رواية أنا لها شمس
الفصل الاول 1 ج1
بقلم روز أمين
عائلة غانم الجوهري
البطلة:
إيثار غانم الجوهري، تبلغ من العمر ثمانيةً وعشرون عامًا،ممشوقة القوام تمتلك جسدًا أنثويًا تُخفي معالمهُ خلف الثياب العملية التي ترتديها دائمًا والمكونة من بِذَل نسائية كلاسيكية مما أعطاها مظهرًا جادًا أكدته تلك النظارة الطبية التي ترتديها بجانب رسمها للجدية فوق ملامحها،تمتلكُ عينين واسعتين ذات أهدابٍ كثيفة مما جعل من عسليتيها ساحرة لمن ينظر بهما رغم إكفهرار ملامحها طيلة الوقت،تخرجت من كلية التجارة قسم إدارة أعمال لتعمل مديرة مكتب لشركة عريقة في مجال الإستيراد والتصدير، مُطلقة ولديها طفل يُدعى يوسف في السادسة من عمره
والدها:
غانم محمد الجوهري، رجل بسيط أمّي، فلاح مكافح يمتلك قطعة أرض صغيرة استطاع من خلالها تربية أولاده الأربع بشرف ونزاهة، ضعيف الشخصية أمام ابناءه وزوجته لذا اختار الصمت للنأي بحاله من المناوشات والجدل الذي لا يجدي نفعًا معهم
الأم:
-منيرة عبدالحليم، إمرأة في بداية عقدها السادس بسيطة التفكير تعشق أبناءها الذكور وتفعل كل ما بوسعها لأجلهم وتضحي بالغالي والنفيس حتى بإبنتها الوحيدة في سبيل مستقبل أفضل لذكورها
الشقيق الأكبر لإيثار:
-عزيز غانم،في نهاية العقد الثالث من عمره متسلط جشع يحقد على شقيقته كونها استطاعت إكمال دراستها الجامعية بينما هو حصل على مؤهل متوسط
-نسرين"زوجة"عزيز"البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا لديهم ثلاثة أبناء،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات.
الإبن الثالث:
-وجدي البالغ من العمر الخامس والثلاثون،حنون لكنه يتحرك باتجاه التيار وللمصلحة العامة يشبه أبيه كثيرًا بطباعه، متزوج من نوارة التي تصغر إيثار بثلاثة أعوام، لديه ولدان،خالد وأيهم
الإبن الثالث"أيهم"البالغ من العمر الرابع والعشرون
********
عائلة علام زين الدين
البطل:
-فؤاد علام زين الدين
وكيل للنائب العام، ذو الستةُ والثلاثون عامًا،يتمتع بملامح رجولية جذابة،شخصية قيادية صارمة يمتلك كاريزما ولباقة وقدرة فائقة على إدارة الحديث بشكل لافت للاهتمام،ممشوق القوام يتمتع بجسد رياضي جذاب،بشرته حنطية وجههُ مستطيل يمتلك عينين حادتين سوداويتين ورموشٍ كثيفة،ولحية نامية محددة يعتليها شارب خفيف زاد من وسامته، مغرور بعض الشيء، كاره للنساء نتيجة لتجربة مر بها هدمت كيانه وهزت ثقتهُ بحاله حينها ولولا قوته وقوة عائلته التي ساندته بكل ما لديها من قوة لتدمر كُليًا وما عاد كما رأيناه مجددًا
والدهُ:
-سيادة المستشار "علام زين الدين"أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا، رجل حكيم رصين يمتلك من القلب والعقل ما أوصلاه لذاك المنصب الراقي
والدته:
-دكتورة" عصمت الدويري" أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إمرأة راقية عاقلة حكيمة تعشق نجلاها
شقيقته:
-"فريال"إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم
متزوجة من"ماجد "المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته، يسكن معهم بنفس القصر ولديه طفلان، بيسان وفؤاد
*********
عائلة نصر البنهاوي
طليق إيثار:
-عمرو أصغر أبناء نصر البنهاوي والمدلل لدى العائلة،يبلغ من العمر الخامس والثلاثون متزوج من"سُمية"ذات الثمانية والعشرون عامًا ولديهما طفلة وحيدة تُدعى"زينة "ذات الأربع سنوات
الاب:
-نصر البنهاوي رجل ظالم،ترشح ليُصبح عضوًا بمجلس الشعب ليتخذ من عضويته تلك ستارًا لتجارته الغير مشروعة بتهريب الأثار
زوجته:
-إجلال ناصف، إمرأة قوية لا تملك قلبًا وتعشق عمرو لكونه الوحيد الذي ورث ملامح والدها الحاج ناصف التي تعتز بكونها ابنة ذاك الاسطورة من خلال وجهة نظرها
الشقيق الأكبر لعمرو:
-طلعت الذي تخطى عامه الاربعون، زوجته ياسمين ولدية ثلاثة فتيات
الشقيق الاوسط:
-حسين وزوجته"مروة"ولديهما طفل وطفلة
********
عائلة أيمن الاباصيري مدير الشركة التي تعمل بها إيثار والذي تخطي عامه الستون بخمسة أعوام،يمتلك قلبًا حنون مما جعله يتخذ من إيثار كإبنة له نظرًا لظروفها الخاصة
- زوجته" نيلي" إمرأة جميلة مدللة،لديه إبن يُدعى أحمد طبيب جراح ويمتلك مشفى استثماري خاص به أسسها له والده، زوجته "سالي"
-لارا إبنة أيمن سنتعرف على قصتها لاحقًا
الفصل الاول 1
داخل مدينة كفر الشيخ تحديدًا بإحدى قراها المتمدنة بحكم قُربها من المدينة،تجلس تلك السيدة الخمسينية أمام أحد مواقد الغاز لتخبز خُبزها بيداها وتُلقيه فوق الساج الساخن ليتم عملية خبزه قبل أن يفيق زوجها وابنائها ليتناولوا طعام إفطارهم منه،أقبلت عليها زوجة ولدها الأوسط وتُدعى "نوارة"تبلغ من العمر الخامسة والعشرون لتتحدث بتثاؤب:
-صباح الخير يا ماما، مخبطيش عليا ليه علشان أساعدك في الخبيز؟
تحدثت السيدة بأنفاسٍ لاهثة نتيجة مجهودها المبذول:
-خفت لـ وجدي يصحى وأقلق نومه،ده يا حبة عيني راجع من الجبل وش الفجر هو وعزيز
تنهدت" نوارة" لتتحدث بإِسْتِياء:
- والله يا ماما ما عارفة أخرت اللي بيعملوه ده إيه،اللي إسمه عمرو وابوه دول مبيجيش من وراهم خير،واللي بيعملوه ده غلط ولو اتقفشوا هيروحوا في سين وجيم.
إلتفت سريعًا نحوها لترمقها بازدراء ونظراتٍ نارية لتهتف بحِدة ناهرة إياها:
-تفي من بقك يا غراب البين إنتِ،جاية من صباحية ربنا تفقرى على ولادي زي البومة؟
اهتزت بوقفتها لتتحدث بارتباك ظهر بصوتها:
-والله مااقصد يا ماما،أنا بتكلم من خوفي عليهم
حولت المرأة سريعًا وجهها للموقد لتهتف غاضبة بعد أن اشتمت رائحة قوية لحريق الخبز:
-وادي الرغيف إتحرق من كلامك اللي زي السِم
لتستطرد حانقة:
-إخفي من خلقتي وانجري على المطبخ حضري الفطار قبل الرجالة ماتصحى، ومتنسيش تصحي المعدولة التانية.
حاضر... نطقتها بتوتر قبل أن تنسحب هاربة من بطش تلك التي تتحول لغول عندما يخص الأمر بأولادها، أو بالأدق أنجالها الذكور التي تعشقهم وتضحي لاجلهم بالغالي والنفيس، فهم أغلى ما لديها وحسب ما تربت أن الذكر لابد أن يحظى بكل الرعاية وجميع الحقوق، تلك هي أفكارها السوداء وقناعاتها الخاطئة
بعد مدة كانت تُلقي بأخر قطعة من العجين داخل الموقد لتتفاجيء بنجلها البكري وأول من رأت عيناها المسمى بـ "عزيز"والبالغ من العمر التاسعة والثلاثون ليقترب عليها وهو يتحدث بنبرة جادة:
-صباح الخير يا أم عزيز
صبحك بكل خير يا عزيز... نطقتها منيرة بابتسامة سعيدة لتستكمل حديثها بلهفة واشتهاء:
-ها،طمني، عملتوا إيه إمبارح؟
لسة شوية يا أما، دعواتك بالتساهيل... نطقها بهدوء ليسترسل بنبرة جادة:
-المهم طمنيني، عملتي إيه في الموضوع إياه، عمرو مش مبطل زن
أغلقت زرائر الموقد لتقف تُلملم ما حولها من فوضى وهي تحدثه بطمأنة:
-حاضر يا عزيز، النهاردة هكلمها وربنا يسهل ودماغها تلين
-لازم تلين يا أما، وإلا ورحمة الغاليين أكسرلها دماغها الناشفة ولا هيهمني زعل أبويا ولا كلمته...زفر ليستطرد:
-ما أنتِ عارفة اللي إسمه عمرو وجنانه، ده مش بعيد لو المصلحة طلعت قبل ما موضوعه يتم يتحجج وميديناش حقنا ولو عطانا أكيد مش هيدينا النسبة اللي إتفقنا عليها
الواد شاري يا أما، يا ريت تعقليها بدل ما أفقد أنا عقلي وأروح أجيبها لك من شعرها
-ربنا يسهل يا ابني... نطقتها بعدما حملت بعضًا من الخبز داخل سلة وتركت المتبقي مفرودًا ليهدأ لتتحرك نحو بهو المنزل لتضع السلة أرضًا بجانب منضدة الطعام الأرضية وتتحدث لزوجها الجالس أرضًا بجانب تلك المنضدة:
-صباح الخير يا أبو عزيز
ردد بهدوء دون ان ينظر لها:
-صباح النور يا"منيرة "
هتفت تصيح لزوجتي نجليها "نسرين"زوجة"عزيز"البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا وأيضًا"نوارة"زوجة"وجدي":
-هاتوا الاكل وحطوه على الطبلية على ما أصحى أيهم علشان يلحق شغله هو كمان
تحركت وجلس عزيز بجانب والده الذي تحدث باستنكار:
-مش هتبطل جري إنتَ وأخوك ورا إبن نصر البنهاوي يا عزيز
استاء عزيز واكفهرت ملامحه ليستكمل الأب بتوجس:
-بطل الطمع اللي فيك ده وارضى باللي ربنا رزقك بيه
—البحر يحب الزيادة يا حاج...نطقها باقتضاب ليجيبه الاخر:
-ده لما تكون زيادة حلال،مش سرقة أثار البلد
قالها بارتياب ليجيبه الاخر بلامبالاة واطمئنان ظهر فوق ملامحهُ الساكنة:
-دي مش سرقة، دي لقية يا حاج يعني حلال مية في المية، وبعدين أنا هخرج مبلغ لله من نصيبي اللي هيطلع لي
رمقه بازدراء ليتحدث بيقين:
-الله طيب لا يقبل إلا طيب يا متعلم يا بتاع المدارس
تملل بجلسته لتتحدث منيرة التي انتوت مساندة نجلها والدفاع عنه كما دائمًا تفعل:
-مالك بس يا حاج،متروق كدة يا اخويا وادعي لهم بالتساهيل، خير ورزق ربنا بعتهُ لهم علشان يوسعوا على عيالهم وعلينا
لتستطرد باستنكار:
-نقوم إحنا نقول له لاء ونقفل بابنا في وشه!
-إنتوا الكلام معاكم زي قلته،وجع قلب على الفاضي... نطقها بقلة حيلة وضعف كعادته ليقطع حديثهم وجدي الإبن الثاني البالغ من العُمر الخامسة والثلاثون قائلاً:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح وتلاه الدخول الإبن الثالث"أيهم"البالغ من العمر الرابعة والعشرون حيث تحدث بصياح كعادته:
-فين الفطار إتأخرت على شغلي
وجه الأب اليه حديثه الهاديء:
-استهدى بالله يا ابني واصبر لما يجيبوا الأكل من المطبخ
جلس الأبناء الثلاث والتف الأحفاد حول الطاولة،أولاد عزيز الثلاث،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات، وأبناء "وجدي"الذكرين،خالد وأيهم، بدأ الجميع بتناول الطعام قبل أن ينصرف كُلٍ إلى وجهته
_________________
بالجهة الاخرى بنفس القرية
يجلس رجلاً ذو هيبة على رأس طاولة كبيرة مرصوص فوقها الكثير من الأصناف التي تدل على ثراء ساكني هذا المنزل، تجاوره زوجته قاسية الملامح والتي يبدوا عليها القوة من إكفهرار وجهها وصلابة جسدها، يقابلها بالجلوس نجلها الاكبر "طلعت" ويجاورهُ الشقيق الأوسط"حسين" حضرت زوجتيهما ياسمين ومروة بعدما اتموا جلب جميع الطعام من المطبخ بجانب الخادمة وجلستا استعدادًا لتناول وجبة الفطار، بعد قليل دخلت من باب الحجرة "سمية" زوجة "عمرو" الإبن الأصغر ممسكة بيدها إبنتها الوحيدة "زينة"صاحبة الأربع سنوات والتي لم تنجب بعدها وهذا ما جعلها تتردد على الاطباء كثيرًا كي تتعجل بالحمل بطفلٍ أخر، اقتربت وهي تقول بابتسامة زائفة:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح عدا ذاك الـ"نصر" الذي هتف بملامح مقتضبة:
-البيه جوزك منزلش علشان يفطر ليه؟
تحمحمت لتجيبهُ بصوتٍ مرتبك لقوة ذاك الرجل وتجبره:
-عمرو لسة نايم يا عمي،وجيت أصحيه رفض، أصله جه متأخر إمبارح كان سهران مع الرجالة في مزرعة المواشي
بعينين كالصقر هتف بما جعلها تنكمش على حالها:
-اللي يسمعك بتقولي كدة يقول سهران بيشتغل، مش بيحشش هو وشوية الصيع اللي ملموم عليهم
نظرة مشتعلة شملته بها تلك المتجبرة المدعوة بـ "إجلال"لتزمجر باستياء وهي تنظر لزوجات أبناءها في مغزى:
-مش وقت الكلام ده يا حاج نصر...وبرغم جبروته مع الجميع إلا أنها الوحيدة التي لا يستطيع مجابهتها ولا مراجعة قراراتها ويرجع ذلك لقوة عائلتها التي منحته جميع الصلاحيات ليصبح على ما هو عليه الأن،فقد تزوجها وهو موظف إداري بسيط في وزارة الزراعة فسحبه والدها معه إلى التنقيب في الجبال والبحث عن الاثار الفرعونية لبيعها حال العثور عليها للتجار المختصين ليقوموا بتهريبها بطريقة غير شرعية خارج البلاد مما يضر باقتصاد البلد واثارها التي لا تقدر بثمن، اتقن"نصر" العمل ونال شهرة كبيرة بعدما تمرس بالموضوع واصبح ذو شهرة عالية بين لصوص الاثار،ثم ساعدهُ عمها في الدخول إلى عالم السياسة عن طريق ترشحهُ لمجلس الشعب ليُصبح سيادة النائب وينال من السلطة والنفوذ ما يكفي ليحمي به تجارته القذرة وتجارة عائلة زوجته،لذا فهو لا يجرؤ على إغضابها كي لا ينال عقاب أسياده وأصحاب الفضل عليه،وتلك هي نقطة الضعف التي استغلتها"إجلال"لصالحها طيلة سنوات زواجها به وللأن
وإنتِ...نطقتها بحدة موجهة حديثها إلى "سمية "لتسترسل أمرة:
-إطلعي صحي جوزك وقولي له ينزل حالاً
بس يا مرات عمي...توقفت لتبلع باقي حديثها عندما زمجرت الأخرى هاتفة بعينين تقطرُ شرًا:
-أنا قولت لك قبل كدة ألف مرة إني مبحبش أعيد كلامي، الكلمة اللي اقولها تتنفذ من سكات.
أطرقت برأسها برعبٍ لتترك إبنتها لزوجة عمها الكُبرى"منى"وتنسحب سريعًا عائدة للأعلى لتدخل مسكنها وتتجه صوب غرفة النوم حتى اقتربت من ذاك الممدد بطريقة عشوائية فوق التخت لتهتف بنبرة غاضبة وهي تلكزهُ بكتفه بطريقة حادّة:
-قوم يا عمرو بيه كلم أبوك تحت، مخدتش من وراك غير التهزيق على الصبح
اتتفض من نومه بفزع لينظر إليها بعينين جاحظتين مستفسرًا:
-فيه إيه يا سمية في ليلتك اللي مش فايتة؟!
أبوك مستنيك تحت على الفطار...رمقها بازدراء قبل أن ينزل بجسده ليتمدد من جديد ويسحب الغطاء عليه قائلاً بلامبالاة:
-قوليله كان سهران في المزرعة ونايم.
جذبت من فوقه الغطاء بحدة لتردف باستنكار:
-قولت له يا بيه، واتمسخر عليا وعليك قدام إخواتك ونسوانهم العقارب، والست أمك بهدلتني ليه وليه اللي بقولها ده نايم وتعبان، قالت لي تطلعي تصحيه وتخليه ينزل حالاً
هتف رامقًا إياها بنظرة غاضبة:
-إحترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي عن الست" إجلال"بنت الحاج "ناصف" سِيد البلد كلها
واستطرد مهددًا بابتسامة ساخرة:
-ولا تحبي اقولها عن الطريقة اللي إتكلمتي بيها عنها واسلمك ليها تسليم أهالي؟
ابتلعت ريقها ونظرت إليه قائلة بصوت مضطرب لتجنب بطش تلك الحية ولتيقنها من تفاهة زوجها:
-وتهون عليك سمية يا عمورتي، ده أنا حُب العمر ولا نسيت؟
-أيوة كدة إظبطي... نطقها بابتسامة نصر ليسترسل:
-جهزي لي الغيار اللي هنزل به على ما أدخل الحمام ارش وشي بشوية ماية عشان أفوق
بعد مدة قصيرة كان يجلس بجوار شقيقاه يتناول طعامه بتملل وضيق شعر بهما والده ليتحدث بذات مغزى:
-عملت إيه في الموضوع اللي اتكلمنا فيه من إسبوع؟
رفع رأسه ليتطلع عليه قائلاً بعينين ملتمعتان بزهو الامل:
-بدأت اتصرف يا حاج،وقريب قوي هتسمع الاخبار الحلوة
-أما اشوف هتفلح المرة دي ولا هترجع لي إيدك فاضية زي كل مرة... قالها باستهجان ليهتف الاخر بعدما شع الامل بعينيه اكثر:
-المرة دي غير كل مرة يا حاج، أنا اتبعت مقولة الزن على الودان أمر من السِحر
قطبت جبينها لتهمس بجانب أذن زوجها تجنبًا لسماع والداه:
-موضوع إيه اللي عمي طالبه منك يا عمرو؟
ابتسم ساخرًا على فضول تلك المتحشرة ليجيبها بتسلي:
-مهو قدامك اهو،ماتسأليه؟
زفرت بضيق من طريقته المستفزة التي دائمًا ما يتبعها معها لتعود لتناول طعامها بضيق والفضول يكاد ان يقتلها،نظرت إجلال لذاك المقابل لها بالجلوس،نجلها المدلل والأقرب لقلبها لما يمتلك من ملامح ورثها عن والدها والتي تعتز بكونها إبنة لذاك الإسطورة من وجهة نظرها،لذا فهي تعشق عمرو ويظل الأقرب لها وكل ما يتمناه ويطرأ بباله ينفذ في الحال،بسطت يدها بصَحن معجون ثمار الفراولة لتقول بابتسامة حانية:
-خد يا حبيبي المربى اللي بتحبها، خليت فتحي الغفير ينزل المركز مخصوص وقلب لي الدنيا على الفراولة لحد ما لقاها
تناول منها الصحن ينظر له بشهية مفتوحة ليتحدث بابتسامة واسعة وهو يُلقبها بلقبها المحبب لديها والذي يُشعرها بقيمة حالها والغرور:
-تسلم إيدك يا "ستهم"
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغر "طلعت" الإبن الاكبر ليهتف متهكمًا:
- شوفت يا سيدي غلاوتك عند الست إجلال بجلالة قدرها،مهنش عليها إنك سألت على المربي إمبارح ومكنتش موجوده، بعتت الغفير اتشقلب في المركز وطلع بالفراولة مع إنه مش أوانها، وكل ده علشان خاطر عيون مدلل عيلة البنهاوي
واستطرد بنبرة عاتبة:
-مع إني قايل لها إن نفسي في الكوارع ليا شهر ولا عبرتني
تحدثت بابتسامة باردة لامرأة لا تمتلك قلب:
-نسيت يا سي طلعت،إيه،هتعلق لي المشانق؟!
-العفو يا ستهم ، ماعاش ولا كان اللي يقدر يحاسب ست البلد والمركز كله...رفعت قامتها بخيلاء ليتحدث نصر قائلاً:
-عاوزك تتابعي مع عمرو في الموضوع إياه يا "إجلال"
بابتسامة شامتة حولت بصرها لتلك الجالسة بجوار زوجها لتتحدث بذات مغزى:
-متقلقش يا سيادة النايب، مسافة شهر بالكتير وكل اللي أمرت بيه هيتنفذ
لتسترسل بغرور:
-ما أنتَ عارف لما "ستهم" بتحط حاجة في دماغها
1
ابتسامة تفاخر ارتسمت فوق ثغره ليقرب كفه من خاصتها الموضوع فوق الطاولة ليربت عليه قائلاً بامتنان:
-طول عمرك سدادة وبميت راجل يا بنت الحاج "ناصف"
ابتلعت ما في جوفها من طعامٍ بصعوبة بالغة لاستشعارها أن هذا الحديث يخص غريمتها الحقيرة لتبتسم "مروة" زوجة الإبن الأصغر وهي تنظر عليها بشماتة مما جعل داخل الاخرى يشتعل لترمقها بازدراء، انتهى الفطور وانسحبت النساء إلى المطبخ ليصنعن مشروب الشاي لوالداي ازواجهن وللجميع، لتبدأ العاملات بجمع بقايا الطعام من فوق الطاولة وتنظيف المنزل
-مقولتليش يا ست مروة، كنتي بتضحكي على إيه وإحنا على الفطار؟... سؤالاً حادًا وجهته لها لتقول الاخرى بذات مغزى مما زاد من اشتعالها:
-على نفس السبب اللي خلى اللقمة وقفت في زورك وكنتي هتفطسي
-بلاش تتلائمي عليا يا مروة، إنتِ مش قد اذيتي،أنا قرصتي والقبر... نطقت جملتها بنبرة تهديدية لتبتسم الاخرى مجيبة بتهكم:
-مش هينفع تقرصيني يا سلفتي،لايجوز شرعًا... قالت جملتها الاخيرة وهي تحرك عُنقها لتهتز رأسها بطريقة ساخرة مع إطلاقها لضحكة استهزائية ليشتعل وجه الأخرى مما جعلها تهجم عليها بدون عقل وكادت أن تجذبها من تلابيبها لتكيل لها الضربات قبل أن تقف ياسمين زوجة طلعت حائلاً بينهما لتقول بعنف:
-ماتتلمي ياختي منك ليها، إنتوا إتجننتوا، هتضربوا بعض وحماكم ورجالتكم قاعدين برة!
هتفت سمية وهي تحاول الفكاك من بين قبضتي "ياسمين":
-سبيني عليها المرة السو دي وأنا أعرفها مقامها صح
أفلتت ياسمين يداها لتهتف مشيرة إلى مروة:
-شكلك ناوية على طلاقك النهاردة يا سلفتي، وأدي مروة قدامك إعملي فيها ما بدالك، علشان ستهم تيجي على حِسك العالي وتطين عيشتك، وبدل ما أنتِ خايفة وقاعدة منتظرة البلا ليحصل، تبقى سهلتي عليهم المهمة والبلا فعلاً هيحصل، بس وإنتِ قاعدة زي البيت الوقف في بيت أبوكِ
لتبتسم ساخرة مستطردة بذات مغزى:
-ما أنتِ عارفة قانون نصر البنهاوي، اللي تتجوز عيل من عيالة يحرم عليها صنف الرجالة من بعده، وكأن اللي بيدخل عليها واحد منهم بتتوشم بوشمه اللي لا تقدر تمحيه حتى النار
ابتلعت ريقها بازدراء وتراجعت للخلف لتذهب الاخرى إلى الموقد وتبدأ بسكب المشروب داخل الكؤوس مسترسلة:
-أيوة كدة إعقلى
لتتحرك بالصنية وتناولها إياها بحدة قائلة:
-خدي يا حبيبتي الشاي طلعيه برة
كان صدرها يعلو ويهبط بفضل شعورها العظيم بالغضب،حولت بصرها لترمق تلك المروة المبتسمة بشماتة قبل أن تتناول الصينية الممدودة متحركة للخارج بغضب،اتجهت"ياسمين " بنظرها إلى"مروة "لتقول بنبرة حانقة:
-وإنتِ يا مروة،مش هتبطلي كيد النسا اللي فيكِ ده؟
بررت الأخرى موقفها قائلة بتنصُل:
-وأنا كنت جيت جنبها يا"ياسمين "، ما اللي حصل كله كان على يدك،دي واحدة مجنونة وعلى راسها بطحة
زفرت الأخرى لتهتف بحِدة:
-بلاش تستفزيها أحسن لك، وإديكي قولتيها بنفسك، واحدة مجنونة، والجنان بيزيد عليها لما الموضوع يخص" عمرو"وحكايته القديمة،فياريت تخليكِ إنتِ الأعقل وبلاش تجُري شكلها
اكتفت مروة بنفس الابتسامة الساخرة لتنسحب إلى حوض المطبخ لتتابع جلي الصحون تحت غضب الاخرى من كلتا الغبيتان اللتان تعيشا معها بنفس المنزل
_________________
بالقاهرة الكُبرى
إنتهى من ارتداء رابطة عنقه وعقدها بتمرس ورتابة ليجذب بحِلة بدلته السوداء من فوق عليقة الملابس مرتديًا إياها ليتحرك صوب مرأة زينته ممسكًا بفرشاة شعره ليصففهُ بعناية، أعاد الفرشاة إلى موضعها ليلتقط قنينة عطره المميز وبدأ ينثر فوق ذقنه وعنقه،بات ينظر لهيئته الجذابة برضا تام،تحسس ذقنه النابته ثم نظر لشعر رأسه الفحمي مرورًا بعينيه السوداويتين كثيفة الأهداب وبشرته الحنطية التي جعلت منه جذابًا عن المعتاد، ثم نزل بنظره على صدره العريض وتقسيمات جسده الرياضية ليبتسم بمرارة حينما تذكر ماضيه الأليم، قطع شروده استماعه لبعض الطرقات الخفيفة فوق باب جناحه ليهتف برزانة مخاطبًا الطارق:
-إدخل.
فُتح الباب لتظهر منه سيدة أنيقة ترتدي بذلة نسائية تدل على وقار تلك المرأة بعامها التاسع والخمسون ذات الشعر البُني القصير المظهر التي وما أن رأها حتى ظهرت إبتسامة سعيدة على محياه لتتحدث هي بنبرة حنون:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
-صباح النور يا حبيبتي...نطقها صاحب السادسة والثلاثون عامًا بابتسامة وهو يقترب عليها ليقوم بتقبيل رأسها بوقار،تحدثت باعجاب:
-ده إيه الشياكة دي كلها
-أنا إبن دكتورة عصمت الدويري أستاذ القانون الجنائي، فطبيعي أكون شيك ومميز زيها... نطقها باعتزاز لتضحك بسعادة قائلة:
-طول عمرك شاطر في الكلام وبتعرف تغلب بيه اللي قدامك
نظر لها ليقول بثقة:
-بس ده مش كلام يا ماما، أنا حقيقي طول عمري فخور بيكِ وواخدك مثال وقدوة للست الناجحة من وجهة نظري
واستطرد بإطراء:
- ست بيت وزوجة وأم عظيمة، وفي نفس الوقت أستاذة جامعية شاطرة، قدرت توصل لإنها تكون من أكبر الاساتذة في مادة القانون الجنائي على مستوى جامعات الحقوق في مصر كلها
تنهدت بهدوء لتتحدث بتمنى:
-فاضل لي أمنية واحدة وأكون حققت كل أحلامي يا فؤاد، وإنتَ الوحيد اللي قادر تحققها لي
-ومع ذلك مستخسرها فيا زي ما تكون صعبان عليك راحة قلبي...قالت كلماتها الأخيرة بكثيرًا من التأثر والألم لينسحب من أمامها متجهاً صوب تلك المنضدة الجانبية جاذبًا من فوقها حقيبة جلدية باللون الأسود تحتوي على أوراق هامة خاصة بعمله كنائب في النيابة العامة ليتحدث متهكمًا:
-إبتدينا الوصلة الصباحية اللي مبتخلصش، كنت عارف إن زيارتك لأوضتي مش مجرد زيارة عادية، واللي توقعته حصل يا دكتورة
قالت بنبرة متأثرة:
-بتلومني علشان خايفة على مصلحتك يا فؤاد؟
واستطردت بنظراتٍ جالدة لذاته:
-إمتى بقيت أناني كدة، هو أنا مبصعبش عليك؟!
طب بلاش أنا، بباك اللي عاش عمرة كله يبني في إسمه وتاريخه ويجمع في ثروته وجيت إنتَ علشان تكمل مسيرته، مش شايف إن من أبسط حقوقه يكون له إمتداد لإسمه؟!
هتف بحنقٍ بعدما تحولت ملامحهُ لشرسة:
-سبق وإتكلمنا في الموضوع ده وقولت لحضرتك إن موضوع الجواز والخلفة شيلتهم من حساباتي نهائي، كفاية عليا اللي شفته من تجربتي المُرة اللي عيشتها
تعمق بمقلتيها ليستطرد لائمًا بملامح مكفهرة:
- ليه عوزاني أعيش نفس الأذى تاني؟!
-مش كل الستات زي... كادت أن تكمل لولا تحركه السريع نحو الباب وهو يتحدث متمللاً:
-نفس الإسطوانة المشروخة بتاعت كل يوم،ياريت توفري على نفسك وعليا الكلام وتسيبيني أتحرك علشان أشوف شغلي،وحضرتك كمان لازم تتحركي علشان تلحقي طلابك بدل ما تتأخري عليهم يا دكتورة
-إهرب زي كل مرّة، هي عادتك ولا هتشتريها... نطقت بها بحدة ليتابع هو مروره بالممر المؤدي للدرج دون تعليق، بعد قليل ولج إلى غرفة الطعام، وجد والدهُ سيادة المستشار "علام زين الدين"أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا،مترأسًا الطاولة تجاوره نجلته"فريال"إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم، يجاور فريال زوجها"ماجد "المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته ولقد تعرف عليها من خلال زياراتها المتكررة لوالدتها بعملها وأُعجب بها وطلبها للزواج وكان شرط علام الوحيد للموافقة على تلك الزيجة هو مكوث ماجد معهما بالمنزل ويرجع هذا لحب وتعلق علام بنجليه، يليهما بالجلوس إبنتهما بيسان ذات الاعوام الست ولديها أيضًا طفل رضيع أطلقت عليه اسم" فؤاد" لتُدخل السرور على قلب والديها اللذان حرما من حفيد لنجليهما الوحيد ليسرا به نظريهما
تحدث وهو يقترب من مقعده المجاور لوالده:
-صباح الخير يا باشا
أجاب بوجهٍ مقتضب كعادته يرجع لجديته في الحياة:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
ألقي تحية الصباح على شقيقته وزوجها ليسأله علام بعدما رأي دخول" عصمت"وملامحها التي توحي بمدى غضبها:
-مالكم على الصبح، أصواتكم عالية ليه؟
-مفيش حاجة سيادتك، دي دكتورة عصمت كانت بتصبح عليا كعادتها... جملة ساخرة نطقها وهو يغرس شوكته بأحد صحون الجُبن لينقل منها بداخل صَحنه، تنهدت عصت وجلست بجواره لتبدأ بتناول طعام فطورها باقتضاب،..