
رواية حصونه المهلكة
الفصل الثامن والعشرون 28
والتاسع والعشرون 29 والاخير
بقلم شيماء الجندي
"كل ساقٍ سيسقي بما سقي ! "
إنه يوم الاحتفال السنوى الحافل لدى "آل البراري" حيث تدب الحركه بالقصر المهيب مُنذ بدايه اليوم إلى نهايته لكن كانت "أسيف" بعالم آخر حيث استيقظت صباحاً قبل أن يأتِ المسؤولون عن التنظيمات و يبدأ الضجيج ....
أنهت حمامها ترتدي طقم رياضى مكون من بنطال يصل إلي ركبتيها و تيشيرت يصل إلى خصرها مطبوع عليه شعار إحدى الماركات الشهيره ثم خرجت إلى الحديقه الخاصه بالقصر و بدأت بممارسه رياضه صباحيه خفيفه علها تصرف ذهنها عن تلك الكوابيس التى راودتها بليلتها المُرهقه للغايه ؛ حيث لم تحظَ بساعات نومها الكافيه المُريحه إنما حصلت على ليله قاسيه بعض الشيئ تتخللها أحلام متضاربه لا تتذكر منها شيئ ، أرجعت ذلك إلى ما حدث مساء ً حيث تلك المواجهة التى حدثت فيما بينه و بين شقيقها ، تُري ماذا قال ذاك الفهد لشقيقها ؟ هل اعترف له بما فعله ! لما تتعقد الأمور هكذا كلما شعرت أن كل شيئ على مايرام ! كانت تضع تلك السماعات بأذنيها و تركض تُغمض عينيها و تفتحها تهز رأسها بالسلب و كأنها تنفض تلك الأفكار اللعينه عن رأسها !!
أبطأت من حركتها تدريجياً ثم وقفت تلتقط أنفاسها بإرهاق شديد تضع يدها أعلي صدرها و تفتح قنينه المياه ترفعها إلى شفتيها لترتشف منها ، شهقت بعنف حين سمعت صوته اللاهث خلفها يقول زافراً أنفاسه :
- ياااه برافوا إنك قدرتى تجرى كل ده .... صاحيه بدرى أوى ليه ..
اتسعت عينيها بصدمه تحدق به ببلاهه لما استيقظ باكراً هكذا ، بل لما يُشيد حصونه من حولها بتلك الطريقه ؟! ماذا يُريد منها ، عقد حاجبيها و صاحت به بغضب و قد فقدت سيطرتها على ما تبقي من أعصاب لديها :
- أنت قولت إيه لتيم امبارح ؟!!! و إيه اللي مصحيك بدرى كده أنا مش فاهمه عاوز توصل لإيه ؟!!
مد أنامله إلى أذنها ينزع سماعتها بهدوء و هو يردف عاقداً حاجبيه و قد بدت نبرته مُرهقه بعض الشيئ :
- أولا أنا اتفاهمت مع أخوك ِ و اطمنى بدون ماهسبب ليكِ أي مشاكل ثانياً أنا حقيقي المره دي مش نازل وراكِ أنا من بدري بجري و كنت واقف جنب الشجره دي باخد بريك و أنتِ غالباً كنتِ مغمضه أو سرحانه ماأخدتيش بالك مني ..
هبطت عينيها على جسده تطالع التصاق ملابسه المبلله قليلاً بجسده ترسم تفاصيل جزعه العلوي بتجسيم واضح مُهلك ، نفضت رأسها تشعر ببعض الخجل من اتهامها له باتباعها و هو بالفعل من الواضح على ملابسه أنه قضى وقت لا بأس به بممارسه رياضته .. بللت شفتيها و همست بإعتذار :
- اهاا على العموم sorry "أسفه" مش قصدى اقولك كده أنا بس توقعت كله نايم دلوقت ..
ابتسم لها بهدوء يهز رأسه بالإيجاب قائلاً بلطف :
- أنا متأكد انك متقصديش ياأسيف ...
صمت لحظات و عينيه تسير علي ملامحها بلطف ثم أجلى حنجرته متحدثا بتلقائية ينظر إلي ساعه يده :
- أنا منمتش من امبارح ليلتى كلها كانت كوابيس أتمنى ميبقاش ده نفس سبب صاحيانك بدرى كده .. أنتِ المفروض معاكِ ساعه و نص كمان عشان تصحى ...
أجابته بتلقائية تهمس و تلك العفويه تقطر من حروفها :
- كوابيس ليه مش أنت اتعالجت ؟! يعني اقصد باباك لسه ب....
قاطعها يهز رأسه بالسلب و قد شرد بعيداً يقول بهدوء :
- لا لا دي حاجات ملهاش علاقه ببعض كده ..
ثم مط شفتيه و هز كتفيه بابتسامه صغيره أعلى ثغره قائلاً :
- تقدري تقولى إرهاق .. أو أفكار وهميه .. مش عارف لكن لقيت نفسى فايق ..
عقدت حاجبيها بدهشة من كلماته لما ذاك الشعور داخلها بالانقباض ! هل يحلم هو أيضاً مثلها ، كيف له أن يماثلها بتلك الأحلام ؟!! رمشت بتوتر حين طرقع بأصابعه أمام عينيها يلفت انتباهها لتواجده لتُغير مجرى الحديث على الفور قائله بتساؤل :
- هو أنت قولت لتيم إنى لسه مراتك ؟!
تلك الكلمه أحيت نبضه داخله رغم عفويتها إلا أنها بالطبع لاتعلم مدى تأثيرها عليه بتلك الهمسه الصغيره ، ابتسم بمكر و أردف محاولاً التغلب على نبرته المتوترة قليلاً و قد التوى ثغره بابتسامه لعوب :
- أنتِ عاوزانى أقول و لا أسكت ؟!!
نظرت إليه رافعه حاجبها الأيمن بغضب واضح تقول :
- أنت مش هتتغير ابدااا ، أنا غلطانه إنى سألتك ..
كادت تمر من جانبه منصرفه للداخل لكنه مد ذراعه يجذبها إليه من خصرها يهمس لها بلطف معتذراً بخفوت و يتلمس خصلاتها متنهداً بحزن :
- آسف !! أنا حبيت أغير مودك مقصدش .. أيوه قولت ..
اتسعت عينيها غافله أنها بأحضانه و همست بصدمه واضحه و صوت متحشرج :
- و هو قال ايه ؟!!
أخفى تلك الابتسامه التى تكاد تطفو فوق شفتيه إنها لم تقُل جملتها المعتاده أنه عليه أن يُطلق سراحها ، بل تسأله لأول مره عن رد فعل شقيقها ... ليجيبها و هو يقربها من أحضانه مستغلاً غفلتها :
- كان هيقتلنى بس .. سيبك من كل ده و قوليلى هتلبسى إيه فى الحفله ؟!!
عقدت حاجبيها بغضب تعود إلى وعيها مدركه وضعها بأحضانه لتزيحه من صدره و تقول بغضب :
- أوعي كده .. و أنت مالك أصلا ..
رفع حاجبه يردف بسخريه :
- يعنى تقدرى تقولي جوزك ..
تأففت بنفاذ صبر و صاحت بغضب :
- متقولش جوزك دييي .. و بعدين أنا طلبت اوردر أنا و فرح بس لسه موصلش اوعااا بقاااا ...
أطلق سراحها أخيراً ثم أمسك قارورة المياه الخاصه بها و فتحها يرفعها إلي فمه يرتشف منها بهدوء ، لتطالعه بطرف عينيها بتوتر طفيف لا تعلم من أين أتى ذاك القلق لكنها حقاً و لأول مره معه تُريد أن تطول تلك اللحظات قد يُشعرها ذلك بالغضب من حالها ، لكنها رغبه داخليه تنبع من أعماقها ..... !!!!
أسرعت تفر هاربه من أمامه بخطوات أشبه بالركض لا تصدق ما آلت إليه أفكارها معه ، ليبتسم مُتلاعباً بقارورة المياه الخاصه بها بيديه ثم اختفت ابتسامته مع اختفاء أثرها ... ليعقد حاجبيه زافراً أنفاسه بحزن و قد تراكمت أفكاره المتوترة من كوابيس أمس مره أخرى بعقله مُنذ متى و الأحلام تشغل عقله هكذااا لكن ماذا إن كانت هى بطله أحلامه !!!
-*-
زفرت "فرح" بحزن تطالع اسمه يُزين شاشه هاتفها لتنتفض حين صاحت إبنه خالتها توبخها :
- ده أنتِ غريبه والله يعني الواد هو اللى عمال يتصل و أنتِ منفضه ايه الاستعباط ده ؟!! اومال لو مكنتش عينك ورمت من العياط يا نكد هانم انتتيييي ...
لوت شفتيها وصرخت بوجهها تُمسك المنديل تمسح به أنفها كطفله صغيره و تمسح دمعاتها بطرف بلوزتها :
-بسسس بقاااا انتييي شغاله عليا جلد ذاات ليه قولتلك بيعمل كده عشان ابعد عنه ... عاااااا ....
- ابعد عنه ... عااا .. تبعدى أيه ياهبله انتييي دا الولا عمال رن رن من ساعتها عشان يصالحك على كلمتين قالهم وقت عصبيه بقااا ده راجل يتنفضله ياريت كان ليا اناااا ..
انفجرت باكيه أكثر لتتأفف "روان" و تردف بحزن متجه إليها تجاورها فوق الأريكة تحتضنها بحنان :
- خلاص بقا متزعليش ماهو يا فروحه الواد برضه معذور طالع من تجربه زي الزفت و أنتِ عارفه كده كويس و أنا و أسيف نصحناكِ و أنتِ مشيتي بدماغك لحد ما وقعتي على وشك فى غرامه يقوم لما ربنااا ينصفك و يبدأ يشوفك تختفى أسبوع و مش معبراه و لا حتى تردى على المكالمات و بعدين تعالي هنااا لما فى حفله النهارده و أسيف عزمتنا هتستخبي منه إزاى فى قصره ؟!!
عقدت حاجبيها و نظرت إليها بتفكير لحظات تُدير كلماتها بعقلها ليقرع الباب فتصرخ "روان" و تزيحها بعيداً عنها قائله :
- شوفتي نسيت البواب خااالص
أسرعت إلى الباب تفتحه لتتسع عينيها بصدمه و تغلقه مره أخرى مسرعه ... تسمع صوته المميز يقول لابن عمه :
- ينهاار أسود على الكسفه .. شوفت قولتلك هيفرحوا بوجودى أوى ..
هرعت إليها تهمس لها برعب :
- يلااااهوي القمر بتاعك واقف براا و معاه الواد القمر قريبه
عقدت "فرح" حاجبيها تهمس باندهاش :
-قريبه قصدك فهد ؟!!
هزت رأسها بالسلب تصيح بها لتجذبها إلى الردهه الصغيره تلكزها بغضب قائله :
- عندك حق ما هو كلهم قمرات .. لا أقصد الواد البلطجي فى نفسه ده ..
صاحت "فرح" بصدمه :
- نااائل .. لحظه تيممم براااا ...
ضربت "روان" كفها بجبهتها تجز على أسنانها قائله :
- صبرني ياارب اومال توقعتي فهد على أساس ايه ... ايوه برااا و ادخلى اغسلى وشك و حطي اى حاجه عليه و غيري القرف اللى كله دموع و نيله و أنا هستقبله بلاااش تخوفي الواد كفايه انه جايلك ...
ثم أغلقت الباب عليها و أسرعت تفتح باب الشقه تعتذر بخجل حين وجدتهم يرسمان ابتسامه متوتره على شفتيهم و ذاك المستفز يكتم ضحكاته عليها لتفتح الباب جيداً قائله بترحيب :
-اتفضلوا .. أسفه بس أصل المفاجأة خضتنى وكده ..
ابتسم لها "نائل" يقول بمرح :
- اه و خضتنا احنا كمان بصراحه .. عليكِ زرعه باب فى وش ضيوفك تجنن ...
ازداد احمرار وجنتيها ليلكزه "تيم" بجانبه قائلاً باعتذار :
- أسف إنى جيت بدرى كده و منغير معاد .. بس أسيف كانت قالتلي انها هتبعت السواق ياخدكم و هو اتشغل فقولت اجي انا و اقوم بدوره بعد أذنكم طبعاا ..
صاحت "فرح" بغضب من كلماته و قد ظهرت الآن و هى على حالتها المهمله حيث خصلاتها المبعثره بإهمال و عينيها المنتفخه الحمراء ، شفتيها و أنفها اللتان تشتعل حمرتهم للغايه بأعينه :
- أنت جاي توصلنا و عمال تتصل عشان كدااا بس ..
اتسعت أعين الجميع من ذاك المنظر المضحك التى بدت عليه حيث هندامها الغير مرتب بالمره كالطفل الصغير ليقول "نائل" بأعينه متسعه و استنكار :
- سلام قول من رب رحيم مين دى ؟!!!
لكزه "تيم" بغضب ليتأوه و هما يستمعا إلى ابنه خالتها تقول فى حين تخفى وجهها منهم بيدها .. :
- منك لله يافرح .. مفضوحة صحيح ...
تقدم منها بهدوء يقول بلطف يجز على أسنانه ليخفي تلك الابتسامه اللعينه :
- لا مش جاى عشان كده بس .. كنت بحاول اوصلك عشان اعزمك على فطار برا لكن أنتِ رفضتى اتصالاتي .. قولت اطلع بنفسى ....
حدقت بعينيه لحظات تهمس بصدمه تُشير لحالها :
- تعزمني أنا ؟!!
ثم عقدت حاجبيها تقول بغضب تتدارك نفسها :
- بس أنا مش عاوزه عزومات ....
لوت ابنه خالتها شفتيها تشير لها بالسلب من خلف "تيم" ليهمس لها "نائل" من خلف أذنها :
- ابن عمي اللى بتغفليه ده خلى بالك ..
اتسعت عينيها و قد نست أمره بالفعل لتستدير هامسه بحرج تقول :
- طبعا لو حلفتلك أن الحركه دى مش مقصوده زي حركه الباب مش هتصدق ...
ليبتسم لها قائلاً بمرح :
- لا متقلقيش هصدقك أنا سهل يتضحك عليا أوى خلي بالك ..
ابتسمت بخجل تشيح بوجهها عنه ليتفرس بملامحها بابتسامه و يهمس لها :
- بقولك ايه هى البلكونه دى بتبص على الشارع صح ..
عقدت حاجبيها من سؤاله ليُكمل غامزا بإحدى عينيه ناحيه ابن عمه :
- يعنى الاحساس نعمه فى المواقف دي و انا احب ابقااا خفيف على الناس فلو تفرجيني البلكونه مساحتها قد ايه هيفرحوا أوى بينا و أنا كمان هفرح و هتبقي خدتي ثواب فرحه الناس دي كلها ...
لم تستطع كتمان ضحكتها لتنفجر بها تلفت أنظار الجميع لها لتسمعه يقول بمرح حين ألقاه ابن عمه بنظره ناريه :
- واضح ان مش فرح بس اللى مفضوحه دى العيله كلها كده ...
أسرعت إلى الشرفه تكتم ضحكاتها ليتبعها مبتسماً تاركاً ابن عمه مع تلك الفتاه التى أغلقت فجأة جميع السُبل بوجهه ....
-*-
وقفت حائره تحدق بذاك الرداء المتروك أعلى فراشها بنظرات مستنكرة مصدومه ثم رمشت عده مرات تنظر مره أخرى إلى ذاك الرداء النبيذي الممزوج باللون الأسود من ناحيه الكتف والخصر باكمام من الشيفون الرقيق للغايه ..
هى لم تطلب ذاك الرداء .. و لاتحتاج للتفكير بالطبع هو من تدخل بالأمر .. ينتقى لها الرداء بمنتهي الثقه .... زفرت بارهاق و اتجهت إلى هاتفها تعبث به لتعقد حاجبيها حين وقعت عينيها على تلك الرسالة الغريبه ..
بنفس التوقيت بغرفه "ندى" ...
ابتسمت ببهجه تطالع هديه أخيها الخاصه .. و هو واقف يبتسم لها بلطف يراقب بهجتها بفرحه داخليه كم تبدو رائعه حين تعافت و أصبحت هادئه الطباع هكذا اتجهت إليه تقف أمامه بتردد طفيف يخالجها شعور الخجل من أفعالها الجنونيه السابقه لحظات صامته فيما بينهم تفهمها على الفور ليجذبها إلى أحضانه رابتاً على ظهرها بلطف بالغ لتهمس له بحزن :
- أسفه أنا ضايقتك كتير حتى ففتره علاجي ، عارفه انك استحملتني كتير اوى متزعلش مني يافهد أنا really "بجد" بحاول اصلح اللى عملته ..
تنهد مبتسماً بلطف يقول بصوته الرخيم الهادئ :
- أنا مش زعلان منك ياندى .. مش عاوز منك غير انك تكوني حاسبه خطواتك صح و بترتبى ليها أنا وافقت على سفرك لما لقيتك عاوزه تكملى تعليمك برا و ده فيفيدك لكن لو حاسه انك محتاجه تبقى هنا أنا هبقى متطمن أكتر و أنتِ جنبى ...
خرجت من أحضانه تلقيه بنظرات دامعه تشع بهجه قائله بهدوء :
- لا أنا حابه أشوف حاجه مختلفه و اجربها هو .. انا .. آآ يعنى لو روحت لأسيف دلوقت اكلمها تفتكر هتقبل ؟!!
تنهد بحرارة يقول بهدوء يخالطه حزن طفيف :
- مش عارف ياندى بس أنا أفضل انك تسوى أمورك قبل ما تمشى عشان ترتاحى .. جربى أنتِ مش خسرانه ...
اعتدل بوقفته ثم ربت على خصلاتها مُقبلاً جبهتها يقول بهدوء :
- هسيبك عشان تجهزي ..
لتقف لحظات محلها قبل أن تنطلق خلفه محدده وجهتها غرفه ابنه العم الصديقة البريئة التى عضت أناملها ندماً من خسارتها ...
عوده إلي غرفه "أسيف"
رفعت الهاتف إلى أذنها تقول باندهاش :
- أنت بتقول ايه يانائل مش فاهمه منك حاجه يعني انتوا دلوقت عند فرح و روان ؟!!! طيب و تيم عاوز امضتى دلوقت ؟!
صمتت تستمع إليه لتقول بهدوء :
- لا خلاص مش عاوزه حاجه سيبهم سوا أنا كده كده هبدأ اجهز للحفله ، و هستنى طبعا الراجل اللى قال عليه تيم مش هو تبع فارس الراوي برضه ؟! .. خلاص تمام هستني المكالمه ...
ثم أغلقت ، تعلقت أنظارها بذاك الرداء الجميل بحزن بالغ لا تعلم ما دهاها منذ بدايه اليوم تلك القبضه تشتد فوق قلبها رسالة صغيره من أخيها أنه سوف يُحضر صديقتها بنفسه اقلقتها بدون مبرر ، أفاقت على تلك الطرقات الخفيفة فوق الباب لترفع صوتها تسمح للطارق بالدخول لحظات ليلبى دعوتها حيث ظهرت أمام عينيها صديقتها السابقة و ابنه العم لم يكن توقيت مناسب لها لكنها رفعت خصلاتها خلف أذنها تهتف مسرعه و كأنها تخشى تراجعها :
- أنا عارفه أنه مش وقته و عارفه ان علاقتنا مش ممكن ترجع زي الأول أنا خذلانى ليكِ كان كبير و صعب تنسيه عارفه ان كل كلمه بقولها دلوقت ملهاش أي قيمه عندك بس أنا مش عايزه امشى و علاقتنا كده احنا ولاد عم و أنا عرفت معنى العلاقات متأخر يا أسيف ، أي عذر ليا ملهوش معنى عندك حتى لو كان مرضى ، أنا لحد من دقايق كنت خايفه اجيلك و فهد هو اللى شجعني و يزيد امبارح ....
ألتقطت أنفاسها ثم أكملت و تلك الدموع تهدد بالهطول :
- زي ما أنتِ مش قادره تنسى أنا كمان مش ناسيه أي موقف أذيتك فيه منغير ما تعملى حاجه ، بس أنا اكتشفت أن العيله كلها طبيعى تخاف عليكِ أكتر مني أنا نفسى استغليت براءتك و جايه و أنا بجد مش عاوزه منك غير أنك تسامحينى و أوعدك انى مش هضايقك تاني أبدا ...
ثم هربت مسرعه هربت قبل أن تجيبها من الأساس لم تكن بمزاج جيد لتلك المحادثات و من الأفضل هروبها من أمامها بعد أن أعادت عليها ذكرياتها السيئة للغايه ...
استقامت بملل تتجه إلى غرفه الملابس لكن ذاك الرنين المرتفع لهاتفها أوقفها مره أخري لتتجه عائده إلى هاتفها تطالع ذلك الرقم الغير مسجل بدهشه ليضرب بعقلها أمر الامضاء الخاص بها الذى طلبها أخيها على أحد العقود موضحاً أنه نسى الأمر بالأمس ، لتجيبه بوجل طفيف تستمع إلى بضع كلمات منه لتهتف باندهاش :
- فى المجموعة دلوقت ؟!! لا تيم قال إن العقد هيجي هنا ، فهم غلط ؟!!
صمتت لحظات بحيره ثم تنهدت تقول بارهاق :
- لا لا تمام ساعه بالكتير و أكون هناك تقدر تنتظر فى مكتب تيم ..
ثم أغلقت هاتفها تُسرع إلي ملابسها ترتدي أول ما وقعت عينيها عليه من بنطال و كنزه بيضاء اللون و أمسكت هاتفها و مفاتيحها الخاصه تهرع إلى مجموعات "آل البراري" ناسيه تماماً أن يوم الاحتفال السنوى هو يوم إجازة للمجموعات ...
اتسعت عينيه حيث يراها تهرع إلى سيارتها المصفوفه بالخارج و تركبها تنطلق إلي خارج القصر بسرعه غير معقوله ! ليرفع هاتفه يحادثها لكنها أغلقت الخط بشكل متعمد ، ليعقد حاجبيه و يتجه إلى الخارج مُعيدا الكرة مره أخرى لكنها تلك المره أغلقت هاتفها تماماااا !!!!
دب القلق أوصاله ليهاتف ابن عمه على الفور و يهتف مقاطعا صوته المرح قائلاً بصرامه :
- نائل هو حصل حاجه عندكم ؟!! أسيف جيالكم ليه ؟!
اتسعت عينيه بصدمه وهو يردف :
- يعني ايه مش جايه و انتوا في السكه .. اومال هى راحت فين بتجري كده .. طبعاااا متأكد معرفش قفلت الفون قول لاخوها كده .. عقد ايه اللى المفروض تستناه ..
جز على أسنانه بغضب و هو يهز رأسه بارهاق :
- و انتوا بتاخدوا امضه أسيف ليييه قبل مانا اوافق هى خناقه ؟!! أنا مش مرتاح للراجل ده و لسه بشوف ايه حكايته و طلع منين فجأه .. يعني هى راحت فين دلوقت اسأل فرح أكيد عارفه لو وراها مشوار ...
أسرع إلى سيارته و هو يحادثه ليستقلها متجهاً خلفها عله يستطيع تفقد أثرها ... يشعر بتلك القبضه تعتصر صدره و كابوس ليلته يتجدد الٱن ليعقد حاجبيه حين أتاه إتصال هاتفي بوضع الانتظار ليغلق مع ابن عمه فور أن اخبره أن لا أحد يعلم شيئ عن وجهتها و أن اخيها بنفسه أصابه القلق ، أجاب الإتصال بتوتر ليأتيه مايخشاه حيث اندلع ذاك الصوت القاسى الغاضب يقول بضحكه ساخره :
- فهد حبيب قلبى ، تعرف حد قبل كده قالى أننا بنحس باللى بيكرهونا و أنت يا أخي الوحيد اللي حسيت بياااا .. البونبونايه بتاعتكم وقعت فى الفخ ، و خلاص كلها دقايق و تبقى معايا ، اه صحيح كانوا بلغوني أنها لسه بنوته مش عيب عليك ياااراجل مش حلوه فى حقك دى ....
اندفعت الدماء إلى عروقه ليهدر بصوت مرتفع و هو يقبض علي المقود بعنف :
- ياااااابن ال** عاايز ايه منهاا ياااا ** لو قربت من أسيف خطوه واحده أنا هدفنككككك أنا مش تيمممم و ربنا احرقك مكااانك
ليأتيه صوته البارد المستفز له و لأعصابه المشتعله :
- يوووه يا فهد شكلهم ضحكوا عليا لما قالولى إنك مبقتش عصبي أوڤر اااه ولا ده أوبشن لحبيبه القلب بس ؟! بس تصدق ليكم حق تخافوا عليها كلكم البنت قمر أوى أنا مستنى رجالتى بفارغ الصبر عليها .....
صرخ يهدر بعنف و غضب و قد برزت عروقه يكاد ينزع المقود من محله :
- بقولككككك ملكش دعوه بيهاااا يااا ** ياابن ال *** و رحمه أمى لو طولتك ما هرحمك ...
ارتفعت ضحكات الآخر الصاخبه وهو يقول بشراسه :
- عيب يافهد ياحبيبى تشتم الأكبر منك كده ولا أنت عشان ماما ملحقتش تعلمك العيب هتقرفنا احنا ؟!!! على العموم أنا اجدع منك و هقولك القمر بتاعنا رايحه فين دلوقت ، القمر طالعه على شركاتكم ياسيدي شوفت بقاا أنا طيب ازاي اااه الشركات فى خلال نص ساعه من دلوقت هتبقي رماد ياحبيب قلبى يعنى يا تلحقها يا تودعها و هى وسط النار بتتحرق قصاد عينيك ... سلام ياحبيبي ...
ألقى الهاتف يسرع بقيادته محددا وجهته إليها و هو يشعر بقلبه ينتفض برعب ليصرخ بجزع :
- ياااااارب ، متخدهاااش منيييي ارجوووووك ....
يكاد يفقد عقله ، سوف ينتهي أمرها بسببه لا يعلم ماهيه ذاك الرجل لكن من الواضح أنه يمقته ، طالما تسبب لها بالأوجاع طالما دفعت ثمن براءتها و ها هى تدفع مره أخرى لما يحدث له ذلك ؟! هو لم يعشق سواها ، لم تتمكن امرأة من ذاك القلب المتمرد سوى تلك البريئه الجميله التى تذهب الآن بعيداً عنه ملوحه بيدها ...
جذب خصلاته بعنف يزيد من سرعه السياره صارخاً لحاله :
- غبيييي كااان لازم امنعهااا يااااارب بقااااا المره دى بسسس ارجوووك ارجوووووك رجعها ليااااا ...
رن هاتفه مره أخرى برقم شقيقها ليجيبه علي الفور بصوته المتحشرج صارخاً به :
- فرحاااان بنفسكككك دلوقت أهوه الحيواااان اللى عاوزها تمضيله هيقتلهاااااا ياااغبييى .. انا رايح الشركة قالى فى خلال نص ساااعه هيولع فيهاااا ....
وصل أخيراً لكن المكان هادئ تماماً سيارتها تقف أمامه ليرتجل و نبضات قلبه تكاد تصل عنان السماء يُمسك هاتفه بخوف يبحث بعينيه عنها لكن السياره فارغة تماماً !!!
اتسعت عينيه حين انطلقت صرخه منها بأسمه !!! تستنجد به !! لكن أين !!!!! دار حول نفسه و عينيه تتفقد المكان يصرخ بأسمها بعنف بالغ يركض إلي مصدر تلك الصرخات حيث المخازن الخلفيه التى تم بناؤها حديثاً !!!
اتسعت عينيه حين وقعت عليها أخيراً مُكبله بتلك الحبال أرضاً و دموعها تهطل بعنف تصرخ باسمه ليهرع إليها يفك أسر تلك الحبال عنها ، باغته أحدهم بضربه عنيفه بمعدن ما فوق ظهره ليسقط جسده فوقها من المفاجأه لحظات و ارتص المكان بعدد لا بأس به من الرجال .. لم يتمكن من الاعتدال وصد الهجمات اذ بدأ الرجال بالنيل منه بضربات متفرقه قاسيه بأنحاء جسده و هى تراقبه صارخه باسمه إلى أن شعرت أنها تفقد صوتها لكنه سوف يسقط صريعاً بين أيدى ذاك العدد الكبير من الرجال الأشداء ، سحبه اثنين بعيداً لكنه لم يصرف عينيه عنها رغم تلك الدماء التى غطت جسده من فرط عنف هؤلاء و ضرباتهم القاسيه فوق جسده بالرغم من قوه بنيانه إلا أنه لم يستطع مجابه أربعه عشر رجلاً !!!! بالطبع و من يمكنه مجابهه ذاك العدد بمفرده ، أخيراً ظهر ذاك القذر يتجه إليه واقفاً يضحك بانتشاء واضح يردد ببرود فى حين يراقب ملامحه المُدماه و هندامه المشعث المُلطخ بدماؤه التى تسيل من أنحاء جسده و عينيه عليها هى !! هى فقط ! يراقب صرخاتها الباكيه بأعين دامعه عاجزه .. و اااه من عجز الرجال .. :
- طبعا أنت محتاج تعرف أنا بعمل معاك كده ليه ، الحقيقة يا فهد أنا مش بعمل معاك ، أنا بعمل مع أبوك القذر تار قديم بينا و هو مات قبل ما يخلصه ، خد بنت خالتى و علقها بيه و بفلوسه و هى كانت هتتجنن على أبوها اااه أنا ابقاا ابن خاله مرات أبوك الأولي و اللى قتلتوهاا و أبوك راح عاش حياته و اتجوز بعدهاااا و هى ماتت و روحها فى واحد بسسس ابوهاا ....
ثم أشار إلى "أسيف" التى تنتفض من فرط صرخاتها و بكائها الآن هو فقط يحاول ، يحاول أن يتغلب على تلك الآلام المُبرحه و القيام لكن مُحال هو يشعر بتلك الكسور بأنحاء جسده لكن ما دفع الدماء بجسده بقوه و جعله يصرخ بعنف شديد حين اقترب ذاك المُدنس منها يتلمس جسدها و هى تزحف صارخه بعيداً عنه ليُمسك بتلك القطعه الحديديه و يُغمض عينيه مجبراً جسده على الاعتدال مستغلاً فارق المسافه الصغير يغرسها بساقه الممتده ناحيته مما دفعه للصراخ و الابتعاد عنها على الفور يُشهر سلاحه يصرخ بألم ليقترب هو منها يغطيها بجسده مُلقياً ثقله عليها :
- يااابن ال* مش هتخرج منها حى ...
ثم انطلقت تلك الرصاصات لتخترق ظهره لتنطلق معها صرخاتها العنيفه الملتاعه باسمه :
- لاااااا فههههههد ... فههههههههههههد ...
لكن ما من مُجيب ليكون آخر ما تستمع إليه منه بأذنها :
- ربنا رجع حقك ياأسيف ... بس .. انااا حبيتك .. قولتلك .. مش هتخ..لصي منيي .. إلا بموتى ....
اندفعت صرخاتها و بكائها المرير بشهقات مرتفعه للغايه تصرخ و تنوح باسمه كم تمنت أن تراه محلها حين عذبها .. لكنها نادمه أشد الندم على تحقق تلك الأمنية الآن بتلك البشاعة ... كل ساقٍ سيُسقى بما سقى !!!
الحياه ليست عادله بالمره من ينتظر المثاليه لن يجدها نحن بشر و الكمال لله فقط ....
🫂🫂🫂🫂🫂
29=الفصل التاسع والعشرون "فرصة !" " الأخير ج2 "
للجميع@
جلس "تيم" فوق المقعد الخاص بالمشفى و هو يدس جسد شقيقته التى أصابتها حاله انهيار فور تلك اللحظات الثقيلة داخل أحضانه ، لا زالت تنتفض ببكاء و شهقات مرتفعه تهمس بكلمات مُبهمه لا زالت بأسوأ حالاتها على الإطلاق إلى الآن لم يفهم تفسيراً لذاك المشهد الدامى الذى صعقه بل و صعق الجميع ابن العم مُلقى فوق جسد شقيقته ينزف الدماء من جميع أنحاء جسده و ذاك المُدنس يحاول الهرب لتنطلق خلفه أفراد الشرطه تلحق به ، و يظل ذاك المشهد الصادم كما هو بعقولهم ...
عوده بالأحداث لساعات قليلة منصرمه ...
ترجل ابناء العم من السيارات يهرولان إلى مصدر صوت الطلقات الناريه و صرخات "أسيف" تكاد تصم الآذان انتشرت أفراد الحراسة الخاصه و الشرطه بالمكان و بلحظات تحول المكان إلى ساحه قتال حيث بدأ الرجال بمحاولات الهرب المعتادة بتلك الحالات هرع "تيم" إلى شقيقته الملقاة أرضاً أسفل جسد ابن عمه لتصعقه الصدمه حين رأى ابن عمه الغارق بالدماء يحيط جسدها أسفله مُلقياً رأسه فوق صدرها و هى تصرخ بصوت ملتاع بإسمه تحرك إليها بعد أن استغرق الأمر لحظات يراقب المشهد هو و ابن عمه بأعين دامعه هبط أرضاً بجانبها يفك أسر تلك القيود عنها و هى تصرخ بذاك الساكن فوقها بلا هوادة تطالعه بأعين متسعه بارتعاب بالغ :
- فهههههد !!!! فههههههد أرجوك اووعى .. تيمممم الحقه ارجووووك ...
مجرد أن فك أسر يديها دفعتها إلى رأسه ترفعها و تطالع ملامحه الغارقة بدماءه ببكاء حار ثم تشبثت فجأة بقميصه الغارق بدمائه حين اتجه أفراد الأسعاف إليهم ليرفعوا جسده عنها لنقله إلى المشفى جذبها شقيقها إلى أحضانه يحاول إيقاف حركاتها الهستيريه و صرخاتها المتتالية أثناء مقاومتها إياه بعنف لفك أسرها أسرع إليها "نائل" يجثو بجانبها يقول بصوته الباكى :
- أسيف اهدي لااازم ننقله المستشفى عشان يلحقوه ..
صرخت بهم بكلمات غير مفهومه تتابع جسده الذى تسطح بسكون فوق الفراش المتحرك الصغير ، ثم بدأت تحاول الاستقامه بجسدها بإصرار غريب تقول بغضب :
- اوعااا ، عاوزه اركب معاااه اوعااااااا ....
لم يكن توقيت صائب للاندهاش فك "تيم" أسرها لتقف مهروله إلى السياره قبل إغلاقها تدلف إليها ثم تختفى داخلها معه ..
الوقت الحالي ....
صمتت فجأة عن البكاء أخيراً و بعد ساعات متواصله من الإنهيار التام لدرجه جعلته يرتعب عليها ثم خرجت من أحضانه تنظر إلى كنزتها البيضاء الصغيره المُلطخه بدمائه و تلك الدموع تسيل من عينيها بلا توقف تهمس أخيراً بكلمات واضحه لشقيقها و ابن عمها الجالس بالمقعد الصغير بجانبها :
- مكنش قصدى مردش عليه ، لو كنت رديت مكنش حصله كده .... أنا السبب ياتيم ..
كان من الصعب تفسير كلماتها ببادئ الأمر خاصه حين أصبحت نبرتها خافته و صوتها مبحوح إثر تلك الصرخات المتتاليه و البكاء المرير ..
لم يفهم أحدهم كلماتها اللوامه المعاتبه لحالها حيث تعمدت تجلد ذاتها بكلمات واضحه تشير إلى حالها باتهام صريح لتتابع همسها قائله بخوف واضح تنتطق به عينيها قبل شفتيها :
-هيعيش ؟!!!
كتم "نائل" دمعاته و أشاح بوجهه بعيداً حتى لا تسوء حالتها ليحتضن أخيها وجهها و يهمس لها بقوه :
- ان شاء الله هيقوم متخافيش .. فهد مش ضعيف و الاسعاف قال نبضه كان متواجد لحد ما وصلوا بيه هنا و هنا اسعفوه على طول .. مش مهم يأخروا بس هيخرج عايش ، ربنا مش هيسيبه ...
انطلقت الدموع و الشهقات مره أخري منها تستسلم لأحضان أخيها التى طوقتها بلوعه يربت علي جسدها و دموعه تسيل بهدوء تام يشير لإبن عمه بعينيه ناحيه الغرفه عله يستطيع أن يستقصى عن حالته خلف ذاك الباب المُغلق منذ وقت طويل ...
استقام "نائل" بنفس اللحظات التى انفتح بها الباب على مصرعيه و التى أتت بها العمه و العم و الجد و الفتيات بهروله من نهايه الردهه و قد وصلهم الخبر منذ وقت قصير عن طريق وسائل الإعلام حيث أوقف "تيم" إحدى السيارات الأجره لتصل الفتيات إلى القصر مُعلنا أنه طرأ عمل هام و لم يظن أن الأمور سوف تصل لتلك البشاعه ..
خرجت من أحضان أخيها تهرع ناحيه الطبيب بأعين متسعه و جسد يرتجف لفت انتباه الطبيب على الفور ليردف بنبره هادئه عله يمتص رعبها الواضح :
- اطمنواا ، الحمدلله الرصاصتين بعيد تماماً عن الأعضاء الحيوية للجسم ..
لم تنتظر حديثه لتقول بنبره متلهفه باكيه :
-يعني عايش ؟!!
ابتسم لها ابتسامه قصيره يهز رأسه لهم بالإيجاب قائلاً :
- أيوه الحمدلله و كمان الرصاصه جت فى الكتف و التانيه كانت خربوش واضح ان اللى ضرب النار مكنش متمكن من السلاح الحمدلله ، بس للأسف الكسور اللى فى جسمه كتير و فى منهم هيحتاج علاج طبيعي فتره ...
لم تستمع إلى ما تبقى من حديثه حيث سمحت الآن لجسدها الصغير بالأنهيار لتسقط مُغشياً عليها بأحضان أخيها الواقف يحتضنها بقوه متوقعاً منها ذلك لقد مرت بلحظات عصبيه لم تخلُ من البكاء و الشهقات و الرعب المُسيطر على جميع خلاياها .....
رمشت بعينيها عده مرات تعود إلى الواقع مره أخرى حيث تشعر برأسها ثقيل للغايه لا تتمكن من الاعتدال لتعقد حاجبيها بغضب طفيف و تلك المشاهد الأخيرة تندفع لذاكرتها واحده تلو الأخرى لتهمس بصوتها المتحشرج العالى نسبياً :
- فهد !! تيممم !!
شعرت بظل أخيها أخيراً يحجب عنها الرؤيه لتفتح رماديتيها جيداً تستوضح صورته المهزوزه و تقول بقلق :
-فهد !
تنهد "تيم" و هبط بجزعه مُقبلاً خصلاتها بحنو قائلاً بلطفه المعتاد معها :
- متقلقيش ياحبيبتي ريحى إحنا كلنا هنا معاه و هو لسه مفاقش !!
همست بأعين دامعه مُنهكه تردد كلمته بخوف :
- مفاقش ؟!! ازا..
قاطعها يربت على خصلاتها و يقول بحنو :
- لا يا قلبى أنتِ فهمتي إيه .. ده طبيعي الدكتور قال من المخدر و تأثير العملية عليه متقلقيش حالته مستقرة ..
عقدت حاجبيها و لأول مره ترمقه بعدم تصديق و اقتناع استوعبه على الفور ليبتسم لها قائلاً بلطف :
- عاوزه تشوفيه ؟!!
هزت رأسها بالإيجاب بتوتر طفيف بنظراتها ليبتسم لها قائلاً بلطف :
- حاضر أول الدكتور ما يدخل و يشوفك أوعدك هوديكِ هناك هو أصلا فى نفس الدور ده ، غمضى عينيكِ و ارتاحي شويه ياقلب أخوكِ و البنات هنا معاكِ ...
نظرت حيث أشار برأسه كيف لم تلاحظ وقوف صديقتيها و ابنه عمها معهم إلى الآن تكاد تُجزم أنها بعالم آخر لأول مره تُريده بمحض إرادتها الكامله ، تريد أن تراه بل و تتلمسه حياً أمام عينيها ليطمئن فؤادها ، انسلت الدموع من مُقلتيها بإنهاك و مشهد أغلاقه لعينيه و ارتماء رأسه فوق صدرها يثم بثه بعقلها .. كلماته التى كانت بمثابة وداع تتكرر الآن بأذنيها أغمضت عينيها بإرهاق تشعر بيد صديقتها تربت على خصلاتها بلطف ثم تميل تهمس لها بكلمات مُطمئنه اعتادتها منها ...
أظن أنكم أوهمتم أنفسكم أنى أحب العُزله و الوِحده المُفرطه لكن لا أخفى عليكم سراً ، كنت أنتظر .. كنت أريد يدك صديقى لتربت على ظهرى بحنو تخبرني أن كل شيئ على ما يرام و أن صمتى معبراً عما يجيش بصدرى المكلوم يكفيك صمتى و يكفينى مداواتك ليسكن قلبي بين أضلعى دون مجهود ، و سرت معك الأمور كما خُطط لها ....
[*-
ابتسم "نائل" يُزيل تلك الدمعه الشارده أثناء جلوسه بمفرده فور مغادره غرفه ابنه عمه المكلومه ، اتجه إلى الغرفه الخاصه بزوجها و ابن العم الذي أظهر بسالته بذاك الحادث المروع ، لقد كاد يُزهق روحه فداء لها و لشرفه ، طالما كان يراه رجل صارم أحب براءه ابنه العم ليس إلا لكنه أظهر للجميع مدى عمق مشاعره بتصرفات و ليس كلمات حب زائفة و وعود خائنة ...
توقف عن الحركه حين أمسكت "روان" طرف قميصه تقول بتذمر واضح :
- إيه يابنى خطوتك سريعه كده و مش بترد علياا ..
دس يده بخصلاته بهدوء بتنهد بحرارة مُعتدلاً يكمل سيره و هى تجاوره يقول باعتذار :
- آسف مأخدتش بالى ...
نظرت إليه بحزن بطرف عينيها ثم قالت بلطف و هى تلكزه بذراعه بخفه :
- مالك كده الحمدلله أنهم بخير شكلك نكد مش زي ما فكرتك ..
عقد حاجبيه و هو يحتفظ بملامحه الحزينه قائلاً بخشونه حيث لم يكن بمزاج جيد للممازحه :
- نكد ايه ابن عمى اتكسر و مراته بنت عمى منهارة المفروض اعمل ايه ..
اشعرها بالحرج لترفع خصلاتها الكثه القصيره خلف أذنها و تسير بصمت وتوتر ، وقف فجأة متأففاً يقول باعتذار :
- آسف مقصدش اتكلم كده بس و أنا متضايق بحب أكون لوحدي لأنى ببقي بايخ شويه ..
ابتسمت و قد تغيرت ملامحها فجأه تقول بمشاكسه :
- أنت بايخ على طول ..
رمقها بنظره متأففه ثم اعتدل يُكمل سيره قائلاً بغضب :
- أنا غلطان انى كلمتك ...
ضحكت بخفوت و سارت بجانبه تقول بمزاح خفيف :
- خلاص بقاا متبقاش قماص كده هتعدي إن شاء الله و هيبقي تمام .. و بعدين على فكره مراته دي صاحبتي و أزعل عليها أكتر منك كمان ...
زفر أنفاسه بارهاق ثم توقف أمام غرفه ابن عمه مباشره و قال بحزن :
- أنتِ مشوفتيش منظره و هو غرقان في دمه و مغطيها بجسمه ، و على حسب كلام واحد من رجاله الحيوان اللى اتمسكوا انه عمل كده لما فارس حاول يتحرش بيها و أخد الطلقتين بعدها ، احنا كلنا كنا فاكرينه ندمان و عاوز يصلح غلطه أو من براءتها محبش يخسرها لكن اللى حصل غير كل أفكارى عنه و خلاني أحس بالذنب ناحيه أفكاري كلها ، فهد غلط و كان محتاج فرصه تانيه مننا كلنا ، و رغم انه عارف إن كلنا هنتعاطف مع أسيف و نرفض رجوعها ليه استحمل الفتره اللى فاتت كلها عشان يعالجها ، و دي كمان فسرتها أنه عاوزها ليه و قولت يمكن عالجها عشان تحبه أو بيدور على أمه في براءه أسيف لكن حقيقي غير كل أفكارى و كان هيروح فيها أحنا لازم نضحى بنفسنا عشان ناخد فرص تانيه فى عقول الناس ؟!! فهد لو مكانش عمل كده كنت أنا هفضل بأفكاري عنه و تيم و كل العيله حتى أسيف ... احنا بنبقي كلنا غلطات و نمسك فى اللى اتعرفت غلطاته كأننا ملايكه مش بنغلط حقيقى أنا حاسس بقرف من نفسى أوى ابن عمى كان بيصارع الموت و متخلاش عنها دفع تمن غلطه أبوه و أمه منكرش انى كنت متعاطف مع أسيف أكتر منه بس أنا اكتشفت أن اللى كان محتاج تعاطف هو فهد ، فهد اللى وقف قصاد نفسه و اعترف أنه مريض نفسى و محتاج علاج و راح و اتعالج و لما خلص علاجه كمان استلم علاج اللى حبها و استحمل نظرات مننا سخيفه و مني أنا نفسي فى البدايه ، استحمل معامله تيم اللى عمرى ما شوفته بيعاملها لحد ، استحمل رفض أسيف و كلامها و انفجارها فيه أكتر من مره ، و فى الآخر كان هيموت عشانها .. مش فهد اللى محتاج علاج نفوسنا هى اللى محتاجه علاج عشان مانشوفش غلطات الناس كده و أن كل واحد فينا محتاج فرصه تانيه احنا بنتعامل اننا إله بنبقي القاضي و الجلاد ... كل اللى بص لفهد أنه ملهوش فرص كان غلطان فهد كان ممكن يرجع أسوأ من الأول من أول رفض ليه لكن هو حقيقى اشجع واحد فينا و أفضل مننا كلنا دلوقت ..
نحن بشر نُخطئ و نُصيب فأحذر نظراتك و همساتك أيها السيد المُبجل الحياة ليست عادله و ما تُعيبه اليوم بأحدهم يأتي إليك غداً مهرولا يرتمى بأحضانك لتكون محط الأعين و الأنظار ...
صمت أخيراً يلتقط أنفاسه بعنف و قد حضرت أغلب أفراد العائلة التى كانت بطريقها إلى الابن المُصاب يراقبن الابن المرح بأنظار متسعه ، آخر ما كان يتوقعه أحد هو انفجاره بتلك الكلمات الصائبة الموزونه للغايه ، سار "تيم" ناحيته ثم توقف أمامه وهو يراقب تلك الدموع التي تسيل فوق ذقنه المشذبه بهدوء مناقض تماماً لحاله صاحبها ، احتضنه بقوة صامتاً و راح يربت على كتفه و خصلاته بحزم خفيف ظلا هكذا لحظات قبل أن يستقيم "تيم" معتدلاً يتجه إلى غرفه ابن عمه بدموعه الحبيسه ...
راقبت "ندى" ما يحدث بملامح صامته فقط دموعها التى تهطل كانت خير جواب على ذاك الوجع داخلها ، اقتربت منها العمه تهمس لها بهدوء :
- ندي تعالي معايا الكافيتيريا نطلب قهوة أو حاجه نشربها ..
انصاعت لها بهدوء تام و انصرفت معها إلى هناك علها تهدأ قليلاً من تلك الصدمات المتتالية بالرغم من تواجد الفتيات معها و دعمها منذ تلقي الخبر و بالرغم من عدم معرفتها الجيده بهم إلا أنهن لم يتركاها للحظه سوى حين انصرفت مع العمه ...
جلست العمه و ابنه أخيها يتناولن المشروب الساخن بارهاق واضح على ملامحهم لتعقد العمه حاجبيها حين وجدت شاب ثلاثينى يقترب من الجانب يلوح لابنه أخيها المصدومه لحظات و كان ماثل أمامهم يقول بصوت متوتر قليلاً :
- ندى !! أنا لسه شايف الأخبار ، كنت في ميتينج و كلنا اتصدمنا لما سمعنا ؟!! هو عامل ايه دلوقت ..
رمشت عده مرات ثم نظرت إلى عمتها التى تتساءل بنظراتها عن صله ذاك الرجل بها ! لتقول بتوتر طفيف :
- عمتو ده أكرم رسلان .. أكرم دى عمتو !!!
لاحت ابتسامه خفيفه ترحيبية بالضيف المفاجئ على وجه العمه ثم قالت فى حين تستقيم بجلستها بهدوء مرحبه به :
- أهلاً و سهلاً يابني ! اتفضل ارتاح أنا هروح أشوف مراد عدى على الحسابات ولا لسه ..
ثم غادرت متجاهله عن عمد نظرات ابنه الأخ الممانعة لتركها تنهدت "ندى" بحزن حين استمعت إلى رده المهذب على عمتها ثم تلبيه الدعوه و الجلوس ليقول فور جلوسه :
- ليه مابلغتنيش ياندى ؟! آسف إني جيت منغير مااستأذن بس أنا قلقت عليكم .. و عليكِ أنتِ تحديدا ..
حدقت به بصمت لحظات ثم سرعان مانفجرت مره أخرى ببكاء مرير جعله بحاله صدمه حيث يراها بتلك الحالة من الانهيار لأول مرة منذ أن تعرف عليها !!!
-*-
تركت "فرح" ابنه خالتها و اتجهت إليه فهو فور خروجه من عند ابن عمه بعد أوامر من الطبيب جلس أعلي المقعد أمام غرفه شقيقته بانهاك واضح !!
سارت عينيها العاشقه على ملامحه الرجوليه الحزينه المهمومه لينتقل إليها عدوى الحزن و تتجه إليه علي الفور تجاوره بجلسته تتطالع هيئته المشعثه تقول بهدوء :
- متقلقش هيبقي بخير .. الحمدلله الدكاتره كلهم قالوا حالته مستقره جدا و شويه و هيبدأ يفوق من المخدر !!
نظر إليها بحزن شديد ثم إلى قميصه الذى يحمل آثار دماء ابن العم إلى الآن ليُغمض عينيه يقول بوجع :
-مكنتش اتخيل انه ممكن يعمل كده ، نائل عنده حق أنا مقدرتش أنسى اللى عمله فى أسيف و مراعتش أبدا انه اتعالج بنفسه و انه كان مريض ، بس دى أسيف يافرح كنت هسامح ازاي بس ..
انسلت دمعات خائنة من مقلتيها لتمد يدها الصغيره إلى يده تحتضنها بحنو بالغ تهمس له بحزن :
- و هو استحمل عشان عارف أنك بتعمل كده حب فى أسيف يا تيم متحملش نفسك فوق طاقتها مش مهم اللى فات يا تيم أنت لسه فى ايدك فرصه تقوله أنك سامحته ربنا عمل كده عشان النفوس كلها تصفى و لأنه يستاهل فرصه تانى ...
حدق بها بابتسامه هادئه وعينيه تسير على ملامحها بهدوء تام دفعها أن تنكس رأسها بخجل شديد و ابتسامه خفيفة ثم وقفت متوترة تقول بصوت مرتجف قليلاً :
- اناا هجيبلك قميص غير ده من الهدوم اللى جت و هدخل أشوف أسيف ..
ثم هربت مسرعه يتابعها بهدوء يهز رأسه بابتسامه صغيره لازمته بعض الوقت ..
كان "نائل" يتابع المشهد من بعيد ليهمس أخيراً و قد عادت إليه نبرته المازحه بعض الشيئ :
- يعني كان لازم ابن عمي يشوف الموت عشان بنت خالتك تخف تقل على الواد ؟!!
رفعت "روان" حاجبها الأيسر تقول باندهاش من تحوله فجأة فى حين أنها تخشى الحديث بجانبه منذ وقت حتى لا تُثير غضبه لينظر إليها باندهاش لصمتها يقول بابتسامه بشوش :
- مصدومه من الكلام صح .. اصل انا نسيت اقولك احنا عيله بنت كلب مجنونه كلها من أكبر واحد لأصغر واحد عشان كده حاولي تتعايشى معانا ...
حدقت به بذهول و قالت بصدمه :
- أنت اكيد بتهزر ده أنت كنت بتعيط و منكد عليا بقالك ساعه ...
رفع حاجبه يجيبها باندهاش :
- الله ماقولتلك عيلتنا بنت كلب أنتِ غاويه اشتم فيهم .. و بعدين تعالى هنا شاايفه بنت خالتك مظبطه الواد ازاى مش شايفانى قميصى معفن و ريحتى طلعت بقالي ساعه قصادك ..
اجابته بصدمه :
- مش فاهمه اعمل ايه و بعدين أنت ايه البرود ده قاعد تهزر و ابن عمك و بنت عمك فى الحاله دي ؟!!
نظر إليها بسخريه ثم قال يشيح برأسه :
- الله مش عيطت شويه و خلصنا ، و الواد حالته استقرت و طلعت اللى جوا قلبى ، ابشر على الواد و اكمل عياط ، دلوقت يصحى إن شاء الله فهد زى الزومبي حتى الرصاص مقتلوش ..
رفعت حاجبها تصيح به باستنكار :
- ياساتر بتحسد ابن عمك يااابني ادم و أنا اقول يعينى الواد بيحصل فيه كل ده ليه طلعت أنت اللى حاسده !!
أشار إلى نفسه باستنكار لكلماتها و قال بصدمه :
- انااا بحسده و هو ده حد يحسده ده فكراه ضحيه بجد ؟! ده بلطجييي ... بقولك ايه أنا قايم اغير هدومى خليكِ أنتِ هنا عيطي يااختي ...
-*-
مرت الساعات ثقيله على الجميع و كلا منهم بعالم حيث جلس العم و العمه بعد أن اصرا على صرف الجد إلى المنزل ليرتاح قليلاً و هما ينتاقشا بصوت خفيض هادئ يهمس مراد بحزن :
- و بعدين ياسمر شويه عيال و حياتهم باظت بالشكل ده حقيقي ما يفعله الآباء يدفع ثمنه الأبناء دايما ...
أغمضت عينيها وهي تعود بجسدها للخلف تمسح دموعها بأناملها وتهمس له بصوت متحشرج :
- الله يرحمه أخوك موت مراته و دمر ابنه و بنته بعمايله و احنا غلطنا بسكوتنا كان لازم نتوقع أن قعده فهد مع أبوه و هو مريض هتخرجه أسوأ من كده ..
هز رأسه بالإيجاب بخزى يقول بحزن بالغ :
- و فهد كمان قوى على رأى نائل تخيلى لو كان أضعف من كده أو مش معترف بمرضه زى ندى و أبوه ، شوفتي تعبنا مع ندي إزاى ؟!!
أيدته تلوم حالها بحزن :
- أيوه ! كلنا غلطنا كان لازم نتعامل بحذر مع البنتين بس أحنا كنا شايفين ندى قويه و قولت أسيف دايما محتاجه دعم عنها .. كل الغلطات بتطلع من الأهل الأول يا مراد لو كنا نجحنا فى المساواة بين ندى و أسيف كانت ندى هتبقى سويه و أسيف كمان مكنتش هتبقي ضعيفه حمايه تيم الزياده ليها و خوفه عليها المبالغ فيه كان غلط كان لازم يعلمها مواجهة العالم و انه عالم سيئ براءه أسيف فيه غلط ..
تنهد يفرك وجهه بارهاق ثم حل رابطه عنقه يقول باختناق :
- عندك حق كلنا غلطنا و اللى دفع التمن كان هيروح مننا الحمدلله انها جت على قد كده نخرج من هنا على خير بس و كل أمورنا هتتحسن ...
توقفت الكلمات على شفتيه حين لمح ابنه أخيه تفتح باب غرفتها و "فرح" تجاورها تُمسك ذراعها تحسُباً لأى شيئ ، رباه هل تلك جميلتهم !! لقد شحبت ملامحها و كأنها جسد بلا روح تسير بشرود ليقف متجهاً إليها على الفور يتبعه ابنه فور أن لاحظها ، احتضنها العم يسندها بهدوء و يهمس لها بلطف :
- أسيف أنتِ بخير ؟!!
لم تجيبه بينما راحت تطالع بعيونها من حولها تتفقد وجود شقيقها ليبتسم لها "نائل" مُشيراً إلى غرفه بنهايه الممر يقول :
- لو بتدورى على تيم هو فى أوضه فهد بقاله فتره ، بس لازم تستني شويه لأن الظابط لسه سائل عليكِ و محتاجين ياخدوا اقولك عشان اللى حصل ده ..
عقدت حاجبيها بحزن و عدم استيعاب ليبتسم لها بلطف قائلاً :
- طيب تعالى ندخلهم و بعدها ارجعى كده كده الظابط معاه مكالمه تقريباً ...
هزت رأسها أخيراً بالإيجاب ليصطحبها عمه بهدوء إلى هناك بالفعل ..
دلفت إلى الغرفه بهدوء تغلق الباب خلفها استقام أخيها واقفاً حين رآها و اتجه إليها يراقب تعبيراتها الواجمه حين وقعت عينيها على جسده المُسطح بالفراش يتصل بالأجهزة و تلك الكدمات الناتجة عن ذاك العنف الذى تعرض له تغطى جميع أنحاء ما ظهر من جزعه العلوى و ملامحه هبطت دموعها على الفور تسير نحوه بخطوات متوتره و سيطرت عليها حاله من عدم التصديق لقد كان يقف أمامها صباحاً يمارس طقوس مشاكسته لها كيف يصل بهم الأمر لهكذا ؟!
وصلت أخيراً إليه لتسمع صوت إغلاق الباب بهدوء من الواضح أن أخيها ترك لها مساحه من الخصوصية معه !
استمعت إلى همس خفيف صادر عن شفتيه لتتسع عينيها حين وجدته يرسم ابتسامه مرهقه على وجهه المليئ بالكدمات يهمس مره أخرى بصوته المتحشرج مما جعلها تهبط على الفور لمستوي رأسه تضع أذنها بجانب شفتيه ليكرر كلماته المازحه :
- بتعيطى ليه يابيبى لسه عايش ..
اندفعت الدموع من مقلتيها و تلك الابتسامه ترتسم على شفتيها لتحيط وجهه بحذر و لطف بكفيها الصغيرين و تحاول السيطره على أنفاسها المتهدجه بصعوبه تلصق جبينها بجبينه بخفه تحدق لحظات برماديتيه المُنهكه هامسه أمام شفتيه بسعادة يخالطها بكاء عدم التصديق :
- حمدلله على السلامه ياقلب البيبى !!!
لم تُعطيه فرصه لاستيعاب ما قالته للتو فى حين أنه يحاول من الأساس استيعاب عودته للحياه مره أخرى هو أفاق منذ قليل و تحدث قليلاً إلي ابن عمه الذى لأول مره يمدح صنيعه و يثنى عليه بكلمات لم يستعب أغلبها بسبب حالته لكن ما اشعره بالصدمه حقاً حين هبطت بشفتيها تلتهم شفتيه بخجل بالغ استشعره منها جيداً و ذلك دفعه للتبسم لاعناً تلك الجروح و القيود التى تمنعه عن دسها بأحضانه و هى تداهمه بشفتيها البريئه المتوترة لأول مرة ثم دست وجهها بخجل بالغ بعنقه .. صدمته بل كانت أشد الصدمات عليه تلك الفعله الجريئة من فتاته البريئة !!!!!
لكل منا حصونه المُهلِكه التي يصنعها بنا أحدهم بكلمه .. ذكري .. موقف لا يُنسى و لا يُغتفر تلك الحصون قد تهوى بنا من قمه الهاويه إن لم نضع لها حداً و نتركها تقود مشاعرنا و أفكارنا بلا هوادة و الهلاك الحقيقي يحدث حين تدفعنا تلك الحصون أحياناً لأفعال لا تمُت لأخلاقنا بِصِلة ، و لكل منا رفيق درب يهدم تلك الحصون ليُعيد تأهيل قلوبنا المُنهكه و أرواحنا الغارقه ... فهنيئاً لمن قابل الرفيق و هنيئاً لمن صنع رفيقه من بقايا تلك الحصون المُهلكه
تمت بحمد الله
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا
وأيضا زرونا على صفحة الفيس بوك
وايضا زورو صفحتنا سما للروايات
من هنا علي التلجرام لتشارك معنا لك