صوت ضحكات الرجل الآخر يتمتم بنبرة سوداء:
- وماله بس عارف لو طلعت مش حلوة، هعلقك علي باب حارتكوا يا سبع الرجالة.
تضاربت دقاتها ذعرا تستمع لخطوات من غرفتها لتعود هي للخلف تلقائيا تنظر ناحية الباب بهلع مفزوعة بل تكاد تموت خوفا، والباب القديم لم يحتاج سوي دفعة واحدة وانفتح علي مصرعيه لتجحظ عينيها في فزع شهقت تنظر لذلك الرجل ضخم الجثة بشكل مخيف ينظر له نظرات سوداء مقززة ابتسامة خبيثة تعلو ثغره تفرسته عينيه، ليغض علي شفتيه يغمغم في نهم:
- لاء تستاهلي دا انتي مش حلوة بس، دا انتي حلوة اوي.
حركت رأسها نفيا بذعر مرة تليها اخري واخري انهمرت دموعها تنظر له تتوسله بنظراتها الضعيفة الا يؤذيها، خرجت صرخة مستجيدة من بين شفتيها تصيح باسم أخيها:
- سيد الحقني يا سيد، ابوس ايدك الحقني.
تعالت ضحكات ذلك الواقف يتوجه ناحيتها بخطي واسعة يتمتم في خبث:
- سيد خلاص مش في الدنيا أنا مديله صنف جديد يا هيعلي معاه يا هيجيب أجله...
هرعت الي النافذة تود الصراخ عل أحدهم ينقذها، لم تكد تصل للنافذة الصغيرة شعرت به يقبض علي خصلات شعرها يكمم فمها بكفه الغليظة يهمس لها مستمتعا:
- لا لا لا خلينا كدة حلوين مع بعض، ما هو اكيد أنا مش اول واحد اخوكي يبيعك ليه.
حاولت بإستماتة مقاومته دفعه بعيدا عنها، ولكن كانت كصخرة صغيرة في وجه الجبل، صفعه قوية من يده الغليظة جعلتها تسقط أرضا تصطدم رأسها بالأرض تحتها بعنف قاسي، رفعت رأسها بضعف شديد لتراه يقف أمامها مباشرة يبتسم متشفيا يخلع قميصه ببطئ مخيف، ربما كان الموت أقل ألما من سلخ الروح حيا
Back.
تحركت مقلتيها بجنون تتذكر وتتذكر، الموقف يُعاد الحادثة تتكرر وهي الضحية في كلا الحالتين، نظرت لمراد بشراسة لتهب في لحظة تقف أمامه تمسك سكين المطبخ الكبيرة تشهرها أمام صدره العاري تصرخ بحرقة:
- لو قربت مني هقتلك، إنت فاهم هقتلك..
ضحك مراد ساخرا ينظر للسكين في يدها نظرات متهكمة، ليعاود النظر إليها باستخفاف يغمغم ساخرا:
- ارمي يا ماما اللعبة اللي في ايدك دي وحاسبي لتعورك، أنا قولتلك نمشيها بالذوق بس واضح كدة أنك ما بتجيش غير بالغصب.
احتدت عينيه غضبا ليندفع ناحيتها، فما كان منه الا ان صرخ بعنف متألما حين جرحت يده التي حاولت الإمساك بها جرح ليس بهين، قبض على ذراعه يصيح متألما بينما تصرخ هي بجنون:
- مش هسيبك تدبحني زيه، لو قربت مني هقتلك.
مع تلك الصرخات تعالت صيحات أدهم يدق علي باب الغرفة بعنف يصرخ في مراد غاضبا:
- مراد أفتح يا مراد، مراد حرام عليك يا أخي ما تأذيهاش، افتح الباب يا مراد.
حملق مراد بتلك الواقفة تمسك بالسكين بنظرات مصدومة فزعة لا يصدق أنها كادت تقتله جرحت ذراعه بذلك الجرح المخيف، بينما كانت تقف هي ترتجف بعنف تقبض بكفيها علي السكين تتساقط قطرات الدماء من نصلها، جسدها يرتعش تنهمر دموعها بعنف بلا توقف تهذي بحرقة:
- مش هسيبك تدبحني زيه، لأ لأ.
شهقت بعنف حين كسر أدهم باب المطبخ القديم دفعة وأخري كان سقط أرضا، ظهر عند باب الغرفة، توسعت عينيه مدهوشا حين رأي المشهد بالداخل، كان يتوقع شيئا آخر تماما، هرولت روحية ناحيته ما أن رأته وقفت خلف ظهره تقبض علي تلابيب ملابسه تهمس من بين شهقاتها العنيفة:
- ابعده عني، أبعده عني...
نظر أدهم مشفقا لتلك التي ترتجف بعنف تتمسك بملابسه كطفلة صغيرة مذعورة، ليعاود النظر لمراد بإشمئزاز يصيح فيه محتدا:
- أنت ايه يا أخي شيطان، شايل قلبك وضميرك، دا الشيطان نفسه يصعب عليه يأذيها دي عيلة صغيرة ما كملتش 20 سنة، إيه ما فيش في دماغك غير القرف دا...
اشتعلت عيني مراد بنيران غضب سوداء قاتمة يكفي ما فعلت تلك البلهاء منذ لحظات والآن أخيه الأحمق يعطيه درسا في الأخلاق اندفع ناحيته يطحن أسنانه بغيظ قبض علي تلابيب ملابس أدهم بعنف يصرخ فيه:
- دي مراتي، أعمل فيها اللي أنا عاوزه، أبعد من طريقي، احسنلك يا أدهم.
جل ما حدث أن ارتسمت ابتسامة صغيرة متهكمة علي شفتي أدهم نظر ليدي مراد التي تقبض علي تلابيب ملابسه نظرات باردة، رفع يده بهدوء تام يقبض بأصابعه علي الجرح النازف في يد مراد ليصرخ الأخير ألما بينما توسعت ابتسامة أدهم يتشدق مستمتعا:.
- عارف يا مراد أنا تربية حمزة السويسي، ولو مش عارف مين هو حمزة السويسي دا واحد لما كان بيتكلم كان الشيطان بيجب ورقة وقلم ويقعد يتعلم منه، علمني كويس اوي اني ما اخدش حقي بدراعي لاء، اخده بدماغي، ادور علي نقط ضعف اللي قدامي وادوس عليها...
انهي كلامه ليضعط بعنف علي يد مراد فصاح الأخير متألما، ترك أدهم ذراع مراد ليقبض بيمناه فقط علي تلابيب ملابس شقيقه يتمتم مبتسما:.
- علمني ابقي ومحترم وحنين مع الناس اللي تستاهل، وابقي اسوء خلق الله مع اللي يفكر يدوسلي علي طرف ولا يجي علي حقي، فاهمني يا مارو.
لفظه بعيدا عنه بعنف ليرتد مراد للخلف ينظر لأدهم مدهوشا لم يعتاد منه ذلك الوجه الإجرامي، لم يره منه فقط، تحرك أدهم يلف ذراعه حول كتفي روحية يصطحبها للخارج بعيدا عن مراد، خرج بها من المطبخ ناحية صالة المنزل لتتوسع عينيه في ذهول حين رآها، هي تقف أمامه عند باب المنزل الذي فُتح توا تقف جوار جدته، زاد وجيب قلبه، تسارعت أنفاسه ينظر لها مدهوشا، بينما غزا الألم مقلتيها حين رأته يلف ذراعه حول كتفي تلك الفتاة، تري من هي، ولما يحتضنها بذلك الشكل، بهذه السرعة نسيها وأحب وربما تزوج من اخري، فاض الألم من حدقتيها، شعور بشع نهش قلبها، التفتت تود الهروب والركض تندم لأنها جاءت إليه، كانت فقط تريد رؤيته للمرة الأخيرة قبل أن ترحل ويا ليتها لم تفعل، ها هو قد نسيتها بين ذراعيه داخل صدره استطونته غيرها، ما كادت تتحرك انتفض هو ابتعد عن روحية يركض ناحيتها يمسك برسغ يدها يهتف متلهفا مذعورا:.
- مايا استني، أنتي فاهمة غلط والله فاهمة غلط.
التفت له ترميه بنظرات حاقدة كارهة، شدت علي أسنانها تحاول بعنف جذب يدها من يده، صرخت فيه باكية:
- أبعد عني...
دي مرات مراد اخويا والله مرات اخويا، صاح بها متلهفا يتمسك بيدها كأنها طوق نجاته الأخير في هذه الدنيا، توقفت مايا عن الحركة تنظر لتلك الفتاة تقطي جبينها متشككة، لتتوسع مقلتيها في صدمة حين رأتها تمسك سكين غارقة في الدماء، وبالقرب منهم يقف شاب ذراعه الأيمن به جرح طويل ينزف بغزارة، ابتلعت لعابها خائفة، تنظر لما يحدث مدهوشة، لم تفق علي الا صوت شهقة قوية أتت من السيدة الواقفة جوارها، ضربت منيرة بيدها علي صدرها تغمغم مذعورة:.
- في ايه يا أدهم، ايه الجرح اللي في ايد مراد دا.
نظر أدهم لمراد الذي التقط قطعة قماش يلفها حول جرح يده، ليعاود النظر لمنيرة شد علي أسنانه يغمغم حانقا:
- حادثة بسيطة مراد كان بيهزر مع روحية ويشد منها السكينة فعورت ايده...
اقترب أدهم من روحية يجذب السكين من يدها أعطاها لجدته يبتسم في هدوء مغمغا:
- كوباية عصير يا جدتي.
جذب يد مايا خلفه إلي غرفته، لتجذب منيرة يد روحية تتوجه بها ناحية مراد تنظر له بشراسة تهمس له بصوت خفيض حانق:
- اقطع دراعي، أنك كنت عايز تأذي البت، مش كدة، لو هي اللي عملت فيك كدة تستاهل ما عندكش ريحة الدم، كاتك الارف في شكلك.
احتدت عيني مراد في غيظ يرمي روحية بنظرات قاتلة يتوعدها بالاسوء دفع جدته بعيدا عن طريقه بعنف لتشهق روحية مذعورة تسرع بإسنادها، تحرك مراد لخارج المنزل دون أن يلقي عليهم نظرة واحدة، أسرعت روحية بإسناد منيرة إلي اقرب مقعد اجلستها تسألها متلهفة:
- انتي كويسة.
ابتسمت منيرة في شحوب تحرك رأسها إيجابا ربطت علي الوسادة الخالية جلست روحية لتربت منيرة علي يدها تسألها بترفق:
- انتي اللي عملتي فيه كدة.
ادمعت عيني روحية اخفضت انظارها أرضا تؤمي برأسها إيجابا بخفة، همست بصوت خفيض مقهور:
- هو ليه مؤذي كدة أنا ما اذيتوش، أنا عملتش حاجة عشان يحصل فيا كل دا.
زفرت منيرة حزينة علي حال الفتاة وحال حفيدها قبلا عادت تربت علي يد روحية من جديد تهمس لها مشفقة:.
- يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار يا بنتي، وحيد لما طلق نعمات أم مراد ما كدبتش خبر وراحت اتجوزت ورمت ابنها، ووحيد راح اتجوز وسافر هو ومراته يشتغل في بلد عربي كان مراد عنده خمس سنين بالكتير، وانا كنت علي قد حلاتي أوي كنت يادوب بوفرله مصاريف المدرسة، مراد عاش محروم من حنية الأم وسند الأب، كنت بحاول والله يا بنتي اعوضه، بس ما فيش فايدة، مراد بقي بيكره اي حد أحسن منه وممكن يعمل اي حاجة عشان يأذيه، وبيحس بنصر أنه اقوي من حد وإن في حد أضعف منه، شيطان نفسه يا بنتي هقول إيه بس حاولت معاه كتير وما فيش فايدة فيه.
انهمرت دموع روحية بغزارة تنعي مأساتها هي وليست مأساة مراد فهي تعذبت إضعاف ذلك ولم تفكر أبدا في أذية من كان ولكن العكس تماما حدث، هي من يؤذيها الناس، هي من تقتل بكل نظرة، زاد نشيجها لتهمس من بين شهقاتها المختنقة:.
- أنا ذنبي إيه، أنا شوفت عذاب وذل إضعاف ما هو شاف، ابويا وامي ماتوا وأنا عيلة صغيرة، وسيد أخويا كان بيضربني صبح وليل، وفي الآخر ادبحت وجه هو يكمل عليا، ليه الدنيا بتكرهني كدة أنا ما اذتش حد
والله عمري ما اذيت حد.
جذبتها منيرة تعانقها تخبئها بين ثنايا أحضانها الدافئة، لتتسمك روحية بها تنخرط في البكاء.
توقفت سيارته أمام أحدي المطاعم الحديثة التي تقدم الوجبات السريعة، نزل سريعا من السيارة ليلتف حولها فتح الباب المجاور لها ينحي للأمام قليلا يتمتم مبتسما:
- تفضلي أميرتي.
ابتسمت شبه ابتسامة تنزل من سيارته تلتقط حقيبتها سارت جواره إلي داخل المطعم، إلي اقرب طاولة فارغة اسرع يتقدمها يجذب لها المقعد جلست ليدفعه للأمام قليلا برفق، يفعل نفس الحركات التي كان يفعلها زيدان تقريبا، ابتلعت لعابها مرتبكة حين مر طيفه في عقلها حركت رأسها نفيا سريعا تزيح الصورة من رأسها، جلس معاذ علي المقعد المقابل لها يتمتم مبتسما في سعادة:.
- ما تعرفيش أنا سعيد ازاي عشان خرجنا مع بعض، بجد كنتي وحشاني أوي، قوليلي بقي تحبي تاكلي ايه أنا عن نفسي واقع من الجوع.
ابتسمت تمد يدها تفتح زجاجة المياة الموضوعة علي الطاولة ارتشفت منها القليل لتغلقها، حركت رأسها نفيا بخفة ترسم ابتسامة باهتة علي شفتيها:
- لا يا معاذ شكرا أنا مش جعانة ممكن اخد عصير فراولة.
ظهرت خيبة الأمل جلية علي قسمات وجهه إلا أنه ابتسم يومأ برأسه إيجابا، أشار للنادل يمليه ما يريدان، بينما وجهت هي انظارها لحائط الزجاج الكبير جوارها تنظر للشارع من خلاله توسعت عينيها في دهشة حين رأته يقف هناك عند إشارة المرور يبتسم يلوح لها، تسارعت دقات قلبها أغمضت عينيها سريعا وفتحتها لتراه اختفي، ابتلعت لعابها متوترة التفت برأسها لمعاذ الذي بادر يقول بابتسامة واسعة لا تغادر ثغره:.
- قوليلي بقي، مبسوطة في الشغل عند باباكي في الشركة، لو مش مبسوطة أنا عندي علاقات كتير اقدر اجبلك شغل في اي مكان تحبيه.
حركت رأسها نفيا ارتسمت ابتسامة متوترة علي شفتيها تغمغم في ثبات:
- لا بالعكس أنا مبسوطة جدا بالشغل في شركة بابا...
ابتسم لها كاد أن يقول شيئا ما هو فقط من يعرفه حين دق هاتفه أخرجه من جيب سرواله نظر لاسم المتصل ليعاود النظر للينا يتمتم مبتسما:
- ثواني هرد علي الموبايل.
قام من مكانه متجها لخارج المطعم وقف خارجا يتحدث في هاتفه لتسمع هي في تلك اللحظات أصوات ضحكات صاخبة لفت رأسها لمصدر الصوت لتجد فتاة شابة تجلس جوار رجل من خاتم الزواج الذي يطوق إصبع يد الفتاة اليسري عرفت أنه زوجها يجلسان متجاوران، كل منهن يرتدي قفازات بيضاء شفافة يمسكان شطائر كبيرة من اللحم يسيل منها الجبن يغرق قطع البطاطس التي تفترش الطاولة، يضحكان علي مشهد الفتاة والجبن يلطخ وجهها، ارتسمت ابتسامة حزينة علي شفتيها حين اخذها عقلها لمشهد مشابة.
Flash back
وقف بسيارته أمام أحدي المطاعم المتخصصة في المأكولات البحرية نزل منها ليلتف حول الباب فتح البا لها يشبك أصابعه في أصابعها يلتف الهواء البارد يتطاير معه خصلات شعرها، إلي داخل المطعم اتجها، مقعدين متجاورين جلست وجلس جواره ليلف ذراعه حول كتفيها خلع نظارته الشمسية لتقابل زرقاء عينيه القاتمة سمعت صوته يسألها مبتسما:
- مبسوطة.
أوي، كلمة واحدة نطقتها تعبر بها عن سعادتها في تلك اللحظة يكفي أنها ما عادت تخشي الناس باتت تتحرك بينهم كأنها جزء منهم، اكتشفت اخيرا حبها لزوجها العاشق، وقريبا ستفاجئه بحفلة مميزة لهما فقط تعترف له بحبها، اجفلت علي حركة يلبسها قفازات شفافة في يدها قطبت جبينها متعجبة ليغمغم هو مبتسما:
- البسيها عشان ايدك ما تتوسخ وانتي بتاكلي، اكل السمك ما ينفعش معاه شوك وسكاكين.
ضحكت بخفة تلتقط القفاز الآخر ترتديه هي تحرك أصابعها بخفة داخل القفازات صدم كتفه بكتفها برفق، التفتت له ليغمزها يتمتم مبتسما:
- شبه الجوانتيات بتاعت الدكاترة، اكيد وحشتك الكلية مش كدة.
اختفت الإبتسامة من فوق شفتيها تنهدت حزينة تحرك رأسها نفيا بلعت لعابها تغمغم باختناق:
- بصراحة يا زيدان أنا ما بحبش الكلية دي وعايزة اسيبها.
ظهرت الصدمة جلية علي قسمات وجهه ظنها فقط تمزح بالطبع تمزح، خرجت منه ضحكة غير مقصودة يسألها متعجبا:
- انتي بتهزري يا لينا صح، جاية تكتشفي انك ما بتحبيش الكلية وعايزة تسيبيها بعد خمس سنين، اخترتيها ليه من الأول.
خرجت من بين شفتيها تنهيدة حارة مثقلة قيد آخر من القيود التي لفها والدها حول معصميها رغما عنها همست بخفوت حزين:
- بابا السبب...
قاطعها قبل أن تكمل ما ستقول ليقول سريعا:
- لاء معلش انا كنت حاضر الموقف كله، خالي سألك عايزة تدخلي كلية إيه يا لينا قولتيله مش عارفة، قالك سهيلة صاحبتك هتدخل طب تحبي تدخلي انتي كمان ولا في دماغك كلية تانية، قولتيله خلاص هبقيةمع سهيلة.
حركت رأسها إيجابا تؤكد كل حرف يقوله اخفضت رأسها أرضا تزيح خصلات شعرها خلف أذنيها تكمل له الجزء الآخر من القصة الذي لا يعرفه هو:
- فعلا دا حصل، بس بعدها بشهرين تقريبا ما قدرتش استحمل الدراسة في الكلية ما حبتهاش، روحت لبابا وقولتله أنا مش عايزة اكمل في الكلية دي، زعقلي وقالي دا اختيارك ولازم تتحملي نتيجته ورفض تماما اني انتقل من الكلية.
قطب جبينه غاضبا لما يفعل خاله ذلك، نظر لتلك الجالسة جواره مد يده يرفع رأسها برفق ابتسم يحادثها بحنو:
- أول ما نرجع القاهرة هننقل من ورقك من كلية الطب لأي كلية أنتي عيزاها.
توسعت عينيها في دهشة لم تتوقع ذلك الرد منه ابدا كانت تظنه انه سيخبرها أن تتأقلم مع الوضع إلي أن تنتهي مع دراستها ولكنه حقا فاجئها وأسعدها توترت حدقتيها حين تذكرت والدها لتهمس له مرتبكة:
- بس بابا
رفع سبابته أمام فمها يمنعها من إكمال ما تقول
يحادثها بحزم لين:.
- أنتي مراتي يا لينا، يعني صاحب القرار الأول والأخير في اي حاجة تخصك، وأنا مش هسمح أنك تكملي في دراسة انتي مش عيزاها، أنا دايما جنبك وفي ضهرك، يلا يا حبيبتي بقي ناكل الأكل تلج.
خرجت من شرودها السعيد فجاءة علي حركة يد معاذ أمام وجهها، تحركت عينيها ناحية وجهه لتختفي صورة زيدان ويحل محلها معاذ الذي يقف يبتسم لها يسألها قلقا:
- لينا انتي كويسة.
بصعوبة زيفت ابتسامة صغيرة علي شفتيها تحرك رأسها إيجابا، تحاول إخراج قلبها من تلك الفقاعة الوردية التي تملكته فجاءة.
علي صعيد آخر بعيد للغاية لم يكن حاله أفضل إطلاقا، يجلس علي المقعد في احدي المطاعم أمامه إنجيلكا التي تتحدث بإنطلاق بلا توقف تخبره بمدي سعادتها بوجودها في مصر وتعرفها عليه، هي تتحدث ومعه وهو في واد آخر عقله أخذ قلبه وفر في بوتقة أحلامه يذوب مع عشقه يتذكر سعادته القصيرة معها ضحكاتها ابتسامتها كلامها خجلها، يتلف معهم جميعا في حلم وردي جميل، حلم لم يدم طويلا استيقظ منه سريعا حين شعر بيد تحرك ذراعه بعنف، قطب جبينه غاضبا ليجد انجليكا تنظر له قلقة تحادثه متلهفة:.
- zedan are you ok.
رسم ابتسامة صفراء مجاملة علي شفتيه يومأ برأسه إيجابا، لا يعرف لما شعر في تلك اللحظة بقبضة قوية تعتصر قلبه يشعر بقلق لا يعرف له سبب علي صديقه حسام، لم ينتظر انتشل هاتفه من جيبه يطلب رقم حسام مرة تليها أخري وأخري وأخري، يشعر بالقلق يتفاقم عليه، اخيرا أجاب سمع صوت حسام الباكي ما أن فتح الخط:
- أمي بتموت يا زيدان.
انتفض من مكانه توسعت عينيه فزعا ليهدر سريعا:
- أنا جايلك حالا مسافة السكة هبقي قدامك.
اغلق الخط يخرج النقود من جيبه وضعها علي الطاولة ليأخذ طريقه ركضا لخارج المطعم، وصل إلي سيارته ليقفز فيها ما كاد يتحرك بها شعر بها تستقل المقعد المجاور له التفت برأسه لها يصيح فيها:
- انجليكا انزلي، أنا نازل مصر.
حركت رأسها نفيا بعنف تعقد ذراعيها أمام صدرها تقول في حزم:
- نو أنا هاجي مآك مصر.
لم يكن له الوقت ليجادلها يرغب فقط في أن يصل لصديقه بأسرع وقت ممكن، دهس مكابح السيارة بعنف يأخذ طريقه عائدا لدياره.
اخيرا وصل بعد طول عناء حادث بشع علي الطريق ادي لوقف حركة المرور الوقت لا يمر ابدا، كاد أن ينزل من سيارته ويتحرك ركضا يود فقط أن يلحق بها، يشرح لها ما تجهله، سيشرح لها الوضع كاملا وهي ستتفهمه لينا تحبه لن تتركه، من المستحيل أن تفعل، توقف بسيارته في الحديقة لينزل من السيارة يتحرك بخطي سريعة متلهفة إلي باب منزله، فتح الباب بمفتاحه الخاص ليراها، وقعت عينيه عليها ما أن دخل تجلس هناك علي الأريكة تبتسم!، ابتسامة هادئة ابتلع لعابه مرتبكا حين رأي حقيبة ملابس كبيرة جوارها مباشرة، وقفت ما أن رأته تحركت خطوتين للأمام ابتسمت تحادثه بهدوء شديد:.
- إتأخرت، بقالي كتير مستنياك، ما علينا، طلقني.
توسعت عينيه مصدوما حين نطقتها بسلاسة شديدة كأنه تخبره بأن يحضر لها كوب ماء، حرك رأسه نفيا سريعا تقدم ناحيته يحاول أن يشرح لها ما رأت بعينيها:
- لينا اسمعيني بس، الموضوع مش.
رفعت كفها أمام وجهه لترفع كتفيها بعدم اهتمام، حقا لم يعد يهم ما سيقول بعد ما رأت وعرفت انتهي الحديث قبل أن يبدأ، حركت رأسها نفيا بخفة تردف مبتسمة:
- مش، لاء هو مش مهم حقيقي اي الموضوع، المهم نتيجته، فلو سمحت بهدوء طلقني.
قطب جبينه مدهوشا من طريقتها الغريبة في الحديث، يعرف أنها تتألم تنزف قلبها يدمي ولكنها حتي لم تزرف دمعة واحدة وربما فعلت قبل أن يأتي، أسرع في خطواته يقف أمامها مباشرة يردف منفعلا:
- مش هطلقك يا لينا، ما فيش اي حاجة في الدنيا دي تجبرني إني اطلقك، انتي مراتي ولحد تخرج روحي من جسمي.
ضحكت، الموقف لم يعد به ما يستدعي الضحك ولكنها ضحكت بخفة، علي ما يقول عادت تجلس مكانها علي الأريكة من جديد همهمت تردف ساخرة:
- امممم، احنا هنرجع بقي لشغل الجنان بتاع زمان، بس للأسف لينا بتاعت زمان مش هي لينا بتاعت دلوقتي، لآخر مرة يا خالد بقولهالك بهدوء، طلقني كدة خلصت، خلاص، روح لمراتك وابنك هما أحق بيك دلوقتي، مراتك تعبانة شكلها.
اشتعلت دمائه غضبا فما كان منه إلا أن اقترب منها قبض علي ذراعيها يجذبها لتقف أمامه يصيح فيها محتدا:
- مالك يا لينا فيكي إيه، طلاق مش هطلق يا لينا وخروج من البيت دا مش هيحصل، أنا ما اتجوزتش شهد حبا في الجواز كنت اتجوزت من زمان، أنا بس ضميري كان هيموتني بسبب اللي حصل فيها زمان بسببي.
رفعت يدها تشير لنفسها توسعت عينيها في صدمة، ابتسمت ابتسامة متألمة معذبة تصيح بحرقة:
- وأنا، أنا فين، ضميرك ما بيأنبكش علي اللي عملته وبتعمله فيا، ما حطتنيش في حساباتك، قولت مش مهم هي كدة كدة بتسامحني.
حركت رأسها نفيا سريعا يحاول امتصاص حالة الصدمة التي هي فيها ليردف سريعا:.
-أنا ما حسبتهاش كدة، أنا شوفت شهد بعد سنين أنتي أكتر واحدة عارفة أنا قد ايه بتعذب بذنبها، طلبت منها تسامحني كان شرطها الوحيد أني اتجوزها، حاولت بكل الطرق اقنعها اني هقدر اعوضها بأي شكل تاني بس هي رفضت، ما كنش قدامي حل تاني صدقيني ما كنش قدامي حل تاني، لينا أنا بحبك والدنيا كلها عارفة اني عديت مرحلة الجنان بيكي، عمري ما افكر اجرحك او ااذيكي ابدا دي الحكاية كلها.
ابتعدت عنه فكت حصار ذراعيه تعود للخلف تحرك رأسها نفيا مرة تليها أخري وأخري، عند ذلك الحد هطلت دموعها تصيح فيه:
- حسيت بالذنب ناحيتها وما حستش بالذنب ناحيتي، بتحبني وأنت بتتجوز عليا، بتحبني وأنت بترمي نفسك في حضن واحدة تانية، حب ايه دا، أنت ما بتحبش غير نفسك يا خالد، ومستعد تعمل اي حاجة عشان خاطرها، بس لا خلاص يا خالد كل اللي بينا خلص، شوفتك بعيني واخدها في حضنك...
أنا بكرهك يا خالد بكرهك اوي!، طلقني بقولك طلقني.
حرك رأسه نفيا بعنف كور قبضته يشد عليها قلبه علي وشك أن ينفجر من حالتها البائسة علا صوته يصيح محتدا:
- مش هطلقك يا لينا انتي فاهمة، هتفضلي مراتي علي ذمتي سواء وافقتي علي دا او لاء.
- أنت مجنون...
جملة واحدة صرخت بها بحرقة قلبها النازف مما عرفت روحها تصرخ وجعا مما عرفت ورأت بعينيها، لتراه يفتح ذراعيه علي آخرهما يصرخ بنبرة عالية حادة مختلة:
- ايوة أنا مجنون، مجنون يا لينا، اطلبلي العباسية يحجزولي أوضة فيها، بس بسرير كبير عشان يوم ما هدخلها هاخدك معايا...
تسارعت أنفاسها بحدة تنظر له بكرة نافرة كارهة لتصرخ بقهر:
طلقني يا خالد، بقولك طلقني، طلقني لهخلعك.
وقعت الكلمة بعنف علي نفسه، وقف متجمدا للحظات ينظر له مصدوما عينيه شاخصة تحرك ناحيتها وقف أمامها مباشرة يلف ذراعيه حول خصرها جذبها بعنف لترتطم بصدره رفعت وجهها تنظر له بقهر لتحتد قسماته يهمس بكلمة واحدة:
- تخلعيني؟!
أحمر وجهها غضبا تحاول الإفلات من بين يديه تدفعه بعيدا عنها بعنف تصرخ فيه:
- ايوة هخلعك، طلقني بالذوق احسنلك بدل ما افضحك وتبقي خالد باشا المخلوع، وأنت عارف بابا يقدر يخلعك في لحظات.
وقف صامتا للحظات قبل أن يقترب برأسه منها يهمس جوار اذنيها بنبرة جنون تعرفها عاصرتها قديما:
- لينا هانم الشريف، بنت جاسم باشا الشريف، أنتي مراتي غصب عن عينك انتي وابوكي، وخلي جاسم باشا الشريف يجيب آخره، أنا لو عايز انسفه مش هتطلع عليه شمس بكرة...
دفعته في صدره بعنف ليتركها بملئ ارادته عاد خطوتين للخلف لتتوجه هي ناحية حقيبة ملابسها قبضت علي ذراعها تجذبه بعنف ليخرج من مكانه شدته بقوة التفتت ناحية خالد تمسح ما سقط من دموعها بعنف تردف بثبات:
- ما تزعلش من اللي هعمله.
جذبت حقيبتها لتخرج بخطي سريعة من المنزل كان بين شقي الرحي أما أن يتركها تغادر او يجبرها علي البقاء، وهي حقا في حالة لا تسمح له بأن يجبرها علي أي شئ ربما من الافضل أن تبتعد قليلا حتي تهدئ، لم يمنع قدميه أن تتحرك ناحية الحديقة، رآها تتوجه الي سيارتها في لحظة وقوف سيارة ابنتهم في حديقة المنزل، نزلت لينا من سيارتها قطبت جبينها متعجبة تنظر لحالة والدتها وتلك الحقيبة فئ يدها توجهت لها سريعا تسألها قلقة:.
- مالك يا ماما ايه الشنطة دي، وبتعيطي ليه.
ابوكي طلع متجوز عليا، نطقتها لينا بسخرية مريرة لتتوسع عيني الأخيرة تنظر ناحية والدها في دهشة، كيف مستحيل أن يفعل والدها ذلك، اجفلت علي جملة والدتها:
- هتيجي معايا عند جدك ولا هتفضلي هنا.
ابتلعت لعابها مرتبكة لا تعلم كيف انقلب الحال فجاءة وتقف في موضوع اختيار بين والديها، والادهي من ذلك والدها متزوج من أخري، لما يفعل ذلك من الأساس الجميع يتغني بعشقه العظيم لوالدتها كيف يفعل بها ذلك، جاء صوت والدها قريبا منها:
- روحي مع ماما يا لينا ما تسيبهاش لوحدها.
ابتسمت لينا « الشريف » ساخرة تنظر لابنتها:
- هستناكي في العربية هاتي شنطة هدومك.
استقلت مقعد السيارة الخلفي تغلق بابها بعنف، بينما أسرعت الصغيرة للداخل لتجلب حقيبة ملابسها، وقف خالد بالقرب من سيارة زوجته لحظات قبل أن يتحرك ناحيتها فتح الباب المجاور لها يدني بجسده قليلا ناحيتها يحادثها نادما:
- أنا عارف اني غلطان وانك مجروحة بس اديني فرصة افهمك الموضوع كله، زمان من سنين طويلة رفضتي تسمعيني فاكرة وصلنا لحارة سد وخدتي المسدس بتاعي وهددتيني أنك هتموتي نفسك لو ما طلقتكيش، فاكرة.
رفعت وجهها تنظر لعينيه مباشرة، رأي نظراتها الصارخة داخل مقلتيها الصامتة، ارتسمت ابتسامة مريرة علي شفتيها تردف ساخرة:
- كنت غلطانة، انت ما تستاهلش أموت نفسي بسببك.
ويال سخرية القدر لينا كلامها بات أحد من الرصاص، جاء ابنتهم بعد لحظات صمت قاتلة، لتمد يدها تجذب الباب بعنف تغلقه ، اشارت للسائق بأن يتحرك، التفتت لينا لوالدتها تحاول أن تواسيها بأي شئ، ما إن فتحت فمها بادرت والدتها تقول:
- مش عايزة اسمع حاجة.
في الحارة تحديدا في غرفة أدهم، يجلس أمامها ينظر له بتلهف لا يصدق أنها هنا أمام عينيه يراها من جديد بعد طول غياب، كان يشبع شوقه أن يختلس النظرات إليها من خلال كاميرات المراقبة ولكنها ها هنا الآن أمام عينيه
بصعوبة منع نفسه من أن ينتشلها ويجذبها لاحضانه يشبع روحه من شذي عبيرها الذي اشتاقه حد الموت يعشقها بل يذوب بها عشقا، تحرك لسانه تلقائيا يهمس لها بشغف عاشق:.
- وحشتيني اوي يا مايا، أنا مش مصدق نفسي أنك قدام عينيا، اني شايفك، وحشتيني كلمة ما تعبرش عن شوقي ليكي.
توترت حدقتيها خفق قلبها بجنون كلماته تذيب جليد قلبها العاصي، اختنقت نبرتها حين همست تعاتبه:
- أنت كنت عايز تأذيني، كنت عايز تنتقم من بابا، فيا.
حركت رأسه نفيا سريعا مد يده يمسك كف يدها يغمغم سريعا متلهفا:
- ما قدرتش والله ما قدرت، صدقيني أنا بكره نفسي في اليوم ألف مرة عشان فكرت بس اني ااذيكي.
رفعت رأسها إليه، لتبدأ بينهما وصلة عتاب سيتغير بعدها الكثير.
في مكان بعيد، بعيد للغاية قصر كبير ضخم بشكل مخيف، تحطيه حراسه كثيفة من جميع الجهات، خلف أحد ابوابه المغلقة يسمع صوت حديث اسود ملعون
- تفتكر ايه هي نقط ضعف خالد السويسي
- طبعا مراته وبنته
- بس هما دول نقط ضعفه، لو قسمناهم هنلاقي في الأول خالص مراته وبنته وبعدين اخواته ومامته وبعدين باقي العيلة، لما نعوز ندمره نضرب مين الأول
- مراته او بنته.
- غلط، عشان ندمره نضربه من الابعد للاقرب، مين اقرب واحد لخالد في اخواته.
- حمزة أخوه التؤام، الدون
- بالظبط هو دا هدفنا الجاي، رصاصة واحدة وتخلصنا منه، وبعدين نشوف الاقرب والأقرب والاقرب لحد ما يتجنن من قهرته عليهم...