
الفصل السابع والعشرون 27 ج1
بقلم ندى ممدوح
بسم الله ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
يا ليته يعلم أن رحيله سيترك أثرً بالفؤاد ندبه لا يمكن التائمها فكيف للقلب أن ينسى روحاً قد هواها أستوطنه ، كيف يزول حبه وزكرياته وصورته المحفورة على الجدران بسياج عظيم لا يمكن كسره كيف ننسى ونتحرر من لعنة الفراق و وجعه ؟
يذهبون ولا يدرون أنهم يأخذون منا أرواحاً وكل ما هو جميل بنا ، ويتركونا مجرد اجساد ذات نفس منتظره الأنقطاع .
يتركونا مجرد باقية لأجساد ميته فلا ندرى أنحن من الأموات أم الأحياء.
يرحلون بعدما يسرقوا منا بسمتنا وضحكتنا ومهجتنا وقلوبنا ، ويتركون داخل قبر حالك السواد ننتظر ليهلوا لينتشلونا من الظلام وخوفنا ويرجعون لنا أفئدتنا..
يا ليتهم لا يرحلون او يرحلون بسلام دون تناثر أفئدتنا لشظايا لا يمكن أصلاحها.
وقع الهاتف من يد ياسين بغته حينما دوى صوت الأنفجار عن قرب فجحظت عينيه بزهولاً تام وصدمه ، لا يصدق ما ترى عيناه ، بلحظه ركض بقلبً متلهف للبناية الماكثون بها ، وتسلق احدى الأعمدة بعجاله وهوى بذاته من احدى النوافذ أطمئن قلبه ما أن راى أنس أمامه ، وأسرع واخذاً مكاناً خلف النافذة متوارياً خلفها ، وتم تبادل اطلاق النار بشراسه وأنقلب المكان رأسً على عقب يضج بصوت الرصاص ، فـ اصبح المكان بركه من الدماء ، استشعر ياسين بالخطر وليس هناك وقت لا يفكر ما عليه فعله فـ اتجه للأسفل متخفياً وأنس يحمي ظهره حتى استطاع الخروج وتغلل بين الرجال الذين كان عددهم يذداد رويداً رويداً يطلق على كل من يقابله دون رحمه ،
دارت معركه ساحقه والشباب يصدون برسوخ وشموخ واقفون كالجبل ، لم يمض طويلاً وداهمت لمار ومن معها المكان ، تسلل ياسين للخلف وعلى حين غرة أنقذف للخلف بقوة من أثر الأنفجار فحملق بصدمة ويكاد قلبه بالتوقف ونهض بشغفً ركضاً باحثاً عن الشباب ، وقع بصره على بلال الذي أصاب بجروحاً بالغه من الحريق التى صهرت جسده ، أدمعت عين ياسين وهو يقترب منه ، فـ اشرق وجه بلال ببسمه على ثغره وصاح باسم ياسين وبلحظه كان يدفعه ليتلقى رصاصه اخترقت بجسده مباشرةً ، هم بالسقوط فتلقاه ياسين بين يديه وهو يهم بالوقوف اثر دفعه له ، لأول مرة مذ أن وعي على هذه الحياة تدمع عينه بدموعاً تأبى النزول عكس دموع قلبه التى هوت دمً ، مد أنامله متحسسً وجه بلال القابع بين يديه ذات أنفاسً ثقيله للغايه يكاد يأخذها بمجهود عظيم ، هم بلال بالحديث ، ولكنه ظل يتنفس بصعوبة ثم غمغم بصوتاً بطيء متألم بخفوت :
" هنا هقولك الوداع ، هتنتهي صداقتنا في اللحظه دي أقصد رابط الأخوه بينا ، مش هتسّتسلم صح هننتصر والمهمه هتنجح ، زاغ بصره وهو يبتسم له بخفوت يلتقط أنفاسه وتحدث ببسمة ؛ أنت مش بس صديق يا ياسين كنت دايماً سند واخ فعلاً ولمار دي دي أمي أنا بحبكممم أوي ، أمي أمي يا ياسين متسبهمش هي وأختي أنا عارف انك هتنتبه ليهم وهسيبهم لحد يحافظ عليهم اكتر مني ، قولها متزعلش ولا تبكِ ، قولها تفرح لأن أبنها شهيد في الجنه ، قولها أنها هتوحشني اوووي وكلكم كلكم هتوحشوني.
سعل بوهن وتابع وهو يلتقط أنفاسه ويجاهد كي يفتح عينيه :
" ياسين متسمحش لحد يبكِ عليا لأني شه......
أطرف بعينيه عدت مرات ثم أطبق جفنيه بثقلً عظيم.
هرعت لمار برجفه قويه عصفت بفؤادها وارتمت عليه تلطم برفق على وجنته وهي تصيح بإسمه بجنون ، صمت ياسين محدقاً به بصمت ، أقترب أحمد وأدهم بصدمة وجاءت سيارة الاسعاف لتنقل بلال وأنس الذي انصاب أيضًا .
_ بالمشفى كل القلوب تنبض بالوجع تهدد بالتوقف ، العيون لا يرقأ لها دمع ، الأرواح تكاد تغادر الأجساد ، القلق بلغ منتهاه ، خرجت د / ميار من غرفة العمليات وأشارت لـ ياسين وهي تبتلع ريقها بوهنً :
" ياسين بلال طالب يشوفك"
رفع ياسين عيناه الغائرة بالدمع وبلهفه تحدث :
" بلال هو هو كويس صح؟ "
أخفضت ميار رأسها فركض ياسين للداخل على الفور ، تقدمت لمار واضعه كفها على كتف ميار وبنبره وجله همست :
" هيبقىٰ كويس صح هيقوم ويرجع معايا ؟ "
لم تنبس وأنما نظرت لها بأسف ثم قلبت بصره بالجميع :
" أسماء فين ؟ "
"أنا اهووو!!"
همست بها أسماء المقبله ببكاء إليهن فأشارت لها ميار أن تدلف للداخل.
أقترب يوسف المقبل بهلع وخلفه الفتيات وفيكتور وزيد وزين وعائشه قد وصلوا للتو.
اقترب من لمار ممسكاً بذراعيها وهزها بعنف :
" ابني فيين يا لمار جرالوا ايه ؟ بعتي بنتك وادتيها اسهل مهمه ورميتي ابني في النار "
حدقت به لمار بصدمة وطرفت بعيناها تستوعب كلماته.
دفعت يديه بأعين ذائعه واشارت لذاتها بزهول :
" أنا أنا يا يوسف "
هوت دموعها بصمت، فأندفع بكره قائلاً :
" ايووه أنتِ "
ابتسم زين بمكر وهو يتذكر كيف تلاعب بعقل يوسف بكل دقه.
أقترب أدهم ودفع يوسف للخلف بأعين تلمع بالغضب :
" في ااايه مااالك ابنك كويس جووووه".
بخطوات ثقيله تكاد تحملانها دلفت أسماء للداخل بوئيدة ، عيونها غائرة بالدمع ، وقع بصرها على أخاها الذي مائل على فم حذيفه يبدوا أنه يهمس له بشئ ، نظرت لحروق وجهه فشهقت بصوتاً عال ، ودموعها تسيل گ السيل الجارف.
شهقه جذبت أنظاره العاشقه لها فتوهج وجهه وفترت شفتيه ببسمة مشرقه نظر لها بعمق ثم أجفل عينيه بوهن وحرك شفتيه دون صوت لكنها أستطاعت قراءتها "بحبك" مهلاً أيها القدر أهذه نظرت وداع أم ماذا ، أنها نظرت عاشق يودع محبوبته التى لم يستطع الحصول عليها ، ولكنه ها هو يصل لها عشقه بآخر أنفاسٍ له.
أنها نظرت وداع لرحيله يتشبع منها ويروي ظمأ قلبه ، لو يقف الزمن قليلاً ؟ ليغدها عشقهًا ، ليخبرها بحبه يخبره فقط انه لم يحب غيرها قط ، قاسية أنتِ أيتها الحياة قاسيه للغايه.
ثقلت رأسه فحرك شفتيه هامساً الشهادة بوجهاً منيراً وعينيه المطرفه لا تحيد عن عيناها حتى ارتخت جسده وسبلت جفونه.
فصرخت وهي تجثى ارضٍ صرخه رجت الارض رجاً ؛ وثب يوسف يردد عينيه بينهما وهو يردد بصدمه:-
أسماء دا صوتها.
وقعت الصرخه على انفسهم كالصاعقه الكهربائية أرتجف فؤاد لمار وركضت للداخل توجهت فوراً لـ بلال تهزه بجنون حتى جاءت الممرضه أبعدتها وغطت وجه بلال.
ضم حذيفه أسماء التى أهلكها منظره وتلك النظره التى ادمت فؤادها وبكِ لموت من كان له أخاً وليس صديق.
اغشى على والدته التى لم تصدق رحيل أبنها.
نهض ياسين بتوهان وسار للخارج بضياع وارتمي على اقرب مقعد قابله ، أقبلت ديجا برفقة سجى وأسرعت راكضه إليه وعانقته وهي تبكِ بحرقه وتغمغم :
" بلال مات يا ياسين أنا مش هشوفه تاني مش هلعب معاه ومش هنضرب بعض هو راح خلاص "
علا نحيبها بضياع ، فدنت سجى رابته على كتفه وتهوى دموعها بحرقه فنهض وضمها بشدة كأنه يريد الأطمئنان ودفن رأسه بكتفها مخبئاً دموعه التى هوت ، فبوجع ضمته سجى وهي تخفى رأسه.
🍃نسأل الله جلَّ في علاه أن يُصلحنا ويجعلنا من عبــاده الصالحين ..
اللهمَّ ارزقنا حُسن الخـــاتمة ولا تتوفنا إلا وأنت راضٍ عنا،،🍃
باحدى أماكن الملهي الليلي الذي يضج بالموسيقى الصاخبه ويعم بما حرم الله تسوده الفتيات الذين لا بالاسم فقط هم مرتدون ملابس تكشف أكثر ما تخفى تحيطهم الرجال السكرىٰ من كل جانب ، وقف عثمان مع عدت شباب أجانب مشتت الفكر بكل ما يدور حوله ، أشار له الرجل قائلاً "الحوار مترجم" :
" هل آتيت معي قليلاً سيد أدورد؟! "
أؤمأ عثمان برأسه ، فأشار له الرجل بالسير وتقدم أمامه ، فمضى وراءه حتى ارتقىٰ الدرج ثم لاحدى الغرف ، فما ان دلف للداخل حتىٰ أغلق الباب خلفه فنظر عثمان وجد رجالاً يرتدون بدل سوداء ذو عضلات قوية من رجال الحراسه فجحظهم بترقب وفجأة مد الرجل الاجنبىٰ يده ونزع عن وجهه النظارة والقناع ، فـ علم الآن أنهم أكتشفوا حقيقته ولا بد ان هناك شخصً أوقع به ، بلحظه أشار الرجل للشباب أن يقيدوه ، فهم ان يبطش بهم ولكن قيدوا حركته وذراعيه وهجموا عليه بالضرب المبرح ثم عقدوا ذراعيه ، و كتموا فمه ، سعل عثمان بألم وهو ينزف ، فجذبه ذاك الرجل بعينين تتوهج بالنيران وتحدث بغضب :
" خائن كيف استطعت خيانتي الآن ستدفع ثمن خيانتك لي ، ولن تعود لبلدك سوا جثه ، أنتم من أعلنتم الحرب عليّ والان ستدفعون ثمن ذلك حقيرررررر "
دفع برأسه بعيداً ، فنظر له عثمان بنظره ساخرة ، ثم وضع قدمه بطريقه فسقط أرضٍ وأذداد غضبه وهو يحدجه بنظره تتأجج بالنيران ظل يتمتم بكلمات عده ثم اشار لرجاله صارخاً بهن:
" علىٰ ماذا تنظرون يا أغبياء إلا ترون ما فعله هيا أريدكم ان تعلموه درسً لا ينساه ، ليعلم ان خداعي ليس بهين "
أنهى جملته وغادر من الغرفه فهجم الشباب على عثمان بلكماتً مبرحه.
🌻اللهم إنا نبرأ من حولنا وقوتنا ونلجأ إلى حولك وقوتك،
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسريــن،،🌻
دلف ياسين لغرفة أنس بعدما علم من الأطباء فقد احدى قدميه وبترها ، عينيه زائغه ، أهلكهما الحزن وغمر فؤاده الحالك ، تبسم أنس بوهن ما ان رآه مقبل عليه ومد بصره للباب بترقب فدنا ياسين بجانبه مباشرةً وتبسم بسمة خفيفه لم تدم وهو يهمس بقلب أضناه الوجع :
" عامل ايه دلوقتي أحسن حاسس بحاجه ؟ "
أبتسم أنس له مجيباً :
" الحمد لله يا حبيبي بخير "
صمت ياسين هارباً بعينيه من بصره المصوب نحوه ، همس انس متسائلاً بدهش :
" ياسين مااالك ياسين أنت بتبكِ؟ "
دار ياسين ببصره بالغرفه :
" لا طبعاً هبكِ ليه انت عمرك شفتني ببكِ؟ "
رمى أنس بصره ناحية الباب بترقب وتساؤل بضحكه :
" الواد لهبل بلال فين ، اول مرة ميدخلش اول واحد بمرحه فين الواد دا وحشني؟!"
فاضت عيني ياسين بالدمع ، فأستشعر فؤاد أنس بخطبً ما فتساءل بجدية :
" فين بلال يا ياسين رد عليا"
جلس ياسين بجواره ممسكاً بكفه وأنعقد لسانه حاول مراراً وتكراراً تجميع واستحضار الكلمات لكنها تولى هاربه فزفر بضيق ولاذ بالصمت ، فأمسك انس بوجهه مديراً ناحيته ونظر بعمق لعينيه وتحدث بترقب وهو يتفحص ملامحه :
" بقولك فين بلال ، أنت مااالك فيك أيه مش انت ياسين اللي أعرفه "
أدمعت عينيه حزنً ، لوهله توقف قلبه عن الخفقان وتحدث وهو يتحاشى النظر له :
" ربنا قال في كتابه : " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ".
تلجلجت الكلمات بصدرة وازاح سريعاً دمعه فرت هاربه وهمس :
" بلال تعيش أنت شهيد في الجنه "
أغلق جفنيه بعنف وبرح مكانه مبتعداً ناحية النافذة واضعاً يديه بجيب بنطاله هارباً من كل شيءٍ بوجعه الملازم لروحه ، جاثماً بقلبه.
تسمر أنس حتى عينيه يقلب ما قاله بذهنه ، وقع الخبر على نفسه وقوع الصاعقه هم أن يقف ولكنه كاد أن يسقط ، فأستشعر ياسين حركته وهرع يسانده فصاح أنس بضياع :
" في ايه مااالي أنا ليه مش حاسس برجلي ولا قادر اتحرك حصل ايه؟"
عدل له ياسين الوسادة خلفه وغمغم :
" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".
ربت على كتفه بأعين تفيض بالدمع وحرك شفتيه ولكنه لم يستطع النطق ، في حين ذلك دلفت ممرضة ، لم يستطع ياسين أن يظل اكثر من ذلك فخرج مسرعاً كأنه لم يستمع لمنادته ، أخبرت الممرضه أنس بفقد قدميه ، فشعر بالتوقف الحياة حوله ولكن لهج قلبه بـ الحمد والرضى ، وتفعمت روحه حزنً عميق لا نهاية له ، حزنً ذات أثر غائراً بالفؤاد لن يمحى أبداً شعوراً غريب بالعجز والكسر توغل وتمكن منه.
وما حطمه كلياً وأطرحه ارضٍ هو رحيل صديقه الغالي.
وقف ياسين على جسمان "بلال" يؤّدي تحية الوداع الأخيرة ، يحفظ ملامحه وصورته بأعماق روحه وسويداء قلبه ، ويحفر لحظاتهما سوياً بين شغاف الفؤاد ، في وسط تلك الأحداث المتوالية رن بفؤاده صوت بلال ضاحكاً يا الله كم اشتاق لصوته ويحن لصورته ويتلهف لمرآه واقفاً امامه وليس جثه ، أغلق جفنيه متذكراً البارحه وقتما سارا سوياً يتسامرون وإذ بـ "بلال" يقف بغته ، فتنبه ياسين للذلك وألتفت له متسائلاً :
" مالك يا ابني وقفت ليه ؟"
بأعين غائرة بالدمع همس بلال وهو ينظر للفراغ أمامه :
" مش عارف ليه حاسس إني مش راجع "لم يمهل لـ ياسين الحديث واسترسل وهو يضع يديه بجيب بنطاله متنهداً" عارف يا ياسين أنتوا كلكم عمركم ما كنتم بالنسبالي أغراب أو أشخاص والدتي بتشتغل عندهم كلكم كنتوا عيلتي وأغلى ما ليا في الدنيا ، لمار دي أعز ما ليا في الدنيا بحسها سندي اللي ممكن يحميني من كل حاجه تصدق يا عم لو قولتلك أن بوجودها بحس أمان ، متستغربش مش عشان انا راجل مش هخاف بالعكس بخاف اوي اني اصحى في يوم واكون فقدت حد ويروح مني عشان كدا بدعي دايماً يومي يكون قبلكم "
ربت ياسين على كتفه بمحبه وسهم كلماته عصفت بقلبه :
" بلال أحنا فعلاً عيله أنت أخونا ، ولمار بتحبك وبتحبك اكتر ممنا كمان ، ومتدعيش على نفسك كدا يا عم ربنا يطول في عمرك ويديمك لينا "
# بتقولوا ااايه ؟
صرخ بها أنس المقبل نحوهم من الخلف ودفعهم بقوة ليستدركوا انفسهم قبل السقوط ولحقوا به راكضون خلفه.
استغرقته هذه الأفكار ، ولم يشعر إلا وقد حمل النعش على كتفه بجانبه عمرو وأحمد و يوسف ، ضج المكان بالبكاء والعويل ، وجحافل من المراء حولهما ، نظرت لمار لهم وهم يحملونه ، و سقط فؤادها بين يديها متناثراً ، وغامت عينيها بغيمة حزينه جاءت بغته لتستقر بالقلب لأبد الضهر.
تخشبت قدميها و ومضات له لاحت أمام عينيها ، فهزت رأسها يمنه ويسر وهي تتراجع للخلف بعدم تصديق ، لا تصدق وكيف تصدق من كان مذ ساعاتً يحادثها ويضحاكها كيف رحل هكذا ؟ ألن ترآه يا حسرتاه على الحياة التى ذهدت منها لماذا لم تريحها قبل ذلك ، لماذا تطرحها بالأوجاع من حينً للآخر.
سقطت جاثية على ركبتيها وهي تمد يدها حينما قبعت صورته أمامها بوجهاً بشوش يتألق ثغره ببسمة رائعه فصرخت ببكاء مزق الأفئدة :
" بلال لا يا حبيبي متغبش متسبنيشششششش لااااااا سيبوه يا ابنييييييي بلاااااااااااال "
بكت كم لم تبكى قبلاً ، لم يكن مجرد غريب ، ترعرع بين راحتيها ، كان ابناً من صلبها.
رجت الأرض رجاً بجنازه حافله بالاحزان.
بجزع خرج أنس معهم للدفن جالساً على مقعد متحرك يجره فيكتور بحزنً عميق وهو يحبس دموعه لئلا تنحدر .
🌷((اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك))🌷
ولت عدت أيام يشرق النهار ولكنه يظل معتم حالك السواد عليهم ، أفئدتهم لا تنبض بالحياه ، وأنما تحيا بالأوجاع ، وسط تلك الأحزان المتواليه ، والأوجاع إللامتناهية ما زال هنالك بصيص أمل متوارياً بسويداء الفؤاد ، منهم من يبتلع وجعه دون ان يدري أحد ويرسم البسمه على وجهه ، عمت الكآبه الدار بغيمة عتمه مفعمه بوابل من الأحزان تمطرها بلا هوادة.
خرج ياسين من المرحاض وهو يجفف شعره بمنشفه وعيناه تجوب بحثاً عن نجمة فؤاده المضيئه بسماء قلبه الكاحله.
برقت بسمه متوهجه على ثغره ، ما أن وقعت عيناه عليها ، جالسه على الفراش تمشط خصلاتها ، ألقى من يده المنشفه على ذراع احدي المقاعد ، ودنا جالساً خلفها وأخذ من يدها الفرشاه قائلاً:
"هااتي اسرحلك أنا"
قطبت حاجبيه بتعجب وبدهش رددت :
" تسرحلي ؟ أنت بتهزر صح ؟! "
أنتشله من بين أناملها وهو يقول :
" اممم لا مش بهزر !"
مشط خصلاتها كأنها أبنته الصغيرة ومدللت قلبه ، ثم همس بحب :
" شكراً لوقفك جنبي في أصعب وقت مر عليا ، مش عارف لو مكنتيش موجوده كنت عملت ايه ؟ ولا حالتي كانت ازاي ، بس اللي متأكد مني إني مكنتش هخرج خالص من الحاله النفسيه اللي سيطرة عليا "
رددت بنبره متألمه من شكره :
" العفو "
أنهى تمشيط خصلاته ثم نهض واقفاً وهو يقول :
" خلصنا يا ستي ، اي خدمة "
ثم أسطرد وهو يخرج من الباب :
" نازززل وجي تمام "
اكتفت بإيماءة من رأسها ، دقائق وكان يصدح رنين هاتفه عالياً ، فتلامست بيدها على الكومود بحثاً عنه فـ ألتقتطه مجيبه فآتاها صوت فتاة رقيق يردد أسم ياسين.
تخشبت كلياًّ بإفكار متعددة ليس لها نهاية والغيره قد بلغت منتهاها ، على حين بغته كان ياسين يجذب الهاتف من يدها بعنف وهو يصيح بصوتاً عال ونبره حادة مهتاجه :
" مين سمحلك تمسكِ تلفوني ،أياكِ تقرريها وتلمسيه فاهمه "
سيطرة الصدمه عليها لا تصدق أذنيها أهذا حقاً ياسين الدائم يعاملها بحنان وهدوء ورقه ، ما تلك اللهجه أنتفضت مكانها راجعه للخلف حينما صرخ بوجهها :
" فهمتي قولت أيه جاوبينيييي "
أنسدلت دموعها بحرقه واؤمأت برأسها بتلقائية ، شعر بأن الألم يعصر قلبه فنظر لها بآسى وهم برفع يديه ولكنه تردد وخرج مغادراً وتركها وهو يجري اتصال ثم قال وهو يصعد سيارته :
" أنا جيلك اهوو في حاجه ولا ايه أنتِ بخير؟"
الفصل السابع والعشرون ج2 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا