رواية بك أحيا/الحصان والبيدق الفصل العشرون 20 والواحد والعشرون 21 الجزء الثاني بقلم ناهد خالد


رواية بك أحيا/الحصان والبيدق
الفصل العشرون 20 والواحد والعشرون 21 الجزء الثاني
بقلم ناهد خالد

 اجري أنا بقى🏃💃
 " لمن الغلبة؟" 

" ندًا لند، كلاً منهما لديهِ سرًا يدين بهِ الآخر، فيا ترى لِمن الغلبة!؟ من سينفش ريشه كالطاووس ومن سيدفن رأسه كالنعامة!؟"

فاقت من شروها على يد "باهر" يحركها وهو يقول:

_ روحتي فين؟

نظرت له مبتسمة بحزن جم، وقالت بنبرة ألم:

_ روحت لاخوك.

تنهيدة حارة صدرت منه، ونظر لها بيأس مستنكرًا:

_ بردو؟ لسه مُصرة تشغلي بالك بيه؟ 

حركت رأسها باستسلام وخزي وهي تجيبه:

_ لو كان بيدي كنت نزعته من جلبي وعجلي نزع، بس أنت خابر زين، الموضوع خارج ارادتي. 

صمت، وشعر بها، فكيف يلومها وهو الآخر على نفس حالها، رغم انه من أراد وقرر البعد، لكنه لم يستطع أن يجبر عقله على الترك... 

ومن منا يتحكم في عقله؟ فيما يفكر وفيما لا يفكر بهِ؟ وياليتنا نستطيع، لرحمنا أنفسنا من افكار سامة، وذكريات مُرهقة، وأشخاص لا يستحقون أن يمروا بعقلنا حتى، وإناس أُغلقت حكايتهم ووُضعت نقطة النهاية فلا فائدة من تذكرهم سوى جلب الوجع والحزن.. 

_ ربنا يهون يا فريال، بس صدقيني إبراهيم أقل من أنه يشغل تفكيرك. 

ابتسمت بألم وتجمعت الدموع في عينيها وهي تخبره بمكنونات صدرها:

_ هو اللي طلجني يا باهر... بعد كل اللي سواه فيا، هو اللي يجولها وبكيفه، كان المفروض انا اللي اطلبها، والمفروض بردك اني ارتاح بعد ماجالها، بس انا مش مرتاحه واصل، جلبي ممرتاحش وجايد نار، ومخبراش السبب، عشان هو اللي رماني!؟ ولا عشان جلبي ماريدش البعد من أصله؟

_ مش هتفرق. 

قالها بهدوء تام، وأكمل بنفس الهدوء والاقتناع:

_ لو عشان هو اللي طلق فده هتعملي فيه ايه، هترجعي بالزمن عشان تطلبي أنتِ الطلاق؟ 

ابتسمت ساخرة وهي تقول:

_ لا هرجع بالزمن عشان اعدل حاجة تانية...

ورجعت بذاكرتها لذاك اليوم مجددًا... 

حين هدرت "رباح" بدون قصد ولم تكن تعرف أن الأمر سينقلب عليهما:

_ تطلجها! عشان ربع بيت ونص مصنع يا نتن! طب ماهياش متنزلالك عن حاجة، واعلى ما في خيلك اركبه. 

أدركت هي ما سيؤول إليه الأمر، فهو لن يتمسك بها، بل سيلقيها على مصرع ذرعيهِ دون أن يهتم أو يتردد حتى! فهمست بصوت مسموع.. همست برعب وذعر حتى أن صوتها يخرج بالكاد:

_ لاه.. بلاش يا ابراهيم.. دي لحظة شيطان بلاش تخرب بيتنا.. 

وهذه الجملة تحديدًا ما تندم عليها، ليتها لم تتحدث في تلك اللحظة، ليتها خرست واطبقت شفتيها عنوة كي لا تبوح بما يهين كرامتها أكثر.. لو رجعت بالزمن إما ستصمت، إما ستثور هي الأخرى وتخبره أن يفعل، يطلقها وينتهي الأمر السخيف هذا برمته.... 

نظر لها بملامح قاسية، كما كان دومًا، وبنبرة جافة:

_ أنتِ طالج.. 

وذهب فورًا من أمامهما تحت صراخ والدته التي لم تتوقع أن يفعلها وهي تلحق بهِ لترده عما فعله، وانخرطها هي في بكاء عنيف، قاسٍ، كقسوة نظراته منذ قليل.... 

~عودة~

تنهدت بقوة وهي تقنع ذاتها قبل أن يكون حديثها موجه للجالس جوارها:

_ هنسى.. كل حاجة بتتنسي يا باهر، خصوصًا الشين "الوحش".. بس شوية وجت "وقت"...

_ بس الحلو عمره ما يتنسي يا فريال، مينساش الحلو إلا قليل الأصل..

نظرت له تساله بحزن عليهِ:

_ ليه طلجت مرتك؟ أنتَ كان باين عليك إنك بتحبها جوي..!!

ضحك باصطناع أدركته:

_ أصل الحلو مبيكملش.. يعني لا حلو نافع، ولا وحش نافع.

دعت له بصدق:

_ ربنا يهدي سركوا يا باهر، وكل حاجة ترجع أحسن من الأول..

وعلى ذِكر سرهما! رآها... جميلة كالعادة، تأتي من بعيد متألقة في ثوب نهاري يناسب اجواء الحفل، بلونه الزهري الفاتح، ليتلائم مع مياة البحر تمامًا، وشعرها يتراقص بفعل الهواء، تمسك في ذراع والدها المجاور لها، وهي تنظر هنا وهناك حتى وقعت عيناها عليهِ حين أصبحت على مقربة أكثر منه...

ضُرب قلبها بعنف دقاته حين ابصرته، كانت متأكده انها ستراه هنا ولكن للفعل وقع آخر، سمعت والدها يخبرها:

_ باهر اهو يا ستي.. تعالي يلا نروحله.

وللأسف والدها لا يعرف بشأن طلاقهما بعد..

نهض حين اقبلا عليهِ واستغرب ابتسامة والدها وترحيبه بهِ، ثم أردف يقول:

_ استلم يا سيدي مراتك، أنا عاوز افهم يعني مجبتهاش معاك من امبارح ليه، لازم تبهدلوني وراكوا؟

نظر لها على الفور باستغراب وقد شعر بحيرة واضطراب، انقذته وهي تقول لوالدها:

_ يا دادي قولتلك، هو امبارح كان مستعجل وأنا في ترتيبات بحب اعملها قبل أي مناسبة ما بالك بقى أنها في بلد تانية، هو بالنسباله يلا على الغردقة يبقى اخد فستاني اللي هلبسه على كتفي ونجري، لكن انا مش كده عندي ترتيبات... بعدين سبني اسلم على القمر دي بقى..

قالتها وهي تقبل على "فريال" بابتسامة مرحبة، فقابلتها الأخرى بمثلها، وتعانقا مرحبان ببعضهما، ثم اتجهت تصافح وتعانق "رباح" بحب مماثل، فهي تعلم أن باهر يحب هذه السيدة، ثم التفت على صوت والدها بعدما حياهما بهدوء يقول:

_ طيب، هروح انا بقى يمكن الاقي حد من رجال الأعمال اللي اعرفهم هنا، اسلي وقتي...

_ متقلقش يا عمي هتلاقيهم كلهم، ده مراد باشا فرحه ولا فرح سفير تانزانيا..

_ اشمعنا تانزانيا؟

ضحك بخفه يجيبه:

_ اهي اللي جت على لساني..

بادله "نبيل" الضحك وهو يقول:

_ ماشي، يلا استأذنكوا أنا..

_ اتفضل.. 

قالها الجميع لينصرف هو بعيدًا عنهم، ويلتف "باهر" ل "جاسمين" بتوتر بالغ، وقلب يدق كطبول الحرب، لم يتحدث فقط نظر لها بصمت، لتقول هي بسخرية:

_ محبتش اعرفهم دلوقتي... كده كده هقولهم مش باقية عليك اوي يعني.. بس مش دلوقتي .. 

استمعت لصوت "رباح" تقول:

_ جاسمين يا حبيبتي، ما تستهدوا بالله يا بتي وتجعدوا تسووا اموركوا مع بعض، يمكن ربنا يهدي الأحوال. 

التفت لها بأعين تلمع في مقلتيها:

_ انا مش محتاجه اهدى، مش انا اللي المفروض اقعد واتكلم يا طنط، مش أنا اللي نهيت عشان أنا اللي أصلح. 

نظرت "رباح" لباهر وكادت أن تحدثه، لكنه هز رأسه نافيًا من خلف "جاسمين" لتصمت "رباح" فجأة مدركة عدم رغبته في فتح الحديث في الموضوع.. 

ابتسمت ساخرة ومتوجعة وهي تدرك أن رباح حصلت على إشارة منه للصمت، فاتجهت لمقعد مجاور ل "فريال" تجلس فوقه وهي تقول بضجر وكبرياء:

_ لولا معزة خديجة عمري ما كنت جيت أصلاً، مش ناقصة سدة نفس. 

لكزتها "فريال" برفق من أسفل الطاولة لتصمت، لكنها تحدثت باصرار:

_ ايه بتنغزيني ليه؟ بلاش اقول اللي في نفسي كمان؟! 

أتاها الرد منه وهو يقول بهدوء:

_ سبيها يا فريال تقول اللي عوزاه. 

اغتاظت واشتعلت من بروده كما تراه، فنظرت له بشرار نظراتها:

_ تصدق بالله أنتَ ما عندك دم.. 

وجملتها كانت صادمة للجميع، بما فيهِ هو لكنه اكتف بامتصاص غضبها يقول:

_ اللي تشوفيه. 

وهل امتصه؟ بل اشعله أكثر لكنها كتمته بداخلها و هي تشيح بوجهها بعيدًا كي لا تفتعل شِجار في وسط الحفل المكتظ بوسائل التواصل سواء كان صحافة أو إعلام أو حتى ما يهتمون بمواقع التواصل الاجتماعي.... 

ابتسم بخفه وهو يراها تكتم غيظها وغضبها بصعوبه حتى أن وجهها قد اكتسب لون احمر جراء هذا.

______________

في غرفة العروس..... 

رن هاتفها برقم غريب، لتتجه له تلتقطه تطالع الرقم باستغراب.. فتحت الخط بهدوء لتسمع صوته يقول:

_ نصيحة مني تسيبي الفرح وتخفي.. عشان اللي هيحصل بعد كده مش هيعجبك... 

قطبت ما بين حاجبيها بخوف وقلق وهي تسأل:

_ مين معايا!؟ 

_ حسن وهدان. 

بكل عنجهيه ولامبالاة عرف نفسه، ليرتجف جسدها وتجلس فوق الفراش بصعوبة وهي تسمع لحديثه المهدد لها:

_ الجوازه مش هتتم.. بس قولت اديكي فرصة أخيرة تهربي فيها بنفسك عشان لو اتدخلت هتتأذي.. 

أيهددها؟ هذا أول ما جاء بخاطرها، وثانيًا لا يجب لها أن تسمح لأحد أيًا كان أن يضع إصبعها تحت ضرسه، أو أن يشعرها بأنه لديهِ ما يدينها، هذا ما أخبرها بهِ مراد منذُ أيام... وهي لن تفعل كما في الماضي، لن تهرب، ولن تعطي له الفرصة بأن يتحكم في حياتها مره ثانية، لذا هَدأت من نفسها وجلست فوق الكرسي ثانيًة بارتخاء، وهي تسأله بنبرة حاولت جعلها ماكره، قدر المستطاع كي تُظهر أنها لا يُستهان بها.. 

_لو فكرت تهددني تاني هقول اللي عندي ووقتها أنتَ اللي هتنضر مش أنا.

استمعت لنبرته الساخرة وهو يقول:

_ بقى أنتِ هتضريني أنا، مبقاش غير حتة بت زيك اللي تهددني، ده أنا امحيكي من على وش الدنيا يا بت أنتِ.

جلست على كرسيها ترجع بظهرها للوراء تجيب بدورها بهدوء تام:

_ قولي يا حسن بيه، لو مراد عرف إنك السبب في هروبي زمان تفتكر ممكن يعمل ايه؟

وعلى عكس ما توقعت تمامًا، فقد توقعت انه سيبدأ بالتراجع في حديثه، ستشعر بالتوتر في نبرته، كما اخبرها مراد!!! ولكن اتسعت عيناها ذهولاً حين صدحت ضحكاته عاليه عبر الهاتف، وبعد ثواني كان يقول بهدوء وبال رائق:

_بتهدديني! وانتِ فاكره إن ده تهديد! لو أنتِ عندك حاجه فاكره إنك تقدري تهدديني بيها، فأنا عندي الأجمد.. تحبي تسمعي؟.. 

صمتت وتعالى تنفسها بتوتر، سرعان ما تحولت ملامحها، شحب وجهها، وضاق تنفسها، وبعد ثواني كانت تقول بهمس خرج بالكاد:

_أن... أنتَ.. أنتَ عرفت ازاي؟؟ 

وهي من خرج صوتها مهزوزًا وبان التوتر في نبرتها وبدأت تتراجع في حديثها... كما أخبرها "مراد"..!! 

ليجيبها الآخر بغرور وانتصار:

_ أنا ما فيش حاجه في الدنيا بتخفى عني، يعني اعتقد أنتِ بقيتِ متأكده من ده لما عرفت سر ما حدش يعرفه غير أنتِ والباقيين الله يرحمهم.. 

لقد انهالت صخرة الواقع فوق رأسها، وما عليها الآن سوى المسايسة ومحاولة الوصول لنتيجة ترضيها، فقالت بلجلجة واضحة:

_ على فكرة أنا.. أنا لو سبت الفرح ومشيت، هـ.. هتحصل مشكلة والناس هتتكلم والصحافة اللي بره دي.. بعدين.. كله فاكر إني بنت خاله، فليه اهرب واسيب الفرح.. إلا لو عرفت حاجه عن العريس أو ميت مبرر تاني الصحافة هتكتب عنه. 

_________________

وصلا لمكان حفل الزفاف... 

ليترجل من سيارته معدلاً من سترة بدلته بحنق واضح، ونظر للباب الآخر الذي ترجلت هي منه، ومعها صغيرهما تعدل ثيابه وتحثه على السير.. 

تجاورا بعد أن تجاوزا السيارة ليزفر باختناق، فغمغمت وهي تسير بأناقة تليق بها كسيدة أعمال الآن:

_  بطل تنفخ، وترتني طول الطريق واتخنقت انا كمان. 

عقب ساخرًا:

_ وتتخنقي ليه؟ ده حتى أنتِ عامله اللي في مزاجك وجاية فرح صاحبتك. 

_ عشان لما حد جنبك يكون مضايق عدوى الضيقة هتتنقلك تلقائي، مسمعتش عن الموضوع ده قبل كده؟! 

_ مش عاوز اسمع. 

رددها بعصبية لتقف وتوقف صغيرها الممسكة بيده والذي ارتدى بدله أنيقة كوالده، وقالت بينما تنظر له بحده:

_ طب أنتَ عندك معلومه إن أنا ما غصبتكش تيجي معايا، قلتلك كفايه تبعت معايا عربيه بالسواق، أنتَ اللي أصريت تيجي، وطول الطريق عمال تقولي أنا جاي فرح واحد ما بحبوش وما فيش بينا ود وجاي غصب عنك طب ليه كل ده؟! 

اجابها ببساطة:

_ اكيد مش هسيبك تيجي فرح في بلد تانيه وطريق سفر، وفرح كبير زي ده هيبقى ناس كتير  لوحدك. 

عادت تكمل سيرها وهي تقول بهدوء:

_ خلاص يبقى ما تنكدش عليا اليوم، مش كل شويه لازم تفكرني انك جاي غصب عنك. 

سارت لبعض مسافه ثم احست بشعور بالضيق فتوقفت فجأه وهي تخبره:

_ أنا عاوزه... عاوزه الحمام ضروري. 

سألها قاطبًا ما بين حاجبيه:

- أنتِ تعبانه يعني ولا عادي؟ 

هزت راسها بهدوء:

_ عايزه بس اظبط الميكاب.. 

_ تمام... 

_________________

 سارَ بين رواد الحفل وعيناه تطوف على هنا وهناك منبهراً بتصاميم الحفل الخاصه جداً، لتليق بحفل كبير كهذا والجميع على قدم وساق كي لا ينقص الحفل شيئًا، وكاميرات المصورين اتخذت اماكنها لتصبح جاهزه لاستقبال العروسين لحظة ظهورهما،  ظل يتجول لبعض الوقت حتى وقعت عيناه على ما جعله يتوقف لثانيه قبل أن يقترب من نقطة ما بعينيها، وخاصًة تجاه شخص ما، وفجأه كان يقول وقد وقف خلف الشخص تمامًا:

_ حسن..! 

التف المذكور خلفه ليرى "نبيل" يقف امامه فقال بهدوء تام وملامح عاديه، باردة، لم يظهر عليها اي اندهاش:

_ أهلاً يا نبيل... 

نظر له نبيل معاتبًا وهو يقول:

_ توقعت انك على الأقل هتبعتلي دعوة فرح ابنك، ولا احنا بقينا غرب للدرجادي.. 

قلب عينيهِ بملل ويبدو أن الحديث لا يروقه، ثم قال:

_ انشغلت في ترتيبات الحفله ونسيت.. بعدين انا شايفك جاي من غير عزومه! يعني ما كنتش مستني الدعوه... 

حرك رأسه غير راضيًا عن إجابه شقيقه ثم قال:

_ الحقيقه انا مش جاي عشان احضر الحفله، أنا جاي لسببين، أولاً عشان بنتي جايه تحضر الحفله لأن العروسة صاحبتها، غير إن جوزها قريب العروسة، والسبب الثاني عشان عاوزك في موضوع كلمتك فيه 100 مره بس النهارده مختلف.... 

رفع حاجبيهِ بضيق وهو يهمهم:

_ يبقى موضوع أمك.. 

_ أمنا... 

قالها "نبيل" بحده وقد طفح بهِ الكيل، وأكمل بنفس حدته:

_ أمنا اللي خلاص في أواخر أيامها، واللي بقالي اكتر من سنتين بقولك تعالى زورها، لا عاوز تيجي تزورها ولا عاوزني اعرفها إني عارف مكانك، للدرجادي قلبك قاسي عليها!! أنتَ بتعمل فيها كده ليه؟؟ 

نظر له بضيق واردف:

 _ أنتَ شايف أن ده وقته؟ في فرح ابني جاي تكلمني في موضوع زي ده؟ 

_ويا ترى امتى وقته يا حسن بيه، انا كل وقت بكلمك فيه في الموضوع ده بيكون مش وقته، بتتهرب وبتقفله معايا وبتقولي مش هزور حد، فقلي امتى وقته؟ 

_حل عن دماغي يا نبيل. 

قالها بحدة وضيق وهو يذهب من أمامه، لينظر "نبيل" لاثره بقلة حيلة فلا فائدة معه في الحديث. 
_______________

تركا "فريال" و"رباح" الفرصة لهما للانفراد سويًا  متعللتان بذهابهما للحمام، الصمت كان سيد الموقف لا هو تحدث ولا هي بادرت، حتى أتى والدها وهو يقول:

_ طبعًا أنتِ هتروحي مع جوزك.. 

شعرت بأن هناك ما يضايقه فسالته بقلق:

_ في ايه يا دادي شكلك متضايق؟ 

اجابها بهدوء محاولاً الظهور طبيعيًا:

_ ما فيش انا تمام.. بس كنت عاوز ارجع عشان كده بسألك، هترجعي معاه؟ 

سألته باستغراب:

_ وجيت ليه؟ انا قلتلك مدام هترجع بسرعه كده انا  ممكن اجي لوحدي عادي، أنتَ اللي قلتلي والد مراد يبقى صديق ليك وداعيك. 

_ انا جيت عملت الواجب وقعدتي مالهاش لازمه، عندي شغل لازم ارجع القاهره. 

_تمام انا هرجع مع باهر. 

قالتها وهي تنظر له بينما يطلعها بذهول، لينسحب والدها في هدوء، فنظرت له تقول بكبرياء لا يلائم الموقف:

- عملت بنصيحة تيتة، قالتلي مادام بيحبك وعمل كده عشان مصلحتك مش رغبة منه في البعد، ومادام أنتِ مش عاوزه تبعدي يبقى متسبيهوش لشيطانه اللي راكبه، ولو فكر يبعد عنك تاني طلعي عين أمه. 

_ أمه؟!!! 

قالها معقبًا بدهشة رغم سعادته الجمة بحديثها وقرارها الذي فهمه، لتنظر له ببرائه تقول:

_ أصل انا حكيالها إنك مبتحبش أمك.. مبترتحش معاها يعني، فمحبتش تقول عين ابوه، عشان متزعلش لأنك بتحب باباك الله يرحمه. 

رفع حاجبه الأيسر باستنكار، مقنعة هي في مبررها!!! 

_________

ها هي العروس قد انتهت من كل تحضيراتها والآن يقوم المصور المحترف بالتقاط عدة صور تذكاريه لهما في اماكن جماليه مختلفه.... 

يسند جبهته على جبهتها كما طلب منه المصور ينظر في عيناها وهي تفعل المثل.. تنظر له ولكن عقلها شرد في مكان مختلف تمامًا، لا يكاد ينصرف عن تذكر حديث معين بنبرة صوت "حسن" وهو يقول باستمتاع كأنه كان موقنً من أن ما سيقوله سيثير الرعب في نفسها

" تخيلي أنتِ مراد ممكن يعمل ايه لو عرف إنك مش خديجة.... ولا بنت محمود ولا مصطفى اخوكي.... وإن خديجة دي ماتت من وهي صغيرة"

............ يتبع .......
...... انتهى الفصل ........

الفصل ده عبارة عن بوم بوم خالص💣
الفصل الحادي والعشرين... "كما يجب أن يكون" 
الحصان والبيدق 
بكِ أحيا 2 

"الحب أفعال، ليس أقوال.. والفعل هو ما يصل للقلب أسرع، ويكون ترسيخه أقوى من مجرد قول يُقال" 

_ خديجة؟ حبيبتي؟ 

انتبهت لصوته ينتشلها من شرودها، نظرت له بتيه للحظة قبل أن تعي أنها الآن معه، يلتقطون صور العرس، وليست في غرفتها تتحدث مع حسن وتسمع تهديده عبر الهاتف، ابتسمت بزيف وهي تجيبه:

_ نعم؟ 

ضيق عيناه ينظر لها بتفحص:

_ مالك؟ أنتِ كويسة؟ سرحانة في ايه للدرجادي!؟ 

_ حسن مش هيسيبك... هيدمر حياتك يا خديجة زي ما دمرتي حياتي. 

تحولت عيناها فورًا تنظر لجهة فارغة، لترى "سارة" تقف بها، بابتسامة شامتة، وملامح منتصرة، تحدثها، وتكمل:

_ هيفضحك واللي خبتيه هيتكشف، أنتِ خدتي مكان مش مكانك يا خديجة، خدتي حق مش حقك. 

ادمعت عيناها رغمًا عنها وهي تستمع لحديث الأخيرة قبل أن تعاود قول:

_ قوليله؟ تقدري تواجهيه؟ قولي لمراد حقيقتك، عرفيه أنتِ مين، ده لو أنتِ نفسك عارفة! 

تساقطت دموعها عجزًا وقهرًا، وهمست بصوت وصل له رغم خفوته:

_ معرفش... معرفش. 

أقلقه حالتها، وتأكد أنها ترى "سارة" لقد عادت هلاوسها مرة أخرى، بعد أن مضى أكثر من خمسة عشر يومًا على آخر مرة رآها بحالة كهذه، وأخبرته أنها لم تراها منذ أسبوع، لم تطاردها كالعادة، لكنه توقع أن تفعل اليوم، وقد أنبأه الطبيب بإمكانية هذا، فعقلها الباطن لن يدعها تستمع بيومها بهذه البساطة، ر فع كفيهِ يكوب بهما وجهها، ووجهه لينظر لوجهه، قبل أن يحدثها:

_ خديجة، حبيبتي بُصيلي، خديجة ركزي معايا يا حبيبتي. 

وأخيرًا نظرت له، ليدرك أنها بدأت تعي، أشار للمصورين برأسه أن ينصرفوا ففعلوا، توجه بها لكرسي موجود في ساحة التصوير، وجلس فوقه وجذبها لتستقر فوق قدميهِ باستسلام تام وكأن عقلها غائب عن الحاضر، أمسك كفها الأيمن يمسده بكفه، والكف الآخر يمرره على خدها بلطف ليزيل أثر دموعها، وهو يقول:

_ اهدي، مفيش حاجة أنتِ معايا. 

نظرت له صامتة، فاستحثها على الحديث يسألها:

_ شوفتيها؟ 

اومأت برأسها بضعف، ليميل رأسه قليلاً بألم من حالتها وما وصلت إليه، أليس مقدر لها أن ترتاح؟ وأكثر ما يؤلمه هو عجزه عن مساعدتها، و كونه السبب فيما تعانيه مهما أنكر... 

_ ليه ردتِ عليها؟ مش اتفقنا إنك مش هتسمعي لكلامها، مش هتردي ومش هتبصيلها حتى. 

ارتعشت شفتيها تنذر بالبكاء وهي تجيبه بانكسار:

_ معرفتش... 

جذب رأسها لصدره يحتضن جسدها بأحد ذراعيهِ ورأسها بكف ذراعه الآخر، وكأنه يحميها من شبح مخيف، رغم إدراكه أن هذا الشبح يكمن بداخلها، قبل أعلى رأسها وهو يسألها هامسًا:

_ تحبي اجبلك قرص مهدأ؟ 

اومأت برأسها موافقة، فهي حقًا تحتاجه وبشدة كي تستطيع استكمال يومها، مدَ كفه لجيب سترته الداخلي ليخرج شريط أقراص ابيض اللون، نظرت له باستغراب وابتعدت عن حضنه تسأله:

_أنتَ شايله في جيبك؟ 

تنهد مجيبًا بهدوء رغم ضيقه:

_ عشان توقعت إنك ممكن تحتاجيه، رغم إني مش حابب ابدًا إنك تاخدي منه، مش عاوزك تتعودي عليه، بس عشان اليوم يعدي ومحدش يلاحظ حاجة. 

أحنت رأسها بحزن واضح وهمست له:

_ عرفت ليه بخاف من التجمعات والناس الكتير، عشان أنا مش ضامنة نفسي.. لو الموقف ده كان حصل قدام حد كانوا هيقولوا عني... 

قاطعها وهو يفتح فمها بإصبعيه ليضع القرص في فمها بلطف بعد أن التقط زجاجة المياة الموضوعة على طاولة مجاورة للكرسي:

_ هيقولوا عنك ست البنات وملكة قلبي، أنتِ مش شايفة طالعة حلوة ازاي!! 

ابتلعت قرص الدواء في صمت، وعقلها يفكر بقلق من القادم، تُرى هل سينفذ "حسن" تهديده ويفسد يومها ويكشف حقيقتها أمام "مراد"؟ 

_ ممكن متفكريش في أي حاجة غير إنك تفرحي وبس؟ 

نظرت له تبتسم في هدوء وهي تخبره:

_ حاضر.. 

تم عقد القرآن بعد دلوفهما لساحة الاحتفال، وهذه المرة بكنيته الحقيقية ك "مراد حسن وهدان"، وشعوره في هذه اللحظة كان عاديًا، فهو اساسًا ليس مقتنع بهذه العادات الغير مهمة بالنسبة له، وليس مهتمًا بإعادة عقد القرآن، لأنه لا يشك في صِحة الأول، ولكن من أجلها وأجل والدته فعل... 

والآن يتراقصان معًا على نغمات أغنية هادئة كرقصة افتتاحية للحفل، أحاط خصرها بذراعيهِ يقربها له بقدر ما يسمح له الفستان، والذي سمح له بقرب كبير، فهو انسيابي الحركة وباقترابه منها تراجع الفستان باتساعه للوراء، أحاطت عنقه بذراعيها بتوتر يضرب كل خلية بها، ليس فقط لقربه المبالغ بهِ، ولكن لكم العيون الواقعة عليها، والكاميرات التي لا تنفك تلتقط الصور في كل لحظة، شعر بتخشب جسدها بين يده وتوترها الواضح في تحركها معه، ليمسد بكفه على ظهرها صعودًا وهبوطًا وهو يقول بعدما مالَ على أذنها:

_ اهدي ومتفكريش في اللي حواليكِ، سيبي نفسك للحظة ومتشوفيش حد غيري أنا وأنتِ وكلمات الأغنية. 

وهل تنقصه هو الاخر؟ لقد بدأت تفصل عما حولها بالفعل ولكن بدأ هو من يثير توترها، ومع ذلك بدأ تيبس جسدها يختفي مع مرور اللحظات وتركيزها في كلمات الأغنية التي تصدح في الأرجاء وشعورها بقربه منها وأنفاسه التي تضرب وجهها من حين لآخر حين يقترب برأسه زيادة.. 

..... أنا مكسب عمري إني قابلتك
غيرت في عيني الأيام
طمنتني ع الباقي في عمري
حققت لي كل الأحلام
أول ما عيونك دي بشوفها
مش بعرف أشوف غيرها خلاص
إنت هدية ربنا ليّ
إنت حبيبي وأغلى الناس
وبتحلى الدنيا في عيني
وأنا جنبك فما تبعدنيش
حُبك فعلاً بيخليني
أتمسك بالدنيا وأعيش
وفي قربك بيروح خوفي
وده وعد ومُلزم أنا بيه
مهما تكون يا حبيبي ظروفي
قلبك عمري ما هاجي عليه.. 

وفي نهاية الأغنية كان يحتضنها بقوة وحملها يدور بها عدة مرات تحت التصفيق الحار وعدسات الكاميرات تتسارع لتلتقط الصور لهذه المشهد الذي بدا وكأنه خرج من احد افلام السينما العالمية، وما عززه الآلات دفع البخار التي شكلت سحابًا وهميًا والتي تستخدم لأول مرة في مصر في هذا الحفل ليكن له الأسبقية، وفستان العروس يتطاير بشكل خرافي بين السحاب الوهمي فكان منظراً أكثر من رائع.. 

وانتهى الحفل أخيرًا.... 

وانفض الجمع، واستقل كلاً سيارته متجهًا لوجهته.. 

__________

وعادت "فريال" و "رباح" بسيارة "باهر" الذي استأجرها لليوم خصيصًا، وبالطريق أخبرهما:

_ هتباتوا معانا اليومين دول لحد ما نروح نبارك لخديجة مش هينفع ترجعوا سوهاج وتيجوا تاني. 

والحرج أصابهما في وجود "جاسمين" فبالطبع هناك الكثير بينها وبينه للتحدث فيه، ووجودهما سيعيق التفاهم، وسيسبب لهم الإحراج. 

_ ما بلاش يا حبيبي، خلينا نسافر وكام يوم ونبجى نيجي نزورها. 

قالتها "رباح" بحرج، ليقول:

_ اكيد مش بعد ما نرجع القاهرة هسيبكوا تمشوا، المشوار هيكون صعب عليكوا وهتتعبوا، ارتاحوا يومين ولو عاوزين تسافروا وتيجوا لخديجة يوم تاني مش مشكلة. 

قالت " فريال" :

_ مش هينفع نزورها دلوجتي، خلونا نعدي سبوع اكده ونبجى نروحلها. 

_ اللي تحبوه، بس برضو هترتاحوا عندي يومين. 

نظرت له "جاسمين" بجانب عيناها، لا تستطيع فهم إصراره، هل هو من أجل راحتهم، أم هربًا من المواجهة معها؟ 

أثرت الصمت الآن، وفي البيت لابد من حديث آخر.. 

_____________

في طريق العودة... 

بسيارة "دياب".. 

كانت تغلق زجاج السيارة خوفًا من أن يصاب "عُمر" الذي غلبه سلطان النوم على قدميها بالبرد، واحتضنته بعناية تقبل رأسه بحنان أموي، استمعت له يسألها:

_ نام؟ 

اومأت قائلة:

_ لعب كتير النهاردة. 

_ معرفش كان فرحان بالمكان على ايه، ده حتى مكانش فيه أطفال غيره، وعشان كده قولتلك نسيبه مع ماري. 

نظرت له تقول:

_ فرحان بالاغاني والدوشة والمكان كان واسع ولافت انتباهه، بعدين مكانش فيه أطفال لأنك عارف كويس كل اللي معزومين دول مستحيل ياخدوا أطفالهم معاهم في افراح ولا أي مناسبة أصلاً ومتعودين يسبوهم للمربيات، لكن أنا مش متعودة، أنا اه ممكن اسيبه معاها ساعتين او تلاته بس مش المدة دي. 

_ ليه مانتي بتروحي الشغل وممكن تقعدي فيه بالخمس ساعات وسيباه عادي.

_ مبتكونش معاه لوحدها، بيكون معاها سعاد " المسؤولة عن الطبخ والتنظيف" وأنا بثق فيها لكن هي النهاردة أجازة، غير إني معظم الوقت في الشغل بيكون عيني على الكاميرات. 

_ على فكرة ماري كويسة، ومتقدرش تأذيه في حاجة، أنا مش هجيب أي واحدة وأمانها على ابني، مش عارف ليه مبتحبيهاش! 

_ مبرتحلهاش، عادي كده من غير سبب. 

ابتسم بلؤم وهو يقول:

_ متأكده؟ ولا يكون عشان ماهي حلوة شويتين فغيرة ستات وكدة!

ادعت الإنكار وهي تجيبه:

_حلوة؟ هي عادية على فكرة. 

انطلقت ضحكاته عالية، وهو يدرك صحة حديثه، ليقول بفهم:

_ مادام أنكرتي حلاوتها يبقى فعلاً، غيرة، بس يا ترى غيرة منها ولا عليا؟ 

مسدت على خصلات طفلها بلامبالاة زائفة وهي تقول:

_ آخر حاجة ممكن اعملها إني اغير عليك، وانا مش وحشة عشان أغير منها.. 

قال بغزل ونبرة محبة:

_ أنتِ أحلى من أي ست عيني شافتها، سواء غيرة عليا أو منها، فكوني واثقة إن مفيش ست في الدنيا تستحق غيرتك لأنك أحلى وأحسن منها. 

لن تنكر أن حديثه أرضاها، وأرضى غرورها الأنثوي، وأشعرها بقليل من الراحة لاكتفائه بها، ورؤيته لها بهذا المنظور، لكنها بالطبع لن تظهر، فأشاحت بوجهها تنظر من النافذة بصمت. 

ليحرك رأسه يائسًا فيبدو أن لا شيء يثير مشاعرها ناحيته. 

انتبهت لرسالة وصلتها على هاتفها، لتفتحها فوجدتها من معمل التحاليل الذي ذهبت له منذ عدة أيام وقامت بعدة فحوصات فيهِ جراء شعورها ببعض التعب بعد أن زارت الطبيب ونصحها بعمل فحوصات معينة.. 

وبأصابع راجفة، وقلب مرتعش، فتحت نتيجة التحاليل، لكنها لم تفهم منها شيء، فبعثتها على الفور للطبيب الخاص بها.. وأغلقت الهاتف فورًا كأنها تهرب من رد الرسالة.. 

وبعد عشر دقائق اتاها إشعار رسالة آخر، لتضطر لفتحه فتظهر رسالة الطبيب

" أفضل حضرتك تشرفيني في العيادة" 

بعثت له بخوف وتوتر

" ممكن تقولي التحاليل فيها ايه لحد ما اجي لحضرتك؟" 

وبعد دقيقة أتاه الرد 

" شكي طلع في محله، بس مش هينفع نتناقش أو أوضح حاجة في الشات، نوريني في العيادة يا مدام رنا" 

هي لا تعلم شكه لكن سقط قلبها، المرة السابقة لم يخبرها بما يشك، وحين حاولت الاستفسار أجابها 

" بلاش اقولك شاكك في ايه واقلقك على الفاضي، مبحبش اعمل كده ولا ده اسلوبي، أنا مبتكلمش مع المريض غير بعد الفحوصات والتحاليل"

ورغم جهلها، لكنها تشعر أن الأمر مُقلق وخطير ولا تعلم لأي حد... 

نظرت ل "دياب" تسأله بخفوت:

_ لسه كتير على ما نوصل؟ 

_ لا، ربع ساعة بس، كويس إننا مشينا قبل الفرح ما يخلص، لو كنا استنينا كان زمانا لسه متحركين من هناك، بعدين هو مش من بقية عيلتنا يعني. 

لم تجيبه، ليظن أنها لا تحبذ الحديث فيما يتعلق بصديقتها كالعادة، ابتسم ساخراً وهو يتذكر وجه "مراد" حين رآه، وكيف تبدلت ملامحه للجمود فجأة، اقترب منه بخطى متريثة وابتسامة مستفزة، وهو يمسك كف "رنا" التي سرعان ما تركته معانقة "خديجة" بحب وسعادة، وقف أمامه يقول بسخرية:

_ مبروك يا مراد بيه، بقى عندك اللي يتخاف عليه. 

قست ابتسامة "مراد" وهو يقول:

_ متعود تروح اماكن مش معزوم ولا مرحب بيك فيها؟ 

_ الدعوة جت من المدام بتاعتك.. هي اللي دعت المدام بتاعتي وقالتلها أنتِ وجوزك. 

ماكر وخبيث، يدرك أن حديثه يشعل فتيل غضب الأخير رغم ادعائه اللامبالاة، ليعقب "مراد" :

_ آه، يعني أنتَ جاي مع دعوة المدام.. 

و ابن وهدان ليس اقل مكرًا أو تلاعبًا بالكلمات، و "دياب" ليس مثله، فقد ظهر ضيقه في عينيهِ، رغم ثبات ملامحه، ولم يتوقف هنا بل أكمل ردًا على جملته الأولى، وعيناه تنظر للصغير الذي تحمله "خديجة" وتقبله الآن.. 

_ أنتَ عندك اللي يتخاف عليه اكتر بكتير، أمور ابنك مش طالع شبهك... قولتلي اسمه ايه! 

وسؤاله الاخير لم يكن سؤالاً فهو لا يهتم بمعرفة اسم الصغير من الأساس، وتغيرت ملامح "دياب" هذه المرة على ذِكر صغيره، فكيف نسى أن الواقف أمامه بالطبع سيرد له الصاع صاعين، وكما أخبره لديه هو الآخر ما يخشى عليهِ أكثر منه.... 

عاد من تذكره لمقابلتهما، وأردف:

_ ماشي يابن وهدان، من وهنا ورايح هضطر العابك في الشغل وبس، عشان لو دخلت حياتنا الشخصية هكون أنا الخسران. 

قال الأخيرة وهو ينظر ل "رنا" التي اسندت رأسها على ظهر المقعد ناظره من النافذه بشرود، ونقل بصره لمصدر قلقه الأكبر، طفله الصغير الذي ينعم بنوم هادئ.. 

______________

بعد ساعة ونصف.... 

وصلا أخيرًا للقاهرة.. وتوقفت السيارة أمام المنزل ليترجل الحرس أولاً بسرعة يفتحون أبواب السيارات.. ليترجل "مراد" أولاً من السيارة الخاصة بهِ هو و "خديجة" والتي تولى قيادتها سائقه الخاص، واستدار للباب الآخر يساعدها في الترجل بفستانها من السيارة، ومن ثم تحرك لوالدته يعاونها على الجلوس فوق كرسيها المتحرك، بعد أن حملها من داخل السيارة، ابتسمت له "ليلى" وقبلت وجنته تقول بابتسامة:

_ ربنا يسعدك يابني ويوفقك في حياتك الجاية. 

ابتسم لها بامتنان وقبل جبهتها بحب، قبل أن يدفع "مصطفى" مقعدها لداخل المنزل. 

اتجه ل "خديجة" التي ما زالت واقفة محلها، ابتسم لها بحب وهو يمسك كفها بينما يقول:

_ لولا إني عارف إنك هتتضايقي كنت شيلتك. 

خطت معه تصعد درجات السلم القليلة وهي تنظر ل "مصطفى" الذي دلف من باب آخر يلائم مدخله كرسي "ليلى" وهي تقول:

_ أنتَ عارف إني هتكسف، وقولتلك إني محبش حاجات زي دي تحصل قدام حد كاحترام ليهم ولينا. 

_ عارف. 

قالها باستسلام، فرغم عدم اقتناعه برأيها ووجهة نظرها، سيفعل ما تريد، رفعت الفستان وهي تصعد درجات السلم وهو يعاونها حتى توقفا على مدخل باب الفيلا وهما يسمعان صوت آخر شخص تمنت سماع صوته في هذه اللحظة:

_ مراد استنى. 

التفا ليظهر "حسن" وهو يترجل من سيارته بشموخه المعتاد، ونظره مسلط عليها بابتسامة متسلية، ارتجف جسدها ليشعر بها "مراد" الممسك بكفها، فنظر لها وهو يضغط على كف يدها:

_ احنا قولنا ايه! 

يذكرها أنها لا يجب أن تخشى أحد وهو معها، لكن كيف تخبره أنها الآن تخشاه هو نفسه.. 

_ عاوزك في موضوع مهم. 

قالها "حسن" حين وقف أمامه، ليردف "مراد" بضيق ساخر:

_ ده وقته؟ 

أكد قائلاً:

_ فعلاً ده وقته، اصله يخص العروسة.

والعروس تموت رعبًا، حتى أن ريقها جف من كثرة الخوف، ولا تعلم ما القادم... وعزائها الوحيد أن لديها بعض الثقة في "مراد".. 

_ خلينا نتكلم جوه. 

قالها "مراد" حين لاحظ تبادل النظرات بين زوجته ووالده، وشعر بخطورة الأمر. 

__________

والآن... 

استقر الجميع في غرفة الصالون.. والصمت هو السائد، والنظرات متبادلة، حتى هتف "مراد" بسأم:

_ خير؟ 

وضع "حسن" رجل فوق الأخرى، ونظر ل "خديجة" الجالسة كالهرة الخائفة بجوار" مراد"، ملتصقة بهِ، وكفها يحضتنه بكفه، ابتسم ساخرًا وهو يسألها:

_ تقولي أنتِ ولا اقول أنا؟ 

والصمت استمر لعدة ثواني قبل أن يقطعه "مراد" نازقًا:

_ بابا، أنا مبحبش حوار التشويق ده، قول اللي عندك. 

هز رأسه موافقًا:

_ هقول... فاكر لما قولتلك شوف مراتك مخبية عنك ايه؟ 

وهنا قد جذب اهتمام "مراد" جيدًا، الذي نظر له في انتظار بقية حديثه، ليبتسم "حسن" وهو يقول:

_ انا بقى بما إنك مدورتش ومهتمتش، هقولك هي مخبية عنك ايه.. الهانم متب.... 

_ زين.. 

همست بها "خديجة" وهي تقلب الوضع لتصبح هي من تمسك كفه وتضغط عليه بقوة، نظر لها وهاله ما رأى... 

مقلتيها حمراء كالدم، والدموع متعبأه بهما، ووجهها شاحب كالموتى، شفتاها ترتجفان رغمًا عنها، ونظرة رجاء في عيناها وهي تهمس له:

_ بلاش ومصطفى... مصطفى لأ... 

لم تستطع تكوين جملة مفيدة، لكنه فهمها، وضربته الحيرة أكثر، والقلق! نظر ل "مصطفى" الذي يتابع ما يحدث بفضول وقلق على شقيقته، ليقول "مراد" بهدوء زائف:

_ مصطفى خد ماما طلعها فوق.. 

وتبادلوا النظرات قليلاً، قبل أن تفهم "ليلى" رغبة ولدها:

_ طلعني يا مصطفى ارتاح شوية. 

وثواني وكانت الغرفة تضم الثلاثة فقط.. لتبدأ "خديجة" في البكاء بصمت، ولكن رغمًا عنها انفلتت شهقة منها لم تستطع التحكم بها، لينظر لها "مراد" وهو يترك كفها ليمسك وجهها بكفيهِ محدثها بحدة وغضب:

_ أنتِ عاملة في نفسك كده ليه؟ 

_يمكن خايفة من الحقيقة اللي هتتكشف. 

وكأنه لم يستمع لتعقيب "حسن" السخيف، ليحدثها بضيق:

_ أيًا كان اللي حاصل، متخافيش، وميستاهلش اللي أنتِ عملاه ده، اهدي يا خديجة! 

وجملته الأخيرة خرجت آمرة، لتحاول التحكم في بكائها بينما يمسح وجهها بكفيهِ، فقد تعرق إضافة للدموع التي تغرقه.. 

عاد يمسك كفها يطمئنها، لتحاول التقاط أكبر قدر من الهواء تعبأ رئتيها قبل أن يقول "حسن" بملل:

_ نهايته، اللي عرفته، واللي هي مخبياه عنك، إنها مش خديجة محمود الدالي... مش من عيلة الدالي ولا اللي طلع ده اخوها.. يعني حضرتك اتجوزت واحدة غير اللي أنتَ فاكرها. 

_ ايه التخريف ده! 

قالها "مراد" باستنكار وعدم تصديق تام، ثم نظر ل "خديجة" ليراها عاودت البكاء في صمت، قطب ما بين حاجبيهِ وهو يسألها:

_ هو بيقول ايه؟ وأنتِ بتعيطي كده ليه؟ هو كلامه صح!!!؟ 

_ مراد. 

قالها "حسن" ليلفت انتباهه، لينظر له بالفعل، ليقول بجدية:

_ خديجة ماتت من وهي صغيرة.. ودي مش خديجة الدالي. 

هز رأسه برفض تام وانتفض واقفًا بعدما ترك كفها، يقول بهدوء رافض:

_ مستحيل. 

_ طب اسألها... لو كنت بكدب تكدبني. 

قالها "حسن" وهو يقف يواجهه، ليقول "مراد" باصرار:

_ مش محتاج اسألها، حتى لو قالت نفس كلامك، تبقى هي كمان كدابة، أنا لما عرفتها بعد سنين عرفتها بقلبي، لما شوفتها قلبي عرفها قبل ما اتأكد انها هي، قلبي حس بيها وبيحس بيها كل ما تكون قريبة منه، معرفش ايه السر في اللي بتقوله، بس اللي متأكد منه إنها البنت اللي حبيتها وربيتها على أيدي... 

رفعت عيناها تنظر له من بين غيام دموعها، وقلبها يركض إليه، يقدره ويقدر موقفه، لم تتخيل ابدًا أن يكون هذا رد فعله، هو الآن يثبت لها أنه يحبها بالفعل.. يحبها الحب الذي ينفي أي شيء يشكك في حبه وحبيبته، الحب الذي يجعل المحب يدافع عن حبه رغم الشكوك والأدلة، ويبرهن الآن بأن حبه قوي، وأن حبه هو الحب كما يجب أن يكون... 

_ بقولك خديجة دي ماتت، وأنت تقولي مش محتاج اسألها؟ طب على الأقل اسألها هي مين لما خديجة ميتة أصلاً!. 

لن تتركه يهدم حياتها التي اوشكت أن تبدأ، لن يتركه يفعل معها كما فعل في الماضي، وإن قرر قلب الطربيذة فلتكن على الجميع وكلاً يدافع عن جبهته. 

انتفضت واقفة تزيح دموعها بعنف، وصرخت ب "حسن" :

_ ما تقوله خديجة ماتت امتى.. ولا وهو خديجة ماتت وخلاص! ما تكمل كلامك يا حسن بيه ولا لو كملته خطتك هتبوظ؟ 

نظرت ل "مراد" لتجد نظرته ضائعة، بعد اعترافها بموت "خديجة"، حزنت على تشتت نظراته وشحوب وجهه بشكل واضح، لتقترب منه تمسك كفيهِ بكفيها، وهي تنظر لعينيهِ وتقول من بين دموعها:

_ أنا البنت اللي حبتها.. أنا البنت اللي ربيتها على ايدك زي ما بتقول، أنا اللي عاشت معاك الحلو والوحش.. أنا اللي شيلتها بايدك وخدت بايدها لكل خطوة في حياتها... ده اللي يهمك ولا يهمك المسميات؟ 

نظرت له بقلق تنتظر رده، والخوف يتراقص في عينيها، ماذا إن رفضها بعدما علم حقيقتها؟ ماذا إن لم يتقبل كذبها وخداعها له بشأن هويتها الحقيقية؟ هل سيتركها؟ هل سيرفض أن يكمل حياته معها وقد أخبرها سابقًا أنه لا يحب الكذب ولا يريد أن يكتشف عنها شيء من شخص آخر، والآن هو يكتشف أهم شيء عنها من والده، لم تخبره بنفسها كما أخبرها سابقًا.. فقط لو امتلكت بعض الشجاعة لفعلت، لكنها كالعادة أجبن من أن تفعل... وأتى رده صادم لها ولوالده، حين قال بعد تنهيدة قوية خرجت منه وأحد كفيهِ ترك كفها ليرفعه ويضعه على وجنتها بحنو:

_ متخافيش، قولتلك قبل كده مش عاوزك تخافي من أي حاجة في الدنيا... حتى لو كنت أنا. 

ولهنا لم تستطع الصمود أمام كرم حبه، وقوة عاطفته، فرمت بنفسها تحتضنه بقوة وذراعيها يطوقان عنقه بصعوبة لفرق الطول بينهما، وأجهشت في البكاء فالضغط النفسي الذي تعرضت له في الساعات الماضية أنهكها وخارت قواها... 

ورغم حيرته والأفكار التي تعصف برأسه لفِهم الحقيقة، لكنه لم يحبذ الضغط عليها أكثر، وهو يرى خوفها وحالتها النفسية السيئة، أحاطها بذراعيهِ يرفعها لطوله بين أحضانه وهمس في أذنها:

_ ميهمنيش اسمك ولا حقيقتك... المهم إنك حبيبتي اللي قلبي مغلطش فيها وعرفها من أول نظرة، ميهمنيش غير إنك حبيبة عيوني وكل ما ليا، مش مهم أي حاجة تانية. 

وما زادها حديثه إلا بكاءً وهي تشدد من احتضانه كأنها ولأول مرة تريد أن تدلف لداخله لو تستطيع...! 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية مسك الليل كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم هايدى الصعيدى

رواية غفران العاصى كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم لولا

رواية مسك الليل الفصل الثاني عشر 12بقلم هايدى الصعيدى