رواية أنا لها شمس الفصل الثاني 2 ج2 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس

الفصل الثاني 2 ج2

بقلم روز أمين

صباح اليوم التالي

كانت متواجدة بمكتبها عندما ولجت إليها "هانيا"وابلغتها بحضور رب عملهما إلى الشركة لتنهض سريعًا وتتحرك متجهة صوب مكتب"أيمن "والذي يفصل بينهما بابًا داخليًا حيث أن مكتب أيمن يوجد له بابان بابًا خارجي منفتح علي حجرة مكتب السكيرتارية والأخر على الحجرة الخاصة بمديرة مكتبه"إيثار"، خطت للداخل لتقول بذهول:-ده حضرتك هنا بجد، أنا مصدقتش"هانيا "وهي بتقول لي إنك وصلت لمكتبك وعاوزني،معقولة تنزل الشركة وإنتَ لسة تعبان!.

-طب قولي لي حمدالله على السلامة الاول وبعدين حققي، وبعدين مش كفاية عليا تحقيق دكتور أحمد ونيللي، هيبقى هما في البيت وإنتِ هنا يا إيثار... نطق كلماته لائمًا لترد باستغراب:-أنا بصراحة مستغربة ومش عارفة دكتور أحمد ساب حضرتك تخرج إزاي؟!

تنهد ليتراجع بمقعده للخلف وقد بدا عليه التعب وعدم التعافى الكامل ليقول بإبانة:-أنا خرجت منهم بإعجوبة، بعد ما أقنعتهم إني لو فضلت قاعد في البيت ممكن يجرى لي حاجة

واستطرد بجدية:-خلينا في المهم، إتصلي بشركة" طارق الرفاعي" وخليه ييجي علشان نعقد الإجتماع اللي إتأجل إمبارح

تحدثت باعتراض لطيف:-يا باشمهندس حضرتك لسة تعبان،حرام عليك اللي بتعمله في نفسك ده

أجابها بابانة:-أنا كويس يا إيثار، وهقول لك اللي قولته لولادي ونيللي، اللي زيي مبيتعبش من الشغل، اللي زيي بيموت لو بِعد عن شغله وشركته يا بنتي

استطرد ليحثها على التحرك:-يلا بقى اسمعي الكلام وبلغي الراجل علشان يلحق يظبط مواعيده

هزت رأسها باستسلام وتحركت لتنفيذ ما أُمرت به،في تمام الساعة الحادية عشر وداخل قاعة الإجتماعات الخاصة بالشركة كانت تجلس بجوار أيمن تتابع بتركيز ما يقال داخل الإجتماع وتدونهُ بدفترها حيث حضر طارق الرفاعي وبعضًا من موظفيه لحضور الإجتماع وإبرام الصفقة، استمعت لاصواتٍ عالية تأتي من مكتب السكرتارية فنهضت سريعًا بعدما رأت نظرات أيمن الغاضبة، انسحبت للخارج لترى ما المشكلة وتنهيها وتحاسب المتسبب بإحداث تلك الفوضى بوجود الزائرين، وجدت "هانيا" تقف أمام رجلين أحدهما يرتدي حلة سوداء ويبدو من هيئته الوقار والثراء وهذا ما استشفته من ظهره،استمعت إليه يهتف غاضبًا:-تدخلي حالاً تدي للمدير بتاعك خبر بوجودي وإلا مش هيحصل لك طيب

-فيه إيه يا حضرة، صوتك عالي ليه،لازم تراعي إنك موجود في شركة محترمة مش في سويقة...كانت تلك كلماتها التي نطقتها بحدة واستنكار ليستدير لها شاملاً إياها بنظراتٍ ازدرائية من رأسها لأخمص قدميها تحت إثارة غضبها،رفع حاجبه الأيسر ليتحدث بتقليل من شأنها:-وإنتِ تطلعي إيه إنتِ كمان؟

رمقته بنظرة إستنكارية لتهتف "هانيا"متطوعة بالإجابة:

-دي الأستاذة "إيثار الجوهري"مديرة مكتب أيمن بيه

-سكرتيرة زيك يعني... نطقها بازدراء ليسترسل بصرامة موجهًا حديثه إلى"هانيا":

-شوفي لي حد محترم في أم الشركة دي أكلمه

رمقته هي بنظراتٍ نارية ولو كانت النظرات تصيب لتفحم وتحول إلى رمادًا أمامها، نطقت بصوتٍ يبدو هادئًا لكنه يحمل بين طياته حربًا باردة:-حضرتك الموظفين المحترمين عندنا مبيستقبلوش غير العملاء المميزين، لكن أنا وزميلتي موجودين علشان نقابل أمثالك

قالت جملتها الأخيرة وهي ترمقه بنظرة ذات مغزى ليرفع حاجبه الأيسر قائلاً بتكرار لجملتها:-العملا أمثالي؟

واستطرد بذات مغزى:-طب إدخلي يا شاطرة قولي للي مشغلك إن وكيل النائب العام المستشار"فؤاد علام زين الدين "عاوز يقابله وحالاً

-للأسف يا سيادة المستشار، اللي مشغلني عنده إجتماع مهم ومستحيل أقاطعه علشان أبلغه بوجود جنابك...نطقت كلماتها ببرود استفزه لتنظر إليه باستنكار مسترسلة:-وعلى ما أظن إن حضرتك مش واخد ميعاد سابق؟

اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهدر وهو يقول بحدة بالغة:

-إلزمي حدودك معايا واتكلمي كويس وإعرفي إنتِ واقفة قدام مين؟

بقوة أجابته:-حدودي انا عارفاها كويس جداً ومش محتاجة حضرتك تعرفها لي،وبالنسبة لشخص جنابك فده شيء ميخصنيش لأني لحد الأن متخطيتش حدود اللباقة معاك

إزداد إنعقاد حاجبيه وهو ينظر إليها متعجبًا قوتها، لا ينكر أنه أعجب بشموخها رغم اشتعال روحهُ من مجادلتها له،أغمض عينيه محاولاً تنظيم أنفاسه كي يستعيد هدوئه حتى لا يحتد عليها أكثر ثم تحدث قائلاً بإبانة:-إسمعيني يا... قولتي لي إسمك إيه؟

-أستاذة إيثار... نطقتها بعزة وشموخ ليبتسم داخله برغم جمود ملامحه الخارجية ثم تحدث من جديد مفسرًا بعدما تملك من حالة الغضب التي شملته:-أوك،إنتِ شكلك كدة مش فاهمة الموقف فأنا هشرح لك،أنا وكيل النائب العام المكلف بالتحقيق في قضية الإغتيال اللي حصلت قدام الشركة من يومين، والمفروض إني كنت هاخد أقوال" أيمن الأباصيري" النهاردة في المستشفي،بس لما روحت أنا والكاتب لقيناه خرج من المستشفى وإبنه بلغني إنه موجود هنا في الشركة،

واستطرد بنفاذ صبر:-فياريت تدخلي تبلغيه لأن كدة بتعطلوا وقت النيابة وده غلط عليكم

كان يتوقع ردًا لطيفًا لكن حدتها لم تتراجع حيث تحدثت بما استفزه:-للأسف، مش هينفع

قست نبراته مع هذا الغضب الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها قائلاً:-إنتِ كدة تعديتي حدودك معايا، وعنادك ده هدفعك تمنه غالي

تحدثت بصوتٍ هاديء لتشرح له موقفها:-يا أفندم أنا لا بعاند معاك ولا حاجة،إسمح لي زي ما حضرتك شرحت لي سبب الزيارة أبين لك أنا كمان سبب كلامي

واسترسلت مشيرة بكفها نحو مكتبها باحترام:- ياريت تتفضل معايا في مكتبي أشرح لك أسبابي وإنتَ بتشرب قهوتك

توقفت لتسأله:-قهوة حضرتك إيه؟

توقف أمامها ليتأمل ملامحها الصارمة، نظارتها الطبية التي أعطت لها مظهرًا عمليًا ووقارًا غريبًا يجبر من يتحدث معها على إحترامها،بجانب تلك البدلة العملية التي توحي لمدى جديتها بالحياة،قطب جبينه متعجبًا طريقتها ليتنهد قائلاً باستسلام:-سادة

التفت للكاتب وسألته بابتسامة لطيفة أثارت تحفظ فؤاد حيث أخذها من باب عدم الاحترام لشخصه:

-وقهوة حضرتك؟

أجابها الرجل فنظرت إيثار للفتاة وأملت عليها جلب القهوة إلى مكتبها لتتقدم الرجلين متجهة صوب مكتبها الخاص لتجلس خلف مقعدها بعدما جلسا الزائرين، وضعت ذراعيها أمامها وبدأت تتحدث بوقار:-الباشمهندس أيمن لسة تعبان وحالته الصحية مش أحسن حاجة،هو حضر مضطر علشان يتمم صفقة مهمة جداً للشركة المفروض كانت تتم إمبارح، وكل يوم تأخير بيكلف الشركة خسارة لمبالغ كبيرة

واسترسلت بإبانة:-الناس اللي جوة مع الباشمهندس ناس عملية بطريقة لا تتخيلها، الدقيقة عندهم بتتحسب بفلوس

هزت رأسها برفضٍ لتسترسل:-مينفعش اقتحم الإجتماع واطلب منهم ينتظروا لحد ما الباشمهندس يخلص كلامه مع حضرتك

كان ينظر إليها بتعمق واضعًا كف يده فوق ذقنه يتحسسها بتأمل لتستطرد كلامها:-خلينا نتكلم بموضوعية اكثر، سيادتك جاي تاخد أقوال الباشمهندس في اللي حصل،سؤال هيجيب سؤال وموضوع هيفتح موضوع تاني

ضيقت بين حاجبيها بتفكُر لتستطرد:-يعني أقل حاجة الاستجواب هياخد ساعة ده إذا مكنش أكتر، تفتكر حضرتك الناس اللي جوة دي هتقدر تنتظر ساعة؟!

-كنت دايمًا بستغرب من لقب مديرة مكتب، كنت بقول لنفسي دي مجرد منظرة من صاحب الشركة،أصل هتكون بتعمل إيه يعني أكتر من اللي السكرتيرة بتعمله...قال كلماته باستخفاف ليستطرد باستحسان:-لكن بصراحة بعد الموقف ده،أمنت بأهمية دور مديرة المكتب

أومأت شاكرة،تقدمت "هانيا"عامل البوفيه لتتحدث بهدوء إلى إيثار:-القهوة يا استاذة

قدمها للضيوف يا" عزت"... جملة عفوية نطقتها إيثار ليتحرك عامل البوفيه ليقدم القهوة إلى الموظف لينتفض الرجل بجلسته مُشيرًا لسيده قائلاً بتوقير:-ميصحش كدة، قدم للباشا قهوته الأول

إبتسامة متهكمة اعتلت ثغرها لاحظها ذاك الجالس بغرور واضعًا قدمًا فوق الأخرى ليسألها مستفسرًا:-ممكن أعرف إيه سبب الضحكة الغريبة دي؟

أجابته بذات مغزى:-اصلى بستغرب جداً من رجال النيابة والقضاء المصري،برغم إنهم القائمين على إصدار القوانين وتطبيقها إلا إنهم أول ناس بيخترقوها

قطب جبينه غير مستوعبًا لتسترسل موضحة باستفسار:

-المفروض إن لقب البهوية والبشوية إتلغت من مصر بقوانين، ومع ذلك لسة ناس كتير في السُلطة بتستخدم اللقب وكأنهم قاصدين علشان يميزهم عن باقي الشعب،وأكثر الناس دي هما رجال القضاء، اللي زي ما قولت المفروض يكونوا احرص الناس على تطبيق القوانين

-ده أنتِ طلعتي معقدة طبقيًا... نطقها مع ابتسامة ساخرة بادلتهُ بمثلها لتتحدث متهكمة:-هو علشان كلامي مجاش على هوا جنابك هتطلعني مريضة نفسيًا!

-أنا جبت سيرة مرض نفسي؟ ٠٠٠ نطقها بمراوغة لتُجيبه باقتضاب:-مش لازم تقولها صريحة

اشارت بكفها:-إشرب قهوتك قبل ما تبرد

واستطردت بذات مغزى وهي تضغط في إخراج الحروف:

-القهوة لما بتبرد بتفقد مذاقها وبتبقى زي عدمها

تبسم معجبًا بذكائها وشخصيتها القوية ليرتشف قهوته بهدوء،بادر بسؤالها:-إنتِ كنتي موجودة وقت للحادثة ماحصلت؟

تغيرت ملامح وجهها لتكتسي بالحُزن وتنهدت لتجيبه متأثرة:-أيوة،أنا نزلت في الاسانسير أنا والباشمهندس

واسترسلت بغصة في حلقها:-وكريم الله يرحمه كان معانا، خرجنا من باب الشركة مع بعض لحد ما وصلنا لعربياتنا، وحصل اللي حصل

سألها باهتمام:-يعني إنتِ شفتي الناس اللي ضربوا النار، تقدري توصفيهم؟

هزت رأسها بنفي لتقول شارحة:-اللي حصل كان مفاجأة للكل، محدش لحق يركز في حاجة، ضرب النار كان كتير جداً وصعب حد يركز في مواصفاتهم

-هستناكي بكرة في مبنى النيابة علشان تُدلي بأقوالك...نطقها ورفع كوب القهوة ليرتشف ما تبقى به، قطبت جبينها لتتحدث بإبانة:-أنا قولت كل اللي اعرفه لحضرة الظابط اللي حقق في القضية

-القضية إتحولت للنيابة وبقت تحت مسؤليتي... قالها بجدية ليسترسل بتفاخر:-وفؤاد علام مبيعتمدش على تحقيقات حد.

تنهدت بضيق ثم تحدثت مقترحة:-طب ممكن حضرتك تسألني في اللي حابب تعرفه هنا، وكدة كدة عندنا وقت

ابتسم ساخرًا ليتحدث بنبرة مقللة:-على أخر الزمن رئيس النيابة هياخد أقوال الشهود في مكاتبهم

وبلحظة تحولت ملامحه لصارمة ليستطرد بنبرة حادة:

-إنتِ بتكلمي رئيس نيابة مش عامل دليفري يا أستاذة

رفعت حاجبها الأيسر لتتحدث ساخرة:-بيتهيء لي إن جناب رئيس النيابة جاي هنا علشان ياخد أقوال أحد الشهود في مكتبه،

وضعت سبابتها بمقدمة رأسها مدعية التذكر لتستطرد بذات مغزى:-أه نسيت، حضرتك جاي لرجل الأعمال أيمن الاباصيري مالك أكبر شركة إستيراد وتصدير في البلد كلها،مش معقول هتعامل إيثار الجوهري مديرة مكتبه بنفس المعاملة


انتفض واقفًا بعدما تحولت ملامحه إلى مشتعلة مما جعلها ترتعب وتشعر أنها قد ازادتها،ليتقدم منها وكاد أن يتحدث قاطعه صوت رنين هاتف مكتبها لترد سريعًا بعدما استمعت لصوت مديرها:-حاضر يا أفندم

اغلقت واشارت نحو الباب لتتحدث بارتياب:

-الباشمهندس أيمن في إنتظارك

رمقها بنظراتٍ حارقة ليهتف بنبرة حادة:-التليفون ده رحمك من غضبي، بس بسيطة، مستنيكي بكرة في مكتبي علشان أوجب معاكي وارد لك تحيتك

رمقته بنظرات جادة وتقدمت أمامه لتهتف باحترام وهي تشير لـ أيمن:-إتفضل يا سيادة المستشار

لتسترسل بتعريف:-حضرته يبقى "فؤاد علام زين الدين "وكيل النائب العام اللي جاي ياخد أقوالك يا أفندم

تعجب من سردها لإسمه بدقة،لقد نال ذكائها وسرعة بديهتها استحسانه بجانب شخصيتها الفريدة،وقف أيمن وتحرك باتجاهه ليمد يده متحدثًا باحترام:-أهلاً وسهلاً يا فؤاد باشا، دكتور أحمد إبني كلمني وقال لي إنك سألت عليا في المستشفى

واستطرد بامتنان:-ومش عارف أشكرك إزاي إنك جيت لي لحد هنا

-ده شُغلي يا أيمن بيه وكان لازم أنجزه لأن وقتي ضيق... نطقها بعملية ليُشير أيمن إلي تلك الاريكة المتواجدة بالمنتصف:-إتفضل معاليك

نظر إلى تلك الواقفة واستطرد قائلاً:-شوفي الباشا بيشرب قهوته إزاي يا أستاذة إيثار

بإشارة من يده أوقفها ليجيبه باقتضاب:-مفيش داعي، شربت فنجان برة في مكتب الإستاذة

يظهر إن قهوتنا معجبتش الباشا...قالها أيمن بعدما رأى جمود ملامحه لينظر الاخر إلى إيثار متحدثًا بذات مغزى:-بصراحة لا، كانت باردة وملهاش طعم

استشاط داخلها لتيقنها بأنهُ يقصدها لا القهوة،ليتحدث أيمن متعجبًا:-غريبة قوي، ده مفيش حد داق قهوتنا إلا وشكر فيها، دي إيثار بتبعت تجيب البُن مخصوص من البرازيل

تحدثت باستفزاز:-القهوة أصلها أذواق يا باشمهندس

رمقها أيمن بنظرة عاتبة لتتحدث هي بانسحاب:

-أنا برة في مكتبي،لو حضرتك احتاجتني رن عليا

-خليكي معانا علشان سيادة المستشار ياخد أقوالك بالمرة...نطقها أيمن بتلقائية لتجيبه بنبرة تهكمية:

-لا ما اهو سيادته إستدعاني لمكتبه بكرة،علشان كدة هستأذن بكرة بدري ساعتين علشان ألحق ميعاد النيابة

-ميعادك الساعة 11 صباحًا يا أستاذة،إنتِ هنا اللي بتحددي مواعيد اللي يدخل لـمديرك، لكن مواعيد النيابة دي بتاعتي أنا...قالها بحنق مما أثار فضول أيمن الذي تسائل:-يظهر إنك زعلتي الباشا مننا يا إيثار

-محصلش يا أفندم،بس من الواضح إن سعادته من الشخصيات اللي بيتوتر ويتضايق من الإنتظار،وأنا مكنش في إيدي أي حاجة اعملها،وخصوصًا إن سعادته مكنش واخد ميعاد سابق... نطقت كلماتها لـ أيمن الذي تفهم حديثها ليقول وهو يحثها على الخروج:-خلاص يا إيثار،تقدري تخرجي تشوفي شُغلك

خرجت تحت انظار ذاك الذي تابعها حتى اختفت خلف الباب، ليبدأ بحديثه قائلاً بعدما نظر بعيناه للموظف وحثهُ على البدأ بتدوين التحقيق:-حضرتك قدمت بلاغ ضد المدعو "صلاح عبدالعزيز " إتهمته فيه إنه ورا محاولة الإغتيال اللي اتعرضت لها، ممكن أعرف إيه السبب ورا الإتهام ده؟

تنهد وظهر الاعياء على ملامحه ليتحدث بابانة:-صلاح عبدالعزيز جالي بيتي من كام يوم وهددني إنه هياخد تار إبنه مني

-كويس إنك فتحت الموضوع،أنا عاوزك تحكي لي قصة إبنه اللي إتقتل في فيلتك وعلى إيدك، وياريت بأدق التفاصيل... نزلت كلماته على قلب ايمن كسواطٍ لتجلده،أخذ نفسًا عميقًا ليقول بنبرة حزينة:-أنا عمري ما كنت أتخيل إني ممكن أأذي نملة، مش اقتل بني أدم، اللي حصل كان غصب عني

قطب جبينه وبات يتطلع عليه بتعمق ليسرد الاخر:

-بسام إبن صلاح عبدالعزيز كان في حفلة عيد ميلاد واحدة قريبته،لارا بنتي كانت حاضرة الحفلة بحُكم إن البنت زميلتها في الجامعة، لما بسام شافها أعجب بيها وحاول يتقرب منها ويتكلم معلها لكن لارا صدته، فضل متابعها شهور يجري وراها في كل مكان والبنت كانت بتصده بكل قوتها لأنه كان فاشل وثقيل الدم، لحد ما في يوم كان بيشرب خمور مع أصحابه وأخدوا حبوب مهلوسة،جاب واحد صاحبه وجه لحد بيتي في نص الليل ونط من على سور الفيلا من غير ما الحَرس ياخدوا بالهم

واسترسل موضحًا:-وده ظهر في كاميرات المراقبة اللي النيابة إطلعت عليها وقت التحقيقات، المهم، صاحب الولد ساعده ونقلوا سلم حديد كان الجنايني جايبه يطلع بيه على الشجر العالي علشان ينضفه،طلع على بلكونة اوضة بنتي

قاطعه فؤاد مستفسرًا:-وهو عرف أوضة بنتك منين؟!

أجابه ليقطع عنه الشك الذي ساورهُ:-"بسام" كان مجنون بحُب "لارا"،كان بيقف بعربيته بالساعات يراقب البيت ويستناها لحد ماتخرج في البلكونة علشان يشوفها

واسترسل:-أنا كنت نايم في اوضتي لما سمعت صراخ بنتي فجريت انا ومراتي علشان نشوف فيه إيه، لما دخلنا لقيناه ماسك لها مسدس وبيجبرها على إنها تنزل معاه من السلم اللي موصل للبلكونة، إتجننت لما شفت رُعب بنتي في عنيها، جريت عليها وأخدتها في حضني،وهو شد أجزاء المسدس وهددني لو مبعدتش عنها وسبتها تمشي معاه هيقتلها قدام عنيا،وفعلاً بدأ يشدها من إيدي في الوقت ده اخوها أحمد دخل وكان هيهجم عليه،من خوفي على ولادي جريت عليه وحاولت أخد منه المسدس بس هو كان عامل زي المجنون، البرشام والمخدرات اللي كان شاربها مكنتش مخلياه في وعيه، مسكت معاه المسدس وقعدنا نشد قصاد بعض انا وهو لحد ما صباعه ضغط على الزناد وخرجت منه طلقة،استقرت في كليته عملت له نزيف وكانت السبب في موته

كان يروي ما حدث منذ ثلاثة أشهر وكأنه يرى الحادث أمام عيناه، اغرورقت الدموع بمقلتيه ليستطرد وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا:

-صدقني يا سيادة المستشار أنا ماقتلتوش،والطب الشرعي أثبت إن بصمات بسام هي اللي كانت موجودة على الزيناد وقت ما الطلقة خرجت

-وطبعًا صلاح عبدالعزيز إتهمك بقتل إبنه... نطقها فؤاد ليجيبه أيمن بتأكيد:-ومن يومها وهو حالف لياخد بتارة مني، دي مش أول محاولة ليه، من حوالي شهر حاول يسممني لما قدم رشوة للشغالة اللي عندي في البيت وعطاها نوع سم تحطهولي في العصير، ولولا ستر ربنا والطباخ شاف البنت وهي بتحط السم من قزازة كانت في جيب فستانها ومسكها ونده لنا، مكناش إكتشفنا الموضوع وكان زماني مقتول على إيده

سأله مستفسرًا:-قدمت بلاغ بالواقعة دي؟

-أيوة طبعاً قدمت بلاغ اتهمته فيه بالتحريض على قتلي وسلمت البنت لقسم الشرطة واعترفت بكل حاجة، لكن صلاح انكر صلته بالموضوع وساعده في إنه يفلت منها إن الولد اللي إتفق مع البنت قال لها إنه تبع واحد بيكرهني وعاوز يخلص مني، مذكرش اسم صلاح وده اللي خلى النيابة تخرجه لعدم وجود أي أدلة قوية تدينه

إنتهى من التحقيق وخرج بعدما شكره أيمن الذي أوصله إلى الباب المؤدي لمكتب "هانيا" السكرتيرة، بات يتلفت بعيناه علهُ يرى تلك المشاكسة لكن خاب أمله،تعجب من حاله ومن التفكير بها ليهز رأسهُ ينفض منها تلك الافكار العجيبة ليتحرك مغادرًا الشركة بأكملها

*************

فتحت عينيها باتساع لتنتفض من فوق فراشها تتلفت حولها بفزعٍ بعدما استمعت لصوت جرس الباب والطرقات العالية التي صدحت لتصدر صوتًا مزعجًا افزعها من نومها،اتسعت عينيها بارتعاب وهي تنظر إلى الهاتف لتكتشف أن الساعة قد تخطت الثانية بعد منتصف الليل، نفضت الغطاء واتجهت نحو عليقة الملابس لتنتزع مأزرها الشتوي وترتديه بتلبك وهي تتحرك على عُجالة باتجاه باب المسكن لتقابلها عزة التي هتفت بارتعاب:-مين اللي بيخبط علينا كدة يا إيثار

-مش عارفة، مش عارفة... نطقتها وهي تهز رأسها بهلع لتتجه إلى الباب وتقترب منه لاصقة إحدى عينيها بفتحة الباب السحرية لتجحظ عينيها بفزع وهي ترى عمرو لتتسلل إلى مسامعها نبراته التى تخشاها وتمقتها وهو يقول بصوتٍ يبدوا عليه عدم الإتزان:-إفتحي يا إيثار،إفتحي لي الباب

شهقت لتهتف بحِدة جنونية:-إنتَ إتجننت يا عمرو، هي حصلت تجي لي الشقة وتخبط عليا الساعة إتنين بالليل؟!

زاد من طرقه الجنوني للباب وتحدث بلسانٍ ثقيل مع ترنح جسده مما جعلها تتوقع احتساءه لاحد المشروبات الكحولية:

-إفتحي الباب يا حبيبتي، أنا قلبي مولع نار وعاوز اطفيها جوة حُضنك

-يا نهارك إسود، إنتَ شارب...نطقتها بذهول ليهتف بعلو صوته:-أيوا شارب علشان أنسى رفضك ليا، إرجعي لي يا إيثار علشان أحس إني عايش

تحدثت برجاء كي تحسه على الرحيل:-إمشي يا عمرو قبل الجيران ما تصحى وتتفرج عليك وإنتَ بالشكل ده،أرجوك أنا مش ناقصة فضايح

لو مش عاوزة فضايح إفتحي وخلينا نتكلم جوة... نطقها مستغلاً خشيتها من حديث الجيران لتهتف عزة بصوتٍ مرتعب:-إوعي تفتحي له، ده الموكوس شارب ومش واعي بنفسه

-أفتح له إيه إنتِ كمان، شيفاني مجنونة قدامك...نطقت كلماتها بملامح وجه مكفهرة لتهتف محدثة ذاك الواقف خلف الباب:-إمشي حالاً علشان ما تضطرنيش أطلب لك البوليس

نطق بعنادٍ وتعنُت بجسدٍ مترنح:-إعملي اللي إنتِ عوزاه، أنا مش هتحرك من هنا قبل ما أشوفك وأتكلم معاكِ

صرخت بعدما افقدها توازنها:-والله العظيم لو ما مشيت حالاً لاتصل بالبوليس واخليهم ييجوا ياخدوك ويعملوا لك محضر تهجم ومحضر سُكر

-قولت لك إفتحي... نطقها وهو يركل الباب بقدمه بقوة ليخرج جارها المقابل متحدثًا بنبرة حادة:-فيه إيه يا أستاذ، إيه الدوشة اللي إنتَ عاملها دي، إنتَ عارف الساعة كام؟

ترنح بوقفته ليهتف بتهديدًا صريح:-أدخل وأقفل بابك عليك بدل ما اخليك تندم على عمرك

ما أن استمعت لصوت همهمات الجيران التي بدأت تعلو بعدما خرجوا من جميع الطوابق على صياح ذاك الحاد، شعرت بروحها تكادُ أن تنسحب منها لتهرول باتجاه غرفة النوم لتتبعها عزة التي تحدثت وهي تراها تخطف هاتفها الجوال من فوق الكومود استعدادًا لعمل مكالمة:

-إنتِ هتطلبي البوليس بجد يا إيثار، إحنا مش ناقصين مشاكل مع نصر البنهاوي، ده راجل شراني وقرصته بالقبر

-المشاكل هي اللي جت لحد عندنا يا عزة... نطقتها وهي تطلب رقم...



              الفصل الثالث من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات