رواية جبر السلسبيل الفصل الخامس 5 والسادس 6 الجزء الثاني بقلم نسمه مالك

رواية جبر السلسبيل
الفصل الخامس 5 والسادس 6 الجزء الثاني 
بقلم نسمه مالك

في كثير من الأحيان نتعرض لصدمات تقلب حياتنا رأسًا على عقب، خاصةً إن كانت صدمة قوية، حينها يصبح رد الفعل غير متوقع على الإطلاق، نكتشف جانب في شخصياتنا لم نكن نعلم أنه موجود بداخلنا مطلقًا..
و إذا أتت تلك الصدمة من مَن نعتبرهم أقرب لنا من أنفسنا، و قتها يصبح العقل غير قادر على الإستيعاب، أو ربما تمر تلك الصدمة مرور الكرام بعد أن تعطنا درسًا قاسيًا،
ف لكل منا قدرة على التحمل، تختلف قدراتنا بين كل شخص و آخر، و في حالة “خضرا” لم تستطيع تحمل وجود “سلسبيل” كزوجة في حياة زوجها، رغم أن الكثير من النساء يتقبلون وجود زوجة و اثنان و ثلاثة أيضًا بحياة أزواجهم، و يتعايشون مع الأمر بكل رضي..
بينما هي الآن في حالة نفسية أسوء ما يكون، خاصةً بعد محاولة الإنتحار التي أقدمت عليها توضح مدى تطور حالتها من سئ لأسواء، و كان يجب أن تخضع للعلاج النفسي فترة ليست بقليلة حتى تستعيد توازنها و أدراكها العقلي..

تتصرف بلا أدنى تفكير في أفعالها و ما ينتج عنها من عواقب واخيمة، وصل بها الأمر إلى مراقبة زوجها عن طريق “حسان” الرجل الذي يعتبره “عبد الجبار” ذراعه اليمين الذي أدهشها بموافقته السريعة على طلبها،حتى وصل بهما الأمر إلى تبادل أرقام هواتفهما سرًا، و بدأ بالفعل ينقل لها كل تحركات زوجها..

 

 

“اممم يعني قال إنه ردها لعصمته؟!”..
دمدمت بها “خضرا” بصوتٍ خفيض، و تابعت دون أن تعطيه فرصة للرد عليها..
” و هي قالت له أيه لما قالها أكده؟”..

جاوبها “حسان” الجالس داخل سيارة “عبد الجبار” الواقفه أمام إحدي المستشفيات الخاصة بالمنصورة..
“مرضياش ترچعله واصل.. سمعت صوت رفضها و بكاها يا ست الناس”..
انبلجت شبه إبتسامة علي ملامح “خضرا” التي تبدلت للنقيض بعدما كانت تُشع طيبة، تحولت لأخرى جامدة و قد انعكس على وجهها ما تحمله بقلبها من جروح نافذة غلفته بقسوة غريبة عليها كليًا..
“عينك متغفلش عنِهم واصل .. لو حُصل ووافجت المحروقة دي ترچع على ذمته!! “..
صمتت لبرهةً، و قد توحشت نظرة عينيها و تابعت بلهجة حادة لا تقبل الجدال..
“وقتها يچيني خبرهم الليلة..تخلص عليهم اتنين فاهمني زين؟ “..
قال “حسان” بطاعة.. “أمرك يا ست الناس”..
أغلقت الهاتف بوجهه ليبتسم هو إبتسامة يتطاير منها الشرر و الطمع في الحصول عليها بعدما يتخلص من الرجل الذي أستأمنه على نفسه، فعلته هذه تعلمنا أن لا أحد يؤمتن في زمننا المليء بالغدر هذا..

بينما هي تعمدت عدم نطق إسمه ليقينها بأن “بخيتة” تتجسس عليها كعادتها، تفوقت عليها في الجبروت، و أصبحت لا تخشى منها و لا حتى من غيرها..
اعتدلت بمقعدها بوضع أكثر راحة، تنظر للفراغ بشرود تتذكر حديث زوجها معاها بعد خروجها من المستشفى..
.. فلاش باااااااااااك..
جذب “عبد الجبار” مقعد و جلس عليه بجوار الفراش النائمة عليه “خضرا” تبكي و تأن بوهن ، مد يده و أمسك يدها بين كفيه يربت عليها برفق، و هو يتنهد بقوة مغمغمًا ..
“ليه كل ده عاد يا خضرا !!.. أيه اللي حُصل يا غالية وصلك للحالة العفشة دي.. معقول غيرتك عليا تخليكي تموتي نفسك و تحرقي جلب البنتة الصغار وجلب أبو البنتة عليكي!!”..
“مش الغيرة اللي خلتني أعمل أكده”..
همست بها بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة، و رفعت عينيها الغارقة بالعبرات، و نظرت له نظرة طويلة مكملة بابتسامة زائفه أثارت بقلبه الريبة..
” الخوف.. الخوف واعر قوي قوي و أني خوفت عبد الچبار”..

عقد حاجبيه و هو يقول بتساؤل مستفسرًا..
” خوفتي!!.. من أيه عاد؟”..

 

 

أجهشت بنوبة بكاء مرير دفعته لأحتوائها داخل صدره كمحاولة منه لتهدئتها، لتهمس هي بصوتٍ مرتجف قائلة..
“من حديت مَراتك سلسبيل.. قالتلي أنها هتخليك تطلقني و ترچعني على البلد بعد ما تاخد مني بناتي و محدش غيرها هيفضل على ذمتك.. حديتها مخلاش فيا عقل.. الموت عندي أهون من بعدي عنك أنت و بناتي”..
تطلع لها مدهوشًا من حديثها الذي لم يدخل عقله مطلقًا، و حرك رأسه بالنفي مغمغمًا بثقة..
“مستحيل.. مستحيل سلسبيل تقول أكده .. متقدرش تنطق بالحديت العفش ده يا خضرا لأنها خابرة زين إني هزعل منِها و هي متقدرش على زعلي واصل”..
زادت حدة بكائها.. بكاء يهدد بدخولها إحدي نوبات أنهيارها الذي تكرر في الفترة الأخيرة كثيرًا، و صاحت بجنون مرددة..

“كنت خابرة إنك مهتصدقنيش..كنت خابرة إنك هتكدبني لخاطرها.. كيف ما هطلقني برضوا لخاطرها يا عبد الچبار”..
” و بعدهالك عاد يا خضرا..بكفياك حديتك الماسخ ده”.. أردف بها و هي يسيطر على حركاتها الهستيرية العنيفه، ملتف بذراعيه حولها جعل ظهرها مقابل صدره حتى أستكانت بين يديه، و تراخي جسدها على صدره..
” الأيام بنتنا يا عبد الچبار و هيچي اليوم اللي هتوقع فيه سلسبيل بيني و بينك و هتخليك تختار بيني و بينها و أني متوكدة إنك هترميني كيف ما قالتلي لأنك محبتنيش كيف معشقتها”..
رفع “عبد الجبار” يده وأمسك ذقنها جبرها على النظر له و تحدث بنفاذ صبر..
“بكفياكِ يا خضرا.. اللي بتقوليه ده مش هيحصل.. مهما حُصل هتفضل كفتك أنتي عندي هي اللي رابحة.. مهما حُصل و مهما اتقالي عنك أني مهستغناش عنك يا أم الغوالي”..
.. نهاية الفلاش باااااااااااك..
تنهدت بارتياح حين شعرت أنها على وشك تحقيق مرادها و ما تسعي إليه جاهدة و هو استرجاع زوجها لها ثانيةً و إبعاد غريمتها عنهم للأبد..

……………………………..سبحان الله العظيم…….
” سلسبيل “..
تهللت أسريرها حين رأت باب الغرفة يُفتح و دلفت منه “عفاف” مقبلة عليها بخطي شبه راكضة و هي تقول بلهفة..
“سلسبيل.. يا حبيبتي يا بنتي”..
“دادة عفاف”.. نطقت بها “سلسبيل” و هي ترتمي داخل حضنها و تبكي بضعف و عينيها عالقة على الباب الذي لم يقفل بعد..
كان بالخارج يقف “عبد الجبار” مقابل “جابر” بينهما جميع العاملين بأمن المستشفى الذين قاموا بأبعادهما عن بعض بشق الأنفس بعدما دارت بينهما معركة دامية كانت ستنتهي بموت واحد منهما لولا تدخل أفراد الأمن..
أغلقت المرافقة ل “سلسبيل” الباب على الفور و وقفت أمامه من الخارج تنجنبًا لدخول أحدًا منهما..
ضمتها” عفاف” بحب صادق، و ربتت على شعرها نزولاً لظهرها بحنان و هي تقول بتساؤل ..
” أيه اللي بيحصل برة ده؟!.. هو عبد الجبار بيه كان بيتخانق مع جابر أبن خالتك ولا أيه؟!”..
حركت “سلسبيل” رأسها بالايجاب و تحدث بأسف قائلة..

“كانوا هيموتوا بعض يا دادة عشان جابر عايز يدخل يطمن عليا و عبد الجبار منعه و مش راضي يدخله أبدًا”..
ضحكت “عفاف” و هي تحرك رأسها بياس مردفة..

“عبد الجبار بيه بيغير عليكي من ابن خالتك ده و ليه حق بصراحة.. الواد نظرته ليكي و لهفته عليكي كلها حب.. عايزة يكون رد فعله أيه و هو شايف واحد بياكل مراته أكل بعينيه قدامه؟! “..

” بس أنا خلاص مبقتش مراته يا دادة”..
همست بها “سلسبيل” بغصة يملؤها الآسي، و صمتت لوهلة ثت تابعت بحزن..
” رغم أنه قال لي أنه ردني على ذمته تاني.. لكن أنا مش موافقة و مش هوافق”..
جلست” عفاف ” بجوارها على الفراش، و أخذت نفس عميق و تحدثت بتعقل قائلة..
“لو عايزه ناصحتي يا بنتي.. خليكي صريحة مع جوزك و قوليله على كل حاجة أنتي حكتهالي.. قوليله على تهديد ضرتك و عرفيه أنها السبب في القضية اللي وكلتي جدك يرفعها عليه.. عرفيه إن اللي عملتيه ده من خوفك عليه لتنفذ تهديدها و تأذيه زي ما قالتلك.. خليكي صريحة معاه و متخفيش من حاجة خصوصًا على عبد الجبار بيه لأنه ميتخفش عليه يا سلسبيل.. جمدي قلبك وصرحيه.. الصراحة راحة يابنتي”..
نظرت لها” سلسبيل ” بحيرة ظاهرة في عينيها التي تغرقها الدموع، لترفع” عفاف” يدها و تزيل دموعها بحنو..
” يعني أنتي رأيك أني أقوله يا دادة”..
أجابتها “عفاف” قائلة..”ده مش رأيي.. ده العقل بيقول كده.. عشان لو لفت الأيام و عرف هو اللي حصل و اللي قالته ليكي خضرا في يوم ميعتبش عليكي و يغلطك و يقولك معرفتنيش ليه”..

ساد الصمت بينهما طويلاً قطعته “سلسبيل” قائلة..
” نادي عليه من فضلك يا دادة قوليله سلسبيل عايزاك و لما يدخل قولي ل جابر أني كويسة و هخرج له أنا “..
قبلتها “عفاف “من جبهتها قبل أن تنتصب واقفة، و أبتسمت لها ابتسامتها الدافئة مرددة..
” أنا هخرج و هبعتهولك و هفضل مستنياكي برة.. اطمني أنا معاكي”..
بادلتها “سلسبيل” ابتسامتها بأخرى باهتة، و تابعتها بنظرات زائغة أثناء مغادرتها الغرفة..
فور خروجها دلفت إحدي الطبيبات تطمئن على المحلول المعلق بيد “سلسبيل”، و تقوم بتعقيم جرح جبهتها بأدوات طبية مخصصة للجروح..
ظهرت علامات الاشمئزاز على ملامح” سلسبيل” و شحب لونها فجأة و بدت على وشك التقيأ..
“مالك يا مدام.. أنتي دايخة و لا حاسة بحاجة تعباكي؟”..
قالتها الطبيبة حين لاحظت شحوب وجهها، و تناثر حبيبات العرق على جبهتها..
إزداردت “سلسبيل” لعابها بصعوبة، و همست بصوتٍ مُتعب قائلة..

“ريحة القطن اللي في إيدك ده مضيقاني أوي و حاسة إني عايزه أرجع بسببها”..
قالت الطبيبة بتعجب..
“القطن ملوش ريحة أصلاً !!! “..
صمتت للحظة و تابعت بتكهن..
“لتكوني حامل؟!!”..
يا الله!!
“حامل!!!”.. همست بها” سلسبيل” بأنفاس متلاحقة، و قد تذكرت أن عادتها الشهرية تأخرت عن موعدها هذا الشهر بالفعل..
” تحبي أسحب منك عينة دم و نحللها؟”..
قالتها الطبيبة التي أنتهت للتو من تعقيم جرحها، لتحرك “سلسبيل” رأسها بالنفي سريعًا وهي تقول بتوتر..
“لا لا.. مش عايزه أعمل تحاليل.. أنا مش حامل و لا حاجة”..
قالت الطبيبة بعملية.. “تمام.. زي ما تحبي.. على العموم أنتي بقيتي كويسة و تقدري تروحي أول ما المحلول يخلص”..
………………………………..سبحان الله وبحمده…..

 

 

بالخارج..
كانت “عفاف” تتحدث مع” عبد الجبار ” الذي رمق” جابر” الواقف بثبات بنظرة ساخرة، و أبتسم بأنتصار حين قالت له..
“عبد الجبار بيه.. مدام سلسبيل عايزه حضرتك “..
” هي كويسة يا مدام عفاف”..
أردف بها “جابر” بصوته المتلهف الذي يثير جنون “عبد الجبار”..
أجابته “عفاف” بقلق من نظرات “عبد الجبار ” الحارقة..
“كويسة الحمد لله”..
وقف “عبد الجبار” أمامه مباشرةً و تحدث بلهجته الصارمة قائلاً.. “قالتلك أنها بقت زينة.. تقدر تغور بقي دلوجيت لاچل ما تطمن چدك القلقان عليها و كل هبابه يتصل عليك و عليا “..
تطلع له “جابر” بشجاعة دون أن يغمض له جفن، و تحدث بأسف قائلاً..
“هما اللي منعوني عنك”..
قالها و هو يتنقل بعينيه بينه و بين أفراد الأمن الواقفين على أبهى إستعداد لمنعهما إذا اشتبكا ثانيةً، و تابع بوعيد..
” أعمل حسابك أنا لو لمحتك على طريق قدامي تاني هسويك بالأسفلت”..

ضحك “عبد الجبار” ضحكة مدوية وصلت لسمع زوجته بالداخل خطفت أنفاسها و جعلت دقات قلبها تخفق كالطبول، رفع يده ربت على كتفه بعنف وهو يقول..

 

 

“اللي بيقول مبيعملش.. و بفضل الله لا أنت و لا بلد بحالها تقدر تعمل حاچة مع راچل صعيدي و خصوصًا لما يبجي الراچل ده عبد الچبار المنياوي يا ابن البندر”..
قالها و هو يسير من جانبه تجاه غرفة “سلسبيل” طرق على الباب، و فتحه دون إنتظار إذن ، و دلف للداخل غالقه خلفه، تاركًا” جابر” يستشيط غضبًا يكاد أن يدمر الأخضر و اليابس..

يتبع..

 ❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹❤️‍🩹
ت✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
كانت “سلسبيل” في حيرة شديدة من أمرها، لا تعلم من أين تبدأ الحديث، كل ما فكرت فيه و جهزته لتخبره به تبخر من عقلها فور رؤيته مقبلًا عليها بلهفة هكذا..
قطع “عبد الجبار” المسافة بينه و بينها بخطوتان لا ثالث لهما، و بلمح البصر وجدت نفسها مرفوعة بين ذراعيه بمنتهي الخفة كأنها لا تزن شيئًا ،جلس هو مكانها على الفراش و إحتوي جسدها الصغير بأكملها داخل حضنه..
“كيفك دلوجيت؟!”..
همس بها داخل أذنها بصوته المزلزل الذي يبعثر كيانها كله دفعة واحدة ، انكمشت على نفسها بين يديه، أراحت رأسها على موضع قلبه النابض بعشقها وحدها، تنهدت براحة و هي تقول بخفوت..
“أنا الحمد لله بقيت كويسة..أطمن”..
مسد على طول ظهرها بكف يده الضخمة يضمها له بقوة مرددًا بتساؤل ..

” هتعاوي معاي على الدار.. مش أكده يا سلسبيل؟”..
أطبقت جفنيها بعنف تكبح عبراتها التي تجمعت بعينيها، أخذت نفس عميق قبل أن ترفع وجهها ببطء و من ثم عينيها الحزينة، و تطلعت له بابتسامتها التي تُذيب قلبه المُتيم بها، تأملت ملامح وجهه الجذاب رغم صلبته و صرامته، و تحدثت بأسف قائلة..
” مش هينفع.. مش هينفع أرجع معاك و لا حتى أرجع على ذمتك تاني يا عبد الجبار”..

 

 

رأت عيناه تتسعان بغضب، و تبرز حولها الشعريات الدموية بخطورة..مع ذلك تحدثت بتأنٍ بالغ دون أن يخيفها الوضع أو تحذيره..
“جوازي منك كان بالنسبة ليا طوق النجاة اللي هينقذني من جبروت أبويا اللي مش عارفة أيه سبب قسوته عليا بالشكل ده لحد دلوقتي .. و جوازك أنت مني كان غلطة و لازم تصلحها و ترجع لمراتك اللي هتجنن من غيرتها عليك و لبناتك و تنساني خالص من حياتك”..

صمتت لبرهةً تحاول السيطرة على حشرجة صوتها الذي اختنق بالبكاء بسبب نظراته العاشقة لها ، و تابعت بألم نجحت في إخفاءه..
” ليها حق أبلة خضرا في غيرتها المجنونة عليك..و في تهديدها ليه لو مبعدتش عنك”..
عقد حاجبيه بدهشه مغمغمًا..
” تهديد أيه اللي بتتحدي عنه!!! “..
انسحبت الدماء من وجهها، و بدي الرعب و الفزع ظاهر على قسماتها و هي تجيبه بصوتٍ مرتجف..
“أبلة خضرا بتهددني بيك.. غيرتها عليك عمتها و قست قلبها و بتهددني أنها هتقتلك لو فضلت على ذمتك..و لما قولتلها إنك مش هطلقني بسهولة قالتلي أرفع خلع.. و خلتني عملت لجدي توكيل و طلبت منه يرفع لي قضية خلع عليك.. عشان خوفت منها.. خوفت تنفذ تهديدها و تعمل فيك حاجة يا عبد الجبار “..
أطبق السكون حولهما فور إنتهاء حديثها، بقي” عبد الجبار ” يتطلع لها بصمت أثار بقلبها الريبة، كانت ملامحه المتلهفة تحولت لأخرى جامدة، شعرت بجسده يتخشب من حولها، حبست أنفاسها حين وجدته يبعدها عن حضنه، وضعها ثانيةً على الفراش، و انتصب واقفًا مبتعدًا عنها، حينها شعرت ببرودة لفحتها بفعل نهوضه و مفارقته إياها فجأة هكذا..

“اممم.. يعني أم فاطمة قالتلك إنها هتقتلني لو فضلتي على ذمتي!!!”.. تمتم بإيجاز تغلفه قساوة غريبة، حركت “سلسبيل” رأسها له بالايجاب، و قد زحف القلق لقلبها من نظرات العتاب الذي يرمقها بها..
“حديتك ده يخليني أقل حاچة أعملها إني أرمي اليمين على أم بناتي اللي قوتك على عملتك السودة برفع قضية خلع على رچلك اللي بيتمني لك الرضا و شايلك چوه جلبه قبل عينيه!!”..
قالها باقتضاب لا يخلو من الجمود، و مال عليها بجزعه مستند بكفيه على الفراش من حولها، و تابع بألم حاد..
” وأنتي نايمة في حضني يچيني تليفون يبلغني بالقضية اللي رايده ترفعيها عليا خليتي عقلي يچن مني و أرمي عليكي اليمين من حرقة جلبي.. كنت فاكر إني بكده هطفي النار اللي چوايا من نحيتك .. بس النار دي زادت ببعدك عني و مقدرتش يا سلسبيل و رديتك على ذمتي في وقتها”..
بكت “سلسبيل ” و هي تقول بندم.. “أنا آسفة على اللي عملته.. أنا غلطت في حقك وأنت متستهلش مني كده.. بس والله أنا عملت كده من خوفي عليك يا عبد الجبار “..
أخذ نفس عميق و زفره على مهلٍ مردفًا بنفاذ صبر..

” بكفياكِ بكى عاد.. و خلينا ننسى كل اللي حُصل و هاخدك من أهنه على بيت چديد هيبجي ليكِ لوحدك و ملكيش صالح بحديت خضرا واصل”..
من أجلها تنازل عن كبرياءه و كرمته لأول مرة بعمره، حتى لا يخسرها هي، لا يريد سوي أن تظل زوجته حتى لو كان ما تقوله عن تهديد “خضرا” حقيقة و كلفه الأمر حياته،

 

 

كانت تتمنى أن توافقه على حديثه هذا، لكن خوفها عليه كان أكبر من احتياجها له، خاصةً بعد علمها بأنها ربما تكون حاملة في احشائها منه طفلهم الأول، تمكن منها الذعر أكثر و هي تتخيل رد فعل ضرتها على خبر حملها، بالتأكيد ستقتلها هي و جنينها في الحال..
وجدت نفسها تحرك رأسها بالنفي مرددة ببكاء..
“لا.. لا.. أنا و هي مش هينفع نبقي على ذمتك..يا أنا يا هي يا عبد الجبار.. لكن إحنا الاتنين مع بعض مش هينفع.. لازم تختار بنا”..

ما تفوهت به الآن هي على دراية كاملة ما سيكون إختياره، تعلم أنها وضعت نفسها في مقارنة خاسرة، بالرغم من عشقه لها، لكن ابنتيه يفضلهما دائمًا عن نفسه، و هي على يقين أنه لا و لن يفرط بهما مهما فعلت أمهما..
” بتلوي دراعي يا سلسبيل!!! “.. نطق بها مذهولاً من حديثها الذي بدأ يفقده صوابه،و قبض على ذراعها بكف يده بقوة ألمتها مكملاً بغضب عارم تمكن منه..
“بتخيريني بينك و بين خضرا !!
مقدرش أصدق يعني هي كانت على حق و أني كدبتها و دفعت عنك لما قالتلي إنك هتخليني أطلقها بعد كل اللي عملته وياكِ.. أخرتها عايزه تخربي بيتها و توقعي بيني وبينها.. فاكراني شخشيخة في يدك عاد و هچري أنفذ حديتك الماسخ ده و أطلق مَراتي أم بناتي!!! “..
انفجرت” سلسبيل ” في وجهه صارخة بعدما صدمها حديثه و نظرته لها التي تحولت للنقيض، يرمقها بنظرة خذلان، يخبرها أنها خذلته و سقطت من نظره بقولها المتهور هذا..
” و هي عملت ايييه معايا يا عبد الجبار و لا أنت نفسك عملت ايه معايا؟!.. أنا كنت لعبة في أيدك أنت و هي.. اختارتني ليك أنا بالذات عن كل حريم الدنيا لأنك اتفقت مع الدكتور يفهمها إني مريضة و مش هقدر أخلف و لا هعيش أساسًا!!!”..

استجمعت قوتها، و رفعت يدها دفعته بصدره بعيدًا عنها بكفها الصغير، و تابعت بغصة مريرة يملؤها الآسي..
” يا ريتني كنت مت و اترحمت من البهدلة دي كلها.. أنا خلاص جبت أخرى من أبويا و مراتك و أمك و منك أنت كمان يا عبد الجبار.. مش هشوف راحة طول ما أنا و أم بناتك على ذمتك”..
“و أني مش هطلق خضرا يا سلسبيل”..قالها “عبد الجبار” بنبرة جادة لا تحمل الجدال..
أبتسمت “سلسبيل ” إبتسامة تخفي خلفها حزنها و كسرتها مرددة بأسف..
” يبقي أنت كده هطلقني أنا “..
………………………… سبحان الله العظيم…
كانت” سعاد” تبكي بنجيب و قد تمكن من قلبها الخوف و هي تتخيل رد فعل” جابر” إذا علم أنها وراء هروب “سلسبيل” بعدما استمعت لحديثها تقول أنها ستحدث والدها حتى يأتي ويأخذها..

 

 

و أيضًا لم تسلم من حديث” فؤاد” الذي صب جم غضبه عليها، و ظل يلقى على سمعاها كلمات دبت الرعب بأوصالها أكثر..
“أنتي السبب في اللي حصل لبنت أختك زي ما كنتي السبب في جوازة أمها عشان تسد ديون جوزك للمفتري قناوي اللي خد أختك الصغيرة تخليص حق.. خدها موتها بقسوته عليها، و دلوقتي مبتفكريش غير في إبنك و عايزة ترميله بنته عشان يموتها زي أمها.. أنتي قلبك ده أيه يا سعاد.. حجر.. مبتحسيش!!! “..
“كفاية يا بابا أبوس إيدك.. كفاية جلد فيا”..
همست بها” سعاد” بصعوبة من بين شهقاتها، و تابعت قائلة..
“أنا مكنتش أعرف أن قناوي ده هيعمل في أختي كده.. لو كنت أعرف أنه جبروت بالشكل ده مكنتش وافقت ولا أنا و لا أبو جابر الله يرحمه.. و لما قولت إني هكلمه يجي ياخد سلسبيل كنت بهوش بس لكن والله ما كنت هكلمه..و خوفي على ابني ده غصب عني.. مش بخاطري.. مش هقدر أشوفه الراجل التالت في حياة مراته و هو يا حبيبي مخطبش و لا حتى حب واحدة غيرها..معلق نفسه و قلبه بواحدة ياريتها حتى بتبادله مشاعره ناحيتها.. و كمان بتحب طليقها!! .. عايزني اعمل أيه و أنا شايفة ابني و حيدي واقع الواقعة السودة دي.. قولي يا بابا عايزني أقف أتفرج عليه؟!! “..

قطعت حديثها فجأة، و إرتفع صوت نشيجها و قد داهمها دوارًا عنيف أفقدها توازنها، و أصبحت تترنجح يمينًا و يسارًا، حاولت الاستناد على أي شيء حولها، لكنها سقطت أرضًا مستندة بظهرها على الحائط..
” سعاد.. مالك يا بنتي”.. قالها” فؤاد “و هو يهرول مسرعًا تجاه مصدر الصوت، باحثًا عنها كالمجنون، و قد سقط قلبه بسقوطها، فبدأ يبكي و هو يتحسس بيده المكان من حوله حتى وصل إلي يدها الملقاه بجوارها، لينصدم من برودة بشرتها الشديدة،و همسها الضعيف تقول بوهن..
“دوا الضغط و السكر.. الحقني بدوا يا بابا”..
قال “فؤاد” بصوتٍ مرتجف، بل جسده كله أصبح ينتفض بذعر، و قد شعر بالندم لأنه قسي عليها..
“هو فين.. قوليلي حطاه فين و أنا اجبهولك”..
لم تستطيع “سعاد” الرد عليه، و قد بدأت تغيب عن الوعي بعدما داهمها دوارها بقوة أكبر..
شعر” فؤاد ” أنه على حافة الجنون بعدم ردها عليه، مما يعني أن حالتها تدهور و هو عاجز عن إسعافها، ليرأف الله بحاله، و صدح صوت رنين هاتف ابنته، فهرول راكضًا تجاه الصوت، و أسرع بالضغط على زر الفتح مرددًا بلهفة ظنًا منه أن المتصل حفيده..

“جابر.. ألحق أمك يا ابني”..
“مالها ماما سعاد يا جدو”.. صرخت بها “صفا” ابنة زوج “سعاد” ..
أجابها “فؤاد” بصوتٍ باكي يدل على شدة فزعه..
“وقعت من طولها يا بنتي و قالتلي الحقني بدوا الضغط بس أنا مش عارف مكانه.. مش عارف الحقها و جابر كمان مش هنا و أنا لوحدي مش عارف أتصرف “..
انتفضت “صفا” من مكانها، خطفت اسدالها ارتدته بلمح البصر، وركضت بأقصى سرعة تملكها مرددة بأنفاس لاهثة و قد بدأت تبكي هي الأخرى ..
“أنا هجيب العلاج و أجيلك حالاً.. بس أديها أي حاجة مسكرة على ما أوصل “..
……………………………… سبحان الله العظيم..

 

 

“جابر “..
كانت تمنعه “عفاف” بشق الأنفس حتى لا يقتحم الغرفة على “سلسبيل” بعدما استمع لصوت صراخها الباكي..
“سيبهم يا ابني يتعاتبوا مع بعض.. متدخلش بينم عشان المشكلة متكبرش أكتر.. لأنهم في الأخر واحد ومراته و الداخل بينهم خارج”..
أردفت بها “عفاف” بتعقل و هي تقف أمامه تمنعه من الوصول لباب غرفة “سلسبيل” ..
اصطك “جابر” على أسنانه كاد أن يهشمها، و كور قبضة يده و لكم الحائط بجواره عدت مرات متتالية ينفس عن غضبه العارم..

ليتوقف بصدمة حين وصل لسمعه صوت” عبد الجبار ” يقول بصوته الأجش..
“أنتي طالق يا سلسبيل!!!! “..

ساد الصمت لدقائق بعد جملته هذه التي أصابت الجميع بصدمة، فقدتهم النطق و حتي الحركة، لم يقطع هذا الصمت سوي صوت رنين هاتف “جابر” الذي صدح تزامنًا مع فتح باب الغرفة و خروج “عبد الجبار” كقذيفة نيران متوهجة، سار من جانبه دون النظر إليه بنظره عابرة حتى، كان سيره حثيثًا أقرب إلى الهرولة من شدة انفعالاته المتضاربه..
“أيوه يا جدي!!”.. نطق بها “جابر” بصوتٍ يملؤها الفرحة، ليأتيه صوت” فؤاد” يقول ببكاء..
“جابر.. أنت فين يا ابني.. تعالي ألحق أمك وقعت من طولها”..
انقطعت أنفاسه حين استمع لصوت جده الباكي، و تباطأت دقات قلبه بعد ما تفوه به، و أصبح في حيرة من أمره، ايدلف ل “سلسبيل” التي بدأت تبكي بصوت أشبه بالصراخ، أم يذهب لوالدته؟!!..
وجهه نظره ل “عفاف” التي أسرعت بلهفة تجاه غرفة” سلسبيل ” و همس بأسف..
” أمي وقعت و لازم أروح الحقها”..
“روح لها أنت يا ابني و أنا هفضل مع سلسبيل.. متقلقش عليها”..

قالتها “عفاف” قبل أن تدلف لداخل الغرفة، و تغلق الباب خلفها..
تحرك “جابر” على مضض راكضًا لخارج المستشفى، و من ثم نحو سيارته، قفز بداخلها و بدأ يقودها بأقصى سرعة ممكنة و هو يقول..

 

 

” أنا جاي حالاً يا جدي “..
غافلاً عن أعين” عبد الجبار ” الذي كان مازال يجلس داخل سيارته يلكم المقود بقبضة يده، و يصرخ بهياج بصوتٍ مكتوم من شدة ألم قلبه الملتاع..
بينما بداخل غرفة “سلسبيل”..
“طلقني.. قولتله الحقيقة كدبني و صدق خضرا و أخترها هي و طلقني رسمي يا دادة”..
قالتها “سلسبيل” ببكاء يقطع نياط القلوب و هي تطلع بحسرة لورقة طلاقها الذي وقعها “عبد الجبار” و ألقاها بوجهها..

يتبع..

 ❤️‍🩹دمتم ساالمين ❤️‍🩹....



تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة