رواية في لهيبك أحترق الفصل الثالث عشر 13 بقلم شيماء يوسف

             

رواية في لهيبك أحترق 
الفصل الثالث عشر 13
بقلم شيماء يوسف



'' عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي ، مراكبي ، وصديقَتَا أسْفَاري
إنْ كانَ لي وَطَنٌ ، فوجهُكِ موطني ، أو كانَ لي دارٌ ، فحبُّكِ داري
إنّى اقْتَرَفْتُكِ ، عامداً مُتَعمِّداً إنْ كنتِ عاراً، يا لروعةِ عاري ''
-نزار قبانى .
رفرفت بأهدابها الناعسة مستيقظة على شعور ثقل يجثو فوق خصلاتها المفرودة على الوسادة ، مع أخر يماثله أخف وزناً عند منتصف خصرها تقريباً ، جعلها تنزلق بجفونها للأسفل فى فضول تستوضح سببه وتطالع ، ذراعه المحاصرة جسدها بأريحية شديدة ، قبل أنتفاضها مبتعدة عنه نصف أنش تقريباً ، ثم عودتها إلى سيرتها الأولى مستسلمة ، تحاول فك حصار شعرها من تحت قبضته ، من خلال مسافة أمنة بينها وبينه ، حتى يتسنى لها الركض هرباً منه وتخلصاً من ذلك الموقف المحرج ، وعندما فشلت فى تحريرها وتنفيذ مهمتها عن بعد ، تراجعت بجسدها للخلف بتأنى شديد ، تملئ الفراغ بينهما، قبل أن تستدير فى مواجهته مغمغمة بخفوت لأيقاظه :
-(( لو سمحت )) ..
تأفأفت بصمت لأئمة نفسها على سذاجتها ، فبعد محاولتها الابتعاد عنه ونفض يده من فوقها دون أستجابة ، هل تظن أن بعض كلمات خافته ستوقظه ؟! ، زفرت مطولاً تستجمع شجاعتها قبل أن ترفع ذراعها نحوه ، تهز بحذر شديد معصمه ، مهمهة بنبرة مختنقة من كثرة التوتر :
-(( لو سمحت .. طــطـا .. طاهر )) ..
مع ندائها الرابع الخفيض الذى بلغ مسمعه ، أرتعش جفنيه عدة مرات قبل أنفراجهما يمعن النظر بها ، تاركاً أنامله تمتد ببطء وتتلمس وجنتها كى يتأكد من وجودها قبالته حقاً ، مستلقية بالقرب منه ، وأن وجهها الذى يكاد يلاصق وجهه ، مع صوتها الناعم الناعس الذى يعبث بأتزانه ، ليست بأضعاث أحلام ، بل حقيقة ملموسة بكل تفاصيلها الشيقة ، الخاطفة للأنفاس ، طال تأمله بها ممرراً عينيه على كل نقطة فى وجهها وكأن لسان حاله يستجديها بصمت أن تترفق بقلبه الذى ما زال متوجعاً ، أما عنها هى فقد أضطربت ملامحها وهى تتطلع بشرود إلى كفه المتحسسة بشرتها بنعومة بالغة ، قبل أن ترفع أهدابها نحوه ، تناظره بصمت وحدقتيها تدور فوق وجهه بأرتباك ، عم الصمت المكان من حولهم ، حتى كاد يستمع كلا منهما إلى أنفاس الأخر الغير منتظمة ، قبل أن يقفز هو من فوق الفراش مبتعداً، ومغمغماً بتعلثم بعدما ألتقط هاتفه الموضوع فوق الطاولة جوار الفراش ينظر فى ساعته :
-(( أحنا الضهر !! أزاى سابونى نايم كل ده ؟!)) ..
فرك بكفه مؤخرة رأسه وعنقه وصولاً إلى عينيه ووجنته قبل أن يلتفت بجزعه نحوها ، ناظراً إلى يدها المصابة ثم سألها بأهتمام :
-(( أيديك عاملة أيه )) ..
حركت رأسها بلا فى صمت ، فإلى الأن لم تجد صوتها الهارب لتجيبه ، ثم رفعت كفها تنظر بألم إلى أصابعها المتورمة ، بينما سار هو نحوها ، يتفحص عن قرب مدى الإصابة قبل أن يقول بضيق :
-(( مش هينفع نسيبها كدة .. لازم كشف .. هروح أستخدم حمام جواد وأنتى أجهزى وهننزل نروح المستشفى )) ..
رغم موتها يأساً لأى دواء قد يخفف عنها ألم أصابعها المتواصل منذ البارحة الأ أنها سارعت بالرفض ، فبعد تذكرها لما مرا به البارحة وأكتمل بهذا الصباح ، كل ما تتحرق شوقاً لفعله هو الفرار من أمامه والأختباء عن عينيه ، فى حين قطب هو جبينه معقباً على رفضها بجمود وهاتفاً بأصرار قبل أن يختفى من أمام ناظريها :
-(( مش باخد رأيك .. ربع ساعة والأقيكى جاهزة .. هستناكى تحت )) ..

*******************************

أستدارت بجسدها على صوته الذى لا تخطأه، شاعرة بالأرض تميد أسفل منها ومن حولها ، متجاهلة ذلك الشعور القوى بالأعياء الذى باغتها على حين غرة ، ثم مدت ذراعها تشير بأصبعها المرتجف إلى ظهره المقابل لها متسائلة بنبرة متقطعة مهتزة :
-(( هو .. ده .. جــ..وزك ؟! )) ..
رفعت أفنان عينيها على سؤالها تتطلع إلى وجهها الشاحب وجسدها المرتعش بقلق ، بينما قفز هو من جلسته ملتفتاً بمجرد أستماعه إلى صوتها ينظر إليها ويتأكد أنها هى ، زوجته الأولى بشحمها ولحمها التى تقف قبالته تنظر إليه بأعين زائغة كالمغشى عليه من الموت ، قبل أن يمد كلتا ذراعيه فى اتجاهها قائلاً بتوسل بعدما أبتلع لعابه بقوة :
-(( غفران .. أسمعينى )) ..
شهقت أفنان بعدم تصديق واضعة يدها فوق كفها ثم غمغمت تسأل بصدمة واضحة :
-(( هى دى غفران ؟! .. مراتــــ )) ..
ابتعلت ما تبقى من جملتها بداخلها عندما حدجها هو بنظرة صارمة ، ممتنة داخلياً لتدابير القدر ، التى وضعت كلتاهما فى الطريق الأخرى ، وبالرغم من تأثرها كأنثى بالوضع العام وإشفاقها، الا أن عينيها لم تستطع أخفاء ، لمعة السعادة التى ضوت داخلهما ، فى حين بادر بدر بالخطو نحوها هامساً برجاء :
-(( غفران .. لو سمحتى .. تعالى معايا وهفهمك كل حاجة )) ..
حركت رأسها رافضة يميناً ويساراً ببطء وقدميها تتراجع للخلف تلقائياً مبتعدة عنه كلما تقدم منها ، مقاطعاً الموقف ، دخول أحدى ممرضات المشفى تقول بصوتها الجهورى :
-(( مدام أفنان .. التحليل اللى طلبتيه خلص ))..
ألتفت ثلاثتهم على صوت الممرضة العالى ، جاذباً أنتباههم يدها الممدودة بمغلف مغلق فى اتجاه المستلقية فوق الفراش ثم تابعت تقول بحماس رنان :
-(( مبروك حامل .. أدينى الحلاوة بقى )) ..
سحابة من العبرات غشت عينيها محملة بدموع القهر والخزى حجبت عنها الرؤية الواضحة ، وبخطى بطيئة مترنحة ، وصلت إليه ، ثم رفعت كفها ومسحت بعنف العبرات المتساقطة فوق وجنتها ، وعلى حين غفلة ، وجهت كفها نحوه ، ولطمت شطر وجهه بكل ما أوتيت من قوة ، صفعة أودعت خلالها كل كلماتها المحبوسة ، كل النيران التى تلتهم صدرها ثم قالت بأصرار قاطع :
-(( طلقنى )) ..
ركض بدر من خلفها يلحق بها ، بعدما هتف بحسم موجهاً حديثه لزوجته الثانية :
-(( خليكى هنا راجعلك )) ..
واصل الركض بجسده المتشنج داخل المشفى وعينيه تجول الممر بلهفه بحثا عنها وصولاً إلى مدخل الأستقبال والشارع العام دون فائدة ، فقد غافلته هى وتوجهت إلى درج الطوارئ تختبأ به عن أعين المارة ، طالقة العنان لدموعها فى الأنهمار كيفما شاءت بعدما أنهارت بجسدها فوق أحدى درجات الدرج .

*******************************

فى الأسفل ظل يجوب الممر المؤدى إلى الدرج بتأفف ، فها هى قد مضت أكثر من نصف ساعة ، ولم يظهر لها أثر ، زفر مرة اخرى بضيق بعدما نظر فى ساعة يده ثم أندفع متسلقاً الدرج نحو الأعلى ، حيث الغرفة المخصصة لهم منذ البارحة يقتحمها دون أستئذان ، شهقت رحمة بفزع ، منتفضة بجسدها قبل أن تستكين على رؤيته أمامها ، وتعود إلى محاولتها السابقة فى ربط وشاح رأسها بحذر شديد ، متجنبة أستخدام أصابعها المتألمة ، وقف طاهر يراقب محاولتها الفاشلة بصمت وقد تلاشى الغضب من فوق ملامحه وحل محله التعاطف ، ثم تقدم بهوادة حتى وقف أمامها وبهدوء تام ، سحب الوشاح من بين يديها ثم بدء فى تمليس خصلاتها الأمامية ، قبل أن يضع الوشاح فوق رأسها ويقوم بلفه مثلما رأها تفعل منذ قليل ، أهتزت شفتها السفليه بضراوة كعادتها عند التوتر ، وتجمدت نظراتها وحركتها أسفل لمسته الناعمة ، كاتمة أنفاسها إلى أن أنتهى مما يفعله ، وأبتعد عنها سنتيمترات قليلة يطالعها من بعيد ، ثم هتف يسألها بحيرة :
-(( مظبوطة كدة ولا ؟! )) ..
رفرفت أهدابها بأرتباك تام ، متحاشية النظر إليه ، وهى تحرك رأسها موافقة ، دون أن تعى حتى ما الذى وافقت عليه للتو ، مطلقة أنفاسها المحبوسة داخل صدرها بمجرد أبتعاده عنها ، وقبل أن تستدير بجسدها هاربة من الغرفة بأكملها ، هتف يستوقفها بجمود :
-(( ثوانى كدة )) ..
ألتفتت تنظر بحيرة مضيقة عينيها فوقه بعدم فهم ، فنبرته الحالية وحاجبه المعقوص ، يتناقضا تماماً مع لمساته منذ قليل ، تقدم هو إليها حتى وقف أمامها من جديد ، ثم رفع ذراعه ، يتلمس بأطراف أنامله جبينها ، ويدفع خصلة وحيدة تمردت وظهرت أسفل الحجاب ساقطه فوق جبهتها، قبل أن يقول متنهداً بأرتياح :
-(( تمام كدة مفيش حاجة ظاهرة منه .. نقدر نتحرك )) ..
أتسعت أبتسامتها أمتناناً له ولحرصه على أخفاء ما أرادت ستره عن أعين الجميع ، قبل أن تتبع خطاه إلى الخارج .
وفى الأسفل ، وتحديداً داخل غرفة الطعام هتف طاهر معاتباً بمجرد رؤيته لقريبه :
-(( أنت يا أخى سايبنى نايم كل ده !! وكمان قاعد لسه هنا بدل ما تروح مكانى .. تشوف لو الشغل محتاج حاجة )) ..
أجابه جواد ممتعضاً بضيق بينما أنظاره مسلطة فوق الواقفة جوار أبن عمه تنظر إلى الأرضية أسفلها بخجل :
-(( مفيش حاجة مهمة فقلت أسيبك براحتك .. وأرتاح أنا كمان شوية .. متخافش الشركة مش هتتحرك من مكانها )) ..
أومأ طاهر رأسه بجمود ثم قال آمراً بعملية :
-(( تمام .. أفطر وأطلع أنت على الشركة .. وأنا هاخد رحمة على المستشفى الأول وبعدين هحصلك )) ..
دوت دقات قلبها عالياً للمرة الثانية ، عند أستماعها لأسمها ينطق من بين شفتيه ، فى حين سارع جواد ووالدته ووالده فى السؤال بقلق :
-(( مستشفى !! .. ليه )) ؟! ..
أجابهم ببساطة وقد شعر بضيق غير مبرر من ذلك الأهتمام المفاجئ والصادر من قريبه :
-(( مفيش .. الباب أتقفل على صوابعها بليل .. حاجة بسيطة مش مستاهله )) ..
أرتخت ملامح جواد التى تشنجت قبل أن يقاطع حديثهم رنين هاتف رحمة ، حيث سارعت تجيب قبل أن تهتف بقلق :
-(( طب أهدى وقوليلى وفهمينى حصل أيه ؟! )) ..
أجابتها غفران من بين شقهاتها المتأوهة :
-(( تعالى خدينى .. مش قادرة أروح لوحدى )) ..
هتفت رحمة تسألها بلوعة :
-(( طب أدينى العنوان وهجيلك فوراً .. متتحركيش من عندك )) ..
سألها طاهر بجمود بعدما أغلقت الهاتف :
-(( تروحى فين بالظبط ؟! )) ..
أجابته بحزن :
-(( غفران بتكلمنى ومنهارة .. بتقول أنها قريبة من مستشفى ********** وعايزة حد يروحها )) ..
رد بحسم :
-(( معنديش وقت أضيعه أكتر من كدة .. أحنا هنروح مستشفى ****** جنب البيت هنا .. وبعد كدة هطلع على شغلى )) ..
هتفت تعقب بحدة :
-(( وأنا مطلبتش منك تكون موجود .. دى صاحبتى أنا .. وهروحلها لوحدى )) ..
قال بنبرته القاطعة :
-(( مش هتخرجى لوحدك .. خلصنا ! )) ..
قاطع جدالهم جواد مقترحاً لفض الجدال الحاد بينهم :
-(( متخافيش يا رحمة .. أنا كدة كدة بعدى بالعربية قريب من هناك .. هروحلها أنا أوصلها .. وأنتى روحى مع طاهر مشواركم متعطلوش نفسكم )) ..
رفعت نظرها نحو طاهر الذى كان يراقبها بتأهب منتظراً تعقيبها ، وبالفعل عندما لمح الرفض داخل عينيها هتف ناهياً الحديث وقاطعاً الطريق على أى أعتراض قد يصدر عنها :
-(( يا أقتراح جواد يا مفيش .. ها ؟! )) ..
حدجته بعدة نظرات حانقة قبل أن تسير أمامه بخطوات متشنجة ، بينما داخلها يلعنه سراً على تسلطه ..

*******************************

بعد حوالى الساعة والنصف من محاولته تفادى الازدحام المرورى والوصول إليها سريعاً ، توقف بسيارته أمام العنوان المطلوب ، يبحث بعينه عنها ، إلى أن لمحها ، تجلس فوق أحد الأرصفة داخل شارع جانبى صغير ، فسارع بالذهاب إليها ثم أنحنى بجذعه نحوها ، يضع كفيه أسفل ذراعيها ويرفعها إليه ، بعدما هتف أسمها أكثر من مرة يسترعى أنتباهها دون جدوى ، سارت "غفران" معه كالانسان الألى ، مستندة بثقل جسدها على خاصته ، شاخصة بأعينها إلى الفراغ ، لا تعى شيئاً مما حولها ، وضعها جواد داخل السيارة بحذر شديد ، داعماً بكفه جسدها الذى ترنح أمامه ، قبل أن يركض إلى الباب الأخر يجلس خلف المقود بعدما تأكد من وضعية جلوسها داخل السيارة ثم بدء بالسير على هوادة ، وعينيه من حين للأخر تطالعها بقلق ، وبعد فترة من الصمت ، عاود المحاولة من جديد يسألها بهدوء :
-(( تحبى تروحى فين )) ..
أدارات رأسها ببطء تتطلع إليه بأعين زجاجية فارغة ، كأنها لا تراه ، ثم عاودت النظر أمامها دون أجابة ، أوقف هو محرك سيارته على جانب الطريق ، ثم أنحنى بجذعه يلتقط زجاجة ماء موضوعة جواره فى مكانها المخصص ، قبل أن يقوم بصب بعضاً منها داخل كف يده ، وبدء بمسح وجهها كاملاً ، ثم بعدها رفعها نحو فمها آمراً بنعومة بعدما وضع الزجاجة بين شفتيها :
-(( أشربى )) ..
أطاعته فى صمت ، مبتلعة نصف الزجاجة تقريباً إلى أن دفعت كفه بعيداً عنها كعلامة على أنتهائها ، راقبها جواد فترة دون حديث ثم عاد يسأل من جديد بصبر يتسم به :
-(( فى مكان محدد حابة تروحيه )) ..
أومأت برأسها موافقة ثم أجابته مغمغمة بنبرة لا تتعدى الهمس :
-(( عايزة أروح بيتى .. البيت .. الأزاريطة شارع ******** )) ..
تنهد براحة أخيراً وقد تحدثت ، ورغم ذلك وجد نفسه يقاوم فضول غريب لمعرفة السبب فى حالتها تلك ، فمن خلال لقائاتهم القليلة ، منذ تولت مهمة الدفاع عن رحمة ، وإلى وقتهم الحالى ، لم يراها منكسرة ، هكذا ، ثم أن الأنكسار لم يُخلق لها ولا يليق بها ، هذا ما فكر به بضيق وهو يصف سيارته أمام منزلها ، القريب من الموقع الأساسى ، قبل أن يترجل من سيارته ، يفتح الباب الامامى لها ويحثها على الخروج ، ثم سار جوارها إلى أن وصلت إلى باب المنزل ، وقتها إستدارت تنظر إليه مودعة بعيون مغرورقة بالدموع ، ثم أومأت رأسها إليه شاكرة فى توديع صامت ، وأغلقت الباب خلفها ، على حلمها ومستقبلها وكل خططها المرسومة فى العيش بداخل هذا المنزل .

********************************

داخل المشفى الخاص وتحديداً فى طابق الأستقبال ، دلفت رحمة غرفة الفحص السريع مفردها ، بعدما أشار لها بعينيه أن تسبقه ريثما ينتهى من مكالمته الهاتفية ، متفاجئة بطبيب الأمتياز، يسارع فى أستقبالها ، ويشير إلى الممرضة أن تترك الغرفة ، وتنصرف ! ، ثم مد كفه نحو الفراش الطبى الصغير ، يحثها على الجلوس فوقه كى يبدء الفحص بعدما أستمع إلى شكواها ، فأطاعته وجلست تاركة مسافة جيدة بينهم ، قبل تفاجئها به يختصرها ، متعمداً الألتصاق بها دون داع ، بينما كفه تتحس موضع أصابته بشكل مثير للريبة ، فسحبت نفساً عميقاً تهدء بها أعصابها التى أخذت فى التوتر ، ثم قفزت من فوق الفراش بعدما دفعت يده بعيداً عنها بشجاعة قائلة بحدة :
-(( من فضلك ثوانى كدة )) ..
فتحت بعدها باب الغرفة تبحث عنه إلى أن وجدته ، يقف قبالتها ، معطياً ظهره لها ومتحدثاً خلال الهاتف ، زفرت مطولاً عدة مرات ثم هتفت بنبره متهدجة مندفعة :
-(( طاهر .. مفيش حد معايا فى الأوضة )) ..
أستدار بجذعه ينظر إليها مشدوهاً ، وعينيه تلمع بوميض خاص ، عرفه قلبه وجحدته عيناها ، متمنياً سماع أسمه منها مرات ومرات ، بل تحركت رغبة بداخله فى تذوقه وليس سماعه ، اللعنة ، ها قد أكملت ألقاء تعويذتها التى بدئتها من خصلاتها ، والأن أتمتها شفتاها من خلال حروف أسمه الملحنة ، وكأنها تأبى ألا أن تُحكم نسج شباكها حول روحه ، وتحاصره من جميع الجهات حتى لا يجد ملجاً ولا مهرباً ، همسة أخرى أشد وطأة من شفتيها التى تتحرك صعوداً وهبوطاً برقة بالغة ، جعلته يسير إليها مغيباً ، يمد يده ويتلمس بظهره كفها ، قبل أن يشبك أصابعها بخاصتها ، ويسير بها إلى داخل غرفة الفحص من جديد وقد فهم مقصدها بعد نظرة واحدة ألقاها على ذاك الذى يقف خلفها ، بينما تابع الطبيب تلاحم كفيهما معاً ثم سأل بفضول :
-(( هى أخت حضرتك ؟! )) ..
أجابه طاهر بنبرة متحشرجة محذرة وقبضته تزداد قوة فوق كفها، ولدهشتها كانت أكثر من ممتنة لفعلته تلك :
-(( مراتى )) ..
مط الطبيب شفتيه وهو يباشر عمله ثم عقب بأستنكار :
-(( غريبة !! .. مع أنى مشفتش دبله فى أيديها )) ..
ضغط فوق شفتيه متجاهلاً تعليقه ثم قال بنفاذ صبر :
-(( مقلتش يا دكتور يعنى عندها أيه ؟! )) ..
أجابه بعملية :
-(( بسيطة .. الدم أتحبس وعشان كدة عمل تورم .. مجرد ما هنصرفه هيبدء الألم يهدى .. مع مسكن للألم ومضاد حيويى وربط الأيد كام يوم عشان نمنعها من الحركة .. هتبقى فل .. وكويس أنك جبتها على طول .. ساعات أصابة الباب بتأدى لبتر الصوبع لو أتعاملنا معاها بأهمال )) ..
سألته هى بقلق مستوضحة :
-(( يعنى حضرتك هتلف أيدى دلوقتى )) ..
رد بلا مبالاة :
-(( عندك أعتراض ؟! )) ..
أجابته بضيق :
-(( أه دى أيدى اليمين .. هتعامل أزاى ؟! )) ..
نظر الطبيب إلى طاهر الواقف جوارها ، ثم قال ببساطة رغم الحنق المغلف ملامحه :
-(( الأستاذ جوزك ممكن يساعدك فى أى حاجة )) ..
زفرت مطولاً قبل أستسلامها للأمر الواقع ، تاركة الطبيب يباشر بعمله متحاملة على نفسها وكاتمة تأوهاتها حتى لا تظهر أمامه كالطفله المدللة المتذمرة .

********************************

خلف أحدى الطاولات المربعة بجوار ملعب السلة ، جلس متشوقاً ، حيث أتفقا على اللقاء ، يترقب وصولها ، ممنياً قلبه باللقاء ، مذكراً نفسه بما عاهدها عليه ، ولاوياً فمه بسخرية شاعراً أنه قد عاد طالب مشاغب من جديد ، يتوجب عليه تكرار درسه مراراً وتكراراً حتى يستقر داخل عقله الصدأ، جاذباً عينيه تقدمها منه مبتسمة بترو شديد ، حيث تسير على خطى طفلة أخيها الصغيرة ، سارع يحيى بالوقوف أحتراماً لها ، قبل أن يجذب أحدى المقاعد كى تجلس عليه ، تسمرت علياء مكانها على فعلته ، تسأله بأنبهار :
-(( ده عشانى ؟! )) ..
أجابها بجمود كاتماً إبتسامة مرحة تلوح بالظهور فوق شفتيه :
-(( مفيش غيرك هنا صح ؟! )) ..
تنحنحت بحرج لأئمة نفسها على تهورها فى الحديث ثم غمغمت معتذرة بأحباط بعدما أختفت بسمتها :
-(( أسفة .. مأخدتش بالى )) ..
لعن نفسه سراً على حدته وجفائه فى التعامل فأردف يقول بنبرة خرجت ساخرة رغم نيته تلطيف الأجواء :
-(( أتفاجئتى ليه .. خطيبك مش بيعمل كدة )) ..
رفعت رأسها تنظر إليه بعدما أعادت أحدى خصلاتها للوراء ثم قالت بأرتباك :
-(( خطيبى !! .. أه .. طبعاً .. أه .. بيعمل كدة )) ..
أرغم ثغره على أغتصاب أبتسامة مقتضبة رسمها فوق شفتيه ، شاعراً بالغيرة تمزق أحشاءه ، قبل أن ينحنى بجذعه ليحي الطفلة الصغيرة التى تجاوبت معه على الفور كعادتها ، ثم شروعه فى عمله المكلف به ، بينما جلست هى جوارهم شاعرة بالاختناق ، بسبب توتر الجو من حولهم ، ومن ذلك الصوت الخافت الذى لا ينفك يحثها على الرحيل ويخبرها أن وجودها هنا ، فى تلك اللحظة ليس مرحب به ، فمنذ وصولهم وهو يتعامل معها كم لو أنها نكرة ، شئ لا قيمة له على الأطلاق ، وكم تود الهرب لولا الطفلة الصغيرة ، أما عن الجانب الأخر ، جانبه هو ، كان كمن يحارب على جبهتين ، واحدة تطلب منه النظر إليها وأشباع عينيه برؤيتها ، والأخرى تتوسله كى يتحدث معها ويزيل ذلك العبوس المعتدى من فوق جبهتها ويعيد إليها بسمتها الساحرة ، وفى الأخير ، خضع إلى نداء عقله والذى أجبره على تجاهلها ، حتى أخر الجلسة ، لتنتفض بعدها بحدة تحمل الصغيرة بين ذراعيها وتتمتم بنبرة خالية يخالطها الغضب ، بعدما قررت الأنسحاب :
-(( شكراً لحضرتك .. ومن المرة الجاية إن شاء الله .. هخلى جواد هو اللى يتواصل مع حضرتك عشان لينة .. وأسفه تانى مرة لو أزعجتك أو عطلتك )) ..
أرخى جفنيه زافراً بأحباط بعدما فتح فمه هاتفاً بأسمها يستوقفها ولكنها تجاهلت ندائه عن عمد وهرولت مبتعدة تشعر بحزن غير مبرر .

**********************************

صرخات متأوهة مرتاعة كالمنشار تشق حلقها نصفين ، كانت هى سبيلها للتنفيس عن نيران الخيانة التى تحرق كبدها ، بينما ذراعيها تتحرك فى ألية تحطم كل ما يقع فى طريقها ، كل ذكرياتهم معاً ، كل شبر خطت به داخل المنزل ، كل ركن جلست به معه ، تمحى أثر كل أبتسامة ، كل دمعة ، كل فرحة ، كل أمل ، لا تُبقى على ذكرى واحدة تجمعهم ، إلى أن خارت قواها وأُستنفذت قوتها ، فأرتمت منهكة الروح والجسد ، تبكى بحرقة ، تاركة الدمع يشق طريقه فوق وجنتيها ، حتى جفت عينيها ، وجلست تحدق فى الفراغ بصمت ، منتظرة عودته لتنفيذ ما تنتوى ، وبالفعل بعد نصف ساعة ، دلف "بدر" المنزل بتأهب شديد ، يسير بهوادة ويطالع محتوياته المحطمة عن بكرة أبيها ، حتى وصل إليها وجلس القرفصاء أمامها ، هامساً أسمها بتوسل :
-(( غفران )) ..
دفعت يده التى بُسطت نحوها بأشمئزاز ثم أستقامت فى جلستها مبتعدة عنه بالقدر الكافى حتى لا يتسنى له لمسها ثم قالت بهدوء ، عكس الأعصار الذى يموج داخلها :
-(( قدامك لحد بكرة تكون ورقتى عندى )) ..
غمغم يستعطفها متضرعاً :
-(( طب بس أسمعينى .. عشان خاطرى )) ..
أبعدت خصلاتها الثائرة عن عينيها بحدة ثم صاحت معقبة بنبرة عدائية كارهة :
-(( أسمعك ليه !! .. عشان تبرر خيانتك !! .. لأ أستنى .. أكيد جاى تقولى عملت كدة عشانك .. ولا ممكن نعمل زى الأفلام .. وتقنعنى أن هى مجرد بطن تشيل .. وبعدها ترميها وتاخد الولد تكتبه بأسمى صح !! .. ماهو أنا برضة الأولى لحد ما أرضى بالأمر الواقع أكيد ؟! .. وتبقى جوز الاتنين .. فكرة اتهرست مليون مرة وقلت تجرب حظك أنت كمان يمكن تنفع معاك !! ))
صمتت لوهلة تحدجه بأزدراء قبل أن تضيف ساخرة :
-(( ولا يمكن هتيجى تقولى ماما غصبت عليا .. مانا عارفاك حبيب مامى !! .. تيجى عندها ومتقدرش ترفض طلب !! ولا ممكن برضه تقولى أخاف أعصيها تغضب عليا .. وأنا كزوجة متربية أصيلة مكسورة هقولك حاضر يا سى بدر .. خدامتك .. أتفضل دوس على قلبى أنت والست الوالدة .. أنا عاقلة .. وصابرة .. وراضية !! )) ..
قال مواجهاً بأحباط :
-(( لا مش هقولك كدة .. عشان غلطان ومعنديش مبرر أقوله .. غير أنى بحبك ومش عايز أخسرك أو أظلمك )) ..
صرخت تقاطعه بحسرة :
-(( كــدااااب .. أنت واحد واطى .. أنانى .. وندل .. مبتحبش غير نفسك .. وعمرك ما هتشوف غير مصلحتك .. لو بتحبنى كنت حسيت بوجعى .. حسيت بقهرتى وأنا بدخل عملية مرة وأتنين عشان أفرحك وتفشل .. كنت صعبت عليك وأنا كل يوم بتنغز بالأربع أبر عشان أحققلك أمنيتك انت والست الوالدة  .. كنت أشفقت عليا وأنا بشوف طفلى كل مرة احمله ويسقط قدامى وأطلع أبتسم قدامك عشان متقلقش .. كنت فكرت أن أنا كمان نفسى أبقى أم .. وأنى محرومة زى زيك من غير مانع .. ومكنتش طعنتى فى ضهرى وبعدها دبحتنى بسكينة تالمة )) ..
بلعت لعابها بقوة ثم أردفت تقول بنبرة متحشرجة من كثرة الدموع التى عادت تباغت جفنيها :
-(( عطيت لنفسك الحق تحقق أمنيتك ونستنى )) ..
ضربت فوق صدرها بقوة عدة مرات ثم أستطردت تصرخ بقهر :
-(( ولعت النار فى جوفى وجاى تقول غلطان .. لا يا بدر .. النار حرقتنا سوا .. ومش هسمح أنك اللى تطفيها .. طلقنى وألا أنت عارف .. من بكرة هرفع عليك قضية خلع وهتتفضح فى كل المواقع .. لو لسه عندك ذرة كرامة .. أو خايف على سمعتك طلقنى )) ..
همس بعجز :
-(( أنتى طالق .. بالتلاتة )) ..
رفعت رأسها بكبرياء بعدما تنفست الصعداء براحة ، ثم قامت بسحب حقيبة سفرها المحضرة سابقاً من جوار الفراش ، وسارت برأس مرفوع نحو باب الخروج ، غالقة تلك الصفحة من حياتها بكل ما فيها ، بينما راقب هو رحيلها بأعين دامعة ، وقد أختار الحل الأسهل ، الأمثل ، الذى طالبه به قلبه منذ عدة أيام ، بل منذ مالت كفة مضغته إلى الأخرى .

*********************************

عاد إلى المنزل متلهف الخطى ، متشوق الرؤى ، ومندفعاً إلى غرفته فوراً ، متناسياً كل وعوده التى قطعها البارحة ، وقراراته التى أنتوى تنفيذها ، ومنتوياً تبديل ثيابه أولاً ، قبل زيارتها والأطمئنان على أحوالها ، مقاطعاً ترتيبه ، طرقة خافتة فوق باب الغرفة يليها ، ظهور مدبرة منزله القديرة " ام الحسن " حاملة بين يديها ، صينية عشاء كبيرة ، محملة بكل أنواع الطعام الممكنة ، ضيق طاهر حدقتيه فوقها قبل أن يسأل بفضول :
-(( أيه ده كله يأم حسن ؟! )) ..
أجابته مسترسلة بأبتسامتها المعتادة :
-(( ده أكل لست البنات .. مأكلتش حاجة من الصبح .. فقلت أطلعلها الأكل هنا وأكلها بنفسى .. مانت عارف مش هتعرف ياحبة عينى تاكل لوحدها بأيديها الملفوفة دى )) ..
أرتفعت زواية فمه بأبتسامة خفيفة ثم قال بصوته الأجش :
-(( طب هاتى الصينية وروحى أنتى ؟! )) ..
شهقت مستنكرة قبل هتافها معترضة :
-(( يالهوى .. أسيبك تشيلها بنفسك .. لا والنبى ما يحصل .. عدينى بس وأنا هحطها )) ..
أتسعت إبتسامته المسلية فوق ثغره ثم قال بنبرة تحتفظ داخل طياتها بالأبتسام  :
-(( هاتى بس وملكيش دعوة )) ..
رفعت ذراعيها تضع صينية الطعام بين يديه باندهاش تام قبل خروجها من الغرفة عائدة بأدراجها إلى الأسفل ، بينما طرق هو بمرفقه الباب مستأذناً فسارعت رحمة تسأل بفضول :
-(( مين ؟! )) ..
أجابها بتأن :
-(( أنا )) ..
ارتبكت فى الحال معتدلة فى جلستها فوق الفراش ، بينما أنزلقت عينيها فوق وشاح رأسها الموضوع جوارها تنظر إليه ، مفكرة بسذاجة فى تغطية شعرها ، قبلما تذكرها ليلة البارحة التى قضتها بين ذراعيه ، ثم وأليس  ومن السخافة أرتدائها لحجاب رأسها بعدما رأها دونه عدة مرات ، هذا ما هتفت به داخلياً قبل أن تأذن له بالدخول دون وضعه فوقها ، دلف طاهر الغرفة ثم أغلق الباب من خلفه بقدمه ، مواصلاً سيره نحوها ، فرغ فاهها وهى تراقب تقدمه منها بعدم تصديق ، فهو حقاً يحمل الطعام بين يديه !! ، أم تتوهم هى بذلك ، مقاطعاً دهشتها جلوسه أمامها ، أولاً ثم قوله وهو يمد يديه بملعقة الطعام إلى فمها ثانياً :
-(( حرام تاكلى بأيديك الشمال )) ..
نفضت رأسها ببلاهة قبل أن تنحنى برأسها فى أتجاهه تطيعه و تتناول الطعام من يديه بألية شديدة غير قادرة على الرفض أو التعبير ، بينما راقب هو نعومتها فى الحركة ، سائلاً قلبه بحيرة ، عن حاله وهو يقف هكذا فى المنتصف ، يريدها ويرفضها ، يتلمس القرب ، ويود أيضاً الابتعاد ، يتمنى لو كان ادنى قليلاً ، ولكنه يخاف الأقتراب ، يخشى الخيانة ، حرقة القلب ، وخذلان الروح ، يقف هناك فى المنتصف حيث هو قريب وبعيد ، راغب وممتنع ، يكتفى بنظرة عابرة ، بسمة خافتة ، همسة ناعمة ، منها
وبعد انتهائها من تناول طعامها ، وضع الصينية جانباً فوق الفراش ، ثم دس يده داخل احدى جيوب بنطاله ، واخرج منها صندوق صغير من القطيفة ، فتحه أمام عينيها ثم قال بأرتباك وهو يقدمه إليها :
-(( يعنى .. لحد ما كل واحد يروح لحاله .. ألبسى ده .. عشان محدش يعلق زى النهاردة وقبل كدة )) ..
شهقت رحمة بعم تصديق وقد تعلقت عينيها فوراً ، بمحبس زواج يخطف الأنفاس من الألماس الخالص ، مكون من خمسه فصوص صغيرة بيضاء ، متراصة جوار بعضها البعض ، جاذبها من صدمتها الفرحة ذراعه الذى امتدد نحوها محتضناً كفها الأيسر ، ثم قام بأدخال المحبس فى أصبعها الرابع ، قبل أنحناءه نحوها ، طابعاً قبلة رقيقة مطولة فوق جبهتها ، ثم أنصرف على الفور ، هارباً من قلبه والذى أضحى يتحكم كلياً بتصرفاته .
فى منتصف اليوم التالى ، وأثناء أستعدادها للهبوط إلى الأسفل تهادى إلى مسامعها صوت طرقة خفيفة فوق باب الغرفة ، يليها ظهور علياء من خلفه ، أبتسمت رحمة بسعادة قبل أن تقول بترحاب شديد :
-(( وأنا أقول البيت نور ليه )) ..
قالت علياء مازحة بخفة :
-(( عرفت أنك تعبانة ومريضة وقعيدة الفراش .. قلت أعمل ثواب وأجى أشوفك )) ..
قهقهت رحمة مطولاً ثم قالت مشجعة :
-(( طب تعالى أقعدى .. وفرتى عليا النزول تحت )) ..
زمت علياء شفتيها للأمام ثم سألتها مشاكسة :
-(( ألا قوليلى يا ريمو .. هو تيتو بينام برة .. ولا...... )) ..
مطت كلمتها الاخيرة بنبرة ذات مغزى ثم تركتها ناقصة مما دفع الأخرى للكزها داخل مرفقها معنفة ، ووجنتيها تتوردان خجلاً من ذكرى مبيتهم داخل غرفة واحدة ، وبعد فترة من التردد ، هتفت رحمة تقول بأرتباك :
-(( علياء .. هو أنا ممكن أسألك عن حاجة ؟! )) ..
سارعت علياء تجيبها وعيونها تلمع بفضول :
-(( أه طبعاً أتفضلى ؟! )) ..
تنحنحت عدة مرات ثم قالت بتعلثم :
-(( فاكرة يوم ما كنا سوا .. فى البلكونة .. قصدى يعنى يوم ما قلتيلى على طــطـاهـر .. مش أول مرة يفترق .... )) ..
قالت علياء بفهم :
-(( ااااااه .. قصدك عن عمرو وطاهر )) ..
أومأت الاخرى رأسها مؤكدة بلهفة ، فى حين سحبت علياء نفساً عميقاً قبل أن تجيبها بتأثر :
-(( عمرو وطاهر كانوا بيحبوا نفس البنت .. ريم يعنى .. مرات طاهر .. أتعرفت على عمرو الأول وكان بيحبها بجنون .. وهى كمان كانت تدى بتحبه .. لحد ما شافت طاهر واتعرفت عليه .. وعرفت أن كل حاجة فى أيديه وهو الآمر الناهى.. مش عمرو زى ما كانت متخيلة .. وقتها بدءت ترمى شباكها حوالين طاهر .. وتظهرله فى كل مكان .. لحد ما حبها هو كمان بجنون .. وطبعاً أختارته هو .. والحقيقة أنه حارب الدنيا كلها عشانها .. حتى أنه وعمرو قاطعوا بعض كام سنة بسببها .. لحد ما ضربته وورطته فى قضية كبيرة بأسم الشركة وتحت توقيعه .. وكان هيتسجن فيها لولا ستر ربنا .. بعدها أختفت طبعاً .. ومن رحمة ربنا بيه جاله خبر موتها بعد فترة عشان يخلص منها )) ..
صمتت علياء لوهلة تتابع ردات فعل رحمة المتأثرة ، ثم أردفت تقول بصدق :
-(( بصى .. أنا لحد دلوقتى معرفش أنتى بريئة من دم عمرو ولا .. رغم أن قلبى بيقولى أنك مظلومة .. بس لو كنتى فعلاً بريئة يا رحمة أثبتيلى ده .. وأنقذى اللى عايش لو فى أيديك .. وعوضيه عن كل اللى راح .. ساعتها بس هتأكد أن نظرة بابا فيكى صح )) ..
أعقبت جملتها ببسمة خافتة حزينة جعلت الأخرى تشرد بنظراتها إلى الفراغ وقد تحرك شئ بداخلها ، شئ وضعته من فوره تحت بند الشفقة .

*********************************

داخل مقعده خلف مكتب رئيس مجلس الادارة ، هتف طاهر بنفاذ صبر ملتاعاً ، بمجرد رؤيته وجه ماكسيم الذى طل من خلف الباب يسير فى اتجاهه ببطء ولا مبالاة :
-(( ها !!! .. ايه الحاجة اللى كلمتنى عشانها وقلتلى متنفعش تكون فى التليفون ؟! )) ..
أبتسم التحرى الخاص عن ملئ فاه ثم قال مازحاً :
-(( أنا بخير .. كيف حالك انت أيضاً سيد طاهر )) ..
حدجه طاهر بنظرة حانقة جعلت الاخير يسارع بالجلوس وأخراج وثيقة مصورة من حقيبته قائلاً ومبتسماً بأنتصار :
-(( من أجل تلك سيد طاهر .. مجهود أيام عدة .. أتصل خلالها نهارنا بليلنا حتى توصلنا إليها )) ..
سحبها طاهر من يده بلهفة يقرأها على عُجالة ، ثم عاود قرأتها من جديد ، مرة تلو مرة ، يتأكد مما تراه عينه ، قبل أن يغمغم بصدمة واضحة بعدما سقطت الوثيقة من يده واستقام فى وقفته :
-(( قصدك .. رحمة بنت عمى أنا .. أنور !! )) ..



تعليقات