
رواية جبل النار
الفصل التاسع والثلاثون 39
بقلم رانيا الخولي
الخاتمة 1
وقفت أسيل أمام المرآة تمشط خصلاتها تتحاشى النظر إلى انعكاس صورته وهو يزرر قميصه بجوارها بكل هدوء وكأنه لا يعبأ بى فضولها
لكنها لم تستطيع الصمت أكثر من ذلك فالتفت إليه وقالت بانزعاج
لازم كل مرة تخرجني على عمايا كدة؟
رفع حاجبيه بمكر
_الله مراتي وانا حر فيها اخدها على عماها برضاها انا حر.
تطلعت إليه بغيظ
_يا سلام، طيب وإياد؟
اخذ الفرشاة ليمشط خصلاته وقال بهدوء
_إياد مع جده بيراجع طفولته معاه متقلقيش.
ألقى الفرشاة من يده وقال بمكر
_وبعدين هو مشوار صغير وهنرجع على طول متخافيش اوي كدة.
اغمضت عينيها بيأس منه
_يعني برضه مش هتقولي رايحين فين؟
غمز لها بشقاوة
_هخطفك.
اتسعت عينيها بذهول
_ما انت لسة خاطفنى من شهر ويادوب لسة راجعين امبارح.
هز كتفيه ببساطة
_وايه المشكلة لما اخطفك تاني وتالت ومليون..
لف خصرها بذراعيه الحانيتين وتابع
_طول ما انا عايش هفضل اخطفك لحد آخر يوم في عمري، حتى لو مت...
وضعت يدها على فمه تمنعه مسرعة وقالت بخوف
_اوعى تنطق الكلمة دي تاني (تطلعت لعينيه وبوجل) مقدرش أعيش في الدنيا دي وانت مش فيها.
الخوف الذي لاح بعينيها جعله يصر على ما انتواه
فرفع أنامله إلى وجنتها يتحسسها وتحدث بحنو
_حتى لو حصل هتلاقي روحي معاكي مش هتفارقك لحظة واحدة.
شعرت بالخوف أكثر وتذكرت مغامراته في البحر فقالت بخوف ورجاء
_داغر لو بتحبني فعلاً بلاش الجنون اللي كنت بتعمله ده، أرجوك بلاش تنزل المايه في العواصف…بلاش تنزلها خالص، عشان خاطري.
أومأ لها بحب لكنها لم تقتنع بتلك الإيماءه فمال على ثغرها يقبلها بحب ووله متناسيًا كل شيء
لا يتذكر سوى تلك الحورية التي تستكين بين يديه رغم مخاوفها.
توقفت السيارة أمام البناية وتطلع داغر إلى أسيل التي لا تعرف لما جاء بها إلى ذلك المكان فسألته بتوجس
_داغر احنا جايين هنا ليه؟
ابتسم لها يطمئنها
_تعالي نطلع وانتِ هتعرفي كل حاجة.
ترجل من مقعده والتف ليفتح لها الباب ضاغطاً على يدها بحب كي يشعرها بالأمان الذي حاول بكل الطريق أن يعيده إليها لكن دائما تبوء محاولاته بالفشل.
استسلمت له أسيل وصعدت معه ليقف كلاهما أمام عيادة لدكتورة أمراض نفسية
تطلعت إليه بتوجس فطمئنها بنظرة منه وصوته الحاني يقول
_لازم يا أسيل عشان تتخلصي من الخوف اللي جواكي.
اهتزت نظراتها وقد تلاعبت بها الظنون بأنه بدأ يستاء منها ولا تلومه على ذلك ففي كل مرة يقترب منها يعاني حتى تستسلم له
فتمتمت بصوت معذب
_انا عارفة إنك مليت مني و…..
قاطعها داغر
_هششش أوعى تقولي الكلمة دي تاني، أسيل احنا اللي بينا مش مجرد علاقة بين زوج وزوجته اللي بينا اكبر بكتير ومش ده السبب اللي جايبك عشانه
انا جايبك عشان تتخلصي من كل المخاوف اللي جواكي، انا صحيح حاولت اعوضك كتير بس مينفعش أكون انا السبب في كل اللي انتِ عشتيه وأكون انا طبيبك.
امسك يدها الباردة وقال بثقة
_انا عارف انك قوية لأن مفيش واحدة تمر باللي انتِ مريتي به وتفضل واقفة على رجليها، بس لازم نتخطي أي عقبة ممكن تقف في طريقنا وأولهم الخوف
لم تقتنع لكن عليها أن تطيعه ربما تنجح تلك الطريقة وتتخلص من مخاوفها وفور دخولهم سأل داغر الممرضة
_في حجز هنا باسم أسيل الحسيني.
نظرت في الكشف أمامها وقالت
_اه اتفضلوا.
وقف داغر بها على باب الغرفة وقال بمزاح اراد به التخفيف عنها
_ادخلي انتِ وانا هستناكي تحت في العربية لإن لو استنيتك هنا مضمنش نفسي لأن البنت اللي هنا حلوة أوي
اتسعت عينيها بذهول وهمت بتعنيفه لكنه منعها بحزم
_لأ عيب قولتلك ونبهت عليكي متغلطيش فيا قدام حد، بيني وبينك تمام قدام حد لأ.
ضحكت أسيل لعلمه بأنه يقول ذلك كي يخفف عنها وقالت بتوعد
_اصبر لحد ما اروحلك.
امسك يدها يقبلها ثم تركها لتدلف وحدها.
❈-❈-❈
كانت سعادة هايدي لا توصف عندما أخبرها الطبيب أن باستطاعتها الإنجاب
تطلعت إلى حازم بسعادة بالغة وتمتمت بفرحة
_انا مش مصدقة يا حازم حاسة كإني بحلم.
ابتسم بسعادة لسعادتها وقال
_لا يا قلبي مش حلم حقيقة بس هتقدري تتحملي التعليمات دي؟
أيدته بشدة
_اه طبعاً كل اللي قالي عليه هعمله دا انا مصدقت.
رفع حاجبيه بمكر
_ما صدقتي ايه؟ تخلصي مني سبع شهور؟
ضحكت هايدي عندما فهمت مغزى حديثه
_ ميبقاش قلبك إسود بقا، هعوضك بعدين.
قطب جبينه بضيق
_بعدين ايه بقا وانتِ هتكوني فضيالي؟
وضعت يدها على كتفه وهي تستند بذقنها عليه
_ وانا ما اقدرش برضه على زعل حبيبي.
لاح الخبث بنظراته
_خلاص يبقا تعويض قبل وبعد.
أومأت له بخجل محبب جعله يأخذها في جولة عشق من جوالاتهم.
❈-❈-❈
في المصنع
انتهى خليل من عمله ونهض كي يعود لمنزله ولذلك الصغير الذي سلب عقله وتفكيره أغلب الوقت
طرق الباب ودخلت سيلين كي تراجع معه بعض الاوراق فوجدته يستعد للانصراف.
فقالت باعتزاز
حضرتك ماشي دلوقت؟
رد خليل وهو يضع هاتفه في سترته وقال
_داغر عمال يرن من بدري بيستعجلني على الغداء وحتى خلى الشقي الصغير يكلمني عشان عارفه نقطت ضعفي.
ضحكت سيلين
_ربنا يخليهولك، خلاص يبقا نراجع الأوراق دي بعدين.
همت بالانصراف لكنه اوقفها
_بما إن الاولاد مسافرين ايه رأيك لو تيجي تتغدى معانا ونراجع الأوراق عندي، أسيل اكتر من مرة تطلب مني اعزمك على الغدا بس عارف إنك مش بتقدري تسيبي الولاد يتغدوا لوحدهم.
تراقص الأمل بعين سيلين لكنها ترددت في قبول ذلك فعلم خليل سبب ترددها وقال
_لو قلقانة أتصل على أسيل تكلمك بنفسها…
قاطعته سيلين بنفي
_لا طبعاً انت بتقول ايه الحكاية مش كدة خالص بس خليني الاول أكلم معتز واستئذن منه.
أومأ لها وقال بثبوت
_طيب انا هنزل أخرج العربية من الجراچ واستناكي نروح مع بعض بعربيتي.
أومأت سيلين وتركها خليل تتصل بابنها..
❈-❈-❈
في المطبخ
دلف داغر كي يساعد أسيل في تحضير الطاولة وهو يقول بغيظ
_انا مش فاهم ايه اللي يجبرك على التعب ده، قولتلك اجيب واحدة تساعدك.
تركت الاطباق من يدها وتقدمت منه لتحيط عنقه بذراعيها وقالت بدلال تعلم جيدًا بأنه يفقد عقله
_قولتلك مية مرة مش عايزاك تاكل من ايد حد غيري.
تظاهر داغر بالضيق
_ليه بس يا سيلا بتقطعي على غيرك…اااه..
تألم داغر عندما دعست أسيل قدمه بحذاءها وقالت بتوعد
_بقا كدة ماشي يبقى تروح تنام مع ابنك الليلة دي.
همت بالابتعاد لكنه احكم قبضته حولها وقال بمكر
_ايه مالك بقيتي شرسة كدة، وبعدين انا قصدي شريف، بقول متقطعيش رزق حد يا قلبي مش اكتر.
رمقته بعدم تصديق
_يا سلام.
أكد داغر
_اه أومال فكرك ايه، هو معقول ابص لحد غيرك، يبقى معايا القمر وابص للنجوم.
زمت فمها بغيظ
_اه ثبتني واضحك عليا.
غمز لها بشقاوة
_يعني لو مضحكتش عليكي انتِ اضحك على مين بس.
مال عليها كي يقبلها لكنها وضعت يدها على فمه تمنعه
_انت بتعمل ايه عمو زمانه جاي.
تذكر داغر امر عمه
_اه فكرتيني مدام سيلين جاية مع عمي تتغدا معانا.
ابتسمت اسيل
_بجد، طيب مقلتش ليه كنت عملت…
قاطعها داغر
_تعلمي ايه بس، ده هيكون غدا كدة وكدة
عقدت حاجبيها بعدم فهم وسألته
_يعني ايه مش فاهمة؟
_يعني عمي بدا يقتنع بكلامي لإني دخلتله دخله شمال الصراحة وانا عارف إن دي الطريقة الوحيدة اللي هتقنعه.
ضحكت أسيل وهي تخفي وجهها في صدره
_انت مجنون.
_هو انتِ خليتي فيا عقل.
سمع صوت خليل في الخارج فابتعد عن أسيل
_اهو وصل.
خرجت أسيل لترحب بسيلين
_أهلاً وسهلاً مدام سيلين نورتي.
سلمت عليها سيلين بحرارة
_منور بأهله، اومال فين ديدو؟
رد داغر الذي رحب بها بحفاوة قبل ان يجيب
_إياد نايم ثواني هطلع أجيبه.
استئذنت أسيل لتقوم بإعداد السفرة فاصرت سيلين أن تساعدها
مضى الوقت في جو عائلي سعد الجميع به حتى اصرت سيلين على العودة
قام خليل بتوصيلها حتى باب المنزل فقالت بشكر
_متشكرة اوي على الجو اللطيف ده اللي قضيته معاكم .
ابتسم خليل وقرر ان يفتح معها الحديث الذي أجله حتى الآن وقال بدون مقدمات
_ولو طلبت منك إنك تكوني واحدة مننا تقولي ايه؟
رمشت بعينيها تحاول استيعاب ما سمعته فسألته بحيرة
_مش فاهمة.
_مش فاهمة ايه انا بطلب منك تكوني من عيلتي يعني مراتي.
تغيرت تعبير وجهها فظن خليل أنها ترفضه فقال بثبات كي يرفع عنها الحرج
_لو طلبي سببلك احراج…
ردت سريعًا
_لأ خالص بالعكس ده شرف ليا، بس انا مش عارفة ولادي هيكون رأيهم إيه وبالأخص مصطفى.
رد خليل بحكمة
_خدي وقتك عادي ولو وافق انا هاجي اطلبك منه.
_مش قصة اقناع بس معتز مش هيوافق ييجي يعيش معانا في البيت عندك وخصوصاً في وجود أسيل وديدا كمان كبرت فمش هتكون اخده راحتها.
رد خليل بحكمة
_بس انتِ قولتيلي إن معتز هيسافر عشان يكمل تعليمه برضه
وفريدة هتدخل كلية الشرطة ووجوها معانا مش هيشكل اي عائق لأي حد، على العموم فكري كويس وردي عليا.
أومأت له وترجلت من السيارة وعاد خليل لغرفته.
بعد مرور اسبوعين رأت فيهم أسيل اهتمام كبير من الجميع وأولهم داغر الذي محى من داخلها أي خوف او توجس
وأصبحت حياتها وردية اللون
حتى طفلهم استطاع أن يعلقه به حتى أنه اصبح لا ينام بعيدًا عن حضنه.
عاد داغر من الخارج وعينيه تبحث عنهم لكنه لم يجدهم
نادى حبيبته
_أسيل.
سمع صوتها من داخل غرفة الألعاب التي خصصها خليل لأجل حفيده
_تعالى يا حبيبي احنا هنا.
دخل الغرفة فوجدهم جالسين بجواره على الأرضية وهو يبكي بلا توقف
_بابا جاه خلاص.
نهض إياد ليسرع بخطاه تجاه والده الذي حمله بقلب يهفو ليضمه إليه وسألهم
_ماله إياد فيه ايه؟
قال خليل وهو ينهض بتعب
_بيعيط على جنابك من وقت ما سيبته، عملتله قرد عشان يسكت وبرضه مفيش فايدة.
ضحك داغر وتطلع إلى ابنه الذي لف ذراعيه الصغيرة حول عنقه وسأله ببهجة
_صحيح الكلام ده يا ديدو؟
أخفى إياد وجهه في كتف والده فقالت أسيل بغيظ
_هو هيقدر ينكر؟ مش عارفة هيعمل ايه بعد ما تسافر.
انتبهوا على هاتف خليل الذي اجابه مسرعًا وكأنه كان ينتظره فاندهش كلاهما حينما وجداه يسأله
_انت متأكد من الإسم؟
_…..
تطلعت أسيل لداغر بتوجس فينقبض قلب داغر حينما قال عمه
_تمام جايين حالاً ابعتلي اللوكيشن ومسافة الطريق هنكون عندك.
أغلق خليل الهاتف فيسأله داغر
_خير يا عمي؟
تطلع خليل إلى أسيل وقال
_لقينا والدك..
❈-❈-❈
وقفت أسيل على باب الغرفة وقلبها يهدر بعنف
لا تعرف ماذا تفعل
هل تطوي صفحات الماضي كما يخبرها داغر وتدلف إلى والدها
أم تطاوع عقلها وتلوذ بالفرار
تذكرت عندما سألتها الطبيبة
ماذا ستفعلين إذا وجدتِ والدك؟
لم تستطيع الإجابة حينها والتزمت الصمت.
لكنها علمت الآن
أنه مهما فعل ستظل دماءه التي تجري بعروقها هي المتحكمة الوحيدة في قرارها وهي
نعم تسامح.
فتحت الباب ودلفت الغرفة فتتفاجئ بوالدها قعيد على كرسي متحرك يجلس عليه بسكون أمام النافذة بملامح هادئة مستسلمة واختفت من ملامحه ذلك الجبروت الذي عاش عمره يفرضه على الجميع
بخطوات واهنة تقدمت منه وقد تجمعت العبرات بعينيها تأثراً على حاله.
_بابا..
لم يحرك ساكناً وظل يتطلع إلى الفراغ أمامه
ذلك الصمت الذي يراوده دائمًا في كل وقت وحين
هو وحده سلواه عن هذه الوحدة القاسية
لكنه ينحر قلبه بلا رحمة
_بابا..
تجمعت العبرات بعين حسين وهو يتمتم بصعوبة بالغة
_بنـ..ـتي..
أغمضت أسيل عينيها تنفض الدموع المتعلقة بأهدابها فتقدمت منه خطوة أخرى وتمتمت بخفوت حتى لا تخيفه
_بابا انا أسيل.
انتفض جسد حسين عندما شعر بلمستها على ذراعه وأدار وجهه بصعوبة إليها فتزداد دموعه أكثر ظناً منه انه يتخيلها أمامه
جثت أسيل على ركبتيها أمامه ومدت يدها إلى يده تحتويها بحزن فقالت بنشيج
_انا عايشة ممتش.
لم يقتنع حسين لكنه ظنها فرصة كي يطلب من روحها السماح فرفع يده بوهن إلى وجنتها يتحسسها كأنه يطلب منها السماح
شهقت أسيل ببكاء عندما لامس حنانه قلبها فأمسكت يده تقبلها وعندما شعر بدموعها على يده أدرك حينها بأنها حقيقة
حاول تحريك يده الأخرى كي يتأكد أكثر لكن يشعر بها ثقيله ولا يستطيع تحريكها
حاول نطق اسمها رغم صعوبته
_أ..سـ..يل..
أومأت تؤكد له وتمتمت بخفوت
_أيوة أسيل اول ما عرفت مكانك جيت عشان ارجعك، مش حسين النعماني اللي يستسلم بسهولة لكرسي زي ده.
جذبها حسين ليقربها من صدره لينتحب حينها ويبكي لأول مرة.
لا يصدق أنه يراها بعد ذلك العذاب الذي عاناه منذ ان علم الحقيقة
لم تمت كما أخبروه بل مازالت على قيد الحياة ولن يموت حتى تغفر هي له
أغلق داغر الباب عندما شاهد ذلك الموقف وقام بالاتصال على سليم
والذي بدوره جاء مسرعًا يطلب من والده العفو على تركه وحيدًا
أصر على أن يعود والده لمنزله عندما طلبت منه أسيل ان يظل معها كي تهتم به
لكنه رفض ذلك وأصر على أن يعود إلى منزله ويعالجه حتى يعود كما كان.
مرت الأيام وحسين في تحسن ملحوظ وخاصة عندما رآى حفيده وسعادة الجميع من حوله
وانتهت رحلة العذاب الذي شعر بها الجميع
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
في غرفة إياد
ظل داغر يزرع الغرفة ذهاباً وإياباً ربما يحن عليه ذلك الصغير ويغمض عينيه
لكن كأنه تعند ذلك لعلمه بأنه على وشك العودة لعمله لذا يتمسك.به تلك الفترة بشكل عجيب
تطلع إياد إليه فيجده ينظر إليه بوداعة فقال داغر بغيظ
_وبعدين بقا احنا متفقناش على كدة انت بطريقتك دي هتخليني اهنج وملحقش اشبع من امك قبل ما اسافر.
ضحك إياد ببراءة واخفى وجهه في صدر والده
_مالك اتكسفت كدة ليه؟ وحياة امك شكلك فاهم وبتسطعبتنا، وانت يعني هتجيبه من برة ابن ابوك بصحيح
يلا بقا نام والصبح نكمل كلامنا.
تشبث إياد به أكثر فقال بغيظ
_يابني ابوس ايدين أمك نام بقا، انا شكلي بقى وحش أوي وانا بقالي أكتر من ساعتين بنيم فيك.
دلفت أسيل الغرفة ظناً منها بأن إياد استطاع مثل كل مرة أن ينيم والده بجواره فتأتي هي كي توقظه
لكن الغريب أنهم مازالوا يقظين حتى الآن
_معقول كل ده ومعرفتش تنيمه؟
رد داغر بغيظ
_مش عارف ماله النهاردة انا كنت بفكر ابعته لجده زي المرة اللي فاتت.
_طيب وعمي ذنبه ايه يفضل سهران بيه وهو عنده شغل الصبح.
_الله وانا كمان ذنبي ايه ما انا برضه عندي شغل كمان يومين، ودي آخر ليله هسهر فيها.
هزت راسها بيأس منه وأخذت منه إياد
_طيب سيبه وانا هنيمه وآجي وراك.
ترك لها إياد وغمز بعينيه
_أوعى تتأخرى وآجي الاقيكي نمتي، على اتفاقنا نسهر للصبح.
رمقته بغيظ
_وانت تنام براحتك وانا اقوم لإياد وعمي افطرهم.
_ما انتِ اللي غاوية تعب وقولتلك اجبلك مربية لإياد رفضتي وعمي بيقولك مش بحب افطر بدري بتصري تفطريه قبل ما يخرج.
_قولتلك مية مرة الأكل ده انا بعمله بحب يعني مش مفروض عليا، وإياد انا بحب اهتم به مينفعش اسيبه لغيري واتخلى عن دوري تجاهه.
تطلع إليها داغر بحب وفي كل موقف تعرض له كلاهما تؤكد له أنه حقاً أحسن الأختيار.
طبع قبلة خاطفة على شفتيها قبل ان يقول بمكر
_طيب انا هستناكي أوعى تنامي؟
هزت راسها بابتسامة ثم تركها ودلف غرفته، ليأخذ حماماً بارداً فيخرج بعد قليل على صوت هاتفه
_ايوة يا محسن عملت ايه؟
_……
_انت متأكد؟
_….
_طيب ربع ساعة وأكون عندك.
دلفت أسيل فتجده يرتدى ملابس خروج مما جعلها تسأله بقلق
_داغر انت رايح فين؟
اخذ مفاتيحه ورد بفتور
_مشوار صغير وراجع.
انقبض قلبها بخوف
_مشوار ايه اللي هتخرجله في وقت زي ده.
انفعل داغر من اسئلتها
_ايه يا أسيل هو تحقيق قولتلك مشوار صغير وراجع.
أصبح شكها الآن يقيناً وهي ترى التوعد بعينيه مما جعلها تقف قبالته تمنعه قائلة
_مش هسيبك تخرج.
توحشت نظراته وتطلع إليها بحزم
_أسيل أنا لازم أخرج دلوقت أوعى من قدامي.
صرخت بإصرار أشد
_قولتلك مش هتخرج ولو خرجت هقول لعمي ولو وصلت هبلغ الشرطة.
هدر بها بغضب محذراً
_أسيل.
ازداد إصرارها أكثر وهي تقول بتعند وقد اوشكت على البكاء من شدة الخوف
_برضه مش هسيبك.
جذبها من ذراعها ليبعدها من أمامه لكنها تشبثت بذراعه ترجوه
_ أرجوك يا داغر متضيعش نفسك، انا وابنك محتاجين لك.
اشتد بكاءها حد الانهيار وهى تتابع بألم.
_مش هسامحك طول عمري لو جرالك حاجة.
جثت على ركبتيها وهي تقول بتوسل
أرجوك..
لم يتحمل داغر حالتها لذا مال عليها ليجعلها تقف على قدميها ثم مسح دموعها قائلاً
_ مش هقدر اسيبهم بعد ما دمروا حياتي..
_متدمرتش وانا خلاص رجعتلك وانت كمان رجعت لشغلك وانا والله مسامحاهم.
قطب جبينه بدهشة
_مسامحاهم بعد اللى عملوه فيكى؟
أومأت له بتأكيد
أيوة طالما رجعت لي فأنا مسامحهم، شوف الجانب الإيجابي في اللي حصل
شوف بسبب الحادث ده على قد ما كان دمار على قد ما في النهاية صلح حاجات كتير أوي وعرفك من اللي بيحبك بجد ومين اللي كان بيخدعك.
داغر الانتقام أخرته وحشة..
أومأ لها داغر وجذبها لحضنه حتى هدئ نحيبها.
تسلل داغر من جوارها عندما تأكد بأنها نامت ثم أخذ مفاتيحه وخرج من الغرفة متجهاً لوجهته..