رواية طائر النمنمة الفصل الخامس 5بقلم ملك العارف


رواية طائر النمنمة 

الفصل الخامس 5 ج2

بقلم ملك العارف


 كانوا سايبين كام واحد يضرب نار من باب التهويش، كانوا بيلعبوا بينا بمعني أصح، لحد ما دخلت الأوضة اللي هي فيها و لقيتها مدبــ،وحـ،ـة، مش قادر أنسي نظرة عينيها، ولا الصدمة اللي كانت مرسومة علي وشها بعد ما ادوها أمل إنها هتعيش و تخرج، خلصوا عليها، وقتها نار ولعت جوايا، بقيت واحد تاني مش شايف قدامه غير إنه ينتقم


استمرت جلستهما طويلًا حتي ختم حديثه: 

كان نفسي تهورها يقل و تحس بقيمة حياتها، و خوف اللي حواليها بأي شكل، لكن مش بإنها تمـ،ـوت، بس قدرها كده.


نظر لساعته وقال:

الكلام الكتير جوعني، نطلب أكل؟


هزت رأسها موافقة فنهض يجذب هاتفه من فوق رخامة المطبخ،و أقترح:

برجر ولا بيتز؟


فكرت قليلًا وقالت:

عايزة أكل كفتة وسلطة طحينة 


ضحك بغير تصديق وسألها: 

ده بجد؟ 


قالت: 

أه طبعًا و قوله يتوصي بالسلطات. 


بعد ساعة


استلم الأوردر من عامل التوصيل و عاد للداخل، وضعه فوق السفرة المخصصة للضيوف و ناداها: 

يلا الأكل وصل. 


خرجت إليه و شرع كلاهما في فتح العبوات بشهية كبيرة فقال: 

بصراحة المشويات تكسب قصاد أي حاجة تانية. 


تناول كلاهما الطعام وسط أحاديث جانبية حتي عادت تستجوبه: 

بس قولي يا طه، أنت اتغيرت إزاي برضو كده، يعني أنت مش طه اللي اتجوزته من سنة، مش هنكر إن المسؤولية و وارد برضو الحب يغيرنا بس مش بالشكل ده، صح؟ 


ضحك وهو يغمس قطعة اللحم بطبق السلطة وقال: 

قولتيلي بباكِ مدخلكيش كلية الشرطة ليه؟ 


ضحكت هي الأخري: 

أنا اللي قولت أسيبكم تاكلوا عيش، يلا جاوب. 


تنهد و نفض عن يده دقيق الخبز وقال بصراحة: 

كنت متابع مع دكتور نفسي. 


ابتسمت له بتقدير علي محاولاته وسألت: 

من أمتي؟ 


فكر قليلًا و قال: 

من ٤ أو ٥ شهور، في الأول مكنتش منتظم ومكنتش مقتنع إنها هتجيب نتيجة، بس مع إصرار الدكتور و أهتمامه كملت، وقتها قالي لو مش علشان نفسك علشان غيرك، أهلك، زوجتك، ياسيدي بلاش كل دول، علشان أولادك في المستقبل، لما بدأت سلاسل الماضي تتفك، وعقدى خوفي من إني أتعلق بيكِ و أحبك و بعدها تروحي مني اتفكت، بقيت سايب قلبي يقرب منك منغير ما أشده، أو أجبره يرجع يبعد، سيبتك تفتحي شبابيكه و تدخلي النور، و تعملي لنفسك مكان جواه و أنا مقرر إني مش هخرجك منه تاني.


سألت بخفوت: 

ليه مقولتليش يا طه، مش بس علي الدكتور، علي كل حاجة من الأول، ليه سيبتني في حيرتي الوقت ده كله؟ 


قال مبررًا: 

متخيلتش لما اتقدمتلك انك هتكملي معايا، فقولت مش لازم اتكلم دلوقتي، لما أشوف حكايتنا هترسي علي إيه، بعد كده بقيت حاسس إن في حاجة جوايا بتمنعني أتكلم، و الحاجة دي أتحولت مع الوقت لخوف إنك تسيبيني لما تعرفي، بس لما كنت خدت قرار اقولك، اعتقد شهد كانت قامت بالواجب. 


قال جملته الأخيرة مبتسمًا فردت هي: 

بمناسبة شهد، هي قالت ليا إنك زعلت منها علشان أنا عرفت منها، بس أنا اللي وقعتها في الكلام وبعد كده أصريت إنها تتكلم و تقول كل حاجة. 

زادت ابتسامته و هو ينهض للداخل قائلًا: 

مش بقولك كان لازم تدخلي كلية الشرطة. 


نهضت خلفه لتغسل يدها، وقالت: 

طيب و الدكتور برضو، ليه متكلمتش عنه؟ 


قبض فوق المنشفة يجفف يده و أجابها: 

كنت هحكيلك، ايوة أتأخرت بس أنتِ صدمتيني يوم ما طلبتي الطلاق، لوهلة حسيت إن كل ده اصلا ملهوش لازمة لو أنتِ مخدتيش بالك منه، بصراحة أنا لسه مش فاهم ليه طلبتي الطلاق في التوقيت ده! 


ناولها المنشفة و سبقها للخارج، وقف بمنتصف الردهة ينتظرها، وقفت امامه وقالت: 

أنا كنت ملاحظة إنك اتغيرت مش هنكر ده، بس برضو مكنتش فاهمة أنت  أمتي هتتكلم، و حسيت إنك هترجع تاني تاخد دور الصامت فكان لازم وقفة أضغط عليك بيها، و في نفس الوقت أشوف أنت فعلًا عايزني معاك و لا مجرد متقبل وجودي من باب اللي لقيتها قدامي. 


قال بغير تصديق: 

اللي لقيتها قدامي؟! ده بجد يعني؟ حتي بعد اللي قولته ليكِ يوم فرح شهد، لما كنا بنرقص سوا؟ 


لاحت فوق وجهها ابتسامة للذكري: 

ده أكتر وقت حسيت فيه إن أنت ممكن تكون بقيت بتحبني. 


ولت عنه لتذهب للخارج ولكنه جذبها مسرعًا من خصرها و قربها إيه، تسارعت أنفاسه تدل علي فرط ما يعتليه من مشاعر، نظر بعمق عيناها و همس بصوتٍ رخيم: 

حسيتي إيه بس!

آية أنا بحبك، و بحبك من قبل اللحظة دي بكتير من وقت ما بقيت بشوف في عيونك خوفك عليا و قلقك، من وقت ما بقيت اتخنق من شغلي اللي بيسهرني طول الليل و مبعرفش أجي بدري اقعد معاكِ شوية قبل ما أنام من كتر التعب، بحبك من وقت ما بقيت أتنازل و أعمل حاجات مش متعود أعملها، بس علشان خاطر أنتِ اختارتيها، مش عارف أحدد أمتي بالظبط حبيتك، بس أنا كل يوم بحبك أكتر من اللي قبله يا آية. 


ذابت كليًا من أعترافه المفاجئ، ما إن همس بكلمته الأخيرة حتي همست: 

آية و سنين آية البيضاء. 


سمعها فعلَا صوت ضحكاته المجلجلة و لازال يقبض عليها، رفعت كفيها فوق صدره تدفعه للخلف حتي تفلت منه و لكنه أحكم قبضته أكثر وقال غامزًا بنبرة لأول مرة تسمعها منه: 

يعني من الذوق اعترفت اعتراف أخد مقابل ليه، اعتراف مماثل أو أي تعبير شكر يعني. 


هنا استعادت قوتها وقالت: 

اعتراف مماثل ده في المشمش يا عيوني، متنساش أنا لسه مقولتش شروطي علشان أرجعلك، وممكن لما تسمعها تغير رأيك. 


نظر لها بمكر: 

بذمتك بعد وقفتنا دي لسه في شروط هتحطيها، أنتِ مشوفتيش شكلك من دقيقتين كان عامل إزاي؟ 


دفعته بغيظ وهي تتجه للخارج، فسار خلفها و حملها

علي كتفه و غير و جهته وسط صراخها: 

طه متتهورش، نزلني أحسنلك. 


رأته يتجه بها نحو غرفة نومهما فزادت حركتها وصاحت: 

يابن المجنونة نزلني، أنت هتعمل إيه؟ 


نجحت في الإفلات بعدما عضته بكل قوتها في كتفه فأنزلها

وصاح متأوهًا، استغلت هي الفرصة و هرولت نحو الشرفة، بعدما جذبت حجابها و وضعته بعشوائية، جلست تتخذ أنفاسها بصعوبة نتيجة ما بذلته من جهد للهروب، و مالبثت إلا و وضعت يدها فوق فمها تحاول السيطرة علي ضحكاتها وهي تراه قادمًا من الداخل يبحث عنها  مغتاظًا من فعلتها

جلس أمامها وقال: 

أنتِ لسانك بقي طويل زيادة عن اللزوم. 


عاندت بقولها: 

أنت السبب علي فكرة، تستاهل. 


قبل أي رد منه قالت: 

المهم أسمع اللي عندي علشان نقلب الصفحة اللي فاتت دي ونبداء صفحة جديدة. 


تنهد وهو يوميء برأسه موافقًا، أولاها كامل أنتباهه فقالت: 

شوف مبدئيًا كده، نقطة إني مخرجش غير معاك، و لو أنت مش فاضي استني تفضي دي مرفوضة تمامًا. 


اعترض: 

ليه بقي إن شاء الله؟ 


وضحت بقولها: 

أنت مش واخد بالك إن تلات أرباع خناقاتنا بيكون بسبب الموضوع ده، و إننا بنعاند قصاد بعض؟ بلاش دي، أنت شغلك طول اليوم وبيكون صعب تخرج منه مثلا تيجي توصلني أي مكان، و مش معقول لو هخرج أقابل صاحبتي هنزل معاك من النجمة استني معادي معاها يا طه. 


استغلت صمته فاكملت تخبره بحججها حتي يوافق: 

حبيبي أنا مش صغيرة، أنا ناضجة كفاية إني أخد بالي من نفسي، أنا مقدرة خوفك من إن اللي حصل قبل كده يتكرر، بس لو هنفكر كده محدش هيخرج من بيته، و في نفس الوقت لو مكتوب لينا أي مكروه هيصيبنا و لو كنا فين. 


بقي علي صمته، و تركته هي يفكر و يرتب قوله، نظر لها و هز رأسه بالمواففة مغلوبًا علي أمره، فابتسمت بحماس و قالت: 

يبقي بكرة نروح معرض عربيات جوز واحدة صاحبتي نختار عربية ليا. 

رفع حاجبه بتعجب: 

مين دول اللي هيروحوا؟ 


قالت بجدية: 

طه، أنا مش بهزر! 


رفع قدمه فوق الطاولة الصغيرة أمامه بغيظ و هو يتمتم: 

اللي بعده. 


قالت بهدوء: 

أنا مش هتكلم في نقطة الصمت و الفجوة اللي بينا لأني شيفاها بتصغر، و شيفاك بتقرب، بس يا طه أنا مش هقبل تاني إنك ترجع تسكت، و تطلع البرج بتاعك و تقفل الشباك و تسيبني و اقفة تحت! 


كرر مستفهمًا: 

البرج بتاعي؟ 


ابتسمت: 

ده موضوع طويل هبقي أقولك عليه بعدين

المهم تالت حاجة …


رفع إصبعه محذرًا: 

أوعي تفكري تقولي عايزة أنزل شغل و تحقيق ذاتي و كفاحي و جو الأندبندنت وومان ده، حققي ذاتك في بيتك مع جوزك و ولادك مستقبلًا. 


ضحكت من قوله و طمأنته بردها: 

لا، متقلقش أنا من الحزب المؤيد لتستيت المرأة، أمتثالًا لعبادة التوقير، أقولك بقي اللي كنت هقوله…


مرت ساعة و الثانية و أوشكت الثالثة علي الإنتهاء و لازال كلاهما علي نفس جلستهما، حديث متواصل دون انقطاع منهما، مما أثار تعجبها و بشدة، كانت تدقق النظر بملامحه من حين إلي أخر؛ تتأكد ما إن كان يجلس معها مرغمًا، و لكن ابتسامته التي كانت تعتلي شفتيه و الإرتياح المرسوم فوق وجهه كان يطمئنها، و ما طمأنها أكثر استرساله في الحديث بكل سلاسة و تعليقاته من الوقت للأخر علي ما تقوله، عند هذه النقطة أدركت أنها كانت مُخطئة حينما ظنت أن هذا المكان ليس مكانها، فـ أين لها أن تمكث إن لم يكن بجانب هذا الرجل، لا مكان لها سوي معه، في هذا المنزل. 


لم يدرِ أي منهما كم الساعة إلا حينما علا رنين هاتفها و أضأء باسم و الدتها، قالت قبل أن ترد: 

معقول الساعة بقت ١١ ونص؟! 


أرادت والدتها الأطمئنان عليها و معرفة مكانها، خاصةً بعد أن اخبرها محمود بما حدث، نهض و ترك لها المجال في الحديث، توجه للداخل يبدل ثيابه، استمرت المكالمة لدقائق حتي ختمتها مودعة و نهضت تبحث عنه. 


دلفت للغرفة حينما رأت نورها مضاء فقالت وهي تتقدم: 

طه يلا علشان تروحني. 


عقب جملتها خرج من مرحاض الغرفة و قد ابدل ثيابه لأخري تناسب النوم وقال منزعجًا: 

لا كده أنا اللي لساني هيطول، و ممكن أوريكِ الظابط بتاع القسم بيتعامل إزاي مع اللي بيستهبل. 


أشارت نحو نفسها مشدوهة: 

أنا بستهبل يا طه؟ 


قال و هو يتوجه للخارج يبحث عن هاتفه فتوقف أمامها: 

أومال ده تسميه إيه حضرتك؟ آية علشان نختصر جدال مفيش منه فايدة، محدش فينا هيبات برة البيت ده، فـ أتفضلي غيري هدومك و شوفي هتنامي فين و أعفينا من الخناقة دي و خليها ليوم تاني. 


لم يتنظر ردها سار للخارج دون رد منها و جد هاتفه و هو يغمغم بصوت خفيض: 

عملالي فيها ناضجة و اوقات بتبقي تعبانة في دماغها. 


بقي قليلًا بالخارج يجري بعض المكالمات، و عاد للداخل وجدها  فعلت مثلما قال لها بل وسبقته للفراش، ابتسم و هو يتقدم نحوها: 

ربنا يكملك بعقلك يا ست العاقلين. 


و قبل أن يلامس الفراش ترجته برقة: 

طه معلش ممكن تجيب ليا كوباية مياة، عطشانة و مش قادرة أقوم تاني؟ 


هز رأسه موافقًا و خرج يجلب الماء، و لم يدرك بسمتها الماكرة وهي تنهض مسرعة تغلق باب الغرفة من خلفه بالمفتاح، عاد بعد برهة و أدار مقود الباب يفتح ليصتدم به مغلفًا، صاح من الخارج:

ده أسمه إيه بقي إن شاءالله؟


فقالت بصوت يشوبه الضحك: 

اسمه تشوف مكان تاني تنام فيه غير الاوضة دي. 


أفتحي وعدي ليلتك يا آية. 

كان هذا رده بعدما حاول فتح الباب مجددًا ولكنها لم ترضخ لقوله، فقال مستسلمًا: 

طب مش عايزة تشربي، خدي المياة ومش هدخل. 


سألته بشك: 

وعد؟ 


لمعت عيناه بقوة وقال: 

وعد، أفتحي يلا. 


سمع صوت المفتاح، و من ثم أنفرج الباب بزاوية صغيرة أخرجت منها يدها و هي تنظر له، و بدلًا من أن يعطيها الكوب بيدها سكبه في وجهها دفعةً واحدة، شهقت بقوة من برودة المياة المُباغتة وسط ضحكاته العالية عليها وقوله قبل أن يبتعد: 

تصبحي علي خير يا يويو. 

صرخت بغيظ وهي تغلق الباب خلفه بعدما غادر منتصرًا. 

★***★***★***★***★***★***★***★***★***★


"تيك، تيك، تيك، تيك" 

"ساعتنا الأن السابعة بتوقيت القاهرة، إخوة الإيمان و الإسلام هذا موعدنا مع الشيخ"محمد رفعت" و الذي يتلو علينا سورة الرحمن"


صدح صوت إذاعة القرأن الكريم بأرجاء المنزل من جديد و دبت في المطبخ حركتها بنشاط كبير و هي تتحرك هنا و هناك تعد الفطور، وقفت تقلب البيض فوق الموقد، حتي شعرت به يدلف من خلفها، لم تلتفت له بعدما قررت تجاهله لحين اعتذاره عما فعله بالأمس، لكنه فاجأه وهو يقترب منها يطبع قبلة فوق كتفها قائلًا: 

صباح الفل يا يويو، أتمني تكون النومة علي السرير و حدك عجبتك، و أنا مرمي برة علي الكنبة. 


أطفأت الشعلة أسفل المقلاة و نظرت له: 

تستاهل علي فكرة. 


أخرجت البيض في أحد الأطباق، و استدارت له مبتسمة: 

صباح الورد يا طه. 


رفع حاجبه باستفهام لتبدلاتها هذه و جلس فوق كرسيه ينظر للطعام بشغف كبير، اشتاق لهذه الجلسة كثيرًا، تابعها وهي تتحرك من هنا لهناك بخفة فراشة رصت الأطباق فوق الطاولة و سكبت له العصير و جلست بمقابله مبتسمة وهي تمد له إحدي المخبوزات: 

دوق دي كده أنا لسه عملاها النهاردة هتعجبك أوي. 


إلتقطها منها وشرع في تناوله، بينما راقبت هي ملامح وجهه حتي ابتسم وهز رأسه بإستحسان، سأل وهو يقطم منها مجددًا: 

عملتيها أمتي؟ دي الساعة لسه ٧؟! 


أجابت وهي ترتشف من العصير: 

صليت الفجر و مجاليش نوم فعملتها و عملت شوية حاجات تانية كدة، قولت عقبال ما تصحي نفطر سوا. 


تابع كل منهما تناول طعامه حتي سألها فجأة: 

أنتِ إزاي تحكي للي اسمه محمود ده عن حاجة بينا و تعرفيه بيها؟ 


قالت: 

أنت شايف إني ممكن أحكي حاجة زي دي لأي حد عادي كده، حتي لو كان ابن خالي؟ طه أنا لحد دلوقتي مقولتش لبابا ومش ناوية أقوله اصلا، أنا اتفاجئت زيي زيك إمبارح علي فكرة! 


قال: 

أومال عرف منين؟ 


أوضحت: 

لما كلمت ماما امبارح سألتها و قالتلي إن هي اللي قالتله، مش كل حاجة طبعًا، فهمته إننا متخانقين عادي مش أكتر. 


هز رأسه بالموافقة دون رد، فسألته: 

أنت زعلان؟ علشان يعني ماما قالت لمحمود يعني و كده؟ 


مط شفتيه و أجاب: 

مش زعلان، بس محبتش تدخله في الموضوع بالوقاحة بتاعته دي، أنا حاسس إني لو شوفته تاني هضربه. 


كان قد أنقضت ساعة أخري قبل أن يصبح هنا في سيارته يتجه نحو مكان عمله بنشاط و حيوية و كأنه عنقاء وُلِدَ من جديد، تذكر جلستها بالغرفة وهي تتابع تحركه من هنا لهناك حتي يتجهز للنزول و هو يسرد عليها تفاصيل مهمته الأخيرة و كيف تم إلقاء القبض علي هؤلاء المجرمين في لمح البصر، ابتسم من جانب وجهه و هو يتذكر لمعان عيناها كطفلة صغيرة  يسرد لها والدها مغامرات السندباد، وفي لحظة أنقلبت ملامحه المبتسمة لأخري يشوبها الريبة و هو يتفقد فرامل سيارته ليتضح له أنها لا تعمل، لعن من تحت أنفاسه و هو يحاول تجميع افكاره ليرفع وجهه للطريق بعدما أرتفع بوق إحدي السيارات التي تسير في إتجاه معاكس له، حاول تفاديها ولكن سائقها استدار بها لتصتدم بسيارة طه بقوة ما جعل سيارته تنقلب علي جانبها، مرت دقائق تجمع فيها الناس حول السيارتين بينما بداخل السيارة كان يصارع هو لـ ألا يفقد وعيه قبل الخروج من كومة الحديد هذه ولكن جرحه رأسه شوش رؤيته، و ذراعه الذي حُشر بين السيارة و المقعد عاق حركته وقيده، سكنت الأصوات من حوله ولم يتردد علي مسامعه سوي قولها الأخير له قبل أن يرحل:

"خلي بالك من نفسك يا طه، ومتتأخرش بالليل." 

شعر بأحدهم يحاول فتح الباب بجانبه و قبض فوق يده يجذبه 

هنا فقط ترك لعينيه العنان بأن يغلقا وغاب لدنيا اللاوعي.


            الفصل السادس من هنا 


لقراءه جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة