
الفصل الثالث والعشرون 23
بقلم صفاء حسني
شعر فهد بدفء لمسه قلبه، واحتضنت ملكه بكل حب. كانت الأجواء حولهما مليئة بالشغف، وكأن الزمن توقف للحظة، كل شيء حولهما اختفى، ولم يبقَ سوى نبض قلبيهما.
اقترب فهد منها أكثر، ونظر في عينيها العميقتين، وكأنهما بحيرتان عميقتان تكشفان أسرار الحب. قال بهمس: "ملك، أنتِ زينتي حياتي، كل لحظة معك تجعلني أشعر بأنني على قمة العالم".
ابتسمت ملك، وبدأت تسحب أصابعه برفق، وكأنها تحاول أن تكتب قصتهما معًا. قالت: "وأنتَ نجم في سمائي، أحتاجك بجواري، كل لحظة، وكل ثانية".
شعرت ملك بشعور غريب يملأ قلبها، وكأنها قادرة على الطيران. وضعت يدها على صدره، حيث كان قلبه ينبض بسرعة، وقالت: "هل تشعر بذلك؟ كل هذا الحب الذي يحيط بنا؟".
أجاب فهد وهو يميل برأسه نحوها: "أشعر به، وكأنه عاصفة من المشاعر. أريد أن نتشارك كل لحظة، كل حلم، وكل ذكرى".
ثم، اقترب منها أكثر، حتى كادت أن تلمس شفتيه. كان هناك توتر جميل في الهواء، وكأنهما على وشك كتابة فصل جديد من قصتهما. قال فهد: "هل يمكنني أن أخذ بيدك إلى عالم جديد، حيث يكون الحب هو القاعدة، والسعادة هي الهدف؟".
أومأت ملك برأسها، وهي تشعر بقلبها ينبض بشدة. "أريد ذلك، فهد. أريد أن أكون معك، في كل حكاية، وكل لحظة".
ثم، في لحظة من الرومانسية الخالصة، تقاربت شفتاهما، ولمست بعضهما برقة. كانت القبلة تحمل كل المشاعر التي لم يعبرا عنها بالكلمات. كانت قبلة مليئة بالشغف، بالحنان، وبوعد بأنهما سيتجاوزان كل الصعوبات معًا.
بعد أن ابتعدا عن بعضهما قليلاً، نظر فهد في عينيها، وقال: "لا شيء يمكنه أن يفرقنا. سنكون معًا، مهما حدث".
ابتسمت ملك، وكأنها وجدت ضالتها. "معك، أشعر أنني أستطيع مواجهة العالم بأسره".
وبدأت تضحك، بينما كان فهد يضمها إليه مرة أخرى، واحتضنا بعضهما في ذلك العالم الخاص بهما، حيث كانت السعادة تملأ الهواء، والحب يحيط بهما كدائرة من النور
ثم فاق من لحظات الحب والضعف وقال:
"مش وقته يا حبيبتي، فيه ضيوف منتظرين تحت. عاوزك تلبسي أُشيك فستان عندكِ".
تذمرت ملك بطفولة وهي تمتم:
"هو فيه ضيوف يزوروا حد في شهر العسل؟ إيه الرخامة دي؟".
ابتسم فهد وقال:
"عندكِ حق والله، رخمين فوق ما تتخيلي، بس أعمل إيه؟ ابن عمي وصديقه، أنتِ فاكرة، أكيد الدكتور فارس".
نظرت إليه وهي تشعر بالتوهان، ولكن أَوْهَمَتْه أنها تتذكره، وقالت:
"أكيد، مش هو حضر فرحنا، صح؟".
ابتسم فهد على طريقتها، وهي تخلق أي طريقة لكي يحكي لها عن فارس، فاستغل الفرصة وقال:
"إحنا أصلاً ما عملناش فرح يا قلبي".
نظرت إليه ملك، وفي عينيها خوف وحيرة، وسألته:
"يعني اُنْكُتِب الكتاب من غير فرح ولا معازيم؟".
ابتسم فهد بينه وبين نفسه، وأراد أن يطرق الحديد وهو ساخن، فقال لها:
"إحنا أصلاً لم يتم كتابة كتابنا".
انصدمت ملك عندما سمعت كلمته، وكانت تبحث عن شيء يسترها، ثم أخذت الملاءة ولفت بها جسمها كله وهي تصرخ في وجهه وتقول:
"أنت بتتكلم جد؟ ولما حضرتك مش متجوزني، واقف في الأوضة هنا ليه؟ وإزاي سمحت لنفسك تقرب مني؟ اخرج برّا لو سمحت!".
صفق فهد يدًا فوق يد، وقال:
"يا بنت المجنونة، مش أنتِ اللي قربتي مني، وكنتِ كل ما آجي أحكي لكِ تكتمين شفتاي بقبلة منكِ!".
نظرت إليه ملك بخجل، وقالت:
"وأنتَ ليه ما منعتنيش؟ ولا ما صدقت...". ثم افتكرت شيئاً، وقالت:
"هو أنا إزاي موجودة في بيتك وأنا مش مراتك؟".
تنهد فهد وقال لها:
"البسي هدومكِ وتعالي تحت، وأنا أفهمك كل حاجة".
رفضت ملك، وقالت:
"أنا أصلاً مش هقعد دقيقة معاك، وبالفعل هنزل، لكن هسيب بيتك، أنت مخادع".
تركها فهد دون أن يتحدث وخرج، وأغلق الباب. وعندما خرج، وجد أسماء أمامه، كانت تتنصت على كلامهم، وبعد ذلك عملت نفسها تأخذ بعض الملابس من غرفة أخرى.
نظر إليها بغيظ، وبين وبين نفسه قال:
"حسابكِ هيتقفل أوي يا أسماء، وهتتعاقبي على كل ما فعلتِيه، ولكن ليس قبل أن تعترفي بكل ما فعلتِيه، وتبرئي أمي وصديق أبي من التهمة التي اتهمتهم بها من سنتين، وأنا كنت زي المغيب وصدقت هذا الملعوب". ثم تحدث بصوت مرتفع وهو يزعق فيها:
"بتعملي إيه هنا؟".
كانت أسماء سعيدة لأنهم لم يتزوجوا بعد، وأنها ستترك البيت، وخصوصاً لما تواصلت مع مرات عمها على التليفون وهي تتذكر:
"ما دام ليلى معايا".
ردت عليها ليلى وقالت:
"أنا زفت، مين عايزني؟".
ردت ببرود أسماء، وقالت:
"واضح القمر زعلان من حاجة. على العموم، أنا اسمي أسماء، اللي كنت منزلة بوست ضياع ملك بنت أُخو جوزك، وأنتِ بعتي لي رقمك، فاكراني؟".
تنهدت ليلى وقالت:
"أيوة، عايزة إيه إن شاء الله؟ نكرمك؟ البت طلعت ناسية كل حاجة، والراجل اللي قولتِ عليه طلع شديد وعرف يأثر عليها، واخدها البيت وبيقول مراتِه، ومعه عقد بيقول كده".
انصدمت أسماء وضربت على صدرها:
"أنتِ بتتكلمي جد؟ إزاي بس؟ وهي أصلاً ما كملتش أسبوع عندنا من يوم ما جابها وهو راجع من شغله، ومنهم يومين كانت تعبانة ومش في وعيه، والباقي خادمة وبتحاول تثبت نفسها، يبقى اتجوزها إمتى؟ أكيد بيشتغلكم".
تنهدت ليلى وقالت:
"ويشتغلني ليه يا حسرة؟ هي عندها إيه أصلاً يبص لها غير لسانها؟ وسمعت كده بيقول عقد مدني".
ضحكت أسماء وقالت:
"يقصد يتجوزها عرفي. هي من دول اللي بيجيبوهم يتجوزوهم يومين ويرموهم".
انصدمت ليلى وقالت:
"نعم يا أختي؟ أنتِ مش لسه قايلة يا بت إنها كانت خادمة وما قربش منها؟ فين بقى متجوزها عرفي بقى؟ وعلى العموم، هو قال يكتب كتابه عليها يوم الخميس".
شهقت أسماء وقالت:
"لا، وحياة أمّه على جثتي! دا أنا أقتله، مش أستنى كل ده عشان يتجوزني وأحاول أخلّيه يشوفني غير خادمة. ويجي يتجوز! آه ما أنكرش إني لما حاولت أقرب منه صدني وكان بيطردني، وألّفت فيلم الخطوبة عشان أفضّل في البيت، لكن كده لازم أنا اللي أكون العروسة. أنتِ فين؟ أنا محتاجة مساعدتكِ، أنتِ تاخدي امضيتها وأنا أوقع على عقد الزواج".
بلعت ريقها ليلى وسألتها:
"إزاي بقى يا فالحة؟ وأنا أطلقت وعملت زي ما قلتي لي وما نفعش".
ابتسمت أسماء وقالت:
"دي لعبتي. تعالي بس وأنا وقتها أخبّيكي في أوضة في البيت محدش بيقرب منها، ننفذ خطّتنا فيها".
هزت رأسها ليلى وقالت:
"موافقة. ابعتي العنوان".
استمرت الطائرة نصف ساعة، وهبطت. نزلت هدير والسيدة المسنة، وكانت هدير رأسها بيوجعها من كلام السيدة المسنة، وذهبوا إلى الفندق. كان مكان فخم جداً. دخلت هدير وهي مبهورة، وطَلّعت الحقيبة مع عامل، وهي أيضاً طَلّعت معهم، وكان محجوز لهم جناح كبير. كانت مبهورة به. ساعدت السيدة المسنة، وحمّمتها، وألبستها ملابس أخرى مثل طفل صغير، ثم أعطتها العلاج ونامت. كانت منى تعبت، وقالت:
"آه يا مفاصلي! أنا لو كنت أعرف إنك هتخليني أحميها ما كنتش جيت معاكِ أو ساعدتكِ. أنا جاية ممرضة مش بيبي سيتر، مفهوم؟ أنتِ بقى لو حاسة إنكِ قدها، اتفضلي".
في نفس الوقت، كان الشاب يقترب من الغرفة ليطل على والدته، وأول ما اقترب ناداه شخص في المكان: "وليد باشا".
ترك الباب واتجه نحوه. وقبل ما يغادر، سمع صوت منى، فاقترب مرة أخرى وسمع حديثها، وفجأة....