رواية الماسة المكسورة الفصل الواحد والخمسون 51 ج2 بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الواحد والخمسون 51 ج2

بقلم ليله عادل


استدارت على الكرسي ببطء، كأنها تحاول تهدئة الأفكار المضطربة في عقلها. ثم نهضت من مكانها بحسم، وقفت أمام نافذة الغرفة تنظر إلى الأفق، وقالت بثبات: أنا هقدر. عشان سليم، وعشان نفسي، وعشان كل الناس اللي ظلمهم الباشا وغيره. ده الوقت اللي لازم أثبت فيه إن اللي مستهون بيا غلطان!


هزت رأسها وهي تزم شفتيها بأسف واختناق: بس الشيلة دي شكلها كبيرة عليا! وهاتفتح أبواب مشاكل كتير! زفرت وأخرجت أنفاسها وتذكرت.


((فلاش باااك))


مجموعة الراوي٢م


مكتب سليم


نرى سليم يجلس على المقعد الأمامي للمكتب، بينما كانت ماسة تجلس على مقعد المكتب. بدا على ملامح وجهها الانزعاج قليلًا.


ماسة وهي تقلب وجهها بتذمر: يعني كده خلاص مش هاعرف ألف معاك على المصانع وأنزل معاك المجموعة تاني؟ واصلت بمزاح لطيف... أنا كنت حاسة إني خلاص بقيت بزنس business woman (سيدة أعمال) وأقعد بقى قصاد أمك.


قاطعها سليم بتصحيح وهو يركز على الكلمة: والدتك.


أكملت ماسة على نفس ذات الوتيرة: وأقعد مع والدتك وصافيناز وأعرفهم إن اللي بييجوا من المطبخ الرعاع الأوباش بيعرفوا يقعدوا في أكبر الاجتماعات مع أكبر المستثمرين، ويدوا اقتراحات لمشاريع كبيرة، 

وضعت يدها على رأسها وهي تقول:

وإن هنا في دماغ كبيرة عندها أفكار، مش صينية كوسة بالبشاميل.


ضحك سليم على آخر حديثها معلقًا: لامقلقيش، في جوة أينشتاين مش كوسة...

أكمل بإستغراب متسائلًا: هو في حد فيهم لسه بيضايقك؟


نظرت له ماسة بإرباك، ابتلعت ريقها فهي لا تود أن تخبره بتلك التلميحات السخيفة التي مازالت تقولها فايزة عندما تسمح لها الفرصة.


قالت ماسة بنفي كاذب مبطن: لا، هو أنا أصلاً بشوفهم غير كل فين وفين! بس مش هنضحك على بعض، هما شايفيني بتنجانة مابفهمش في أمور شغلكم، بس أولد وأطقم وأروح لهم وأنا business woman قد الدنيا، إنت لازم تشتريلي كام طقم ينفعوا عشان فساتين الفراشات وعيد الربيع دي ماتنفعش.


ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة جذابة وقال بتأكيد: إنتِ أصلاً أحلى business woman في المجرة... وعلشان خاطر أأكدلك وأثبتلك إني فخور بشاطرتك وبذكائك...

أمسك أحد الملفات من على الطاولة التي أمامه وأخرج منها ورقة وقدمها لها وهو يقول: اتفضلي.


أخذتها ماسة منه وهي تعقد حاجبيها وتقلب في الورقة بإستغراب: إيه ده؟


سليم بتوضيح: ده توكيل عام ليكي.


ضيقت ماسة عينيها بتعجب: توكيل بإيه! مش فاهمة حاجة.


سليم بتفسير: ها أفهمك، ده توكيل عام لنسبتي في المجموعة بحق إدارتها في غيابي، وكمان توكيل بحق إدارة أملاكي وحصصي اللي داخل بيهم شريك مع إخواتي أو الباشا والهانم، بعيد عن المجموعة. أنا سحبت التوكيلات اللي كنت عاملها للباشا! بس هو لسه مايعرفش أي حاجة دلوقتي!! اتفقت مع المحامي إنه يخلي الموضوع ده سر لغاية ما يجي الوقت المناسب! وإنتِ كمان أوعي تقولي الموضوع لحد، إلا في الوقت المناسب اللي تحسي في إنك لازم تقولي علشان تخرسيهم، وبكده يا ماسة هانم، هأدخلك قاعة اجتماعات مجموعة الراوي، وإنتِ مش بس business woman ذكية وواثقة من نفسها! توو. وإنتِ بتملكي ٢٦% في مجموعة الراوي يعني بعد الباشا على طول، هتكوني أقوى من فايزة ذات نفسها. 1% ده أوعي تستقلي بيها! دي هتخليكي تتحكمي في بعض المشاريع من كلمة واحدة! حتى في المشاريع اللي أنا داخلهم شراكة مع الباشا ومع أي حد بعيد عن المجموعة، هتكوني صاحبة القرار، الآمر الناهي، لأني داخل معاهم كلهم بالنسبة الأكبر، علشان مابحبش حد ياخذ قرار فوق قراري.


ماسة بتعجب: طب إنت أصلاً ليه عملت كده؟ وإمتى ممكن يكون الوقت المناسب؟ هاعرفه إزاي؟ بعدين لا، يا عم، ما تدخلنيش مع أهلك في حوارات أنا مش قدهم. وإنت بنفسك قلت خليكي بعيدة لما عملت لي أول توكيل بتاع أملاكك.


نظر لها سليم بضيق، فلم تعجبه طريقة خوفها منهم. قال بشدة وتفخيم: إنتي دلوقتي بقيتي أعلى منهم وأحسن منهم. هما إللي يخافوا منك. أنا لو كنت أقدر أخليكي أعلى من الباشا، كنت عملتها. بس ما تخافيش، الباشا مستحيل يسمح إن حد يخدشك بريشة.


كان يبدو على ملامح ماسة التردد والخوف

بإستغراب تساءل: ماسة، بعد كل إللي علمتهولك، بتخافي منهم؟

بعين شرسة وبنبرة رجولية أكمل: قولتلك مليون مرة، ماسة سليم الراوي يتخاف منها ويتعمل لها حساب. البراءة والطيبة بتاعتك دي، بطليها بقى. دول يبقوا معايا أنا وبس. ساعديني يا ماسة.


ماسة بتوضيح: أنا أقدر أقف في وش أي حد وأرد عليه وأخد حقي منه وأدخل مشكلة بقلب قوي، بس مش بحب المشاكل، خصوصاً مع أهلك..

واصلت بمزاح لطيف: مش عايزة يحصل مشكلة بسببي يقولوا مراتك حرباية وأنا غلبانة أصلاً، وإنت اللي شرير وعايزني أبقى شريرة زيك.


سليم بجدية: ده مش شر، ده قوة أخذ حق، و شخصية اللي بتعمليها لنفسك و الحدود مش شر... بعدين لو في المشكلة جتلك، لازم تقفي في وشها وتفوزي بالحرب. لأني مش هقبل بالخسارة. إنتي مرات سليم الراوي، إنتي ماسة سليم الراوي، مفهوم؟


ماسة: حاضر، مفهوم. طب ممكن تفهمني السبب إنك تعمل كده؟ وامتى الوقت المناسب؟


سليم بتوضيح: السبب إن مراتي هي الأحق إنها تدير نسبتي في عدم وجودي، خصوصاً دلوقتي. إنتي بقيتي شاطرة وذكية وفهمتي اللعبة، ولسه يا ماسة هتتعلمي أكتر وأكتر أصول الشغل. بس تقومي بالسلامة، وها أنزلك على أرض الواقع. هتستفادي أكتر وأنا هكون معاكي. إمتى بقى تعرفيهم؟ الوقت المناسب ده هايرجعلك إنتي! بذكائك وتفكيرك هتحللي الموقف وتعرفي هل الموقف ده يستدعي إنك تقولي ولا لأ! (بتوعية) بلاش العاطفة تغلبك يا ماسة. أحياناً بعض الخناقات بتاعت الستات بتستدعي إنك ممكن تقولي حاجة تحرق دم اللي قدامك. وشغل الكيد ده، فبلاش تستخدميها كورقة غيظ في لحظة طيش! علشان تعرفي تستفادي بالورقة دي صح في الوقت الصح.


ماسة بلطف وبراءة: هو أنا إن شاء الله مش هاستفاد بيها، ولا هاستخدمها، وإنت اللي هتقولهم بنفسك. وأنا هاخرج برة الموضوع ده، علشان إنت قلتلي قبل كده إن الموضوع ده ما يتعملش غير بعد الشر لو حصلك حاجة. إن شاء الله مش هايحصلك.


سليم بتوضيح: أنا حبيت بس أعرفك وأفهمك. (بشدة مازحًا) "وبعدين مالك متوترة ليه؟ إنتي مرات سليم الراوي، ماينفعش تخافي. إنتي تخوفي أنشفي، بدل ما أضربك... ضحك.


قلبت ماسة وجهها بتخويف بنبرة تخينة مازحة: أيوة أنا مرات سليم الراوي، لازم أخوف عووووو، إيه رأيك؟ خوفت كده؟ ضحكت.


سليم بمزاح لطيف قرصها من خدها بمداعبة: استظرفي براحتك، أما تولدي ها انتقم منك.


أخرجت لسانها له بمزاح ومداعبة.


(بااااااك)


عادت ماسة من شرودها بابتسامة موجوعة، وهي تقول: وحشتني يا سليم أوي، يا ترى إللي عملته صح ولا غلط؟"


مسحت وجهها وعادت بشعرها للخلف، ثم تنهدت. بعد ثوانٍ، طرق الباب ودخل مكي.


مكي وهو يتقدم نحوها: هاخلصتي؟


رفعت ماسة عينيها: كويس إنك جيت. تعال بقى علشان فيه حاجة حصلت لازم تعرفها.


جلس مكي وهو يعقد حاجبيه بإستغراب: خير.


ماسة: بص يا سيدي فريدة... وأخذت تروي له ما حدث.

💞________________بقلمي_ليلة عادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


على اتجاه آخر


مكتب عزت الراوي.


نشاهد عزت يجلس على مقعد مكتبه، وفايزة ورشدي على المقاعد الأمامية للمكتب وهم يتحدثون.


رشدي بإعجاب: بصراحة، ست الحسن أدهشتني.


عزت: ماسة بنت ذكية، بس تاخد فرصة. بس والهانم تسيبها في حالها.


رفعت فايزة عينيها له بتحذير: أوعي تفتكر إني هأنسى إللي عملته إمبارح وتهديدك ليا قبل الاجتماع.


عزت بتنبيه: فايزة، مش هأقولك تاني، أرجوكي خفي علشان خاطر سليم. على الأقل خلينا ندور على المجرمين إللي حطوا ابنك في الحالة دي، وبعدين نشوف. لإنّي زهقت.


وأثناء حديثهم، طرق الباب ودخلت نور وهي تمسك في يدها ورقة، توقفت بجانب عزت.


نور: عزت باشا، محتاجين ناخد توقيعك.


أخذ منها الورقة ونظر إليها وهو يقبض ما بين حاجبيه بتعجب: إزاي ده؟ مش فاهم.


نور وهي تقلب وجهها بعدم معرفة: مش عارفة.


فايزة: في إيه يا عزت؟


عزت بتعجب: ماسة أصدرت قرار بقفل منجم موريتانيا بشكل نهائي!


فايزة باستهجان: نعم! هي صدقت نفسها ولا إيه؟ مين دي علشان تاخد قرار زي ده؟


رشدي بعقلانية: الأول هي عرفت منين؟ وإزاي تاخد قرار كده؟


جزت فايزة على أسنانها: خدت وش بزيادة، وإنتم السبب.


عزت: نور، خلي ماسة تجيلي فوراً.


نور: أمرك.


خرجت نور إلى الخارج.


رشدي: هو مش سليم عملك توكيل؟


عزت هز رأسه بإيجاب: أمّم.


فايزة تساءلت وهي تعقد حاجبيها: هي تعرف منين أصلاً موضوع المنجم ده؟


رشدي: شامم ريحة فريدة، هي اللي كانت رافضة موضوع فتحه تاني.


أثناء ذلك، جاءت فريدة ومررت عينها عليهم بمراوغة.


فريدة: إنتم هنا، فيه إيه؟


رفع عزت عينه لها: إنتي قولتي لماسة إيه عن موضوع المنجم؟


نظرت له فريدة بارتباك...

على اتجاه آخر.


مكتب سليم.


نشاهد ماسة تجلس على المكتب تتحدث مع مكي.


دخلت نور وهي تقول: ماسة هانم، عزت باشا عايزك.


مكي بابتسامة: بدأت الحفلة.


ارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة انتقامية وهي تنهض بنظرات قوية، وقالت: وأنا مستعدة لها.


خرجت إلى الخارج متوجهة إلى مكتب عزت ومعها مكي.


مكتب عزت.


دخلت ماسة وخلفها مكي، توقفت في المنتصف.


ماسة بتهذيب: عزت باشا، نور قالتلي إن حضرتك عايزني.


رفع عزت عينه لها باستغراب وهو يهز رأسه، أمسك الورقة وأطلعها عليها بتساؤل: ممكن أفهم إيه ده؟


نظرت ماسة إلى الورقة وهي تضيق عينيها وتمثل القراءة، وقالت بخبث: اممم ده قرار بقفل المنجم.


أنزل عزت الورقة وقال بجدية: ما أنا شايف، أنا باسألك: قرار زي ده إزاي تاخديه من غير ما ترجعيلي؟ وبأي حق من الأساس؟


ماسة بهدوء وعملية: "طأخدته لأني عرفت إن حضرتك رفضت بشكل تام إنه يتقفل بعد موت ١٠من العمال وأصابة ٢٠


فايزة بتهكم مستخف: فتروحي تاخدي قرار زي ده من غير ما ترجعي لنا؟ أصلها سوقية! أي حد عايز ياخد أي قرار على مزاجه ياخده وييجي لعزت يمضي عليه عادي!

(بشدة) هو إنتي عبيطة ولا متخلفة ولا إيه بالظبط؟ دي مجموعة بالملايين مش المطعم اللي فتحه باباكي! وبعدين إيه الجرأة دي؟ إزاي تاخدي قرار زي ده؟ وبأي حق؟


رفعت ماسة عينيها نحوها بابتسامة مستفزة ترتسم على عينيها، وقالت بثبات: بحق نسبتي.


فايزة ضحكت بسخرية: يادي نسبتك! يا بنتي لازم تفهمي إن ١٤% اللي إنتي فرحانة بيهم وكل شوية عملالنا هيصه بيهم وكل شوية نسبتي، نسبتي! نسبتك دي ولا حاجة، نقطة في بحر كبير أوي، عينك ما تقدرش تجيب آخره.


حكت ماسة في أنفها متبسمة وهي تزم شفتيها، ثم نظرت لفايزة بتفسير مستفز: "حضرتك فاهمة غلط! أنا ما بتكلمش خالص عن 14%!مع العلم إنهم مش 14..."


ضربت على جبينها وتحدثت وهي تحاول استفزازها: ييييـ عليا أنا، شكلي نسيت أقولكم وسط الكلام الكتير اللي قولته إمبارح! سليم حول لي ١٢% الباقين اللي بيملكهم في المجموعة وإداني حق إدارتهم في غيابه، وسحب التوكيل اللي كان عامله لعزت باشا، ده زائد كمان إنه عمل لي توكيل عام بإدارة كل أملاكه، وحق اتخاذ القرار في أي شيء بدون الرجوع للشريك الثاني في حالة رفضه لأي قرار صادر.

والمنجم ده ملكية خاصة بين عزت باشا بنسبة 45% وسليم بنسبة 55%، وهي النسبة الأكبر. وبكده أصبحت أنا صاحبة القرار والآمر الناهي بحق قفل وفتح المنجم ده بموجب التوكيل الرسمي.


كان الجميع يستمع لها بصدمة وذهول تام، وكأنما سكب عليهم دلو من الماء المثلج، جعلهم في حالة جمود واندهاش كامل.


فما حدث لم يكن يخطر ببالهم يومًا، وسليم وضعهم في موقف محرج للغاية، كل هذا من أجل "الخادمة" التي أصبحت تمتلك سلطة عليهم، حتى على "الباشا" نفسه في بعض المشاريع.وما زاد الطين بلة، أنهم لا يستطيعون فعل أي شيء حيال ذلك، بينما كانت ترتسم على شفتي فريدة ابتسامة مبطنة بما يحدث.


ولكن، هل سيمر ما فعله سليم وما تفعله ماسة مرور الكرام؟ أم أن هذا مجرد بداية لحرب شرسة؟


صاحت فايزة بصدمة وعدم تصديق:إنتي كدابة! ده أكيد مزور! سليم عمره ما يعمل كدة!


ماسة ببرود تبسمت وقالت بثقة: كنت عاملة حسابي إنك مش هتصدقي... التوكيل أهو.


أخرجت من جيب الجاكيت صورة من التوكيل، سحبها رشدي منها بقوة وبدأ يقرأها بعينين متسعتين من الدهشة.


أكملت ماسة بابتسامة باردة: أظن دي إمضاة سليم، مش كده؟


رشدي بذهول هز رأسه بتأكيد: فعلاً دي إمضاة سليم.


فايزة بأنفاس متسارعة وبنظرة مشتعلة غلًا:أكيد مزورة!


مكي تدخل بهدوء لكنه بنبرة حازمة: لا يا فايزة هانم، أنا كنت موجود وقتها... وسليم فعلاً عمل لماسة هانم توكيل عام.


عزت بصدمة وبنبرة مكتومة: الكلام ده حصل إمتى؟


ماسة بثبات وثقة: بعد ما حضرتك زودت 1% لنسبة سليم علشان تبقى النسبة الأكبر حتى من الهانم. يعني قبل أسبوعين من الحادثة، ممكن تسأل مازن.


عزت بدهشة وصدمة: أنا إزاي ماعرفتش كل ده؟

(بغضب صاح بهم) حاجة زي دي إزاي أنا مش على علم بيها؟"


ماسة بهدوء وضحت: والله يا عزت باشا، ده كان طلب سليم، زي ما طلب مني أرفض أدي لحضرتك توكيل بحق الإدارة بحصتي! هو كمان اللي أصر عليا إني ما أقولش عن الموضوع ده لأي حد إلا إذا حصلت ظروف اضطرارية وخلتني أتكلم.


نهض عزت والنيران تشتعل بصدره، وقال بضيق:

بس قرار زي ده، حتى لو ليكي النسبة الأكبر أو الأحقية بقفله، لازم تتناقشي معايا الأول! مش تاخدي القرار ده لوحدك، دي ملايين يا ماسة، مش لعب عيال.


ماسة بهدوء زمت شفتيها بتمثيل الأسف:أنا آسفة يا باشا، حضرتك عندك حق. أهو أنا جاية لحضرتك دلوقتي وبا أقولك إن المنجم ده لازم يتقفل. لأنه آيل للسقوط، وفي ناس ماتت هناك، ومهما كانت الملايين اللي بيجيبها، روح الإنسان أغلى بكتير.


عزت بغرور وتحدي: القرارات دي إنتي مابتفهميش فيها يا ماسة. مش من حقك تاخدي أي قرار فيها، أنا بس اللي باخد القرارات دي.


ماسة بإعتراض ممزوج بجدية وقوة:لا يا باشا، أنا بافهم. وعارفة إن المنجم ده مهم جداً للمجموعة وبيجيب أرباح أقل من تكلفته، وعارفة كمان إنه شغال بطريقة غير شرعية! وسليم اشتراه في البداية علشان يغطي على المشاكل والديون اللي كانت بتواجهكم وقتها لما كانت المجموعة في أضعف حالاتها. بس أعتقد دلوقتي المجموعة رجعت أقوى بكتير من الأول، وإحنا مش محتاجين المنجم ده. وحتى لو محتاجينه، أنا لا يمكن أشارك في جريمة زي دي.


جز عزت على أسنانه وهو يحاول تمالك غضبه كي لا يخطئ مع ماسة، فسليم ما زال درعاً قوياً يحميها من العائلة. اضطر عزت أن يساير الأمور كما تريد في تلك الفترة، حتى يتمكن من معرفة ما سيحدث في الأيام المقبلة.


عزت بسياسة وتحكم: تمام... 

أمسك عزت الورقة من ماسة وبدون تردد مزّقها أمام ماسة، التي نظرت له بصدمة واستغراب شديد. عقدت حاجبيها بغضب، بينما قام عزت بسحب ورقة أخرى، وبدأ بكتابة قرار جديد لإغلاق المنجم بشكل مؤقت حتى يُعاد العمل به لاحقاً.


نظر إليها عزت بنظرة حادة وهو يناولها الورقة، ثم قال بصوت مليء بالهيبة فهو ايضا يمتلك شخصيه قويه مثل سليم لابد ان يتعمل لها حساب قال بامر: امضي يا ماسة. القرار ده ي

بقفل المنجم مؤقتاً لحد ما سليم يقوم بالسلامة. وقتها أنا وهو هنتناقش في الموضوع.

حاولت ماسة تتحدث لكن اشار عزت في وجهها باصابع يديه وهو ياخذ خطوه ليعكس قوه شخصيته وحسمه للامر قال بتهديد مبطن:

ولو فكرتي تعترضي، أقولك من دلوقتي: إنتي أصغر بكتير من إنك تتكلمي في المواضيع دي معايا. حتى لو كنتي فاهمة ونجحتي في الاجتماع بس ده ما يخليكيش تاخدي الثقه في نفسك كبيره كده لا تنزلي على ارض الواقع وبصي حواليك،

. بصي على الناس اللي حواليكي دول، اللي بقالهم سنين في المجموعة. شايفة حد منهم بيجرؤ ياخد قرار زي ده؟ استحاله .. ياريت ما تزعلينيش منك يا ماسة.

عايزه المانجم يتقفل عشان الناس اللي ماتت وما تشيليش ذنبهم انا هحترم افكارك الانسانيه وهقفلك المنجم بشكل مؤقت ولما سليم يقوم بالسلامه وقتها هتناقش معاه المواضيع دي اكبر منك يا ماسة.


ماسة شعرت بالضغط والنظرات الموجهة نحوها. التفتت لمكي، الذي أومأ برأسه لها أن توافق. فكرت قليلاً ثم قالت بصوت متردد: تمام. أنا همضي إن المنجم يتقفل بشكل مؤقت. بس أنا متأكدة إن سليم هيقفلوا بشكل نهائي، وأنا هتابع الموضوع ده.


عزت بغضب مكبوت: قلتلك ما تزعلينيش منك. أنا بلعبش من ورا ظهر حد. مش هخاف منك يا ماسة، أنا عزت الراوي. ونصيحة ليكي: أوعي تفكري تقفي قصادي.


ماسة بثبات: وأنا ما بقفش قصادك يا باشا. أنا مع الحق وضد الظلم. ولو قرار مش عاجب حضرتك أو عندكم مشكلة في قراراتي، لما سليم يقوم بالسلامة ابقوا اتكلموا معاه على فكرة، سليم عرفني كويس وعارف طريقة تفكيري وأكيد، واحد بشطارة سليم الراوي، مش غبي، وعارف هو اختار مين يمسك إيه. وأكيد عارف أنا هعمل إيه في مواقف زي دي. مشكلتكم مش معايا. لكن احتراما ليك، يا باشا، أنا همضي.


أمسكت ماسة الورقة ووقّعت عليها بهدوء، ثم ناولتها لعزت وقالت: اتفضل يا باشا.


عزت نظر لها بتأكيد وقال: ثاني مرة يا ماسة، أوعي تاخدي قرار زي ده من غير ما ترجعيلي.


ماسة بابتسامة رسمية:إن شاء الله.


فايزة تبسمت بتهديد مبطن وقالت بحدة: إنتي اتماديتي بزيادة وهتدفعي الثمن. بلاش تفرحي أوي كده.


ماسة، كأنها لم تسمعها، بابتسامة باردة:عن إذنكم.


لكن ماسة لم تدرك أن ما فعلته قد فتح عليها

خرجت ماسة من المكتب بخطوات واثقة، يتبعها مكي الذي كادت ملامح وجهه تفيض بالسعادة والفخر. أخيرًا، شعرت بأنها استعادت ذاتها، وكأنها تنفست هواء الحرية لأول مرة بعد سنوات من الخنق كعصفور حبيس لسنوات وأخير تحرر..

.. كانت تلك اللحظة أشبه بانتصار طالما حلمت به، لحظة كسرت فيها كل القيود التي كانت تكبلها.


لكن ما لم تكن تدركه ماسة، أن هذا الانتصار الذي أنعش قلبها، قد أشعل نارًا لن تهدأ بسهولة. كل ما أرادته كان استرداد كرامتها المهدورة ورسم صورة امرأة قوية تليق بها، صورة تردع كل من حاول إذلالها أو التقليل منها ومن عائلتها. لكنها لم تتوقع أن يروا في أفعالها طمعًا وجشعًا، وأن يعتبروا قرار سليم بمنحها التوكيل دليلًا على استغلالها الموقف لتحديهم وكسر هيبتهم.

بينما كانت تسير في ممر الشركة بجوار مكي، ازدادت نبضات قلبها حماسًا، وابتسمت ابتسامة مليئة بالاعتزاز، قبل أن تلتفت إليه وتقول بصوت يحمل مزيجًا من الفخر والحماسة:


ماسة بسعادة: أنا فرحانة... فرحانة أوي! لأول مرة فايزة هانم ماتقدرش تتكلم معايا ولا تغلط فيا، ولا تقول عليّا حشرة.


مكي بابتسامة مشجعة: إنتي ما غلطتيش فيهم. إنتي ببساطة وصلتي لهم الرسالة.


نظر مكي إلى ماسة بتوتر، وكأنه يريد أن يحذرها من شيء أكبر من مجرد كلمات. كان يراقب تعبير وجهها بعناية، متأكدًا من أنها بدأت تفهم عمق ما يقوله:

بس أنا عايزك تاخدي بالك من نفسك شويه وبلاش تقفي قدام الباشا، الشخص الوحيد ما ينفعش تقفي قدامه هو الباشا.


توقفت ماسة فجأة، ونظرت له بذهول، وكأن كلمات مكي كانت تحمل تحذيرًا أكبر من أن تتجاهله: تقصد إيه يا مكي؟


مكي بتوضيح وعقلانية:بصي يا ماسة، أنا بقى لي سنين مع الناس دي وأنا صغير. كلهم هنا بيفكروا في المصلحة والفلوس بس، وممكن يعملوا أي حاجة عشان خاطر الفلوس. بس الباشا، هو كمان ممكن يعمل أي حاجة عشان خاطر الفلوس لمصلحته. يعني هدوء تقبله ليكي والجواز، سليم مش حبا فيكي، عشان مصلحته، لانه عارف لو زعلك معناها انه زعل سليم وخسرته، وخسرته وهي خسارة المجموعة. لأن سليم مهدد لو حد عمل لك حاجة المرة الجاية هو اللي هيهد المعبد بإيده. فبلاش تلعبي مع الباشا أو تهدديه.


كلمات مكي كانت ثقيلة على قلب ماسة. كان هناك نوع من التحذير المختبئ في نبرته، كان يقصد أن يجعلها تفهم أن ليس كل ما يظهر أمامها هو الحقيقة، وأن المصلحة هي المحرك الأول لكل شيء أكمل: يعني، كويس إنك خدتي خطوة دي، بس ابقي اتناقشي معاه قبل متصدري قرار، وصدقيني، هو مش هيقول لك لا. مش لأنه مقتنع، بس عشان مصلحته في أنه يوريكي قد إيه هو معاكي عشان لما سليم يفوق، تحكي له، وبكدة، هيكسب ثقة سليم بشكل أكبر.


كانت هذه الكلمات تتسلل في ذهن ماسة كالصوت الذي لا يستطيع الهروب منه. كانت تشعر بشيء غريب داخلها، خليط من الشك والحذر:الدرجة دي؟


مكي أومأ برأسه: أكثر بكتير. المصلحة فوق كل شيء.

ثم أضاف بحذر: "عموما، إن شاء الله ما تحطش في موقف زي كده تاني. 


ماسة:المرة الجاية هتكلم معاك وهقول لك.


مكي: تمام أنا مش عايزك تقلقي لحد دلوقتي، انتي ماشيه صح؟، بس برده لازم أنبهك.


كانت تلك الكلمات تظل في عقل ماسة، تنبهها إلى أنها قد تكون على حافة شيء أكبر مما توقعت.


ماسة بحماس: طب يلا نروح لسليم.


مكي: يلا.


ثم غادرا المكان بخطوات حماسية تحمل في طياتها الكثير من الحماس، ولكن أيضاً بداية لمرحلة جديدة مليئة بالمفاجآت والصراعات.


_على إتجاه آخر مكتب عزت


كانت فايزة مشتعلة غضبًا وتجز على أسنانها غير مصدقة: أنا مش مصدقة إزاي سليم يعمل كده؟ ومازن الزفت ده ازاي يخبي علينا حاجة زي دي؟ وجهت نظراتها لفريدة وقالت بغضب: إللي إنت عملتيه ده مش هيمر من غير حساب يا فريدة، وهتتحاسبي عليه. بتروحي للخادمة دي عشان تنفذلك مخططك، وبتكبري علينا الجربوعة بنت الخدم.


فريدة بغضب مهذب: إنتوا السبب. إنتوا إللي خليتوني ألجأ لماسة وأعمل كده. ماكانش قدامي أي خيار ممكن أنقذ بيه العمال الغلابة دول. بعيدًا عن كده، لو سمحتي، بطلي تتكلمي عليها بالطريقة دي. مهما كان، هي مرات سليم.


رشدي بخبث: وعرفت منين بقى بموضوع التوكيل؟


فريدة بحدة: مالكيش دعوة منين عرفت.


فايزة بغيظ: أكيد من سليم! هو بيخبي عنها وعن ياسين حاجة." (بتوعد) "إللي اسمها ماسة دي لازم تتربى. كفاية كده! لحد إمتى هتفضل ساكت يا عزت؟ إنت السبب في إللي ماسة وصلت ليه! هتفضل ساكت لحد إمتى مش فارق معاك إنها خدامة؟ أهي الخادمة، ما طلعش منها غير أفعال الخدم إللي شبهوها! فضلت تلعب بعقل سليم لحد ما كتب لها كل حاجة، وسحب منك التوكيل. سكوتك هو السبب! ولو فضلت ساكت يا عزت، أنا هتصرف، مش هستنى تاني.


فريدة باختناق وزهق من طريقتها: ما كفاية بقى يا مامي، إيه إللي إنتي بتعمليه ده؟! على فكرة، عيب قوي إن حضرتك تحطي عقلك في عقل ماسة، عارفة الناس هَيقولوا إيه؟ سيدة المجتمع فايزة هانم رستم آغا حاطة راسها براس مرات ابنها لدرجة إنها حارقة دمها، ودائمًا مخليها متعصبة وبتتصرف تصرفات ما تلقيش أبدًا على واحدة في مكانتها.


نظرت فايزة إليها بغيظ، ثم قامت بصفعها بقوة: إنتِ بقيتي قليلة الأدب، اطلعي برة يا فريدة.


نظرت فريدة إليها بصدمة وهي تضع يدها على خدها، وهي تجز على أسنانها، ثم نظرت لعزت وقالت بعتاب: طالما حضرتك هتفضل ساكت على اللي بيحصل ده، كل حاجة هاتبوظ. إمبارح كانت ماسة، والنهاردة أنا، الله أعلم بكرة مين!


تركتهم وخرجت إلى الخارج.


رشدي بعتاب قاسي: ماما، ماينفعش اللي إنتِ بتعمليه ده! ماوصلتش إنك تمدي إيدك على فريدة! لو وجود ماسة هيوصل بيكِ إنك تتهوري كده! نتخلص منها أحسن.


فايزة بحقد: فعلاً، هو ده اللي لازم يحصل. البنت دي لازم نخلص منها.


كان عزت يستمع لهم بصمت غريب، يبدو أنه وصل للنهاية، وزمام الأمور فلتت من تحت يده.


اقترب منها عزت ونظر إليها باختناق، وعينيه مليئتان بالحيرة والألم، وفجأة قام بصفعها بقوة على وجهها، وكأن الضربة نزلت على قلبها قبل أن تصيب خدها. انتفض رشدي بصدمة، وكانه أراد التحدث ولكن لسانه تعثر، واتسعت عيناه من هول الصدمة، وكأن الأرض قد سقطت من تحت قدميه. أما فايزة، فكانت في حالة من الدهشة والشلل، وكأن الزمن قد توقف، وعيناها تكادان تخرجان من محجريهما، وهي تضع يدها على خدها بأنفاس متسارعة، غير قادرة على تصديق ما حدث. لم يفعل عزت ذلك منذ زواجهما، وكأنها فقدت جزءًا من روحها في تلك اللحظة. يبدو أن قوة الصدمة قد أفقدتها القدرة على النطق، والدموع كانت تملأ عينيها لكن لم يكن لديها القدرة على البكاء.


قرب عزت وجهه وهو يدقق النظر داخل عينيها بإختناق وتعب، وأشار بأصابع يده لها بإتهام: وصلت إنك تمدي إيدك كمان على فريدة؟ فريدة؟ يعني سبتي كل ولادك الفشلة عديمي التربية والأخلاق إللي بستعر منهم، وبتضربي فريدة؟ زودتيها بزيادة!

وهو يمرر عينه عليها بغيظ وضيق قال:

أولا يا فايزة مش أنا السبب! إنتي السبب، إنتي السبب في كل حاجة غلط وصلنا ليها. حقدك وعنطظتك الفارغة هي السبب، لدرجة أنها وصلت سليم يعمل إللي عمله ويسحب مني التوكيل!! لأنه فقد الثقة فيا!! سليم فقد ثقته فيا!" 


صاح في وجهها بشدة قائلاً: خليتي ابني يفقد الثقة فيا! بوظتي علاقتي بسليم!!


(بضيق وقهر.) شاف إني خلاص مش ها أعرف أعمل حاجة؟ ومش ها أقف في وشك، او في وش أي تصرف أحمق ممكن تعمليه! ويوم ماهعمل؟! ها أعمل إيه يعني؟ ها أزعق وها أقول كلمتين، وفي الآخر الموضوع هاينتهي وهاتفضل فايزة هي فايزة، يستحيل تتغير. أنا قولتلك قبل كده يا فايزة، أنا ماعنديش أي استعداد أخسر سليم، الحركة إللي عملها دي كان بيديني بيها رسالة! بيقول لي: يا بابا خد بالك الأمور بدأت تفلت من إيدك، بدأت تخسرني، والعد التنازلي يا عزت يا راوي بدأ ينفذ...


وهو يمرر عينه عليها من أعلى لأسفل بغيظ واستفزاز أكبر... واصل:

 -إنتي غبية، إنتي أغبى ست ممكن واحد يقابلها في حياته يا فايزة. إنتي لو مش غبية كنتي أخدتِ البنت دي تحت رعايتك اشرافك، أول ما دخلت القصر، لإنها كانت لسة غصن أخضر مش عارف حاجة، قطعة صلصال تقدري تشكليها على مزاجك وتعملي كل إللي إنتي عايزاه فيها، كان ممكن تخليها زي بنتك او صاحبتك وهانم يتحاكى بيها، ، لدرجه ان البنت بنفسها قالت لك انا بتعلم بسرعه وشاطره علميني خليني زي ما انت عايزه، (تنهدت بتعب) بس إنتي إزاي تعملي كده؟! إزاي تنزلي من برجك العالي وتقربي بنت الخدامين منك؟! حتى لو علشان خاطر إبنك؟ لاااا، إنتي أجبرتي البنت إنها تقتل برائتها وتربي أنياب علشان تعرف تتعامل معانا. زعلانة ليه من تحولها وإنها تمادت؟! ما إنتي السبب، إنتي إللي صنعتي منها الشخصية دي. زعلانة ليه دلوقتي؟ يا شيخة كنتي خليكي ناصحة زي صافيناز وخسيسة زي إللي جنبك ده، واضحكي في وشها ومن وراها اتآمري، على الأقل كنتي كسبتي من وراها سليم، مش بقولك إنتي ست غبية! ماسة دي كانت ممكن تقربك من سليم، كان ممكن تخليه يقول لك يا ماما! الكلمة إللي نفسك تسمعيها منه حتى لو بالغلط! البنت لحد إمبارح مصرة تحسن صورتك مع سليم برغم إهانتك، وإنها ماتجيبش سيرة أي حاجة، مش حبا فيكي ولا خوف... تؤ!! علشان ما تزعلهوش، بنت ناصحة وحقيقي يسلم إللي رباها. أنا ماعرفتش أربي ولادي زي ما اتربت، تعرفي يا بنت الباشاوات إنتي ماعرفتيش تربي ولادي زي سعدية الخدامة ماربت اولادها؟ تخيلي!!!"( نظر لها بتساؤل): "تفتكري لما سليم يصحى ويعرف كل إللي حصل ده هايبص في وشك تاني؟ ما اعتقدش، والمسافة هتبقى أميال! بصي يا بنت رستم آغا، إنتي ماعندكيش مشكلة تخسري سليم، وبتتفنني في خسارته! إنما أنا لا، أنا مش ها أخسر ابني علشان خاطرك، ومش علشان خاطر ابني هو إللي هياخد مكاني والمصلحة زي ما إنتي فاهمة وزي ما دايماً بتقولي!! لا خالص، علشان اكتشفت إني ما خلفتش غيره هو وفريدة وياسين، لإن ولادك الباقين أنانيين مابيفكرواش غير في نفسهم، لو جاتلهم الفرصة إنهم يشيلوني أنا بنفسي من على الكرسي، مش هيترددوا لحظة. يمكن سليم يبان في إنه أصعب واحد فيهم! بس هو أنضف وأطهر قلب فيهم...


(واصل بقوة وتهديد)ومش ها أخسره يا فايزة! لو وصلت للطلاق ها أطلقك يا فايزة مش ها أفكر مرتين قبل ما أعملها والقلم ده يمكن يفوقك من جنون العظمة بتاعك ويفكرك إن العيلة الكريمة لما أنا جيت اتجوزك كانت بتشهر إفلاسها، وعيلتي أنا إللي أنقذتكم من الغرق، وكان ممكن بنت الباشاوات تنزل تشتغل في البيوت علشان خاطر تعرف تأكل أبوها المشلول...


بصرامة شديدة وتهديد وهو يمرر عينه عليهم، أشار بأصابع يده في وجوههم: 

بصوا إنتوا الاثنين علشان عارف بعد إللي حصل ده ممكن تعملوا إيه؟ قسماً بالله لو خدشة صغيرة حصلت لماسة أو لأهل ماسة هتكونوا عبرة للباقيين، وياريت توصلوا الكلام ده لصافينا وعماد ومنى، علشان أنا عارف إن القصر مقسوم حزبين، ولو أنا كنت لحد النهاردة محايد بعد الكلام ده أنا ها أبقى في الصف الثاني، وخلي بقى برجك العالي وأولادك الفشلة ينفعوكي! والله لو اتأكدت مع إني شاكك إن حد فيكم ورا إللي حصل لسليم ها دفنه صاحي ومش هاتهز. أنا كنت نسيت الوش ده يا فايزة وقلت الواحد كبر بقى ولازم يتوب، بس إنتي تخلي الملاك شيطان. أنا مش عايز أشوف وشك في القصر لمدة أسبوع، شهر، لحد لما أهدى وبلاش مؤامرات هاتخسرو...


كاد أن يرحل لكنه عاد وأكمل: أنا ها أبعتلك مع نانا توكيل ببيع نسبتك في المجموعة، أما 3% بتوع بابا الله يرحمه رستم آغا ها سيبهم لك... 

بجبروت وقوة ممزوجة بتقليل واصل:. الإمبراطورية دي أنا إللي بنتها عيلتي أنا إللي بنتها مش عيلة رستم آغا علشان بتنسى يا فايزة ولولا عائلة الراوي ماكنش عيلة رستم آغا لها وجود في الحياة...


وجه عينه إلى رشدي وقال بتحذير: بلاش مؤامرات يا رشدي! إنت إللي هاتزعل في الآخر، وياريت تقولي الكلام ده لصافيناز، إنتم من اللحظة دي بتعادوني أنا، قبل ما تتعادوا سليم، وإنتم عارفين عزت الراوي مابيديش فرص، جرب إنت بس وشوف إللي ممكن يحصل.


رمقهما بنظرة شرسة وقوية من أعلى لأسفل، ثم خرج إلى الخارج.


كانت فايزة تستمع إلى حديثه في صدمة، لا تعرف ماذا تقول. فقد كان عزت لأول مرة يتصرف هكذا معها منذ سنوات عديدة من زواجهما، ومن أجل من؟ تلك الخادمة!


وفور خروجه، مسح رشدي على وجهه بصدمة وقال: أنا بقالي سنين ما شفتش بابا بيتكلم كده.

ثم مسح بيده على كتف فايزة قائلاً: ماما، إنتِ كويسة؟


رفعت فايزة عينيها إليه، وهي حتى الآن لا تتفوه بكلمة واحدة، فقط تنظر باتساع عينيها بوجه شبيه بالمانكان لا يظهر عليه أي رد فعل. ثم فجأة، بعد ثوانٍ،


قامت بالصراخ بقوة وغيظ، وبعينين تذرفان الدموع، أمسكت رشدي من ياقة بدلته، وهي تهزه وتقول بتشنج:

إنت لازم تعمل حاجة، إنت لازم تاخد حقي من بنت الخدامة دي ومن عزت. عزت عمره ما عمل كده معايا! غير بعد ما ماسة دخلت حياتنا، حياة ماسة لازم تتدمر يا رشدي. لازم تاخد لي حقي يا رشدي، لازم لازم!


نظر لها رشدي وهو يهز رأسه بتأكيد، محاولاً تهدئتها: والله هاجيب لك حقك، بس مش دلوقتي، مش هينفع دلوقتي.


رفعت يدها عنه وهي تقول بغضب: إنت جبان! سليم لو مكانك كان جاب لي حقي في وقتها، وعزت ما كانش هيقدر يعمل كده معايا.


رد رشدي بجبروت: لا، أنا مش جبان، ولو كنت جبان، ما كانش ابنك مرمي على السرير. اصبري، وأنا هخليكي تاخدي حقك. لأن أخذ الحق حرفنة. بابا دلوقتي عينه هتبقى مفتوحة علينا، هيتكلم مع كل الحراس، ومستحيل هنقدر نعمل أي حاجة. اصبري، طيب. مش إنتِ عايزاه يطلقها؟


فايزة بغضب: لا، عايزة حياتها تتقلب جحيم أولاً، وبعدين أشوفها مذلولة وتغور في داهية.


رشدي بوعد: عينيا. خليكي معايا بس، كل إللي محتاجاه منك هو نصبر سليم يفوق، أو تاخدوا قرار بإزالة الأجهزة.


فايزة بشدة: ده بعينك يا رشدي. أنا عارفة إنها أمنيتك، بس يستحيل... سليم هايفوق.


رشدي بابتسامة ساخرة: ولحد ما يفوق، أبعدي عن عزت. لأنه قلب، وعزت مابيتفهمش. وماسة في حمايته. مش معقول بعد كل السنين دي تطلقي علشان الخدامة. اهدي يا هانم، خليكي بعيد عن ماسة. مساء الخير، مساء النور وبس. ولما الأمير الصغير، وريث عرش إمبراطورية الراوي، يفوق، هخليهالك ترجع خدامة تاني.


جزّت فايزة على أسنانها أكثر، وهي تأخذ نفسها بصعوبة، بإحساس بالاختناق والضيق.


     ❤️_____🌹بقلمي ليلة عادل🌹_____♥️


قصر الراوي٢م


غرفة فريدة وإبراهيم


كانت فريدة ترتب حقيبة سفرها، وعينيها محمرتان من أثر البكاء. دخل إبراهيم إلى الغرفة وعلامات الاستغراب تكسو وجهه. أغلق الباب خلفه وتقدم نحوها.


إبراهيم متعجباً:فريدة حبيبتي، أنا مش فاهم حاجة! إيه اللي حصل؟ بكلمك في التليفون ومش فاهم منك حاجة! و ايه اللي بتعمليه ده... إحنا مسافرين يعني؟


نظرت فريدة إلى حقيبتها ثم إليه بنظرة حزينة تحمل الكثير من الألم.


فريدة بهدوء:إحنا هنمشي من القصر.


إبراهيم مستغرباً:هنمشي من القصر؟ ليه؟ إيه اللي حصل؟


فريدة بحزن:ماما ضربتني... إحنا مالناش مكان هنا. القصر ده مكان صافيناز ورشدي، لأنهم على مزاجها وفي صفها دايمًا. أما طه، فهو ساكت، مالوش علاقة بأي حاجة، حتى لو شاف حد من إخواته بيتقتل قدامه. ياسين زي ما هو، مش بيهتم بأي حاجة غير لما تجيله لحد عنده. أما سليم، فهو قوي ومحدش يقدر يقرب له أو لعيلته. لكن أنا؟ لما أعترض أو أتكلم، أتضرب!


مد إبراهيم يده وربت على كتفها بحنان.إبراهيم بهدوء: ضربتك إزاي و ليه؟ أنا مش فاهم حاجة... قوليلي بهدوء.


تنهدت فريدة وأخذت تمسح دموعها: ضربتني لما قلت لماسة إن المنجم لازم يتقفل بعد اللي حصل للناس.وما عجبتهاش كلمتي وضربتني بالقلم.. أنا مليش مكان هنا، لازم نمشي.


إبراهيم بصوت مطمئن: وأنا من زمان كان نفسي  نمشي إنتِ اللي كنتِ ماسكة في القصر. أنا عايزك تهدي ومش عايزك تزعلي. وبالنسبة لفايزة، الهانم حالتها النفسية مش تمام من ساعة اللي حصل لسليم. متأكد إنها ما قصدتش. ما تزعليش يا حبيبتي، دموعك غالية عليا.


فجأة، انفتح الباب بقوة ودخل عزت بخطوات واثقة.


عزت بمهاودة :وغاليا عليا أنا كمان يا فريدة. إنتِ مش هتمشي من القصر سيبي الشنطة دي، أنا طردت فايزة، وضربتها بسبب كل اللي عملته.


نظرت فريدة إليه بدهشة كبيرة: حضرتك بتقول إيه؟


عزت بجدية: زي ما سمعتي. فايزة تجننت، وكان لازم حد يوقفها. أنا عملت معاها مشكلة كبيرة، والقلم اللي خدتيه كان لازم تاخده عشان يفوقها.


فريدة بصدمة: بس ده مستحيل! أنا مش قابلة إنك تمد إيدك على ماما بسببي. وبرده، أنا مش قادرة أقعد هنا، يا بابا. أنا حاسة إني ماليش مكان. طول عمري بحاول أبعد عن المشاكل، لكن دلوقتي وصلت لمرحلة مش قادر أتحمل فيها!


عزت بهدوء: أنا مش زعلان إنك اتكلمتي مع ماسة. فاهم موقفك كويس. ومش هسمح لحد يئذيك، لا فايزة ولا غيرها. لكن لو مشيتي هتخليني أعمل حاجة ما كنتش بأعملها زمان عشانكم. اسمعي كلامي، خدي يومين تهدي أعصابك، وبعد كده هنبقى نشوف.


فريدة بتوتر: بابا، من فضلك، ما تضغطش عليا.


عزت بلطف: أنا مش بضغط عليك، أنا بس بفهمك قد إيه إنتِ غالية و مهمة عندي أوي.


إبراهيم بلطف:طب يا باشا، ممكن توعدني اللي حصل ده ما يتكررش؟


عزت بحسم:مستحيل يحصل تاني. ولو حصل، أنا اللي هعدل الوضع. احتضنها بحنان قائلا: حقك عليا يا فريدة. خدها يا إبراهيم تغير جو واهتم بيها.


تحرك عزت مغادرا الغرفة.. أوقفته فريدة بتوسل:

بابا، أرجوك ما تعملش كده تاني!


توقف عزت و نظر إليها:ما تقلقيش. فايزة هتهدى... في بيني وبينها حاجات كبيرة تخليها ترجع...بس أوعي تزعلي يا بنتي.


غادر عزت، وبقيت فريدة تنظر إلى إبراهيم بعيون ممتلئة بالحيرة. احتضنها إبراهيم وربت على ظهرها.


إبراهيم بهدوء: إيه رأيك يا حبيبتي نسافر الجونة أسبوع، ونرجع تهدي أعصابك؟


فريدة: تمام... أنا مش همشي من القصر عشان خاطر بابا وعشان ما يكبرش الموضوع. أنا عارفة بابا كويس."ط


إبراهيم بحزم: وأنا مش هسيبك تواجهي كل ده لوحدك. أنا معاكِ.


فريدة بحسم: طول ما في حاجات غلط بتحصل هاتدخل وأتكلم. بس مش هسمح لحد يهنيني تاني.


سيارة ماسة3م


نشاهد ماسة تجلس على المقعد الخلفي في السيارة وتُحدِّث في هاتفها، بينما كان يجلس مكي بجانب السائق.


ماسة: يا ماما ماتقلقيش، أنا خلاص جاية في الطريق... هاحكيلك لما أجي... لا ما حصلش حاجة... خلاص يا سعدية قولتلك هاحكيلك باي باي. أغلقت الهاتف.


مكي: مابطلوش رن على فكرة، كانوا قلقانين عليكي أوي.


ماسة: ما أنا عارفة، علشان كده سيبت التليفون معاك علشان ترد عليهم إنت وتطمنهم، لأني ماكنتش هاعرف أرد عليهم.


هز مكي رأسه بإيجاب، ساد الصمت لدقائق بينهما. كانت تنظر ماسة من النافذة على الشارع بابتسامة ممزوجة بحيرة من العواقب التي ستلاحقها بعد مواجهتهم. رفعت عينيها لمكي وقالت:


ماسة بتساؤل: تفتكر إيه إللي ممكن يحصل الفترة الجاية؟


مال مكي برأسه للخلف: تقصدي بعد كلامك مع الباشا والهانم؟


هزت ماسة رأسها بنعم: أممم.


أكمل مكي قائلاً: ولا حاجة. تبسم باستهجان وهو يعقد حاجبيه: إيه، خِفتِ؟


تبسمت ماسة بتوضيح: مش خوف بس، تقدر تقول عايزة أفهم إيه ممكن يكون رد فعلهم علشان على الأقل أكون مستعدة. يعني إنتَ عاشرتهم أكتر مني، تعرفهم كويس.


ألتفت مكي برأسه لها وقال بعقلانية: كل اللي أنا عايز أقوله لك، ما فيش أي حاجة مقلقة. الباشا معاكي، وطول ما الباشا معاكي، فإنتِ كده في أمان الأمان ما انا قلت لك المصلحه فوق كل شيء.


عقدت ماسة حاجبيها مستغربة: منين جبت كل الثقة دي؟


مكي: لأني أنا عارف الباشا كويس. رد الفعل اللي عمله دلوقتي بيأكد إن الموضوع بالنسبة له عادي، هو بس اتضايق لإن سليم ما عرفهوش. حاجة هو اتفاجئ بالموضوع. بعدين ماتخافيش، كلنا معاكي. واطمني، الباشا معاكي. ماتقلقيش.


ابتسمت ماسة بثقة: أنا مش قلقانة.


احد الكبر الفنادق في مصر الساعة٤م


دخلت فايزة الفندق الكبير، وكان خلفها الحراس، ورشدي يسير بجانبها. الجو كان مشحونًا بالتوتر، وكل خطوة كانت مليئة بالترقب.. اقترب شوقي منهما، مد يده وسلم المفتاح قائلاً: سويت جاز يا هانم، طلعت شنط فوق.


فايزة ردت بشكل سريع:طب روح أنت.


رشدي نظر إليها وقال بهدوء:ما كانش ينفع تمشي وتسيبى قصرك 


فايزة ردت بغضب واضح:انت عايزني بعد كل اللي عمله معايا ده، استنى؟! تجننت؟!


رشدي حاول تهدئتها، وقال بهدوء:لا، بس انت ملكة القصر، انتِ فايزة رستم أغا. ماينفعش تخلي عصبيتك تغلبك وتسيبي القصر حتى لو بابا هو اللي طلب منك. عموماً، أنا عايزك تفهمي الكل، إنك عملت كده عشان تهدي، مش أكتر... أنا عرفت إن فريدة مشيت.


فايزة نظرت له بازدراء وقالت:أنا هعرف أصالح فريدة، عموماً أنا مش همشي كتير، هم يومين تلاتة، أهدى وهرجع تاني. لحسن منى، تفتكر نفسها بقت الملكة، ما هي مستنياها.


رشدي وافق وقال: هو ده الصح.


تحرك رشدي وفايزة إلى المصعد، وساعدها حتى وصلت إلى الغرفة، ثم رحل.


((السويت))


عندما دخلت فايزة الغرفة، كان وجهها يعكس الضيق والحزن والضجر، حتى الاستفزاز. توقفت أمام المرآة، نظرت لنفسها في صمت، ثم همست بحنق وفخر:

إنتِ فايزة رستم أغا... أوعي تخلي عصبيتك تغلبك... خليكي هادية، أوعي تغلطي تاني...


 اكملت  بفهم وكأنها تُيقظ نفسها:

-رشدي  مستنى اللحظه اللى سليم يموت،

هو قالك"لك النهاردة، عايزين نشيل سليم مع الاجهزه."

 هو بيقرب منك لانه خايف تعرفي عزت انه اللي خبط العربية،  اوعي تامني ليه مرة تانية .. 


هزت راسها بإيجاب كأنها تثبت المعنى:

- ما ينفعش أديهم أمان تاني... بس برده مش هقدر لوحدي. لازم مساعدة عشان اقدر اتخلص من ماسة، وده لازم يكون بترتيبهم. بس لازم أصبر شوية لحد ما الأمور تعدي.

رفعت راسها بشموخ قالت بثبات:


مستحيل أخرج من القصر ولا أسمح لأي حد ياخد مكاني. أنا هانم م القصر ده، وهفضل طول عمري هانم من قصرها.


_ المستشفى ٤م


دخلت ماسة الاستراحة وخلفها مكي، استقبلتها سلوى وسعدية.


سعدية بلهفة: عملتي إيه؟ طمنيني.


ماسة: كله تمام.


سلوى: يعني محدش عملك حاجة؟


ماسة: مش بالظبط.


سعدية بتهكم: هو إنتي هاتفضلي تنقطينا؟ ما تنطقي.


ماسة بهدوء: طب يلا اقعدوا وأنا هاحكيلكم كل حاجة.


وبالفعل جلس الجميع على المقاعد في الاستراحة، ثم بدأت ماسة تروي لهم ما حدث.


سعدية: إنتي لازم تاخدي بالك كويس أوي الفترة الجاية خصوصًا من فايزة.


ماسة بموافقة: حاضر، أنا هاعمل كده فعلاً.


تساءلت سلوى: هو إنتي حاسة إنك استفدتي حاجة لما عملتي كده؟


ماسة: شوية، مش بالشكل إللي إنتي فاهماه (بغيظ)، بس حاسة إني عرفتهم إني بقيت زيهم وزيهم، وبقيت ليا كلمة عليهم.


سلوى: تفتكري بقى إللي إنتي عملتيه ده مش هيخليها تغلط فيكي تاني؟ ماسة، هي مكنتش محتاجة مبرر إن سليم كتبلك فلوسه وعملك توكيل تقدري بيه تتحكمي في أملاكه. مش ده إللي هيخليها تسكت وتبطل تغلط فيكي؟ لو حتى ما غلطتش بلسانها! بس عينيها وقلبها هيفضلوا يقولوا نفس الكلمة: ماسة الخدامة، بنت الخدامين.


ماسة: ما أنا عارفة، بس على الأقل هي دلوقتي ما بقتش تقدر تقولها.


سعدية: وهو ده المهم، إنها تبقى هاتموت كده بغيظها علشان تقول كلمة من كلامها إللي زي السم، بس مش هاتقدر. هاتخاف، وهو ده المطلوب، إنها تعمل لنا حساب.


سلوى: أنا كل خوفي بس إنها تتغاظ أكتر وتعمل حاجة فينا. الناس دي سماوية ومش هايقبلوا بالسهولة دي إن ماسة تقاسمهم في فلوسهم وكمان تتحكم فيها.


سعدية: وهو ده بقى إللي لازم تاخدي بالها منه. بلاش تاكلي حاجة من إيديهم ولا تشربي حاجة. خدي بالك من نفسك، وربنا يسترها لحد ما سليم يقوم بالسلامة.


ماسة: طب أنا قايمة أدخل له، وحشني أوي.


سلوى: الدكتور جوة.


نهضت ماسة: مش مشكلة، هاقعد في الأوضة إللي الخارجية لحد ما يخلص.


توجهت إلى غرفة الرعاية المركزة


دخلت ماسة إلى غرفة الرعاية وتوقفت أمام النافذة الزجاجية، وهي تشاهد الطبيب يقوم بفحص سليم وإعطاءه الأدوية المناسبة، وكان معه المعالج النفسي. كانت تنظر إليهم بابتسامة جميلة. وبعد دقائق، خرج الطبيب الجراح إلى الخارج.


الطبيب المعالج، وهو يمرر عينيه عليها من أعلى لأسفل باستغراب، كأنه يتفحصها، فهو لأول مرة منذ أن تعرف عليها يشاهدها بتلك الملابس التي غيرتها رأسًا على عقب. قال معلقًا:


الطبيب: شكلك مختلف تمامًا، اتغيرتي كتير.


ارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة رقيقة بخجل، وهي تقول: علشان لابسة كده؟ 

ثم نظرت إلى نفسها ثم نظرَت له، وأضافت: المهم إن إللي جوة ما يتغيرش.


الطبيب: بالعكس، أنا نفسي إللي جوة كمان يتغير زي إللي برة. تمثيل القوة مش شطارة يا ماسة.


ضيقت ماسة عينيها باستغراب: تمثيل القوة!


هز الطبيب رأسه بإيجاب، وقال: آه، تمثيل القوة. إنتِ بتمثلي إنك قوية وإنك تعافيتي بشكل كامل، بس ده كذب! إنتِ ليه كاتمة مشاعرك؟ سيبيها تخرج. إظهارك لمشاعرك ولضعفك مش ضعف! بالعكس، تمثيل القوة الكاذبة هو إللي ضعف.


ارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة حزينة، وعينها امتلأت بالدموع، قالت بحزن وقهر، خنق صوتها بنبرة مكتومة: تمثيل القوة الكاذبة معنى جميل... (تنهدت بوجع) أنا لازم أعمل كده! لازم أكون قوية. ماينفعش أظهر ضعفي وعدم توازني. لازم أفضل ماسكة بأقوى قوة عندي في القشة إللي منجيني من الغرق، رغم إن القشة دي أصلاً وهم وما بتنقذش حد! أنا، أنا مينفعش أسيب مشاعري تخوني. ماينفعش إنهار. في أوقات الإنسان لازم يكون قوي وما يكبت مشاعره وإحساسه جواه علشان يقدر ينقذ حياة ناس تانية.


بدأت الدموع تهبط من عينيها بابتسامة كاذبة، وأكملت: بعدين أنا فعلاً قوية مش بتمثل القوة، ومش علشان أنا لابسة كده يعني. فأنا كده باتظاهر بالقوة الكاذبة. أنا يمكن على طول بلبس فساتين وعليها فراشات والوان وورد، كلها حياة بتعكس شخصيتي الطيبة اللطيفة إللي دايمًا بتضحك. المواسم الأربعة بالنسبة لها موسم واحد وهو الربيع بس... بس مش معني لما لبست كده إني كده اتغيرت! صدقني، ماسة إللي بتلبس فساتين عليها فراشات وورد .. هي هي ماسة اللي لابسة فورمال. لازم الوش يضحك، لازم أعافر، لازم أحاول حتى لو القلب جوة داب من كتر الحزن وألم الانتظار. كل الحكاية إني كان لازم ألبس كده النهاردة وأتخلى عن ثوبي الأساسي علشان أدي انطباع لأشخاص معينة إني اتغيرت. أكيد حضرتك فاهم إن اللبس بيعكس شخصية الشخص تقولوا عليها الايحاء النفسي.


الطبيب بعقلانية: أنا متفهم يا ماسة كل ده، بس إنتِ لازم تعبري عن مشاعرك. إنتِ عينك بتقول كل حاجة جواكي. أنا خايف عليكي، إنتِ هايجي عليكي الوقت وهتقعي، وهيبقى من الصعب تقومي تاني. عبري عن مشاعرك وخرجيها حتى لو عن طريق الرسم، إنزلي الجيم، بس بلاش تكبتيه كده.


ماسة: ها أحاول، بس أنا عايزة أقولك حاجة. إظهار القوة حتى لو بالكذب، بالإبتسامة واللبس، بيخلي الآخرين يعملوا لك حساب. وده المهم في الوقت الحالي بالنسبة لي. أحيانًا، إظهار القوة أمام الآخرين بيقويهم وبيكون دافع قوي ليهم إنهم كمان يبقوا أقوياء ويستمروا.


الطبيب بتفهم: انا فاهم انك بتعملي كده عشان سليم،بس أتمنى المرة الجاية أشوفك فعلاً قوية.


ماسة: وأنا أتمنى المرة الجاية سليم يفوق علشان يشوفني قوية.


تبسمت له ابتسامة رقيقة بتهذيب، وحركت رأسها، ثم توجهت إلى داخل غرفة سليم.


توقفت أمام الفراش، وهي تمرر عينيها عليه من رأسه لقدمه، بوجع أذاب فؤادها، ثم قالت: "إيه يا سليم، وصلوا ثلاث شهور، أظن كفاية. كفاية بقى، أنا شكلي خلاص مبقتش قادرة أمثل أكتر من كده. بدأت أقع في أكتر وقت لازم أصمد فيه."


زفرت أنفاسها بقوة، محاولة إظهار الشخصية الثانية المرحة التي تحاول بها مساعدة سليم ليعود. قالت بحماس وبصوت مرح: "تعالى بقى أحكيلك أنا عملت إيه النهاردة علشان أقسم بالله ما هاتصدق... طب اسمع.

أخذت المقعد الذي بجانبها ووضعته بالقرب من سليم وجلست عليه، وأخذت تروي له ما حدث.

❤️________🌹بقلمي_ليلة عادل🌹________❤️ 


قصر الراوي8م 


غرفة نوم ياسين وهبة


 كانت تشع بالدفء والراحة.تجلست هبة على الفراش، تمسك كتابًا دراسيًا بين يديها، تغوص في صفحات مليئة بالمعرفة، ولكن عينيها لمعتا بمجرد أن دخل ياسين إلى الغرفة، تبدو عليه علامات الإرهاق هبه عينيها من على الكتاب ونظرت له في ابتسامه ساحره بحب.


هبة: بتسم بلطف:حبيبي، حمد الله على سلامتك.


اقترب منها ياسين ببطء، قبَّل جبينها قبلة حب واطمئنان، ثم جلس أمامها ممسكًا يدها بحنان.


ياسين:عاملة إيه؟


هبة: بنبرة هادئة:تعبانة شوية.


وضع ياسين يده بلطف على بطنها، كما لو كان يتحسس وجود طفله الصغير بداخلهما.


ياسين تبسم: الراوي الصغير تعبك؟


هبة: تومئ برأسها بابتسامة خفيفة: أممم، شوية.


ياسين: سلمتك يا حبيبي.


لاحظت هبة ملامحه المرهقة، فمالت قليلاً نحوه بقلق:

شكلك تعبان أوي، مالك؟


ياسين بتنهيدة: أيوة، النهارده كان يوم طويل. كان عندنا اجتماعات كتير، شغل فوق الوصف. لفيت على المصانع، ونزلت عشان أتكلم مع الناس اللي عليهم مشكلة الأرض. وبعدين جات المجموعة وقعدنا في اجتماع طويل.


تبسمت هبه وهى تمسح على كتفه: ربنا معاك يآرب، معلش فترة وهتعدي بعدبن انت لازم ثبت نفسك عشان باباك وثق فيك.


هز ياسين رأسه بإيجاب ماسة النهاردة حضرت الاجتماع.


نظرت له هبة بدهشة وكأنها لا تصدق ما تسمعه.


هبة: بتهزر!


ياسين: بضحكة خفيفة:لا والله، كنت حاسس إن قدامي سليم!


هبة بابتسامة: هي ماسة ممتازه وشاطرة جدا ..عادت الجدية لوجه هبة فجأة، وبدت مترددة قبل أن تقول:

أنت عرفت إن امبارح حصلت مشكلة كبيرة؟ مامتك مدت إيديها على ماسة، وسلوى حكتلي.


ياسين: يهز رأسه بضيق:أيوة، عرفت.


هبة: بغضب مكبوت:باي حق تعمل كده؟


ياسين: ييأس د:أعمل إيه طيب؟


هبة: بنبرة حازمة:والدتك صعبة جدًا، وكل يوم بتتمادى أكتر. كدة مش هينفع... أنا بجد بفكر نرجع فيلتنا، أو أروح عند ماما. مش قادرة أتحمل القعدة هنا لوحدي لفترات طويلة. هناك، على الأقل، أقدر أستقبل أصحابي وأهلي. هنا، ما بعرفش أعمل حاجة.


ياسين: يستسلم بهدو: ماشي.


هبة بضيق: بجد يا ياسين لازم تاخد موقف مع والدتك وتنبه عليها ما فيهاش علاقه بماسه عشان خاطر سليم لما يقوم بالسلامه يعرف ان اخواته كانوا واقفين مع مراته.


وقف ياسين وابتعد عنها قليلًا وهو ينزع سترته.


ياسين: انا فعلا انا وفريده اتكلمنا معلها هروح أخد حمام، وخليهم يحضروا العشا.

نظرت هبة إليه وهو يغادر الغرفة، تشعر بالقلق من كل ما يحدث حولها، ولكن بداخلها بصيص أمل بأن الأمور ستتحسن.


في إحدى غرف المستشفى الرابعة مساءً 


نشاهد ماسة في إحدى الغرف بالمستشفى، تجلس أمام مرآة كبيرة. إحدى السيدات تقوم بوضع المكياج لها بعناية، بينما كانت ماسة ترتدي فستانًا أنيقًا ومتحشمًا يعكس شخصيتها. بجانبها عدد من فريق المساعدة يضبطون التفاصيل النهائية لتجهيزها، كانت تبدو هادئة وواثقة.


في الجهة الأخرى من الغرفة، عماد يجلس على كرسي مرتديًا بدلة رسمية، ويتم تجهيزه هو الآخر استعدادًا للقاء إعلامي.


دخلت إعلامية الغرفة بابتسامة احترافية:أهلاً بحضرتك يا مدام ماسة. زي ما اتفقنا، مافيش أسئلة شخصية، والأسئلة هتكون عن المشروع الجديد فقط.


ماسة بحزم وبصوت هادئ وهي تمسك ورقه:تمام، بس في سؤال أنا شايفاه مش مناسب خالص، اللي هو بيتكلم عن وضع سليم بيه. لو تحبّي تسأليني، ممكن أقولك إنه بنفس الحالة عشان نوضح، لكن أي تفاصيل بدون تجاوز.


الإعلامية تحاول التوضيح: مش هتتكلمي عن الحادثة خالص؟ الأسئلة دي تم حذفها فعلاً، حتى موضوع بنتك محذوف من الحوار.


ماسة بابتسامة بسيطة ونبرة واثقة: تمام، بس أنا حبيت أوضح النقطة دي عشان ما نوقفش التصوير... أنا مش مكان سليم، وبشتغل عادي في المجموعة زي أي حد تاني. نركز على المشروع، والحياة العامة، وازاي شايفة الأمور.


الإعلامية بإيماءة تأكيد: تمام جدًا، أي حاجة زيادة زي ما حضرتك عايزة هنشيلها في المونتاج.


ماسة بهدوء: مافيش مشكلة، أنا جاهزة.


تنهض ماسة بثقة وتتحرك نحو عماد الذي ينتظرها عند الباب.


عماد ينظر إليها ويهز رأسه موافقًا: جاهزة؟


ماسة بإشارة بسيطة:جاهزة.


ينتقل الجميع إلى غرفة أخرى بها ديكور مخصص للقاء.


(في الغرفة)


كانت هناك أريكة أنيقة تجلس عليها ماسة وعماد بجوارها. الإعلامية تجلس على المقعد المقابل لهما،،،

وبدأ اللقاء.


الإعلامية بابتسامة رسمية: مساء الخير، أهلاً بحضراتكم. خلينا نبدأ بالحديث عن  المشروع الجديد اللي شغل بال كتير من الناس...

أستاذة ماسة، المشروع ده يعتبر نقلة نوعية بالنسبة للمجموعة، خاصة بعد الظروف الأخيرة اللي مريتوا بيها. إزاي شايفة تأثيره على السوق وعلى سمعة الشركة؟


ماسة بابتسامة هادئة ونبرة واثقة: الحقيقة، المشروع ده مش مجرد خطوة اقتصادية، هو رسالة كمان. رسالة إننا مهما كانت التحديات، قادرين نكمل ونحقق نجاحات أكبر. السوق محتاج دايمًا للرؤية المختلفة والتجديد، وده اللي بنقدمه. بالنسبة للسمعة، أنا مؤمنة إن العمل الجاد هو اللي بيتكلم، والمشروع ده دليل على إننا مش بس قادرين نحافظ على مكانتنا، لكن كمان نطوّرها ونوسّعها.


الإعلامية: كتير بيقولوا إنك دلوقتي بتمثلي الوجه الجديد للمجموعة. وده شيء كبير، هل شايفة نفسك قادرة تتحملي مسؤولية زي دي؟


ماسة بنظرة حاسمة: الوجه الجديد أو القديم مش المهم، المهم هو العمل الجماعي. النجاح عمره ما بيجي بمجهود فردي، أنا جزء من فريق بيشتغل بجد، وكل خطوة بنعملها بتكون مدروسة. المسؤولية أكيد كبيرة، بس الثقة اللي جتلي من المجموعة أكبر، وأنا مش هخذلها.


الإعلامية بابتسامة بها نوع من السخرية:طب إيه رأيك في اللي بيقولوا إنك واخدة مكان سليم بيه بعد غيابه؟


ماسة بجدية وبصوت هادئ: أنا مش واخدة مكان حد، ومش هقدر أكون مكان سليم بيه. هو صاحب تاريخ كبير، ودوره ماحدش يقدر يلغيه، اللي بحاول أعمله هو إني أكون إضافة، وأدير بشكل يليق بالمسؤولية اللي ائتمنوني عليها بشكل مؤقت لحين عودة سليم بيه. 


الإعلامية: مدام ماسة، في وسط كل الضغوط والتحديات اللي بتواجهيها، إزاي بتشوفي الحياة؟ هل عندك فلسفة معينة بتعيشي بيها؟


ماسة بابتسامة خفيفة ونبرة متزنة: الحياة في نظري مش سباق، لكنها رحلة. مش مهم نوصل الأول، المهم نوصل وإحنا فاهمين إحنا عايزين إيه. كل خطوة بنخطوها لازم يكون لها معنى، حتى لو كانت مليانة تعب أو ألم. أنا مؤمنة إن كل تحدي بنعدي بيه هو فرصة للتعلم. الحياة دايمًا بتختبرنا، مش عشان توقعنا، لكن عشان تكشف لنا قوتنا الحقيقية. السر إنك تلاقي السلام جواك، مهما كانت الدنيا حواليك مشتعلة.


الإعلامية بابتسامة موجهة نحو عماد: ننتقل للأسئلة إلى عماد بيه... حضرتك شايف نسبة نجاح المشروع ضخم زى ده في ظل غياب سليم بيه كام؟


عماد بعد تفكير بسيط وهو يجلس باستقامة:غياب سليم بيه أكيد مؤثر، ده شيء ما حدش يقدر ينكره. لكن المشاريع الكبيرة دي مش بتقوم على شخص واحد، حتى لو كان الشخص ده هو المحرك الأساسي. النجاح هنا بيعتمد على الفريق، وعلى التخطيط اللي تم وضعه مسبقًا.


ينظر نحو ماسة بإعجاب ويكمل: والحقيقة إن وجود ماسة بيملأ جزء كبير من الفراغ اللي سابه غياب سليم بيه. ذكاءها، فهمها السريع، وطريقتها في الإدارة بتدي المشروع دفعة كبيرة. لو هنتكلم عن أرقام؟ أنا شايف إن نسبة نجاح المشروع حالياً بتتراوح ما بين 80 لـ90%، مع فرصة كبيرة للزيادة لوالظروف مشيت في صالحنا.


الإعلامية بابتسامة خفيفة: واضح إن حضرتك عندك ثقة كبيرة في فريق العمل الحالي.


عماد بثقة: الثقة دي جاية من الأداء اللي شايفه قدامي، ومن الاستراتيجية اللي متبعاها ماسة.


بعد أسبوع، عادت فايزة إلى القصر، وكان يبدو الضيق الواضح على ملامح وجهها.


قصر الراوي/ في جناح فايزة وعزت


كان عزت جالسًا في جناحهما يقرأ كتابًا. دخلت الجناح دون أن تتحدث، كما لم يقل هو الآخر شيئًا.


مرت ثوانٍ من الصمت، ثم جلست فايزة على الأريكة بجانب عزت، وقالت بنبرة ثابتة: أنا رجعت علشان حاجة واحدة، علشان ماينفعش يحصل بينا مشاكل زي دي. اللي بينا كبير، وأنا عارفة إن فريدة غالية عندك، لكن اللي حصل ده مش هنساهولك يا عزت. بس احنا مش في ظرف يسمح بوجود مشاكل، عشان خاطر سليم.


عزت بنبرة أكثر جدية رفع عينه من على كتاب و قال بتحذير: ماشي يا فايزة، بس أنا عايز أقولك دي أول وآخر مرة يحصل كده..اللي عملتيه ده مستحيل أقبل بيه تاني أو أعديه من غير عقاب، ولازم تفهمي إن ماسةوفريدة وياسين وسليم، ممنوع الاقتراب منهم، باقي ولادك براحتك، هم اختاروا يبقوا معاكي. وطه قرر يسكت، أنا هعتبره برضو معاكي أنا حذرتك كتير، وإنتي مافهمتيش.أتمنى ده يكون جرس إنذار. مش هقولها تاني. مش هسمح بأي مؤامرات ولو عرفت، هدفنك قبل ما أدفن ولادي أحياء."


نظرت فايزة إليه بعينين ثابتتين، وصمتت للحظة. ثم قالت بصوت هادئ: عزت بطل كلامك المستفز، ده أنا فايزة.


عزت، وهو يحاول التوضيح: ده مش كلام تهديد، أنا عارف إن اللي بينا كبير، ومش هينفع يتهد. بس مصلحة ولادي أكبر من أي شيء.


نظرت فايزة له بصمت، متفهمة تمامًا أنه لا مجال للنقاش في هذه اللحظة. كان عليها أن توافق، لكي لا تخسر ما تبقى من السيطرة على الأمور.

💕________________بقلمي _ليلة عادل 


مر شهر ونصف، وخلال هذه الفترة، كانت ماسة تستمر بلا كلل أو ملل في متابعة ما بدأته، ولم تيأس لحظة، رغم كل شيء، حتى في ظل إحباط الجميع. الأطباء كانوا قد أشاروا على عزت بأن يرفع الأجهزة عن سليم، لكن عزت رفض بشدة. لم يفقد هو وماسة الأمل، وكانا يعيشان على انتظار لحظة العودة، رغم كل الصعاب.


أما علاقة ماسة بالعائلة، فقد بقيت كما هي، لا جديد. عزت أصدر أمرًا قاطعًا بعدم المساس بها، وكأن الجميع في حالة ترقب من تصرفاته. وتلك المرة، كان عزت قد خاف الجميع فعلًا، خاصة بعد حادثة صفعه لفايزة وطردها من القصر الاسبوع. وعندما عادت، لم تعد الأمور كما كانت، حتى علاقتها بعزت تغيرت، وكأن هناك شيء غير مرئي بينهما.


أما فايزة، فعندما كانت ت ماسة في الغرفة، كانت تتجاهلها تمامًا، كما لو كانت غير موجودة. لم يكن هناك حديث أو حتى مواجهة. هل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟! سنكتشف قريبًا.


غرفة الرعاية المركزة، داخلية4م


نشاهد ماسة جالسة أمام سرير سليم، يداها على خدها، تنظر إليه بعينيها المملوءتين بالشوق الذي أنهك قلبها، وبانتظار يخنق روحها ويعصف بقلبها. لم يعد لديها ما تفعله سوى الانتظار... الانتظار الذي صار أطول من العمر، الموت يقترب في كل ثانية بينما تأمل في أن تحيا من جديد. كانت تجلس في الزاوية على الأريكة، فايزة تقرأ إحدى المجلات، بينما صوت القرآن يتردد في الخلف.


بينما هي في هذا الحال، تحركت أطراف أصابع يد سليم بشكل خفيف. لم تنتبه ماسة في البداية، ثم تحركت أصابعه مرة أخرى.


انتباهت ماسة لتلك الحركة، رفعت يدها عن خدها، وحركت رأسها لتدقق النظر في يديه، لكن أصابعه تحركت مجددًا. توقفت عن التنفس للحظة، ثم قالت بصوت مرتفع وبصدمة: سلييييم!


ركضت ماسة نحوه بابتسامة ملؤها الأمل، وعيونها تذرف دموع الفرح. أخيرًا، بدأ ضجيج قلبها يهدأ. أمسكَت يده وقالت بحماس:


ماسة، بسعادة غامرة ودموع الفرح: سليم، إنت حركت إيدك! صح، أنا شوفتك... شوفتك!


نهضت فايزة بسرعة، عيناها تتسعان بدهشة، وقالت بنبرة مكتومة: إنتي متأكدة؟


استدارت ماسة برأسها، وهزت رأسها بإيجابية وسعادة، ودموعها تغرق وجنتيها: أيوة، والله العظيم حرك إيده.


نظرت إليه مرة أخرى، وعندما بدأت عينيه تتحرك أيضًا، انتبهت ماسة وقالت، وعيناها تكاد تخرج من مكانها من شدة الفرح، وهي تشير بإصبعها إلى وجهه: أهو، حرك عينه كمان!


ركضت فايزة نحوه، تنظر إليها بسعادة غامرة: فين ده؟ فين؟


ماسة، بعينين مملوءتين بالصدمة والحزن، قالت: أهو، حركها والله العظيم!


لكن سليم ظل ثابتًا، ولم يحرك ساكنًا مرة أخرى.


اتسعت عينا ماسة، والصدمة والحزن يكادان يفتكان بها. قالت بصوت مكتوم، ممزوج بالألم: والله العظيم حرك أيده وعينه... (بكاء) أقسم بالله، حرك أيده وعينه.


في تلك اللحظة، دخلت الممرضة، وقد لاحظت ما يجري داخل الغرفة.


الممرضة، بنبرة هادئة: في حاجة؟


فايزة، بنبرة مكتومة: ماسة بتقول إن سليم اتحرك.


نظرت الممرضة إلى مؤشرات الأجهزة، ثم تابعت النظر إلى سليم قبل أن تقول بشكل عملي: دي حركات طبيعية بتحصل من الجسم، ردود فعل. مفيش حاجة.


ماسة، برفض شديد ووجع يعصف بقلبها، قالت: لا، لا! ردود أفعال إيه؟ أنا مع سليم من أربع شهور و١٨ يوم ماسيبتهوش لحظة! عمره ما عمل حركة زي دي! أقسم بالله، اتحرك!


الممرضة، بنبرة هادئة: يمكن تخيل.


ماسة، وهي تهز رأسها برفض ويقين، وبكاء يملأ قلبها بالألم، قالت: أقسم بالله، اتحرك! والله العظيم، أنا مش بتخيل، والله العظيم، اتحرك...


نظرت إلى سليم، وقالت، بصوت مختنق وبكاء مرير، وكأنها ترجوه: قولهم إنك اتحركت، قولهم إني ماتجننتش، مش بتوهم. قول لهم إنك اتحركت!" (بضعف واهتزاز) "إنت اتحركت، يا سليم، اتحركت! والله العظيم، إنت اتحركت! أنا مش بيتهيألي، والله العظيم، اتحرك... اتحرك!


بدأت تبكي بحرقة شديدة، نهنهة وألم يعتصر قلبها، وكأن كل جزء في جسدها تمزق. تلاشت آخر قطرة من القوة في جسدها، فذلك الأمل البسيط الذي كانت تتشبث به، سلبته تلك الحركات الصغيرة. أصبح الحزن يغمرها بالكامل، كل جزء من روحها يغرق في العتمة. لم تعد قادرة على تحمل فكرة أن ما حدث كان مجرد حركة جسدية طبيعية أو حتى مجرد تخيل. شعرت وكأنها غارقة في بئر لا قاع له، وقد ضاعت كل آمالها في لحظة.


مالت بجسدها عليه، ضمته بكل ما تبقى من قوة، وهي تبكي على صدره، وكأن دموعها تمسح آخر بقايا عزيمتها. قالت بإصرار مكلوم، وبكاء يخنق صوتها: "إنت اتحركت يا سليم! والله العظيم، إنت اتحركت! والله العظيم، سليم اتحرك! عمري ما شفته بيتحرك زي كده من أربع شهور و١٨ يوم! أنا مش مجنونة، ولا بتوهم، صدقوني، اتحرك! مش عايزين تصدقوني ليه؟ أنا مش مجنونة!" 


اخذت تبكي بنهنها، كانت كلماتها تخرج من قلب محطم، وفمها يكاد يهمس بالكلمات من شدة الألم، وكأنها تطلب من الجميع أن يصدقوا جزءًا من الأمل الذي تمنت لو أنه يتحقق.


دخل الطبيب عليهم، وقال بنبرة عملية، محاولًا تهدئتها: "ماسة هانم، أنا مصدقك، بس لو كان سليم بيه فاق من الغيبوبة، كانت مؤشرات الأجهزة دي اتغيرت. للأسف الشديد، يؤسفني أقول لك إن سليم بيه ما زال في الغيبوبة.


رفعت ماسة راسها قليلاً ، برفض تام وبكاء عميق، قالت: لا، سليم فاق، ماتقولش كده!" (بوجع وقهر، نظرت لسليم) "سليم، حرام عليك! كفاية بقى، ما بقاش عندي قدرة أتحمل... (بصراخ) بتديني أمل ليه؟ وإنت ناوي تاخده مني تاني؟ بتعمل فيا كده ليه؟ حرام عليك، كفاية، كفاية! أنا تعبت، كفاية! مش قادرة والله... قوم! آه!"


ضمته مرة أخرى، وأخذت تبكي بنهنهة شديدة، تدفن رأسها على صدره. لم تمضِ سوى ثوانٍ قليلة، حتى بدأت جميع الأجهزة تعطي مؤشرات عالية، وصدر صوت عالٍ من جهاز القلب. بدأ سليم يتشنج في مكانه بقوة، يحرك عينيه بسرعة، وكأنه يرى كابوسًا مرعبًا. كانت عيناه تتحركان بشكل غير طبيعي، وكأنما كان يشاهد صورًا متقطعة عن الحادثة: السيارة وهي تدور حول نفسها، الاصطدام الذي تعرضوا له، الضربة بالرصاص، والطعن ماسة بالسكينة...


رفعت ماسة جسدها بصدمة، وعينيها اتسعتا، وهي تقول بنبرة مكتومة: في إيه؟ إيه اللي حصل؟ في إيه؟ مالوا.


أبعدتها الممرضة بسرعة، وركض الطبيب ليتفحصه. لكن سليم ما زال يتشنج بقوة ويحرك عينيه بسرعة رهيبة. وفجأة، هدأ جسده، وفتح عينيه بصعوبة. ثم صرخ بنبرة مكتومة، وكأنما كانت الكلمات تخرج بصعوبة: ماااسة!

صلي على النبي 10 مرات ما تنسيش تضغط لايك وتوصل الحلقه 350 لايك والفين كومنت تساعدوا روايه تنشهر وتوصل للكل لو يهمكم تساعدوني...


        الفصل الثاني والخمسون ج1 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات