رواية في قبضة الأقدار الفصل الثالث عشر 13بقلم نورهان العشري


 رواية في قبضة الأقدار

الفصل الثالث عشر 13

بقلم نورهان العشري


ثم رفعت عيناها تستجدي ذلك اللين البعيد في عيناه و المُستوطِن أيسر صدره

" بأي ذنب تقتُلني عيناك هكذا ؟

فـ ناظرها بجمود يُخفي خلفه صراعات عظيمة أنكرتها لهجته القاسية حين قال 

" خطاياكِ كثيرة و ذنوبك عظيمة أولها حيرتي و آخرها إنتِهاب قلبي !" 


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


هرول الجميع إلي حيث أشار الحارس و كأن هو أولهم فما أن سمع إسمها و إستشعر قلبه أنها في خطر حتي صار يُصارِع الريح ليصل إليها و لكنه تفاجئ بالحارس يوقفه قائلًا 

" أستني يا سليم بيه أحسن تتأذي  !"


لم يتوقف و لكنه فهم ما يرمي إليه حين تفاجئ بوجود مجموعه كبيرة من الغِربان التي تُحلِق في السماء و تُصدِر صوتًا مُرعِبًا فانتفض قلبه خوفًا و ظل يبحث عنها بعيناه في كل مكان و لكنه لم يجدها فخرج إسمها من بين شفتيه بنبرة قويه مُتطلِبه تابعه من قلب مُرتعِب من أن يكون قد حدث لها مكروه و لكنه لم يجد إجابه خاصةً و قد علاَ نعيق الغِربان بصورة كبيرة زادت من حِدة غضبه و خوفه عليها فقام  بإخراج سلاحه و إطلق عِدة أعيرة ناريه في الهواء حتي يتمكن من إسكات تلك الغِربان المشؤومه و التي إزداد نعيقها فقام بإطلاق لعناته قبل أن يهرول دون هُدي باحثًا في الجوار عنها و قد كانت كل خليه منه ترتجِف رُعبًا لا يدري من أي جهه تسلل إلى قلبه الذي لم يعرف الخوف طوال حياته و لم يُبالي بتِلك الكائِنات التي أخذت تحوم حوله و كأنها علي وشك الهجوم و لكن أستشعر قلبه همسات ضعيفه و شهقات خافِته فإلتفت بلهفه ليتفاجئ بتلك التي تختبئ خلف أدوات الحديقه الضخمه التي يُغطيها غِطاء قديم فتوجه علي الفور إليها فوجدها ترتجِف كأرنب مذعور هاجمته ذئاب شرسه مُتعطِشه للدِماء فأمتدت يداه إليها تجذبها اليه بلهفه بينما إرتفعت إحدي كفوفه تحت ذقنها و هو يقول بنبرة مُرتعِبه

" أنتي كويسه ؟"


لم تستطِع الحديث و كأنها فقدت صوتها و شُل لِسانها فقد كانت تتمشي في الحديقه بغير هُدي فتفاجئت بذلك العُش المُلقي علي الأرض و بجانبه طائِر صغير بدا و كأنه تعرض لهجوم شرس أطاح برأسه و معظم أعضاؤه و قد آلمها ما حدث فحاولت النِداء علي حارس الحديقه و لكنه لم يُجيبها فاقتربت و قامت بحمل الطائِر لتضعُه في عُشه و هي تُشفِق علي والدته التي سينفطر قلبها ألمًا علي صغيرها و لكن ما أن إمتدت يداها لتُلامِسه حتي تفاجئت بصوت مُرعِب من خلفها فألتفتت لتتفاجئ بغُراب كبير يقترب منها ففزعت و قامت بإلقاء الطائر من يدها ليندفع الغُراب تجاهها ينوي مهاجمتها ظنًا منه بأنها من قتلت صغيره فهرولت مفزوعه لتجد «مجاهد» الجنايني الذي ما أن رآي ما حدث حتي حاول تشتيت الطائر عن مُهاجمتها فقام بإلقاء حجر إليه فزاد نعيق الغُراب و بعدها تفاجئ بأفواج من الغِربان تتوافد عليهم فصار يصرخ مهرولًا إليهم طالبًا المُساعدة بينما هي وجدت ذلك الغطاء الذي كان أسفله أدوات الإهتمام يالحديقه فإختبئت تحته و صار قلبها يدُق كالطبول و جسدها يرتجِف كأوراق الخريف و ظلت تُردِد بشفاه مرتجفه 

" لا إله إلا أنت سبحانك إني كُنت من الظالمين"


جف حلقها من فِرط الرُعب و قد توقعت بأنها هالِكه لا محالة حتي عندما سمِعت صوته الآتي من بعيد فظنت بأنها تتوهم و لكن ما أن رأته أمامها لم تُصدِق عيناها و لكن رجفة قوية ضربت أعماقها حين شعرت بلمسته الحانية أسفل ذِقنها و يده الآُخري تُمسِك بمرفقها بلُطف حتي أطلقت زفرة قويه شعر بها تخترق قلبه أرفقتها بكلِمه واحدة جعلت نبضاته تتخبط بعُنف داخله حين قالت بتلعثم

" أنا .. انا خايفه "


تعطل الزمان حولهم و رُغمُا عنه تنحي عقله جانبًا و حجب قلبه كُل شئ ليجد يده تمتد دافنه رأسها في صدره و هو يقول بنبرة جديدة كُليًا عليه 

" متخافيش أنا جمبك ."


كانت كلمته لها مفعول السحر الذي خدرها لثوان فلم تعُد تشعر بأنفاسها الهادِرة و لا ضربات قلبها المُتلاحِقه فقط أحضانُه الدافِئه و رائِحته التي أضفت شعور من الأمان إلي قلبها لم تختبِرُه مُسبقًا . 

دام وضعهم لثوان و ربما دقائِق من يعلم ؟ ليوقظهم من غفوه آمنه أبتلعتهم صوت قوي آتي من خلفهم ل «مجاهد» الذي هرول إلي غُرفته و هو يُنادي علي «مروان» قائلًا بلهفه 

" مروان بيه تعالي معايا بسرعة "

هرول «مروان» خلفه فتفاجئ به يُخرِج عصاة كبيرة و لف حولها شال أسود اللون و ناولها إياه و جلب واحدة آُخري لنفسه و قام بفعل نفس الشئ و هو يقول بصُراخ 

" يالا بينا نخوفهم عشان يمشوا "


لم يفهم ما يحدُث و لكنه فعل ما يقول «مجاهد» الذي توجه إلي حيث يتجمع ذلك السِرب و قام بالتلويح لهم و هو يصرُخ قائلًا 

" أعمل زيي "

فعل «مروان» بالمِثل و هو يقول بإستفهام 

" هو إيه دا أنا مش فاهم حاجه؟"


«مجاهد» بصراخ 

" بنعملهم فزاعة عشان يمشُوا . الغربان دول واعرين جوي و مهيسبوش طارهم واصل ؟"


صرخ «مروان» حين رآي الغِربان تتجه نحوهم 

" الله يخربيتك دول جايين علينا إحنا "

" أچمد يا مروان بيه متبقاش خِرع أومال ؟"


«مروان» بإستنكار بينما يواصل ما يفعله 

" خِرع إيه يا راجل أنت . ما تحسن ملافظك . كان يوم أسود يوم ما رجعتلكوا "


أخذ «مجاهد» يُلوِح بقوة و هو يتوجه إلي حيث تقبع «جنة» التي بدأ هدوئها يعود إليها شيئًا فشيئًا و حين سمِعت الأصوات حولها رفعت رأسها تُطالِعه بصدمة تجاهلها هو بينما عيناه تطوف علي سائِر جسدها و هو يقول بإهتمام 

" أذوكي ؟ "

لم تطاوِعها شفتيها علي الحديث فهزت رأسها بقوة ليزفر براحة قبل أن يُعيد أنظاره إلي الطيور التي مازالت تحوم في السماء و كان كُلًا من «مجاهد» و «مروان» يُحاولان إخافتهم فإلتفت إليها ليجد مظهرها مُذري فزادت إرتجافة قلبه و أجبر نفسه علي القول قائلًا بنبرة جامدة بعض الشئ

" هتقدري تمشي ؟"


لم تُجييه إنما هزت رأسها بينما ملامحها المُتعبة تنفي ذلك تمامًا فقام بلف يده حول خصرها و يده الآُخري تُمسِك بيدها لمُحاولة العودة بها إلي القصر و لكن ما أن تحركت خطوتان حتي إلتفت ساقيها حول بعضهُما البعض و كادت أن تقع لولا يداه التي تلقفتها و بلحظه وجدت نفسها تطير في الهواء لتستقِر بين أحضانه محموله كالعروس ليلتقي بحرها الأسود مع جمرتاه المُشتعلتين دائمًا و لكنهما الآن يتوهجا بشكل مُختلِف كانت لحظه خاطفه قلبت كيانها رأسًا علي عقِب كما فعلت به ! 

مُنذ أن رآها و هو يُبعِد نفسه عنها ليجدها تستقر دائمًا بين أحضانه تُغافِل عقله الذي يرفُضها و تُغوي قلبه الذي لا يعلم متي بدأ يرغبها . كُلما إزدادت خطاياها أمامه كُلما وجد عقله لا يُفكِر ألا بها فبات يُقنِعه بأنها أفعي ترتدي ثوب الضعف لتُسقِطه في شراكِها و لكن لقلبه دائمًا رأيًا آخر مُتعلِلًا بأنه رجُلٌ صالِح و لا يقبل بأن يكون ظالِمًا و لكنه لم يكُن يُدرِك بأن قُربها منه بتلك الطريقه هو أكبر ظُلم قد يتعرض له في حياته.

بالكاد وصل بها إلي المنزل و هو يتجاهل كُل ما يشعُر به فوجد الجميع يُهروِل إليه و من بينهم «فرح» التي كانت تبحث عنها كالمجنونه لتفزع حين رأتها محمُوله بين يدي جلادها بهذا الشكل و قد صدمهم جميعًا مشهد الغِربان المُغادِرة بينما كان صوتها مُرعِبًا و كأنها تتوعد بالمجيء مرة آُخري .

بمُنتهي الرِفق وضعها فوق الأريكه بينما الجميع يقفون خلفه ينتظرون معرِفه ما حدث و قد كان أول المُتحدثين «فرح» التي أمسكت كوب المياه لتجعلها ترتشف منه بعض القطرات وهي تسأل بلهفه 

" هو إيه إللي حصل بالظبط ؟"


لم تستطيع الحديث فمازالت تحت تأثير ما حدث و مشاعرها التي فاجئتها اليوم كثيرًا بينما عيناها ظلت مُنخفِضه لا تقدِر علي مواجهته ليتدخل «مجاهد» قائلًا بتوضيح 

" أنا هجولك يا ست هانم . أصل كان في غُراب باني عشه علي شچرة في الچنينه إلي ورا و النهاردة  لجيت العِش دا واچع عالارض يظهر كدا والله وأعلم حاچه كلت وِلده و وجعت عشه و لما چيت عشان أرميه الست هانم بعتتلي و روحت أشوفها و بعدها طلعت علي صوت الغُراب و چيت چري أشوف في إيه لجيت الست چنة ماسكه وِلده الميت فتلاقيه فكرها هي إلي جتلته فجعد يعمل الصوت دا بينادي علي عشيرته ياچوا يچبوله حجه هو و وِلده "


كان الجميع في زهول تام من حديث «مجاهد»و سُرعان ما قالت «حلا» بصدمه 

" معقول الكلام دا هي الغِربان بتفهم عشان تعمل كدا "


أجابها «مجاهد» قائلًا 

" أومال إيه يا ست هانم ! الغِربان دي بتعمل محاكم زيينا أكده و عمرهم ما يسيبوا طارهم واصل "


زفرت «أمينه» براحه و هي تقول 

' الحمد لله أنهم مشيوا من غير ما يأذوها "

تدخل «مجاهد» قائلًا بخيبه

" ميتهيألك يا ست هانم دول لازمن ياخدوا طارهم منيها و هيرچعوا تاني عشان يأذوها "


تدخل «سليم» غاضبًا 

" لو حصل و جم تاني و ديني لهصطادهم واحد واحد "

«مجاهد» بذعر

" لا يا بيه تبچي كدا بتفتح علينا أبواب چهنم دول كتير جوي جوي أُمم و عشائر و هياجوا ياخدوا طارهم لو لآخر نفس فيهم "


تدخل «مروان» قائلًا بنفاذ صبر 

" طب و إيه الحل يعني نخليها تروحلهم شايله كفنها مثلًا !"


خرجت ضحكه قويه من فم «حلا» رُغمًا عنها علي حديث «مروان» و لكنها كتمتها إثر نظرات والدتها الصارمه و التي قالت بتوبيخ

" دا مش وقت هزار . و أنت يا مجاهد قفل عالقصص الخربانه دي "


أنهت جُملتها و إلتفتت إلي جنة و قالت بإهتمام خفي 

" عامله إيه دلوقتي ؟"


أومأت برأسها بخفه و قالت بصوت مُتحشرِج 

" الحمد لله"

هُنا خرج صوت «فرح» الخائِف

" إحنا لازم نوديها للدكتور و نطمن عليها أحسن يكونوا أذوها و لا حاجه ؟"


إمتدت يد «جنة» تربت علي يدها قائله بلهفه 

" لا ماتتخفيش ملحقوش .  سليم لحقني قبل ما يوصلولي "


قالت جُملتها الأخيرة و هي تنظُر نحوه في خِلسه بينما زينت وجنتاها حُمرة الخجل و تزايدت ضربات قلبها إثر نظراته التي كان بها شئ مُختلِف و هو يُناظِرها و لكنه سرعان ما غلف نظراته بأُخري لا مُباليه تتنافي مع إرتجافه قلبه لدي رؤيه ذلك الشُعاع الذي يطل من بحرها الأسود الواسع الذي أصبح عليه المُقاومة حتي لا يغرق به أكثر .

تفاجئ ب«فرح» التي إندفعت إليه تقول بإمتنان 

" مش عارفه أشكرك إزاي يا سليم بيه . "


قاطعها حين قال بخشونه 

" أنا معملتش حاجه . أي حد مكاني كان هيعمل كدا "


لم تتفاجئ من إجابته فهي تعلم مِقدار عجرفة تِلك العائِله و للحظه إشتبكت عيناها بخاصته و التي وجدت بها نظرة غريبه أربكتها و لكنها سُرعان ما تحولت لساخرة تتنافي مع لهجته حين قال أخيرًا موجهًا حديثه ل«جنة» المُستلقيه علي الأريكه

" مُتأكدة أنك كويسة ؟"


أومأت برأسها و هي تقول بخفوت 

" مُتأكِدة "


كانت تهاب« سالم» كثيرًا و تجلي ذلك بوضوح في عيناها و قد تذكر ذلك اللقب الذي أطلقته عليه و هو «الديكتاتور» فهو قد سمعها و هي تُخبِر الفرس بذلك و لذلك إرتسمت بسمة خافتة علي ثغره سُرعان ما محاها فقد كانت دقيقة في وصفها لشقيقه فهو بالفعل ديكتاتور و لكنه تذكر بأنها أطلقت عليه لقب «هِتلر» و جُزء منه قد وافقها الرأي فهي لم تري منه سوي الجانب المُتوحش فقط . 


كانت هناك عينان تُراقبه بإهتمام و تُحلِل جميع تعبيراته التي أشعرتها بأن هناك خطر مُحدِق يُحاوِطهم و قد قررت التصدي له ….


*********


تفرق الجميع و توجهت «حلا » إلي غُرفتها تبحث عن هاتفها الذي فرغ شحنه و قد وضعته علي الشاحن و من ثم نسيته تمامًا في ظل ما حدث فتوجهت إليه و قامت بفتحه لتتفاجئ من مظهره الغريب خارجيًا و حين فُتِح الجهاز تجمدت الدماء بعروقها حين شاهدت تلك الصورة التي كانت لذلك المُعيد الذي دائمًا ما يوقعها حظها العاثر معه . 


لم تكد تتجاوز صدمتها حين رن الهاتف فجأة و لدهشتها فقد كان رقم هاتِفها فأجابت علي الفور ليأتيها صوته الغاضب حين قال صارخًا 

" أخيرًا حضرتك تكرمتي و فتحتي التليفون ؟"


جفلت من صُراخه و قالت بتلعثُم 

" إيه هو حصل إيه ؟ . و تليفون مين دا ؟"


جاءها صوته الغاضب حين قال مُتهكِمًا

" بذكائِك كدا هيكون تليفون مين دا ؟"

تلبسها ثوب الغباء فقالت مُرددة حديثه 

" آه صحيح تليفون مين دا ؟"

نفذ صبره و قال بصُراخ 

" تليفوووني.. إلي حضرتك أتلخبطتي و خدتيه و سبتيلي تليفونك ."


أيقظها صُراخه من حاله الصدمة التي سيطرت عليها و قالت بحدة 

" مسمحلكش تكلمني كدا علي فكرة و بعدين ماهو أنت لو مكنتش ظلمتني و قولت عليا غشاشه مكنش زمان كل دا حصل "


أبتلع غضبه بصعوبه بالغه قبل أن يقول مُحذرًا

" متبدأيش بالعبط بتاعك دا عشان أنا علي آخري و مش فاضيلك و بسببك اضطريت أأجل سفري و كل حاجه أتعطلت "


خرج صوتها فرِحًا حين قالت 

" إيه دا بجد هو أنت مسافر ؟"


إندهش من نبرة الفرح التي تخللت صوتها و قال بإستنكار 

" ومالك فرحانه أوي كدا إني مسافر ؟"


خرج الكلام بإندفاع من بين شفتيها 

" والله دا يوم المُني لما تسافر . علي الاقل أضمن إني مسقطش !"


" دا أنا إلي هضمنلك أنك متنجحيش طول حياتك لو تليفوني مجاليش دلوقتي أهوه سامعه ؟"


كان صوته غاضبًا يتخلله تهديد صريح جعلها تُدرِك ما تفوهت به و حجم الموقف الذي وضعت نفسها به بسبب إندفاعها فقالت تُحاوِل تهدئته 

" طب و إيه العمل دلوقتي ؟ هجبلك تليفونك إزاي أنا ؟"

أجابها بإختصار 

" أنتي ساكنه فين ؟"

«حلا» بغباء 

" أشمعنا ؟"

«ياسين» بتهكُم

" أبدًا جاي أطلب إيدك !" 

للحظه شعرت بخفقه قويه في قلبها إثر كلمته التي أتبعها صوته الغاضب حين قال 

" أكيد عشان آجي آخد تليفوني يا ذكيه !"


خرج صوتها مُتلعثِما حين أجابته بلهفه 

" لا طبعًا تيجي فين ؟ مش هينفع خالص ."


كان الغضب يأكله من الداخل من هذا المأذِق الذي وضعته به الظروف و لكن كان هناك سببًا آخر كان يستبعده و هو تلك الصورة لها مع ذلك الشاب التي كانت خلفيه لهاتفها و لا يعلم لما شعر بالغضب حين وجدها نعم كانت تجذبه كفتاة جميلة و لكنه لم يكن يشعر بأكثر من ذلك لذا حاول تناسي الموضوع برمته و لكنه لم يستطيع فظل طوال الليل ينظر إلي تلك الصورة بمشاعر مُختلطة منها غاضب و منها مُتهكِم و خاصةً و أنه يتذكر جيدًا أنه لم يجد خاتم خُطبة في إصبعها مما جعل هاجس يُهاجمه بقوة وهو أنها فتاة لعوب و لكنه تخلص منه علي الفور و نهر نفسه ألا يكون شخصًا ظالمًا و حاول بكُل ضراوة أن يقمع فضوله الذي كان يُغريه بالعبث بهاتفها حتي يتأكد من ظنونه و ظل علي حاله طيله الليل إلي أن غفي و الهاتف بيده و أستيقظ مُتأخرًا و حاول مِرارًا و تكرارًا الإتصال بها علي هاتفه و لكنه كان دائمًا مُغلق مما أثار جنونه .

" أنتِ عايزة تجننيني هو إيه إلي مش هينفع بقولك ورايا سفر و عايز تليفوني !"


صمتت لثوان قبل أن تقول بغضب

" علي فكرة بقي مش لوحدك إلي عايز تليفونك أنا كمان عايزة تليفوني .  بص هقولك أنت عرفني مكانك فين و أنا هحاول أجبهولك "

زفر بحنق قبل أن يُخبرها بأنه سينتظرها بأحد النوادي فإستنكرت قائله 

" أقابلك في نادي بتاع أيه أن شاء الله هو أنا كنت صاحبتك ! بص أنت تستناني عند الجامعه و أنا هاجي أديهولك و آخد تليفوني و أمشي علي طول ."


أستغفر بداخله قبل أن يقول بإختصار 

" موافق "

اتفقا علي أن تكون المُقابله بعد نصف ساعه من الآن و بعدها قام بإغلاق الهاتف في وجهها مما جعلها تسُبه بداخلها جميع أنواع السُباب الذي تعرفه ذلك المُتحذلِق المغرور من يظن نفسه حتي يُعاملها هكذا .


كان «مروان» يتوجه إلي سيارته ينوي الذهاب إلي المدينه حتي يُحضِر بعض الاشياء ل«ريتال» أبنو أخاه التي تُعاني من مرض العُزلة و تخاف كثيرًا من الغُرباء فتفاجئ ب«حلا» التي كانت تُناديه و هي تلهث فقد قطعت المسافه من الأعلي إلي الأسفل ركضًا حين شاهدته من نافذتها يتوجه إلي سيارته فما أن سمع صوتها اللاهث حتي توقف و قال بإستفهام 

" إيه يا بت بتجري كدا ليه ؟ ليكون في حِدايه بتجري وراكي أنتي كمان " 


«حلا» بتهكُم 

" الحدايه دي تبقي خالتك يا خفيف "

«مروان» بمُزاح

" لا تبقي عمتك ياختي . واقفه في البلكونه بتبصلنا إزاي و لا أكننا سارقين عشاها"


«حلا» من بين ضحكاتها

" طب حاسب لتسمعك و تنزل تكسر دماغك . المهم قولي رايح فين كدا "

«مروان» و هو يستقل سيارته 

" نازل إسماعيليه أجيب شويه حاجات عايزة إيه !"

تفاجئ بها تستقل السيارة بجانبه و هي تقول 

" جايه معاك !"

«مروان» بسخريه

" ناقص قرف أنا ! دانا طفشان منك تقومي تيجي معايا أنزلي يا بت مش طالبة وش  "


لم تكد تُجيبه حتي لمحت في المرآه «سما» التي كانت تُناظِرهم من بعيد فألقت عليه نظرة خبيثه قبل أن تقول بمكر

" لو مطلعتش في خلال ثواني هتلاقي سما كمان جايه معانا . أنت حُر "


ما أن سمع حديثها حتي أنطلق بسيارته و هو يقول بحنق

" لا و علي إيه مش ناقص إلا الأرمله السوداء دي كمان تيجي معانا . مش طالبه كآبه "


قهقهت «حلا» علي حديثه و لم تعلق بشئ و حين وصلوا إلى المدينه إستغلت إنشغاله بمُكالمة هاتفية و قالت 

" بقولك إيه يا مروان نزلني عند الجامعه هقابل حد أديله طلب و آجي علي طول"


أومأ برأسه بينما ظل مُنشغِلًا بمُكالمتة الهاتفية و بينما هي تترجل من السيارة شاهدت ذلك الذي كان يقف بجانب سيارته أمام الجامعة ينظُر إلي ساعته و ه يزفر الهواء بحنق فتوجهت إليه بكُل غرور و خطوات مُتمهِلة و كأنها تُريد إشعال غضبه أكثر بينما رسمت قِناع البراءة فوق ملامحها و هي تقف أمامه تمد إليه هاتفه قائله بعنجهيه 

" تليفونك !"


تابع ملامح وجهها و قد إغتاظ بشدة حين وقعت عيناه علي ذلك الشاب في السيارة التي أقلتها فلم يستطع منع نفسه من توبيخها قائلًا

" أكتر إنسانه غير مسؤوله و معندهاش تقدير للوقت شُفتها في حياتي !"


تصاعد غضبها من توبيخه و قالت بإستنكار 

" غير مسؤوله و معنديش تقدير للوقت ليه إن شاء الله ؟؟؟"


ناظرها بسخط تجلي في نبرته حين قال 

" أولًا عشان موقف التليفون دا. في حد ينسي تليفونه و ياخد تليفون غيره كدا ! لا و كمان قفلاه من إمبارح !"

«حلا» بإندفاع 

" علي فكرة دا كان فاصل شحن و أنا نسيته في الشاحن و نمت ؟"

«ياسين» بتقريع

" مش بقولك غير مسؤوله أفرضِ خطيبك رن عليكي يلاقي تليفونك.مقفول كدا عادي "


ناظرته بإندهاش و قالت بعدم فهم 

" خطيبي ! خطيبي مين ؟"


رفع الهاتف في وجهها و خرجت الكلمات من فمه غاضبه  حين قال

" البيه إلي معاكِ في الصورة دا أيًا كان خطيبك و لا حبيبك و لا حتى صاحبك "

تحولت نظراتها حين وقعت علي صورتها مع «حازم» في يوم ميلادها و ترقرقت العبرات في مُقلتيها و هي تقول بحُزن 

" دا لا خطيبي و لا حبيبي و لا صاحبي . دا أخويا ."

سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تُتابِع

" الله يرحمه !"


صدمة قوية نالت منه حين شاهد العبرات تترقرق في مُقلتيها و صوتها المُرتجِف و ملامحها الحزينة حين أخبرته عن شقيقها المُتوفي فتحمحم بحرج قبل أن يقول بنبرة هادئه

" البقاء لله . أنا بعتذر مكُنتش أعرف "


هزت رأسها قبل أن تقول بصوت متحشرج 

" لا عادي محصلش حاجه . أتفضل تليفونك ."

أخذ الهاتف من يدها و ناولها هاتفها فرفعت رأسها تُناظره بعينان حزينتان للغايه و هي تقول بنبرة خافته 

" أنا بعتذرلك عن إلي حصل ؟ عن إذنك"


نسي موعد سفره و نسي كل شئ و وجد نفسه يقول بإندفاع 

" لا أبدًا محصلش حاجه .  لو حابه نقعُد نشرب حاجه  شكلك متضايق "


أجابته بحزن كبير 

" لا مش هينفع عشان متأخرش . و كمان عشان معطلكش عن سفرك "


رق قلبه لنظراتها الحزينه و ملامحها المُتألِمه و قال بلهفة 

" مفيش عطله و لا حاجه . أنا بس مش عايزك تمشي و أنتي متضايقه كدا . هو مُتوفي بقاله قد إيه ؟"


«حلا» بنبرة خافته مُتألِمه

" أربع شهور "


شعر بالشفقه علي مصابها و تألم لأجلها كثيرًا و ظهر ذلك في نبرته حين قال مواسيًا 

" ربنا يرحمه.  كُلنا هنموت دا قضاء ربنا و محدش له في نفسه حاجه ."

هزت رأسها تُحارِب إنسياب الدمع مع عيناها و هي تقول بنبرة مبحوحة 

" عندك حق . بس أنا مكنتش عامله حسابي أنه هيمشي بسرعة أوي كدا . حتي من غير ما يودعني !"


ود لو يقترب منها و يُزيل بأنامله ذلك الدمع العالِق بين جفونها و يُزيح جُزءًا من حُزنها الذي لون ملامحها الجميلة و قد فهم لما كانت حزينة ذلك اليوم و ما أن هم بالحديث حتي تفاجئ من «مروان» الذي أقترب من «حلا» مُحاوطًا كتفها بذراعه و هو يقول مُستفسِرًا بلهجة خشنه من بين نظرات قاتمه 

" في حاجه يا حلا ؟"

أرتفع رأس «حلا» التي كانت نظراتها ضائعة حزينة و قالت بنفي 

" لا . لا أبدًا مفيش حاجه. أنا كنت بدي دكتور ياسين طلب و ماشيه علي طول "


رفع «مروان» حاجبيه إثر نظرات «ياسين» الغاضبة و الذي قال بغرورو هو يمُد يده ليصافحه 

" ياسين عمران . مُعيد في كليه الاداب "


مد «مروان» يده يُصافحه و هو يقول بتحفظ

" مروان الوزان إبن عم حلا "


إرتاح قليلًا عِندما علِم بهويته و لكن مظهره و هو يحتضنها هكذا أغضبه لسبب مجهول لذا آثر إنهاء اللقاء قائلًا برسمية تنافي رقته معها قبل قليل 


" متقلقيش يا حلا من الإختبار دا كان مجرد تقييم للمستويات.  عن أذنكوا "


لم تكد تُجيبه لتجده أنطلق بسيارته بطريقه لم تُعجِب «مروان» الذي ناظرها بغضب قائلًا 

" بت أنتي حالًا تقوليلي مين دا و جايه تديله إيه ؟"

ناظرته «حلا» بإندهاش من عدائيته و قالت بعدم فهم

" في إيه يا مروان ما قولتلك دا المُعيد بتاعي و كُنت جايه أديله طلب "

" أيوا يعني إلي هو إيه الطلب دا ؟"

«حلا» بتنهيدة 

" لا دا موضوع طويل تعالي أحكيهولك في العربيه "


و بالفعل إستقلا السيارة و قصت «حلا» عليه ما حدث في ذلك الإختبار و ما تلاه لتختتم حديثها قائلة بحُزن عميق 

" كان مفكر حازم خطيبي ."


أشفق «مروان» عليها حين رأى يدها التي كانت تُمررها فوق ملامح وجهه في الصورة فحاول إخراجها من حُزنها قائلًا بتفكير 

" إزاي غابت عن بالي الفكرة دي !"

نجح في جذب إنتباهها فقالت بعدم فهم 

" فكرة إيه ؟"


«مروان» ببراءة 

" عم مجاهد كان بيلف عمامة سودا عالعُصيان عشان يعمل فزاعة و يطرُد بيها الغِربان "

«حلا» بعدم فهم 

" طب و إيه المُشكِلة ؟"

«مروان» بمزاح 

" و يعمل فزاعة ليه و إنتي موجودة . دانتي لو طلعتيلهم بمنظرك دا كفيل يخليهم يقطعوا الخلف مش يهربوا بس ."


إنهالت فوق رأسه بضربات مُتتالية و هي تقول بحنق 

" بقي أنا فزاعة يا حيوان طب و ربنا لهوريك .."


****************


كانت «جنة» مُستلقية علي الأريكه بينما «فرح » قامت بوضع وسادة أسفل رأسها لترتاح أكثر في نومتها و إمتدت يدها تُمررها بحنان علي وجنتيها قائلة 

" مرتاحه كدا ؟"


أجابتها «جنة» بإمتنان 

" مرتاحه يا فرح تسلم إيدك "

«فرح» بحنان 

" مش عايزة أي حاجه اعملهالك قبل ما تروح القصر ؟"

" لو ممكن تجبيلي كتاب اتسلي فيه من بتوعك "


ابتسمت «فرح» بحنان و توجهت إلي مكتبتها الصغيرة و قامت بجلب كتاب شيق تعلمه جيدًا و ناولتها إياه و ما أن إمتدت يدها لتُناولها إياه حتي إرتجفت يد «جنة» و سقط الكتاب أرضًا فوقعت منه ورقة صغيرة إهتز لها قلبها و قد علمت فحواها ما أن رأتها فقامت علي الفور بإلتقاطها و وضعها في جيبها الخلفي بينما إرتسم الحرج و التوتر علي ملامحها فقالت «جنه» بإستفهام 

" إيه الورقه دي يا فرح ؟"

«فرح» بنبرة مُهتزة

" لا أبدًا دي ورقة كاتبه فيها شويه حاجات عجبتني في الكتاب . متشغليش بالك . أنا هروح دلوقتي و الخدامة هتيجي تقعد معاكِ عشان لو إحتاجتي حاجه . و أنا مش هتأخر هستأذن من سالم بيه و أجيلك علي طول"


أنهت حديثها و توجهت للخارج و هي تتنفس بصعوبة فهي تخجل من معرفة شقيقتها بأنها مازالت تحتفظ برسائله للآن لم تعُد تُفكر به و جفت بحور الإشتياق بقلبها حتي أنها قامت بالتخلُص من كل ما يحمِل رائحته و لكنها أبقت علي هذه الرساله حتي تُذكِرها بألا تثق في رجُل مجددًا و قد أتت في وقتها الصحيح فجميع الرجال خونه و كاذبون و هي لن تنخدع بهم مرة أُخرى فيكفيها ما نالها و شقيقتها منهم حتي الآن .

هكذا كانت تُقنِع نفسها و هي تتوجه إلي المكتب حيث وجدته كان يُجري اتصالاته و الغضب بادً علي محياه و تجلي في نبرته حين قال 

" يعني إيه يا سلمي جايه تقول دلوقتي أنها مش هتقدر تسافر معايا . هو تهريج ؟"


زفر بحنق حين جاءه الرد علي الطرف الآخر فقال بتهكم

" توقيت مناسب للولادة ! طيب أقفلي أنا هتصرف "


ناظرته بإستفهام تجاهله حين قال بخشونه 

" جنة عامله إيه دلوقتي ؟"

أجابته بإختصار 

" كويسه الحمد لله "

كانت ملامحها مُتجهِمة و نبرتها قاتمه مما جعله يرفع إحدي حاجبيه قائلًا بإستفهام 

" مُتأكِدة ؟"


أومأت برأسها قائله 

" مُتأكِدة هكذب عليك ليه ؟"


لهجتها الباردة و ردها العدائي جعلوه شبه مُتأكِد من وجود خطب ما و قد شعر برغبة مُلِحه لمعرفته فقال مُراوِغّا 

" ميبقاش قلبك ضعيف كدا دي مُجرد غِربان و متحطيش كلام عم مجاهد في دماغك هو مزودها شويه "


خرجت الكلمات منها بحدة أذهلته 

" و هي الغِربان دي مش كائنات حية و بتحس بردو زينا ؟"

أجابها بسخريه 

" أنتي معاهم و لا مع أختك ؟"

" أنا مع الحق . و علي فكرة عم مجاهد مش مزودها و لا حاجه الغِربان فعلًا بتعمل محاكم بينهم و بتطبق الحق إلي البشر مبيعرفوش يطبقوه !"


" قولي إلي عندك علي طول مابحبش أسلوب رمي الكلام دا !"

هكذا أجابها لتُدرِك أنها تمادت قليلًا فرسمت اللامبالاة علي ملامحها و هزت أكتافها قائلة 

" لا مش ترميه كلام و لا حاجة دا مُجرد رد علي كلامك مش أكتر ."

شعر بكذِبها و لكنه لم يطيل الأمر كثيرًا إذ قال مُغيرًا

الموضوع

"  هتبقي نشوف الموضوع دا بعدين . المهم دلوقتي جهزي نفسك عشان هنسافر يومين شرم الشيخ"


صدمها حديثه فقالت بإندهاش

" نعم مين دول إلي هيسافروا شرم الشيخ؟"


ناظرها بإستمتاع من مظهرها المصدوم و قال بهدوء ليُزيد من غضبها 

" أنا و انتي !"

" دا إلي هو إزاي ؟؟"

«سالم» بهدوء جليدي 

" السكرتيرة بتاعتي معاد ولادتها كان أول الشهر و فجأة ولدت إمبارح و في مؤتمر مهم في شرم و مينفعش أعتذر عنه و أكيد مش هسافر من غير سكرتيرة فقررت أخدك معايا !"

أبتسمت بتهكُم و تابعت بغضب 

" و حضرتك بتقرر بُناءًا علي إني شنطه هتاخدها معاك ؟ "


كان غضبها مُثيرًا بحق لذا تابع ليستفزها أكثر 

" لا بُناءًا علي إني مُديرك و أنتي سكرتيرتي . "


«فرح» بانفعال

" بس أنا مش جاهزة للسفر دلوقتي "

«سالم» بتقريع خفي 

" السكرتيرة البروفيشنال مينفعش تقول للشغل لا . دا أولًا . ثانيًا و دا الأهم أنتي زعلانه ليه دي فرصة أختبر فيها قُدراتك و أشوف بعيني مؤهلاتك يمكن أعيد النظر و أقبل أشغلك في الشركه بتاعتي !"


ذلك الرجل يمتلك نِصف إستفزاز العالم و أكثر من ثلث عجرفته و تود لو أنه يبتلع لسانه الذي يُلقي بها في فوهة بُركان ثائِر ويجعلها تعجز عن الرد علي إستفزازه .

" متنسيش إنك ماضيه عقد و أنا في شغلي مبهزرش "


كانت تلك الجُملة التي قالها ما أن رآي غضبها يتصاعد ليجعلها تبتلع جمراته بصعوبه قبل أن تقول من بين أسنانها

" و السفر دا أمتا ؟"

" النهاردة بالليل "

أجابها بهدوء فأخذت نفسًا عميقًا بداخلها قبل أن تقول بإذعان 

" طب و جنة هعمل معاها إيه ؟"

" متشغليش بالك بيها أنا هرتب كُل حاجة . ياريت تجهزي نفسك بسرعة . و مش مُحتاج أقولك تهتمي بمظهرك لإن دا مؤتمر عالمي و أنتي هتبقي واجهة لشركة كبيرة !"


وصل غضبها لذروته و ودت لو تُمسِك بتلك المزهرية و تُحطِم بها رأسه لكي تشفي غليلها و تُطفئ نيرانها المُستعِرة و لكن أتتها فكرة جعلتها تهدأ قليلًا و قالت بهدوء أدهشه

" طبعًا طبعًا دا شئ مفروغ منه . بس إلي أعرفه إن الإنسان بيتقيم من خلال شغله مش من خلال مظهره و دا المسموح لحضرتك تطلبه مني غير كدا لا . عن إذنك عشان اروح أجهز نفسي و أعرف جنة "


لم يُجيبها فقد علِم من ملامحها بأنها قد وصلت إلي ذروة الغضب فاكتفي برسم ابتسامة تسلية علي ملامحه و هو يُناظِرها تُغادِر و لكن لفت انتباهه شئ صغير سقط منها فتوجه لرؤيته فوجد ورقة صغيرة مطويه تحمل عطرًا رجاليًا فجعد ما بين عينيه و قام بفتحها لتتجمد الدماء في عروقه و تتحول لبراكين غضب حين قرأ مُحتواها ….


****************


كان «سليم» في غرفتة يُمارِس الرياضه بعُنف و كأنه يُخرِج بها شُحنات و مشاعِر لا يستطيع التصريح بها تُطارِده كأشباح لا يستطيع مواجهتها جل ما يستطيع فعله هو الهرب منها و قد تجلي ذلك في حركاته العنيفه فوق الجهاز و قد تلاحقت أنفاسه و بدأت عظامه تئِن عليه وجعًا فترك ما بيده و أخذ يزفر أنفاسه بقوة و كأنه يطرُد رائِحتها العالِقة بصدره الذي توقفت نبضاتة حين سمع صوت والدته الآتي من خلفه 

" بتهرب من إيه يا سليم ؟"


صُدِم «سليم» من كلماتها و ظهورها المُفاجئ و نظراتها الثاقبة التي كانت تُطالِع حالتة التي جعلتها تتأكد من ظنونها و شكوكها حوله و قد فهمت مُحاولته لمُراوغتها حين  قطب جبينه مُدعيًا عدم الفهم 

" بهرب ! سليم الوزان مبيهربش يا حاجه . دانا حتي تربيتك "

أقتربت منه «أمينة» قائله بنبرة ذات مغزى 

" و دا عشمي فيك يا سليم "

رفع إحدي حاجبيه قبل أن يقول بإستفهام 

" وراكِ إيه يا حاجه كلامك دا مش من فراغ "


ابتسمت «أمينة» و هي تُطالِعه بفخر قبل أن تقول 

" يوم ما ولدت سالم فرحة الدنيا مكنتش سيعاني إني جبت لأبوك الولد و كنت أقعد أناكف فيه و اغنيله "يوم ما قالولي ولد ضهري أتشد و أتسند " كان يضايق و يقولي و أنتي حد يقدر يدوسلك علي طرف يا أمينة كنت أضحك و أجري عليه أصالحه و لما ولدتك أنت جري هو عليا و باس راسي و قالي بقيتي أم الرجالة يا أمينة. عملتيلي العِزوة إلي كان نفسي فيها . أبوك كان حاسس بالوحدة بسبب أن عمك عاش طول عمره بره فكان عايز يعمل عيلة كبيرة و محسش أنه عملها غير لما جيت أنت. يومها قربت منك و حضنتك أوي عشان كنت سبب في فرحة كبيرة ليا و ليه . أنت إلي عملتنا عيلة . بعد ما جيت أبوك بطل يتحايل علي عمك عشان يرجع و قالي خلاص عزوتي حواليا. و فعلًا كنت طول عمرك أنت و أخواك عزوته و سنده . و هو بيموت قالي أنا مطمن عليكي عشان سايبك وسط رجالتي يا أمينة "


رقت ملامحه لحديث والدتة التي ذكرته بوالده الراحل و ذكرياتهم الرائعة معه فاقترب منها و قام بإمساك يدها و قبل باطن كفها و هو يقول بحُب 

" إحنا نفديكي بعنينا يا ست الكُل "


مدت يدها تُمررها فوق خُصلات شعره و هي تقول بحنان 

" تعيشلي يا حبيبي.  ربنا ما يحرمني منك و يهديك ليا أنت و أخوك و أختك. "

شعر بشئ ما بين طيات حديثها و لكنها تابعت بنبرة ذات مغزي

" ولاد منصور الوزان إلي بفتخر بيهم و أنهم  نسخة من أبوهم إلي عمره ما صغرني و لا خلاني رجعت في كلمة قولتها أبدًا و أكيد انت هتبقي زيه "


" إيه رأيك يا حاجة تقولي إلي أنتي عيزاه مرة واحدة أحسن"

شاكسها «سليم» فابتسمت قبل أن تُثقِل نظراتها و هي تقول بتمهُل 

" في يوم من الأيام طلبت سما عروسه لحازم و الناس كلها عرفت أنها عروستنا و بعد موت حازم مينفعش أرجع في كلمتي "


لم يستطيع فهم ما ترمي إليه فألقت بقُنبلتها قائله دفعة واحدة

" عيزاك تتجوز سما يا سليم !"


يتبع …..


              الفصل الرابع عشر من هنا 

     لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات