رواية أنا لها شمس الفصل الاول 1 ج2 بقلم روز أمين

رواية أنا لها شمس

الفصل الاول 1 ج2

بقلم روز أمين

تحدث وهو يقترب من مقعده المجاور لوالده:

-صباح الخير يا باشا

أجاب بوجهٍ مقتضب كعادته يرجع لجديته في الحياة:

-صباح الخير يا سيادة المستشار

ألقي تحية الصباح على شقيقته وزوجها ليسأله علام بعدما رأي دخول" عصمت"وملامحها التي توحي بمدى غضبها:

-مالكم على الصبح، أصواتكم عالية ليه؟

-مفيش حاجة سيادتك، دي دكتورة عصمت كانت بتصبح عليا كعادتها... جملة ساخرة نطقها وهو يغرس شوكته بأحد صحون الجُبن لينقل منها بداخل صَحنه، تنهدت عصت وجلست بجواره لتبدأ بتناول طعام فطورها باقتضاب، تحدثت فريال إلى شقيقها:

-إنتَ مبقاش نافع معاك أي كلام يا فؤاد، لحد إمتى هتفضل تاعب قلوبنا معاك بالشكل ده؟

-أكلي جوزك واهتمي بيه يا حبيبتي، وياريت تصُبي كل تركيزك عليه، الرجالة بتزهق من عدم الإهتمام وبتطلع تدور عليه برة لو نقص جوة... نطق بها متعمدًا تغيير الموضوع لتهتف فريال بتذمر تشتكي لوالدها:

-شايف يا بابا كلامه

-كبري عقلك يا فريال، اخوكِ بيهزر معاكِ... هكذا أجابها والدها بتعقل لتتحدث بعناد:

-لو فاكر إن كلامك ده هيخليني أبطل أخاف على مصلحتك تبقى غلطان، وهفضل وراك لحد ما دماغك تلين وتتجوز يا فؤاد

ابتسم ليتحدث بملاطفة:

-قول لمراتك تخليها في حالها وبلاش تحشر مناخيرها في حياة غيرها يا دكتور

تحدث ماجد مبتسمًا بلباقة:

-خرجني انا من بينكم يا سيادة المستشار، إنتوا عيلة واحدة والداخل بينكم خارج

تحدث علام بصدقٍ:

-إنتَ كمان من العيلة يا ابني، من يوم ما اتجوزت فريال وأنا بعتبرك إبن تالت ليا

-متشكر يا باشا، ده شرف كبير ليا سعادتك...جملة نطق بها "ماجد" لتستكمل على حديث زوجها "عصمت"قائلة بتهكم على نجلها:

-سيادة المستشار عنده حق يا ماجد،على الأقل إنتَ مريحنا مش واجع قلوبنا زي ناس

ابتسم بجانب فمه ليرتشف أخر رشفة من فنجان الشاى وتحدث وهو يهم بالوقوف:

-أنا شايف إن انا انسحب علشان حرب الكلام بتاعة كل يوم شكلها هتبتدي، وأنا بصراحة عندي قضية مهمة ومحتاجة ذهن صافي

تحدث علام برزانة:

-أقعد كمل فطارك يا فؤاد

أمسك بمحرمة ورقية وقام بتجفيف فمه ثم أجاب والدهُ بوقار:

-أكلت الحمدلله يا باشا،لازم أتحرك حالاً علشان عندي تحقيق في قضية مهمة ولازم أجهز لها

وقبل أن يتحرك تمسكت بكفه لتتحدث بحنان:

-من إمتى وإنتَ بتروح شغلك قبل ما تشرب قهوتك؟

لتستطرد بعينين مترجيتين بعدما شعرت بأنه ينسحب بفضل ضغطهم عليه:

-أقعد كمل فطارك على ما سعاد تعمل لك القهوة

ربت فوق كفها وتحدث بابتسامة هادئة:

-صدقيني يا حبيبتي معنديش وقت للقهوة، هبقى أشربها في المكتب

نطقها وتحرك للخارج تحت شعور عصمت بالذنب لتتحدث نادمة:

-شكله زعل من كلامنا

تحدث ماجد باستحياء:

-بصراحة يا دكتورة حضرتك وفريال تقريبًا بتكلموه يومياً في موضوع الجواز وأكيد حاجة زي دي بدأت تضايقه وتخنقه

لف وجههُ لزوجته واستطرد لائمًا:

-وأنا أكتر من مرة لفت نظر فريال بإنها حتى لو هتفاتحه فميكنش قدامنا

زفرت فريال بضيق لشعورها بالندم وأيضًا والدتها التي نكست رأسها ليتحدث علام بنبرة هادئة:

- يا جماعة فؤاد عقله مش صغير علشان يزعل من كلامكم، هو أكيد عنده شغل مهم

واستطرد عاتبًا:

-بس ده ميمنعش إن ماجد عنده حق في كلامه

تنهدت عصت لتهم بالوقوف وتحدثت:

-أنا رايحة الكلية، عندي محاضرة الساعة عشرة

أنا جاي مع حضرتك... نطق بها ماجد ليقف ويقبل رأس زوجته ونجليه ثم تحركا معاً وبعدها ذهب علام لعمله وظلت فريال بمفردها بصحبة طفليها والعاملين حيث أنها لم تعمل بشهادة بكالوريوس العلوم الحاصلة عليه وفضلت المكوث بالمنزل لرعاية صغيريها والاهتمام بنفسها وزوجها وكل ما يخص عائلتها الكبيرة

_________________

بمحافظة القاهرة الكُبرى

في تمام الساعة الرابعة مساءًا

بأعلى واجهة مبنى زُجاجيًا ضخمٍ،ناطحة سحاب مثلما يطلقون عليه، توجد لافتة كبيرة كُتب عليها إسم شركة الأباصيري للأستيراد والتصدير باللون الذهبي ليدل على فخامة وعظمة الإسم وصاحبه،نتجه داخل المبني وتحديداً داخل مكتب مدير الشَركة "أيمن عزمي الأباصيري" البالغ من العُمر الخامسة والخمسون من عُمره،يبدو على هيئته الهيبة،يرتدي حلة ذات ماركة عالمية تدل على ثراءه الفاحش، تقف بجوار مقعد مكتبه شابة بعمر السابعة والعشرون،ترتدي بدلة سوداء عملية أشبه بلباس الرجال لتتناسب مع شخصيتها الجادة بنظارتها الحافظة لنظرها ليكتمل وقارها وشخصيتها الحادة التي اتخذتها نهجًا لها منذ أن قررت الإستقلال بذاتها،يعتلي رأسها حجاباً أنيقًا وبسيط

تنظر بترقُب من خلف نظارتها الطبية علي قلم مديرها الذي يتحرك بخفة فوق الأوراق المطلوب توقيعها وتُقلبها له واحدة تلو الأخرى،تحدث الرجُل بتملُل بعدما أصابهُ الضجر من كثرة عدد الأوراق:

-وبعدين يا إيثار،أنا زهقت، هو الورق ده ناوي مش يخلص النهاردة ولا إيه؟

أجابتهُ بنبرة جادة كعادتها مُنذ أن عملت معهُ قبل الثلاثة سنوات:

-مش فاضل غير ورقتين بس يا أفندم.

بالفعل وضع إمضاءه على تلك الورقتين ليقوم بارجاع ظهره الى الخلف مغمضاً عيناه كي يحصُل علي قسطٍ بسيط من الراحة قبل مغادرتهُ للشركة،أغلقت هي ملف الأوراق وأحتفظت به بيدها وبكل حرفية أمسكت باليد الأخرى الهاتف الموضوع فوق المكتب وتحدثت قائلة بنبرة صارمة:

-كريم،تعالى حالاً علي مكتب ايمن باشا علشان تاخد الشنطة

أغلقت ثم نظرت إلي أيمن لتتحدث بوقارٍ واحترام:

-أي أوامر تانية يا أفندم؟

أجابها بوجهٍ بدا عليه الإرهاق:

-متشكر يا إيثار،تقدري تروحي لمكتبك علشان تجهزي نفسك وتروحي

أومأت له لتتحدث برصانة وهي تتأهب للإنسحاب خارج حُجرة المكتب:

-بعد إذن حضرتك

استدارت وتحركت صوب الباب ليوقفها صوتها الهاديء:

-أخبار يوسف إيه يا إيثار؟

إستدارت لتجيبهُ بابتسامة خافتة:

-بخير يا أفندم الحمدلله

سألها باهتمام:

-اللي اسمه عمرو ده لسة بيضايقك؟

تنفست بهدوء لتجيبه بملامح وجه مبهمة:

-أخر مرة شوفته فيها كان من إسبوعين،لقيته مستنيني تحت العمارة وأنا راجعة من الشغل، هددته لو ما ممشيش هتصل بالبوليس ومن وقتها مشفتوش تاني

لتكمل بنبرة بائسة:

-للأسف، مش مبطل إسلوب الضغط عليا بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة

اجابها وهو يحمل أشياءه الخاصة:

-منصب أبوه مقوي قلبه،لو اتعرض لك تاني واتجنن وجالك إتصلي بيا وانا هعرف اتصرف معاه،الاشكال اللي زي دي محتاجة تتعامل بشدة علشان تحترم نفسها

تنهدت بأسى وهي تومي برأسها بموافقة ثم تحركت للخارج ولملمت أشيائها وقامت بوضعها داخل حقيبة يدها،صدح صوت جوالها لترفعه لمستوى عينيها وما ان رأت نقش اسم المتصلة حتى زفرت بقوة واكفهرت ملامح وجهها بامتعاض،تجاهلت الرنين لتخفيه بداخل حقيبتها،تحرك إليها كريم ذاك الشاب العشريني الذي تعين سائقًا لصاحب الشركة منذ ما يقارب من العام وقد حظي بثقة إيثار به وهذا ما جعل الجميع يتعجب حتى إيثار بذاتها استغربت لكونها رسمت الجمود فوق ملامحها وارتدت شخصية جدية لتضع حدودًا بينها وبين الجميع لم يستطع أحدهم تخطيها،لكنها سمحت لذاك الكريم بكسرها ربما لظروفهُ التي تشبهها حيث تخلى عنه جميع اهله ليشق طريقه ويفحر بالصخر كي يستطيع العيش بكرامة،مثلما فعلت تمامًا،تحرك صوبها ليتحدث بابتسامتهُ البشوشة كعادته:

-أزيك يا استاذة إيثار

بهدوء أجابت:

-الحمدلله يا كريم، أخبارك وأخبار خطيبتك إيه، لسة محددتوش ميعاد الفرح؟

تحدث بنبرة حماسية:

-قريب إن شاءالله، فاضل لنا الغسالة والبوتجاز وكدة الشقة ميبقاش ناقصها حاجة.

بابتسامة خافتة تحدثت:

-لو ده اللي معطلك تقدر تحدد ميعاد الفرح مع حماك، ولو على الغسالة والبوتجاز إعتبرهم جم، خد أماني بكرة وانزل أشتريهم وخلي صاحب المحل يبعت الفاتورة على مكتبي

-بس ده كتير قوي يا استاذة،مش كفاية ساعدتيني في أوضة السُفرة... نطقها باستحياء وخجل لتتحدث في محاولة منها للتخفيف عنه:

-إبقى ردها لي في جوازة يوسف يا سيدي.

ربنا يفرحك بيه... نطقها لتهتف بنبرة جادة:

-بسرعة روح للباشا زمانه جهز.

حمل كريم الحقيبة الجلدية الخاصة برئيسه وتحركا لتتحرك هي الاخرى خلف سيدها بالعمل حتي وصلا إلي المصعد الكهربائي لينزلا للطابق الأسفل ومنهُ إلي خارج المبني بصحبة كريم،تحرك أيمن في طريقهُ لسيارته الفارهة،واتجهت هي نحو سيارتها المتواضعة كي تستقلها لتعود إلي منزلها، وقبل أن تقوم بوضع ساقها داخلها إلتفتت لتنتظر مديرها كي يتحرك أولاً لتجحظ عينيها فور رؤيتها لظهور مُقنعان يستقلان دراجة بخارية الأول يقودها بهدوء والأخر أخرج رشاشاً وقام بتفريغ محتوياتهُ من الطلقات الرصاصية بعشوائية متفرقة مما أحدث فوضي داخل المكان وباتت أصوات الصرخات المستنجدة تتعالي

جحظت عينيها بعدما لاحظت أحد المهاجمين وهو يضغط على زيناد سلاحه الناري لتنطلق إحدى الرصاصات من فوهة السلاح بسرعة فائقة وتستقر بموضع قلب ذاك الذي وقف امام سيدهُ ليتلقى الرصاصة بدلاً عنه وكأنهُ جندي يدافع عن وطنهُ بكل بسالة ،إهتز بدنها بالكامل لتفتح فاهها بذهول بعدما رأت ذاك الخلوق مُلقى على الأرض غارقًا وسط بركة من دمائه البريئة التي سالت بدون ذنب،لتصرخ بكامل صوتها ناطقتًا باسمه وهي تنطلق إلى موضع رقوده:-كرررررريم

هرول رجال الحراسة التابعة للشركة إلى أيمن كي يؤمنوه من أية محاولاتٍ لاعتداءاتٍ أخرى محتملة وقاموا بإحاطته جيدًا كسياجٍ بحيث لا يُخترق حتى من نملةٍ ثم أنزلوه ليحتمي خلف السيارة ،بطريقةٍ تلقائية وضع أيمن كفي يديه فوق رأسه ليحتمي من تلك الطلقات المتراشقة بين رجال الحراسة التابعين له وبين هؤلاء المُقنعين الذين خرجوا من العدم،من يستمع لصوت الطلقات يعتقد أن حربًا شرسة وقعت للتو، أما هي فلن تكترث لتلك الطلقات وبشجاعةٍ تُحسد عليها هرولت لذاك المسكين وباتت تتفحصهُ بعينيها لتهتف متلهفة:-رد عليا يا كريم،رد عليا ارجوك

تأملت أن يُطمئنها ولو بكلمة بسيطة منه ولكنها صُعقت بعدما تحدث أحد الرجال الذي تشجع وإنضم إليها كي يفحص ذاك الكريم متجاهلاً تراشق الطلقات التي قد تصيبهُ:-لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم،النفس إنقطع،الظاهر إن الطلقة جت له في مقتل

هزت رأسها بعدم تصديق وهى تنظر إليه لتهتف بذهولٍ:

-إنتَ بتقول ايه، اكيد ما متش، ده كان لسة بيكلمني وإحنا فوق، مستحيل

لتصرخ في محاولة بائسة منها علهُ يستفيق وينتبه لصرخاتها:

- كررررريم

وبرغم رُعب أيمن مما حدث معهُ للتو من محاولة إغتيال دنيئة إلا أنهُ نظر إلي تلك الصارخة بعدما انتبه لصرخاتها المتوالية ليتحدث بأمرٍ إلى بعض رجاله المحاطين له بعدما انتهى صوت إطلاق الرصاص وتيقن من هروب المعتدين بعدما فشلوا في إتمام مهمتهم:-روحوا لـ إيثار وأحموها وهاتوها لعندي حالاً، وحد فيكم يتصل بالشُرطة ويبلغها بالهجوم اللي حصلنطق كلماته قبل أن يفرد قامتهُ معتدلاً ليتحرك سريعًا لداخل مقر الشركة وحولهُ حائطًا بشريًا مكون من رجال الأمن الشخصي ذوات الأجساد الضخمة يتحركوا بحذرٍ وهم يحملون اسلحتهم المشهرة لمواجهة أي هجومٍ أخر

هرول رجلين إليها ليتحدث أحدهم وهو يتلفت حولهُ بعينين كالصقر حاملاً سلاحهُ بوضع الإستعداد:-إتفضلي معانا جوة الشركة لحد ما ننشط المكان ونأمنه يا افندم

إتصل بالإسعاف بسرعة، كريم بيموت... كانت تلك كلماتها المتوسلة لذاك الشخص قبل أن يتحدث الشخص الأول مرةً أخرى:-للاسف يا أستاذة،كريم مات خلاص

ليُكمل بعينين أسفتين:-البقية في حياتك

اتسعت عينيها وهي تنظر إليه لتهتف بقلبٍ صارخ متألم لأجل ذاك الخلوق:-إسكت حرام عليك، أكيد لسة عايش، الدكاترة أكيد هيسعفوه وهيبقى كويس

بسط أحد رجال الحراسة يدهُ وتحدث إليها باقتضاب وهو يجذبها من كف يدها:-اتفضلي معايا يا أستاذة إيثار، الباشا مستنيكِ جوة وميصحش نتأخر عليه

رمقتهُ بحِدة وبطريقة عنيفة نفضت يده بعيدًا لتهتف حانقة:

-أنا مش هتحرك من هنا قبل الإسعاف ماتيجي.

-الباشا أمر إنك لازم تدخلي حالاً، فأحسن لك تسمعي الكلام وتقومي معايا وما تضطرنيش اتعامل معاكِ بالقوة...هكذا تحدث أحد الشخصين بحِدة وفظاظة وهو يجذبها من رسغها قبل أن تدفعهُ بعيدًا عنها نافضة يدها من لمسته لتنظر إليه بعينين حادتين كنظرات الصقر وهى تهتف بسُبابٍ:

-إبعد إيدك عني يا حيوان

كاد أن يقترب ويجذبها مرةً أخرى ليتحرك بها إلى الداخل عنوةً عنها لولا صديقه الذي اقترب منه وجذبهُ ليبتعدا قليلاً ثم هتف ناهرًا إياه بحدة:

-إنتَ إتجننت يا بني أدم، إيه اللي بتهببه ده؟

ليستطرد بتنبيهٍ:

-إنتَ عارف ايمن باشا لو عرف إنك ضايقتها هيعمل فيك إيه، ده مش بعيد يدفنك مكانك وإنتَ واقف

ليه يعني، تبقى مين بسلامتها...هكذا تحدث متذمرًا وذلك لحداثة تعيينه ليهتف الأخر بإعلامٍ:

-تبقى إيثار غانم الجوهري يا غبي.

ليستكمل بإبانة:-مديرة مكتبه واللي مبيتحركش خطوة من غيرها،كل خبايا الشركة في عبها ومفيش صغيرة ولا كبيرة بتحصل إلا بعلمها

اشار الرجل بكفه ليتحدث مستنكرًا:-طظ،إيه يعني مديرة مكتبه،ده أنا قولت بنته ولا قريبته من تفخيمك فيها

هز الاخر رأسه باستسلام وبصعوبة اصطحباها الرجلان للداخل تحت اعتراضها بالأول لكنهما أخذا الأوامر بإحضارها ولابد من التنفيذ،ولجت بدموعها وانهيارها لتجد أيمن يجلس فوق مقعدًا مُلقي برأسهُ للخلف ويبدوا من مظهره أن نوبة فرط ضغط الدم ستهاجمه من جديد حيث كان يتنفس بصعوبة واضعًا كف يدهُ فوق صدره ويقوم بتدليكهُ بوجهٍ شاحب، وبرغم ما تعانيه من تمزق للروح وتيهة بسبب فقدانها لذاك الخلوق إلا أنها استعادت لمهنيتها وهرولت إليه وهي تتفحصه بهلعٍ ظهر بعينيها:-مالك يا أيمن بيه، إنتَ تعبان

ليجيبها بانفاسٍ متقطعة:-إتصلي لي بـ أحمد بسرعة يا إيثار

على عجالة هتفت وهي تبحث بحقيبة يدها التي أحضرها أحد الرجال حيث كانت ملقاه بجوار سيارتها بالخارج:

-هكلمه حالاً يا أفندم، بس حاول تتنفس بانتظام وتهدى

بالفعل هاتفت أحمد الإبن الأكبر لـ أيمن والذي يمتلك مشفى إستثماري كبير قد أعدها لهُ أبيه ليمارس بها مهنة الطب الذي درسهُ بالخارج،بسرعة البرق حضرت قوة من رجال الداخلية وانتشر رجالها محاوطين سياج الشركة وحضر أحمد بسيارة إسعاف مجهزة طبيًا بعدما اخبرته إيثار وعلم أنها حالة ضغط الدم التي تهاجم والده عندما يتعرض لحالة من الصدمة أو الحزن الشديد، تحرك الشرطي إلى أيمن المتواجد بعربة الإسعاف يتلقى الإسعافات الأولية وتحدث بوقار:

-حمدالله على سلامتك يا أيمن بيه

-الله يسلمك يا حضرة الظابط.. ليتحدث الضابط من جديد:

-حضرتك بتتهم حد بالهجوم المسلح؟

تذكر ذاك الرجل الذي حضر ليقوم بتهديده وهاجمه في عُقْر داره ولم يخشى رجال الحراسة المسلحين، نظر له ليجيبه:

-مفيش غيره،"صلاح عبدالعزيز"، هو اللي هددني من يومين لما اتهجم عليا في قلب بيتي وكان موقف رجالته بالسلاح بره

سألهُ الضابط:-عملت محضر بالواقعة دي؟

هز رأسه باعياء ظهر على ملامحه:-محبتش اكبر الموضوع، قولت راجل موجوع على إبنه وجاي يفش غله بكلمتين فارغين، بس متوقعتش إنه هيطلع مجنون زي إبنه وينفذ تهديده

لاحظ أحمد شحوب وجه والده فهتف بشدة:-لو سمحت يا افندم، يا ريت تأجل التحقيق لوقت تاني لأن زي ما حضرتك شايف، والدي تعبان ولازم يتنقل المستشفى حالاً قبل ما حالته تتأثر وتسوء

اومأ الشرطي وانتقل للشهود في حين تساءل أحمد بنبرة لائمة:-ليه مبلغتنيش إن صلاح عبدالعزيز جه هددك في البيت؟

ليستطرد لائمًا على زوجته بجبينٍ مُقطب:

-وازاي "سالي" متقوليش على حاجة زي دي؟!

بنبراتٍ متقطعة نتيجة حالة الاعياء تحدث بضعفٍ:

-محبتش اشغلك يا ابني،كفاية عليك شغل المستشفى اللي واخد كل وقتك

ليستطرد بإبانة:-وانا اللي قولت لمراتك بلاش تبلغك علشان متقلقش

-ريح نفسك ومتتكلمش يا بابا، إحنا لازم نتحرك حالاً... نطقها وهو ينظر للضجيج من حولة أنوارًا ساطعة لسيارات الشرطة التي انتشرت بالمكان وفريق من النيابة العامة التي حضرت لتعاين جثة كريم، وتلك المسكينة التي تقف تتابع بدموعٍ منهمرة ذاك البريء الملقى أرضًا غارقًا بدمائه الطاهرة، لقد دفع حياته ثمنًا وهو يحمي رب عمله،مشهد درامي يدمي القلوب وتقشعر له الأبدان، أشار للضابط ليفسح لسيارة الإسعاف كي تتحرك بوالده الذي وما أن رأى الضابط يقترب من إيثار ورأى إنهيارها حتى تحدث وهو يشير لنجله:

-روح لحضرة الظابط وخليه يأجل استجواب إيثار معايا لبكرة هنا في الشركة، وخلي حد من رجالتنا يتابع موضوع كريم ويفضل مع جثته لحد ما يطلع له تصريح الدفن

ليستطرد بتأثر وصوتٍ متقطع:

-الولد ملوش حد في الدنيا غير خطيبته واهلها

بالفعل تحرك الشاب للضابط وقص ما املاه عليه والده ليقتنع الضابط بحديثه بعدما رأى ارتعاشة جسد تلك المرعوبة ليسألها أحمد عن حالها:

-إنتِ كويسة؟

هزت رأسها بإيماءة لتتطاير دمعاتها ليسألها متأثرًا بحالتها:

-هتقدري تسوقي ولا اخلي حد من الحرس يوصلك؟

هسوق بنفسي، اتفضل حضرتك خد الباشا على المستشفى وياريت تبقى تطمني عليه... اومى لها وتحرك بأبيه على المشفى، ألقت نظرة وداع على صديقها لتخرج منها إبتسامة مريرة وهي تحدث حالها وكأنها ترثي روحه:

-يا لحظك التعيس أيها الرفيق، ماذا فعلت يا صديقي لكي تجني كل هذا البؤس من الحياة،لقد تلقيت صفعتك الاولى عندما ترككَ أباكَ وانتقل للحياة الأبدية بينما لاتزال جنينًا بأحشاء والدتك،وقبل أن تتم عامك الثاني ابتعدت الاخرى بعدما تقدم لخطبتها ثري عربيًا وكان شرطه الأول هو التخلي عنك حتى يحظى بكل اهتمام تلك فائقة الجمال له،لتوافق في الحال وتترككَ في رعاية جدتك لأبيك،هذه السيدة المسنة التي غمرتك بحنانها الفياض كتعويضًا عن التي اختارت أن تعيش لأجل حالها ودلالها وتنعمها بثروة زوجها وفقط،حتى أنها لم تطرأ برأسها فكرة النزول إلى مصر منذ أن غادرتها وهي عروس لتطمئن على صغيرها،وما أن وصلت لسن السادسة حتى تركتك تلك العجوز لتضل بجسدك النحيل بلا عون،بلا سند،لتتلقى لطمتك الكُبرى من الحياة،إجتمع بعضًا من الجيران وتناقشوا بامرك حتى وصلوا إلى حلاً،وهو ان يضعوك داخل "الْمَيْتَم"دار لإيواء الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، ترعرعت بداخله حتى أصبحت شابًا واتممت دراستك الجامعية لتخرج للحياة من جديد لتشق طريقك وتلتقي بحب العمر ويتم الإرتباط بشكلٍ رسمي إلى أن وصلت إلى هنا، جثة هامدة،يبدوا أن الله قد احبك كثيرًا لذا أراد أن يحمي روحك الطاهرة قبل أن تتدنس في خطايا الحياة

ابتسمت بدموعها المنسدلة لتحدث حالها بصوت باكٍ يملؤه القهر وهي تُلقي على جثمانه نظرتها الاخيرة:

-وداعًا يا صديقي الصغير،فلتتنعم روحك الطاهرة في الفردوس الأعلى،سلامًا لروحك النقية وإلى أن نلتقي....


              الفصل الثاني من هنا 

   

تعليقات