رواية خان غانم الفصل الرابع 4 بقلم سوما العربى


رواية خان غانم 
الفصل الرابع 4
بقلم سوما العربى


وقفت أمامهما گ الكتكوت المبتل ، أبتعلت رمقها بصعوبه ثم قالت اول حُجة خطرت على عقلها .

حلا : أصل بطاقتي مش معايا .

تبادل غانم و العم جميل النظرات ثم عاود غانم النظر لها مردداً : بجد ؟! أااه .. و مش معاكي ليه ؟ حد يخرج من غير بطاقته بردو ؟

هزت كتفيها و ردت ببساطة في محاولة فاشلة لإخفاء خوفها و كذبها الواضحين لهما و قالت : نسيتها في البيت .

نظر لها غانم بصمت تام ثم قال : روحي على شغلك.

تفاجأ العم جميل كلياً و هي رددت ببلاهة : هاااا ؟!

غانم : إيه؟ بقولك روحي على شغلك .

حلا : ح.. ححاضر .

ألتفت كي تغادر مرتبكة لكنه ناداها : حلااااا .

عادت تناظره فقال بحدة : ياريت تشوفي شغلك، شغلك و بس ، مش عايز مرقعه هنا .

فجاوبت على الفور و هي تهز رأسها رغم جهلها عن أي "مرقعة" يتحدث : حاضر.. حاضر.

غادرت سريعاً و تركت العم جميل يقف منصدم ، ذهب خلفها و أغلق الباب ثم التف لغانم يسأل بغضب : أنت إزاي تسيبها تكمل شغل و تفضل هنا و إحنا شاكين فيها ، لأ شاكين إيه ؟ أنا بقيت متأكد أصلاً إن البت دي وراها حاجة ، مش شايفه واقفه بتفرك إزاي و بتقول أي كلام، بطاقة إيه إلي نسيتها .

كان غانم شارد في نقطة واهيه ينظر للفراغ فهتف العم جميل عالياً : بكلمك يا ولدي .. البت دي لازم تمشي ، سايبها هنا ليه ؟

رفع غانم أنظاره له و قال بتريس : لو في عدو ليك عمال يتننط و حالف لا يقتلك تسيبه يلف و يجيلك من وارك أو من فوقك و تبقى مش عارف جاي لك منين و لا تخليه تحت عينك و تراقبه أنت و تحسسه كمان انك بلاعت الطعم .

صمت العم جميل يدرك رويداً رويداً مقصد غانم إلي أن أبتسم بتفهم ثم قال : لأ، لعيييب و تعجبني ، خلي بالك بردو أنا قولت المنظر ده مش منظر خدامة ، باعت لك واحده تحل من على حبل المشنقة عشان تريل عليها ، صلاح عيسى مابيهزرش بردو .

نظر له غانم بجانب عينه ثم قال : بس كلم إبنك بس و نبه عليه مالوش علاقه بيها.

جميل : كرم ؟ و هو ماله بيها ؟

فجاوب غانم بإنزعاج واضح : لاقيته واقف معاها في المطبخ و عمال يتنحنح و يتسهوك أوي ، قوله يبعد عنها خالص .

ضحك جميل مردداً : ما الواد معذور بردو يا ولدي ، البت تهبل ، ده انا راجل كبير و يعني.....

رفع غانم أنظاره المحتدة يسأل: و يعني إيه؟

جعد جميل ما بين حاجبيه و قال مستنكراً : إيه يا ولدي بهزر وياك ، مالك زي ما يكون واخد الحكايه جد كده.

هز غانم رأسه مراراً و قال : أنا بس مش عايز أي غلط ، عايز الأعبها هي و صلاح على الهادي .

هز جميل رأسه وقال: ماشي ، هروح أنا أشوف إلي ورايا .

امأ له غانم موافقاً ليغادر جميل و يتركه و هو غارق في بحر من الأفكار المتعاكسة لم يقطعها سوى دخول سلوى التي دقت الباب و لم يجيب من شروده ففتحتة و ولجت للداخل و لم يلاحظها حتى .

كان شارد تماماً و أنتفض بتفاجئ على يديها التي ضمته له مردده : حبيبي سرحان في ايه ؟

جذبها له و هو يبتسم مردداً : و لا حاجة.

سلوى: ازاي بس ده أنت حتى ما أخدتش بالك إني دخلت و لما خبط ماردتش ، أنت بجد متغير أوي.

تنهد بضيق ثم قال: متغير فين بس ، أنتي إلي بقا خلقك ضيق زيادة عن اللزوم.

وقفت و ابتعدت عنه و هي تردد بسأم : أنت إلي مش واخد بالك اني تعبانه جدا ،انا ليل نهار برجع و دايخه .

غانم : ماعلش يا حبيبتي هما أول تلات شهور في الحمل بيبقوا كده وبعد كده كل حاجه بتهدي خالص انتي اكيد عارفه

نظرت له سلوى بحزن كبير ثم قالت ساخره وانا هاعرف منين هو انا كنت جربت غير اول ثلاث شهور ، في كل مره الحمل ما بيكملش الثالث حتى .

اغمض عيناه وتنهد بتعب ثم قال: إن شاء الله المره دي الحمل يكمل و نفرح كلنا.

فقالت سلوى على الفور بجنون : لازم يكمل ، لو ما كملش المره دي كمان أنا ممكن يجرالي حاجة.

اقترب منها غانم يحاول تهدئتها مردداً: أهدي بس يا سلوى ، كل حاجه بأيد ربنا ، ماينفعش تقولي كده.

فصرخت بجنون : أنت عارف ده الحمل رقم كام ، عارف أنا سقطت كام مره ، رقم يخض ، عارف إن جسمي مابقاش مستحمل حمل و سقوط ، لحد أمتى هفضل كده ، الحمل ده لازم يكمل .... لازم .

راقبها غانم بذهول حقيقي ، لأول مرة يرى سلوى هكذا ، بدت و كأنها على شفى الجنون 

حاول الإقتراب منها كي يضمها له و يهدئها مردداً: طب أهدي يا سلوى أهدي.

أبتعدت عنه وقالت : أنا كويسه ، هطلع أخد الدوا بتاعي و أرتاح شوية و أنا ههدا لوحدي.

غادرت على الفور تصعد لغرفتها تحلم بحمل طفلها بعد سنوات من الحرمان و الألم .

في بيت سميحة والدة حلا .

جلست على طرف الأريكة و هي تضرب فخذيها معاً تردد بعويل : كده يا حلا ، بتسهيني و تخرجي ، نفذتي إلي في دماغك بردو ، ماشي.. ماشي .. اتلايم عليكي في أيدي بس و الله لأوريكي .

انتفضت من مكانها و بدأت تفتش عن هاتفها حتى وجدته و بدأت تتصل بها .

استمعت للهاتف على الطرف الآخر يواصل الرن ولكن ما من إجابة.

سميحه و هي تهز فخذيها بتوتر وغيظ ممزوجان بالقلق: و كمان مش بتردي يا حلا .. ماشي.

عاودت الدق من جديد لتصدم بأن الهاتف قد انغلق.

سميحه : ده أنتي ليلتك مش معدية يا حلا ، بتقفلي موبايلك كمان .. ماشي و ماله .. مصيرك تيجي تحت أيدي ، قسماً بالله ما هتشوفي الشارع مره تانية .

بالفعل هي لن ترى الشارع مجدداً ولكن ليس بسبب سميحة و إنما بسبب ذلك الذي يجلس في مكتبة يفكر و يخطط لتلك التي تقف في المطبخ تجهل ما يحاك لها ، تقبض على هاتفها و هي تنظر له بذعر مردده : يا نهاري إلي مش فايت.

أقترب منها كرم يسأل بقلق: مالك يا بنتي ؟

التفت له حلا تردد : موبايلي فصل شحن و ماما كانت بتتصل بيا .

كرم: طب و فيها ايه ما تهدي كده ، شويه و كلميها .

زمت شفتيها بضيق من غباءه و قالت : إزاي يا أبو الذكاء و هو فاصل شحن.

أقترب منها يلكز بأصبعيه موضع عقلها و هو يردد : لما يتشحن يا ذكيه هانم أكيد مش هتتكلمي في حتة حديده ، و لا يمكن هتسبيه فاصل ، أنا بجد ماشوفتش في نباهتك إيه ده .

فقالت حلا بعويل : ما أنا مش جايبه شاحن ، مش جايبة شاحن.

كرم ببرود : اشوفلك شاحن .

ذهب كرم ليجلب لها شاحن و هي بقت في المطبخ تفكر فيما ورطتت به نفسها لتنتفض مجدداً على صوت غانم من خلفها يردد : هو انا مش طلبت قهوة من ساعة .

وقفت عن مقعدها و أمتثلت أمامه تقول : ما هو كرم مش هنا .

رفع إحدى حاجبيه و قال: و هو أنا طلبتها من كرم ؟

حلا : ما هو الي بيعمل القهوة و الأكل أنا وظيفتي هنا التنضيف .

بقى غانم ينظر لها نظره عميقة مطوله ، يلفها كلها ، كانت جميلة و ساحرة ، مظهرها يشرح الصدر و يجعل كل من ينظر له مقبل على الحياة.

تربكه كثيراً و أحياناً يفقد السيطرة على كل شيء.

اهتز ثباتها أمامه ، نظراته تربكها هي الاخري و بدأت تزيح شعرها بحرج تضعه خلف أذنها و تنظر أرضاً 

فابتسم و هو يشعر بتأثيره عليها و أخذ يقترب منها بخطوات ثابتة حتى توقف ، وضع أصابعه أسفل ذقنها ثم رفع وجهها له يتأملها و هو يسبح الخالق فيما أبدع و خلق .

لتشعر بالإرتباك من فعلته و حديثه الصريح و لم تلبس أن صدمها بسؤاله : معقول واحده بجمالك ده تشتغل خدامه ، إنتي إلي زيك لازم تبقى هانم ، ملكة و الكل يخدمها.

لم تتمكن من الإجابة إلا بعد دقيقة كامله و هي تنظر ملامحه التي تبتعد عنها بأنشين فقط و يده مازالت أسفل ذقنها و قالت : أصلي محتاجه للشغل مؤقتاً لحد ما ألاقي شغله مناسبة و أقدر أصرف على دراستي .

رفع حاجبة و أزاح يده عن ذقنها يسأل : دراسة إيه ،انتي مش قولتي أنك دبلوم تجاره ؟!

أتسعت عيناها برعب حقيقي ، تدرك أن الكذب بلا قدمين ، لقد نسيت تماما ما سبق و اخبرت به سلوى و إنكارها انتسابها لكلية التجارة .

فحمحمت مرددة : أصل.. أصلي .. أصل أنا..

التوى جانب فمه بإبتسامة ساخرة ينتظر بإستمتاع لأن يستمع لنسج كذبة جديده من هذه الغبية .

و قال: أنتي أيه يا قمر ؟

أرتبكت أكثر حينما أنهى حديثه ب "قمر" تلك

وقالت : أنا عايزة أعمل معادله و بعدها أدخل كلية زي صحابي و الحكاية دي هتحتاج مبلغ يعني .

هز رأسه بأسف عليها و هو يردد بدراما : محتاجه للشغل أوي يعني .

حلا : أوي .

أبتسم و كأنه هكذا يكشر عن أنيابه و هي بالفعل أرتعبت ..

لم يخيب ظنونها فقد قال : حيث كده بقا فأنتي مش هتخرجي من هنا .

حلا بصدمة: أييه ؟

ضحك و قال: زي ما سمعتي كده ، هتشتغلي بالنهار و تباتي هنا بالليل .

حلا : طب ليه ؟

هز غانم كتفيه و قال ببساطة و لا مبالاة : إفترا .

حلا : بس ده ماينفعش و كمان ما يصحش .

كتف ذراعيه حول صدره ثم قال : أنا عارف انك جامده و حقك تخافي على نفسك بس ما تقلقيش الشيطان مش هييجي غير لو أنا و أنتي بقينا لوحدنا ، و أنتي شايفه أهو ، مراتي هنا و كمان عمتي ، و عم جميل ساعات بيبات في اوضته إلي هنا كرم بس هو الي بيروح .

خافت حلا كثيرا و أقرت أنها بالفعل غبية و لا طاقة لها بمجابهة غانم صفوان غانم ، والدتها كانت محقة تماماً و قررت التراجع عن أي فكر بمخيلتها و الاستسلام التام .

و أن تعود تقطف عيدان الملوخية بجوار والدتها أفضل لها كثيراً فسارعت تقول بلهفه : خلاص ،شيل ده من ده يرتاح ده عن ده ،  أسيب الشغل .

زم شفتيه و ردد بأسف : مش بمزاجك يا قمر ، أنا قولت انك هتفضلي هنا يبقى هتفضلي هنا ، مافيش مشيان ، عدي أيامك معايا ، بلاش أحطك في دماغي.

سكنت في المقابل تحاول إستيعاب ما يحدث معها و قد قدمت هي إليه بقدميها لم يرغمها أحد .

تنظر له بأعين متسعه مصدومه لتفقده تركيزه تماماً ، هو من أول وقوفه مقابلها يقاوم بقوه رائحتها التي تهاجمه ، لديه رغبة ملحة في أن يضمها له و يمرمغ أنفه على طول عنقها حتى يشبع صدرة من رائحتها .

ثقلت أنفاسه و بدأ يقترب منها يظهر على وجهه نيته الواضحه في عينه التي أظلمت و يده ترتفع كي يضمها له.

و لم يرحمها سوى صوت هاتفه الذى أعلن عن إتصال ملح .

بلل شفتيه يدرك ما كان قادم على فعله ، وأنها أصبحت ذات سلطان عليه تفقده ثباته و عقله .

خرج من المطبخ سريعاً كي يجيب على الهاتف يتهرب من سلطانها .

في اللحظة التي دلف فيها كرم للمطبخ على عجلة من امره يقول : خدي ده الشاحن إلي عندي ، جربيه .

حاولت سحب أنفاسها المسلوبة من تواجد غانم معها ثم قالت: ده شكله مش هينفع انا عايزه سوكت عريض 

لملم كرم بعض متعلقاته و قال : جربي بس ، أنا لازم أمشي حالا ، في واحد صاحبي بيتخانق و البوليس اخدهم على القسم ، سلام .

انهى حديثه و هرول للخارج و هي تبعته تناديه لكنه لم يجيب و ذهب لصديقه .

حلا : ده مشي ، سترك يا رب.

إلتفت على صوت سلوى تهبط الدرج و هي تحمل حقيبه خفيفه تنادي غانم: غانم ، يا غانم .

خرج غانم من مكتبه يسأل: في ايه يا حبيبتي؟

سلوى: أنا لازم أروح دلوقتي عند بابا، منال اختي تعبت و لازم أبقى معاها... أنت هتيجي معايا و لا عندك شغل .

غانم : لأ يا حبيبتي عندي شغل ، روحي و أنا لما أخلص أجي لك 

غادرت سلوى على الفور ، كانت متعجله و قلقه جداً على شقيقتها .

إلتف غانم ينظر لحلا مردداً: واقفه كده ليه ،أه.. أكيد عايزه تعرفي فين اوضتك ، تعالي أوريها لك.

أرتبكت حلا و قالت متحججة : بنفسك يا باشا ، ده حتى مايصحش .

أقترب منها ينظر لها بتحرش مردداً : ده يصح أوي.

أبتعدت هي عنه و قالت بنبرة مهتزة : مش عمتك هنا و عم جميل خلي حد منهم يوديني ، أنا مش عايزه أتعبك .

ضحك غانم منتشياً ثم قال : أنتي الخسرانه .

حلا : أكيد طبعاً.

حاول إخفاء ضحكاته  ثم نادى على عمته التي هبطتت الدرج تردد : مالك يا حبيبي ، إيه ده إيه ده ،مين القمر دي ، أنت اتجوزت يا واد ؟

أتسعت عينا حلا برعب بينما غانم يجاهد على كبت ضحكته و سلوى تلف حول حلا مردده : لأ ليك حق ، إيه لهطتة القشطة دي ؟! لاقتيها فين دي ؟

فقالت حلا سريعاً : لأ حضرتك فاهمه غلط أنا....

قاطعهم صوت رضا زوج صفاء الذي دلف يرتمي على كفها يردد : يا غااااليه ، حقك عليا يا غالية .

غضب غانم كثيرا و قال: أنت دخلت هنا إزاي ؟ عم جميل.. يا عم جميل .

رضا: مش برا.. راح القسم .. مشغول في الخناقه إلي كانت في الخان .

ضربت حلا بكفها كله على وجهها تردد : و عم جميل كمان مشي ؟!

فيما وجه غانم حديثه لرضا : و أنت إيه إلي جايبك هنا .

فقال رضا بمهانة و ذل : جاي أصالح ست الناس ، أنا مش أد زعلها.

وقفت حلا بأعين جاحظه ترى رضا و هو يراضي صفاء التي ارتضت من كلمتين منه فقط و غادرت معه مردده أن المرأة ليس لها غير بيتها و زوجها و غادرت معه على الفور رغم إعتراض غانم .

فرددت حلا: و عمته كمان مشيت .

فألتف لها غانم و هو يخفي أبتسامته يردد : كده الشيطان مستقصدك و هتفضلي هنا معايا لوحدنا ، تيجي اوريكي أوضتك فين على ما ييجي .

نظرت له برعب تسأل : هو مين ؟

لم يجيب و إنما بدأ يقترب منها بتروي و قد عاودته نفس تلك المشاعر التي تهاجمه بضراوة من اليوم الذي ضمها له في المطبخ ....




تعليقات