رواية أبو الرجالة الفصل السابع عشر 17 والثامن عشر 18بقلم شيماء سعيد


رواية أبو الرجالة 

الفصل السابع عشر 17 والثامن عشر 18

بقلم شيماء سعيد

بصباح يوم جديد تم نقل موسى لغرفة عادية، بدأ يفتح عينيه رويدا رويدا، رأى جميع عائلته أمامه تقلب بنظره بالمكان يبحث عنها بأي ركن داخل الغرفة، اقتربت منه والدته سريعاً وضمت كفه السليم بيدها قائلة بلهفة :


_ موسى حمد الله على سلامتك يا حبيبي قولي حاسس بايه؟!..


تنهد بتعب واضح على ملامحه وأشار لأخيه مردفا :


_ هو أنا جيت هنا لوحدي والا كان معايا حد؟!..


توترت مايا من حديثه وحاولت قول أي شيء تغلق به هذا الموضوع :


_ أنت حاسس بأيه يا موسى قلبنا كان هيقف من الخوف عليك...


أومأ إليها موسى بابتسامة ساخرة قبل أن يعود بعينه لسيف مردفا :


_ جيت لوحدي والا مع حد؟!..


ارتجف كف والدته جعله يشعر بشيء مريب، ألقى نظرة مرعبة على سيف الذي أردف سريعاً :


_ جيت مع الإسعاف وبنت كدة قالت إنها كانت واقفة معاك عند العربية في نفس لحظة ضرب النار..


انشرح وجهه ودلف لقلبه لذة غريبة بالانتصار، أتت معه رغم أنها لا تعرفه بشكل جيدا، ولكن السؤال هنا أين تلك الفتاة الجميلة، لأول مرة يفكر بالزواج من عامة الشعب، زواج هل هو قرر الزواج منها بتلك السرعة؟!.. نفض تلك الأفكار قائلا بقوة :


_ وهي راحت فين؟!..


أجابته مايا سريعاً :


_ البوليس شك فيها لأنها وقفتك في المكان ده وفي الوقت ده فتم التحفظ عليها، ارتاح أنت يا حبيبي وكل حاجة هتبقى زي ما أنت عايز بالظبط..


يرتاح؟!.. شقيقته بدأت ألاعيبها بوقت مبكر جداً، أنتفض من فوق الفراش وأزال جميع الأسلاك الطبية المتعلقة بجسده، حاول سيف الاقتراب منه مردفا بخوف :


_ مينفعش كدة يا أبية أنت محتاج ترتاح قولي بس عايز ايه وأنا هنفذ في ثانية..


أبعده موسى عن طريقه بحركة واحدة من يده ثم سحب مايا من عنقها إليه لتبقى مختنقة أمامه مردفا بسخرية :


_ لو فاكرة إني مش عارف حكايتك إيه بالظبط تبقى غبية يا بنت الراوي، الكلب اللي بعتيه عشان يخلص مني أنا سبته بمزاجي أما فيروز اللي حبيتي تشيليها الليلة مش هتقعد ساعة واحدة في الحجز..


حاولت وضع يديها على يديه لتخفف من قبضته عليها الا إنه قدر على شل حركتها، توقعت ان تلك الأنفاس أنفاسها الأخيرة بالحياة لتغلق عينيها باستسلام، دفعها بعيدا عنه وهو يعض على لسانه ليتحمل وجع كتفه قائلا بجبروت :


_ مش عايز حد هنا غير سيف..


نظرت إليه والدته برجاء قائلة :


_ خليني معاك يا موسى أكيد في حاجة غلط مهما كانت المشاكل اللي بينك وبين مايا وجوزها دي أختك ومستحيل تعمل كدة..


أخرج ملابسه من خزانة المشفى ليساعده سيف بارتداء قميصه، مرت ثواني من الصمت قبل أن يقول :


_ روح هات إذن خروج من الزفتة دي..


خرج الآخر سريعاً ليقول موسى بقوة :


_ طول ما أنتِ شايفة بنتك وجوزها ملايكة وأنا الشرير يبقى بلاش نتكلم أحسن هنخسر بعض بزيادة وأكيد أنتِ مش عايزة كدة..


أومأت إليه عدة مرات ليجد شقيقته تقف بجانب الغرفة بملامح وجه باهتة وكأن أحدا أخذ روحها ليصرخ بقوة :


_غوري من وشي واستني ردي مع المحروس جوزك في بيتك..


______ شيما سعيد _____


بالقسم..


كانت تجلس فيروز أمام مكتب الضابط منذ ليلة أمس لا تفعل شيئا سوا البكاء، ثم أخذ هاتفها منها لا تعلم كيف ستخرج من هنا، اقترب منها بعد خمس دقائق رجل يبدو عليه الوقار وقال لها بهدوء :


_ مفيش داعي للخوف يا مدام موسى بيه اتصل بيا عشان أكون مع حضرتك لحد ما يوصل..


أخذت نفسها بارتجاف شعرت ببصيص أمل يقترب منها، قامت من على الأرض قائلة بلهفة :


_ أنا عايزة أتصل بأهلي لو سمحت..


أومأ إليها المحامي ببعض التوتر ثم قال وهو يقدم لها الهاتف الذي يدق برقم رب عمله :


_ اتكلمي الأول مع موسى بيه عشان يطمن عليكي وبعدين اعملي اللي حضرتك عايزاه..


أخذت منه الهاتف ونظرت إلى إسمه المدون على الشاشة بتوتر بللت شفتيها بطرف لسانها وهي تدعو بداخلها ثم ضغطت على فتح المكالمة، أول ما وضعت الهاتف على أذنها وصل إليها صوت أنفاسه الحادة ونبرة صوته المتلهفة :


_ فيروز أنتِ كويسة حصل لك ايه؟!...


وكأنها طفلة صغيرة سمعت صوت والدها وعلمت أنها أخيرا وصلت لشاطي النجاة، ارتفعت شهقاتها أكثر وأكثر وقالت :


_ أنا اتبهدلت ولولا الظابط طيب كنت نمت في الحجز مع الوحشين، والله العظيم مش أنا السبب في اللي حصل لحضرتك أرجوك تعالى خرجني من هنا وأنا أوعدك لا هتشوفني ولا هقول حاجة لحد كانت كلها معرفة سودة على بعضها..


كان قد خرج من المشفى وخلفه رجاله لم ينتظر السائق ليفتح له باب السيارة وفتحه هو سريعاً، قبض على يده بغل وهو يسمعها ما ذنبها لتعيش ليلة بتلك البشاعة؟!.. أشار للسائق بالحركة وقال لها :


_ كفاية عياط نص ساعة بالكتير وهكون عندك متخافيش المتر هيفضل معاكي لحد ما أوصل أنتِ حالياً في أمان..


أجابته بتعب :


_ هتصل بأهلي وهيبقوا معايا بس خروجي متوقف عليك يا ريت متتأخرش..


أمرها بنبرة صوت صارمة :


_ إياكي تتصلي بحد لحد ما أوصل..


نسيت رهبتها وخوفها الذي كان متمكن منها منذ ثواني وقالت بغضب :


_إنت بتتكلم معايا كدة ليه أنا محدش يتكلم معايا كدة، وبعدين هكلم أهلي يعني هكلم أهلي أنت مين أساساً عشان أسمع كلامك..


كاد الهاتف يسقط منها من شدة صوته الغاضب :


_ أدى الموبايل للمتر محسن..


ألقت الهاتف على المحامي بخوف ليقول الآخر بتعجب :


_ خير يا موسى بيه..


_ إياك تديها الموبايل بتاعها أو تخليها تكلم أي حد لحد ما أنا أوصل مفهوم يا محسن..


_مفهوم طبعاً يا باشا...


______ شيماء سعيد _____


بعد أقل من نصف ساعة.. 


زاد الشجار بين فيروز وبين المسكين محسن، حرك رأسه بقلة حيلة وهو يراها تحاول التعدي عليه لأخذ الهاتف منه رغما عنه صارخة :


_ بقولك هات الموبايل وهو أنتوا عصابة والا إيه؟!.. 


وضع الهاتف بداخل حقيبة عمله وقال بنبرة متوترة :


_ يا مدام فيروز اهدي شوية كدة مينفعش وبعدين أقسم لك إننا هنا عشان خاطر حمايتك وعشان خروجك من المكان بسلام.. 


_ أنا مش عايزة منكم حاجة يا وحش المصايب هات الموبايل أكلم أهلي خليني أخرج من المصيبة دي.. 


تخشب جسدها برعب وهي تسمع صوته الحاد من خلفها يقول :


_ ارجعي مكانك حالاُ.. 


عادت للخلف بشكل تلقائي ليشير بعينه للمحامي قائلا :


_ أدخل أنت يا متر شوف الحكاية هتخلص على إيه بسرعة.. 


دلف محسن وهو يحمد ربه على هروبه من بين يدي تلك المجنونة، اقترب منها موسى بنظرات مرعبة جعلتها تتمنى الفرار من أمامه، لم يتحدث لتبتلع ريقها مردفة بتقطع :


_ خير حضرتك بتبص لي كدة ليه؟!.. 


سحبها من ذراعها لتقف أمامه مردفا :


_ إياكي أشوفك قريبة من راجل على مسافة أقل من 50 سنتي، إيه مش قولتلك اتزرعي في آي حتة لحد ما أوصل هي الكلمة مش بتتسمع ليه؟!.. 


ما هذه القوة؟!.. ومن هذا الرجل ليتحدث معها بتلك الطريقة؟!.. له هيبة للأسف تجعلها دائماً خائفة وغير قادرة على الوقوف أمامه، لا يا فيروز يستحيل أن تسمحي لرجل يتحكم بكِ بتلك الطريقة يكفي جداً ما فعله إبن أبو الدهب، ردت عليه بغضب :


_أنت مين عشان تتكلم معايا كدة، عايزة اهلي أنت داخلك إيه؟!. 


أومأ إليها بابتسامة قائلا :


_ مين أهلك تقصدي أهل طليقك اللي كان ناوي يتجوز أختك فراح أخوه اتجوزها، بجد دي عيلة تخلي الواحد يهج.. 


فتحت فمها بذهول من حديثه وسخريته وقبل أن ترد عليه خرج المحامي مردفا :


_ أتفضل يا موسى بيه عشان المحضر يتقفل.. 


ضم كفها بيده وجذبها معه للداخل، كانت مذهولة من ترحيب الضابط به ومن وقاره المسيطر على الغرفة، لم تفوق إلا عندما قال الضابط :


_ يعني مفيش من ناحيتها حتى شك يا باشا؟!.. 


أجابه موسى بقوة :


_ لو في حد بثق فيه هيبقى هي.. فيروز قريب جداً هتبقى مراتي.. 


شهقت بفزع مردفة :


_أنت بتقول ايه.. 


ابتسم إبتسامة باردة ومال برأسه على أذنها هامسا :


_ بقول تلمي نفسك عشان تخرجي من هنا وبعدين نتكلم 


_____ شيما سعيد _____


بمنزل كمال..


ألقت ثريا بجسدها على أقرب مقعد بعدما تخلت عنها قدميها بالوقوف أكثر من ذلك، عاد كمال للمنزل ومعه فريد، ملامح وجهيهما بمفردها تدل أن صغيرتها ضاعت منها إلى الأبد، نظرت إليه بلهفة تتمنى أن تسمع منه أي كلمة تريح قلبها ليقول :


_ متعرفيش رقم أي حد من أصحابها يا ثريا؟!..


لم يصل لها كانت متوقعة هذا، رأت فريد أمامها كأنها رأت نيران تحرقها، من أين أتت إليها العزيمة لا تعلم قامت من فوق المقعد وهي بداخل حالة من الجنون ونزلت بكل قوتها على وجهه، اتسعت عينا كمال وفريد من تلك الصفعة وقبل أن ينطق أحد بكلمة صرخت بقوة :


_ كل اللي حصل ليا ولبناتي بسببك يا شيطان إنت وأبوك، بس العيب مش عليك العيب على اللي رباك فاسد زيه..


_ ثريا..


صرخ كمال باسمها حتي تتوقف عن هذا الهراء وتعلم ماذا تقول إلا إنها أشارت اليه بالصمت صارخة :


_ عايزك تسكت خالص لأنك السبب في كل ده، كنت ابن فاشل وزوج فاشل وابن فاشل، عيل وحيد فاسد متربي غلط والدلع وصله إنه ميعرفش يفرق بين الحرام والحلال اتجوز بنت عمه الغلبانة وبدل ما يصونها كان بيتجوز عليها كل يوم واحدة، ربنا عوضك عن وحدتك واداك بدل السند تلاتة بدل ما تطلع منهم رجالة خلتهم نسخة منك في كل حاجة، بنتي ترجعلي يا كمال وبعدها إنت وعيالك من طريق وأنا وبناتي من طريق تاني خالص..


كشفته أمام نفسه بطريقة مؤلمة وأمام من؟!.. أمام ولده، رؤية الكره بعينيها إليه يجعله يشعر بالنقص، لأول مرة يقف بموقف مثل هذا ولكنها معها ألف عذر، حاول الاقتراب منها مردفا بهدوء :


_ اهدي يا ثريا بنتك هي بنتي وأنا مش هسيبها وهوصل لها بس بلاش كلام ترجعي تندمي عليه بعد كدة..


حركت رأسها بسخرية قائلة :


_ ومين قالك اني هندم دي الحقيقة أنت لا تصلح إنك تكون أي حاجة في حياة أي حد، أكبر غلطة عملتها في حياتي إني خوفت على بناتي لو شافوا الفيديو كنت خايفة يضيعوا مني وأهم ضاعوا فعلاً وأنا وافقة اتفرج..


كانت نظراتها إليه حادة تظهر بها الكراهية بكل وضوح، رد عليها فريد بقوة :


_ أنتِ في مقام أمي وهعتبر القلم ده من أم لابنها أما فيروز فهي هترجع مش عشانك بس عشاني أنا كمان..


_ أنا مش أمك لأني لو كنت أمك كنت عرفت أربيك، وبنتي مش من حقك بنتي محتاجة راجل يعرف قيمتها مش عيل ماشي ورا شوية فلوس وبيغير الستات زي ما يكون جايب طقم جديد فيروز كتير أوي عليك يا ابن كمال..


الأمر خرج عن السيطرة بشكل كامل، فريد شخص غير مهذب بالمرة وسبب صمته الوحيد الآن هو والده، أما كمال يعلم حالتها جيدا ليلة كاملة لا تعلم أين هي ابنتها كارثة تخصه مثلها وأكثر، دق باب المنزل ليكون الفيصل بتلك الجالسة المريبة، أسرعت بخطى ثقيلة وهي تشعر برائحة فيروز بالمكان فتحت الباب وأخيراً قدرت على أخذ أنفاسها وهي تراها أمامها، ولكن ثانية واحدة أين كانت ولما تبكي ومن هذا الذي يلف يده حول خصرها، ألقت فيروز نفسها بين أحضان والدتها باكية لتقول ثريا بخوف :


_ فيروز قوليلي فيكي إيه كنتي فين وليه شكلك كدة؟!..


تدخل موسى بالحديث قائلا برقي :


_ ازاي حضرتك يا فندم إهدي هي بخير بس عملت حادثة بسيطة امبارح وكانت في المستشفى وأهي قدام حضرتك كويسة جداً..


خرجت شهقة قوية مرتعبة من فم ثريا وهي تشدد على أحضان ابنتها مردفة :


_ أنتِ كويسة يا فيروز ردي عليا يا قلب أمك أنا مرعوبة..


أومأت إليها فيروز وهي مازالت تدفن نفسها بين أحضانها هامسة :


_ أنا كويسة يا ماما متخافيش عليا..


وصل صوت ذلك الغريب لفريد ليخرج هو الآخر إليهم قائلا بسخرية :


_ وأنت بقى تعرفها منين عشان تيجي بيها لحد هنا..


بحركة سريعة جذبها موسى من بين أحضان والدتها ووضع ذراعه حول خصرها مردفا بقوة :


_ حبيبها..


_____ شيما سعيد _____


🩶🩶🩶🩶🩶🩶

الفصل الثامن عشر

_ حبيبها..


كلمة واحدة خرجت منه بكل بساطة أشعلت النيران بقلب المكان، حاول فريد الهجوم عليه بكل قوته إلا أن وقف كمال بالمنتصف قائلا بقوة :


_ إياك تعمل مشاكل ارجع خطوة لورا، وأنت يا أستاذ اتفضل نتكلم جوا بدل واقفة السلم دي..


نظرات العداء كانت واضحة بينهما، أما ثريا أخذت نفسا عميقا براحة ودلفت مع ابنتها للداخل، جلسوا جميعا بغرفة الصالون ليقول فريد بغضب :


_ أنت مين يا جدع أنت..


_ موسى الراوي..


تعريفه لنفسه بتلك الثقة جعلتها تشعر هي الأخرى بثقة، رغم ذهولها من حديثه عنها إلا أنها تود أخذ ثأرها من إبن أبو الدهب، موسى الراوي!! من أين تعرفت عليه فيروز؟!. خطورة هذا الرجل معروفة رفع نظره لفيروز مردفا :


_ فيروز أنتِ ساكتة ليه قوليله تبقي حبيبة مين وملك مين..


يا ليته يصمت، مع كل كلمة تخرج منه سيزيد كرهها إليه، بتلقائية عجيبة نظرت لموسى ليبتسم إليها بأمان، لا تعلم كيف أستمدت من رجل غريب الثقة ولكنها حدثت، عادت لتنظر لفريد قائلة بقوة :


_ هو قالك حبيبته فين الصعب في الجملة، وبعدين أنا مش حتة أرض عشان أكون ملك حد يا دكتور أنا الدكتورة فيروز..


زاد ردها جنونه ليحاول الهجوم عليها، قبل أن يقف كمال أمامه كان ملقى على الأرض بلكمة قوية من يد الأخر الذي قال بجبروت :


_ أعمل حسابك إني لحد دلوقتي عامل حساب وجودي في بيتك و وقوف أبوك قدامنا غير كدة كنت عملت منك عبرة..


مذهول لا يصدق إن عروسته اللعبة تذهب من بين يديه بتلك البساطة وهو عاجز، قام من محله ليقول كمال بهدوء :


_ روح لبيتك ومراتك يا فريد..


فتح فمه إلا إن إشارة يد كمال كانت واضحة وهو يعيد جملته بنبرة أكثر قوة :


_ سمعت أنا قولت ايه يا دكتور اختك رجعت أهي كويسة روح إنت لمراتك وبيتك..


يشعر بالضياع يحيط به، برجاء أخير تقابلت عيناه بعينيها لعله يجد ما يريح قلبه إلا أنها كانت نظرة باردة بها شعور بالفخر والنصر، رأى جملة واضحة تحثه على الرحيل، ذهب من أمامها وهو يسأل نفسه سؤالا واحدا لو أحبها من أعماق قلبه كان تركها بتلك السهولة أكثر من مرة؟!..


جلس موسى محله ووضع يده السليمة على ذراعه المصاب ببعض الألم لتقول فيروز بقلق :


_حضرتك لأزم تروح بيتك ترتاح أكيد دراعك بيوجعك..


نسي ألمه ونسي من حوله وغمز لها بطرف عينه مردفا :


_ شكلك قلقانة عليا، وقعتي فيا بسرعة يا فيروز وده لو دل على شيء يبقى إني جامد جداً..


شهقت بخجل من حديثه الوقح ليكون الرد الأوقح من ثريا عندما قالت بسخرية :


_ لأ وانت الصادق ده لو دل على شيء هيدل على انها مهزأة وخفيفة ومش عارفة قيمة نفسها عمرها ما جابت ليا حاجة عدلة..


_ ايه يا ماما ده؟!..


أخذ كمال نفسا عميقا قبل أن يقول بهدوء :


_أنت فعلاً شكلك تعبان يا أستاذ موسى ومحتاج ترتاح بس لازم تعرف ان بيني وبينك قعدة طويلة، فيروز في مقام بنتي ومش هسلمها لأي حد..


أومأ إليه موسى بهدوء وقال :


_ بصراحة يا أستاذ كمال فيروز مش حبيبتي زي ما قولت لإبن حضرتك، هو حب من نحيتي ليها لكن هي معرفش حقيقة مشاعرها نحيتي، بنتكم متربية أحسن تربية لكن إبنك لازم يعرف إن قربه من فيروز بروحه..


رفع كمال حاجبه قائلا :


_ مش واخد بالك إنك بتهددني بابني جوا بيتي..


قام موسى من مكانه وقال قبل أن يتحرك للخارج :


_ لأ واخد وده مش تهديد ده إنذار عشان محدش يجيب اللوم عليا بعد كدة..


______ شيما سعيد ______


بمنزل نوح. 

كانت عطر تجلس على فراشها منذ ليلة أمس، لم يزر النوم عينيها أبداً فقط تنظر لنفسها بالمرايا وهي تسخر على جمالها، الحظ دائماً عدو الجميلات، ليتها لم تحبه، ليتها أخذت بنصائح الآخرين وفرت بعيدا كل البعد عن هذا الحب، شعرت بلمسته على جسدها لتنتفض، سحبها حتى هدأ ارتجافها، وضع رأسه بلا كلمة على فخذها وأخذ كفها فوق خصلاته.. 


تنهدت بتعب وبدأت تمرر أصابعها بين خصلاته الناعمة، نصف ساعة مرت على هذا الحال، يحاول بقدر المستطاع إشباع روحه من وجودها قبل أن تذهب بعيدا عن عالمه. 


وصل إليه همسها الحزين :


_ لما أنت عارف إن عندك مشكلة ممكن تخرب حياتنا كذبت عليا ليه وفضلت ساكت، جاي تتخلى عني دلوقتي بعد ما أخدت اللي أنت عايزه مش كدة.. 


دفن وجهه بها أكثر وأخذ نفسا عميقا من رائحتها القادرة على ذوبان روحه بها، ثواني وخرجت منه تنهيدة طويلة قائلا :


_ كنت واطي وبضحك عليكي كان كل اللي في دماغي أخدك.. 


خرجت من بين شفتيها ضحكة متألمة ثم قالت :


_ يااا دة أنا كنت غبية فعلاً زي ما الكل بيقول، ويا ترى بقى دلوقتي شبعت فقولت أطلع من الموضوع بالتمثيلية السخيفة.. 


صدم من تفكيرها، انتفض من فوق الفراش وهو يرفض تلك الفكرة كل الرفض، حتى لو انتهت تلك العلاقة يستحيل أن يتركها تنتهي بتلك الطريقة، وضع يديه على ووجها مردفا بقوة :


_ لأ يا عطر مش دي الحقيقة.. 


أبعدته عنها بقوة وقامت من فوق الفراش قائلة بغضب ومشاعر الضياع تأكلها :


_ لأ لو سمحت طالما هي كدة كدة بايظة يبقى خلينا مكشوفين بلاش تفضل تكذب وتقول كلام كله رسم وتأليف، أنت زهقت وحابب تخلع فقولت أخلع بشياكة مش كدة.. 


لهذه الدرجة وصلت الحالة بينهما؟!. يبدو أن الحديث أصبح خطيرا والنهاية ستكون بشعة، هذا أفضل بكثير نوح اتركها تذهب وهي تكرهك حتى تقدر على العيش، أومأ إليها بقسوة قائلا :


_ صح أنتِ ذكية جداً، أنا مش عايزك يا عطر كان ممكن أفضل أخبي عليكي إني مش بخلف لو تلزميني، لكن أنا شبعت ومش عايزك في حياتي تاني، هعمل معاكي بأصلي وهسيبك هنا لحد ما العدة تخلص بعد كدة أمك أولى بيكي، ابقي اندبي جانبها... 


_____ شيما سعيد ______


بغرفة فيروز. 


دلفت ثريا وأغلقت الباب خلفها بهدوء وجدت فيروز تجلس على الفراش وبيدها الهاتف، أعتدلت بجلستها وقامت لتقترب من ثريا سريعاً تساعدها على الجلوس مردفة :


_ كنتي أرتاحي شوية يا ماما ونتكلم بعدين.. 


أشارت إليها ثريا لتجلس بجوارها قائلة :


_ أقعدي يا فيروز أنا مش هعرف أرتاح إلا لما أفهم في أيه بالظبط.. 


أومأت إليها فيروز ببعض التوتر ثم بللت شفتيها بطرف لسانها مردفة :


_ مش هكدب عليكي يا ماما، كل اللي حصل قدام حضرتك من شوية مجرد تمثيلية بايخة أنا وافقت عليها في لحظة مجنونة عشان بس أرد قيمتي قدام فريد.. 


نظرت إليها بتعجب مردفة :


_ يعني إيه الكلام ده؟!.. 


بدأت فيروز بقص كل شيء على والدتها إلا الجزء الخاص بدخولها القسم و نومها به ليلة كاملة، انتفضت ثريا من مكانها بهلع رغم وجع جسدها مردفة : 


_ وعشان تردي قيمتك قدام فريد تورطي نفسك في كارثة تانية مع واحد زي موسى الراوي، تفتكري ايه اللي يخلي واحد في مكانته يمثل تمثيلية زي دي أو حتى أنه يدور وراكي ويعرف عنك كل ده.. 


_ مش عارفة يا ماما بجد مش عارفة كل ده ليه؟!.. بس رفضت أبان قدام فريد ضعيفة أو إني كنت هربانة لمجرد إنه كان هيبقى العريس، بس كلام حضرتك ده بدأ يوترني المفروض أعمل إيه دلوقتي..


أخذتها ثريا بين أحضانها وقالت بقوة :


_ مش هتعملي أي حاجة أنا اللي هعمل... كفاية أوي لحد كدة مش هخسر تاني يا فيروز كفاية اللي خسرته طول السنين اللي فاتت.. 


_____ شيما سعيد ______


بمنزل خاطر..


استيقظ بجسد يصرخ من الألم، نومه على تلك الأريكة القصيرة جعل نصفه بالأرض والنصف الآخر يضم يد الاريكة بقوة حتى لا يسقط من عليها، حرك ظهره يمينا ويسارا ليخرج صوتا متألما قبل أن يراها تخرج من المرحاض بعباية منزلية واسعة وتضع فوق خصلاتها رباط سميك، رفع حاجبه بسخرية قائلا :


_ أول مرة في حياتي أشوف صباحية بالقذارة دي..


نفخت فمها ثم قالت بنفس السخرية :


_أهو تجرب حاجة جديدة بدل ما أنت متعود على الصباحية الشمال اللي زيك..


لمعت بعينيه نظرة تسلية واضحة، ليقوم من فوق الأريكة جاذبا إياها إليه، مرر يده على ظهرها بوقاحة مردفا :


_ يعني هي دي الصباحية اليمين وانا أقول كل الرجالة بتتجوز ليه، متخليك حلو كدة يا حلو..


وضعت كفيها على صدره لتضع مسافة مسموح بها بينهما قبل أن تهمس ببرود :


_ اتجوز أنت كلك على بعض متفرقش معايا، بس خليك عارف إن اللي يأخد هادية ميعرفش يشوف غيرها..


حرك وجهه مردفا بتعجب مصطنع :


_ وده ليه بقى يا ست هادية عندك اية مش عند باقي الستات..


أجابته بثقة ورفعت يدها لذقنه وبدأت تحرك اصبعها على ملامح وجهه بخفة أشعلت الشوق بداخله :


_ عمرك خطفت أخوك عشان واحدة من حريمك قبل كدة؟!..


رفض بحركة خفيفة من رأسه لترفع كتفها بدلال مردفة بابتسامة مميزة :


_ شوفت بنفسك أنا مش أي حد يا إبن أبو الدهب..


انتهت لعبتها بنصرها لذلك قررت الإبتعاد إلا أنه أعجبته تلك اللعبة كثيرا ولابد أن يحرز هدفا أقوى منها، شدد على خصرها ليجعلها تلتصق به ومال عليها قليلا قبل أن ينفخ بعنقها نفخة خفيفة أرتجفت بسببها تحت يديه ليقول بمكر :


_ والحلوة طالما كانت عايزة تنتقم وخلاص كانت خايفة تنتقم من فريد واختارت أخوه اللي ملوش علاقة بالموضوع ليه؟!..


تاهت بسحر أنفاسه الساخنة التي تضرب عنقها بلذة ترفرف أشياء غريبة عجيبة بداخل صدرها، لحظة مميزة جعلتها تنسى ما كانت تفعله وتستمتع فقط بهذا القرب المزلزل لها، لم يشعر بحلاوة مثل حلاوة قربها، نعم هو مستغل لأعلى درجة، فرصة توهانها بين ذراعيه فرصة نادرة ولابد أن يستخدمها بطريقها الصحيح، مال على شفتيها ليقبلها بمشاعر حلوة أخذته لعالم خاص من الذوبان..


ماس كهربائي سيطر على الأثنين عاصفة غريبة أخذتهما الي أجمل ما يشعر به الإنسان من لذة، جرس المنزل اللعين بالنسبة إليه والمنقذ بالنسبة لها، ضربته بصدره ليبتعد مردفا بغيظ :


_ ***** ده باب..


شهقت بخجل من حديثه ومن استسلامها، احمر وجهها ليقول بمرح :


_ الله ده إحنا طلعنا بنات حلوين وكمان بنتكسف أمال ليه الوش الخشب ضيعتي علينا الليلة إمبارح على الفاضي..


ماذا تقول؟!.. وقاحة بوقاحة لن تصمت :


_ روح افتح الباب يا غالي وبعدين نشوف الليلة اللي باظت، ده انا هخلي ايامك كلها شبه ضميرك..


قهقة بمرح على حديثها ثم غمز لها مردفا بنظرة تعلم بنظرة " حمدي الوزير" :


_ يا بت اطلعي من دول بقى هتموتي على ايدي الليلة يا بنت ثريا بس عايزك ترني على الإسعاف قبلها بساعتين..


دق باب المنزل بقوة جعلته يسب الطارق بلفظ خارج وذهب ليفتحه وهو يقسم على ضربه مهما كان من هو، ذهبت خلفه متوقعة والدتها إلا أنها رأت فتاة جميلة تتعلق بعنق خاطر مردفة بحزن :


_ وحشتني يا سي خاطر قولت أجيلك نقضي الليلة سوا..


وضعت يدها على فمها بذهول قائلة :


_ الله يخرب بيتك شمال أنت كمان ليك في الشمال.


انتفض بقوة وأبعدها عنه ليرى معالم الشرار واضحة بعين الأخرى فقال بنبرة سريعة وهو يدافع عن نفسه.. 


_ لأ أوعي تفهميني غلط دي مراتي البت نوسة..


_____ شيما سعيد ______


أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة ♥️.



            الفصل التاسع عشر من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات