رواية جبل النار الفصل التاسع 9 والعاشر 10بقلم رانيا الخولي

رواية جبل النار

الفصل التاسع 9 والعاشر 10

بقلم رانيا الخولي

في الصباح 

دلفت أسيل الغرفة بمساعدة أخيها ثم ساعدها على الاستلقاء وسألها 

_بقيتي أحسن.

اومأت له بامتنان فهم بالخروج لكنها اوقفته

_سليم؟

تطلع إليها متسائلاً فقالت 

_عايزة أسافر اسكندرية مع دادة أمينة، يومين بس.

ظهر الرفض واضحًا عليه وقبل أن يفرضه عليها قالت له برجاء

_أرجوك هما يومين بس محتاجة اغير جو.


فكر قليلًا ولم يستطيع الرفض أمام رجاءها ثم تحدث بروية

_تمام هبقى اخلي عادل يوصلكم ويفضل معاكم لحد ما ترجعوا.

خرج من الغرفة ودلفت أمينة وهي تحمل كوب من الأعشاب الساخنة 

_قومي يا أسيل اشربي الاعشاب دي هتريحك.

اعتدلت في الفراش وقالت بلهفة

_يلا يادادة بسرعة جهزي الشنط عشان هنسافر اسكندرية 

قطبت أمينة جبينها بدهشة وسألتها 

_اسكندرية ؟ وانتي تعبانة كدة؟ وفي البرد ده؟

_لأ أنا بقيت كويسة خلاص يلا بسرعة قبل سليم ما يغير رأيه.

ضيقت أمينة عينيها بشك وسألتها

_في ايه بالظبط ياأسيل فرحتك دي مش مطمناني.

امسكت أسيل يدها وقالت بسعادة 

_فاكرة الشاب اللي قابلته على الباخرة وانا راجعة من ايطاليا؟

_اه فاكرة وفاكرة كمان إني قولتلك متحاوليش تقابليه ليكون بيلعب بيكي.

هزت راسها بنفي وقالت بسعادة 

_لا أنا اتأكدت من حبه ليا، جاني المستشفى وطلب مني أقابله في اسكندرية قبل ما يسافر.

قطبت جبينها بدهشة وسألتها 

_وسليم كان فين؟

_انتي عارفة سليم مش بيحب جو المستشفيات فأكيد كان قاعد في الكافتيريا، ها قولتي ايه؟

ردت أمينة بامتعاض

_لأ يا أسيل مش موافقة.

الحت عليها برجاء

_أرجوكي يادادة أنا كمان حبيته واتأكدت انه مش بيلعب بيا.

وبعدين انا عايزة اعيش سني اللي دفنته ما بين بيت بابا وبيت جدي، عايزة اشوف الدنيا شوية مش هفضل طول عمري محبوسة بين اربع حيطان، وأهو بالمرة تشوفي حازم.


وافقت امينة بعد رجاء وأستعدوا بالفعل قبيل الصباح ثم انطلقت السيارة بهم وقد حالفها الحظ بغياب والدها مع زوجته.


استقلت السيارة مع أمينة والسعادة تغمرها لأول مرة بحياتها

لأول مرة تشعر بأنها طليقة تفعل ما تشاء بعد أن لامس الحب قلبها

بعثت إليه رسالة تخبره بأنها آتية إليه ولم تعرف بأنه وراءها يقود سيارته خلف سيارتها.

وصلته رسالتها فتبسم بسعادة غامرة وهو يقرأها ورد عليها بأخرى

"عارف"

وصلتها رسالته فتسأله بدورها

"عرفت ازاي"

"عشان بيني وبينك مسافة لا تتعدى اتنين متر ولو عايزاني اكون جانبك ثواني وهتلاقيني بشاورلك من العربية"

"انت مجنون"

"هو أنتِ لسة شوفتي جنان سيبي نفسك انتِ بس وأنا هعيشك يومين عمرك ما هتنسيهم"

"مضطر اقفل عشان الطريق هروح البيت اغير لبسي وأجيلك خلينا على اتصال"


في الإسكندرية 

وقفت أسيل في الشرفة تنظر إلى البحر بشرود وسعادة عامرة لم تشعر بمثلها من قبل 

تشعر لأول مرة أن حياتها أصبح لها معنى لكن شيء بداخلها يسألها

هل ما تفعله خطأ أم صواب؟

هل الاهتمام الذي تراه والنظرات التي تؤكد لها مدى عشقه تستحق تلك المجازفة؟

ماذا إن كان يخدعها؟

ماذا إن كان يفعل ذلك مع كل فتاة يصادفها؟

لا تعرف ماذا تفعل

هل تواصل تهورها 

ام تعود قبل ان تفيق على صدمة لن تستطيع ردعها عنها.


انتبهت على صوت أمينة تسألها

_هتفضلي واقفة في البلكونة كتير؟ كدة هتبردي وتتعبي تاني.

التفتت إليها أسيل وقالت بابتسامة حائرة

_لأ متخافيش وبعدين داغر هيعدي عليا دلوقت عشان نخرج مع بعض.

لم تستطيع أمينة الوقوف أمام تلك السعادة التي ظهرت واضحة عليها لذا تركتها تخوض تجربة ربما تكون ناجحة 

سمع كلاهما صوت بوق سيارة فعلمت أسيل أنه جاء

فقامت بأخذ حقيبتها وخرجت بعد ان قبلت أمينة..


وقف داغر مستندًا بظهره على السيارة ينتظر مجيئها.

ابتسم حتى بدت نواجذه عندما وجدها تتقدم منه على استحياء وقد ارتدت ملابس محتشمة لا تتوافق تمامًا مع فتاة تربت في كنف الغرب.

كانت ترتدي بنطال و (تيشيرت) بنفس اللون مع سترة سوداء

ظل ينظر إليها حتى وقفت أمامه وقالت بخجل

_هنروح فين؟

تأمل بعينيه عينيها التي احتار في لونهما 

_تحبي انتي نروح فين؟

هزت كتفيها وقد شعرت بالاحراج من نظراته وقالت

_مش عارفة أنا معرفش اماكن هنا.

اعتدل في وقفته ثم فتح لها باب السيارة وقال بهدوء 

_طيب اركبي.

استقلت مقعدها وجلس هو خلف المقود وانطلق بالسيارة


كانت تنظر من النافذة وعينيها تجوب الأماكن باستمتاع فسألها داغر

_عجبتك اسكندرية.

ردت بحماس 

_أوي أوي، تعرف إني اول مرة أشوفها.

رفع حاجبيه مندهشًا فأكدت هي.

_جيت هنا مرتين، بس مكنتش بخرج فيهم، أخري اقعد على البحر ومبعدش عنه.

غزى الحزن صوتها وتابعت بخفوت كأنها تحدث نفسها 


_حتى في إيطاليا كنت ممنوعة من الخروج.

 كان بيبقى عارف كل تحركاتي وعشان كدة كنت برجع من الجامعة أفضل في البيت لحد تاني يوم.

لاحظ أنها تحدثت بتلقائية وخاصة عندما تابعت

_فى الآخر لقيت إن مفيش فرق بين بعدي عنه وإني اعيش معاه وعشان كدة لما ماما ماتت رجعت على طول.

توقفت السيارة أمام منزل كبير قريب من الشاطىء لا يفصله عنه سوى امتار قليلة وقال لها

_وصلنا.

تطلعت اليه بشك وقالت

_وصلنا فين؟

رد ببساطة

_بيتي.


فتحت أسيل باب السيارة وترجلت منها قائلة

_يبقى فهمتني غلط، بعد أذنك.

ترجل داغر مسرعًا كي يبرر لها

_أسيل استني انتي فهمتيني غلط

وقف أمامها يمنعها من الذهاب وتحدث برتابة

_انا مش جايبك البيت.

أشار بيده ناحية البحر على اليخت وتابع

_أنا جايبك هنا عشان تشوفي اليخت مش أكتر.

نظرت إليه بشك فأكد هو

_وحياتك ما بكدب عليكي، انا هدخل اجيب المفاتيح وانتي استنيني هنا.

وافقت أسيل ودلف المنزل كي يأخذ المفاتيح ثم عاد إليها وهو يشير بها

_عرفتي بقا إني مش بكدب.

أومأت له بابتسامة ثم سارت معه وساعدها على الصعود لليخت ثم سألها

_اتفرجي وقولي رأيك؟

سارت أسيل وهي تستكشف اليخت حتى وصلت للسياج وقالت 

_جميل أوي.

تقدم منها يقف بجوارها وينظر للمياه 

_طيب بما انه عجبك ايه رأيك في مغامرة صغيرة كدة.

لاح التردد عليها فطمئنها بثقة

_متقلقيش انتي في أمان معايا ده وعدي ليكي.


وافقت أسيل وشرع داغر بتشغيل المحرك وأبحر بها.

تولى داغر القيادة وأخذ ينظر إليها وقد تطايرت خصلاتها بفعل الرياح فجعلت قلبه ينبض بقوة ومشاعر وليده أخذت طريقها إليه 

لا يعرف حتى الآن كيف وقع في براثن عشقها بتلك السهولة 

كل ما يعرفه أنه عشقها حد الجنون 

ترك عجلة القيادة وتقدم منها ومازال مأخوذًا بسحرها 

وقف بجوارها مستندا بمرفقيه مثلها فنظرت إليه بابتسامتها التي جعلت قلبه يهدر بعنف وقالت ببراءة

_جميل اوي إنك تعيش الأجواء دي مع حد قريب منك.

هز داغر رأسه بنفي وقد تلاعبت به مشاعره اكثر من براءتها وتمتم بتخابث

_بالعكس أنا لو اعرف كدة مكنتش عملتها.

قطبت جبينها بحيرة وسألته 

_ليه بتقول كدة؟ انت مش مبسوط إني معاك.

نظر للمياه أمامه كي يسيطر على تلك المشاعر وقال بثبوت يتنافى تمامًا عمّ بداخله 

_بالعكس مبسوط جدًا وده السبب اللي خلاني اقول كدة.

ضيقت عينيها بحيرة 

_مش فاهمة.

تطلع إليها بابتسامة ماكرة

_بكرة لما تكبري هتعرفي، تحبي تنزلي المايه.

هزت راسها بنفي وقالت 

_الجو برد أوي وبعدين أنا مش بعرف أعوم.

قال بمكر

_اعلمك.


_برضه مش هينفع لأني مش جايبه هدوم معايا.

ابتسم بخبث قائلاً 

_تقصدي مايوه.

صلبت ملامحها وقالت بتحذير

_داغر.

رد بدهاء

_انتي ليه دماغك حدفت شمال أنا اقصد مايوه إسلامي ياقمر.

ردت باستنكار

_لأ، لا إسلامي ولا غيره.

داغر باستسلام 

_ماشي يا ستي انا هنزل بس اطلع ألاقيكي محضره الفطار لأني واقع من الجوع.


وافقت أسيل ونزل هو للأسفل كي يبدل ملابسه أما هي فقد دلفت المطبخ الصغير وقامت بتحضر الفطار

خرجت بعد قليل واقتربت من السياج كي تبحث عنه لكن لا أثر له في المياه

ذهبت للجانب الآخر لكن لم تجده أيضًا

زحف الخوف لقلبها وتلاعب الخوف بها فنادت عليه

_داغر.

انتظرت لتسمع صوته لكن لا من مجيب

ازدردت لعابها بوجل ونادت مرة اخرى وأخرى حتى توقف قلبها لحظات وقد ساورها الشك بأن يكون تعرض للغرق

وضعت يدها على قلبها واستدرات كي تبلغ لكنها اصتطدمت بصدره العريض مما جعلها تبتعد وتصرخ بفزع

_بسم الله  إيه يا أسيل مالك اتخضيتي كدة ليه؟

تطلعت إليه بغضب وقالت بصوت مهزوز 

_كنت فين وسايبني انادي عليك.

اندهش من ارتعاشتها 

_كنت تحت المايه ومسمعتش صوتك إلا مرة وخرجت على طول.

ابتسم قائلاً بمزاح يخفف به وطئت خوفها

_ايه افتكرتيني غرقت؟ ده حتى عيبة في حقي.


تطلعت إليه باحتدام

_انت بتهزر؟ انت عارف انا خفت عليك قد ايه؟

رفع يده ليمسح على وجنتها وسالها بمكر

_لأ معرفش.

 ازاحت يده بعيدًا وجلست على الأريكة بامتعاض منه


_ لا كدة انتي محتاجة جلست صلح ثواني هاخد شاور وأجيلك.

نزل داغر للأسفل وتركها بغضبها منه لوقت طويل حتى تغلب النعاس عليها ونامت رغمًا عنها.

وحينها خرج داغر فيجدها جالسة على الأريكة تغط في نوم عميق

تقدم منها وعينيه تلتهم ملامحها بعشق جارف

تلك الحورية التي خطفت أنفاسه من النظرة الأولى وجعلته يسقط صريعاً لها

ابتسم بحب وتقدم منها يحملها بروية كي لا يزعجها 

ثم نزل بها لغرفة النوم ووضعها بتروي على الفراش.

أخرج الغطاء من الخزانة ثم وضعه عليها وأغلق الضوء ثم صعد للأعلى.


دلف المطبخ وهو يشعر حقًا بالجوع والنعاس مثلها، شعر برغبة ملحة بأن يشاركها الفراش ويغمض عينيه على وجهها الذي بات يعشقه لكنه احجب تلك الرغبة كي لا يزعجها  

دلف المطبخ فوجدها قامت بعمل (سندوتشات) خفيفة كما يفضلها

هم بأخذ واحدٍ منها كي يتناوله لكنه رفض وقرر أن ينام مثلها وعند استيقاظهم يتناوله معًها 

دلف الغرفة المجاورة وقد كانت اصغر بكثير كأنها مخصصة للأطفال ثم أستلقى على الفراش ومازالت تلك الرغبة تراوده

ظل يتقلب في الفراش ورغم النعاس إلا إنه لم يستطيع النوم بسبب افكاره.

يبدو أنه اخطأ حقًا في مجيئهم وحدهم.

وبعد فترة طويلة استطاع التغلب على تلك الرغبة وراح في سباته.

❈-❈-❈

فتحت أسيل عينيها فتمر لحظة حتى استوعبت وضعها

نهضت مسرعة وعينيها تستكشف المكان

من الذي جاء بها إلى هنا

ساورها الشك وأخذت تتأكد من ملابسها.


ازاحت الغطاء ونهضت من الفراش ثم خرجت من الغرفة 

فتتفاجيء بتأخر الوقت وقد شارفت الشمس على المغيب

اسرعت بالنزول وطرقت على الباب الآخر وهي تناديه

_داغر.

فتح داغر عينيه فزعًا على طرق الباب فنهض مسرعًا يفتحه فإذا بها أمامه 

_ايه ياأسيل في ايه حد يصحي حد بالشكل ده؟

رفعت الهاتف أمام وجهه وقالت بغيظ

_انت عارف الساعة كام؟

دقق النظر فينصدم عندما وجدها الخامسة

فتمتم بدهشة

_معقول نمنا كل ده؟ طيب هغير هدومي ونرجع.


وقف خلف طارة القيادة ينظر إليها بين الحين والآخر بغيظ 

_كان هيجرى ايه لو صبرنا شوية لحد ما فطرنا حتى.

تطلعت أسيل في ساعتها وقالت بغيظ

_المغرب اذنت وحضرتك عايز تفطر؟

_يا ستي نعتبر نفسنا في رمضان ولا شكلك مكنتيش بتصومي في ايطاليا.

ردت بغيظ منه

_لأ طبعاً كنت بصوم، جدو وماما مسلمين على فكرة.

تطلع إليها بمكر وقال

_طيب ما تيجي نمثل اننا في رمضان ونروح عندي البيت تحضريلي الفطار باديكي الحلوة دي ونفطر في اوضتي.

زمت فمها بغيظ وتمتمت 

_على فكرة انت سافل.

هز داغر رأسه يدعي براءة مزيفة وقال بحيرة

_انا مش عارف ليه دماغك بتحدف شمال انا والله قصدي شريف، عندي تراس في الاوضة بتاعتي هواها بحري وايه! من الآخر.

زمت فمها بيأس منه ثم نهضت عندما 

رسى اليخت على الممر وهمت أسيل بالنزول منه لكنه منعها

_اهدي يابنتي كدة ممكن تقعي 

تقدمها داغر ثم ساعدها على النزول وسار بجوارها حتى وصلوا للسيارة 

وقف امامها وقال بشغف

_ماتيجي نتعشى مع بعض في مطعم قريب من هنا.

تطلعت إليه وهي تقول بأسف

_مش هينفع اتاخر عن كدة، زمان دادة قلقانة أوي.

_طيب ايه رأيك نقضي بكرة مع بعض انا شايف ان اليوم ده ميتحسبش، وبعدين في حاجة غالية عندي اوي عايز اهديهالك.

لمعت عينيها بسعادة وسألته

_ايه هي؟


_بكرة ان شاء الله هتشوفيها، بس لو مصرة تعالي معايا اوضتي تشوفيها هناك.

ضحك داغر عندما وجدها تفتح باب السيارة وتدلف بها قائلة

_لأ مش مستعجلة.

انطلق بالسيارة وعاد بها إلى المنزل وقبل ان تترجل منها قال برجاء

_هستناكي بكرة في نفس الميعاد.

فكرت قليلا ثم تحدثت باقتضاب

_هحاول.


عادت أسيل إلى المنزل فوجدت أمينة تنتظرها على أحر من الجمر 

وعند دخولها سألتها بحدة

_ممكن اعرف ايه اللي اخرك لحد دلوقت؟ وكمان قافلة تليفونك؟

تمتمت أسيل بأسف 

_معلش ياداداة بس الوقت اخدنا ومحستش بيه والمكان مكنش فيه شبكة.

عقدت أمينة حاجبيها بشك 

_ليه كنتوا فين؟

ازدردت لعابها بوجل وتمتمت برهبة 

_كـ..كنت معاه على اليخت.

اتسعت عينيها بصدمة 

_لوحدكم؟

أومأت أسيل بصمت دون التفوه بكلمة فتحدثت امينة بعتاب

_هي دي تربيتي ليكي ياأسيل! ولا السنين اللي عيشتيها برة خلتك تنسي اللي زرعته جواكي.

رمشت بعينيها مرات متتالية وتمتمت بنفي

_دادة انا معملتش حاجة غلط وبعرف اوقف أي حد عند حده، لو تمادى معايا هوقفه متقلقيش عليا.

_وتفتكري لما تبقوا لوحدكم وفكر يعمل حاجة انتي هتقدري تدافعي عن نفسك.

أكدت بثقة 

_ايوة يادادة أعرف، وبعدين داغر انسان كويس جداً ولو في دماغه حاجة كان عملها لما كنا مع بعض في الجزيرة

لاح الرجاء بعينيها وهي تتابع

_أرجوكي يادادة أنا عايزة أعيش لنفسي مرة واحدة بس، أنا اول مرة أحب مختبرتش الإحساس ده قبل كدة وعايزة اعيشه مع الانسان اللي اخترته واختارني.

تأثرت أمينة بحديثها ثم قالت بمحايدة 

_يابنتي هو انا مش عايزاكي تفرحي بس انا بقول نحكم عقلنا ومننجرفش ورا مشاعرنا

متعمليش زي الحصان اللي عاش عمره كله محبوس وأول ما فتحوا القفص له جري ومعرفش هو رايح فين ولا طريقه ده أخره ايه.

دنت منها أسيل لتحتضنها وقالت بحب

_متخافيش عليا، كل حاجة علمتهالي محتفظة بيها ومش هغيرها.

ربتت امينة على ظهرها

_ولو مخفتش عليكي انتي هخاف على مين، ربنا يبعد عنك شر النفوس ويحميكي يا بنتي.


❈-❈-❈


في اليوم التالي 


استعدت أسيل للذهاب معه ونزلت الدرج وهي في قمة سعادتها 

لم تقبل امينة تصرفها لكن رؤية السعادة في وجهها جعلتها ترضخ لها

خرجت أسيل من المنزل فتتفاجئ بحازم أمامها

_أزيك ياأسيل.

ارتبكت أسيل وردت وهي تنظر إلى سيارة داغر التي توقفت على بعد أمتار منهم

_الحمد لله بخير.

كانت نظرات حازم تلتهمها وهذا ما لاحظه داغر

لا يعرف من يكون ولا صلة قرابتهم

لا يعرف سوى تلك الغيرة التي جعلته  يضغط على موقد السيارة بغضب وهو يراها تبتسم وهو يحدثها

لم يستطيع التحكم في غيرته عليها ونظرات ذلك الشاب لها واضحة وضوح الشمس 

هم بالترجل من السيارة كي يذهب إليهم ويجذبها ليخفيها عن نظراته لكنه تراجع ما إن رأه يدلف للداخل وتأتي هي إليه.

فتحت باب السيارة وجلست بجواره وهي تقول بابتسامة 

_معلش اتاخرت عليك.

اندهشت أسيل عندما وجدته ينطلق بالسيارة دون قول شيء مما جعلها تتعجب من صمته 

فطوال الطريق يضغط بقبضته على المقود وعلامات الغضب واضحة عليه حتى وصلوا للشاطئ 

لم تفهم سبب لذلك الصمت الذي يؤكد مدى تعصبه

أوقف السيارة جانباً وحينها وجدته يلتفت إليها والغضب مرتسم في عينيه وغمغم بتحكم

_مين اللي كنتي واقفة معاه ده؟

اهتزت نظراتها وشعرت بالخوف من حدته فتمتمت بتوجس

_دا حازم ابن دادة أمينة.

ضرب على مقود السيارة بقبضته وغمغم بسخط

_ولما هو ابن دادة امينة بتقفي تتكلمي معاه ليه؟

أجفلت من صوته وظهر أمامها بجانب آخر مما جعل الخوف يتسرب إلى قلبها وردت بحذر

_عادي حازم زي أخويا…

صرخت أسيل بفزع عندما قاطعها بصوته الهادر

_لأ مش زي أخو…..

توقف داغر وتحول غضبه للقلق عندما لاحظ ارتعابها وأمسك يدها التي وضعتها أمام وجهها بحماية وتحدث بقلق

_في ايه ياأسيل….

سحبت يدها وهي تتأوه بفزع مما جعل قلبه يهدر بقوة خوفاً عليها وتمتم بلهفة

_أنا أسف انا بس اتعصبت من غيرتي عليكي.

هم برفع يده إليها كي يملس على رأسها بهدئها لكنها صرخت بفزع ورفعت يدها تحمي وجهها مما ادهش داغر 

حاول أبعاد يدها عن وجهها لكنها اجفلت وفتحت باب السيارة هاربةً منه ومن الجميع

خرجت مسرعة تريد الهرب لكن إلى أين؟

كانت كلماتهم تتردد في اذنها

لا تفعلي لا تذهبي لا تنظري لا…لا…لا

وضعت يدها على أذنها تكتم تلك الأصوات التي زادت بصوت داغر 

كانت تستمع لصوته يناديها مما جعلها تسرع في ركضها كي تهرب منه كما لم تهرب من أهلها

تعثرت في ركضه‍ا وسقطت على ركبتها فهمت بالنهوض والهرب لكن داغر أمسك بها يمنعها

_إهدي يا أسيل، اهدي متخافيش 

حاولت الإفلات منه لكنه أحكم قبضته عليها وقرب رأسها من صدره متمتمًا بخفوت 

_انا اسف إن كنت اتعصبت عليكي.

استكانت أسيل ببكاء بين يديه وهم جالسين على الرمال وذكريات من الماضي تقتحم مخيلتها وبقوة

أصوات هادرة يعقبها صفعة قوية 

وعقاب قاسي يعقبه حبس انفرادي

هل اكتمل الأمر لديها بوجوده.


خرج داغر من المطبخ وهو يحمل كوبين من القهوة وقدم واحدًا لأسيل التي جلست على الأريكة بشرود 

انتبهت للكوب الذي يحمله بيده فأخذته منه بابتسامة مجاملة وعادت لصمتها

جلس داغر على المقعد المقابل لها وسألها بحنان مفرط

_بقيتي أحسن؟

اومأت على نهج صمتها فعلم داغر بأنها تعذبت كثيرًا بحياتها

فقال بتروي

_انا عارف إني اتعصبت عليكي واتماديت بس صدقيني ده كان نابع من غيرتي مش اكتر.


تنهدت وهي تنظر للكوب بين يديها وردت بحيطة

_الموضوع مكنش مستاهل كل ده، حازم انا وهو متربيين مع بعض يعني اللي بينا مش أكتر من أخوه.

زم داغر فمه يحاول السيطرة على اعصابه عندما تذكر نظراته لها والتي تجزم بأن الأمر أكثر بكثير من مجرد أخوه فكان عليه أن يلتزم الصمت كي لا يفتح عينيها عليه 

فقرر أن يغلق الحديث ويتطرق إلى حديث آخر 

_ايه هنضيع اليوم زي امبارح ولا أيه؟

لاحت ابتسامة على محياها لكن يغلفها الحزن فتابع مزاحه

_ايه رأيك لو نروح عند چاك.

تجاوبت أسيل معه وقالت بعدم استيعاب 

_بس المسافة بعيدة اوي 

_على اساس إن انا سواق ميكروباص، انا قبطان ياماما 

وافقي انتِ بس وخلال ساعتين نكون هناك.

هزت راسها برفض 

_لأ خلينا هنا أحسن.

لم يريد الضغط عليها وقرر أن يستمتع بتلك الأجواء معها.


وقفا معًا على حافة اليخت يتسامران في أمور عديدة ثم سألها 

_جعانة؟

ضحكت أسيل بيأس منه وسألته

_انت ديمًا جعان كدة؟

نفى داغر وقال بغيظ

_لأ بس حضرتك رفضتي تأكليني امبارح ولما روحت كسلت اعمل أكل لان مفيش حد غيري في البيت، اكتفيت بساندوتش واحد وتقدري تقولي كدة شوب نسكافيه 

_ماشي ياسيدي في اكل في التلاجة ولا نرجع نشتري.

نهض داغر وهو يجذبها من يدها

_لا كل حاجة موجودة في التلاجة.


دلفا معًا وبدأ داغر يخرج اللحوم من المبرد ويشرح لها كيفية طهيهم

_اللحوم الشرايح دي نص تسوية يعني هتتحمر على نار هادية وخلاص.

أشار على احد الأدراج

_الدرج ده هتلاقي فيه كل حاجة محتجاها

وانا بقا هعمل دور سي السيد انزل البحر شوية واستناكي تخلصي.

_يا سلام، والسلطة مين هيعملها؟

حك ذقنه بمكر

_مفيش غير السلطة يعني، ما تخليني احمر معاكي اللحمة.

هزت راسها برفض 

_لأ متشكرة اعمل السلطة بس.

جلس داغر على المقعد وقد وضعت أسيل الخضروات أمامه وشرع في تحضيرها

اخذ يرمقها بنظراته وهي تتحرك مثل الفراشة أمامه وتعد الطعام

تمنى في ذلك الوقت ان تكون زوجته ويقف خلفها يشاركها في كل شيء

أراد أن يقف خلفها ويمسك بيدها ويعدا الطعام معاً كشخص واحد.

لا يعرف كيف تسللت إلى قلبه وهدمت جداره الصلب بتلك السهولة 


كانت تضع خصلاتها بين الحين والآخر خلف أذنها مما جعل وتيرة تنفسه تعلو ورغبة ملحة في منعها ليقوم هو بذلك الدور لكنه احجم تلك الرغبة ومنعها من ذلك التهور.

حاول الانشغال بإعداد السلطة كي يمحو تلك الافكار من رأسه فقال بمزاح

_بس شكلك ست بيت شاطرة، اومال ايه بقا فيلا في القاهرة بخدم وايطاليا والكلام ده.

وضعت أسيل الشرائح في الأطباق وقالت 

_جدو من محبين المطبخ وفي بداية حياته فتح مطعم واشتهر بيه جدًا وواحدة واحدة المطعم كبر أوي وبقى من اشهر المطاعم في روما ولأنه مسلم فكل العرب اللي عايشين هناك والمسلمين الإيطاليين كمان كانوا بيروحوا مطعمه، وانا بقا طلعت زيه.

وضعت باقي الطعام على الطاولة وسألته

_تحب تاكل هنا ولا برة.

حك ذقنه بمكر قائلاً 

_أنا بقول بره أحسن عشان المكان هنا مغري جداً.

لم تفهم أسيل مغزى حديثه لذا قالت ببراءة

_خلاص خلينا هنا.

حمحم داغر وقال بتبرم

_لأ خلينا برة احسن.

حملوا الاطباق معًا وخرجوا للسطح ثم وضعوها على الطاولة وشرعوا في تناوله

سألته أسيل

_الأكل حلو؟

ابتسم قائلاً 

_جميل جدًا تسلم ايدك.

سعدت أسيل بذلك الاطراء وردتها اليه وهي تتذوق السلطة

_والسلطة روعة بجد.

لاح المكر بعينيه وهو يقول

_تعرفي إن اليوم ده بحسه مميز أوي، يعني

حاسس كأننا اتنين متجوزين وفي شهر العسل(غمز بعينيه وهو يضيف بخبث) ما تيجي ندخل على فقرة التمثيل ونمثل عريس وعروسة.

تركت أسيل الملعقة من يدها وقالت بتحذير

_داغر.

رد داغر ببراءة مصطنعة 

_ايه ياقلب داغر انا قلت ايه؟ ده مجرد تمثيل مش أكتر.

_برضه بلاش كلامك ده عشان بيحرجني.

انهى داغر طعامه ومسح يده في المنشفة 

_ماشي ياقلبي مادام فيها احراج، تشربي شاي معايا.

نهضت أسيل وهي تحمل الاطباق

_خليك وانا هعمله انا خلاص شبعت.

قال برفض

_لأ خليكي انا بحب اعمل المشروبات بنفسي.

_وانا شبعت خلاص خلينا نعمله مع بعض.

دلفا معًا المطبخ وقامت أسيل بغسل الاطباق وأصر داغر على مساعدتها وطلبت منه أن يجففها بالمنشفة 

كانت تقف بجواره تتلامس اكتافهم دون قصد لكن كانت تعذبه بعفويتها ولا تدري شيء عن ذلك الصراع  الذى يجبره على ان يطيح بتعقله عرض الحائط ويأخذها بقبلة تاق لها منذ أن دخلا اليخت.

كان يرى معانتها وهي تحاول ابعاد خصلتها عن وجهها ولم تستطيع بسبب يدها التي انشغلت بالجلي

ودون إرادة منه ترك الطبق والمنشفة من يده ثم تقدم خطوة منها ومد يده ليبعد تلك الخصلة خلف أذنها.

بوغتت بفعلته وتراجعت خطوة للوراء عندما لاحظت نظراته الراغبة لها…….

جبل النار 

رانيا الخولي 

الفصل العاشر

…………..


افترى فمه بابتسامة مطمئنة عندما لاحظ خوفها 

نعم يرغبها ويريدها بكل جوارحه لكنه لن يفعل ما يؤذيها ابدًا هي أكبر من ذلك بكثير وعندما يفكر في فعلها ستكون بفرحة عامرة ورضى بينهما فتحدث بروية 

_متخافيش عمري ما هعمل حاجة تأذيكي.

تطلعت إليه بعينيها التي ملؤها الخوف فتابع هو بلهجة حانية بثت الآمان بداخلها

_لأن محدش بيأذي روحه وانتِ روحي يا أسيل.

تلاشى الخوف من عينيها وحلت محلها ابتسامة تحمل امتنان كبير لذلك الرجل الذي علمها معنى الحب فتابع هو بمزاح

_بس لو فضلتي تبصيلي كدة أنا مضمنش نفسي وممكن أرجع في كلمتي عادي.

ضحك كلاهما وأنهى عملهما جانباً إلى جنب وقد ازدادت ثقتها به بعد أن لامست الصدق بحديثه كما ازداد حبها بداخله

ثم صعدا للأعلى.


وقفا معًا على سياج اليخت يتناولا مشروبهما وطيور النورس تحلق أمامهما تبحث عن صيدها 

فتحدث داغر عن ذلك الجمال

_كل حاجة هنا مكتملة بالنسبالي 

البحر والهدوء (تطلع إليها) وانتِ يا أسيل 

تهربت بعينيها منه بحياء خاصة عندما تابع 

_ديمًا كنت بحس إن حياتي ناقصها ومعرفتش ايه اللي ناقصني غير بعد ما عرفتك.

استدار ليتطلع إليها وتقدم منها خطوة ليقول بوله

_من اول ما عيني جات عليكِ وانا حاسس بالاكتمال

رفع يده لتتلاعب أنامله بخصلاتها وتطلع بعينيها قائلاً 

_دلوقت بس أقدر أقول إن حياتي بقى لها معنى.

لم تتخيل أسيل أن تسمع مثل تلك الكلمات التي رسمها صوته الحاني على جدار قلبها

فقالت بشك 

_وياترى قلت الكلام ده لكام بنت قبلي؟

رفع حاجبيه بمكر 

_بوادر غيره ولا أيه؟

ردت وهي تتهرب بعينيها 

_تؤ مش غيرة بس بسأل.

ابتسم يطمئنها

_وحياتك انتِ معرفت في حياتي غيرك.

ظل يتحدثا لوقت طويل حتى شعر داغر بارتعاشها

كان الجو شديد البرودة حقًا

لذا انسحب بهدوء ونزل للأسفل ليأتي بغطاء خفيف ثم عاد إليها ليضعه حولها

ابتسمت له بامتنان لشعور الدفئ الذي خلفها به ثم وضع قلنسوة صوفية على رأسها وقال

_كدة دفيتي؟

اومأت له بابتسامة ثم سألته

_عرفت ازاي اني بردانه؟

استند بظهره على السياج وقال بوله

_مش لازم تقولي عشان أعرف.

خجلت من نظراته فابعدت عينيها عنه وقالت تغير مجرى الحديث

_انا مش عارفة انت ازاي بتقدر تنزل المايه في البرد ده

نظرت إلى ملابسه الخفيفة وتابعت

_حتى لبسك ديمًا خفيف.

رد داغر ببساطة 

_عادي انا اتعودت على كدة من ايام الكلية، كنا بننزل المايه الساعة ستة الصبح كنوع من أنواع التدريب وخلاص اتعودت على المايه الباردة، حتى بعد ما تخرجي منها تحسي بالدفى، تحبي تجربي؟

تمسكت بالغطاء اكثر قائلة

_لأ متشكرة.


بدأ داغر يحكي لها عن حياته وهي تستمع إليه باهتمام ثم سألها

_وانتي؟

سألته بحيرة

_أنا ايه؟

أراد أن يسمع منها ما يحسه ويلاحظه عليها

_محكتيش أي حاجة عن حياتك في بيت باباكي.

عاد الحزن يعرف طريقه إلى محياها لكنها رفضت اقتحام تلك الذكريات التي هي قادرة على تعكر صفوهم الآن لذا تهربت وهي تسأله

_انتي وعدتني بمفاجأة أيه هي؟

احترم داغر رغبتها بعدم التحدث في تلك الأمور ورد يجاريها

_بصراحة هما تلاتة.

اتسعت ابتسامتها 

_بجد؟ ايه هي؟

_ثواني.

غاب داغر وعاد بعد قليل حاملًا صندق صغير ثم قدمه لها قائلاً 

_افتحيه بنفسك لأني لقيته ورفضت افتحه إلا وانتِ جانبي.

اخذته أسيل وقامت بفتحه بحماس فتجد بداخله محار متوسط الحجم.

اخرجته من الصندوق وهي تنظر إليه بانبهار وقالت بدهشة 

_ده محار.

اومأ لها لعلمه ما يحتويه المحار ثم أخبرها ان تفتحه 

فتحته أسيل فتجد بداخله لؤلؤة لامعة فتتسع عيناها بذهول وقالت بعدم استيعاب 

_دي لؤلؤة؟

كان داغر يتطلع إليها بعشق وتمتم بوله 

_لؤلؤة لأحلى لؤلؤة شوفتها في حياتي.


تطلعت إليه بحب وأرادت في تلك اللحظة أن تحتضنه لكنها ابت فعلها وقالت بحب

_متشكرة أوي، أول مرة حد يهاديني.

ملس بأنامله على وجنتها وتمتم بعشق

_كل سفرية هرجع فيها بواحدة زيها.

لاح القلق على وجهها وقالت بخوف

_بس كدة خطر عليك.

رفع حاجبه باستعلاء

_ما قولنا عيب الكلام ده في حقي.

اعادت المحار إلى الصندوق وسألته

_طيب دي المفاجأة الأولى، ايه التانية؟

استند بظهره على السياج وقال 

_التانية إن السفرية اتأجلت يومين، يعني هنفضل اسبوع كامل مع بعض.

ازدادت سعادتها بذلك الخبر 

_بجد ياداغر؟

_بجد يا قلب داغر.

خجلت من كلمته وسألته عن الاخرى

_طيب والتالتة.

عاد المكر بعينيه وسألها 

_لازم تعرفيها؟

اومأت برأسها وهي تقول بإصرار 

_اه عشان خاطري.

حرك كتفيه باستسلام ومراوغة 

_بما انك انتِ اللي اصريتي يبقى اتحملي بقا. اندهشت من قوله وخاصة عندما قام بأخذ الصندوق من يدها ووضعه على الطاولة ثم جذب الغطاء من عليها تحت اندهاشها تلاها القلنسوة

_تعالي معايا.

سألته بدهشة 

_هنروح فين؟

واصل سيره 

_تعالي بس.

وقف بها على حافة اليخت وقبل أن تستوعب مقصده حاوطها بذراعيه وسقط بها في المياه


شهقت أسيل عندما طفى بها داغر على سطح المياه وتعلقت بعنقه وهي تقول بهلع

_داغر ليه عملت كدة؟ المايه متلجه أوي.

ضحك داغر وقال مهدئًا إياها 

_لما تسيبي جسمك للمايه هتحسي بالدفى.

تشبثت بعنقه أكثر لكنها تركت مسافة بينهم وغمغمت بخوف

_قولتلك مش بعرف اعوم أرجوك خرجني.

حاوط داغر خصرها بيد واليد الأخرى حاول أبعاد ذراعيها عنه وقال بتريث

_انتي كدة هتخنقيني، أهدي وسيبي نفسك للمايه وهي هرتفعك.

رفضت أسيل بخوف وتشبثت به أكثر فقال بتمهل

_كدة هتخنق منك وهنغرق احنا الاتنين.

ارتعبت أسيل وخففت من ذراعيها حوله وطمئنها هو قائلاً 

_متخافيش انا معاكي مش هسيبك ارخي اعصابك وسيبي نفسك للمايه، غمز بعينيه بخبث

_وليا.

ضحك عندما وجدها تزم فمها بغيظ 

ثم تراخت اعصابها وبدأت تتبع ارشاداته لكنها لم تتمكن بسبب خوفها

كان ينقلها من يده اليمنى لليسرى عندما يغوص بها للأسفل ويستمتع بتشبثها به 

ثم يطوف بها على سطح المياه

محاولات كثيرة باءت بالفشل فقالت برجاء

_داغر أرجوك أنا…..

قاطع صوتها وهو يسحبها لأسفل المياه كي لا تطلب منه الخروج

كم يصعب عليه تركها يريد أن يبقيها معه ولا يتركها لحظة واحدة وبعد وقت طويل قالت بخوف

_داغر كفاية خلينا نطلع من المايه.

وافقها داغر عندما لاحظ تعبها وساعدها على الوصول للدرج وما إن صعدت حتى شعرت برجفة شديد فقال لها وو يخرج من الماء برشاقة

_هتلاقي في الاوضة تحت شنطة فيها لبس ليكي تقدري تغيري الهدوم دي، ومتخافيش انا واثق انها هتيجي مقاسك

لم تستطيع التفوه بكلمة وكتمت غيظها منه حتى تبدل ملابسها وتشعر بالدفئ 

نزلت للغرفة واخرجت الملابس من الحقيبة وقد كانت عبارة عن بنطال سماوي وبلوزة صوفية بيضاء 

أوصدت باب الغرفة جيدًا ثم دلفت المرحاض كي تأخذ حمامًا دافئًا كي تزيل مياه البحر المالحة ثم ارتدت الملابس وخرجت إليه 

وجدته ابدل ملابسه بدوره ووقف منتظرها وهو يحمل كوبين من القهوة وسألها بابتسامة 

_بقيتي أحسن؟

ضحك عليها عندما اخذت منه الكوب بحدة وذهبت للأريكة لتجلس عليها

جلس بجوارها وهو يقول

_هتفضلي مبوزة كدة؟

نظرت إليه بغيظ

_عشان فاجأتني حضرتك.

رفع حاجبيه بمكر قائلاً 

_وهو انا يعني كدبت عليكي انا قولتلك مفاجأة.

ابتسمت أسيل رغمًا عنها وهي تشيح بوجهها 

نهض من مقعده ليجلس بجوارها وقال بولع وهو يداعب خصلاتها المبتلة

_بس تصدقي شعرك بيبقى أجمل وهو عايم في المايه كدة.

حمحمت باحراج ولمت خصلاتها على الجانب الآخر وقالت بتحذير

_قولنا بلاش الكلام ده.

تلكأت نظراته على الملابس التي ابتاعها لها وقال بخبث

_هو انا يعني قلت ايه، وبعدين اللبس ده طلع يجنن عليكي مكنتش اعرف انهم بالجمال ده.

اغتاظت أسيل أكثر وهمت بالنهوض 

_انا غلطانة اني سمعت كلامك وجيت معاك.

جذبها داغر من ذراعها واعادها إلى مكانها وهو يغمغم 

_متبقيش حمقية كدة انا قصدي شريف والله

ايه رأيك لو نروح الجزيرة بكرة، المكان هناك في النهار بيبقى حكاية، هتنسي نفسك.

تحمست لفكرته لكنها قالت بتردد

_بس المكان بعيد أوي.

_مش بعيد ولا حاجة هما ساعتين رايح وساعتين جاي واقل بكتير كمان.

تطلعت في ساعتها وقالت بقلق

_داغر….

أكمل عنها

_أخرنا ولازم أروح.

نظر داخل عينيها وتمتم بوله 

_ حاضر هروحك، بس الأول في حاجة عايز اعترفلك بيها.

علمت من عينيه ما يود اللسان البوح به لذا كان عليها الهرب، ليس الآن ، هي لن تستطيع اعطاء وعود ولا أخذها، فقالت بكمد

_بلاش دلوقت ياداغر، بلاش نتسرع وخلينا نفكر الأول.

اندهش من ردعها له 

_بس الموضوع ده احساس مش قرار بنتخذه بعد تفكير، أسيل انا الأحساس ده بشعر بيه لأول مرة ولو مش واثق انك بتبادليني نفس الشعور مكنتش اتواجدت معاكي في المكان ده.

تهربت بعينيها منه وقالت بآسى

_انت متعرفش حاجة.

_عرفت اللي عايزه وخلاص مش عايز اعرف حاجة تاني.

رفع انامله ليمحو دمعة سقطت على وجنتها شعر بها نار تكوي قلبه وتمتم بثقة

_من بعد النهاردة مش هسمح للدموع دي تعرف طريق عينيكي الا بالسعادة.


تبسمت عينيها من ذلك الحنان الذي يغدقها به وقررت ترك قلبها ينعم في بحور عشقه دون ان تفكر فيما يخبئه لها القدر

تريد ان تخطف لحظات سعيدة من الزمن ولا تفكر لحظة واحدة في عواقبه.


عادوا إلى الشاطئ وعادت إلى منزلها بمشاعر مختلطة

سعادة يشوبها خوف وخوف يشوبه راحة.


أما هو فتفاجئ بعمه في المنزل جالساً على المقعد يتصفح احد الجرائد فقال بابتسامة وهو يمل عليه يعانقه

_عمي حمدلله على السلامة جيت أمتى؟

جلس داغر بجواره وقال عمه بعتاب وهو يطوي الجريدة ويضعها على الطاولة أمامه

_عرفت إن اجازتك اتأجلت قلت آخد أنا كمان اجازة يومين واقضيهم معاك هنا مادام رافض تقعدهم معايا في القاهرة.

_معلش بقا انت عارف اني مش بحب ابعد عن اسكندرية.

تطلع إليه خليل بشك 

_مش عارف ليه بقالك اجازتين مش على بعضك، مرة تقضيها في القاهرة وطول الوقت سرحان ومرة في إسكندرية بس المرة دي مبسوط كدة زي اللي بتحب.

أيد داغر شكه

_حاجة زي كدة.

رفع خليل حاجبيه مندهشًا وسأله

_ودي طلعتلك منين وشقلبت كيانك كدة.

_من الباخرة وحياتك في الرحلة اللي قبل الأخيرة 

_امم باين الموضوع جد.


_جدًا، بصراحة هي دي اللي كنت بدور عليها من زمان.

_من اسكندرية ولا منين؟

_من القاهرة بس عندهم بيت هنا في اسكندرية هي بنت رجل اعمال اسمه حسين النعماني.

ردد خليل الاسم ثم تحدث بتذكر

_اه افتكرته بس الراجل ده سمعت أنه شديد اوي وصعب التعامل معاه.

رد داغر بثقة

_ميهمنيش المهم هي، وبعدين لو حصل نصيب واتجوزنا هنعيش هنا يعني هنكون بعيد عنه.

_على خيرة الله المهم خليني اتعرف عليها قبل ما نروح نخطبها، بس ياريت ميكنش الفترة دي لأن معايا قضية معقدة أوي.

اعتدل داغر في جلسته وقال بانتباه له

_قولي ايه هي يمكن اساعدك.

_جريمة قـ.ـتل والمتهم اللي قدامي بينكر الحادث وأنه مقتلش، والتحريات اللي قدامي بتقول أنه انسان كويس جدًا وملتزم وعمر ما اتشاكل مع حد، والولد فعلا حاسس ببراءته بس كل الأدلة بتأكد ان هو القا.تل

اندهش داغر وسأله

_وايه هو دافع الجريمة.

_الولد ده شغال أمن في شركة كبيرة وبيقول أنه كان هو والمجني عليه كانوا بيشرفوا على المكان وحسوا إن في حد في المكان اللي فيه خزنة الشركة ولما دخلوا لقيوا واحد فاتح الخزنة فعلاً وبيسرقها ولما حاول يمسكوه هاجمهم ووقعه في الأرض ولما زميله حاول يدافع عنه ضربه بمسدسه وبعدين هرب 

_والبصمات اللي على المسدس.

_أكيد كان لابس جوندي.

فكر داغر قليلًا ثم تحدث بثقة

_مش عارف ليه حاسس إن في لغز في الموضوع 

يعني اللي عمل كدة مكسرش باب ولا حتى الخزنة، يعني معاه نسخة من المفتاح ده لو مكنش المفتاح نفسه، ممكن يكون امين الخزنة أو …..

التزم داغر الصمت ففهم خليل مغزى صمته وأكده قائلاً 

_وده برضه نفس احساسي وده اللي مخلي صاحب الشركة بيصر على اتهامه.

انا هسلم القضية لشكري وهخليه هو اللي يدافع عنه.

_فعلاً القضية دي عايزة محامي متمكن وهتتحل بسهولة.

أيد رأيه

_إن شاء الله تظهر الحقيقة.


…………….


في اليوم التالي


نزل داغر الدرج فوجد عمه يتناول افطاره 

جلس على المقعد وهو يقول

_صباح الخير يا عمي صاحي بدري ليه؟

أخذ خليل فنجان القهوة يرتشف منه

_لأني راجع القاهرة دلوقت، في حاجات جدت في القضية وكمان عشان اسلم الورق لشكري.

رفع بصره إليه وقال بمغزى

_مش ناوي تقضي اليومين دول معايا ولا جات اللي اخدتك مني؟

ضحك داغر ورد بتأكيد

_متبقاش طماع بقا ياسيادة المستشار وسيب حاجة لغيرك.

نهض من مقعده وهو ينظر في ساعته

_ماشي ياسيدي تشبع بيك، يادوب بقا الحق اوصل القاهرة بدري.

خرج خليل وتطلع داغر إلى هاتفه وقام بالاتصال عليها

_صباح الخير.

ردت أسيل بنعاس

_صباح النور، صاحي بدري ولا انا اللي أخرت في النوم؟

داغر بابتسامة عريضة 

_أنا منمتش أصلاً وحضرتك تقلانه عليا ومردتيش تردي.

شددت اسيل من وضع الغطاء عليها لشعورها بالبرودة وقالت

_كنت عملة الفون صامت مسمعتوش.

تطلع في ساعته 

_ماشي يا ستي هصدقك المهم يلا بسرعة عشان نلحق نوصل بدري.

تمتمت أسيل بامتعاض

_مبلاش النهاردة لأني بردانة اوي

رد داغر بلهجة لا تقبل نقاش 

_لا ارجوكي مش عايز اضيع يوم واحد من أجازتي، تقلي كويس ومش هتحسي بالبرد.


❈-❈-❈


انتهت أسيل من تبديل ملابسها وقد ارتدت كنزة ثقيلة لشعورها بالبرد منذ استيقاظها وارتدت القلنسوة(ايس كاب) التي أهداها إليها داغر ثم أخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة 

ترجلت مسرعة فوجدت أمينة تخرج من المطبخ وهي تحمل طبق به (سندوتشات) خفيفة وقالت بيأس

_برضه مصرة على اللي في دماغك؟

اخذت أسيل واحدًا منهم وقبلت أمينة 

_هو النهاردة آخر يوم عشان هيسافر بعد بكرة.

همت بالخروج لكنها عادت تنظر إليها 

_لو اخرت شوية متقلقيش، يلا باي.

رغم اعتراض امينة لما تفعله الا إن رؤية السعادة التي تراها بها لأول مرة جعلتها ترضخ لها.

اما أسيل فقد ازداد شعورها بالبرد ما أن خرجت من المنزل 

وجدت داغر يقف جانبًا منتظر خروجها

فأسرعت تستقل مقعدها وهي تقول برعشة

_اقفل الازاز بسرعة لأن الجو برد أوي.


اغلق الزجاج وهو ينظر إليها بدهشة قائلاً 

_ايه يابنتي الهدوم دي كلها انا شايف الجو دافي النهاردة.

اخذت تفرك يديها ببعضها تستمد الدفئ 

_ده بالنسبة لك انت اما انا لأ.

_طيب اظهري وشك شوية انا مش شايفه حتى.

رفعت أسيل القلنسوة قليلاً وتطلعت إليه بغيظ

_ارتحت كدة.

غمز بعينيه قائلاً 

_ايوة كدة مش عم شرابي اللي قاعد جانبي.

انطلق بالسيارة حتى وصل لليخت ولم ينتهي شعورها بالبرد رغم دافئ السيارة

فسألها بقلق

_أسيل انتي كويسة؟ تحبي نلغي الرحلة دي ونروح لدكتور؟

هزت راسها برفض 

_لأ انا كويسة متقلقش يلا بسرعة عشان منأخرش.

نزلت من السيارة وقد شددت من وضع الكاب على رأسها ثم صعدت معه اليخت.

كان داغر يبحر بسرعة شديدة مما جعلها تشعر بالخوف وقالت بوجل

_داغر بالراحة شوية انا بدأت أخاف.

جذبها من يدها كي تقف بجواره فانتبه لسخونة يدها 

رفعها إلى خده وقال بقلق

_ايدك سخنه أوي.

بدأت أسيل حقا تشعر بالاعياء لكنها حاولت ان تبدو جيدة كي لا يقلق عليها ونفت قائلة

_لأ ده من الهدوم اللي لبساها بس.

لاحظ أيضاً ارتعاشتها التي تحاول السيطرة عليها وغمغم بامتعاض

_لا انتي فعلا سخنة.

هدئ المحرك حتى اوقفه ثم استدار إليها بقلق 

_انزلي ارتاحي على السرير لحد ما نوصل.

رفضت اسيل بإصرار 

_قولتلك انا كويسة وبعدين انا عايزة افضل جانبك.

انتهى ثباتها عندما لفحتها نسمت هواء باردة واعترفت باستسلام 

_انا فعلاً تعبانة أوي.

اسندها داغر وهو يقول برفق

_طيب تعالي.

ساعدها على الاستلقاء فوق الأريكة ثم جاء إليها ببعض الاغطية ووضعهم عليها رغم خطورة ذلك لكنه يريد تدفئتها حتى يصلوا للجزيرة والتي اوشكو على الوصول إليها 

تمتم داغر بحنو

_هنزل اعملك حاجة سخنة تشربيها لحد ما نوصل الجزيرة.

سألته باعياء

_قدمنا كتير؟

طمئنها 

_ربع ساعة بالظبط وهنكون وصلنا.


عاد داغر إليها بالكوب ليجدها تغط في سبات عميق.

وضع الكوب على الطاولة وجلس بجوارها كي يوقظها لكنها لا تجيبه

وضع يده على وجنتها التي تخضبت بحمرة تدعوا للقلق ووجد حرارتها قد ارتفعت أكثر


شعر بالاستياء من نفسه فقد اصابها الاعياء نتيجة ما فعله أمس.

عاد لتشغيل المحرك وابحر بسرعة أقوى حتى وصل في غضون دقائق 

وجد چاك يقف على الشاطئ يشير إليه حتى اوقفه 

قام داغر بحمل أسيل واسرع بالخروج من اليخت 

فسأله چاك

_ماذا حدث؟

اجابه وهو يسرع بالدخول للمنزل 

_تعانى من الحمى.

قام بوضعها على الفراش وقال له

_هل لديك ادوية لها؟

أومأ له

_نعم لدي.

خرج من الغرفة وعاد بعد قليل ببعض الأدوية وقال بهدوء 

_خذ، اجعلها تتناولهم معًا حتى اعد لها حساء الدجاج، ويفضل ان تخفف عنها هذه الملابس كي لا تكتم الرطوبة بداخلها.

أخذ الادوية منه ثم جذب المقعد ليقربه من الفراش بجوارها وأمسك يدها يحسها على الاستيقاظ 

_أسيل قومي ياحبيبتي خدي الأدوية دي.

همهمت أسيل بكلمات غير مفهومة وقد ازدادت حالتها سوء 

ازداد قلقه عليها وقام بنزع القلنسوة وكذلك تلك الكنزة الثقيلة رغم اعتراضها

_معلش اتحملي شوية عشان البرد يخرج من جسمك.

جذبت عليها الغطاء بوهن ومازالت الرعشة تنتابها فقال برجاء

_أسيل قومي خدي الحباية دي عشان خاطري.

همهمت بصوت غير واضح.

_مش.. بحب.. الأدوية.

جلس بجوارها على الفراش واضعًا يده خلف ظهرها يرفعها 

_معلش المرة دي بس.

وضع الدواء في فمها وساعدها في ارتشافه بالمياه

اعادها لوضعها وهم بالنهوض لكنها امسكت يده برجاء وتمتمت بوهن

_متسبنيش انا خايفة.

ربت على يدها التي تتشبث به وتمتم بوله 

_عمري ما هسيبك هفضل جانبك العمر كله.

وكأن هذه الكلمة اشعرتها بالأمان إذ أغمضت عينيها وغطت في نوم عميق.


❈-❈-❈


عاد سليم من الخارج في وقت متأخر وقد شعر بألم حاد في رأسه

قام بتبديل ملابسه وذهب لغرفة الرياضة كي يمارس تدريبه حتى يتعب ويذهب إلى النوم

لكنه لم يستطيع المواصلة وشعر برغبة ملحة بتناول قهوته

خرج من الغرفة وهو يجفف عرقه ودلف المطبخ فيتفاجئ بها داخله....


            الفصل الحادي عشر من هنا 

         لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات