رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والخمسون 55 ج2 بقلم ليله عادل
رواية الماسة المكسورة
الفصل الخامس والخمسون 55 ج2
بقلم ليله عادل
بعد وقت ...
كان يجلس سليم على أحد المقاعد وكانت ماسة تجلس بجانبه تقوم بعمل تمارين العلاج الطبيعي لكفه.
سليم بتمنى: عارفة أكثر حاجة نفسي فيها إني إيدي ترجع زي ما كانت أكثر من رجلي.
رفعت ماسة عينيها له ومسحت بظهر أصابع يديها على خديه بنعومة وقالت بدعم: كلها فترة صغيرة والأثنين هايرجعوا أقوى وأفضل من الأول، مش إنت قولتلي قبل كده إنك ابن موت وإن مش دي أول حادثة تحصلك، وكل مرة بتقوم أقوى من الأول؟ أنا متأكدة إن المرة دي كمان هاتقوم أقوى من الأول. إنت بس بطل عصبية، بطل إحباط، بطل جنون، بطل يأس، وحاول تتعامل مع الموقف وتتكيف مع الوضع الجديد المؤقت. 90% من نجاح العلاج إن النفسية تبقى راضية ومرتاحة. أنا قرأت في كتاب كده.
أنا بقالي ست سنين متجوزاك عمري ما شفتك عصبي كده.
سليم بتوضيح: علشان أول مرة حد يتأذى بسببي كده. عصبيتي سببها ثلاث أسباب. أول سبب لإنك إنتي وحور اتأذيتوا بسببي، وتاني سبب، إني ماوصلتش للي عمل فيا كده. كل مرة كنت بأقدر أوصل للي أذاني، بعد يوم أو اتنين بالكتير، لدرجة إني ببقى عارف قبلها للي بيخططوا له وبأوقفهم. آخر سبب بقى إن المرة دي كانت شديدة يا ماسة، عقلي لسه بيحاول يستوعب إني مش هاعرف أمارس حياتي بشكل طبيعي تاني، مش هاعرف ألعب رياضة ولا أجري. احتمال ما أخلفش، أتحرم إني أكون أب. غير بقى إن حياتي مهددة بالموت. صدقيني، غصب عني.
ضمت ماسة يديه بحب، تنظر داخل عينيه:
ماسة: أنا معاك يا سليم، ما فيش حاجة تخلينا نبعد عن بعض أبداً. وهانقدر نتخطى كل ده مع بعض. بعدين ممكن بعد سنة ولا سنتين تلاقي العلاج وتخرج الرصاصة. الطب كل سنة بيتطور. لا مش كل سنة، كل يوم. لازم يا حبيبي ترضى باللي كتبهولك ربنا، قول الحمد لله إنك لسه عايش بتتنفس وأنا وإنت لسه مع بعض. ما حدش فينا اتحرم من التاني. وأهدى علشان تعرف تفكر صح. إنت كنت دايماً بتقول العصبي والمتوتر ما بيعرفش يفكر صح وما بيوصلش لحاجة، وطول ما هو متعصب، أفكاره بتكون مضطربة، ما بتخلهوش يوصل لحل صح.
سليم: صح. أنا بس عايزك تتحمليني الفترة دي وما تضايقيش من عصبيتي وردود أفعالي.
ماسة: حبيبي إنت لازم تفهم حاجة واحدة، أنا مش متضايقة. أنا زعلانة علشانك. أنا نفسي أساعدك. نفسي ترجع سليم حبيب قلبي، كارميلي بضحكته الحلوة، العاقل الهادئ. مش كل حاجة يتعصب كده.
سليم بمهاودة: حاضر، ها أحاول.
ماسة وهي تقوم بعمل تمارين في يديه: سليم، هو أنا ممكن أسألك سؤال؟ أنا مش قادرة أفهمه ومحتارة فيه، واحترت أكثر لما حضرت معاكم الاجتماع ده.
سليم بلطف: قولي، سامعك.
ماسة تساءلت متعجبة: دلوقتي اللي عمل كده فينا، حد بينتقم؟ ده اللي أنا فهمته. ولازم يكون عنده سبب.
هز سليم رأسه بإيجاب وهو يقول: أكيد.
ماسة أكملت: طب هاينتقم مننا ليه يا سليم؟ أنا عمري ما أذيت حد ولا أعرف حد أصلاً. طب إنت هايعملوا معاك كده ليه؟ إنت مش شغال في حاجة وحشة علشان يعملوا كده.
سليم بتوضيح: مش لازم يا ماسة تكوني أذيتِ حد علشان يئذيكي. في ناس بتئذي لمجرد الأذى. فيه ناس متعتها في أذى الآخرين. ممكن مثلاً تكوني منعاه عن إتمام مهمة معينة. وقتلك أو أذيتك هيدي له المساحة إنه ينفذ مخططه أو الحاجة اللي هو عايز ينفذها فهماني؟ كل اللي عايز أقولهولك، مش كل اللي بيئذي بيئذي لأنه اتأذى.
ماسة: فهمت، عارف إن اللي حصل ده تحسه زي شغل أفلام المافيا والعصابات الأجنبية.
نظر لها سليم وهو يدقق النظر فيها: إزاي يعني؟
ماسة بذكاء: يعني إنت مش شغال مثلاً في حاجة فيها سلا ح أو مخ درات، إنت كل شغلك دهب، ألماظ، شحن مواد غذائية، عقارات والحاجات التانية دي، شغلكم مفيهوش حاجة غلط. أنا بقى بشوف في الأفلام الأجنبية، مثلاً رجل العصابة يبقى عايز مخ درات من واحد تاني أخدها منه وخانه، فيروح القاتل يقتل مراته، بنته، إخواته، والحاجات دي. أنا بجد حاسة إن اللي حصل لنا ده شبه المسلسلات والأفلام الأجنبية بتاعت المافيا، بس المشكلة إنكم مالكمش في الشغل ده، علشان كده الموضوع محير.
تبسم سليم وقال معلقاً بمزاح: يا دي المسلسلات والأفلام اللي واخدة منها كل معلوماتك، يا بنتي ارحميني.
ماسة بسخرية: هو أنا عارفة أجيب معلومات من حتة تانية، وقلت لأ؟
سليم تنهد وقال بوضوح: هو إنتي فاكرة إني لازم أكون شغال في حاجة غير شرعية زي المخ درات أو السلا ح علشان يبقى عندي أعداء؟ لا مش شرط. حتى في الشغل الطبيعي الشرعي اللي مالهوش أي علاقة بشغل المافيا زي الأفلام اللي بتشوفيها، برضه بيبقى فيه أعداء. وممكن توصل للقتل. إحنا عندنا أعداء كتير لإننا بنشتغل في ثورة قومية الذهب والألماظ، وبنتحكم في سعرهم في مصر، غير المواد الغذائية وشركات شحن البترول وغيرها. زي ما إنتي عارفة فيه ١٠ شركات مختلفة، كل شركة فيهم بتتحكم في السوق بشكل كبير. ولإننا مميزين جداً، مفيش مناقصة أو مشروع دخلناه إلا واكتسحنا السوق. وللأسف فيه شركات كتير وقعت، بس ده مش علشان إحنا اشتغلنا شغل مش مظبوط، إحنا علشان شطار بنعرف ناخد الحاجة دي بمهارة. فده ربى لنا أعداء.
ماسة بذهول: بجد يعني حتى الشغل ده بيبقى فيه أعداء؟ لدرجة إنهم يئذوك كده؟ طب ليه يئذوك؟ هما اللي مش شاطرين وما ذاكروش كويس.
هز سليم رأسه بإيجاب وقال بتوضيح: ما بيحسبوهاش كده، بقى يا ماسة. بيبقى فيه ضغينة في قلوبهم. مش بيغيروا غيرة شريفة مثلاً، ويشوفوا هما قصروا في إيه أو فين المشكلة، ويبدأوا يشتغلوا عليها. للأسف الحقد والغل بيعميهم، ويبقوا عايزين يشوفوا أي نقطة ضعف عندك أو أي حاجة ممكن يئذوك منها.
ماسة بذكاء: يبقى هي كده اتحلت ووضحت.
سليم بتعجب: إزاي؟
ماسة: أنا افتكرت حاجة، زي عبد القادر ده اللي حاول يقتلك علشان الشغل. تصدق، هو ممكن يكون حد منهم فعلاً عايز يقتلك علشان يتخلص منك. علشان لما يتخلصوا منك، ساعتها هيسيبولهم مكان كبير واسع.
نظر لها سليم وهو يضيق عينيه باستغراب: إزاي يعني؟ تقصدي إيه؟
ماسة بذكاء: فاكر السنة اللي إحنا سافرنا فيها؟ وقتها الشركة وقعت ولما عزت باشا جالنا طلب منك ترجع علشان ترجع الشركة زي ما كانت. وفعلًا رجعتها زي ما كانت وأحسن وفي فترة صغيرة. فهم دلوقتي اتأكدوا إنك أقوى حد في أولاد عزت باشا، وإن قتلك هايخليهم يقدروا يوقعوا المجموعة زي ما وقعوها قبل كده. فعلشان كده قالوا يعملوا إيه؟ يقتلوا سليم ويحاولوا يوقعوا المجموعة من تاني، ولو حد من أولاد عزت وقف قدامهم أو بقى قوي زي سليم، يتخلصوا منه.
نظر لها سليم وضيق عينيه بإعجاب شديد على مدى ذكائها وطريقة ربطها للأحداث بتلك الطريقة، وقال متسائلاً لأنه يريد أن يفهم أكثر: طب وإنتي بقى حاولوا يقتلوكي ليه؟ إنتي مالك بالموضوع؟
ماسة بذكاء: أنا مالي ونص. علشان تفضل إنت وعزت باشا وكل العيلة تلفوا حوالين نفسكم، وتسألوا نفسكم نفس السؤال اللي إنت سألته ده، وليه ماسة؟ ووقتها كل تفكيرك يتجه إن حد بينتقم منك. مالوش علاقة خالص بالشغل والمشاريع. فتدور بعيد عنهم. إنت لسه قايل من دقيقتين ما اعتقدش إن ممكن يكونوا هما هايعملوا ليه كده معاك! هما أكيد فكروا زيك كده، وقالوا نتخلص من ماسة ومن سليم بطريقة تبان إنها انتقام، علشان يدوروا برانا، ووقتها ماتعرفش توصلهم. لإنكم بتدوروا غلط. وقتها يبقوا اتخلصوا منك وخلا الجو ليهم ووصلوا لمرادهم بإنهم يوقعوا المجموعة زي ما وقعوها قبل كده. فاهم؟ هما غرضهم يتخلصوا منك بس بشكل ما يخليكش تفكر فيهم وتفكر بعيد عنهم. دماغ أبالسة! فإنتوا بتدوروا غلط، علشان كده ماوصلتوش لحاجة.
تبسم سليم بسعادة على مدى ذكائها: إنتي ذكية أوي وبتعرفي تربطي الأحداث حلو جدًا. تصدقي، فعلاً ممكن يكون اللي عمل كده حد عادي وإحنا بندور غلط، حد يكون من المنافسين، لإن فعلاً أنا ما عنديش أعداء ممكن يعملوا معايا كده.
ماسة بسعادة: شوفت؟ دور بقى وراهم.
سليم: بس دول كتير أوي يا ماسة.
ماسة: شوف أكتر ناس إنت أخدت منهم مشاريع أو مناقصات، وبسببها خسروا فلوسهم أو خسروا شركاتهم. يعني حصلهم أذى. وبرضه ماتستهونش. إنت لسه قايل فيه ناس بتئذي لمجرد الأذى علشان خاطر الفلوس. فممكن يكون اللي عمل كده مش لازم يكون مأذى منك. يعني مش لازم تكون خسرتوا فلوس أو شركة، بس أخذت منه مشروع، فهو اتغل. أصل الغل والحقد ده أوحش حاجة ممكن تدخل في قلب إنسان. واستنى منه أي حاجة. إنت دور وخلاص وراهم كلهم. وعلى الأقل إنت بقيت عارف هاتدور فين بعد ما كنت محتار.
سليم وهو يمسح على خدها: عندك حق يا ماسة. أنا هأدور ورا كله.
ماسة: بس أوعى تظلم حد يا سليم وإنت بتدور. ما تخليش غضبك أو احتياجك الشديد إنك توصل للي عمل كده تظلم إنسان. أوعى.
سليم تبسم وهو يمسح على خدها بنعومة: ماتقلقيش... قرصها من خدها بمداعبة وهو يقول: أنا مراتي ذكية وشطورة أوي، بس ذكائك يخوف.
ماسة بتعجب تساءلت وهي تعقد ما بين حاجبيها: ذكائي يخوف إزاي؟
سليم تنهد: يخوف وخلاص. ممكن أطلب منك طلب؟
هزت ماسة رأسها بإيجاب بإبتسامة جميلة أكمل سليم برجاء ولطف: لو فيه حاجة وصلتيلها أو عرفتيها ممكن تسأليني، وماتخليش دماغك تفكر وتحلل ربما تبقى ظلماني أو مش فاهمة صح وأنا أوعدك إني ها أقولك الحقيقة.
ماسة: ماشي.
💞_____________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي
في جناح صافيناز وعماد السادسة مساءً
نرى الخادمة تجهز حقيبة عماد، بينما تجلس صافيناز وعماد على الأريكة، يحتسيان القهوة ويتبادلان الأحاديث، على الأرض، مريم وزين يلعبان بصخب، يضحكان ويصدران الضجيج فهم الآن في عمر ثلاث سنوات.
صافيناز بتنهد وضيق: أوف... إيه الإزعاج اللي انتوا عاملينه ده؟! عنايات، خديهم أوضتهم.
وضع عماد فنجانه على الطاولة ونظر إليها باستغراب: ما تسيبيهم يلعبوا براحتهم، دول أطفال، طبيعي يعملوا دوشة.
صافيناز بحدة: بقولك إيه يا عماد، أنا مش عايزة صداع، عايز تقعد مع ولادك روح أقعد معاهم في أوضتهم.
عماد يشبك أصابعه وينظر إليها بثبات: على فكرة، دول ولادك زي ما هم ولادي.
صافيناز ساخرة: ما أنت سايبهم ليا ورايح تسافر!
عماد بنبرة هادئة لكن حازمة: أنا مسافر لشغل، مش ألعب، قلتلك بابا محتاجني في الشغل.
صافيناز بضيق وهي تلتفت للخادمة: عنايات، سيبي الشنطة على جنب وشوفي الزفتة بتاعتهم فين، سايباهم ليه؟! أنا بفكر أمشي البيبي سيتر دي وأجيب اثنين تانيين دي غبية.
هزت الخادمة رأسها وأسرعت نحو الأطفال، بينما عماد ينحني نحو مريم وزين، يحتضنهما بلطف، ويطبع قبلة على خد كل منهما.
عماد بابتسامة دافئة: حبايب بابي، تروحوا تلعبوا في الأوضة، ولما أخلص، ألعب معاكم.
يبتسم الصغيران بسعادة ويذهبان مع الخادمة.
عماد ينظر إلى صافيناز بتركيز: مالك متعصبة كده ليه؟! ده أنا حتى كنت بفكر أجيب بيبي تاني.
صافيناز تضحك بسخرية: تجيب بيبي تاني؟! تبقى مجنون رسمي!
عماد بهدوء: على فكرة، إنتِ بعيدة قوي عن الأولاد، محتاجة تركزي معاهم.
صافيناز بملل وهي تحرك فنجان القهوة: أنا مش عارفة أركز في إيه ولا في إيه، وبعدين أنا ما بعرفش أربي حد في السن ده، سن مقرف وزنانين، لما يكبروا شوية!
عماد بتنهيدة وهو ينهض: هدخل آخد شاور قبل ما أتعصب.
صافيناز بلامبالاة وهي تقلب في هاتفها: هتتأخر في دبي؟
عماد وهو يدخل الحمام: يعني 10 أيام... 15 يوم.
صافيناز ببرود: أوكي.
((دبي))
في إحدى المستشفيات الخاصة الثانية مساءً
كان عماد ورغد يقفان أمام غرفة العمليات، ويبدو على ملامح وجهيهما التوتر.
خرج الطبيب مبتسمًا وقال: مبروك، جت لكم بنت زي القمر!
شعر عماد بالسعادة وسأل: طب يا دكتور، سارة عاملة إيه؟
أجاب الطبيب: الحمد لله، بخير هنقلها دلوقتي إلى غرفتها.
رغد: طب فين البنت؟
الطبيب: ثانية واحدة، وهتبقى عندكم إن شاء الله.
بعد وقت في غرفة سارة،
كان عماد يحمل طفلته بين يديه، يضمها ويلعب معها، بينما كانت سارة تستلقي على الفراش ورغد جالسة بجانبها.
سارة بتعب: كنت خايفة ما تجيش.
عماد مبتسمًا: مستحيل.
سارة بدلال: إيه رأيك في البنت.
عماد بحب: زي القمر، شبهك تمامًا.
تقدم نحوها وجلس بجانبها قائلاً: حمد لله على سلامتك يا حبيبتي.
ثم وضع قبلة على خدها.
رغد بحدة: إيه يا عماد، هنعمل إيه دلوقتي؟
عماد بتوضيح: أنا وسارة اتفقنا إنها هتنزل مصر عشان أقدر آخد بالي منها ومن الأولاد.
رغد: طب وصافيناز؟
عماد: صافيناز مش هتشوف سارة، هتفضل مستخبية.
سارة مستغربة: يعني إيه هتفضل مستخبية؟ يعني هتعمل عليا حظر ولا إيه؟
عماد بتوضيح: أنا ما قلتش كده، هتخرجي وتروحي أي مكان، بس بلاش الأماكن اللي بتخرج فيها صافيناز.
سارة بتنهيدة متعبة: ماشي، بس أنا مش هتحمل ده كتير.
مد عماد يده خلف ظهرها بحب، وصوته دافئ يملؤه الحنان: يا روح قلبي، أنا مش عايزك تفكري في أي حاجة غير إنك تقومي بالسلامة وبس. بعدين، أنا قاعد معاكي كام يوم، مش هسيبك لوحدك.
رغد: سليم فاق من الغيبوبة؟!
عماد: اممم..بس لسه ما رجعش للمجموعة، مش هيرجع دلوقتي
سارة بحاجبين معقودين: انتو لسه ما وصلتوش للي عمل كده؟
عماد: للأسف، لسه بنحاول.
بكت الطفلة بصوت خافت، ارتجف جسدها الصغير بين ذراعيه، فابتسم عماد بحنان وربت على ظهرها برفق، ثم همس لها وهو يناولها لسارة: إيه يا روح قلبي، عايزة ترضعي ولا إيه؟
أخذتها سارة بين أحضانها بحب، ثم رفعت عينيها إلى عماد، نظرة ممتزجة بالخوف والاطمئنان في آن واحد، قبل أن تهمس بصوت خافت لكنه واثق: خد بالك... إحنا بقينا ثلاثة.
نظر لها عماد بعيون مليئة بالحب والعزم، ثم أومأ برأسه وهو يهمس: حاضر، حاضر يا سارة... مش هتخلى عنكم أبدا.
((مصر))
مكتبة مصر ، الثالثة مساءً
جلست سلوى في زاوية هادئة داخل المكتبة، تمسك بكتاب بين يديها وتحاول التركيز في قراءته، لكن عيناها كانتا تتحركان بلا تركيز فوق السطور، وكأنها تهرب داخل الكلمات من أفكارها. أمامها كوب القهوة بدأ يبرد دون أن تنتبه له..
على بُعد خطوات، كان مكي يراقبها بصمت، عيناه تضيقان بانزعاج عندما رأى شابًا جاء وجلس أمامها، يضحك معها وكأنه مرتاح تمامًا. فجأة، مد الشاب يده ليضع أمامها حقيبة أنيقة، هدية على ما يبدو.
قبض مكي على يده بشدة، توترت ملامحه بالغضب، ظل يحاول المحافظة على ثباته حتى يرحل ذلك الشاب الذي لم يجلس مع سلوى سوى دقائق صغيرة، وما إن غادر حتى بدأ مكي في التقدم نحو الطاولة. الشاب وقف مودعًا، وسلوى ابتسمت له بإيماءة صغيرة وهي تلوح بيدها مودعة.
ظهر مكي فجأة أمامها، نبرته رجولية، وملامحه متوترة بالكاد يسيطر على غيرته: سلوى
رفعت سلوى عينيها ببطء، نظرت إليه باستغراب قبل أن تعقد حاجبيها بتوتر شديد: إيه؟ إيه اللي جابك هنا؟ ماسة حصل لها حاجة؟ سليم بخير؟
رفع مكي يده بإشارة صغيرة محاولًا تهدئتها:
اطمني، كلهم بخير يا سلوى... أنا جاي أتكلم معاكي
جلس أمامها بثقة، لكنها لم تبدُ مرتاحة لذلك، فردت بحدة:
مكي، بقول لك إيه، أنا مش عايزة أتكلم، واعتقد إحنا اتكلمنا وقلنا كل حاجة، وقلت لك خلصت
مكي معترضا: ما خلصتش... ومش هتخلص.
نظر إليها نظرة طويلة قبل أن تلمع عيناه بغيرةواضحة وهو يلمح حقيبة الهدايا بجانبها:
وبعدين مين ده؟ اللي كنتِ قاعدة معاه؟ والهدايا دي إيه؟
مد يده فجأة نحو الحقيبة، لكنها سبقت حركته، سحبتها بسرعة ووضعتها بجانبها وهي تنظر إليه بحدة:
مالكش دعوة، إيه الوقاحة دي؟
اقتربت سلوى أكثر بصوت منخفض لكنه حاد، وكأن الصبر بدأ ينفد منها:
بقول لك إيه يا مكي، خليك في حالك، عشان والله العظيم لحد اللحظة دي ما تعرف مين هي سلوى، وما تعرفش أنا ممكن أعمل إيه
نظر إليه بثبات، عيناها تتحديانه، بينما هو ضيق عينيه قليلًا، ثم أمال رأسه بابتسامة باردة
إنتِ بتهدديني يا سوسكا؟
رفعت سلوى حاجبها وعيناها غاصت في عينيه بثبات، هزّت رأسها ببطء:
أنا بفهمك اللي هيحصل، لكن التهديد ده انت اللي تعرفه.
مد يده فجأة وأمسك بمعصمها بقوة لكنها لم تظهر ارتباكها، فقط حاولت أن تسحب يدها بعنف قال مكي بغيرة:
مين اللي كنتِ قاعدة معاه ده؟ جاوبي يا سلوى؟!
حاولت سلوى أن تتخلص من قبضته بعصبية:
أوعى إيدك، انت اتجننت؟
رد مكي بهدوء مشحون بالغضب:
لا، لسه ما جننتش.
نظرت إليه للحظة، قلبها ينبض بسرعة، لكنها رفعت رأسها بعناد وسحبت يدها بعنف، حملت حقيبتها ثم دفعت الكرسي للخلف بقوة، وقفت أمامه وهي تنظر إليه بقوة:
لو سمحت، ما تتكلمش معايا تاني! أقعد مع اللي أنا عايزة أقعد معاه، انت مالك؟ انت لا جوزي، ولا حبيبي، ولا ليك أي علاقة بيا! إنت مجرد الحارس الشخصي لجوز أختي، اعرف حدودك، أوعى تعديها تاني.
استدارت فجأة متجهة للخروج، تنفست بغضب وهي تبتعد، لكنه لم يتحرك، فقط راقبها مكي وهي تبتعد، بينما أصابعه تنقبض ببطء وكأنه يحاول السيطرة على نفسه بصعوبة، وكأن ما قالته أشعل داخله شيئًا لا يستطيع إخماده.
فيلا سليم وماسة الثامنة مساءً
في الليفنج روم
يجلس سليم وماسة على الأريكة بجانب بعضهما، يشاهدان التلفاز. بعد دقائق، يبدأ سليم بتحسس قدميه وكأن هناك ألماً يداهمه. أمسك بعكازه وحاول النهوض، فاستوقفته ماسة:
ماسة متعجبة: رايح فين يا حبيبي؟
سليم بهدوء: داخل الأوضة أجيب الدوا.
ثم نظر لها بحدة وأضاف: ماتقوليش أنا هجيبهولك، أنا بعرف أمشي لوحدى.
ماسة تبسمت: لا، ما تقلقش. مش هقول لأن الدوا أصلاً هنا.
فتحت ماسة درج الطاولة، وأخرجت علبة الدواء ومدت يدها له. نظر سليم إليها بغضب وقال: لو سمحتِ، ما تشليهوش تاني من درج الكومودينو؟
ماسة بتوضيح: والله ما شلته، أنا قلت أجيب لك علبتين. حطيت لك واحدة هنا وواحدة في المكتب عشان ما تتعبش نفسك.
سليم بتعصّب: ملكيش دعوة، أنا عايز أتعب و مش واخد الدوا ده، هروح أجيب اللي جوه.
تحرك سليم باتجاه الغرفة، وكانت ماسة تراقب الوضع بصمت. فجأة، سمعت صوته وهو يصرخ من الغرفة يقول:
سليم بغضب: فين الزفت؟ أنا عايز أعرف، حطيتيه فين؟
نهضت ماسة بسرعة، تحركت نحو الغرفة لتجد سليم واقفاً أمام الكومودينو، يفتحه بحثاً عن الدواء، لكنه لا يجده.
نظر سليم لها بتعصّب: فين الدوا؟ مش لاقيه هنا. حطيتيه فين؟
ماسة بهدوء: يا حبيبي، أنا ما نقلتوش من مكانه والله.
تحركت ماسة نحو الدرج، فتحت الدرج أكثر وأخرجت العلبة، وقالت: أهو مكانه زي ما انت سبته امبارح، أنا مش فاهمة إيه المشكلة، أنا مش عايزة أتعبك، الدكتور نفسه قالك ما تتحركش كتير وتريح رجلك في الأيام دي.
سليم بغضب: أنا كويس! مين قالك إني تعبان؟! أنا قادر أتحرك.
ينظر إليها بعصبية: ماتحسسنيش إني عاجز بكلامك ده! وبعدين انتي أصلاً المفروض تخبي مني الدواء عشان ما اتعودش عليه.
ماسة بتوضيح: أنا سألت الدكتور وقال لي إن الدواء ده ما بيدمنش.
سليم بغضب: بس برده غلط إني أخد الدوا ده كتير وأعود نفسي عليه، ده مسكن مش علاج. المفروض تخبيه مني.
ماسة محاولة تهدئته: الدكتور قال لي الشهر ده مش هتقدر تتحمل تقعد من غيره، وقال لي ممكن تاخد لحد قرصين في اليوم. أنا متابعاك، مش معنى إني حطيت لك أكثر من علبة في أماكن مختلفة إن أنا عايزة أضرّك.
سليم بحنق: أنا ما قلتش إنك عايزة تضريني، بس قلت تساعديني إني ما اتعودش عليه.
ماسة بهدوء: حاضر يا سليم.
سليم بعصبية: ولو سمحتي ما تعمليش كده تاني، والأدوية اللي حطتيها في كذا مكان، خدّيها وارميها، الدواء يتحط هنا، ولما أحتاجه بنفسي هقوم أخده. أنا الحمد لله بعرف أمشي، وممكن أستغنى عن العكاز عادي.
حاولت ماسة تغيير الموضوع: آه طبعاً...ياسين وفريدة عايزين يجوا يا سليم. إزاي تدي أمر بعدم دخولهم من البوابة؟
سليم بحزم: لأنهم رزلين و ما بيسمعوش الكلام ، فهي دي الطريقة اللي هتمنعهم.
ماسة متفاجئة: دول أخواتك اللي إنت بتحبهم، وعايزين يطمنوا عليك، وده حقهم.
سليم بغضب: والله أنا حر، أخواتي وأنا حر. ما ليكش دعوة، بعدين انا مش عايز أتكلم معاكِ، عشان أنتي بقيتي مزعجة وعنيدة، وأنا أصلاً مش طايق حد يعاند معايا دلوقتي.
ماسة بهدوء: حاضر يا سليم انا أسفه.
سليم يلتقط الدواء بشدة، ثم يمشي بعيدًا. ماسة تتراجع خطوة إلى الوراء، وتبقى صامتة، متأملة في صمت بعين امتلأت بالدموع.
قصر الراوي الثامنة مساءً
غرفة نوم هبة وياسين
نشاهد هبة متمددة على الفراش وبعد دقائق يدخل ياسين عليها بعد ما بدل ملابسه يجلس بجانبها ويمسك يدها بحب.
ياسين باهتمام: ها يا حبيبتي أخبارك ايه؟ لسه تعبانة والا فيه تحسن؟
هبة بتعب:
والله تعبانة، زهقت من قعدة البيت ومن السرير، مش قادرة أستحمل أكتر من كده... وحاسة إني مش عارفة أعمل حاجة.
ياسين: معلش يا حبيبتي، هتعدي.
هبة: يارب، قولي مش هتزور سليم والا ايه ؟
ياسين بحزن: والله مانع الزيارة خالص، مش عايز يشوف حد
هبة:روح عافية زي المستشفى.
ياسين: تخيلى المجنون مدي أومر على البوابة محدش يزوره، والله اطردنا انا وفريدة، المهم، إنتِ عملتي ايه النهارده؟!
هبة بملل: هعمل ايه فضلت طول اليوم قاعدة في الاوضة ما بروحش في حتة، بس في حاجة حلوة، أنا أنجزت شوية في الرسالة بتاعتي.
ياسين بسعادة: طب كويس، لأنك بطلتي الخروج وقعدتي في البيت، فطبيعي تقدري تنجزي.
ركزِي بقى، لأنك بعد كده لما الهانم اللي مش عارفين نسميها ايه دي تيجي، مش هتعرفي تعملي حاجة.
ضحكت هبة قليلاً وأراحت رأسها على الفراش، وأمسكت يد ياسين ووضعتها على بطنها برقة: حاسس بيها؟
تبسم ياسين وهو يحرك أصابعه بلطف على بطنها: حاسس بيها، حبيبة قلبي. عارفة؟ أوقات كتير بقعد أبص لك وإنتي نايمة، وبطنك كبرت، وبأبص لنفسي وللدبلة في إيدي وأقول: إيه ده؟ أنا اتجوزت وأنا صغير!! يعني شلت المسؤولية دي فجأة، وأنا كنت رافض الفكرة أصلًا. كنت عايز أعيش حياتي، أسافر، أكمل دراستي بره، أتابع شغلنا بعيد عن مصر... بس سبحان الله، جيتي إنتي وغيرتي كل حاجة، كل أهدافي وأحلامي، بشكل غريب.
هبة تنظر له بحب وهي تمرر يدها على وجهه: طب وأنا كمان زيك، كنت فاكرة لسه بدري على كل ده، حتى على فكرة إني أبقى أم...بس فعلًا، الحب بيغير.
شد ياسين على يدها برفق، وعيناه مليئتان بالدفء: الحاجة الوحيدة اللي بتمناها يا هبة... إني أخليكي سعيدة ومبسوطة.
نظرت هبة له بامتنان، وصوتها يفيض حبًا: وأنا أكيد سعيدة ومبسوطة معاك يا ياسين. ربنا يخليك لينا يا رب.
ثم اقتربت منه، وطبعت قبلة دافئة على خده، فابتسم و ضم يدها بين يديه بحنان.
((بعد أيام))
فيلا سليم وماسة
على السفرة السابعة مساءً
يجلس سليم على الكرسي، يحاول تناول طعامه المسلوق المضروب في الخلاط، لكن يده ترتعش قليلاً، فيسقط بعض الطعام من الملعقة. تتابعه ماسة بحزن مكبوت، وعيناها مليئتان بالقلق.
ماسة بصوت هادئ: كراميل، سيبني أنا أكلك النهارده.
حاولت النهوض لكن أوقفها سليم بنظرته الحادة، التي اختلط فيها التوتر والغضب.
سليم وهو يرفع عينيه إليها بحدة: لا، أنا بعرف أكل لوحدي، مش محتاج مساعدة من حد!
ماسة بدلال: بس أنا مش حد، أنا قطعة السكر.
سليم بضجر، قال بنبرة رجولية قاطعة: ماسة، قولت مش عايز مساعدة.
ابتسمت ماسة بهدوء: أنا مش عايزة أساعدك، أنا عايزة أدلعك، بس براحتك وفرات.(بمزاح)، أخرجت لسانها له.
صمت لثوانٍ وهو ينظر إليها تتناول من طعامه المعد خصيصًا له، جز على أسنانه، يشعر أنها تشفق عليه، فهو يدرك جيدًا أنها لا تحب هذا الطعام، ويعرف أن مذاقه ليس جيدًا بالنسبة لها لكنها تفعل ذلك حبا له فقط.
سليم وهو يضغط على الملعقة بعصبية: ما تعمليش كده! الأكل ده كمان ماتاكلهوش معايا، إنتِ أصلاً ما بتحبهوش!
ماسة بإصرار: يا سيدي، أنا عايزة آكل منه براحتي. أنا جربته وطلع طعمه حلو، وبعدين معدتي تعبتني من الأكل الثقيل اليومين دول فبريحها عشان لما نيجي ناكل البطّة المتحمرة في سمن بلدي والمحشي بالكوارع، نخلصه سوا، وهعمل لك ممبار كمان وضحكت.
جز سليم على أسنانه حتى استمع إلى صريرها. نظر إليها بعصبية، وفجأة أمسك الطبق الذي أمامها و رماه على الأرض بقوة، متناثرًا الطعام على الأرضية.
سليم بغضب وقسوة: أنا ما بحبش الشفقة! واللي إنتِ بتعمليه ده بالنسبة ليا مش حب ولا مساعدة، ده شفقة وحاجة مستفزة! اعملي لك أكل عدل من اللي إنتِ بتحبيه يا ماسة، وهناكل سوا! يا كده يا مش واكل. مفهوم؟ وبطلي استفزاز!
ثم نهض بعنف، دفع الكرسي للخلف، وغادر المكان دون أن ينظر خلفه.
ظلت ماسة جالسة، تنظر للأرضية حيث تناثر الطعام، ثم رفعت رأسها ببطء، شعرت بأنفاسها تتسارع، ودموعها تتجمع في عينيها. تحاول تمالك نفسها، لكنها في النهاية انهارت، وضعت يديها على وجهها وأخذت تبكي بصمت.
تنهدت بتعب، لا تعرف كيف ترضيه،،كيف تتعامل مع عصبيته، مع جنونه، مع تلك النار التي تحترق بداخله، وتحرقها معه.
💕___________________بقلمي_ليلةعادل
خلال شهر، كان سليم ملتزمًا بالفيلا لا يخرج منها، ويرفض الزيارات والمقابلات، حتى عائلته. كان يتقبل فقط والده ووالدته بسبب إصرارهم على المجيء لزيارته، وبالطبع مكي وإسماعيل لكي يطلعوه على كل جديد في بحثهم عن الجاني. كان سليم عصبيًا ومنفعلًا بشدة طوال تلك الفترة على أتفه الأسباب. فهو ما زال غير متقبل لما حدث معه: رعشة يديه، والعكاز الملعون، وعجزه عن الوصول لمرتكبي الحادثة. كان يُسقِط غضبه وانفعالاته على ماسة المسكينة التي كانت تحاول على قدر المستطاع احتواءه بكل حب. فمثلًا، إذا أراد أن يعد له مشروبًا أو طعامًا، وعندما كانت تحاول مساعدته، كان يصرخ في وجهها ويدفعها بعيدًا. إذا وقع شيء من يده أو شعر بألم بسبب السير البسيط، يغضب. وإذا وجدته لا يستطيع النهوض وحاولت مساعدته، يصرخ في وجهها. كان يفسر ذلك بأنه شفقة، لأنه أصبح ضعيفًا ومريضًا وليس محبة واهتمامًا بحالته. كما إنه أصبح يريدها معه باستمرار ولا تبتعد عن عينه لحظة واحدة. فمثلًا، إذا كانت تجلس في الحديقة وهو في الصالة، وناداها ولم تسمع، يحزن ويشعر أنها أهملته وأصبحت لا تتحمله. كلما تأخر تحسُّنه، يزداد جنونه. وهكذا كانت تحدث خناقات كثيرة كل يوم معها على أتفه الأسباب. لكن ماسة كانت تتحمل كل ذلك بكل احتواء وحب، لم تغضب أو تحزن، بل كان حزنها فقط عليه لأنه أصبح ضعيفًا بهذا الشكل.
💞___________بقلمي_ليلةعادل ________💞
فيلا سليم وماسة الثانية عشر ظهراً
في الجنينه
تجلس ماسة على الأريكة تحت شجرة تمسك بفنجان النسكافيه بين يديها، وتنظر للحديقة الخضراء حولها.وأشعة الشمس تتخلل أوراق الأشجار، ويعطي النسيم المعتدل شعورًا بالراحة. تتنفس بعمق، محاولة أن تجد بعض الهدوء في الطبيعة التي تحيط بها، بعيدًا عن التوترات اليومية.
فجأة، يظهر سليم من بعيد، يقترب منها وهو يمشي بخطوات بطيئة. تلتفت إليه ماسة بابتسامة هادئة، وهو يقترب أكثر.
ماسة بلطف: في حاجة يا سليم ليه قومت من مكانك كنت كلمني أو ابعتلي سحر.
سليم بغضب:ابعث لك حد ليه؟ حد قال لك إن رجلي مقطوعة.. وسايباني لوحدي ليه؟
ماسة تبسمت بمزاح لطيف: رجل مقطوعة ايه؟! ده أنت بقى عندك ثلاث رجلين هههه يعني لو جريت ورايا دلوقتي هتجيبني في ثانية...
اكملت بإبتسامة دافئة:
بعدين أنا مش سايباك لوحدك والله. إنت كنت بتتكلم في التليفون فقلت أسيبك شوية.
رفع سليم حاجبه: والله، وانتِ من إمتى يعني بتعملي كدة؟
رفعت ماسة كتفها: عادي يعني حبيت أقعد في الجنينه شوية وأشرب النسكافيه.
سليم بشك: والله متأكدة.
تبسمت ماسة: طبعاً.
سليم بتأثر: ولا أنتِ خلاص زهقتي مني؟
ابتسمت ماسة بتهكم:إيه اللي انت بتقوله ده بس؟!..أنا أزهق منك!! ده انت كراملتي.
سليم بنبرة ساخرة: اممم زهقتي مني عشان قاعدة في وشي 24 ساعة؟
ضحكت ماسة واقتربت منه أكثر،أمسكت يده بلطف وجعلته يجلس بجانبها على المقعد. وضعت رأسها على صدره بحنان، تحاول تهدئته، فهي تعرف أنه يمر بمرحلة عصيبة من التوتر والأزمات النفسية، وتدرك جيدًا أن من واجبها تحمله والوقوف بجانبه.
ماسة بحب وصدق: انت عارف يا قلب ماسة إني بحبك و بأموت فيك ومستحيل أزهق منك. ولو هأقعد معاك العمر كله ومش هشوف غيرك مش هزهق.
نظر سليم لها بأسف وشك بداخله، فهو يعاني من مشكلة كما نعلم ف تلك النقطة منذ طفولته، حيث يشعر أحيانًا أنه ثقيل على من حوله وانهم معه مجرد شفقة.
سليم بجدية: بعد كده، ما تسبنيش وتمشي تاني. تفضلي قاعده معايا. مش انتِ اللي كنتي بتقولي ما تقدريش تزهقي مني لو قعدت معاك 24 ساعة؟ وريني.
ماسة تبتسم، وعينيها مليئة بالتحدي والحب: طب هوريك إني مش هزهق منك أبدًا. أنا مش زيهم يا سليم، أنا بحبك.
((بعد أيام ))
فيلا سليم وماسة، 3م، في الهول.
نشاهد ماسة وسلوى تضمان بعضهما بشدة وشوق كبير.
ماسة بشوق: وحشتيني أوي، عاملة إيه؟ طمنيني عليكي وعلى ماما وبابا يوسف وعمار.
سلوى وهي بين أحضانها: وإنتي كمان وحشتيني. أنا تمام
ابتعدت قليلاً وهي تنظر لها:
عاملة إيه؟ إيه، أخيرًا سليم وافق يخلينا نشوفك؟
ماسة بضيق: بعد محاولات قد كده!
وهي تشدها من كتفها:
أقعدي، أقعدي. جلستا بجانب بعضهما على الأريكة. أكملت ماسة:
ما وافقش إلا لما قولت له إنه جالك عريس، وعايزة أفهم.
سلوى وهي تنظر من حولها: هو فين؟
ماسة: نايم. النهاردة كان عنده جلسة علاج طبيعي مع الدكتور، بعد ما بيعملها، بيبقى تعبان ومرهق، بياخد الدواء وبينام، وبيطول في النوم.
سلوى: أنا مش فاهمة إيه مشكلته.
ماسة بأسف وحزن: مشكلته رفضه للي حصله. اتكلمت مع دكتور العلاج الطبيعي، وقالي إن دي حاجة طبيعية جدًا، وإن فيه مرضى بيكونوا رافضين مرضهم، وبيشوفوا إن مساعدة الآخرين ليهم شفقة، لأنهم بيبقوا عاجزين عن مساعدة أنفسهم. شايف نفسه ضعيف وعاجز. هو رافض ده، علشان كده بيخرج ده في عصبيته وهجومه. عايز يحس إنه بيقدر يعمل كل حاجة لنفسه.
سلوى: ده مفهوم. رافض بقى نزورك ليه؟
ماسة: علشان نفس الموضوع، مش عايز حد يشوفه عاجز، وإيده بتترعش، متعكز على عكاز، ما بيقدرش يمشي مسافات طويلة، ولما بيقف شوية رجله بتوجعه. عايز الناس لما ترجع تشوفه تاني، تشوفه زي ما كان سليم الراوي القوي الجامد.
ربتت سلوى على قدميها بحب وحنان وقالت: معلش يا ماسة، اتحملي، ماتزعليش منه. هو أكيد بيعمل كده غصب عنه.
ماسة بعين تترقرق بالدموع: إنتي فاكراني زعلانة منه؟ أنا زعلانة عليه، نفسي أساعده، بس مش عارفة إزاي.
سلوى: معلش، هي مسألة وقت، وكل ده هايعدي. مش هو اتحسن شوية ولا لسه؟
ماسة: الرعشة شبه اختفت، وطريقة مشيه اتحسنت شوية، يارب يبقى كويس.
سلوى: الحمدلله. إنتي كويسة؟ حساكي تعبانة.
هزت ماسة رأسها بنفي ووجع وقالت: لا يا سلوى، أنا مش كويسة خالص، أنا تعبانة، ومرهقة، وحزينة. قلبي واجعني أوي، على سليم، وعلى إللي حصلنا. عايزة أزعل، بس مش عارفة أزعل. عايزة أعيط وأصرخ، بس لازم أتماسك. أنا من يوم ما فقت وعرفت إللي حصل وأنا بتظاهر بالتماسك والقوة. وأنا من جوايا بأنهار. قلبي وجعني أوي، بس للأسف مش هاينفع أضعف. مش هاينفع غير إني أفضل قوية، وماسكة نفسي علشان سليم. عارفة أنا من ساعة ما جيت الفيلا، ما خرجتش، ما طلعتش حتى الدور الثاني. أصلاً مش عايزة أطلع، مش عايزة أشوف أوضة حور وهي فاضية من غيرها، بعد ما كنا خلاص مجرد أيام وتيجي تنور حياتنا...
بدأت الدموع تتساقط على وجنتيها بألم. أضافت: مش قادرة أدخلها وهي فاضية من غيرها. حاسة لو طلعت فوق ها افتكر آخر مرة سبت فيها الفيلا...
مسحت دموعها بابتسامة مزيفة وواصلت: باقولك إيه، سيبك مني وغيري الموضوع. قوليلي إيه موضوع العريس ده؟
أثناء ذلك دخل مكي وهو يقول:
مساء الخير، ماسة هانم.
ماسة: مساء الخير.
نظرت سلوى أمامها كأنها لا تراه.
مكي: سليم فين؟
ماسة: خلص الجلسة، ونايم.
مكي: تمام.
ماسة: في جديد؟
مكي: للأسف لا.
ماسة: تمام.
مكي: إزيك يا سلوى هانم، عاش من شافك.
سلوى وهي تنظر أمامها بجمود: الحمدلله.
مكي: يارب دايمًا تكوني في أفضل حال. أنا برة يا ماسة هانم عن إذنكم.
تحرك مكي خارجًا...
سلوى تبسمت وقالت باستفزاز بنبرة عالية قليلاً لكي يسمعها: بس العريس ده قمر أوي، محاسب في بنك.
فور استماع مكي لهذا الحديث، توقف مكانه، واتسع بؤبؤ عينيه، ابتلع ريقه، التفت لها برأسه. رفعت سلوى طرف عينها نحوه لكي تستنبط مدى تأثير الحديث عليه، ورفعت ماسة عينيها نحو مكي أيضًا بإرتباك...
اضغط لايك عشان تساعد الروايه تنجح لو يهمك نجاحي اذكر الله عشان مرات وصلي على النبي ما تنساش تكتب لي رايك في الحلقه النهارده♥️
تعليقات
إرسال تعليق