رواية عقاب ابن الباديه الفصل الواحد والثلاثون 31 والثاني والثلاثون 32 والاخير بقلم ريناد يوسف


 رواية عقاب ابن الباديه
الفصل الواحد والثلاثون 31 والثاني والثلاثون 32 والاخير 
بقلم ريناد يوسف


غادر أدم الشركة تاركاً عمه وإبن عمه يستشيطان غيظاً، عاد للقصر واخبر والده بما حدث معه وبأنه إستعاد المخازن ولن يحتاج لأوراق ملكيتها، فقد علم أنها مسجلة في الشهر العقاري وكل ماسيتطلبه الأمر هو الذهاب للشهر العقاري وإستخراج أوراق ملكية بدل فاقد، وأما بخصوص حماية المخازن فقد ولى عليها من هو أشد إجراماً وبطشاً من رجال عمه، وعمه قصير والشيخ منصور هم من رشحوهم وكلفوهم بتنفيذ المهمة هاتفياً.
تناول طعام الغداء الذي أعدته مايزه مع ابيه ومع أمه ومايزه ونهض ليتوجه إلى غرفته، بعد أن وزع نظراته بين كارمن وحياة وهو يختار من منهم التي سيبدأ بها أولاً.. فقرر بأنه سيبدأ بكارمن، فهى تبدوا اقل رزانة وأكثر إنجذاباً إليه، حيث ان عيناها لا تفارقانه مادام أمامها، أما حياة فنظراتها له كانت مغلفة بالحرص علي ألا يلاحظها احد، ولكن العقاب ليس باي أحد، فهو يستطيع الشعور بالعيون التي تراقبه حتى دون ان يلتفت إليها.
جلس على تخته وفتح حاسوبه وقام بالبحث عن حسابها الخاص بالفيس بوك، وفي اقل من خمس دقائق كان يلج إليه ويخترقه دون ادنى جهد، واخذ يتفحصه جيداً، فعرف من تصادق ومع من تتحدث، وعرف هواياتها من مقترحات التطبيق على صفحتها، إستمع لمحادثاتها مع صديقاتها، وعرف من خلالها مدى إعجابها به، فقد كانت تصفه وتتغزل به، وليس هذا كل شيئ، بل وهاتفها الذي إخترقه للتو كان مليئ بصوره كانت تلتقطها له طوال الوقت وهو غافل فى أوضاع مختلفة، ومنها تأكد بأن مهمته يسيرة جداً، فالإعجاب موجود والتقرب لن يستغرق سوى بضع كلمات.

اغلق حسابها وولج لحسابه وبدأ في مراسلتها علي الفور:
 السلام عليكم.. كيفك يابنت العم عساكي بخير.
لم يلبث سوى دقيقة واحدة وجاءه الرد منها:
- عرفت حساب
-الناس ترد السلام بلاول.وللا بوك وامك ماعلموك .
- وعليكم السلام وكل حاجه بس برضوا عرفت حسابي منين؟
- ليش حسابك بدو تعب ليعرفا الواحد.. الحساب بأسمك وماشاء الله حاطه صورتك عليه ماعندك خشا ولا حيا لا وايش كمان متصوره بشعرك وبملابس مايلبسنهن غير العوالم.. بس العيب مو عليكي العيب عالتيوس اللي مسئولة منهم.
- ايه دا يابني إنت هو انت داخل تتعارك معايا، فيها إيه لما اتصور بشعري دي حرية شخصية، وبعدين مسمحلكش تتكلم عن بابا وإخواتي كده وتقول عليهم تيوس.
- لا تسمحي غصباً عن بوزك مامنتظر سماحك، بس للأمانة هم تيوس.. يعني انا إذا معي أخت متل القمر هكي بخلي كل اللي رايح والجاي يشبع من جمالها، ولا لأحطها في قاروره من الالماس ونوصد عليها مية باب وباب لغاية مايجي راجلها ياخذها وماأخلي عين تنضرها.. أصلاً اللي راح يتزوجك ماراح يسامحك لأنك خليتى الكل يشاهد شي ملكه هو لحاله.. بس ايش نقول، البنت برغم جمالها غبية والأهل تيوس. 

لم تعرف بماذا ترد عليه، فكلامه عبارة عن إطراء كبير ولكنه مغلف بالسب والتوبيخ.. فهل تصده وتدافع عن اهلها وربما في هذة الحالة ينهي المحادثة ولا يعاود الكرة مرة اخري أبداً، أم تتغاضى وتنتهز فرصة باتت تحلم بها اياماً، فها هو الوسيم تاجر الأسلحة ذو المكانة العالية التي يتحدث عنها الجميع لم يستطع مقاومتها وأتى صاغراً ملبياً لنداء جمالها الفتان.
فقررت التجاهل وردت عليه قائلة:
- طيب ودا اسميه إيه بقى؟
- سميه متل مابدك، كل المسميات أمامك.
- يعني لو سميته غيرة عادي عندك؟
- اي ويش فيها يعني، سميها غيرة وهي عنجد غيرة، اللي مايغار علي لحمه مايحقله لقب أنه يكون رجال، وأنا رجال وإنتى بنت عمي.. ومازلتي صغيرة وبدك من يوجهك ويعلمك الغلط من الصواب.
-انا مش صغيره علي فكره انا عندي..
- اعرف عمرك واعرف تاريخ ميلادك، واعرف كل شي عنك.
- اممم.. دا إهتمام بقى!
- اي إهتمام اكيد، مو قلتلك إنتِ بنت عمي ولحمي.وعرضي
وتوا ودي احكي معاكِ شوي ونتعرف عليكِ، ودي اعرفك اكتر وأكتر.
-ليه؟
-ماندري هادا اللي انريده توا،صار هكي عندى رغبه انتعرف، وشي تاني، من اليوم صار عندك رجال يهتم ويغار، وبيحاسبك  يعنى مافي طلعه بشعرك ومافي لبس ضيق، مافي أصدقاء رجال ع الفيس او اي مواقع تواصل، والأهم.. مافي جلوس بملابس البيت هادي اللي تجلسين بيها قدام ولاد خالتك وعيونهم تاكل وتشرب فيك.
تبسمت وصمتت ولم تجبه، فهذا هو ماتريده تماماً، هذه هي صفات فارس أحلامها، غيور وقوى ويهابه الجميع، وفى نفس الوقت وسيم وذو طلة خاطفة، فمن هى الغبية التى تقاوم كل هذا وترفضه؟
أما هو فلما طال سكوتها علم أنه لمس أوتارها الحساسة وإستطاع إختراق نقاط ضعفها، فهي كحال كل الصبايا في عمرها، ينجذبون لمن يشعرهم بأنهم ملكه هو فقط ويستطيع تدمير العالم لأجل حبيبته.. والمهم أنه يغار.

إستأنف حديثه معها وإندمجت هي فى الحديث وفتحت ابواب قلبها لهذا الشعور الجديد الذى يتسلل إليه، وكان هذا أول إنتصار لآدم ونجاح فى إختراق صفوف العدوا وتدميرها، حتي وإن كان الدخول من اضعف نقاطة، فهذه إستراتيجية قتالية بحته، إذا كنت تريد تدمير شيئ فأستهدف نقاط ضعفه.

أنهى حديثه الطويل معها، والذى اسفر عن نجاحه المؤكد فى ثانى خطواته، ثم إستوى على فراشه واخذ يفكر فى الخطوة القادمة.

أما فى القبيلة...

رجوه:
- هاه ياسلومتي امتي راح نمشي لعقاب؟ متى راح ينتهي رابح من تجهيز حاله، ليه ساعات يتسبح، قوله الوصخ ماينضف لو ايش ماعمل وخليه يطلع.وهو اتقول حنش قاعد يصلخ في جلده
- ويش فيك يارجوه ليش متعجله، بعد ساعة بعد تنين رايحين رايحين، طولي بالك واجلسي وحطي صرة ملابسك هادي عالأرض ليش متلفحه بيها.. وبعدين ليش كل هاد هو يوم او يومين هنقعدوهن هناك مامطولين لحتى تاخذي كل ملابس وكإنك راح تسكنين؟ اهمدي وماياخدك العشم اكتر من هكي
- ويش فيها اذا اخدت واجد ملابس، انت تعرف انى انحب انبدل ثيابي كل شوي وكمان عشان اهل الحضر مايقولون شوفوا بنت البادية المسكينه ماعندها ملابس، بس قطعة تنام بيها وتقوم.انا انريد انكون واجهه كل بنات البدو من نظافه للبس وكل شي 
- راح تسوين عرض ازياء باين هكي؟
- إي وراح نمشي عاريه مانستر الا قليل من جسمي، ونسبل شعري، ونمشي انتمختر  شمال ويمين ونضرب بقدامي ليرن صوت اكعوب نعولي متل ماكانت البنات تمشي بتلفزيون عقاب، وألبس النعل هاااك طولا وانخلى الكل يصفقولي.
- اي احلمي أحلمي وكتري ، ماعليها ضريبه الأحلام.. قال تلبس عاريه وتمشي تتطوح، والله نقنصك وأنموتك بأرضك وندعس ع راسك.
- وانهون عليك سلومتتتي؟
تنهد وهو ينظر إليها ويتأملها، وقبل منها يتأمل حال قلبه الذى ينقلب من النقيض للنقيض فقط بكلمة منها، ويبيع جميع القضايا بإبتسامة، ويعلن الخضوع علي الفور ما أن تناديه بأقرب الأسماء لقلبه على الإطلاق"سلومتي".. فأردف لها في قرارة نفسه:
- والله تهون الروح ولا تهونين على سلومتك يانبض سلومتك إنت، تدللي علي كيف ماتريدي يارجوتي.
تنحنح وحاول العودة من العالم الوردي الذى تاخذه إليه بكلمة واحدة ويذهب معها دون أدنى إعتراض، وبدأ في هندمة ملابسه التي لا تحتاج لهندمة ورد عليها بخشونة مصطنعه:
-تهونين ونص إذا ودك تصيرين فانص العُربان كلها مو بس فانص قبيلتنا. 
انهي حديثه وتحرك من أمامها على الفور فهو يعرف جيداً مالقادم إليه.. وقد كان، فقد بدأت رجوة تقذفه بوابل من الشتائم جعلت إبتسامته تتسع مع كل كلمة تخرج منها:
- ويش قولت.. انا فانص، يعني حتي أنت ياتيس صرت تقولي فانص كيف القبيله، ولك روح الله يبعتلك ذيب ياكلك مايبقي فيك شي، الهى تعشش بجتتك البراغيث ياسالم وتمشى تحك جلدك بالصخور متل الصخال المبرغته.. ألله يقطع هاللسان اللي صار ينقط سم.. الله... 
كان قد إبتعد المسافة الكافية وبدأ صوتها ينخفض ويتلاشى، حتي وصل عند أبيها، عمه قصير فقال له:
- هااا عمي ماقلتلي اتوصي على شي من الحضر؟ 
- لا ماودي شي ياسالم، ماودي إلا تدير بالك ع بلوتك اللي معك.
- لا تشيل هم ياعمي رجوتي بعيوني والله. 
- بعرفك كفووو ياإبن اخي، ولو ماهيك ماابعثها معاك لاي مكان بعيد وهي دوبك رهينتك ماعقدتوا عقد، بس انا نعرف سالم إبن اخي زين، ينآمن عالعرض وعالروح.
- والله ياعمي إذا تعرف سالم زين ماتحاول تعطيه رسايل بطريقة غير مباشرة وانت تعرف زين انه يفهم عليك.. واذا على حكي القبيلة وأنه سالم خد بت عمه وطاف بيها بالبلاد فهادا اتركه على عمتي عوالي، هي راح تفهم الكل انه نزلنا نجيب حاجات للعرس. 
- اي عرس هادا ياسالم؟ لتكون ودك تعرس قبلي! والله فسماه إذا حصلت لنحرق الخيمه اللي راح تتزوجون فيها وأنتم جواها وبليلة عرسكم.. يعني انا نصبر سنين ويجو الصغار يتزوجون قبلي! 
كان هذا صوت رابح الغاضب، فأجابه  قصير على الفور:
- هدي حالك يارابح مين جاب سيرة زواج واعراس،انت صارلك عفريت اسمه زواج وبعدين من يزوج المهبوله للتيس بهادا العمر، مازالو صغار كتير. 
وبالمناسبه جوازك من معزوزه مرهون بيك انت، يعنى لو جيتني وقلت ياعمي انا جاهز للزواج ايش اللي يأخرني انا.. ثم إن عمك الشيخ منصور بذاته كلمني من نقال قياتي  ووصاني عليك وعليها ويقول كافي صبروا لمن مل منهم الصبر زوجهم، قولتلوا والله التقاعس اصبح من رابح مو مني.
رابح:
- خلص ياعمي إذا الأمر مرهون بي راح انوكل مهمة تجهيز العرس لعمتي عوالي، والخيمة بتتنصب من غدوة، وأنا بس انعاود من عند عقاب يتم العرس باليوم التالي.
وتوا الاذن منك نعدي ازف البشرى لمعزوزه بروحي وانفرحها وانخليها تستعد للعرس.
- اذنتلك يا يابوي اربح افرح وخبر خطيبتك .
تحرك رابح سريعاً يتسابق مع دقات قلبه حتي يزف البشرى لمعزوزته، وفور أن رآها تخرج من خيمتها وقف أمامها يلتقط أنفاسه بصعوبة وعلت وجهه إبتسامة جعلتها تبتسم تلقائياً مع دقات قلبها التي بدأت تضطرب وهي تقرأ في عيونه سبب فرحته وسألته هامسة:
-خلص يانبض القلب آن الآوان.
أومأ لها برأسه مجيباً ثم إقترب منها أكثر ولم يعد يفصلهما غير بضع إنشات وهمس لها:
-باقي بس ايام يامعزوزه والروح ترد لجسدها وتدب الحياة فيها.. باقي بس أيام وتصيري أم بيتي وأم قلبي وأم أولادي بمشيئة الله، باقى بس أيام وتتحقق كل الأحلام اللى ظنيت بيوم انها ماراح تتحقق.. الحين انا مسافر لعقاب وهنن يومين بس وأنردلك يانبض القلب وضي العين.. ودي انرد القاكي احلا عروس.. ودى اعاود انلاقيكي بإنتظاري كيف ماتنتظر الجنه التقى.. ودي انعم بيكي ياجنتي.. استعدي لعرسك ياعزيزة القلب ومعزوزة الروح، لقروش كلهم معك، بس يطلب منك مرسول اعطيه هو راح يعمر الخيمة ويجيب اغراضها من الحضر انا بوصيه، واللي تطلبه الشيخه عوالي وأمي للعرس اعطي، والدبايح من حلالي قولي لابوكى وهلال يختارون الاعفى والأعتى من بينهم وكل يوم يذبحون كبشين للقبيلة كلها لحين ارد.. الفرحة بدت من اليوم.. وأنت ياروح الروح خذي كيف مابدك مصاري وانزلي الحضر مع عمتي عوالي وجيبي اللي تطيب عليه نفسك، ماتبخلى على نفسك بشي.. كل اللي تهواه عينك جيبيه وأنا ماراح اقولك ايش جبتي وايش صرفتي وقديش بقيتي.. رابح واموال رابح فداكي ياعرِق عيني.
-. الله يحفظلي رابح ويسعدلي قلب رابح ويهنيني برابح اللي مافي متلوا بكل الدنيا لو غربلوها غربله.. ابشر ياحبيب الروح والقلب والعين.. بس ترد راح تلاقي عروسك منتظرتك وكل شي جاهز ماباقي غير اقولك زوجتك نفسي وانت تقول قبلت وتلتقى الارواح.

غاصت العيون في نظرة تمني طويلة قطعها الصوت الذي يبغضه رابح كثيراً:
-مووو كافي ياعنتر البوادي وإنت ماتستحين ياعبل القبايل.. ماتقول ورانا سفر وطريق طويل ونترك التسبيل لبعدين.. هاي اموركم الفارغه تنتظر أما الطريق والسفر ماينتظرون.
إستدار نحوها رابح وهو يعض على شفته السفلى بغضب وهمس لها من بين أسنانه:
-انقلعي انتظريني بالسيارة ياراس البين وبلا كتر حكي.
- واللله مااتحرك من هين إلا ورجلى على رجلك، ليش مااعرفك انا وقت تصفن علي معزوزه يتوقف بيك الزمان وتصير متل صخره لو الدنيا خربت من حولك ماتبالي.. هيا يارابح ومعزوزه باقيه والتسبيل باقي ماراح يروح لمكان.
نظر رابح لمعزوزته مرة اخرى وقال لها:
-. معزوزه اعطي لهلال قروش يشتريلك نقال وخط من الحضر وخلي يدق عليا منه، ودي ماينقطع عني صوتك، كنت ناوى اجيبا إلك بس بكل مره مااعرف ايش يعطلني.
- أبشر ياربح قلبي، كل اللي تريده راح يتم، سافر وكون هاني، ودير بالك ع حالك أمانه عليك، وردلي سريع يارابح وماتزود البعاد ساعة إذا بتقدر تنهيه.
- حاضر ياعيون رابح.. يلا استودعك ربي ياغلا روحي.
انهي حديثه وانطلق مبتعداً على الفور من امامها، فهو مثل ماقالت رجوه تماماً ينسى دنياه ونفسه إن وقف أمامها ويتوقف به الزمان.. ونظر لرجوة وقال لها آمراً:
-هيا يالفانص اتبعيني.
وصعد ثلاثتهم السيارة وبدأت رحلتهم نحوا آدم، ورحلة رجوه نحوا تحقيق أهدافها.
وصلوا إلى القصر بعد رحلة إستغرقت عدة ساعات لم تكف فيهم رجوه عن الثرثرة إلا عند تناولها الطعام أو الشراب، ورابح صنف الرحلة بانها رحله جحيمية بمصاحبة هذا المزياع بغيض الصوت الذي يقاطع افكاره ويطرد طيف معزوزته من أمام عينيه كلما إستدعاه بصرخة قوية تهز بدنه كلما رأت شيئاً غريباً، مما يجعله يسبها فى السر والعلن بشتى انواع السباب. 

أما سالم فكان يسبح فوق الغيوم من فرط سعادته بقربها وأحاديثها التي لا يمل منها ابداً، ينظر إلى فمها وينتظر منه الكلمة وفرحته تشبه فرحة طفل لرؤية هلال العيد، ولا يصدق ان رجوته قريبة منه لهذا الحد الذي جعله ينهل من ملامحها حد الثمالة ويهيم قلبه على وجهه لا يعرف له ملجأ إلا عينيها. 
وتمنى لو إنقضى العمر وهو على نفس جلسته أمامها ويتوقف الوقت وتتعطل الساعات. 
ولكنها تظل أمنيات.. 
وصلوا إلى القصر ودق سالم على جوال آدم الذي لم يصدق حين اخبره سالم بأنهم امام القصر، طلب منهم الدخول وغادر الشركة على الفور راكضاً حتى يلاقى رفقاء الروح والقلب.. وفور مغادرته دلف ياسين إلى مكتبه الذي إغتصبه من أبيه وأخذ يقلب فى كل الأوراق فيه، وإتكأ بعدها على الكرسي يواصل التفكير في خطته التي عزم على تنفيذها فور إكتمال أركانها رغماً عن إعتراض أبيه والجميع. 

داخل القصر.. كان الإستقبال لسالم ورابح ورجوه ملكياً من محمود وعايده، وحتى مايزه التي شمت بهم رائحة قبيلتها التي إشتاقت لها وبدأت تشعر بالإختناق هنا تحت الأسقف وبين الحوائط التي تمنع عنها البراح، وجلسات السمر مع نساء القبيلة... والأهم من هذا كله.. شيختها "عوالى". 
بدأت رجوه تلتفت حولها وتتفحص القصر وجميع زواياه بفم منفرج إنبهاراً، فما رأته كان أجمل من كل الكلمات التى وصفته عن لسان رابح وسالم، فالحقيقة دائماً تختلف عن الخيال، إما أجمل أو أقبح، ولكن التطابق نادراً. 
إنتهت مراسم الإستقبال ومحمود اخذ رابح وسالم لحديقة القصر وتطوعت عايده بإعداد الطعام بيديها للجميع هذا اليوم، وتركت مايزه تنفرد برجوه، فقد رات حاجتها للحديث معها، وقد كان، فأصطحبت مايزه رجوه علي الفور لغرفتها واجلستها امامها بعد ان رمت صرة ملابسها على الأرض وهي تصيح بها:
ويش هاد؟ طويتي خيمة بوك وامك وجبتيها بالصره، انكلبتي جايبه كل هي الصره متل متكوني مهجره؟ 
- ويش فيك يامايزه جايبه ملابسي، ولا ودك البس معك بملابسك واصير عجوز البين متلك؟ 
- عجوز بين لما تاكلك يافانص ياام اللسانين، والله ودك كوي بسيخ عوالي وبس ارد للقبيلة انا بروحي اللي راح احطه عالنار واخليه يتنر واقولها ادفسيه بكل مكان بجسم هي الفانص. 
- اللي يرد معكم للقبيلة سيخوه. 
- ويش تقصدي؟ 
- سلامتك ياعجوز القبيلة..واكملت وهي تنظر حولها متفحصة غرفة مايزه وفراشها وخزانتها:
- والله ونضفتي يامايزه وصرتي تنامين على سراير من بعد ماكان النمل وحشرات القبيلة واخدينك عشوش ليهم، وبس كنتي تحكي جسمك ينزل النمل والخنافس.. زمن دوار والله. 
- نمل وخنافس لما ياكلونك حيه
- ششش صكري فمك يامايزه واحترمي صاحبة القصر اللي لامك ومنضفك. 
- والله إنك انهبلتي والله.. المهم فوتينا من اهبالك واحكيلي يالفانص ويش علوم القبيلة واهلها وناسها  الجبير والصغير وحلالها وجمالها وخيلها وحتي رمالها اوصفيلي حالهم. 
وبدأت رجوه تقص عليها أخبار القبيلة وتجيبها على كل أسئلتها، وتنقل لها اخبار كل من سألت عنه،وظلت هكذا إلى ان ألمت مايزه بجميع المستجدات فى قبيلتها الحبيبة، وسكتت رجوه عن الكلام حين سمعت صوته الذي زلزل كيانها، فتركت مايزه وخرجت تتقصي مكانه، وفور أن راته بهيئته وهندامه، بحلته التي جعلته يبدوا مثل أمراء الحكايات، مع قصرة مع الهالة التي حوله إنطبق عليه التشبية، وبدا كأنه أمير هارب من زمن الأساطير. 
واثناء تأملها له دلفت من باب القصر كارمن التي جعلتها تفتح عيناها على وسعهم، كانت ترتدى زي مدرسي وتربط فوق رأسها قماشة بالكاد تغطي الجزء العلوي وتتاثر خصلاتها بعشوائية حول وجهها الأبيض المستدير، فبدت جميلة حد الفتنة، وغير هذا رأت نظرة آدم الجانبية لها فشعرت بناقوس الخطر يدق فى روحها، ولم تلبث أن تتجرع الصدمة حتى دلفت من الباب فتاة أخري، ولكنها كانت محجبة وتبدوا أقل جمالاً من الأخري، ولكنها حازت علي نظرة جانبية أخري من عقاب..فدقت داخلها جميع نواقيس الخطر في آن واحد فرفعت رجوه يديها فوق رأسها وهمست بغيظ:
- حييييييه عليكي يارجوه حييييه زوز فوانص ياعقاب معك عايشين وانا اللي انتظرك ترد للقبيلة مره تانيه، والله إنك ماراح ترد وتترك هادول الفوانص. 

ولم تكن الوحيدة التي لاحظت نظرات آدم، فقد لاحظها سالم أيضاً، وخاصة نحو كارمن والتى قُوبلت بإبتسامات خجولة منها، فقلق سالم من وضع آدم، فقرر أن يتقصى أمره ولكن فيما بعد. 

وبعد ان سلم آدم على الجميع وإطمأنوا على أحواله، جلس معهم يتجاذب اطراف الحديث حول البادية وأحوالها ويصف شوقه إلى الصحراء الواضح في كل حرف من حروفه، غادرت رجوه لمساعدة مايزه وعايده في إنهاء تجهيز طعام الغداء، ونهض محمود وذهب إلى مكتبه لينهي بعض الأعمال، وبقي ثلاثتهم، آدم وسالم ورابح، فإستدار سالم وواجه آدم وسأله بشك:
- عقاب في شي عم يصير معك مووو؟ 
- ايش لاحظت؟ 
- واااجد اشيا ومستغرب من السرعة. 
ضحك آدم فقد فهم عليه وعرف إلي ماذا يرمى، فرد عليه ببساطة:
- خوي لا تشغل بالك وكون هاني عقاب مو صغير. 
إنتبه الجميع علي صوت مايزه آت من الداخل وهي تصرخ:
-واااااك عليكي يافانص حلي عني وغوري. 
فضحك الجميع عليها، ورفع آدم عيناه على صاحبة الظل الزى ظهر فجأة بينهم، فوجد كارمن تقف فى شرفة غرفتها المطلة عليهم، فتبسم لها وردت له الإبتسامة، وهنا لم يستطع سالم كتمان مايجول فى نفسه وقال له غاضباً:

- ماتقولي ايش فيك احس عيونك زاغت  ياخوي، واللي مراقباه العيون مابيه خير، ويش فيك ياعقاب معقوله يكون عقلك بطل يفكر زين بس شفت بنات الحضر وزينتهم، معقوله راح تقع بهي الغلطة العظيمة وتنسى كل شي، معقوله تحب من نسل عمك؟
- ليش ياسالم هو كل النظر حب؟ ولا كل إلتفاته مصحوبة بتمني! روق ياضلع وماتفقد ثقتك بعقاب وتخلي عقلك اللي خربته رجوه يحط افتراضات خربانه متله.
- فهمني لكان؟
- بعدين بتفهم كل شي، والحين قوم خد بلوتك هي اللي جلطت مايزه سبع جلطات من ساعة اللي وصلت وكل شوي مايزه تصيح واااك منها، قوم فررها شوي هون وهون، خد السيارة وروحوا لحالكم، ولا تخبر مايزه راح تدقها ألا تروح معكن.. وإذا بدك مصارى بالغرفه بخزانة ملابسي خد اللي يكفيك ويفيض وأشتريلها كل اللي تشتهيه.. رجوه اذا شافت شي عجبها وماطالته وجابته بتقوم قيامتها.
- لا ياخوي معي خيرات الله واجيبلها كل اللي تريده، ياريت كل هموم الدنيا كانت قروش والله ماكان حد شال هم.
وبالفعل نهض وأخبر رجوة بأنه سيأخذها بجولة، وحين علمت ان عقاب لن يكون معهم رفضت، وأصرت علي البقاء معه بالقصر ومراقبته مع الكارثتين المحيطتين به، ولكن سالم لم يستمع لها وأجبرها على الخروج معه، وأصطحبها بالإكراه بعد أن تناولا طعام الغداء، وبالرغم من أنه قضي ساعات طويلة فى السفر وجسده منهك، إلا أنه وجدها فرصة للتقرب لا تعوض وقرر أن يستغلها، 
ونتيجة ذلك لم تكن النزهة كما خطط لها فى عقله، بل كانت عبارة عن تجاهل وصمت مطبق من رجوه، وعدم تجاوب مما جعله ينهيها سريعاً ويعود بها للقصر مرة أخرى خائب الرجاء.

وفور وصولها للقصر أسرعت تجلس بجوار آدم وهي تتفحصه بعيناها وكانها تريد إلتهامه، فوقف سالم مشدوهاً من لهفتها، وكالعادة حارب عقله الذي يحاول أن يخبره بأن هناك شيئ خاطئ يحدث، وأجهض أفكاره قبل أن تتكون.

يتتبع
رواية عقاب ابن البادية الفصل الثاني  والثلاثون والاخير في الجزء الأول. 

إقترب منها وجلس بجوارها وسألها هامساً:
-عجب لحالتك شايف ضيقتك اختفيت يعنى وملامح وجهك إرتاحت وضحكتك عاودت،اتقول كنتي ميته وردت فيك الروح

إنتبهت إليه وردت على كلامه قائلة:
-حاسدني على هادي ياسالم واسمعها مني  
اي ماانا من البدايه حكيتلك واااجد مانريد نطلع بس انت اللي ركبت راسك، من يوم وعيتلك عالدنيا وانت تعمل اللي براسك ولا تهتم اذا رجوه راضيه ولا لا، كل اللي يفرحك انت ويسعد قلبك تسويه، وما تفكر غير براحتك وبس.. انت اكتر واحد اناني بالعالم ياسالم، مهما عملت وعطيت وزاد كرمك للناس، هتفضل تحب نفسك اكتر من اي شي وحاططها فوق الكل. وما بعدك حريقة
- تحكي من جدك انتي ،ويش هادا اللي تقولينه يارجوه، معقوله انا هكي ؟ يعني هادي نظرتك لسالم يابنت عمي؟ 
- اي ياسالم هادي هي نظرتي لك، بالاول ماكانت هكي بس انت بدلتها بأنانيتك اللي كل ماتكبر بالعمر تكبر معاك وتزيد لما بقت عالعلن كيف قرص الشمس، و متشافه للأعمى. 
اخذ نفساً عميقاً وحبسه بداخله لثوانٍ راجياً أن يطفئ لهيب فؤادة من كلماتها اللازعة، ثم اخرجه دفعة واحدة ورد عليها معاتباً:
- والله ان سالم ماتغير ولا جد عليه شي ولا بيوم كان أناني ومن يوم يومه يبديكي على روحه ويرخصلك الغالي وما يستخسر فيكي نجوم السما لو تطلبيهم.. بس الظاهر إن انتِ اللي تغيرتي،ومو عاجبك اللي كنتي ما ترتاحي الا معاه، يارجوة مو انا.اللي ذكرتيه سابق . والظاهر إن كلام جدى منصور بدا توا يتفسر ومعانيه تلوح.. 
القلب اللي تربى ع يد سالم وكان يحب كل شي منه اليوم كبر وصار بده يخرج عن طوع حبيبه ويشوفله راعى جديد.. بس حسافه عليكى إذا كان اللي انفكر فيه صحيح ومن بين كل الناس مااخترتي راعي لقلبك غير اللي عيونك محاوطينة  وقتها راح تكوني رميتي قلبك للى ما راح يرفع عينه ويبصله نص بصة،ولا راح يهنا لك بال بعدها، تعرفين ليش يارجوه ولا ماتعرفين؟ 

إرتبكت وتلعثمت وهي ترد عليه بعد أن أشار عليها بأصابع الإتهام وجردها من أي ستار كانت تواري مشاعرها خلفه:
- ويش تقصد انت ياسالم وعلى من قاعد تلقح كلامك؟ 
- نظر سالم نحو آدم المشغول مع رابح في الحديث وصمت وهو يتأمله قليلاً ثم اردف لها:
- لا ولا شي، لا تحطي ببالك.. روحى لمايزه وقوليلها تجيبلك شي تاكلينه انت ماكلتي زين اليوم، قومي يابت عمي  وربك يصلح حال القلوب. 
نهضت رجوه وتركت المكان كله هاربة من الموقف ومن سالم ومن شعور إجتاحها في هذة اللحظة بالإعتراف له بكل شيء عله يتركها وشأنها، ولكنها رأت أن عقله بدأ يتطرق للحقيقة، وأنها مسألة بضعة وقت ويتأكد من محبتها لآدم وعدم رغبتها فيه كزوج لها، وبالتأكيد فى هذه الحالة لن يسمح له كبرياءه بالإستمرار معها. 

أما سالم فأنضم لآدم ورابح، وأخذ يستمع لاحاديثهم في صمت وهو ينظر لآدم ويفاضل بداخل قلبه بينه وبين رجوه، وإن أضطر للتنازل عن أحدهم من أجل أن يكسب الآخر فمن سيختار؟ 
انتبه آدم لشروده وسأله بغرابة:
- ويش فيك ياخوي، ليش هيك شارد عسى اللى شاغل فكرك خير. 
رد عليه رابح مباشرة:
- والله كلنا نعرفو اللي شاغل فكره وقلوبنا معه وندعي الله يعينه على مابلاه. 
فتبسم آدم وهو يرد على رابح:
- ياخوي احلا بلوه والله، وبعدين ماتخاف سالم تعود على وجيج  رجوه واذاها ودلالها اللي مايتحمله غيره.. والله يارابح انا من لما شفت سالم وجلده عليها وشفت طبعها وشينه، تأكدت إن الله مايجمع غير اللي يرهم ويليق للأخر،وهو سبحانه مؤلف القلوب..ولولا إختلاف القلوب والأذواق لبارت السلع

تنهد سالم وهو يتيقن أن عقابه لا يكن أي شعور لرجوه، وأنها إنجذبت له من غير حول له ولا قوة ولا يد له فى محبتها. 

سأل رابح آدم عن خطواته القادمة وعرفوا منه أنه بدأ فى ضرب عمه فى أساسات عمله، وأنه بدأ منافسة غير شريفة معه، تسحب من تحت اقدامه البساط تماماً كما سحبه من تحت أقدام أبيه، وتعيده حافي القدمين يقف على أرض موحلة كما كان فى سابق عهده. 

بعد أن إنتهت أحاديثهم تفرق ثلاثتهم، فخرج سالم تاركاً القصر وأخذ يهيم فى الطرقات بلا هوادة راجياً عقله ان يجد له حلاً ما لما هو فيه، وبعد طول تفكير إهتدى لأن ماتشعر به رجوه الآن مجرد إنجذاب، فلا آدم سيكون لها يوماً ولا هي ستطاله، وهذا لأسباب وضعت بينها وبينه إستحالة حدوث هذا، أصله أولاً فهو غير بدوي الأصل وهنا يكمن مربط الرفض القاطع، وثانياً أخلاق عقاب ومحبته لسالم، وهذا يجعل الأمر من سابع المستحيلات، فلا عقاب بالخائن، ولا صداقتهم ستهدمها فتاة. 
فقرر ترك الأمر للوقت والظروف وهو أكيد بأنهم سيعيدانها إليه، ستكون مرغمة حينها وغير راضية كلياً في البداية عن زواجهم، ولكن حبه والزمن الطويل بينهم كفيلان بأن يبددا مايتكون في قلبها الآن، وأهم شيء في الوقت الحالي هو معرفة كيفية التعامل معها، هل يظل على قربه منها وإعتنائه بها، أم يبتعد ويجعلها ترى الحياة بدونه وبدون رعايته وحبه كيف ستكون؟ أم إن البعد سيزود الجفاء أكثر؟ وبعد الحيرة قرر ان يستشير في الأمر من ستعطيه النصيحة المثلى "الشيخة عوالي" 

أما رابح فقد وردته مكالمة من رقم غريب، وفور أن رد عليه عرف أن هذا خط معزوزه الجديد وأن الهاتف المحمول أصبح معها الآن ولُغيت المسافات أخيراً، وأخذ الإثنان يتصبران على الشوق بالاحاديث الليلية الطويلة، أو هذا ماظنا انهم يفعلانه، ولكن العكس هو ماحدث، فمازادت الاحاديث إلا الأشواق وألقت فى القلوب أكواماً من القش جعلت نيران الأشواق تتأجج أكثر وأكثر، فما كان منهما إلا ان يغلقا الخط رأفتاً بقلوبهم التي نضجت شوقاً. 

اما آدم فالليلة كانت ليلة الإيقاع بحياة، تسلل لهاتفها وهكره، وبدأ فى البحث  داخله، وعرف عنها كل شيئ تقريباً، وبدأ يبحث عن الطريقة المثلى لإختراق عالمها، ولم يجد طريقة أفضل من التحدث المباشر معها والمصارحة دون مراوغة، فهي شخصية جدية وناضجة فكرياً رغم صغر سنها، وهذا ماتبين له بعد تحريه، ولن تفلح معها نفس الطريقة التى استخدمها مع كارمن، فلكل نوع طريقة مختلفة، وبما أنه يعرف هذا جيداً عرف كيف سيدخل إليها.. 
أرسل لها رسالة على الواتس وعرف عن نفسه وأخبرها مباشرة بأنه آدم ويريد التعرف عليها أكثر لأنه معجب بها وبشخصيتها. 
ألقى لها القنبلة وأنتظر إنفجارها، إما في وجهه برد بارد يشعره بأنه تسرع، وإما في قلبها وهنا سيتحقق هدفه. 
وصلت الرساله علامتان ورأى أنها قرأتها، وأنتظر منها رداً ولكن لم يحدث، فترك غرفته وخرج في بهو القصر يبحث عنها في مكانها المفضل، فوجدها جالسة ممسكة بهاتفها وتتأمله، وفور إنتباهها له انزلت الهاتف من يدها ونظرت إليه متفقدة صحة ماأرسل إليها علي ملامحه، ولما لم تجد منه إلا الجدية إزدردت لعابها مع تقدمه منها، وغاص قلبها بين اضلعها وهو يطلب منها لقاء في الحديقة خارج القصر، وسبقها وهو علي يقين بأنها ستتبعه وتلبي طلبه بعد ان رأي القبول في عينيها. 
وبالفعل هذا ما حدث تماماً، فقد لحقته للحديقه وهناك بدأ الحديث الذي إستهله آدم بنفس الكلام الذي قاله لها في الرسالة، وكان ردها الصمت تماماً كما حدث علي الواتساب، ولكن آدم يعرف جيداً كيف يكسر حواجز الصمت، فارغمها علي التحدث معه بالكثير من الأسئلة والتعريف عن نفسه وهواياته، التي بالأساس هواياتها هي، ولكنه إقتبسها للإيقاع بقلبها بخدعة التشابه في الهوايات والأشياء المفضلة. 
وقد لاح نجاحه على ثغرها من خلال إبتسامة خفيفة بدأت تظهر، وكانت هذه شرارة البداية.
اما في ليبيا..
قياتي:
- ياسدن جهزي غرفه لابوي خلاص قرب يرد من الحجاز وانريده  يرتاح معانا ، ومانريد ينقص عليه شي.
سدن:
- كون هاني  ياابو منذر عمي هنفرشله غرفه  حرارير وريش نعام، هادا يوم سعيد كيف العيد اللي هيشرفنا شيخنا وينور بيتنا!
- الله يرضى عليك ياأم منذر، اي والله شيخنا بده دلال مانعرف ليش هكي حاسس بعد اخر مكالمه بصوته مو طبيعي وكيف مايكون نال منه المرض.ربي يطمنا عليه 
- الف بعيد الشر عنه،الله لا يضرنا فيه، لا تخاف بس يرد لعندنا بنهتمو فيه ونديرله كل شي يحبه وهنقعده مع الصغار كل عافيته ترد لان روحه بيهم بتعرف هالشي. 
- اي والله بس هو يرد بالسلامه وكله سهل ومقدور عليه
تنهد بعد ان قالها ولا يعلم لِم ولدت غصة فى جوفه مع شعور تسلل بداخله، بان هذه قد تكون نهاية الرحلة وبداية الفراق، وأن الخاطف قادم لخطف أبيه، ولا يعلم ماذا سيفعل في دنيا هو ليس فيها، فبالرغم من بُعد المسافات بينهم إلا أنه لا يخطوا خطوة دون الرجوع لأبيه واخذ مشورته فيها، واخذ يتسائل هل أصبح قادر الآن على إدارة حياته بمفرده بعد رحيل شيخه، أم أن رحلة التعلم لم تنتهى بعد، ولم يحن وقت الحصول على شهادة الإستقلال ومواصلة الطريق بمفرده؟ 

اما فى الحرم، فقد دعى منصور كثيراً وبكى اكثر، سأل الله المغفرة على كل ذنب إرتكبه بقصد أو بغير قصد،وتاب عن كل ذنب، وتمني من كل قلبه أن تكون الراحة والسكينة التى يشعر بها ماهى إلا حسن الخاتمه. 

اما فى القبيلة، فكانت الإستعدادات لعرس رابح ومعزوزه قائمة على قدم وساق، الشيخة عوالي تصدر الأوامر للجميع وقصير يباشر الذبائح يومياً ويطعم القبيلة كما صرح له رابح، ومعزوزه تستعد إستعداد عروس من عناية وإهتمام، أما خيمة رابح فكان تجهيزها حدث ولا حرج، فقد كانت اكبر خيمة في كل القبيلة، ومن الداخل قاموا الشباب بتقسيمها بستائر وقوائم كما خطط لهم رابح وأخبرهم، وجعل منها غرفتين منفصلتين، وفرشت بأرقى المفروشات، وكانت الخيمة الوحيدة التي يدخلها تخت ومرتبة ووسائد كلها من ارقى الأنواع، مما جعل الغيرة تدب في نفوس جميع فتيات القبيلة ويحسدون معزوزه على هذا الرابح الذى يجهز لها قصراً على هيئة خيمة! 
أما معزوزه فكانت تتفقد قلبها بيدها في اليوم ألاف المرات لتتأكد بأنه لازال فى موضعه ولم يغادر قفصها الصدري ويلحق محبوبه حيثما كان، فما اطول الساعات وما أبطأ الوقت، وكأنه توقف كى يعذبها اكثر. 

اما رابح فخرج بصحبة سالم وآدم وحتى رجوه، واخذ معه أم آدم وولاها مهمة. إختيار ثياب لمعزوزه من أرقي الملابس وافخمها، ملابس تلبس داخل خيمتهم وله هو فقط، ملابس تليق بملكته المتوجة على عرش قلبه. 
وقد ادت عايده هذه المهمة على اكمل وجه، فالتسوق لعبتها وأشترت له مالم يخطر على بال أحد من سكان القبيلة، ملابس تشبه تلك التي ترتديها الممثلات وبطلات السينما، وقد اعجبوا رابح كثيراً، وزادت عليهم من مالها الخاص انواع من أجمل العطور وادوات التجميل، وكانت هذه هديتها لهم بمناسبة العرس. 
مرت الأيام واصبحوا ثلاث، ومن بعدها قرر رابح العودة لإقامة عرسه، ولم يعود بمفرده، بل إصطحب الجميع، محمود وعايده، آدم ومايزه وبالتاكيد سالم ورجوة، والغريبه ان آدم طلب منه توجيه الدعوة لعمه وزوجته واولاده، وأختها وأولادها، وهو يعلم جيداً من سيذهب معهم منهم ومن سيرفض، وبالفعل حدث ماتوقعه، فقد لبت الدعوة كارمن وتلاها مدحت، ومن بعدهم حياة، واصروا علي السفر معهم والذهاب فى رحلة للبادية لتجربة أولى وفريدة من نوعها وحضور العرس. 

وفور وصولهم بدأت الإستعدادات، وأولها كان نزول رابح والشباب لمنطقة زراعية احضر لصاحبها بذور نوع سريع النمو أسمه جزينيا، ووعده بشراء كافة المحصول، وقاموا بحصاده ومليئ شاحنة عملاقة به وعاد بها للقبيلة، وفى المساء كان يقف امام خيمة معزوزه وهو يرتدى زيه البدوي الجديد، ويمسك بيده لجام فرسه الذى وضع علي ظهره سرجه المزين بالفضة ووقف ينتظرها، وماأن خرجت من خيمتها حتي ساعدها على إمتطاء الحصان وأخذ يجول بها بين الخيام، والشباب ينثرون الورود تحت اقدام الحصان فى سابقة لم تحدث من قبل، ومنظر مفرح ومبهج، أخذ معزوزة من فوق الأرض ورفعها فى السماء من السعادة، وأوفي بوعده معها كما عهدت منه طوال عمرها.. وهاهم لا يفصلهم سوى سويعات عن تحقيق حلم طال إنتظاره.. وقف بها اخيراً امام خيمتهم وانزلها من فوق ظهر الحصان، ووقفت تنظر بسعادة لرمال القبيلة التي تلونت بالوان الزهور، وكل هذا من اجلها هي فقط، وأخذت تستعيذ وتعيذه من أعين فتيات القبيلة اللاتي كادت تأكلهم أكلاً من شدة الغيرة.. وبعدها إفترقا لينام كل منهم بيعيداً عن الآخر، هذه الليلة فقط. 

إما آدم فقد سلم حياة وكارمن ليد الشيخة عوالي، واصطحب هو مدحت معه لخيمة الشباب، وهناك أبدل مدحت ثيابه بأخرى بدوية من ثياب آدم، وخرجوا جميعاً لحفلة سمر ووليمة عشاء جديدة.. ومن بعدها إنسل آدم ليشير لحياة طالباً منها إتباعه، وماهي إلا دقائق ولحقت به عند البئر، وهناك بدأت الاحاديث تُستأنف، وعرف آدم الاوتار الحساسة عند حياة واخذ يعزف عليها، اما هي فكانت تستمع له غير مصدقة بان هناك شخص فى الدنيا يشبهها لهذا الحد، ويحب كل ماتحبه ويكره ماتكرهه!
وحان وقت حديثها هي، فقد طلب منها آدم ان تحدثه عن نفسها قليلاً، وما ان بدات في الحديث واسترسلت وهي تنظر بعيداً لتقص له قصتها منذ نعومة أظافرها لليوم، حتى إنتبه معها بجميع حواسه، فقد كانت طريقتها في الكلام خاطفة، ساحرة لدرجة تأسرك داخل نبرة صوتها التي تتغير بتغير المواقف والقصص، وتلك الإبتسامة التي ما إن ظهرت حتى أبت الإختفاء، مع غمازتين ظهرتا من العدم لأول مرة مع إبتسامتها النادرة فهو لم يراها تبتسم من قبل! 
كل هذا جعل آدم مشدوهاً وهو يستمع إليها، وقد دق ناقوس داخله يخبره بأن هناك شيئ سيحدث مع هذه الحياة. 
وبعد أن إستمع إليها وانهت جميع الحكايات تكونت عنها بداخله فكرة كاملة، فقد كانت نقية بشكل غريب، بريئة فى احاديثها وتبدوا كطفلة صغيرة تتلون ملامحها مع كل حديث.
ولم يكونا وحيدين كما ظنا ومتوارين عن العيون، بل كانت هناك اربعة عيون تراقبهم، عينا رجوه وعينا كارمن، والاثنين بداخلهم براكين غيرة تفجرت.. كارمن تحملت وصمتت، أما فانص القبيلة فأبت الصمت، بل أخذت دلواً فارغاً وذهبت إلى البئر، وإقتحمت خلوتهم، وقامت بملئ دلوها وهي تراقب عقاب بعيون تقدح ناراً، وبعد أن ملأت الدلو رفعته فوق رأسها ومثلت عدم التوازن، وقامت بسكبه بالكامل فوق رأس حياة وكامل جسدها مما جعلها تصرخ فزعاً، ولما رأت عقاب هب معترضاً، افرغت ماتبقى من الدلو فوق رأسه هو الآخر وفرت من أمامه مبتعدة بعد أن تشفت بهم قليلاً بعملتها هذه. 

مرت الساعات سريعاً وأتت ساعة الفرحة، إرتدت معزوزه ثوب العرس، واستعد رابح، وإلتقى إلاثنان أمام مأذون القبيلة النائب عن الشيخ منصور، وكُتب الكتاب وتعالت الهتافات وصدعت الأغاني مع تحقق الأماني، وبعد إنتهاء العرس الذى حضرته القبائل كلها، وجاء إليه القاصي والداني، أخيراً إجتمع الحبيبان تحت ستار الصبر، فدخلت معزوزه خيمتها لاول مره، وتفاجأت بما فعله رابح بها، فمهما كانت الحكايات التي سمعتها عنها، وجدت ان الواقع اجمل بكثير، فنظرت إليه واردفت:
- كل هاد من اجلي يارابح؟ كل هادا لي ؟
-وقليل بحقك ياروح الروح.ليت السما تنطال كان جبتلك منها قطعه بنجومها ونجعلها سقف خيمتك ، انت قمر ليلي وشمس نهاري  
- والله كثير علي يارابح وكثيره هي الفرحه. 
-والله ماتكثر عليكي الدنيا ومافيها يانبض القلب.. وتوا اتركينا من الحكي وتعالى لنعمر خيمتنا، نعمروها بالصلاة والبركة بالبداية، وبعدها نعمروها بالمحبه والود.. تعالى ياعمري اللي راح وعمري الجاي، تعالي يافرحه اسنيني لنضمك لصدري وانسمعك القلب ايش يسوي بس تكوني قريبه. 
إقتربت منه ووضعت يدها بيده الممدودة لها، وتقدم بها وخلع نعليه وهي ايضاً، وأمها وصلى بها فقد كانا على وضوء، ومن بعدها التقت و امتزجت الأنفاس وتوحدت دقات القلوب، وإكتملت السعادة. 

مرت الايام وغادر آدم وعائلته القبيلة،وقرر أن يعودا والداه علي مكان جديد حتى يأمن عليهم وهو بالخارج في غياب مايزه، أما هو فأبي ترك القصر او التقهقر من أرض المعركة إلا منتصراً طارداً اعدائة من ارضه المحتلة. 

اما عند قياتي في ليبيا.. 
اخيرا عاد الشيخ منصور من الحج، وبمجرد ان إستقبله قياتي إبنه حتى قُبض قلبه وهو يرى وجه أبيه متشح بالصفار، وقد بدا عليه التعب، وحتي عيناه زائغة علي غير عادتهم، وهنا تأكد أن الآوان قد آن، فأخذه على البيت وهو عازم علي قضاء اكبر وقت معه حتى يشبع منه ويودعه وداعاً يليق به، وينفذ له جميع أمنياته مهما كانت صغيره أو كبيرة. 
وبالفعل هذا ماحدث.. الكثير من الاهتمام لمنصور من قياتي وزوجته وحتى احفاده، وفي المقابل صحة منصور تتراجع يوماً بعد يوم، وكأن بطارية العمر تفرغ شيئاً فشيئ.. وماهو إلا القليل من الوقت وتنتهي بالكامل، وتسقط ورقة العمر من غصن الحياة. 

إلى هنا ينتهي الجزء الاول من الرواية، يتبع في الجزء الثاني 


               تمت بحمد الله 



وايضا زورو قناتنا سما للروايات 

 من هنا علي التلجرام  لتشارك معنا لك

 كل جديد من لينك التلجرام الظاهر امامك


تعليقات