رواية قلبي بنارها مغرم
الفصل التاسع عشر 19 والعشرون 20
بقلم روز أمين
عصر اليوم التالي كانت جميع العائلة تجتمع حول سُفرة الغداء ولأول مرة بتاريخها، زيدان الذي يجلس علي يمين عِتمان بعدما هاتفهُ عِتمان صباحاً وأخبرهُ أن يحضر هو وزوجته كي يتناولوا وجبة الغداء الأول لإبنتهما بصُخبة العائلة بعد زواجها، وذلك بناءً علي طلب قاسم من جدة والذي أراد بهذا التصرف ان يري السعادة بعيون صغِيرتهُ التي بدأت بالإستحواذ الكامل علي عقله وكل تفكيرة حتي أنهُ بات لا يُفكر سوي بكيف يستطيع إدخال السرور علي قلبها البرئ
كانت تجلس بجانب قاسم المجاور لعتمان علي الجهة الآخري، تنظر لوالدها الحبيب بعيون متشوقة لرؤياه العزيزة وقلبً يتراقص فرحً من شدة سعادتةْ وهي تري والديها يجلسان بصحبة باقي العائلة مثلما تمنت كثيراً من ذي قبل
تحدث مُنتصر إلي شقيقهُ وزوجته بنبرة سعيدة:
_ منور دار أبوك يا غالي، منورة يا أم صفا.
أبتسمت لهُ ورد وتحدثت بنبرة خجلة :
_تسلم وتعيش يا أبو يزن.
حين تحدث زيدان لشقيقهُ الحنون :
_الدار منورة بأصحابها يا أخوي
هتفت رسمية بسعادة وهي تقوم بتقطيع لحم الماعز وتوزعهُ علي الجميع بسعاده هائلة :
_وإنتَ أعز وأغلي أصحابها يا ولدي
ثم نظرت إلي عِتمان الذي يشعر بسعادة ورضي لا مثيل لهما ولكنه يحتفظ بهما داخلهُ خلف ملامح وجههِ الصارمة وتسائلت:
_ ولا إية جولك يا حاچ؟
تحدث مُتلاشيً النظر لزيدان كي لا يضعف وتخونهُ لمعة عيناه التي تُريد أن لا تُشيحُ بناظريها عن غاليه :
_ ودي محتاچة سؤال يا حاچة
إستشاط قلب قدري وفايقة التي تشعر بنار تسري بداخل جسدِها من جلوس ذاك الثُنائي المتجاور أمام عيناها مباشرةً
مال قاسم علي أذن صغيرتهُ وهمس بها:
_ الجمر يفكر وأني عليا التنفيذ
قطبت جبينها وتسائلت بإستفهام :
_ لهو إنتَ...
كادت أن تُكمل قاطعها هو بعيون هائمة في جمال عيناها:
_ أني اللي طلبت من چِدك يدعي حماي وحماتي لچل ما ما أشوف الضحكه اللي منورة وش الجمر دي
إتسعت عيناها تنظر إلية بعيون سعيدة ممزوجة بالخجل، عشقت إنتسابهُ لوالديها بكلمه حماه،كم شعرت بالسعادة لأجل إهتمامهُ الذي يغمُرها به ويؤكدهُ يومً بعد الآخر
كانت جميع العيون تراقب همسهُما بترقب شديد، منهم السعيد لأجل ذاك الثُنائي المحبوب، كمثال الجد والجدة وزيدان و ورد وباقي من يهمهُ الأمر ، ومنهم المتربص بعناية ليري ماذا يحمل لهما الغد ويتمني من الله أن يخلف ظنونهُ ك يزن مثلاً، ومنهم الحاقد الكارة لسعادة ذاك الثُنائي مثل فايقه وليلي، والغير مُبالي بالمّرة ك قدري
شرع الجميع في تناول الطعام
نظر قاسم إلي جده وتحدث بنبرة جادة :
_كان فيه موضوع مهم كُنت حابب أفاتحك فيه يا چدي بس إنشغلت في الفرح
قطب الچد جبينهُ وتسائل بإستفهام :
_موضوع إية دي يا قاسم ؟
أجابهُ بوقار :
_ الحاچ كمال أبو الحسن كبير نچع العرايضة وعضو مجلس الشعب، عرفت من مصادري إن الحزب هيتخلي عنيه وهيخرجة من الترشيحات السنة دي، والجرار ده خدوة بعد ما سمعته ساءت وحكاية تهريبة للأثار فاحت وأتفضح في كل حتة ، وكُنت بقترح علي حضرتك إن عمي زيدان يترشح مكانه، واني عِندي اللي هيساعدنا من چوات المجلس بذات نفسه
إشتعل قلب فايقة حِقداً، وإستشاط داخل قدري الذي توقف الطعام داخل حنجرتة وبات يسعُل بشدة إستغرب لها الجميع، ناولته والدته التي إنتفضت من جلستِها كأس الماء وتحدثت بحنان:
_ سلامتك يا وليدي، إشرب ماي
تناول منها الكأس وتجرع ما بداخلة دُفعةً واحده بغضب، وابتلع لعابهُ
حين تحدث الجد وهو ينظر إلي قاسم بتفاخر وأستحسان مُتجاهلاً ما حدث مع قدري للتو :
_عفارم عليك يا قاسم، اللي عيعچبني فيك إنك عتدعبس دايماً علي المُصلحة وينها وتچيبها لحدنا
تحدث قدري بنبرة حاقدة غائرة لاحظها الكُل :
_ هو الموضوع زين مجولناش حاچة يا أبوي، بس زيدان ميليجش علي إنه يبجا سيادة النائب،
وأكمل بتفاخر قاصداً بحديثهُ حالهُ بالتأكيد:
_ الموضوع دوت عاوز راچل شديد وليه هيبه في النچع، وعِندة عزوة من الرچال اللي من صُلبة لجل ما يساندوة
وأكمل بتقليل وأستياء :
_إنما زيدان أخوي مين اللي عيساندة ؟!
تحدث قاسم بنبرة حادة إعتراضً علي حديث والدهُ وخصوصاً بعدما رأي نظرة الإنكسار داخل أعيُن زيدان :
_ لو حضرتك عِنديك راجلين، فعمي زيدان عندية بدل الراچل أربعة، ده غير رچالة العيلة والنچع كلياته اللي عيحبوة وهيساندوة بكُل جوتهم
ثم أكمل بنبرة تعقُلية :
_ثم الموضوع دي مهينفعش لية غير عمي زيدان بالخصوص، هو الوحيد اللي مِتعلم وعيروح مصر كَتير، وده المطلوب
هتف يزن مؤيداً لقاسم بشدة متغاضياً خلافهما:
_ قاسم عندية حج يا عمي، عمي زيدان هو الوحيد اللي عينفع للموضوع ده لأن من شروط التجديم في المجلس إن يكون النايب متعلم ومعاه شهادة
ووافقاه الرأي فارس وحسن ومنتصر الذي تحدث بنبرة غاضبة ناظراً بحقد علي ذاك الفاقد الحس والإنسانية :
_ عيالي هما عيال زيدان وسنده، وأني كمان وراك وفي ضهرك يا وِلد أبوي
تحدث زيدان بنبرة شاكرة مُتأثرة :
_ تسلموا وتعيشوا يا رچالتي، بس أني معيزهاش يا مُنتصر
ثم نظر إلي أخاه وتحدث بنبرة مُلامة:
_ خدها إنتَ يا قدري ،تليج عليك أكتر يا أبو الرچال
تحدث الحاج عِتمان موجهً حديثهُ إلي قاسم بنبرة صارمة وهو ينظر إلي قدري :
_شوف الاوراج المطلوبة للتجديم وجهزها يا زيدان لجل قاسم ما يجدم لك في المُحافظة
ثم نظر إلي زيدان وتحدث بإبتسامة خافتة مُخبأً خلفها سعادة لا توصف :
_ مبروك يا سيادة النايب
نظر لوالدةُ وأبتسم بسعادة وأردف قائلاً بإحترام:
_ ربنا يديمك فوج راسي يا أبوي
هز عِتمان رأسهُ بإستحسان وتحدث إلي ورد التي تنظر إلي زوجها بعيون تحتبس داخلها الدموع لأجل كسرته علي يد من يسمي بشقيقهُ :
_ منورة دارك يا أم الدَكتورة، مدي يدك وكُلي من خير ربنا علينا
إبتسمت له علي جبرهِ لخاطرها المكسور وتحدثت بإبتسامة عرفان:
_ تسلم وتعيش يا عمي، ودايماً الدار عمرانه بحِسك وخيرك
إشتعلت روح فايقة وشعرت ان البُساط قد سحب من تحت قدميها وانتهي الأمر، ولكنها لن ولم تستسلم قط، وعاهدت حالِها علي أن لا تكن فايقة النعماني إن لم تجعل قلبي زيدان و ورد ينزف ويتقطع لإرباً حُزنً علي إبنتيهما ووحديتهما
أما صفا التي كانت تنظُر لفارسُها الذي أسعد أباها بخبر ترشيحهُ لمنصب مُهم كهذا، ووقف بجانبه وساندهُ وأعترض حديث والدهُ المسموم بإتجاه غاليها بقوة ، وكان أيضاً سببً في إجتماعها بأبويها علي سُفرة واحدة
همست بجانب اذنه:
_ شكراً يا قاسم
إبتسم لها بسعادة وتحدث بمراوغة :
_ شُكراً حاف إكدة، إنتِ بخيلة ولا إية يا دَكتورة!
ثم ضحك بخفة وأكمل بنبرة حنون :
_ كُله لجل عيونك يهون يا صفا
إهتز قلبها وارتعش جسدها جراء نظرة عيناه العاشقة حين شعر هو بفائدة رجولته الحقيقية عندما رأي السعادة بداخل مقلتيها الفيروزية، نعم فإثبات رجولة الرجُل تبدأ من سعادة أُنثاة وإشراقة وجهها
عاود الجميع إلي تناول الطعام من جديد بصمتٍ تام
في حين نظرت مريم إلي صفا بإبتسامة هادئة لتذكيرها بالوعد التي قطعته لها من ذي قبل، فأبتسمت لها صفا وأومات بأهدابها ثم حولت بصرها إلي جدها لتُذكرهُ بحديثها معهُ مُنذ الأمس،
فأبتسم لها عِتمان وتحدث إلي فارس:
_ بجول لك يا فارس
نظر لهُ فارس وأجابهُ وهو يبتلع ما في فمهِ سريعً من طعام :
_أؤمرني يا چدي
أجابهُ عتمان وأردف شبه أمراً :
_ الأمر لله وحده يا ولدي، أني رايد إن مريم تِشتغل في المستشفي مع صفا ويزن
وهُنا التي تحدثت وأستشاطت من الغيرة هي ليلي قائلة بتهكُم علي إبنة عمها الخجول :
_ ويا تري السِت مريم خريچة الخدمة الإجتماعية عتشتغل إية هي كُمان ، لتكونوا عتعينوها وزيرة الصحة في نجع النُعماني، ما هي المستشفي بتاعتنا ونعملوا فيها اللي علي كِيفنا
وحولت بصرها إلي صفا وتحدثت بحقد دفين ونظرة كارهه لم تستطع تخبأتها:
_لدرچة إننا نمسِكوها لعيلة خريچة إمبارح مهتعرفش تدي حتي إبرة لعيان ونعملولها جيمة وسط الخلايج بالعافية
رمقها يزن بنظرة نارية لو خرجت لأحرقتها وحولتها إلي رمادٍ في الحال، إبتلعت لُعابها من نظرته خشيةً غضبهِ عليها من جديد
في حين نظرت لها صفا والجميع بعيون مُتسعه مستغربين شنها لذاك الهجوم العنيف والغير مبرر،
حين تحدثت فايقة مبررة لصغيرتها و وريثة عرش مملكة حِقدها العظيم :
_ ليلي تجصد إن...
إبتلعت باقي كلماتِها داخل جوفها رُعبً عِندما رأت نظرات عتمان النارية المُحذرة والأمرة لها بالصمت التام
شعرت مريم بالإهانة وأنكمشت ملامِحُها وظهر الحُزن بداخل عيناها البريئة مما أحزن قلب نجاة علي صغيرتِها وأيضاً مُنتصر ويزن اللذان حزنا لأجل غاليتهما الرقيقة ، وحتي قاسم الذي نظر إلي ليلي بحُزن علي حالة الحِقد التي تتملك من قلبِها
في حين تحدث الجد بنبرة مُهينة إلي ليلي وهو يرمُقها بنظرة إشمئزاز :
_ خلصتي السِم اللي عتنطرية من خاشمك ولا لسه يا بِت فايقة
إبتلعت لُعابها خشيةً هجوم جدها اللازع عليها ولكن من الغريب أن الجد إكتفي بهذة الكلمات البسيطة ولكنها مهينة ومُعبرة
ثم وجه بصرهِ إلي فارس وتحدث بحده أرعبته :
_ مسامعش صوتك ليه يا فارس؟
نظر فارس إلي مريم وتحدث بنبرة لائمة علي زوجتة :
_ مش لما أعرف رأي مّرتي إية اللول أبجا أجول أني رأيي يا چدي
نظرت له مريم وتحدثت بتحدي وقوة لا تعلم من أين أتتها:
_ أني موافجة
تحدث فارس بنبرة ساخرة :
_ يبجا رأيي مبجاش ليه عازة يا چدي، مَرتي موافجة وحضرتك جررت وأنتهي الأمر
تلاشي عِتمان غضب فارس وشبه أعتراضهُ وذلك لإعتراض عتمان علي إدارة فارس الفاشلة لحياته مع مريم التي ذبُلت مُنذ زواجها وتحولت إلي صامتة حزينة طيلة الوقت
تحدث عتمان إلي يزن :
_ يُبجا علي خيرة الله، إعمل عجد زين وشوف عتشغل ست البنات في إية يا يزن، وإعملها شهرية مليحة تليج ببِت مُنتصر النُعماني
رفعت مريم بصرها سريعً إلي جدها بلهفه وسعادة وتحدثت بعِرفان :
_ ربنا يخليك ليا يا چدي ويديمك فوج روسنا
إبتسم لها وهز رأسهُ وتحدث بإستحسان :
_ مبارك يا بِتي
حين تحدث زيدان بنبرة حنون :
_ مبارك التعيين يا زينة البنات
أجابته بسعادة:
_يبارك في عُمرك يا عمي
وتحدث مُنتصر إلي غاليته بنبرة وعيون تشعُ حنانً :
_مبروك يا بِتي
وأنهالت عليها المباركات من الجميع عدا فارس وليلي وفايقه المعترضون، وحتي قدري كان سعيداً بذاك الخبر وذلك بعدما إستمع من والده أنهُ سيُعطي لها راتبً عالي وكعادته فهو لا يهمهُ إلا المادة
________________
إنتهي الغداء وتحرك جميع الرجال ورسمية إلي غُرفة الإجتماعات العائلية لينتظروا حضور مشروب الشاي والفاكهة
بدأن النساء بمساعدة العاملات بجمع الأواني والصّحون من فوق سُفرة الطعام لإدخالها المطبخ إستعداداً لجليها ،
نظرت فايقة بحقد إلي مريم وتحدثت بفحيح كالأفعي :
_ والله عال يا ست مريم، دايرة تخططي وتجرري لشغلك مع الست صفا من ورا چوزك ومن وراي؟
تحدثت نجاة بقوة مدافعة عن إبنتِها الرقيقة التي تعجز عن الرد :
_وإنتِ إية اللي يزعلك في حاچه زي دي يا فايقة ؟
اجابتها بفحيح :
_ اللي مزعلني إنها ماشية كيف الهبلة ورا اللي رايدة تخرب عليها حياتها يا ست نچاة
كادت صفا أن ترد مُدافعه فبعثت لها والدتها نظرة تُطالبها بالصمت وتجنب الدخول في تلك المشاحنات
في حين أكملت فايقة بغضب :
_بدل ما تدور تتنطت في المِستشفي تُجعد في بيتها تربي بِتها وتاخد بالها منيها ومن چوزها، ولا تروح تچيب لها حِتة عيل يشيل إسم ولدي بدل حتة البِت اللي جايبها لنا وجاعدة عليها ليها أكتر من سنتين
تحدثت نجاة بنبرة تهكُمية :
_ والله بِتي چابت لولدك بِت وفرحتك بعوضه، الدور والباجي علي ولدي اللي داخل علي التلات سنين متچوز ولحد دالوك مشفتلوش حتي بُرص
وأكملت بنبرة حادة غاضبة كالإعصار :
_ بدل ما تُجعدي ترمي حديتك اللي كِيف السِم علي بِتي وتسممي بيه بدنها، روحي شوفي حال بِتك المايل وإعدلية ، لأني من إنهاردة معسكوتش وعتكلم مع الحاچة رسمية تشوف حل للمسخرة اللي عتحصل دي
أما ورد التي كانت تقف تُشاهد الحرب الدائرة بهدوء وحمدت الله أنه نجاها وعائلتها من السكن وسط تلك العائلة المسمومة
أمسكت يد صفا وسحبتها وخرجوا إلي الفراندا كي تُجنبها وحالها شر تلك الفايقة وكلماتها المسمومة
تحدثت ورد إلي صفا بنبرة قلقة :
_مكانش لية لزوم اللي عِملتية دي يا بِتي، مالك إنتِ ومال مَريم وشُغلها ؟
عتچيبي لحالك المشاكل ليه يا جلب آُمك.
تنهدت صفا وأمسكت كف يد والدتها كي تُطمإنها وتحدثت مُفسرة تصرفها لوالدتها :
_مريم بِت عمي وكِيف أختي يا أمّا، مجدرش أجف أتفرچ عليها وأشوفها حزينة ومكسورة وأني في يدي الحل ليها، مريم محتاچة يُبجا عِنديها ثجة في حالها والثجة دي مهتاجيش غير لما تشتغل وتندمج مع الناس وتِعرف إنها فرد مُنتج ومهياش عالة علي حد.
تنهدت ورد وتحدثت بتوجس:
_ مجولتش حاچة يا بِتي، وربي عالم أني كيف بحبها وبعزها، بس فايقة غدارة وجلبِتها سودة كِيف جَلبها،
وأكملت ناصحة :
_ملكيش صالح بيها يا بِتي، دي مّرة سو وجرصِتها بالجَبر إسأليني عليها،
وأكملت:
_ آااااه يا مُري، مكتش ريدالك تدخلي بين الناس دي، بس النصيب كان لازمن يصيب يا بِت زيدان
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
ليلا داخل مسكن فارس ومريم
خطي بساقية إلي مسكنة بعدما أنتهي من جلوسهِ بصُحبة شباب العائلة ، دلف لغرفة نومهِ وجدها خالية ككُل يوم، فمنذ ليلة زواج قاسم وصفا ومريم تغفو بغرفة صغيرتِها لحالها
تحرك بضيق وأعتراض علي ما يحدث ودلف إلي حُجرة صغيرته وجدها مُمددة تدعي النوم بجانب طفلتِها
زفر بضيق وتحدث بنبرة هادئة كي لا يُزعج صغيرتهُ الغافية :
_ جومي يا مريم وتعالي نتكلموا شوي برة، أني عارف إنك صاحية وعتمثلي علي إنك نايمة كيف كُل يوم.
لم تُعر لحديثهُ إهتمام وضلت علي وضعها فتحدث هو مهدداً:
_جومي يا بِت الناس بدل ما أعلي صوتي عليكي والبِت تتخلع
إنتفضت من نومتها بغضب وتحركت إليه بوجهٍ عابس، سبقها هو وتحركت هي خلفهُ حتي وصلا لداخل غرفة نومهما التي دلفت إليها وأغلق هو بابها بهدوء
ثم تحدث إليها بتساؤل غاضب :
_ جالبة خِلجتك عليا ليه يا مريم ؟
مكفاكيش إنك هچراني ونايمة چار بِتك بجا لك ياجي عشر أيام وحرماني من حجي الشرعي فيكي واني ساكت ومعتكلمش، كمان رايحة تتفجي وَيَا صفا علي شُغل من وراي ؟
كان عاچبك منظري وأني چاعد كِيف الچردل في وسطيهم وچِدك بيؤمرني ويجبرني كيف العيل اللصغير علي موافجتي علي شغلك ؟
وتسائل بنبرة حادة :
_ مجولتليش لية علي موضوع شغلك ده يا مريم ؟
كانت تستمع إلية وهي تُربع يداها وتضعهما فوق صدرها واجابتهُ بثبات وجمود :
_ عجولك ميتا يا فارس، هو أنتَ موچود في حياتي من الأساس ولا بتجعد وياي لجل ما أجول لك؟
أجابها مقللاً من شكواها :
_ بجول لك إية يا مريم، أني دماغي وچعاني ومفاضيش لچلع الحريم ودماغهم الفاضية دي
إبتسمت ساخرة وأجابته بنبرة بائسة :
_ وأديني هشغل دماغي وأملاها بالشغل وهبعد عنيك لجل ما أدوشكش بدماغي الفاضية وحديتي اللي ملوش عازة عِنديك، زعلان ليه بجا !
وتنهدت بأسي وتحركت لتخرج من جديد أوقفها بقبضة يده وهو يُجبرها علي الوقوف،، نظرت له فتحدث علي إستحياء وهو ينظر لداخل عيناها بإحتياج :
_ إستني يا مريم، أني ، أني عاوزك
نزلت كلماتهِ علي قلبها المسكين شرختة ، أهذة هي كل قيمتها لدية ، إفراغ رغبته البائسة بها وفقط ؟
حزنت ثم تحدثت إليه بنبرة طائعة خاشيةً غضب الله عليها من عصيانها لإعطائها لزوجها حقهِ الشرعي بها :
_ وأني تحت أمرك يا ولد عمي
شعر من نظرة عيناها بدونيته وكم هو أناني بلا شعور، فأمسكها وسحبها لداخل أحضانة وشدد عليه وأردف قائلاً :
_ حجك علي يا مريم، لو معوزاش خلاص، مهجبركيش أني
هزت رأسها بإعتراض وخرجت من بين أحضانه الباردة الخالية من المشاعر، وتحركت إلي خزانة ثيابها وأخرجت ثوبً هادئ للنوم وتحركت لداخل المرحاض، أما هو فزفر بضيق لاعناً حالهُ وما أصبح عليه من حالة مُزرية غير مُرضية له ولا لزوجتة
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
في مدينة القاهرة
داخل مسكن إلهام والدة دكتورة أمل
كانت تجلس داخل شُرفة مسكنِها ترتشف بعضً من كأس العصير التي تُمسك به بكف يدها، إقتربت عليها ريماس إبنتِها المُدللة والتي لا تهتم قط بأي شخصٍ كان غير حالها وفقط
تإقتربت من جلسة والدتِها وهي مُمسكة بقنينة طِلاء الأظافر، تطلي بالفرشاة أظافرها بعناية وجلست بمقعدٍ مُقابل لوالدتِها،
ثم تحدثت بغرور :
_ كلمتي بنتك علشان تعرفيها ميعاد الفرح ؟
اتجابتها إلهام بنبرة باردة :
_ عملالي بلوك ومش عارفة أوصل لها، بس كلمت مي صاحبتها وأخدت منها ميعاد، وهروح لهم كمان ساعتين علشان اتكلم معاها وأحاول أقنعها تتراجع عن قرارها المجنون ده،
وأكملت بعدم إهتمام :
_وأهو بالمرة أعزم مي ومامتها علي الفرح
تحدثت ريماس بنبرة مُعترضة :
_ بصراحة يا مامي أنا مش فاهمة إنتِ لية مش عوزاها تسافر الصِعيد، هي اللي إختارت تبعد عننا واختارت تعيش حياتها بالطريقة اللي تريحها، خلاص سبيها براحتها.
تحدثت إلهام ببقايا ضمير الأم المتبقي لديها :
_ أختك غضبانة وزعلانة من اللي حصل يا ماسة، ولازم نعذرها ونديها وقتها لحد ما تتقبل فكرة جوازك من وائل وتنسي الموضوع بشكل تدريجي
هتفت ريماس بنبرة مُتعالية غاضبة :
_ هي أصلاً ملهاش الحق إنها تزعل ، واحد كانت واهمة نفسها إنه بيحبها لمجرد إنها كانت معاه في الجامعة، ولما أتخرجت عينها معاه في مُستشفي بباة الكبيرة وإداها مرتب مكنتش تحلم بيه، كدة خلاص بقا بيحبها ؟
وأكملت بتعالي وغرور وهي ترفع قامتها لأعلي مُتباهية بجمالها الأخاذ وشعرها الأشقر وبشرتها ناصعة البياض :
_ ولما شافني في حفلة عيد ميلادها إنبهر بجمالي وسابها وزحف ورايا، ومن وقتها بقا بيطاردني في كل مكان أروحه ويترجاني أدي له فرصة يقرب مني ونتصاحب، لحد ما أنا رضيت عنه واديته الفرصة ، وفي خلال شهر واحد كان جايب أهلة لحد هنا وخطبني من حضرتك
وتسائلت بإستخفاف لمشاعر شقيقتها الرقيقة :
_ لو كان حبها فعلاً زي ما ادعت علية كان خطبها طول الخمس السنين اللي عرفها فيهم.
تنهدت إلهام وتحدثت مُفسرة :
_ أمل لسه صُغيرة ومش فاهمة الدنيا صح، مش قادرة تفهم إن اللي زي وائل ده فرصة هايلة للي زينا، ومن الغباء رفض طلبة أياً كانت الأسباب
هتفت ريماس بانانية :
_ ولما حضرتك مُقتنعة بكدة رايحة تقنعيها إنها متسافرش ليه؟
وأسترسلت حديثها بمنتهي الأنانية :
_بصراحة بقا يا مامي أنا شايفة إن قرار السفر ده أحسن حاجة لينا كُلنا، هي و وائل خلاص، مينفعش يجمعهم مكان تاني .
وقفت إلهام وتحدثت بتعقُل وهي تتأهب للخروج :
_ ما تخليش غِيرتك علي خطيبك تنسيكي إن أمل دي أختك ومش هينفع تكملوا باقي حياتكم وإنتم مقاطعين بعض بالشكل ده.
زفرت ريماس بإعتراض وعبس وجهها ، تحركت إلهام إلي داخل غرفتها كي ترتدي ملابسها للإستعداد لزيارة إبنتها التي تستضيفها صديقتها بمنزلها
بعد مُدة كانت إلهام تجلس أمام السيدة إيمان والدة مي، تضع ساقً فوق الآخري بتعالي وتباهي، بعد مدة خرجت أمل من حُجرتِها مُجبرة علي مقابلة والدتها بعد محاولات عِدة وإلحاح من إيمان لإقناعها بالخروج إليها لاجل خاطِرها
وقفت أمل مُتصلبة الجسد تتطلع أمامها في اللاشئ، في حين نهضت إيمان و تحدثت إلي مي التي تجاور أمل الوقوف:
_ بعد إذنكم هاخد مي ونقعد جوة في أوضتي علشان تاخدوا راحتكم في الكلام.
وقفت إلهام وتحركت إلي أمل التي تراجعت للخلف وتحدثت بنبرة جامدة وملامح وجة صلبه:
_ يا ريت حضرتك تتفضلي تقولي الكلمتين اللي جاية تقوليهم علشان تريحي بيهم ضميرك، لأني بصراحة معنديش وقت كتير علشان أضيعه في مناقشات عقيمة
تنهدت إلهام وحركت رأسها يميناً ويساراً بأسي ثم جلست وتحدثت بنبرة مهمومة :
_ هتفضلي لحد أمتي تعاملني بالجفاء ده؟
وأكملت لائمة:
_بتعاقبيني علي إية يا أمل؟
بتعاقبيني علي خوفي عليكم وإني عاوزة أضمن لكم جوزات مرتاحه علشان أطمن عليكم ؟
نظرت لها أمل وصاحت بتألم وهي تُشير بسبابتِها علي حالِها :
_ علي حساب كرامتي ومشاعري؟
قد كدة كرامتي اللي إتهانت ملهاش أي قيمة عندك؟
أجابتها بنبرة صادقة:
_يا بنتي إفهميني، أنا أم وخايفة علي بناتي من غدر الزمن، أنا ربيتكم لوحدي بعد بباكم ما أتوفي ونسيت نفسي وضيعت عُمري كله علي تربيتكم، ما رضيتش أتجوز علشان ما أجيبلكمش جوز أم يضايقكم ويسبب لكم عُقد تفضل ملزماكم طول حياتكُم ، علمتكم احسن تعليم لحد ما بقيتي دكتورة قد الدنيا واختك في كلية ألسن، من حقي لما تيجي فرصة زي نسب دكتور وائل وأهله إني أتمسك بيها بكل قوتي
أمل بنبرة صارخة:
_وأنا يا ماما، ومشاعري، والحقير اللي كان مفهمني إنه بيحبني وبعد ما خلاص قرر إنه يخطبني في عيد ميلادي ، ظهرت له بنتك الجميلة وقعدت تلعب عليه بإسلوبها اللي إنتِ عارفاه كويس لحد ما ريل عليها زي الأهبل وجري وراها ، لو إنتِ فعلاً أم حقيقية وبتعملي لكرامة بنتك حساب كنتي رفضتي طلب جوازة من ريماس
حركت إلهام رأسها بيأس وتحدثت :
_ للأسف يا أمل، إنتِ بتفكري بمشاعرك وده غلط كبير،
وأكملت بقوة:
_الدُنيا دي علشان تبقي قوية فيها وتَحصُلي علي أحسن الفرص والعروض، لازم تركني قلبك وتنسية خالص، ولو حسبتي جواز أختك من وائل هتلاقية فيه خير كتير أوي ليكي إنتِ قبلنا كلنا
نظرت عليها بإستغراب فأكملت إلهام غير عابئة بنظراتها:
_ أيوة يا أمل، لو حسبتيها بعقلك هتلاقي إن بمجرد جواز أختك من دكتور وائل ده هيعزز من منصبك في المستشفي، وائل وعدني إنه مستعد يرقيكي لمنصب رئيس قسم في المستشفي، وهيرفع مرتبك لأربع أضعاف
رمقتها بنظرة إشمئزاز وتحدثت:
_ إنتِ إزاي كدة، بيقولوا الأم بتحس بوجع بنتها لكن أنا مش شايفة ده قدامي
اجابتها بقوة وجحود :
_ الوجع الحقيقي في الفقر والغربة اللي إنتِ رايحة ترمي نفسك فيهم يا دكتورة
أجابتها بقوة :
_وأنا راضية بالفقر والغُربة دول وشايفة فيهم راحتية، وكل اللي طالباه منكم إنكم تنسوني وتخرجوني من حياتكم للابد زي ما أنا هخرجكم، وياريت من إنهاردة متحاوليش تقابليني تاني، لأني مش حابة أفتكر أي شئ يربطني بتجربة الخزلان المُرة اللي عشتها علي إيدك إنتِ واللي المفروض إنها أختي
وتحركت إلي الداخل بقلبٍ مُحطم فاقد الثقة في كل من حولة.
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
بعد إنتهاء الثلاثة أسابيع مُدة أجازة قاسم ، حوالي الساعة السادسة صباحاً بتوقيت القاهرة
كان يقف أمام مِرأته يُهندم من ثيابهِ ويضع عِطرهِ فوق ذقنه النابت وعُنقة تحت نظراتها التي تشتاقهُ حتي من قبل الرحيل ، تختلس النظرات إلية بقلبٍ مُمزق من مُجرد فكرة إبتعاد المحبوب
وما كان حالهُ بأفضلِ مِنها، فقد كان ينظر لإنعكاسها في المرأة وهي تُجهز لهُ حقيبة ملابسه، تختلس النظر إلية بين البُرهة والآخري مع مراعاتِها لعدم رؤياهُ لها، لكنهُ بالطبع كان يراها لعدم إحالة بصرهِ عنها
إنتهت من وضع ثيابهُ وجميع أشيائة الخاصة وتحدثت بنبرة مُختنقة لم تستطع السيطرة عليها :
_ شنطتك جهزت يا قاسم
تنهد بألم وتحرك إليها ونظر لداخل عيناها قائلاً بشكر :
_ تسلم يدك يا صفا، تعبتك وياي
أومأت له بأهدابها فتسائل هو بإهتمام :
_ معوزاش حاچة أچيبها لك وياي وأني راجع؟
هزت رأسها بنفي مُبتعدة بناظريها عن مرمي عيناه فتحدث هو من جديد :
_ جولي اللي في نفسك، أشري بصباعك علي أي حاچة حباها وأني أخلجها لك من تحت الأرض
أجابته بنبرة ضعيفة مُتأثرة :
_ تسلم يا قاسم، لو عُوزت حاچة أكيد هجول لك
تنهد هو بأسي ثم أمسك كف يدها وتلمسهُ بنعومة أثارت كلاهُما،نظر لداخل عيناها وذابا معاً بالنظرات، شعر بحاجتة القوية لإلتهام شفتاها وتقبيلهما برقة ونعومة، إقترب عليها ومال بجزعة لكنها أبعدت جسدها سريعً وتراجعت للخلف وهي تبتلع لعابها وصدرها يعلو ويهبط من شدة الإشتياق والتوتر، كانت تُريد قُبلتهُ أكثر منه، لكنهُ الكبرياء لا غير
شعر بإحباط رهيب جراء تراجُعها وسحب بصرها وجسدها بعيداً في حركة تدُل علي إعتراضِها الشديد لإقترابة، تحمحم وعذر تصرفها،
أخذ نفسً عميقً كي يهدئ حالهُ وما أصابهُ ، وتحدث بهدوء مُتلاشياً تصرفها :
_ أني مش هتأخر في القاهرة، كام يوم أخلص فيهم القضايا الضرورية وأعاود طوالي، وزي ما جولت لك، أي حاچة تعوزيها رِني علي .
نظرت له وأخرجت صوتِها بصعوبة بالغة:
_ توصل بالسلامة.
حمل حقيبته وتحرك للخارج وتحركت هي بجوارة حتي وصل إلي باب الشقة ثم نظر لعيناها
مد يدهُ لها ليصافحها فناولته كفها برقة، أمسكهُ ضاغطً عليه بنعومة وإثارة ، ثم رفعها وقربها من فمة ووضع شفتاه الغليظة فوق جلد كفها الناعم وثبت نظريهما كُلً بعيون الآخر وذابت العيون بنظراتها الهائمة ، إمتص هو جلد كفها في قُبلة خَشبت جسديهِما معاً،
ثم أنزل كفها وتحدث بنبرة حنون أذابت قلبها :
_ خلي بالك من نفسك يا صفا، وأني مهتأخرش عليكي
هزت رأسها بتوتر، تحامل علي حالة وخرج كي لا يتخطاه موعد إقلاع الطائرة، أمسكت الباب وتعلقت العيون ببعضها حيثُ أنهُ وقف بالخارج ولم تطعهُ ساقية علي التحرك للمُضي قدمً ، تحاملت هي علي حالها وتحدثت لتنبههُ :
_ الطيارة عتفوتك إكدة.
إبتسم لها بخفة وهتف بنبرة حنون :
_ فداكي يا صفا.
إبتسمت بحزن وتحاملت علي حالها وبادرت هي بإغلاق الباب، وكأن إغلاقهِ كان سكينً حاداً قطع معهُ قلبيهما وجعلهما ينزفان بشدة
أسندت رأسها فوق الباب وأغمضت عيناها بتألُم، رفعت كف يدها الذي طبع بهِ قُبلتهُ وأمتص جلدهُ بشفتاه، وضعت شفتاها فوق موضع شفتاه وأغمضت عيناها وباتت تُقبل موضعهما بقلبٍ يُريد الصراخ بأعلي صوته مطالبً بعودتة قبل الرحيل، أخذت نفسً عميقً تشتمُ بهِ رائحة عطرة التي طُبعت فوق جلدها والتصقت به
أما ذاك العاشق الذي شعر بأن قلبهِ خرج من بين أضلُعهْ وتركهُ مُهرولاً إليها لكي لا يبتعد عنها ويضل بين أحضانها بالداخل، تنهد بألم وتحامل علي حالة وتحرك إلي الدرج ليهبط ومنه للخارج بعدما ودع الجميع، كان فارس بإنتظارهِ كي يصطحبهُ بسيارته إلي مطار سوهاج
نظر لأعلي الشرفة علي أمل رؤياها، لكنها حطمت أماله ولم تخرج لتوديعة، فتنهد هو وتحرك فارس مُنطلقً بالسيارة ثم نظر إلي شقيقةُ مترقبً ملامح وجههِ الحزينة وتسائل بدُعابة:
_ مالك يا قاسم، أول مره أشوفك مهموم وإنتِ مسافر إكدة، ده أنتَ جبل إكدة كُنت بتُبجا طاير من الفرحة وإنتَ مِفارج
تنهد بألم ونظر لشقيقهُ وتحدث بنغزة داخل صدرة:
_ شكلي طبيت ووجعت في عِشج بِت أبوها العالية يا فارس، وجع واعر جوي جوة جلبي من وجت ما سِبتها فوج ونزلت
تهللت أسارير فارس وهتف بصياح:
_ وكتاب الله كُت عارف إنك عِشجتها من وجت خناجاتكم اللي مكانتش بتخلص من يوم ما كتبتوا اللكتاب،
وأكمل بنبرة عاقلة:
_ صفا زينة بنات النُعمانية وتستاهلك وإنتَ تستاهلها يا أخوي، وعين العجل إنك معتغدرش بيها ولا بوعدك لعمك
تنهد بهدوء وأرجع رأسهُ للخلف ناظراً أمامهُ بشرود يفكر فيما هو أت، وكيف سيتخلص ويُنهي خُطبتهُ من إيناس بدون خسائر معنوية لها، فبالأخير هو يكِنُ لها إحترامً ولا يُريد إيذاء مشاعِرُها وكبريائها
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
بعد مرور حوالي الساعة والنصف
دلف من باب مكتبه بترحاب عالي من الموظفين والذين تسائلوا كثيراً عن طول مدة غياب قاسم والذي لم يُخبر أحداً من المكتب بقصة زواجهُ بناءً علي طلب إيناس لحفظ ماء وجهها أمام زملائها الذين ينتظرون زواجهما خلال الإسبوع القادم
دلف إلي مكتبه وخلع عنه سُترة حِلتّه وعلقها بمكانها المُخصص، ثم جلس بمقعدة ودلفت إلية السكرتيرة الخاصة به ومعها ملفات القضايا المتوقفة علي موافقتة الشخصية كي يتم قبولها بالمكتب
تحدثت نيرة السكرتيرة بترحاب وهي تضع أمامهُ أحد الملفات :
_ المكتب نور بوجودك يا أفندم.
أجابها بهدوء:
_ متشكر يا نيرة.
بالكاد إنتهي من جُملته ورفع بصرهِ سريعً وسلطهُ علي تلك التي دفعت باب المكتب بحدة ودلفت تنظر إلية بنظرات مُشتعلة وتحدثت إلي نيرة التي إنتفضت بوقفتِها قائلة بنبرة صارمة :
_ سبيني مع الأستاذ لوحدنا يا نيرة.
نظرت نيرة إلي قاسم لتتأكد من قرارة فأومأ لها بأن تفعل ما طُلب منها وبالفعل خرجت.
وقفت تنظر عليه بعيون مُشتعلة وتحدثت بنبرة غاضبة:
_ هي حصلت كمان تيجي المكتب من غير ما تبلغني إنك جاي وأعرف من مكتب السكرتارية زيي زي الغريب ؟
نظر لها ببرود وتحدث بنبرة هادئة إستشاطت داخلها :
_ إهدي يا إيناس من فضلك وياريت متنسيش إننا في شغل والمكتب فيه زباين، ده غير إنه ما يصحش صوتك يبقا عالي كدة قدامي.
كانت تنظر إلية مُستغربة حالته كَكُل، نظراته الباردة وهو ينظر لها ، نبرة صوتهِ الجافة وهو يُحدِثُها ، أين قاسم، أين حبيبها الذي كان ينظر لها بإهتمام ويُحدثُها بحماس، نعم لم يكُن لها يومً عاشقً بالمعني المعروف، لكنهُ كان مُهتمً
تحدثت وهي تدقق النظر بملامح وجههُ التي لم تعُد تعرفُها، لا نظراته لا كلماته ولا حتي ملامحهُ التي زادت جاذبية ويبدوا عليها الإرتياح :
_ مالك يا قاسم؟ إنتَ فيك إية متغير، فين سلامك ولهفتك عليا، فين نظرة عيونك ليا لما كُنت بتغيب عني يومين
وأكملت بتساؤل حائر:
_ وإزاي قدرت تبعد عني كُل الوقت ده من غير ما تكلمني وتطمن عليا !
تنهد بأسي لحالتها الجنونية، وقف وتحرك إليها ليقابل وقفتِها ، وضع كفية داخل جيب بنطالة وتحدث بنبرة هادئة:
_ فية حاجات كتير جدت يا إيناس ولازم نقعد ونتكلم، من فضلك إتصلي بوالدك ووالدتك وخدي لي ميعاد منهم علشان هاجي أزورهم بعد ميعاد المكتب، فيه كلام لازم يتقال قدامهم ويشاركونا فيه
تنفست بهدوء وتحدثت إلية بنبرة جادة كألة إلكترونية :
_ لو هتتكلم معاهم في ترتيبات الفرح ما تقلقش، أنا وماما حجزنا القاعة ، ومهندس الديكور اللي إنتَ سلمته الشقة خلص كل التعديلات اللي أنا قُلت عليها، والفرش اللي إحنا حجزناه مع بعض قبل ما تسافر سوهاج هيوصل الشقة بكرة، والمهندس قال لي إن بعد يومين بالظبط هيسلمنا المفتاح.
وأكملت بجمود :
_ كُل حاجه جاهزة يا قاسم، مفيش غير كروت الدعوة إستنيتك لما توصل علشان نختار تصميمهم سوا
كان يستمع إليها بغصة مُرة داخل حلقة، أين كان عقله، ضميرة، أدميته وهو يُشرع ويُجهز حالهُ لذبح إبنة عمه وعمه الذي طالما إعتبرهُ ولدهُ الذي لم يُنجبة
حتي تلك المسكينة، ماذا ستفعل وكيف ستواجة الجميع بعدما يترُكها خطيبها بعد خطبة وأرتباط دام لسّبع سنوات !
تسائلت إيناس إلي ذاك الواقف ينظر إليها بشرودٍ تام ويبدوا علي ملامحهِ الإستياء والحُزن :
_ مالك يا قاسم؟
وصاحت بتساؤل وهي تنظر إليه بتشكيك :
_ فيك إية قُل لي، إية اللي مغيرك بالشكل ده ؟
إستمع كليهُما إلي طُرقات مُستأذنة فوق الباب فتحدث قاسم بنبرة صوت حادة :
_ إدخل. ت
دلفت السكرتيرة الخاصة به وتحدثت بنبرة عملية :
_شريف نُعمان برة يا أفندم وبيقول إنه واخد ميعاد من حضرتك.
تحدث إليها قائلاً بتفهم :
_ تمام، خلية يتفضل بعد دقيقتين بالظبط.
خرجت السكرتيرة وتحدث هو إلي إيناس بنبرة عملية :
_ إتفضلي علي مكتبك يا إيناس وزي ما قولت لك، هزوركم في البيت إنهاردة الساعة 8 وهنتكلم في كل حاجه.
كانت تنظر إلية بذهول وتسائلت بنبرة مُلامة :
_ إنتَ كلمت موكلينك وأدتهم مواعيد ومهانش عليك تكلمني حتي وتقولي إنك جاي.
تحرك إلي مكتبة وجلس بمقعدة وتحدث بنبرة جادة مُتغاضىً حالتها وسؤالها :
_ من فضلك يا أستاذه تتفضلي علي مكتبك علشان تشوفي شغلك.
طرقت السكرتيرة الباب ودلفت تتقدم خطوات العميل الذي هز رأسه بترحاب إلي إيناس كتحية منه، ثم تحرك إلي المكتب وبسط يدهُ إلي قاسم ليصافحهُ، وتحركت إيناس إلي الخارج،
أما عدنان فكان يجلس داخل مَكتبة مُنكبً علي أوراق بعض القضايا يقوم بمراجعتِها بإهتمام، إنتفض بجلسته حين فوجئ بتلك التي فتحت الباب دون إستأذان ودلفت كالإعصار المفاجئ
إنتفض واقفً وتسائل بهلع:
_ فيه إيه يا إيناس، إية اللي حصل ؟
بأنفاس لاهثة وعيون مُتسعة تطلق حُممً نارية سألتةُ مُستفسرة :
_كُنت عارف إن قاسم جاي إنهاردة ؟
زفر بضيق واسترخت أعصابهُ المشدودة وأرتمي بجسدهِ بتراخي فوق المقعد ثم تحدث بهدوء:
_ كلمني الساعة سبعة الصُبح وأنا نايم وقالي إنه في المطار وجاي علي القاهرة، وطلب مني أجهز له شوية ملفات خاصة بقضايا مستعجلة ولازم تدرس ويتاخد فيها قرار.
جحظت عيناها وتسائلت بصياح :
_ ولية ما قولتليش وإحنا قاعدين علي الفطار؟!
اجابها بنبرة باردة :
_نسيت يا إيناس، بقولك كلمني وأنا نايم ، وبعدين أنا كنت فاكر إنه بلغك إنه جاي علي الأقل علشان تنسقوا مع بعض القضايا المتعلقة وتشوفوا هتقبلوا إية وترفضوا إية
تحركت وجلست بمقابلهُ وتحدثت بنبرة مُتوجسة:
_ قاسم متغير معايا أوي يا عدنان، معرفش ماله، ده طلب مني أبلغ بابا وماما إنه هيزورنا إنهاردة الساعة 8 بعد المغرب ، وقال إنه محتاج يتكلم معانا ضروري.
تسائل عدنان مستفسراً :
_ طب وإنتِ قلقانه ليه كده، ما جايز يكون جامعنا علشان يتكلم في ترتيبات الفرح ؟
هزت رأسها بتوجس وتحدثت :
_ لا يا عدنان، أنا قلبي مش مطمن لهيأتة وهو بيكلمني، حساه حد غريب عني أنا معرفهوش، مش لاقية فيه قاسم خطيبي
ضيق عدنان عيناه وذهب بفكرهِ لتلك الفاتنة ذات العيون الساحرة وتيقن أن سحرها الهائل هو سبب تغيير ذاك الأبلة بالتأكيد
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
بعد خروج العميل من مكتب قاسم دلفت إلية السكرتيرة مباشرةً وتحدثت إلية بنبرة هادئة:
_ أدخل الزبون يا أفندم ولا تحب حضرتك تشرب حاجه الأول؟
هز رأسهُ نافيً ثم أردف قائلاً وهو يلتقط هاتفه من فوق المكتب وينظر بشاشتة :
_ متدخليش حد علشان هعمل مكالمة ضرورية، وانا هتصل بيكي لما أخلص وأبلغك تدخلي العميل،
وأكمل بنبرة تأكيدية ذات مغزي :
_ مفيش مخلوق يدخل عليا المكتب مهما كان هو مين
ونظر إليها بتأكيد :
_ مفهوم يا نيرة ؟
أومأت له بتفهُم وخرجت، أما هو فنظر بشاشة هاتفهُ وأبتسم تلقائياً حين نظر لنقش إسمها، كان قد قرر مهاتفتِها بعدما شعر بحاجتهِ المُلحة للإستماع إلي نبراتها الحنون كي تمدهُ بالقوة وتُساندهُ وتدفعهُ للمضي قدمً نحو طريق تصحيح المسار المُتجة إلية، بسرعة البرق ضغط علي زر الإتصال وأنتظر مُتلهفً لإجابتها
كانت تنتهي من إرتداء ثيابها وتلف حِجَابها الشرعي إستعداداً للنزول بعدما بعثت لها فايقة حُسن كي تستدعيها للجلوس معهم بالأسفل
إستمعت لرنين هاتفها فتحركت إلي الكُومود وألتقطته ونظرت إليه، وبلحظة تخشب جسدها بالكامل وبدأ قلبها يدقُ بوتيرة سريعة عندما لمحت نقش إسمة المُسجل بهاتفها مُنذُ أكثر من سّبع سنوات ولم يُنير بشاشتها ولو لمرةً واحدة
فاقت علي حالها وضغطت سريعً زِر الإجابة قبل أن ينتهي الرنين وتحدثت بنبرة مُرتبكة خجلة :
_ ألو
وكأن روحهُ الهاربه منهُ قد رُدت إلية حين إستمع لرنين صوتها العذب، فأجابها بنبرة يملؤها الحنين :
_ كِيفك يا صفا ؟
تنهدت براحة وشعرت بسعادة تغزو صدرها من مجرد إستماعها لحروف إسمها تخرُج من بين نبرات صوته الحنون :
_ اني زينة الحمد لله،
وتسائلت بإهتمام:
_ وصلت المكتب بالسلامة ؟
أجابها :
_ واصل من أكتر من نص ساعة وجابلت موكل كمان
شعرت بغيرة إقتحمت قلبها سريعً وتسائلت بنبرة حاولت بها تخبأة مشاعرها المُشتعلة بالغيرة :
_ موكل ولا موكلة، أجصد يعني جضية لراچل ولا لست؟
قهقة عالياً وتحدث بتفاخر ورجولة بعدما إستشف غيرتها علية:
_ راچل وشنبة يجف علية الصَجر كمان،
وأكمل بمراوغة وحديث ذات مغزي :
_ طمني جلبك يا صفا .
أجابته وهي تبتلع لعابها وتلعن غبائها لظهورها أمامهُ بتلك الحالة المزرية من الغيرة :
_ وهو حد كان جال لك إني جلجانة لجل ما تجول لي إطمني !
ضحك بشدة قائلاً بمداعبة:
_ الغيرة علي المحبوب مشروعة يا دَكتورة، وخصوصاً لما الحبيب يُبجا محامي طول بعرض وعيونه كحيلة ورموشة تدوب جلوب الحَريم دوب
إشتعل صدرها من الغيرة ولم تدري بما تُجيبهُ، أتقصف جبهتهُ كَكُل مّرة لتُثبت لهُ أن الأمر لا يُعنيها، ولكن كيف وهو يُعنيها، بل وحديثه أشعل النار بداخل صدرها فجعلهُ متوهجً من شدة الإشتعال
شعر بها فتحدث إليها :
_ روحتي فين يا صفا، معترديش عليّ ليه، ولا أني مش حبيب عاد ؟
إبتلعت لعابها وأشتعل وجهها إحمراراً ولم تستطع إخراج كلمة واحدة من فمِها، فهم خجلها وأعطي لها العُذر
فغير مجري الحديث كي يستدعيها إلي عالمهُ من جديد :
_ نمتي بعد أني ما مشيت ولا جِلجتي ومجالكيش نوم.
إبتسمت لمداعباته وقررت مُشاغبتة وتحدثت بنبرة مَرحة جديدة علية :
_ وإية اللي هيخليني منامش يا متر ، ده أني حتي أول مرة أنام براحة إكده من يوم فرحنا ، أخدت مخدتي في حُضني ونمت محسيتش بنفسي من كُتر الراحة
شعر بسعادة من دُعابات تلك المُشاغبة وتحدث مُتوعداً بدُعابة:
_ طب إعملي حسابك إن أول حاچة هعملها بعد ما أچي لك إني هاخد اللمخَدة دي ونزلها في الچنية وأولع فيها
ضحكت هي وتحدث إليها متسائلاً:
_معتسألنيش عولع في المُخدة ليه؟
إبتسمت وتسائلت بدلال خشب جسدهِ :
_ عتولع فيها لية؟
أجابها بنبرة هائمة أذابت جسدها:
_عشان إتچرأت وخدت مكَاني، حُضن صفا ملك لچوزها وبس
أغمضت عيناها وشعرت وكأن روحها تركتها وسرحت تتراقص في الفضاء، هل هي واعية أم أن هذا حُلمها التي طالما تمنتهْ حتي باتَ يُراودها بغفوتِها وصحوِها
وأكمل ذلك العاشق بنبرة تكادُ تصرخُ من شدة إشتياقِهِ :
_إتوحشتك يا صفا
إتسعت عيناها وفتحتهما بذهول تحاول أن تستوعب ما قيل لها علي لسان مُتيمها وساحرُ عيناها، هل حقاً قال أنهُ إشتاقني ، هل نسبني إلية وان حُضني هو ملكً لهُ !
إرتبكت حين سألها من جديد كي يستدعي صوتها لتُعيد البسمة إلي قلبهِ المُلتاع :
_عتفضلي حرماني من صوتك إكتير إكدة ؟
تحمحمت وتحدثت مُتهربه منه:
_ قاسم، كُنت عاوزة أستأذنك في حاچة
أجابها مُتلهفً:
_ أؤمريني يا ست البنات
إنتفض قلبها من كثرة حَنينهُ عليها، تحاملت علي حالها وأخرجت صوتها بصعوبة قائلة :
_ كُنت بستأذنك إني أخرچ إنهاردة بعد الظهر وأروح علي المستشفي لجل ما أتابع وأشوف آخر المستچدات مع دكتور ياسر، إنتَ عارف إن الإفتتاح جرب وأني لازمن أطمن بنفسي إن كُل حاچة بجت تمام
شعر بحالة من الإستياء، وتملك منه شعور بالغضب والغيرة لمجرد ذِكرها لإسم ذلك الرخيم الذي لم يتقبلهُ مُنذُ أن رأه ليلة الإحتفال بالحِنة عندما كان سيتجرأ ويكشف عن جسد مالكة روحة ليُعطي لها إبرة الدواء المُسكن ، لكنهُ تمالك من حالة وكظم غيظة كي لا يُحزنها
وتحدث بهدوء وأستحسان :
_ بصراحة أخر حاچة إتوجعتها إنك تستأذنيني لجل ما تنزلي تتابعي شُغلك
إبتسمت وتحدثت إلية بنبرة دُعابية مُستفزة :
_ هو مش إستإذان جَد ما هو إني بجنب حالي وچع الدماغ،لأن أكيد چدتي ومّرت عمي هيجعدوا يجولوا لي كيف عتنزلي الشُغل وإنتِ لساتك مكملتيش شهر چواز
قهقه عالياً وتحدث مُستسلمً من تلك التي تعتز بكبريائها أمامهُ:
_ يا فرحة ما تمت، وأني اللي جولت لحالي إن الزمان ضحك لي والدَكتورة صفا بجلالة جدرها عتستأذنك يا واد
ضحكت بإستحياء فتنفس هو بإرتياح ثم تحدث مُجبراً:
_ روحي علي شغلك بس خلي بالك على نفسك وأرچعي علي شُجتك طوالي
وأكمل بدُعابة مُحببه لقلبها:
_ وإبجي خُدي المُخدة في حُضنك وضُميها جوي بالليل لجل ما تودعيها عشان عولِعلِك فيها أول ما أرچع
ضحكت بشدة وضحك هو وأضطر أسفً أن يُنهي أمتع مُكالمة أجراها طيلة سنوات حياتهُ، شعر من خلالها بالشغف والنشوي والسعادة
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
نزلت الدرج وتحركت إلي مجلس نساء العائلة وتحدثت بوجهها البشوش وضحكتها وحضورها الذي طغي علي المكان فزادهُ إشراقً :
_ صباح الخير
رد الجميع الصباح عدا ليلي التي رمقتها بنظرة كارهه وتحدثت إليها بنبرة تهكُمية:
_ناموسيتك كُحلي يا صفا هانم.
تجاهلت هجومها اللازع عليها حين أردفت رسمية بنبرة مُدلله متجاهلة حديث ليلي :
_ يسعد صباحك يا دَكتورة.
وتحدثت نجاة بوجهٍ مُبتسم وترحاب عالي يليق بتلك الصافية :
_ منورة دارك يا بِتي
اجابتها صفا بإبتسامتِها البشوش:
_ تسلمي يا مّرت عمي، الدار منورة بوجودك.
وأردفت مريم مُتسائلة بإبتسامتها البريئة :
_ كِيفك يا صفا، زينة ؟
بادلتها الإبتسامة تحت غضب ليلي وتحدثت بنبرة حنون :
_ الحمدلله يا مَريم.
تحدثت الجدة وهي تُشير إليها :
_ تعالي آُجعدي چاري لحد ما انده علي حُسن تچهز لك اللفطور
تحركت إلي الجدة وجاورتها الجلوس وتحدثت بإعتراض لطيف :
_ ملوش لزوم يا چدة، أني فطرت جبل ما أنزل، أني هجعُد وياكم شوي وبعدها هروح أطل علي أبوي وأمي واشوفهم عشان هروح المستشفي أتابع التچهيزات، الإفتتاح جرب وعاوزة أطمن إن كل حاچة بجِت زين.
وكأن بكلماتها تلك قد أشعلت النار بقلب فايقة التي تحدثت بنبرة حقودة ظاهرة للجميع:
_ مستشفي إية اللي عتروحيها وإنتِ لساتك عروسة چديدة، إنتِ عايزة تفضحينا بين الخَلج إياك؟
أني أصلاً مفهماش شغل إية اللي بتچهزي له وهتروحية بعد ما خلاص إتچوزتي !
وأكملت بنبرة خبيثة كي تكشف للجميع عدم تربية صفا بالشكل اللائق وتخطيها لإتباع الأصول:
_ الظاهر إن سلفتي مكانتش فاضية لچل ما تعلمك الأصول زين، لأن لو كانت علمتك صُح كُتي جبل ما تلبسي هدومك وتنوي الطلوع تاچي تستأذني مني ومن چدك وچدتك
ونظرت إلي رسمية وتسائلت بنبرة خبيثة:
_ مش الأصول بتجول إكدة بردك ولا أني بتحدت غلط يا عمتي ؟
وقبل ان ترد رسمية التي إنعقد لسانها خجلاً كان لصفا رأيً أخر حيثُ قامت بقصف جبهتها وإفشال مُخطتها قائلة :
_ أمي علمتني وفهمتني ديني صُح وربتني أحسن تربية يا مرت عمي، وديني بيجول ما أتحركش من مكاني خطوة جبل ما أخد الإذن من چوزي اللي أني عايشة في حمايتة ومسؤلة منيه، وأني جبل ما أنزل إتصلت بچوزي وأستأذنته وهو سمح لي ورحب كمان،ده غير إني إستأذنت ليلة إمبارح من كبيري وكبير الكُل،
نظر إليها الجميع فتحدثت مُفسرة:
_أخدت الإذن من چدي ربنا يبارك لنا فيه
وأني يا ست صفا، كُتي خدتي مني الإذن لجل ما تُخرچي ؟
ولا ورد معلمتكيش إن زي ما چوزك ليه إحترامة حماتك هي كمان ليها إحترامها ؟
جملة قالتها فايقة لمتابعة مُخطتها الدنئ لتوقيع صفا بالخطأ
تحدثت صفا بثقة ونبرة هادئة إستفذت بها فايقة :
_أني إتبعت الدين والأصول وأستأذنت چوزي وكبيري يا مرت عمي ومحدش يجدر يغلطني في إكدة،
وأكملت بنبرة عقلانية كي تتفادي خطة تلك الحية الرقطاء قائلة بهدوء وأبتسامة خفيفة:
_ ومع إني مش مطالبة إني أستأذن من حد تاني بس أني بستأذنك في إني أخرچ يا مرت عمي،
وتسائلت بإبتسامة مزيفة:
_راضية إكدة ؟
نظرت لها ليلي وفايقة بقلبان يشتعلان غضبً حين تحدثت رسمية بإستحسان:
_ عداكي العيب يا دَكتورة
حين وجهت نجاة حديثها إلي رسمية نبرة حادة وذلك لإحراج فايقة التي لا تُعطي إلي حديثها أية إهتمام أو جدية :
_ كُت عاوزة أتحدت وياكي في موضوع تأخير حَبل ليلي لحد دالوك يا مّرت عمي،
وأكملت بنبرة غاضبة:
_ بصراحة إكدة الموضوع طال وبوخ وأني خلاص، معُتش جادرة اتحمل وأصبر أكتر من إكدة
إستشاط داخل فايقة ورمقت نجاة بنظرة نارية وصاحت بنبرة عالية مُردفة بحدة وهي تنظر إلي صفا :
_ ولازمته إية الحديت الماسخ اللي يحرج الدم دي جِدام الغُرب يا نچاة ؟
تحدثت رسمية بنبرة حادة بعدما رأت حَرج صفا بعيناها :
_ غُرب مين اللي عتتحدتي عليهم يا بِت سَنية؟، وبعدين عتعلي صوتك علي سلفتك وتغلطيها ليه؟
المّرة عِنديها حَج، صبرت ياما ونفسها تشوف عوض ولدها بيتحرك جِدام عِنيها، وإنتِ وبِتك حاطين إديكم في الماية الباردة
هتفت فايقة بنبرة غاضبة:
_ أني مسكتاش يا عمة، ومن وجت ما بِتي إتچوزت وأني بچري بيها عِند الدكاترة ، وكُل اللي روحت لهم جالوا إن ليلي ساخ سليم ومفيهاش عيب يمنع الخِلفة، اللحكاية عايزة صّبر
صاحت نجاة متسائلة بنبرة حادة :
_لميتا هنصبروا يا فايقة، ولدي داخل علي سنين ونص چواز ونفسي أشيل عوضة علي يدي!
كانت تستمع إليهم والنار تتأكل بصدرها لحضور غريمتها صفا وإستماعها لهذا الحديث الذي يذبح روحها ويشعُرها بالكَسرة
فتحدثت الجدة بهدوء:
_ إجفلي خاشمك يا حُرمة منك ليها،
وحولت بصرها إلي صفا وتحدثت بنبرة هادئة:
_ وإنتِ يا دَكتورة، إنتِ مش شاطرة وكل سنة كُتي عتطلعي بنمر زينة في الطِب، متكشفي علي بِت عمك وشوفي لها دوا يخليها تِحبل أومال ؟
أجابت جدتها بهدوء :
_ أني مش تخصص نسا وتوليد يا چدة،ده غير إني لسه ببتدي طريجي ومعنديش خِبرة في شُغلي،، بس أني عرضت مساعدتي علي ليلي جبل سابج، وجولت لها إني سألت دكتور كبير عندي في الچامعة وجاب لي إسم دكتور شاطر جوي في الموضوع دِه ولية سِيط وياما ستات كتير ربنا كرمها علي يده
ونظرت لتلك المُستشاطة وأكملت:
_ بس للأسف، ليلي رفضت مساعدتي وطلبت مني أبعد عن الموضوع ده وما أتدخلش فيه واصل
رمقت فايقة ليلي وسألتها بنبرة حادة:
_ صُح الحديت اللي عتجولة صفا دي يا حزينة ؟
وقفت ليلي وصرخت بأعلي صوتها بعدما فاض بها الكيل :
_ إيوة صُح يا أمّا، وأني جولتها لها جبل سابج وهجولها جِدامكم كِلياتُكم، لو الچنة هتاجي لي من خِلجة بِت ورد أني معيزهاش
وتحركت لأعلي بدموعها وغضبها علي صفا الذي لو تفرق علي المحافظة بأكملِها لكفي وفاض
نظرت فايقة إلي صفا وأردفت بلهفة كمن وجدت ضالتها :
_ شوفي عنوان الدكتور ده يا صفا وهاتيهولي واني هتدلي مصر ونودوها ليه أني وأبوها
أومأت لها بطاعة حين تحدثت نجاة بإعتراض:
_ رچلي علي رچلك أني ويزن وين ما عتروحوا ، بكفياكي طول السنتين اللي فاتوا وأني جاعدة كيف الهبلة ومعارفاش إية اللي عيُحصل عِند الدكاترة اللي عتروحولها إنتِ وبِتك دي !
___________________
تحركت إلي منزل والدها وجدت والدتها تقف داخل المطبخ تعِدُ أنواع الحلوي المُحببة لدي زوجها الذي أصبح علي مشارف الوصول،
وقفت تلك الصافية وراء والدتها وأحتضنتها من الخلف دافنه وجهها داخل عُنق ورد التي شعرت بسعادة الدنيا تملكت من قلبها وتحدثت بنبرة سعيدة:
_ يا مرحب ببت جلبي اللي نورت دار أبوها
أردفت صفا بنبرة حنون:
_ إتوحشتك جوي وإتوحشت حُضنك وريحة مِسكك يا ورد
ضحكت ورد وتحدثت إليها بجُرأة لم تعهد عليها :
_ دالوك إفتكرتي حُضن ورد لما فارجك حُضن حبيبك !
شعرت بالدماء تنسحب من وجهها وعروقها بالكامل من شدة خجلِها، فتسائلت مُغيرة مجري الحديث كي تُجنب حالها حديث والدتِها :
_ أومال فين أبوي، مشيفهوش في الدار يعني
أجابتها ورد بنبرة سعيدة:
_ لساته مكلمني وجال لي إنه داخل بعربيته علي أول الطريج في البلد
لم يُكملا حديثهُما حتي إستمعا إلي صوتهِ من الخارج وهو يُنادي بصوتهِ علي صابحة قائلاً :
_ تعالي يا صابحة هاتي الحاچات اللي في العربية
أسرعت إلية وما أن رأتهُ أمامها حتي رمت حالها بشغف لداخل أحضانهُ لتتشبع روحها من حنانهِ الذي لا يُضاهيه حنان
فتحدث ذاك الذي كان يشعر وكأنهُ يتحرك داخل صحراء جرداء في نهار صيفٍ ساخن يتلوي عطشً وفجأة وجد أمامهُ بِئرً ملئ بالمياة العذبة فجري علية ليروي ظمأهُ الشديد ، فتح ذراعية علي مصرعيهما وأحتواها داخلهُما وبدأ بمسح كفهِ بحنان فوق ظهر غاليته وتحدث:
_ إتوحشتك يا تاچ راس أبوكي
أجابته وهي داخل أحضانة:
_ مش جدي ما اتوحشتك يا حبيبي،
ثم رفعت وجهها تتطلع إلي وجههِ وتُملي عيناها وتُشبعها من شوفته البهية وتحدثت:
_ كيفك يا حبيبي وكيف صحتك؟
أني زين ومليش زي طول ما أنتِ بخير، جملة نطق بها زيدان بنبرة حنون وعيون تنطق عشقً أبوي
إستمعا كلاهُما لصوت تلك الغائرة التي صدح من خلفهما قائلة بدُعابة:
_ حمدالله على السلامة يا سي زيدان، طبعاً معتفتكرش تسأل علي المسكينة ورد ولا اللي چابوها طالما خدت حبيبتك جواة حُضنك.
إنفرجت أساريره كَكُل مرة يري فيها غيرتها علية وتحدث مُدللاً إياها:
_مفيش حُضن يعوض حنانك يا غالية، وفتح لها ذراعه وسحبها هي الاخري لتُشارك صغيرته في حُضنه الكبير الذي يشمل الجميع بحنانه
بعد مُده كانت تتوسط والديها الجلوس وتتناول بتلذُذ الحلوي التي صنعتها والدتها بيدها
سأل زيدان صغيرته كي يطمأن عليها:
_ قاسم عامل إية وياكي يا صفا، بيعاملك زين ؟
إبتسمت خجلاً وتحدثت كي تُطمأن قلب غاليها عنها :
_الحمدلله يا أبوي، قاسم راچل صُح وبيتجي الله فيا وبيعاملني بما يُرضي الله
أردفت ورد بإستحسان بعدما وجدت وجه صغيرتها قد آُنير بعد زواجها من قاسم:
_ قاسم راچل مفيش منيه، يشبهك يا زيدان ويشبه حِنيتك
حولت بصرها سريعً علي أبيها وأردفت مُعترضة بنبرة صادقة:
_ حنية أبوي ملهاش زي يا أمّا، ربنا خلج زيدان واحد ومكررهوش
إبتسم لصغيرته وأمسك كف يدها وضغط عليه بحنان، جلست معهما ما يقارب من الساعة وبعدها إتجهت بسيارتها إلي المَشفي لتُباشر عملها وتتابع آخر المُستجدات
*** ☆***☆ *** ☆***☆***
روايه قلبيّ بنارِهاَ مٌغرمٌ بقلمي روز آمين
إنتهي قاسم من أدائهِ لبعض الأعمال المُتراكمة لدية وخرج من مكتبهُ مُتجهً إلي مسكنه، تناول طعام غدائهِ الذي جلبهُ معهُ من الخارج من أحد المطاعم ثم تحدث إلي صفا وأطمأن أنها قد عادت من المَشفي ،
دلف إلي المرحاض ونزع عنه ثيابهُ وأتجهَ إلي كبينة الإستحمام، وقف تحت صنبور المياة وحول مؤشرهُ علي المياة الدافئة ونزل تحتهُ وأغمض عيناه بإسترخاء وذلك لكي يُهدئ من روعة، إنتهي من أخذ حمامه وذهب إلي تختهِ ليغفوا ساعتان حتي يسترخي قبل أن يذهب إلي منزل إيناس ويبدأ حربهِ الشرسة الذي يعلم أنها لم ولن تكُن بالسهلةِ أبدا
أفاق من غفوته علي صوت المُنبه، اغلقهُ وأتجهَ إلي المرحاض توضأ وخرج لأداء فرض الله علية، بعد مدة إنتهي وبدأ بمناجاة الله وتوسل إلية بأن يوفقهُ ويُساندهُ ويدعم سعيهُ بالوفاء إلي الوعد الذي قطعةُ لعمه بأن يحافظ علي تلك الصافية بالإضافة إلى عشقه الهائل الذي ظهر بقوة وبدون مقدمات
إرتدي ثيابهُ وقاد سيارته إلي أن وصل لمحل إقامتها وبعد دقائق كان يجلس في مقعداً مُقابلاً الأريكة التي تحمل ثُلاثي الشر، كوثر، إيناس وعدنان
تسائل قاسم مُستفسراً:
_أومال فين أستاذ رفعت؟!
نظرت لهُ كوثر التي تجلس بترقب واضعة ساق فوق الأخري وكف يدها تسند بهِ وجنتها، ترمقهُ بنظرات مُتفحصة ثم تحدثت بحديث مقصود :
_ رفعت في الشرقية بيحضر مناسبة عند حد قريبه من بعيد وهيبات في البلد، وبالمرة قال هيعزمهم علي فرح إيناس
ثم تحدثت بنبرة مُستفسرة وهي تنظر له بعيون مُستشفه لما داخله بحكم خبرتها بالحياة :
_خير يا قاسم، يا تري عايزنا في إية، إتكلم، إحنا سامعينك
هبت إيناس واقفة من جلستِها وتحدثت بهدوء حذر :
_ قبل ما تبدأ كلام قولي تحب تشرب إية ؟
أجابها سريعً بإشارة من يده:
_ مفيش داعي تتعبي نفسك، ياريت تقعدي علشان نتكلم في المُفيد
إستغرب عدنان طريقة قاسم الرسمية وملامح وجهه الجامدة وتسائل بدُعابة :
_ مالك يا أبني عامل زي اللي قاعد في مؤتمر رسمي كدة ليه، ما تفك شوية وبلاش شغل الرسم بتاع المحامين ده
إبتسمت كوثر بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت بحديث ذات مغزي لتشجعهُ لما هو أت :
_ إسمع كلام صاحبك وأدلُق اللي في عِبك مرة واحدة يا قاسم
أخذ نفسً عميقً وزفرهُ بهدوء كي يُساعدهُ ويعطيةِ القوة علي البدأ بالحديث في هذا الموضوع المُخجل الصَعب
تناقل النظر بين ثلاثتهم وتحدث مُتشجعً:
_ أنا عارف إن الكلام اللي هقولة ده صعب علينا كُلنا بس لازم ﻧـــــ....
ولم يُكمل باقي جملتهْ لمقاطعة كوثر التي تحدثت بإعتراض :
_مفيش داعي للمقدمات دي كلها يا مِتر، ياريت تُخش في الموضوع علي طول وتقول اللي إنتَ جاي علشانة
تحمحم بخجل فحقاً الوضع ليس بالهين علية ولا عليهم وأكمل بتفهم :
_ حاضر يا أفندم.
وأخذ نفس طويل وتحدث متشجعً:
_ للأسف أنا مش هقدر أكمل في موضوع جوازي من إيناس، حصلت حاجات كتير أوي في التلات أسابيع اللي فاتوا خلتني أراجع نفسي، ولقيت إني من الصعب أخالف ضميري وأخون بنت عمي، ده غير إن عمي خلاني أوعدة إني أحافظ علي بنته الوحيدة وأني أصونها وما أجرحهاش
جحظت أعين عدنان وإيناس وباتا يدققان النظر إليه بذهول وعدم إستيعاب لحديثهُ
أما كوثر التي لم تتأثر ملامِحُها ولو بشكل بسيط مما إستمعته من قاسم، فهي قد إستشفت بذكائها وخبرتها التي إكتسبتها عبر سنوات عمرها التي لم تكن بالهينة وعانت فيها مُر الفقر وتخطي الصِعاب
نظرت لهُ وتحدثت ساخرة بنبرة باردة رخيمة :
_ حلوة حتة الضمير اللي نزلت عليك فجأة دي، لا وملعوبة صح وكانت ممكن تدخل علي حد أهبل، بس عليا أنا لاء يا أبن الأكابر ،
وأكملت بنبرة ساخرة مُهينة لشخصة:
_إنتَ واعي للتخاريف والهبل اللي جاي تشتغلنا بيهم دول ولا أنتَ مِبرشم علي المِسا ولا نظامك إية بالظبط ؟!
إتسعت عيناه بذهول تأثراً بإستماعهِ إلي كلماتها المهينة والتي لا تليق بشخصيتهِ الجادة ولكنه تمالك من حاله وتحدث قائلاً بنبرة مُتماسكة مراعيً حالتها :
_ مفيش داعي للإهانة يا مدام كوثر، أنا مقدر إن الوضع صعب علينا كلنا، ولازم نساعد بعض علشان نتخطاه
إعتدلت بجلستها وهتفت بنبرة حادة:
_وهو أنتَ يا حبيبي لسه شفت إهانة، بقا بعد ما ركنت بنتي جنبك سبع سنين زي البيت الوقف وضيعت عليها فرص الجواز بدري ، وبعد ما جهزنا للفرح وكل قرايبنا ومعارفنا عرفوا إن الفرح بعد عشر أيام وده علي حسب إتفاقك إنتَ وأبوك معانا لما كنتوا هنا ،
جاي بكل بجاحة تقول لنا معلش يا جماعة،سامحوني مش هقدر أتمم الجوازة علشان مخونش ثقة عمي فيا، ثقة مين يا أبو ثقة
تحدث عدنان مُهدءً والدته موجهً نظراتهِ إلي قاسم :
_ إهدي من فضلك يا ماما، أكيد قاسم بيهزر معانا وما يقصدش اللي حضرتك فهمتيه ده
أجابه قاسم بنبرة جادة غير قابلة للتشكيك:
_ أنا مبهزرش يا عدنان، أنا قاصد كل كلمة خرجت مني ، وأنا مستعد إني أعوضكم بالمبلغ والترضية اللي إنتوا تحددوها علشان أكفر عن غلطتي
خرجت إيناس عن صمتها مُتخطية صدمتِها وأردفت قائلة بنبرة لائمة غير مستوعبة:
_ إنتَ عاوز تفضحني يا قاسم؟
إنتَ مستوعب الناس ممكن تقول عليا إية لو سبتني قبل الفرح بإسبوع بعد خطوبة دامت كُل السنين دي، إنتَ كدة بتدبحني ؟
ضيق بين حاجبية وتذكر ما الذي كان سيفعلةُ بصغيرته تحت قيادة تلك التي تصرخ عندما تبادلت الأدوار، شعر بدونيتة وكم كان حقيراً ولا يُفكر سوي بحالهِ اللعين وفقط
تحدث إليها متسائلاً:
_ ولو إتجوزتك هبقا بدبح مراتي اللي ما تستاهلش مني كدة ، هي خلاص، مبقاش ليها حد غيري ومش هقدر أغدر بيها تحت أي ظروف، لكن إنتِ لسه الفرصة قدامك في إنك تلاقي راجل محترم يحبك ويكون ليكي لوحدك من غير ما تشاركك فيه ست تانية،
هتفت بنبرة معترضة:
_بس أنا مش عاوزة ولا هقدر أكون لراجل غيرك يا قاسم ؟
أجابها بنبرة تأكيدية:
_مبقاش ينفع خلاص يا إيناس، صدقيني مش هقدر ، لو إتجوزتك علشان نتفادي كلام الناس هبقا بظلمك لأني مش قدر أكون لك الزوج اللي حلمتي بيه وأتمنتية
إنتَ بتقول إية يا قاسم، إنتَ مدرك وواعي للي إنتَ بتقوله، وصرخت بجنون قائلة:
_بص لي كويس يا قاسم، أنا إيناس، حبيبتك،
وصاحت بصُراخ مُتسائلة :
_إنتَ إية اللي جري لك، عملت فيك إية العقربة اللي إتجوزتها خليتك تتغير من ناحيتي بالشكل ده ؟
إستشاط داخلهُ وأحتدت عيناه حينما إستمع لإهانة صغيرته فتحدث بنبرة حادة صارمة:
_ إيناس، صفا خط أحمر ممنوع أي حد يتخطي الحدود ويقرب منه.
وأكمل بنبرة حادة:
_ آخر كلام عندي جواز مش هينفع، وأنا تحت أمركم في أي تعويض مادي تحددوة بنفسكم
ونظر لإيناس لعلمهِ مدي عِشقها للمادة وهذا ما لمسهُ من خلال حديثهُ الأخير معها وهو يحاول إقناعها بإتمام زواجهُ بها بعد صفا، ومنذ ذاك اليوم وهو يقوم بإسترجاع ذاكرته ومواقفها معه، شعر بالإهانة وبأنهُ بعنادهِ وهروبهُ من هويتة وجذورة قد تغافل وسلم حالهُ لتلك المُخادعة التي مثلت عليه العشق ولكنها أبعد ما تكون عنه
وأردف قائلاً بنبرة جاده:
_ وأنا مستعد أكتب لك الشقة بفرشها بكل مستلزماتها بإسمك كنوع من أنواع التعويض، وأظن إنتِ عارفة تمنها كويس أوي، ده غير مبلغ مالي هديهولك تبدأي بيه تأسيس مكتب ليكي، لأن للأسف مش هينفع نكمل شغل مع بعض تاني في المكتب
إشتعل داخلها عندما رأت غضب عيناه وأشتعال روحه لأجل غريمتها التي جلبتها لهُ بأيديها، وما زاد حِقدها هو تخطيتهُ وترتيبهُ لخطة الإنسحاب الكامل من حياتها ، نظرت لهُ وتحدثت بفحيح وتوعُد:
_ وإنتَ بقا فاكرني هبلة وبريالة علشان أوافق علي عرضك السخيف ده؟
وكمان عاوز تخرجني من المكتب اللي أنا بنتهولك علي أكتافي وعليت إسمة في السما بتعبي ومجهودي
وأكملت بتوعد:
_ ده أنتَ تبقا غلبان أوي لو فاكر إنك ممكن تغدر بيا وترمي لي شوية فتافيت بعد ما ركنتني جنبك زي البيت الوقف كل السنين دي، وأنا هقف أتفرج عليك وأسكت زي الهبلة وأرضي ،
وأكملت بتهديد صريح:
_ ده أنا أخرب لك حياتك وأدمرك، وأهد المعبد علي دماغ الكُل وعليا وعلي أعدائي يا قاسم
رمقها بنظرات نارية وهتف بصياح :
_لما تيجي تتكلمي مع قاسم النُعماني تبقي تتكلمي علي قدك يا شاطرة، وقولتها لك قبل كدة وهقولها لك تاني، مش أنا اللي بتهدد ومليش إيد بتوجعني علشان أتمسك منها وأتوجع،
وأكمل مذكراً إياها:
_ وبلاش تعيشي في دور المظلومة اللي إتغدر بيها لأن بصراحة الدور مش لايق عليكي، وأحب أفكرك إن الخطة دي كلها كانت فكرتك من الأول وتمت تحت رعايتك وإشرافك، فياريت متحملنيش الذنب لوحدي، دي خطة دنيئة من تأليفك وأنا إشتركت في تنفيذها وخدعت بيها عمي وجدي ولأخر لحظة كنت هدبح بيها بنت عمي بدون رحمة، جاية تصرُخي لما الأدوار إتبدلت وأتحطيتي مكانها،
وأفتكري إني من الأول كُنت رافض إني أكمل في لعبتك دي، وكنت ناوي أتخلي عن كل حاجه وأبدأ معاكي من الصفر ونبني نفسنا بنفسنا، لكن إنتِ اللي طمعتي وأصريتي إننا نكمل،
ورفع كتفيه وأردف بهدوء :
_ وأدي النتيجة، ولازم تتقبليها
وأكمل بتألم حقيقي:
_ وإوعي تفتكري إن إنتِ لوحدك اللي هتطلعي من الموضوع ده خسرانة ، أنا كمان خسرت كتير أوي ولسة هخسر ،خسرت ضميري اللي فقدته أثناء رحلة السّبع سنين العجاف دول
وأسترسل حديثهُ بنبرة حزينة مُتألمة:
_و كفاية إني هعيش عمري كله وأنا بحتقر نفسي ومستصغرها علي كذبي طول السنين دي علي أهلي ، وكفاية كمان إني هقضي اللي باقي حياتي وأنا جبان ومعنديش الجرأة إني أعترف لهم بالمؤامرة الحقيرة اللي لعبتها عليهم
تحدثت كوثر بهدوء مُريب :
_ إهدي يا قاسم وما تخليش شوية عواطف هبلة تتحكم فيك وتحركك زي قطع الشطرنج ، تعالي نتكلم ونحسبها مع بعض بالعقل
وأكملت بنبرة صادقة:
_ لو فاكر إني هضحي بسمعة بنتي بشقة وشوية فلوس تبقا غلطان وحساباتك خرمت منك ، إحنا من الشرقية يا قاسم، يعني من الآخر ناس فلاحين ولينا أصل وعيلة، واللي إنتَ جاي بتقوله ده تطير فيه رقاب .
ده غير إن بنتي خلاص، عدت 31 سنة وفُرصها في جوازة كويسة من شاب ظروفة مناسبة قَلت، ده غير إن أبوها كان قلقان ومكنش موافق علي الموضوع كله من الأول وأنا اللي ضغطت علية لحد ما أقنعته ، يعني لو عرف قرارك ده أقل حاجه هيعملها معايا ده لو يعني طلع كريم، هيطلقني ويرميني في الشارع رمية خيل الحكومة، يعني إنتَ كدة بتخرب بيتي
وأكملت بشرح:
_ ده غير أهلة اللي مش هيسكتوا لما يعرفوا إن بنتهم اللي ليها سبع سنين مخطوبة لواحد شغاله معاه في مكتبه
وأكملت بنبرة خبيثة كي تستدعي قلقة :
_ واللي ساعات بييجي عليهم وقت والمكتب ده بيفضي عليهم هما الإتنين لوحدهم
إتسعت عيناه من تلميحاتها الغير أخلاقية بالمرة فأكملت هي:
_ تفتكر إن ناس فلاحين زي دول عندهم الشرف أهم من النَفس اللي بيتنفسوة هيقفوا يتفرجوا علي بنتهم وسُمعِتها اللي هتبقا في التُراب ويسكتوا ؟
كان يستمع إلي حديثها بقلبٍ يتمزق وروحً مؤرجحة،فبرغم خُبث تلك المرأة وتلاعُبها بالحديث إلا انها مُحقة بتفكيرها وبنظرة المُجتمع لإبنتها،
ساخطً هو علي حاله وغباءهُ وتشتتهُ الذي أوصلهُ لتلك النهاية الحَرجة والمؤلمة للجميع ، مُشفقً هو علي تلك الأم التي تحاول جاهدة أن تُنقذ سُمعة إبنتها ويعطيها الحق "ولكن " لم يعد الأمر بيده، هو قام بقطع وعد علي حالهِ قبل عمه بأن يحمي تلك الصافية وبأن لا يقوم بجرحها والغدر بها مهما كلفهُ الآمر من خسائر، يكفي بأن يكون رجُلً في حماية إمرأته
زفر بهدوء ثم تحدث بنبرة حزينة:
_ أنا مُستعد أسافر لأهل أستاذ رفعت بنفسي للشرقية واشرح لهم موقفي الصعب وهكون تحت أمرهم في كل اللي يحكموا بيه، ولو أضريت أتنازل ل إيناس عن كُل مليم كسبته طول سِنين شُغلي أنا موافق
تحدث عدنان بعدما رأي دموع شقيقتهُ وعدم إستيعابها..........
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا