رواية جفت ورودها الحمراء
الفصل السادس 6 والسابع 7 والاخير
بقلم وسام اسامة
جفت ورودها الحمراء
الفصل السادس
جالسة على فراش الزوجية وعيناها شاخصة في نقطة ما
ودموعها تجانست مع كحلها العربي الثقيل..لتلطخ وجنتيها بخط أسود بمجرى الدموع
لازالت ترتدي فستان الزفاف..ذاك الفستان الأبيض الذي لطالما حلمت بإرتدائه لحبيبها غريب
تمنت أن تدور به لينتشر حولها كسعادتها..حلمت أن يحملها غريب بين يداه وهي ترتديه..حلمت بالكثير والكثير
ولكن لم تستيقظ سوى على كابوس أسود..كابوس جعل فؤادها ينشق نصفين...وروحها تصرخ بألم
وعيناها تحرقها من كثرة التحديق
هزت رأسها يمينًا ويسار وهو تحاول عدم التصديق
لا لن تصدق ..لن تصدق طعنة الغدر التي تلقتها بقسوة
لن تصدق حتى يُثبت العكس
رفعت كفها المرتعش لتمسح دموعها وتقف تدور حول نفسها وهي تضع يدها على اذنها وتحاول لجم أصوات النساء التي علت بتلك الأقاويل القاسية..حنتها كانت عبارة عن مهزلة كبيرة..بطلتها هي وغريب..وثالثة
حاولت ألا تستعيد ماحدث ولكن سطع في عقلها كإضائة عالية في وجه اعمى قد وهب نعمة البصر في الحال
"عودة ليومٍ مضى"
استيقظت صباحًا على صوت إبنتة عمها هالة
إبتسمت وهي تتمطئ وتقوم من فراشها...
-صباح الخير ياولا..لِمَ تحدقين بي بتلك الطريقة
كانت هالة تنظر لها بأسى وحسرة مكتومة..والدموع تلتمع بوضوح في مقلتيها..لتقول..
-كنتِ تُهمهمين وانتِ نائمة فظننتك مريضة
قفزت من فراشها بسعادة لتقول...
-انا بخير تمامًااااا..سأتجه للحمام كي استعد لحفلة الحناء
اتمنى أن احصل على رسومات رائعة ..لقد اخترت أكثر من شكل..سأنهى حمامي واتى لأوريكِ مااعجبني
-حسنًا سأنتظركِ
اتجهت سندس للحمام بينما جلست هالة على الفراش وهي تهمس بغيظ...
-انتقم الله منك ياغريب..انتقم الله منك ياظالم
دلفت حكيمة الغرفة لتجد هالة تمسح دموعها..ليشحب وجهها وتقول...
-اين سندس هل علمت
وقفت هالة سريعًا لتقول بخفوت...
-لا ياخالتي اطمئني..لم تعلم بعد..ولكن لم استطع كبح دموعي وانا أراها سعيدة مُشرقة..سندس لا تستحق ذاك الألم ياخالتي..لا تستحق ابدًا
تمتمت حكيمة بنشيج باكي...
-ابنتي لا تستحق الا كل خير..ولكن ماذا سنفعل ياهالة
مباليد حيلة
انقضى الوقت بين حماس سندس وصمت هالة..حتى بدأت مراسم الحناء وتوافد عدد لا بأس به من نساء القرية والعائلة والصديقات..ولكن كان الوضع غريب..النساء يتهامسن بطريقة جعلت سندس تهمس لهالة...
-لِمَ يتهامسن هكذا..ولِمَ ينظرن لي هكذا !
ارتبكت هالة لتقول..
-ربما تتوهمين..لا أحد ينظر..هيا لنرسم الحناء
قالت إمرأة بصوتٍ متحسر...
-الفتاة لم تتزوج بعد وتزوج عليها..رجال حقراء
مالت سندس على هالة مره اخرى..
-هل حدث شيئ لا اعلمه..من تلك الفتاة !
لم تستطع هالة أن تجيب..لتقترب إمرأة اخرى من سندس
وجلست جوارها وربتت على يدها بمواساة...
-عزيزتي لا تحزني..جميعنا نعلم الفرق الواضح بينكِ وبينها
تحدثت هالة سريعًا وهي تحاول مقاطعة المرأة...
-خالتي كيف حالكِ..اود أن اريكي الحناء أشعر انها تنقص اشياء...تعالي معي لتريها
رحبت المرأة ووقفت تتجه مع هالة..بينما سندس كانت عاقدة حاجبيها بعدم فهم ..لتقترب منها اميرة وعلى وجهها إمارات الحقد والشماتة..لتجلس أمامها وتقول...
-مُبارك ياعروس
ابتسمت سندس لتقول بتحفظ...
-اشكركِ يااميرة العقبى لكِ
أمالت اميرة رأسها لتقول...
-ومبارك للعروس الأخرى ايضًا..ولكن عندي تساؤل..مالذي دفع غريب أن يتزوج اخرى قبل زفافكم بيومٍ واحد
لم تستوعب سندس حديثها لتقول...
-اي عروس اخرى..واي زواج !
ضاقت عيناها لتقول بحذر وسخرية...
-تحاولين حفظ ماء وجهك بأن تصطنعي الجهل !
-انا لا افهمكِ يااميرة..مالذي تحاولين فعله !
ايقنت أميرة أن سندس بالفعل تجهل زواج غريب
لتقترب منها وتهمس ببطئ...
-عزيزتي المسكينة..غريب قد عقد قرانه ليلة أمس..على فتاة فقيرة ولكن يقال انها حسناء للغاية..وايضًا حضر عقد القران عمي راجي وعمي عادل..القرية كلها تعلم بزواج زوجك وانتِ لا تعلمين...تؤ تؤ تؤ..زوجة سيئة
كان وجه سندس شاحب..لا تستوعب اي كلمة مما قيلت لها..لتبتلع رمقها وتقول ببطئ...
-كاذبة لا اصدقك
إبتسمت اميرة لتقول..
-إذًا سأثبت لكِ
ثم نظرت لبعض النساء ومنهن عفاف التي تجلس في أحد الأركان البعيدة بصمت..لتقول بصوتٍ مرتفع...
-خالتي عفاف..لي عتب عليكِ لِمَ لم تمنعي غريب من الزواج من أخرى بينما هو متزوج سندس..والله هذا ظُلم
هتفت احدا النساء مؤيدة لحديث اميرة...
-لم اصدق عندما سمعت زواج غريب..بينما تلك لا قيمة لها ابدا..عائلتها جشعين واخلاقهم غير سوية...بينما سندس تبارك الله لا يعيبها شيئ
لتقول اخرى...
-وتوقيت زواجه خاطئ..لولا علمنا بأخلاق إبنة الشيخ عادل..لقُلنا أنه هجرها لأخلاقها الفاسدة..ولكن تلك الفتاة نسمة هي سارقة الرجال
كانت سندس تستمع لهم وهي لا تصدق..وضربات قلبها تعلوا أكثر..وعيناها شاخصة في الوجوه..لتنظر الى عفاف نظرة مصدومة وهي ترجو لو تنكر تلك الكلمات الخبيثة
ولكن عفاف وقفت واستأذنت وغادرت سريعًا
لتقف سندس والدوار يلفها..لتتجه سريعًا الي والدتها التي جائت للتو وسمعت خاتمة الحديث...
لتقول بإختناق....
-امي مالذي يجري..اي زواج ومن هي نسمة
كانت دموع والدتها تجري وصمتها يقتل سندس..لتقول هالة بصوت مرتفع...
-ارجوكم كفى حديث..لا أحد يذكر اي شيئ يخص ذاك الموضوع
قطع حديثها اغماء سندس بينهن..بعدما تلقت تلك الصدمة القاسية...وتلك الجوه التي تحدق بها بحسرة وفضول
وبكاء والدتها وغضب هالة..كل شيئ كان أكبر من تحملها
وفقدت وعيها تمامًا
لتصرخ حكيمة بجزع..ويحملنها النساء الي غرفتها
لتصرفهم هالة بحزم..بينما حكيمة تعانق ابنتها وتبكي
لتستفيق سندس بعد دقائق طويلة وقد شحب وجهها
لتنظر لوالدتها بإستيعاب لتقول بأنفاس منتهية...
-امي..هل..هل هذا صحيح..غريب تزوج اخرى
امي جاوبيني ارجوكِ
حركت رأسها بإيجاب وهي تبكي...
-نعم ياحبيبتي..تزوجها لأجل ظروفها الصعبة
لم يكن زواجهم بالحسبان هوني على قلبكِ
زاغت نظراتها لتقول بصوت منتهي...
-لا..لا لن اصدق لا..لا
جلست هالة جوارها لتقول برفق...
-ياعزيزتي..كادت الفتاة تُقتل من اباها وتزوجها الأخر كي يحافظ على حياتها..من المؤكد انه سيطلقها فيما بعد
هبطت دموع سندس وهي تقول بضعف...
-هذا كابوس وسأستيقظ منه..لا هذا ليس جيد ابدا
كابوس وسينتهي..كابوس..غريب لن يفعل بي هذا
لتنظر لوالدتها وتقول ببكاء وضعف..
-زفافي غدًا ياامي..زفافي غدًا..من المؤكد أن هذا مجرد كابوس..ياالله..كيف هذا ليس صحيح..ارجوكِ ياأمي اصفعيني كي استفيق..امي ارجوكِ اصفعيني
زاد نحيب حكيمة لتحاوطها هالة بقوة...
-سندس ارجوكِ تمالكي اعصابكِ..واستعدي لزواجك
وتناسي ماحدث موقتًا
نظرت لها سندس وهي تائهة..كاطفلة صغيرة فقدت الطريق..ولكن هذا ليس طريق.وهي ليست طفلة !
انما عروس تزوج زوجها قبل زفاهم بيومٍ واحد
زوجها !
غريب كُتبت له اخرى..تزوج اخرى
لأجل تلك كان يجافيها..كان يتجاهل حبها ويرفضه
كان يعاملها بشدة وحزم..كأنها جُندي يتجهز لمعركة !
قلبه ملكًا لتلك الفتاة !
والقسوة من نصيبها هي
كيف..!
صرخت بألم وهي تكرر تلك الكلمة...
-كيف تفعل بي هذا ياغريب كييبف
كان صراخها يعلو في المنزل الذي فرغ من النساء
ليأتي والدها على صوت صراخها وهو يدلف للغرفة
-مالذي يحدث لما صراخكِ هذا
تحدثت هالة وهي تمسح دموعها..
-علمت بزواج غريب
نظر لحكيمة بغضب ليقول...
-الم احذركِ من الحديث ياامراة !
-البلدة كلها صارت تعرف بزواج غريب..النساء يتهامسن عليها واخبروها بزواج ذالك النذل..الجميع صار يعلم ان ابنتك تزوج زوجها ياعادل
تمالك عادل صدمته وهو ينظر لابنته الباكية ليقول...
-ولِمَ الصراخ..الرجل تزوجها لسبب وجيه..ثم أن شرع الله قال مثنى وثلاث ورباع..لِمَ الولولة يابنت
رفعت عيناها له لتقول بإنهيار...
-لقد تزوج غريب ياابي تزوج..ارجوكِ قل لي ان هذا ليس صحيح..ارجوك ياابي ارجوك
صاح عادل بخشونة...
-اخفضي صوتكِ يابنت..نعم تزوج..ولا مجال للبكاء والعويل..حضري نفسك للزواج غدًا..سنلغي الزفاف كي لا نسمع كلمة من احد..سيأتي غريب ويأخذك لداره
وكي لا نكسر فرحتك سترتدين فستان الزفاف..قضي الأمر وانتهى
القى كلماته وخرج سريعًا من الغرفة وسط دهشة ثلاثتهن
ولكن سندس كانت دهشتها مختلفة..بل شعورها بأكمله مختلف..اليوم ذاقت الصدمة والمذلة والغدر..والخذان..همست ببكاء وهي تكرر...
-كي لا تنكسر فرحتي..ولكن ماذا عن قلبي
عانقتها حكيمة سريعًا وهي تبكي وتقول
-كفى ياابنتي لا تؤلميني أكثر..اهدأي
دفنت سندس وجهها في كتف والدتها وهي تبكي بإنهيار وتقول بصوا متقطع...
-كُسر قلبي ياامي..غريب كسر قلبي
كُسر قلبي ياامي
"عودة للوقت الحالي"
فتح غريب الغرفة ليراها هيئتها المُبعثرة..ودموعها التي تجري بلا توقف..ليغلق الباب خلفه ويقف أمامها قائلاً...
-لازلتِ تبكين ياسندس
سمعت تساؤله وهي لا تصدق..ايسألها لازالت تبكي
حقًا يسألها !
رفعت وجهها له ببؤس لتقول بصوت متهدج..
-كيف تفعل بي هذا ياغريب..لِمَ كسرت قلبي هكذا
تحاشى النظر لها ليقول بهدوء..
-ماعاش من يكسر قلبكِ ياإبنة عمي
شرع الله لا يكسر أحد..وايضًا انتِ تعلمين سبب الزيجة
فلا داعي للبكاء وتلك الكلمات الكبيرة
كانت تسمع كلماته بصمت..ولأول مره تشعر بالمرارة في حلقها..وضربة قوية على قلبها..لتقول بصوتٍ مرتجف..
-انا لااعلم سوى أن زوجي قد تزوج قبل زفافنا بيوم
واعلم ايضًا ان القرية كلها تعلم..كما أن والداي كانا معك
وانا علمت من الحضور في يوم الحناء الخاص بي
اعلم انك خُنتني ياغريب
تجعد وجهه ليقول بضيق..
-سندس لا تتقمصين دور الضحية..كاد والد الفتاة أن يقتلها..وزواجي منها كان إنقاذ موقف
هبطت دمعة باردة لتقول بخفوت..
-فـ اخترت أن تقتلني أنت بزواجك منها
ألم تفكر في..الجميع يخوضون في اسمي..بسببك
انت..قتلتني ياغريب
تمالك أعصابة وغضبه ليقول...
-ابتعدي عن العواطف الوردية واستوعبي حديثي
كادت روح تُقتل وانتِ تقولين انني قتلتك !
مسحت دموعها وصمتت لثوان قبل أن ترفع وجهها وتنظر له نظرة غريبة..ربما تحمل خذلان وألم..وربما أمل..
-سأغفر لك ياغريب..ولكن ان فعلت أمرين
تجمد وجهه عن التعبير وقد خمن احد الأمرين ليقول..
-تغفري !
تحدثت بصوت هادئ يتخلله الإرتجاف..
-نعم..سأغفر إن طلقتها..وقُلت لي انك تحبني
حينها سأغفر لك
توسعت عيناه بدهشة ليقول..
-ماتلك السطحية..اطلقها واقولك لكِ احبكِ
هزت رأسها بإيجاب..لتنتفخ عروقه بالكِبر وتغزوه الحمائية من تلك الطريقة التي تتحدث بها..وقد خلعت ثوب الطاعة والضعف ليقول...
-وانا لن اطلقها ياسندس..عرض الفتاة ليس لُعبة
ولا اطلب غفرانك..انا لم افعل شيئ خاطئ
افترقت شفتيها عن إبتسامة صغيرة..إبتسامة حملت خذلان جديد..لتقول..
-ولن تخبرني انكَ تحبني !
تحدث بخشونة...
-ان كانت تلك الكلمة علاج لكل ماحدث..فأنا احبكِ ياسندس
كانت كلمة باردة..فاترة..لا قيمة لها
كانت احلامها اجمل بكثير..كانت تتمنى أن يقولها وعيناه تحمل الشغف..أن ترتجف نبرته من تأثير تلك الكلمة العظيمة..ان يقولها وهو يعنيها
ولكن الآن يقولها ووجهه هادئ ..عيناه تحمل نظر باردة
ونبرته فاترة نافذة الصبر..والمؤكد انه لا يعنيها
همهمت لتقول..
-طلقني ياغريب
-ماذا !
رفعت نبرتها لتقول بإرتجاف..
-طلقني ياغريب..انت لا تستحقني
طلقني
صرخ بها بعدما نفذ صبره...
-اخفضي صوتكِ وعودي لرشدك ياسندس..لا أود أن ابدء ليلتنا الأولى بعراك..اصمتي
كان قهرها بحركها لتعاد الصراخ بصوتٍ اعلى...
-طلقني ياغريب..انا اكرهك..طلقني طلقني
صفعة قاسية هبطت على وجنتها ليقول بعنف..
-اخفضي صوتك ياامرأة..ولا اسمع منكِ تلك الكلمة ابدا
تلقت الصفعة كما تلقت خبر زواجه..تلقتها صفعة غادرة
لترفع وجهها الباكي وقد تملكها شيطانها لتقول...
-تتزوج علي وتضربني بيومٍ واحد !
اخبرك شيئا..انت لست رجلاً وستطلقني في هذة اللحظة ياغريب...ان كنت رجلاً طلقني
اعطاها صفعة اخرى حادة وفلتت أعصابة ليقول...
-انتِ طالق ومحرمة عليّ كأمي واختي
هل ارتحتِ الآن طُلقتي ليلة زفافك..هل تأكدتي اني رجلاً الآن
رفعت وجهها المكدوم له لتقول بصوتٍ مرتجف مهزوم..
-تأكدت من أمرين..انك لستَ رجلاً..وانك لا تستحقني
لم تدري بأي شيئ بعد تلك الكلمة..فقد ابرحها ضربًا
حتى فقدت وعيها..وكذالك هو..فقد كل ذرة وعي وهو يضربها بقوة..كانت كاكيس الملاكمة التي يفرغ به غضبه ويأسه..ولم يدري ألا وهو يرى مقدمة فستان الزفاف وهو يتلطخ بدماء وجهها...ونُثرت عليه دمائها الحمراء
كما تقطعت بتلاتها..ووقعت الوردة ارضًا..وبدء موسم جفافها...
جفت ورودها الحمراء
الخاتمة
كانت متسطحة على فراش المشفى..بوجه مليئ بالندوب
يدها اليُمنى مُجبرة وعيناها منتفخة من البكاء..والكدمة الحمراء على وجنتها سيئة
كل تلك الآلام والجروح لم تكن سببًا كافيًا لألمها..بل ألم قلبها ايضًا كان يتألم..أكثر من ألم كدماتها
كان يأن أنينه الخاص..والمعتاد منذ سنواتٍ مضت
رغم انه كان ألم مُفعم بالرضا..والكن هذا الألم مشبع بالسخط والمرارة
كانت جوارها حكيمة..تطلع في وجهها وتبكي بصمت على حال وحيدتها سندس..عروس أمس..ممددة في المشفى من قبل أن يطلع الصباح حتى..لم يكفي أن ذاك النذل تزوج عليها قبل زفافهم بليلة واحدة..لا
قد اشبعها ضربًا حتى افقدها وعيها..وقلبها ايضًا
نشجت وهى تقول باكية..
- تفتحت براعمكِ وابتهجت القلوب
رغم صرخات السخط من والدك..كنت أنا ابتهج وأحملك فرحًا وكأنني فوق الغيوم..قالوا لإبن عمها قُلت يحفظها ويصون..ولكن بعد ذالك علمتُ أن لا قلب لمحطم الصخور
سيجعد وردتي وكأنها صخرة..لا وردة من ورقاتٍ لينة
رجعتي لي ببتلات مُمزقة..وأطرافٍ بينها وبين الجفاف طرفة عين ثم تزول..ألا لعنة الله على الظالمين
ثم أمالت رأسها على كف إبنتها تقول بقهر..
-اااه ياابنتي..ماضركِ لو لنتِ لتوفيق بدلًا من ذاك الحقير
دخلت هالة الغرفة مهرولة وهي تنظر لسندس لتقول بغضب...
-ياالله مالذي فعله بها
تمتمت حكيمة ببكاء..
-مزقها ياابنتي..مزقها..كسر يدها وتقطعت أوتار قدمها
وكسر أنفها..وامتلئ وجهها بصفعاته..صفعة الله على قلبه آمين
ربتت هالة على ظهرها دامعة تقول..
-اهدئي ياخالة..ستكون في أحسن حال
وسيعاقب ذاك الندل..كيف له أن يضرب زوجته هكذا
ردت حكيمة بحدة وهي تمسح دموعها...
-لم تعد زوجته..طلقها وحرمها عليه كأمه
طلقها يوم زفافها ياهالة..اي عار سيلحق بها
شهقت هالة بهلع وهي تضع يدها على فمها..
-الوغد !!
دلف عادل وقطع حديثهم وعيناه مُسلطة بوجوم على ابنته الراقدة على الفراش دون حراك..لتقف حكيمة وتمسك يده باكية..
-ارأيت ياعادل..رأيت ماذا فعل إبن شقيقك بإبنتي
طلقها وضربها وتزوج عليها في ظرف يومين فقط
-سيردها ياحكيمة..اخي قال لي أن..
قاطعته صارخة...
-اخاك اخاك اخاك..لا حديث لك سوى عن أخاك وعائلتك
اما ابنتي فهي على الهامش..لا وجود لها
لأنها خُلقت فتاة ولم يرزقك الله بصبي..لهذا إن ماتت سندس لن يشكل فارقًا معك أليس كذالك
صفعة قاسية هبطت على وجنتة حكيمة..لتشهق هالة
وفتحت سندس عيناها على ذاك المشهد المؤذي..لتقول حكيمة بثبات...
-تصفعني ياعادل !
تصفعني لأني أقول الحقيقة...أنسيت من انا !
انسيت عائلتي !..تهاوني معك وتحملي لجفائك انساك حكيمة إبنة الفارس
شحب وجه عادل وهو يسمع زوجته لأول مره منذ زواجهم تذكر عائلتها وحسبها..حكيمة لم تكن إبنة عمه
حينما تزوجها كسر قاعدة من قواعد عائلته بزواج الأقارب
ووافق والده لإجل عائلة حكيمة..تلك العائلة الكبيرة المالكة لأغلب المدينة...والحاكمة لها ايضًا
تحدثت حكيمة وهي تنظر له بخذلان وضيق...
-ابنتي لن تعود لذاك الوغد..لن القي ابنتي له مره اخرى ياعادل
قطع حديثهم طرقات..لتضع الحجاب على وجهها.. ليدخول أخاه راجي الذي تحدث بهدوء..
-اهدأي يازوجة اخي..غريب سيراضيها و..
قاطعته حكيمة بحدة...
-اترضاها لإبنتك ياراجي
صمت راجي لثوان قبل أن يقول بحيادية..
-سندس ابنتي يازوجة اخي..ولا ارضى لها إلا الخير
-وابنك ليس الخير لها..دعه يهنئ بزواجه الثاني
لقد طلق ابنتي وحرمها عليه كأمه
-سيردها ويُخرج كفارة الظهار يازوجة اخي
وتذكري الآية الكريمة ..بسم الله الرحمن الرحيم
"وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"
وبما أن لا عِتق في زمننا هذا..سيصوم شهرين متتابعين
او إطعام ستين مسكين..وستحل له مرة اخرى
وصلهم صوتها ضعيف باكي تقول..
-لا اريد..لن أعود له
انتبهت حكيمة لإستيقاظ إبنتها لتركض لها وتمسك يدها هاتفة بلوعة...
-حبيبتي حمدلله على سلامتكِ
نشجت سندس بضعف..
-لا اريد الرجوع له ياامي..لا اريد
اقترب راجي منها ووضع يدها على رأسها بحنان...
-اهدأي ياابنتي..غريب سيطلق الفتاة ويردك ويراضيكِ
ولكن المهم انك تكوني بخير
هزت رأسها نافية ودموعها لازالت تجري ..وهي تسترجع كل ما حدث..وجسدها يؤلمها من ضرباته القاسية مثله
ليقترب منها عادل ويقول بجدية...
-ها قد قال عمك..سيطلقها وتعودين له
لِمَ الدلال إذًا !
إن كان قلبها يؤلمها..فا الآن ظهرها يؤلمها أكثر
ظهرها المحنى..أباها الذي يلقيها بطول يده لغريب
سمعوا طرقات على الباب..ليدخل بعدها غريب وهو واجم الوجه
وقف بعيدًا عن فراشها ليقول بهدوء..
-حمدلله على سلامتكِ
سخرت حكيمة بغيظ..
-يقتل القتيل ويبكي بجنازته
-اصمتي ياامرأة..
اشاحت سندس عيناها عنه وهي لا تستطيع النظر له
بقدر حبها له في الماضي بقدر نفورها منه..غريب كسر التمثال الذهب الذي كانت تُلمع به وتتأمل فيه منذ سنوات
كسره على قلبها بقسوة
ولم يكتفي بما حدث ليقول بهدوء..
-لن اطلق الفتاة..وستعيشين معها بدارٍ واحد..عقابًا على كلماتك قليلة التهذيب..
صرخت حكيمة بجنون...
-ياوغد..ياااوغد
ليقول راجي بصرامة...
-ستطلقهل ياغريب..وإلا لن تعود سندس لك
نظر مليًا في وجه سندس وقلبه ينقبض..ورغم إنقباضه قال ببرود..
-لن اطلقها
ليرد عادل هذة المره...
-إن كنت ستعدل بينهن..
قاطعته حكيمة بقوة...
-لن ترجع له ابنتي..واخرجوا جميعًا كي ترتاح
وبالفعل خرج الجميع وظلت هالة جوار سندس الباكية
لتخرج حكيمة هاتفها من حقيبتها وتتصل ونظراتها حزينة وصارمة في الوقت ذاته...ليصلها الرد بعد لحظات...
-»مرحبًا عمي..انا لستُ بخير..واشتقت لك
ثم راحت تقص ماحدث عليه ومع كل كلمة تبكي سندس أكثر..تبكي من كل ذرة بروحها
لتهمس لها هالة...
-كفى بكاء ياحبيبتي..كفى
نظرت لجسدها لتقول بخواء..
-اتألم ياهالة..جسدي وقلبي يؤلماني
ثم قالت وهي تغمض عيناها...
-اتركوني وحدي..أود أن انام بهدوء
ترددت هالة للحظات..ثم وقفت وهمست لحكيمة
وخرجن من الغرفة وتركوها كي ترتاح
لتغمض عيناها والدموع تجري بصمت..كحالها الصامتة
مضى بعض الوقت لتسمع صوت الباب يُفتح
لتفتح عيناها وتُبصر فتاة تنزل وشاحها وتقترب منها باسمة..همست بضعف...
-انتِ !
جلست الفتاة على أقرب مقعد لها وقالت...
-كيف حال عروسنا الجميلة..هل قمصان النوم التي بعتها لكِ اعجبت زوجك
لتضحك برقة قبل أن تتابع...
-سأحزن كثيرًا إن كنتِ لا تتذكريني
همست سندس..
-بلى اتذكرك..انتِ نسمة بائعة الملابس
كنتِ تأتين منزلي وتوريني ملابس الزواج
هزت نسمة رأسها نافية لتقول بغرور..
-كنت..كنت على وصفك..أما الآن أنا زوجة غريب
ضرتك ياعزيزتي
توسعت عين سندس بصدمة لتقول نسمة...
-اااه صُدمتي..ولكن لِمَ لم تباركيني
ولكن قبل أي شيئ..أود أن اشكرك فا بفضلك تزوجت زوجك
تأوهت بأسف لتُصحح...
-اسفة..من كان زوجك
كانت دموع سندس تتوافد لتتسائل بألم..
-لِمَ وكيف
همهمت نسمة وهي تضع قدم على اخرى....
-لِمَ لأن غريب رجلاً صالح ويُعتمد عليه..وأكثر رجال المدينة ثراء..قد يبدو جاف الطباع..ولكن مع دلالي سينصهر
ثم مالت على سندس لتقول ساخرة...
-اما كيف فهو بسببك..حينما كنت ابيعك الملابس
لا تنفكين عن ذكر غريب..غريب شهم غريب حنون
غريب وسيم ...غريب قوي
وكان من السهل استدراجكِ ومعرفة كل مايحبه ويكرهه
ومتى يكون بعمله ومتى يرجع لبيته..وكنتِ تتحدثين أن حمائيته وحب المساعدة الذي كان يقدمه لكل من يحتاجه
وانا كنت احتاج غريب ياسندس
ثم اعتدلت وهمهمت ساخرة..
-على الأقل تملكين عائلة ذات صيت..واثرياء
ومُدللة بينهم..لن تشعرين بفارق كبير عندما آخذ نعمة من نعمك الكثيرة
أما انا..فا عائلة منحطة ورجال كالنساء
يسيطر على قبيلتي الفقر والجهل والطمع
ومُنقذي من كل هذا هو غريب..زوجي
خرج صوت سندس بصعوبة وهي تقول..
-اخرجي من هنا..اهنئي به لم أعد أريده
ضحكت نسمة وهي تقف وتقول..
-لم تعودي تريدينه..على رأي المثل..عيني به وأقول...
ثم ضحكت وخرجت من الغرفة متسللة كي لا يلاحظها أحد..ثم سارت خارج المشفى..وهي تتذكر تفاصيل مراقبتها لغريب ...واتفاقها على ماسيحدث مع والديها
على شرط بأن المهر يكون لهم..وستساعدهم في المعيشة بعدما تتزوج غريب..وإن حاولت التقصير معهم سيقصون عليه كل شيئ..وهكذا أوقعوا غريب..او اوقعته
ضحكت ببال رائق وهي تقول...
-الفاتنات قبل الغبيات..كل الفضل لكِ ياسندس كل الفضل
والآن أتت آخر خطوة
توجهت نحو دار غريب..والذي تزوج به سندس
لتخدش وجنتها بقوة كي ينفر الدماء بها..وتسيل الدموع من عيناها..لتطرق الباب بقوة وهي تشهق باكية بزيف
وبالفعل فتح غريب الباب بملامح واجمة..لترتمي بين ذراعية باكية وهي تقول...
-سيد غريب..ادركني أبي تهجم عليّ كي يقالني
وطردني من الدار وقال لي اذهبي لزوجكِ الذي القاكِ دون سؤال
كان غريب مشتت..ليدخلها ويغلق الباب خلفها
ليُمسك وجهها ويُديره بحدة...
-هو من فعل هذا بوجهكِ
اطرقت رأسها لتقول بين بكائها..
-نعم..وطردني
أشاح وجهه بغضب وهو يتنهد..ثم نظر لها قائلا...
-اهدأي..من اليوم هذا دارك..لن تعودي لأباكِ مره اخرى
رفعت وجهها ولمعت عيناها..لترتم بين يداه تعانق رقبته وتلتصق بجسده قائلة ببكاء...
-انت نعمة من السماء ياغريب..انت نعمتي
ثم بدأت بمداعبة رقبته لتحسه على الإنخراط معها
وفي هذة اللحظة كان أضعف من أن يقاوم إمرأة في جمال نسمة او بدهائها..جسدها الغض أغراه..وملمسها الناعم سحبه كأمواج عاتية...ونظراتها المُمتنة تزيد من غفلته
ووجه سندس يضرب عقله بلا توقف..ليهرب في جسد نسمة من سندس..هرب وهو يجتاح الأخرى وعقله مغيب..وقلبه مُقيد
وكان لها ماأرادت..غريب مُمدد جوارها..وهي نائمة على يده..عيناها تلمع بسعادة غامرة
وقد نجحت في إمتصاص رحيق الوردة وسلبها كل شيئ
وتركتها راقدة ..واتى الساقي ليكمل عليها وينزع عنها بتلاتها..لتجف ورودها الحمراء ..
نهاية الجزء الأول من نوڤيلا وجفت ورودها الحمراء
كونوا في انتظار الجزء الثاني
"عطرها الجافي"
تمت بحمد الله
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا
وأيضا زرونا على صفحة الفيس بوك
وايضا زورو صفحتنا سما للروايات
من هنا علي التلجرام لتشارك معنا لك