
رواية عشق تحت القيود
الفصل الثالث عشر 13 والرابع عشر 14
بقلم هاجر عبد الحليم
في مشهدٍ يفيض بالتوتر والرهبة، كان كمال يقف على عتبة البدروم، مهيبًا بهدوئه المعتاد. عينيه الثاقبتان تستقران على جثة داليا المغطاة، بينما تنقلها سيارة الإسعاف بعيدًا عن المشهد المشحون بالألم.
على الجانب الآخر، كان عادل واقفًا بجانب وسام، محاولًا احتواء انهيارها. احتضنها بذراعيه وكأنها ملاذه الأخير من الانكسار. عيناه كانتا مشبعتين بالدموع، والقهر يفيض منهما كما لو أن صدمته كانت أعمق من أي كلمات. العالم حوله بات ضبابيًا، خطوط الحقيقة والوهم بدأت تتداخل، وكأن الزمن توقف للحظة ثقيلة تتصارع فيها مشاعره مع واقعه.
أما كمال، فبقي ثابتًا، ينظر للمشهد من بعيد، نظراته تحمل شيئًا من الغموض والهدوء المخيف، وكأنه يعرف مسبقًا كل تفاصيل ما يحدث وما سيأتي. خطوة بطيئة قادته نحو عادل، صوته كان منخفضًا لكنه محمل بالثقة المطلقة وهو يقول:
"خد وسام وروح معايا... هناخدها بالعربية."
كلماته كانت بسيطة، لكنها اخترقت الأجواء كسهام مبطنة بشيءٍ غير واضح، خليط من التهديد والوعد، وكأنما يخفي خلفها سرًّا أكبر من اللحظة ذاتها.
لم تستطع وسام الاستمرار في الوقوف. فجأة، أغمي عليها، جسدها سقط بين يدي عادل كريشة منهكة تبحث عن سند. احتضنها عادل بحنان، لكن عينيه لم تفارقا كمال، الذي كان يراقب كل شيء بنظرات غامضة مليئة بالأسرار.
في تلك اللحظة، شعر عادل وكأنه محاصر، ليس فقط بألمه وفقدانه، بل أيضًا بتلك العيون الثابتة التي ترقب خطواته وكأنها تكتب مصيره القادم. كان يدرك أن هذه اللحظة لن تكون النهاية، بل هي بداية لمعركة لا يعلم كيف سينجو منها، معركة بين قلبه ومصيرٍ معلق بحبال الغموض.
مشاعر الألم والغموض امتزجت في تلك اللحظة، لتبني جسرًا نحو فصل جديد من المواجهة... فصل لا رجوع فيه.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️
كان الطريق مظلماً،
والهواء الخفيف الذي يتسلل من نافذة السيارة كان يشعرك بحالة من الغموض. كمال، جالس في مقعد القيادة، كان يبدو هادئاً لدرجة غريبة، بينما كان عادل ممسكاً بوسام، التي كانت ما تزال فاقدة الوعي بين يديه، عينيه مليئة بالدموع، لكنه كان يحاول جاهدًا أن يظهر أمام كمال بمظهر قوي. كان فمه مغلقًا وكأن الكلمات التي كان يريد أن يصرخ بها ترفض الخروج.
لكن كمال، وكأنما يشعر بكل شيء، كسر الصمت أولاً:
"أنا مش عارف إذا كنت فاهم اللي بيحصل حواليك ، ولا لأ... لكن واضح إنك لسه مش قادر تستوعب اللي شفته بنفسك."
نظر إلى عادل نظرة هادئة، كما لو كان يحاول أن يقرأه من الداخل، ثم أضاف بصوت منخفض:
"داليا راحت... ومش هترجع تاني
عادل كتم شهقة في صدره، وحاول أن يتمالك نفسه، لكنه لم يستطيع كبح الحزن الذي كان يعتصر قلبه:
"أنت بتقول ده ليه؟ مش فاهم... هي راحت ليه؟ ده مش طبيعي... مش المفروض... مش المفروض إنها تموت!"
همس كلماته الأخيرة وكأن الفكرة نفسها كانت تجعله يتراجع داخلياً.
نظر كمال إلى الطريق دون أن يرفع عينيه، وكأن حديثه عن داليا لم يكن سوى إشارة إلى شيء أكبر:
"مش المفروض يا عادل... مش المفروض... لكن الحقيقة أوقات بتكون أقوى من استيعبنا."
كانت الكلمات كالسكاكين في قلب عادل، لكن الذي كان يؤلمه أكثر هو أن كمال، في هدوءه، كان يبدو وكأنه يملك كل الأجوبة، بينما هو كان غارقًا في التساؤلات.
". وسام تعبانة، مش قادرة تتنفس. محتاجة لدكتور، محتاجة مساعدة بسرعة دي حامل يابابا انا خايف عليها!" كان عادل يكاد يصرخ من ألم وقلق.
مسك رأس وسام بين يديه، قلبه يكاد ينفجر من الخوف، لكنه حاول أن يكون قويًا أمام كمال، على الرغم من أن قلبه كان يشهد أوقاتًا من الجحيم.
"وسام؟" قال كمال بصوت بارد،
ثم أضاف كما لو أن هذا الأمر جزء من سيناريو متفق عليه: "أنت مش عارف كل حاجة عن وسام، يا عادل. انا مش هعدي اللي حصل واكيد لينا كلام
أخذ عادل نفسًا عميقًا، ولكن قلبه كان يخفق بسرعة. عينيه كانت متوجهة إلى وسام، وهو يشعر أن كل شيء حوله كان يتحطم، أن علاقته السرية التي طالما حاول إخفاءها عن الجميع قد أصبحت مكشوفة، لكن في الوقت نفسه، كان غارقًا في جرح أكبر من هذا.
"ما حدش فاهم حاجة، ولا أنت، ولا هي، ولا حتى أنا. إحنا مش بس في علاقة سرية، ده الموضوع أكبر من كده. داليا عرفت. كانت عارف كل حاجة. كانت تعرف عن وسام... وده كله كان جزء من الخطة. وانت بقا عارف صح وكنت مخبي ليه اي دورك بقا ياكمال بيه المخرج مش كدا" صوته اهتز للحظة
في هذه اللحظة، نظر كمال إلى عادل بنظرة أكثر عمقًا، وكأن فكره يتسلل إلى أعماق نفسه:
"مش مضطر ابررلك سوا عارف او لا انت خبيت عني ودا اساس الموضوع بس ياريت نأجله اكيد لينا كلام
أضاف كمال بهدوء، وهو يواصل قيادته، لكن صوته كان يرن في رأس عادل مثل صاعقة:
"السر اللي إنت حاطه مع وسام، واللي بينك وبينها... ده مش هيخليها معاك، ولا هتقدر تنقذها من اللي جاي.."
عادل كان يربط أيدي وسام بهدوء، يلفها بشالها، بينما عينيه لا تفارق كمال، وفمه يظل مغلقًا كما لو أن الكلمات لم تخرج منه. داخله كان يصرخ، يعجز عن الرد على كمال، بينما هو يتساءل إذا كان كل شيء قد تم التلاعب به منذ البداية.
عمري ما كنت أعرف.دا .. كنت فاكر بنعيش في عالم بعيد عنك. لكن ده كله مجرد كابوس. لو كنت أعرف الحقيقة من البداية، كان ممكن أكون غير كده كنت عيشت وحبيت ومظلمتش وسام حقيقي صبرت عليا " هز عادل رأسه، وكأن الكلمات كانت تخرج منه بألم وحيرة.
لكن كمال، الذي كان لا يزال يسوق السيارة بثبات، رد عليه بعينين باردتين، كأن الأمور كلها قد تم تحديدها مسبقًا:
كله جاي ف السكة ياعادل كله جاي
في تلك اللحظة، كان عادل في دوامة، يحاول أن يتماسك، لكن الحياة كانت تخرج عن سيطرته.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️ في فيلا كمال
كان الجو في الفيلا مشحونًا بالكهرباء، وكأن الهواء يثقل كلما تبادلا الكلمات. عادل كان يحتضن وسام بإحكام، عينيه مشتعلة بمزيج من القلق والغضب، بينما كمال يقف أمامه بصلابة رجل لا تهزه الرياح، عينيه جامدة كأنهما نافذتان على أسرار لا تُروى.
عادل، بصوت يقطر تحديًا وحبًا لا يتزعزع:
"وسام مراتي... حامل في ابني. ومهما كان اللي في بالك، مش هسيبها. أنا وهيا مع بعض، ولو في حاجة جاية علينا... هنواجهها سوا."
كمال لم يتحرك، لكنه مال برأسه قليلًا كأنه يحاول قراءة وجه ابنه، أو ربما قلبه. نبرة صوته الهادئة كانت كسكين يقطع في الصمت:
"وأنت فاكر يا عادل إن الحب بس هو اللي هيحميها؟
عادل، وقد ارتفعت حرارة صوته، لكنه ظل ثابتًا كالصخر:
"الحقيقة الوحيدة هنا، يا كمال بيه، إنك بتدّعي القوة، لكنك عمرك ما فهمت القوة الحقيقية. القوة إنك تقف مع اللي بتحبه، مش إنك تحرك الناس زي قطع الشطرنج."
كمال ابتسم ابتسامة باهتة، عينيه مزيج من الغموض والإعجاب الخفي:
"عظيم. شايفك واقف قدامي بكل الثقة دي، لكن السؤال اللي بيطرح نفسه... هل تقدر تحميها لما الأمور تتعقد؟ لما يبدأ اللي مستنيكم؟"
اقترب عادل خطوة للأمام، حاملًا وسام التي كانت مغمى عليها بين ذراعيه، وصوته صار أشد حدة:
"هحميها بكل اللي أقدر عليه. حتى لو كنت أنت اللي هتقف قصادي. وسام مش لعبة في خططك ولا في حياتك. دي مراتي... وشريكتي. اللي انت فاكر إنك تقدر تسلبه مني، عمرك ما هتلمسه."
كمال ضحك ضحكة قصيرة لكنها باردة، ثم قال بهدوء أشبه بالريح التي تسبق العاصفة:
"تفتكر إيه اللي مخليك لحد دلوقتي ماسكها، ومش شايف إنها نقطة ضعفك؟ وسام مش مجرد زوجة أو أم... هي أكتر من كده في المعادلة دي، وأنا مش هقف متفرج لو الموضوع خرج عن السيطرة."
عادل صرخ بصوت مليء بالقوة والعاطفة:
"خرج عن السيطرة خرج عن السيطرة خرج عن السيطرة اييي؟ أنا الوحيد اللي يقرر ده! وسام مش نقطة ضعفي، وسام هي قوتي! ولو هتختبر ده... جرب توقف بينا."
كمال، وقد تغيرت ملامحه للحظة إلى تعبير لا يمكن تفسيره، همس:
"المعركة الحقيقية لسه ما بدأتش، يا عادل. لو قدرت تحافظ على كلامك ده للآخر، يمكن أشوفك بطريقة مختلفة."
عادل، وقد اختلطت في عينيه النار والدموع، شد على وسام بين ذراعيه وقال بنبرة قاطعة:
"ملكش حق تحكم عليا... ولا عليها. الحب اللي بيني وبين وسام مش حاجة ممكن تتحكم فيها بخططك. وهنشوف مين اللي هيفوز في النهاية، يا كمال بيه."
كمال تنهد ببطء، وأشار بيده إلى داخل الفيلا:
"دخّلها جوه. وهاتفضل الأيام الجاية تشوف بنفسك مين اللي هيقدر يصمد."
عادل خطى إلى الداخل، يحمل وسام بقلبه وروحه، لكنه التفت لحظة قبل أن يختفي من أمام كمال وقال بصلابة كأنها نقش على الصخر:
"الصمود مش للخطط الكبيرة، الصمود للقلوب اللي مش بتستسلم... وده اللي عمرك ما هتفهمه."
كان كمال واقفًا مكانه، كأن الزمن تجمد حوله، عينيه تتابعان عادل وهو يختفي داخل المنزل. وللحظة واحدة، لمح في ابنه نسخة من نفسه... لكنها أكثر إنسانية.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ف غرفة وسام
وسام مستلقية على السرير، شاحبة الوجه وعينيها مغمضتين. الغرفة مضاءة بإضاءة خافتة تُضفي جوًا من القلق. عادل واقف عند طرف السرير، ينظر إليها بعيون مليئة بالخوف والقلق، بينما كمال يقف بجوار الباب بنظرة غامضة. الطبيب جالس على كرسي بجوار السرير، يفحص نبض وسام ويستمع إلى دقات قلبها باستخدام السماعة الطبية.
الطبيب (بصوت هادئ لكنه جاد):
"الحالة مستقرة دلوقتي، لكن واضح إنها تعرضت لضغط نفسي كبير جدًا. ده انعكس على صحتها الجسدية، خصوصًا مع الحمل."
عادل (صوته متوتر وعينيه معلقة على وسام):
الجنين كويس يا دكتور؟ وسام مش في خطر، صح؟"
الطبيب (يُعيد السماعة إلى حقيبته وينظر إلى عادل بنبرة مطمئنة):
"الجنين بخير، لكن لازم تكونوا حذرين جدًا. وسام محتاجة راحة تامة، أي ضغط إضافي ممكن يعرضها هي أو الجنين للخطر. لازم تهتموا بحالتها النفسية زي ما تهتموا بصحتها الجسدية."
كمال (يتقدم بخطوة هادئة، صوته منخفض لكنه حاسم):
"يعني لو استريحت هنا، كل حاجة هتبقى تمام؟"
الطبيب (يهز رأسه موافقًا):
"أيوة، بس لازم تتابعوا حالتها معايا باستمرار. وأنا هكتب لها أدوية مهدئة بسيطة، ومكملات للحمل."
عادل (يقترب من السرير، يمسك يد وسام برفق وينظر إلى الطبيب):
"أنا اللي ههتم بيها. وسام مراتي ومسؤلة مني حياتها وحياة ابني في رقبتي."
كمال (نظرة غامضة وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيه):
"تمام يا عادل. شيل مسؤوليتك، بس خلي بالك... المواقف دي بتحتاج قوة أكتر من الكلام."
عادل (يلتفت إلى كمال بحدة،
نبرته تتحدى):
"وأنا قدها، ومش هسمح لأي حاجة تهدد حياتها أو حياة ابني. "
الطبيب (يقف وهو يغلق حقيبته):
"أنا كده خلصت الفحص، لو حصل أي حاجة غريبة أو لو حسيتوا إن حالتها النفسية بتسوء، اتصلوا بيا فورًا."
كمال (بهدوء):
"متشكر يا دكتور، أنا هوصلك."
عادل (وهو يُعيد النظر إلى وسام):
"أنا مش هتحرك من جنبها غير لما تبقى كويسة وترجع عينيها تفتح وتريح قلبي اللي كان هيقف من خوفي عليها انهردة
كمال (قبل أن يخرج مع الطبيب، يوجه نظرة طويلة إلى وسام، ثم إلى عادل):
"خلي بالك منها، يا عادل... كل خطوة ليها تمن، وتمنها كبير."
كمال يغادر الغرفة برفقة الطبيب، تاركًا عادل جالسًا بجانب وسام، يمسك يدها ويهمس لها بهدوء:
"وسام... فتحي عينك عجبك يعني حالتي كدا فوقي واصرخي عليا زي م متعودة تعملي معايا لكن سكوتك دا ورقدتك دي بتدمر كل طاقتي اومي يلا خليني اقولك كل الخطط اللي ف دماغي ليكي اوعدك انه الحاجة الوحيدة اللي تقدر تفرقنا دلوقت هي الموت وبس"
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ف مكتب كمال
كمال جالس على الكرسي الجانبي، ينظر إلى عادل الذي يقف أمامه في حالة من التوتر والقلق الممزوج بالامتنان. عادل يتنهد بعمق، ثم يرفع عينيه نحو كمال، وكأنه ينتظر أن يسمع منه كلمة حاسمة.
عادل (بصوت متردد ولكنه مليء بالمشاعر):
"أنا... عارف إنك يمكن مش موافق على كل اللي حصل، وإن وسام... وجودها هنا يمكن كان غريب وغير مرغوب فيه. بس أنا مش قادر أتخيل حياتي من غيرها،."
كمال (بنبرة هادئة ولكنها مشبعة بالمشاعر):
"عادل... طول عمري شايفك بتتصرف بحكمة، وبتقدر تتحمل المسؤولية. يمكن كنت قاسي عليك في حاجات كتير، بس ده كان علشان أشوفك واقف على رجلك، قوي، ومستعد لأي حاجة. والنهارده... لما شفتك بتكافح علشان وسام، وعينيك مليانة خوف عليها... أدركت حاجة مهمة."
عادل (ينظر إليه بدهشة):
"إيه؟"
كمال (يبتسم بخفة، ونبرة صوته تصبح أكثر دفئًا):
"إنك اخترت بقلبك. وأول مرة أشوفك بتحب بالشكل ده. حبك لوسام مش مجرد مشاعر... دي مسؤولية. وأقدر أشوف قد إيه هي مهمة بالنسبة لك."
عادل (عينيه تمتلئ بالدموع وهو يقترب من كمال):
"أنت مش غاضبان مني؟ مش شايفني خذلتك؟"
كمال (يقف بهدوء، يضع يده على كتف عادل):
"غاضب؟ بالعكس، يا عادل. أنا فخور بيك. فخور إنك وقفت قدامي، ودافعت عن حبك بالشكل ده. وسام تستاهل الراجل اللي يكون مستعد يضحي بأي حاجة علشانها. وأنا شايفك الرجل ده."
عادل (بابتسامة مشرقة لأول مرة منذ بداية الأزمة):
"شكراً، يا بابا والله، ما كنتش متخيل إنك هتفهمني بالطريقة دي. وسام هي كل حياتي، وأنا مش هسمح لأي حاجة تهدد حياتها أو حياة ابننا."
كمال (يحتضن عادل بقوة، وهو يربت على ظهره بحنان):
"عارف، وعلشان كده أنا معاك. أي حاجة تحتاجها، هتلاقيها. أنا هنا علشان أساندك، مش علشان أعارضك. وسام بقيت جزء من العيلة، وده شيء أنا مش هقف ضده."
عادل (يشد كمال إلى حضنه أكثر، ودموع الامتنان تلمع في عينيه):
"ربنا يخليك ليا يا بابا. عمري ما كنت هقدر أعدي اللي حصل ده من غيرك. شكراً لأنك دايماً في ضهري."
كمال (يبتسم برفق ويبتعد قليلاً لينظر في وجه عادل):
"ما تقلقش، يا ابني. المهم دلوقتي تركّز على وسام، وتخليها تحس بالأمان اللي بتدور عليه. وأي حاجة تحتاجها... أنا موجود."
عادل (يهز رأسه بثقة):
"هخليها سعيدة. وسام هتحس إنها في أمان لأول مرة في حياتها. ووعد مني، هكون الأب والأخ والزوج اللي تستحقه."
كمال (بصوت حنون):
"وأنا هنا علشان أشوفكوا كده. دلوقتي اطلع فوق، وكون جنبها. أنا هرتاح شوية."
عادل يبتسم بثقة، ويعانق كمال مرة أخيرة قبل أن يتوجه نحو غرفة وسام نظر كمال نظرة هادئة وهو يجلس مرة أخرى على الكرسي، وكأن قلبه يحمل مزيجًا من الحزن والرضا.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
في غرفة وسام
الغرفة مضاءة بضوء خافت ناعم، كأنها تعكس هدوء اللحظة التي طال انتظارها. عادل يدخل بخطوات ثابتة ولكن قلبه يخفق بشدة، وجهه يعكس القلق والحب. وسام مستلقية على السرير، يبدو عليها الضعف، لكن عينيها تتوهج حين ترى عادل يدخل. شعور بالأمان يغمرها رغم كل ما مرّ بهما.
يجلس عادل على حافة السرير، يمسك يدها برفق كأنها أثمن ما يملك، وينظر إليها بعينين ممتلئتين بالعاطفة.
عادل (بصوت عميق مليء بالإصرار):
"وسام... كنت بستنّى اللحظة دي. اللحظة اللي أشوفكِ فيها تفتحي عينيكِ تاني. كل لحظة كنت بعيد عنك كانت بتقتلني. إنتِ مش بس حياتي، إنتِ النَفس اللي باخده."
وسام (بصوت ضعيف ومتحشرج):
"عادل... كنت فاكرة إنك هتسيبني... إنك مش هتقدر تكمل معايا بعد كل اللي حصل."
عادل (يقترب أكثر ويمسك يدها بإحكام):
"وسام، انتي إزاي تفكري كده؟ أنا مش هسيبك، حتى لو العالم كله وقف قصادنا. أنا هنا علشانك، وعلشان ابننا اللي جاي. إحنا مررنا بحاجات كتير، بس ده مش معناه إننا هنستسلم. الحب بتاعنا أقوى من أي حاجة."
وسام (تتحرك قليلاً، تنظر إليه بدهشة):
"بس... كمال... داليا... كل حاجة اتلخبطت، عادل. خايفة من اللي جاي."
عادل (بنبرة قاطعة تحمل القوة):
"كمال؟ داليا؟ كل اللي حصل كان امتحان، وأنا اخترت. اخترتِك إنتِ. إنتِ الحقيقة الوحيدة في حياتي. وسام، لو عليا، هواجه العالم كله علشانك. كمال مش هيقدر يتحكم فينا تاني. وإحنا؟ إحنا هنبدأ حياتنا الجديدة."
وسام (صوتها يختنق بالدموع، تنظر إليه بخجل ودهشة):
"إزاي؟ يعني... إحنا مش مضطرين نستخبى؟"
عادل (بثقة):
"لا. مفيش حاجة تخوفنا تاني. بابا شاف اللي أنا شوفته فيكِ من الأول... قوتك، طيبتك، والحب اللي مفيش حد يقدر ينكره. واعترف... اعترف إنك تستحقي تكوني معايا، وإنك أميرة قلبي وحياتك معايا مش خيار."
وسام (تضع يدها على وجهها وتحاول كتم دموعها):
"أنا... مش مصدقة. كنت فاكرة إن النهاية قربت. كنت حاسة إني هضيع."
عادل (يمسك يديها برفق ويبعدها عن وجهها):
"مفيش نهاية وإحنا مع بعض. إحنا اللي بنقرر النهاية، وأنا قراري إنك تكوني معايا لآخر يوم في عمري."
وسام (تبتسم من بين دموعها، بصوت خافت):
"أنا ضعيفة... لكن معاك بحس إني أقوى."
عادل (يبتسم بحنان):
"ومش هخليكِ تضعفي أبدًا. وسام، أنا بحبك، حب مش كلام. حب معناه إني هكون الدرع اللي يحميكِ، والكتف اللي تتسندي عليه، والقلب اللي يحتضنكِ وقت ما العالم كله يقسى عليكِ."
وسام (تمد يديها لتعانقه، بصوت مرتعش):
"أنا... بحبك، عادل. بحبك أكتر مما كنت أقدر أوصف."
عادل (يضمها بحنان، يلمس رأسها ويقبل جبينها برقة):
"وأنا كمان... بس ممكن أقولك كلمة سر؟"
وسام (تبتسم بخجل، تهمس):
"إيه هي؟"
عادل (يقترب ويهمس في أذنها):
"كلمة السر هي... إنك انتي السر اللي بيخليني أكمل. صوتك، ضحكتك، وحتى سكوتك... كل حاجة فيكِ هي المفتاح لكل حاجة حلوة في حياتي."
وسام تبتسم بخجل وتدفن وجهها في صدره، بينما يربت عادل على رأسها بحب ودفء، كأنه يعاهدها بأن كل شيء سيكون بخير من الآن فصاعدًا.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ف مكتب عادل
الإضاءة خافتة، وكمال يجلس وحده خلف مكتبه، رأسه مائل إلى الخلف، وعيناه مثبتتان في السقف كأنه يبحث عن إجابات في الفراغ. بيده كوب قهوة لم يتذوقه. نظراته مليئة بالثقل والتردد، وكأن السنين تتراكم أمامه في لحظة واحدة. صمت يقطعه صوت الساعة المعلق على الحائط.
كمال (يتمتم لنفسه بصوت منخفض):
"الوقت جه... ماينفعش أهرب أكتر من كده. السنين اللي فاتت كانت كلها كذب... كذب من أجل الحماية... لكن هل حمايتي ليهم كانت صح؟ عادل... وسام... هما يستاهلوا يعرفوا؟ ولا أنا بكسرهم بالحقيقة؟"
(يقف فجأة، يمسك برأسه، ويبدأ في السير جيئة وذهابًا في الغرفة، وكأن الأفكار تطارده.)
كمال (بصوت عالٍ قليلاً، يضرب بيده سطح المكتب):
"كنت فاكر إن الوقت هيحل كل حاجة... كنت فاكر إن الحقيقة ممكن تموت معايا. لكن الحقيقة... عمرها ما بتختفي، مهما حاولنا نخبيها. وسام بنتي؟! بنتي من علاقة مستحيل حد يعرف عنها... وعادل؟! مش ابني؟! مش ابني
(يجلس ببطء، يدفن وجهه في يديه، ويتنهد بعمق. عينيه تغيم بالدموع، لكنه سرعان ما يرفع رأسه وكأن القرار اتخذ.)
كمال (يتمتم):
"لازم أقولهم... الحقيقة دايمًا بتوجع، بس الكذب بيدمر. وسام لازم تعرف مين تكون دا حقها... وعادل لازم يعرف إنه كان أعز عليا من روحي حتى لو مش ابني."
(يضرب جرس المكتب لاستدعاء أحد الخدم.)
كمال (بنبرة حازمة):
"خلي عادل وسام ييجوا هنا حالاً... عاوز أشوفهم."
(يخرج الخادم مسرعًا. كمال يقف أمام نافذة المكتب، ينظر إلى الخارج، والهدوء يلف الغرفة، لكن داخله عاصفة لا تهدأ. يضع يديه خلف ظهره، وكأن الأعباء التي حملها لسنين طويلة أصبحت أثقل الآن.)
كمال (بهمس):
"يا رب... سامحني على اللي هقوله... وسامحني على اللي خبّيته."
(يُسمع صوت خطوات عادل ووسام قادمين نحو المكتب، والباب يفتح. تتلاقى أنظارهم بكمال، الذي يبدو صلبًا من الخارج، لكنه هش من الداخل.)
(يتبع بمواجهة قوية، يُظهر فيها كمال حبه الكبير لعادل ووسام رغم الحقائق الصادمة التي يكشفها.)
يتبع
رواية عشق تحت القيود الحلقة 14
المكتب الفخم في قصر كمال.
الجو مشحون بالتوتر، وكأن الهواء نفسه يثقل على الأنفاس. ضوء خافت يتسلل من النافذة الكبيرة، والظلام بالخارج يلف المشهد بظلال من الغموض. كمال يقف خلف مكتبه، عيناه مرهقتان لكنه يحاول الحفاظ على هدوئه. عادل يقف أمامه، ملامحه تعكس غضبًا عارمًا، بينما وسام تقف على الطرف، وكأنها تبحث عن منفذ للهروب من هذا الكابوس.
عادل (غاضبًا، يهز رأسه بعدم تصديق):
قول الحقيقة يا كمال! كفاية ألغاز وكلام ناقص. أنا مين؟!
(كمال يشيح بنظره بعيدًا، يأخذ نفسًا عميقًا لكنه لا يتحدث. عادل يقترب منه بخطوات غاضبة.)
عادل (بصوت مرتفع):
اتكلم! أنا مش ابنك، مش كده؟
كمال (ينظر إليه بحزن):
الحقيقة مش سهلة يا عادل. بس لازم تسمعها دلوقتي... آه، مش ابني. مش من دمي لكن انا اللي ربيتك واحق واحد بيك
(عادل يتراجع خطوة للخلف وكأن الكلمات صفعة على وجهه، يضحك بسخرية مُرة، ثم يرفع يده بتوتر.)
عادل:
أنا كنت بحلم طول حياتي أبقى زيك! كنت شايفك القدوة... الأب المثالي.. بس لا انت متستاهلش الصورة اللي حطيتهالك ف دماغي
كمال (بصوت حزين لكنه حازم):
عادل، أنا بحبك. كنت دايمًا شايفك ابني... انت ابني والله ومكنتش هحبك الحب دا كله لو كنت بالفعل جاي من صلبي
(وسام تنظر إليهما في صدمة، تتحدث بصوت مرتعش وهي تتقدم بخطوة صغيرة للأمام.)
وسام:
أنا مش فاهمة حاجة... لو عادل مش ابنك... وأنا؟ أنا إيه في القصة دي؟
(كمال ينقل نظره بين وسام وعادل، يحاول استجماع كلماته، صوته يخرج متهدجًا.)
كمال:
وسام... أنتِ بنتي.
(وسام تتجمد في مكانها، نظراتها تتسع من الصدمة، تتراجع بخطوات بطيئة وهي تهز رأسها بلا.)
وسام:
بنتك؟ أنت بتقول إيه؟! اكيد لا في حاجة غلط مستحيل يكون انت ابويا ازاي امي عمرها م حكتلي عنك كنت فين وهي كانت بتموت كل يوم من الجوع والمرض كل م احاول اخليها تتكلم عنك تقولي انك خلاص صفحة واتقفلت وبطلت اسال عنها تاني قولي ازاي انت ابويااا ازاااي
عادل (بحدة وهو يلتفت نحو كمال)
وسام بنتك ازاي ياكمال؟
كمال (يحاول تهدئة عادل، يتحدث ببطء):
كنت بحاول أصلح غلطات الماضي.
وسام (مقاطعة بصوت عالي وغاضب):
ماضيك؟! ماضيك اللي دمر حياتنا؟! أمي لما ماتت كانت بتدعي عليك. أنت سبتها، سبتها فقيرة ومع بنتها الصغيرة، وكنت بتجري ورا نجاحك؟!
كمال (ينظر إليها بعينين دامعتين):
كنت شاب، كنت فاكر إن النجاح هو كل حاجة... كنت فاكر إن الحب ممكن يستنى. لما سبتها، كنت بجهز لحياة أكبر، بس رجعت لقيتها اختفت والله حاولت ادور عليها كتير بس مكنش ليها اي اثر
(وسام تضحك بسخرية مريرة، صوتها يرتفع وهي تقاطعه.)
وسام:
اختفت؟! كنت تعرف تدور عليها لو كنت عايز. كنت مشغول بنفسك، وسبتها تتحمل كل حاجة لوحدها!
(عادل ينظر إلى وسام ثم إلى كمال، الغضب يشتعل داخله.)
عادل:
وإحنا اللي دفعنا التمن! أنا كنت بلعب دور ابنك طول حياتي، ووسام عاشت حياة فقيرة وصعبة... وكل ده بسببك؟!
كمال (يرفع صوته بغضب لأول مرة):
اسمعوني! أنا ندمان على كل حاجة حصلت. عادل، أنت ابني في كل حاجة ما عدا الدم. ووسام... كنت بحاول أعوضك، بحاول أحميكي من بعيد.
(وسام تقاطعه بحدة، عيناها ممتلئتان بالدموع.)
وسام:
تحميني؟! تحميني بإني أعيش خدامة؟! تحميني بإني أشوفك من بعيد وأنت بتلعب دور الأب العظيم مع ناس تانية؟!
عادل (بصوت مكسور):
وكنت فاكر إنك الأب اللي بحلم أكون زيه... في الآخر طلعت مجرد اسم.
(كمال ينظر إليهما، ملامحه تنكسر تمامًا. وسام تنهار على الكرسي بجانبها، تغطي وجهها بيديها وهي تبكي. عادل يتراجع، ينظر إلى كمال بنظرة تحمل كل الغضب والانكسار قبل أن يستدير ليخرج.)
كمال (يصيح بصوت مكسور):
عادل! وسام! استنوا... أنا... أنا كنت بحاول أصلح، بس واضح إن الغلط أقوى مني.
(عادل يلتفت نحوه للحظة، يحدق فيه بنظرة باردة قبل أن يقول بهدوء مليء بالألم.)
عادل:
مفيش حاجة اتصلحت. كل حاجة اتحطمت وانا مش عايزة اشوفك تاني
(يخرج عادل بخطوات ثابتة، ووسام تنهض ببطء، تلقي نظرة أخيرة على كمال قبل أن تتبعه. يظل كمال واقفًا وحده في المكتب، يحدق في الفراغ وكأن العالم كله انهار من حوله.)
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
حديقة القصر.
ظلام دامس يلف المكان، كأن الكون كله تضامن مع الحزن. عادل يجلس على درج حجري، رأسه بين يديه، أنفاسه متقطعة، وعيناه محمرتان من البكاء. وسام تقف بعيدة، تحدق فيه بصمت، وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة، لكنها عاجزة.
وسام (بصوت مهتز):
طول حياتي كنت بقول لنفسي... يمكن في يوم ألاقي حد يشاركني همّي. بس بعد اللي عرفته النهارده، حاسة إن الدنيا ضاقت أكتر.
(عادل يرفع رأسه ببطء، ينظر إليها، عينيه مليئتان بالألم، لكن صوته يخرج مكسورًا.)
عادل:
وسام، أنا آسف... آسف لكل حاجة. يمكن حتى وجودي في حياتك كان غلط من البداية.
(وسام تهز رأسها بعنف، تتقدم نحوه بخطوات حازمة، وتصرخ فجأة بصوت مليء بالدموع المكبوتة.)
وسام:
غلط؟! وجودك مش غلط، ياحبيبي اللي عملوه فينا كان صدمة انا طول عمري كان نفسي اشوف ابويا متصورتش ابدا انه يكون كمال بيه
(عادل ينظر إليها بعجز، ثم ينهض واقفًا، يمرر يده على وجهه، وكأنه يحاول مسح كل شيء: الدموع، الألم، وحتى الذكريات.)
عادل (بصوت مرتعش):
وسام... أنا مش عارف أنا مين. أنا عشت حياتي كلها بدور على رضا كمال، على مكانة عنده. كنت فاكر نفسي قوي، فاكر إنني ابنه... لكن الحقيقة دي هدمتني انا مش ابنه ياوسام مش ابنه ياوساااام اااااه.
وسام (بحدة):
حب أمي وسبها تموت فقيرة؟ بس عارف إيه الفرق؟ إحنا اللي قدامنا طريق، هما لا. إحنا ممكن نختار دلوقت عن زمان انا مش عايزة حاجة غيرك والحقيقة دي مش فارقالي صدقني
(عادل ينظر إليها وكأنه يحاول استيعاب كلماتها. يقف صامتًا للحظة، ثم ينهار فجأة على ركبتيه.)
عادل (ببكاء مكتوم):
وسام... أنا تعبت. كل حاجة كنت ببنيها اتهدمت دلوقت قصاد عيني مش قادر اقاوم الحقيقة انا قلبي واجعني وزعلان اوي زعلان اوي ياوسام
(وسام تنزل على ركبتيها بجواره، تمسك بوجهه بكلتا يديها وتجبره على النظر إليها. عيناها تملؤهما الدموع، لكنها تتحدث بقوة لم تكن تظن أنها تملكها.)
وسام:
عادل، بصلي. بصلي كويس. إحنا الاتنين مكسورين، مظلومين، بس إحنا مع بعض. فاهم؟ مع بعض. مش هنخلي الماضي يحبسنا ارجوك فوق وخليك قوي عشان خاطري
(عادل ينظر إليها، عيناه تفيض بالدموع، لكنه يشعر ببعض الراحة لأول مرة. يمسك يديها بحذر وكأنهما حبل نجاة.)
عادل:
بس وسام... أنا خايف. خايف إن كل اللي فات يطاردنا الماضى مش من السهل يتنسي انا بحبه بس مجروح منه اوي
وسام (بحزم):
هيطاردنا، أكيد. بس لازم نعيش حياه مختلفة ونبني مستقبل جديد وانت هتساعدني ع دا
(عادل يهز رأسه ببطء، وكأنه يبدأ في تصديق كلماتها. يمسح دموعه بيده، ثم ينظر إلى وسام بابتسامة خافتة مليئة بالألم والأمل.)
عادل:
لازم حقك تاخديه لازم تعيشي ف العالم اللي تستحقي تكوني فيه هنحارب الدنيا وايدي ف ايدك
(وسام تبتسم له رغم الدموع التي لا تزال تنهمر على وجهها. تجلس بجواره، تسند رأسها على كتفه بصمت. يبقى الاثنان جالسين في الظلام، يواجهان معًا فوضى حياتهما، لكنهما يجدان في بعضهما ملجأً جديدًا.)
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
في مكتب كمال المظلم
، كانت أوراقه مبعثرة على المكتب أمامه، لكنه لم يكن يرى إلا الورقة التي امسك بها بيد مرتجفة. كانت ورقة تحليل الحمض النووي التي غيّرت مجرى حياته. كان يحدق فيها وكأنها لعنة حلت عليه. الكلمات التي قرأها جعلت قلبه يتوقف للحظة، وصوته لم يكن سوى همسات غير مسموعة.
"عادل مش ابني..."، هكذا كانت الجملة التي لم يستطع أن يهرب منها. الجملة التي طالما شك فيها، ولكن كان قلبه ينفيها طوال الوقت، كان يرفض أن يصدقها، لأنه كان يحب عادل كأب. كيف؟ كيف يمكن أن يكون هذا الحلم الذي عاش فيه كل تلك السنوات مجرد كذبة؟
كمال أغلق عينيه للحظة وكأنما يحاول أن يهرب من نفسه. في تلك اللحظة، لم يكن يفكر في أي شيء آخر سوى الصورة التي تتراكم في ذهنه. كان يراه صغيرًا، يقف بجانبه في كل مناسبة، كل خطوة كانت بمثابة ذكرى جميلة. كان عادل ابنه في كل شيء، في روحه، في قلبه، حتى في عينيه التي رأى فيها نفسه. لكن الآن... كانت الحقيقة تقتحمه، تفرض نفسها عليه.
تذكر اليوم الذي دخل فيه المستشفى ليكتشف أن الطفل الذي بين يديه لم يكن طفله. تذكر كيف دارت الحياة من حوله وكأنها متاهة لا مخرج لها. الطبيب أمامه، عينيه لا تستطيع تصديق ما يسمع. لم تكن كلماته سوى صدمة جديدة له.
"التحاليل أثبتت أنه ليس ابنك، السيد كمال."
كانت لحظة سكون، وقتها لم يكن يعرف كيف يواجه الحقيقة، كيف يخبر نفسه أن كل شيء كان خدعة. كيف يعترف أنه في يوم من الأيام كان يظن أن هذا الطفل هو فلذة كبده، وأنه قدم له كل ما يملك، وكل ما في قلبه؟
كمال شعر وكأن الحياة قد توقفت فجأة، وكان يمر أمام عينيه شريط ذكرياته، كل لحظة، كل ضحكة، كل مرة كان يحتضن فيها عادل وهو صغير. كان في كل تلك اللحظات يظن أنه يعانق ابنه، ويعده بمستقبل أفضل، بمستقبل مليء بالحب. لكنه الآن، في تلك اللحظة، لم يعد يعرف من هو، ولم يعد يعرف أي شيء.
تذكر اليوم الذي جاء فيه إلى البيت، وهو يرى عادل يلعب في الحديقة. كان صغيرًا جدًا، يركض نحو كمال وهو يضحك بصوت عالٍ، يرفع يده ليعانقه. كان يشعر حينها كأنه ملك العالم. "بابا، بابا!"، كانت الكلمة التي تُذيب قلبه كل مرة، كانت الكلمة التي كانت تعني له كل شيء. كان يرددها في كل لحظة يشعر فيها بالضعف، وكان يكمل طريقه بقوة لأنه كان يعتقد أن عادل هو سبب وجوده في هذه الدنيا.
لكن الآن، كل شيء انهار. حتى هذه اللحظة التي عاش فيها كأب، كانت مجرد حلم مزيف. الحقيقة كشفت نفسها أمامه فجأة، وكأنها عاصفة محطمة لآماله. كيف يواجهها الآن؟ كيف يواجه أنه أحب شخصًا لم يكن له؟ كيف يواجه فقدان الأمل الذي كان يعشعش في قلبه لسنوات؟
وفي لحظة ضعف، تذكر زوجته السابقة. تذكر كيف خنته، كيف كانت تخونه مع رجل آخر. كانت هذه الحقيقة التي دفعته للشك في كل شيء، لكنه اختار أن يغض الطرف عنها، حتى لا يكسر قلبه. لكنه الآن، لا يستطيع الهروب من نفسه. لا يستطيع أن يهرب من حقيقة لا مفر منها.
"لو كنت اعرف من البداية، لو كنت اعرف..."، كانت أفكار كمال تتوالى في رأسه، وهو يشعر وكأنها شفرات تقطع قلبه. لم يكن يعلم كيف يمكنه إصلاح كل شيء. كيف يعيد ترتيب حياته التي دمرتها الحقيقة.
وأخيرًا، تذكر لحظة أخرى، عندما كان يقف في الحديقة، يشاهد عادل وهو صغير، وكان يقول له في سرّه، "إنت ابني مهما حصل. هفضل أحبك زي ما بحبك " هذا كان وعده له، حتى لو كان هذا الوعد مجرد سراب.
لكن كمال اليوم اكتشف أنه كان يصدق كذبة، كان يصدق ما كان يريد أن يصدقه. والآن، لن يبقى له إلا الحطام.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
كان كمال جالسًا في مكتبه، ملامح وجهه تحمل تعب السنين التي مرّت. المكان كان مظلمًا، لكن ضوء خافت كان يتسلل من خلال النافذة، وكأن الزمن نفسه قد توقف. أصابعه كانت تتلاعب بكأس فارغ أمامه، وهو غارق في أفكاره، كل شيء في داخله كان يغلي كالنار التي لا يستطيع إطفاءها.
وفجأة، سمع صوته في عقله، صوت الأيام التي مضت، التي كانت تبدو عادية في ذلك الحين. ولكن الآن، كل شيء قد تغيّر.
كمال (يتنهد، يحاول تذكر الماضي): "إزاي كانت حياتي كلها غارقة في الأكاذيب؟ إزاي ما شفتش اللي كان قدامي؟"
عقله رجع للذكريات القديمة. لحظة واحدة كانت كفيلة بتغيير كل شيء، عندما قرر أن يدخل وسام في حياة عادل. في تلك اللحظة، لم يكن يعرف شيئًا عن الحقيقة التي كانت مخفية عنه، ولم يكن لديه أدنى فكرة أن ما يفعله سيقوده لاكتشاف أكبر صدمة في حياته.
الفلاش باك:
وسام دخلت البيوتي سنتر لتعمل مع عادل. كان كمال يرى فيها فرصة لها، فرصة لتبني مستقبلها بعيدًا عن الفقر، لتحصل على مكانتها بين الناس. وكان يعرف أن عادل ليس غريبًا عنها، وكان يظن أن هذا سيساعدهما على التقرب أكثر.
كمال (في الفلاش باك، يتحدث مع نفسه): "ممكن يكون ده خير ليها، وربنا يقدرها وتعيش حياة أفضل من اللي هي فيه انا معرفش ليه بعمل كدا بس لازم عادل يعيش حياه مختلفة وسام هتقدر تخليه يعرف يعبر عن نفسه ويدافع عن حبه وكرامته
لكن في أعماقه كان هناك شيء غامض، شعور غير واضح. كان يأمل أن تكون هذه بداية جديدة لها. لم يكن يعرف لماذا وضعها في طريق عادل، لكنه كان يشعر أن هذا هو الصواب كان يشعر بمشاعر غامضة تجاها. حتى جاءه الخبر الذي هزّ كيانه.
فلاش باك آخر:
اتصل به رجل غريب، لا يعرفه. كان الصوت غريبًا والنبرة مشوشة، كأن الرجل يعلم سرًا مخفيًا ويريد كشفه.
الرجل الغريب (في المكالمة): "أنت مش عارف الحقيقة اللي مخبيها عنك... الحكاية مش زي ما أنت فاكر."
لم يكن هناك وقت للتفكير. الرجل أرسل له الأوراق، وتحاليل الحمض النووي، كأنها المفتاح لسر كان مخفيًا عنه. وعندما شاهد تلك الأوراق، شعر أن العالم كله قد توقف أمامه.
كمال (يتنفس بصعوبة، وهو يراقب الأوراق): "مستحيل... ده مش ممكن... وسام؟ دي بنتي؟"
كان قلبه يتوقف، لم يستطع تصديق ما يراه. كانت وسام، التي دخلها في حياة عادل بكل بساطة، هي ابنته الحقيقية. كان يحاول فهم كيف حدث هذا، كيف كان غافلًا عن الحقيقة طوال تلك الفترة.
كمال (ينخفض رأسه، بصوت مكسور): "أنا... أنا كنت عايش في وهم. كنت فاكرها واحدة عادية. إزاي ما حسيتش؟ إزاي؟"
أغمض عينيه، ودموعه بدأت تتجمع في عينيه. كان الألم يعتصر قلبه. طوال تلك السنين، كان يعيش مع ابنته دون أن يعرف، وكل شيء بينهما كان يبدو غريبًا، كأنه ليس له. كانت وسام، وبقية حياته كانت غامضة ومضطربة.
كمال (بصوت متأثر، وهو ينظر إلى الفراغ): "يا ريتني كنت عرفت من الأول. يا ريتني كنت جنبك. يا ريتني كنت الأب اللي محتاجاه."
كان يشعر أنه فاته الكثير، وأنه ضيّع فرصًا كثيرة. ليس فقط مع وسام، ولكن مع نفسه أيضًا. كان يشعر بالندم، لأنه لو كان قد عرف الحقيقة في وقت مبكر، كان بإمكانه أن يكون جزءًا من حياة وسام، كان بإمكانه أن يكون الأب الذي كانت تحتاجه.
كمال (يحاول جمع شتات نفسه، وعينيه مليئة بالحزن): "كنت بقول لنفسي إني بعاملها كويس، إني عايز لها الخير، لكن الحقيقة طلعت مرة اوي
كمال (يتنهد بعمق، ويرتشف من كأسه، ثم يتحدث بصوت منخفض): "ليه ما فهمتش؟ إزاي كنتي عايش معايا طول الوقت؟ كنتي شايفك قدامي، ومن غير ما أعرف، كنتي جزء من دمي... يا وسام، لو كنت عرفت، كنت هكون جنبك من الأول."
في لحظة، بدأ يشعر بمرارة كبيرة، مرارة كانت تتغلغل في قلبه. كان يشعر أنه كان في حلم طويل، عايشه مع ابنة ضاعت منه قبل أن يعرف حقيقتها.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
: غرفة عادل ووسام
ف غرفة وسام وعادل
الغرفة ثقيلة بالألم، وكأن الهواء نفسه يختنق. عادل ووسام يقفان متباعدين، وكل منهما يهرب بعينيه من الآخر. كمال يقف بينهما، جسده متهالك وروحه تبدو وكأنها تحترق من الداخل. يحاول التحدث، لكن الكلمات تخونه للحظات قبل أن يستجمع شجاعته.
كمال (بصوت مبحوح، مفعم بالندم):
"أنا مش هلاقي كلمات تكفي... بس كل اللي كنت بحاول أعمله هو أحميكم. يمكن ما كنتش أب مثالي، يمكن أخطأت كتير، لكن كان قلبي دايمًا مليان بيكم. كنت خايف عليكم من الحقيقة، خايف تكرهون بعض أو تكرهوني أنا."
عادل (بصوت مكسور، لكن لا يخفي غضبه):
"أب بتحب ولاده ما يخبيش عنهم حاجات زي دي! إحنا مش مجرد ناس جمعتهم ظروف، إحنا عيلة... كان المفروض نكون أقوى مع بعض، مش كل واحد عايش في كذبة!"
وسام (تمسح دموعها سريعًا، لكنها تتحدث بصوت خافت):
"كنت بحس إنك الأمان الوحيد في حياتي... كنت أب بالنسبالي حتى قبل ما أعرف أي حاجة. لكن دلوقتي؟ الحقيقة دي كسرتني."
كمال (يتقدم بخطوات متثاقلة، ينظر إليهما بعينين مليئتين بالأسى):
"أنا كنت دايمًا شايف فيكم قوتي... عادل، كنت فاكر إنك هتبقى الحامي لمراتك، وإنك هتشيل الحمل اللي معرفتش أشيله. ووسام، وجودك كان نور في حياتي، النور اللي رجّعني أعيش من تاني. عمري ما قصدت أجرحكم، ولا يوم فكرت أكون سبب في وجعكم."
عادل (يشيح بنظره بعيدًا، صوته يرتجف):
"وجعنا أكبر من إنك تصلحه بكلام، بابا... إحنا اتدمرنا، كلنا."
كمال (يمد يده إلى عادل، يضعها على كتفه برفق):
"أنا مش هنا عشان أبرر، عادل. أنا هنا عشان أقولك إني ندمان... بس كمان عشان أقولك إنك ابني، وإن قلبي مش ممكن يتحمل إنه يخسرك. أنا مستعد أعمل أي حاجة، أتحمل أي حاجة، بس متبعدش عني."
وسام (تنظر إلى كمال بعينين تملؤهما الدموع):
"وانا ازاي اقدر اهرب من الحقيقة دي
كمال (يقترب منها، يضع يده على رأسها بحنان):
"وسام، انتي ما كنتيش كذبة، انتي الحقيقة الوحيدة اللي كانت بتخليني أقاوم. حتى وأنا مش قادر أقول الحقيقة، كنت بشوف فيكي كل حاجة حلوة فقدتها. أنا عايزك تعرفي إنك بنتي، وإنه لو في حاجة في حياتي أقدر أصلحها، هتبقى علاقتي بيكم."
عادل (ينظر إلى وسام وكأن الألم يوحّدهما):
"أنا عارف إننا كنا في ألم كبير... بس هل إحنا نقدر نصلّح ده؟"
كمال (يتنهد، ينظر إليهما وكأن قلبه ينكسر):
"مش لوحدي... إحنا عيلة، لو هنصلح ده، لازم نعمله مع بعض. أنا محتاجكم زي ما انتوا محتاجينني."
وسام (بصوت خافت):
"بس إحنا خسرنا كتير... أنا خايفة يا بابا."
كمال (يحني رأسه وهو يكاد يبكي):
"وأنا خايف أكتر. خايف أعيش من غيركم. بس الخوف مش هيوقفنا، اللي هيوقفنا هو إننا نستسلم."
لحظة صمت، ثم فجأة يسقط كمال على الأرض.
عادل ووسام يهرولان نحوه، الخوف يوحّدهما لأول مرة منذ زمن طويل.
عادل (يرتجف وهو يحاول إيقاظه):
"بابا! رد عليا... مش وقتك تسيبنا!"
وسام (تصرخ وهي تحاول مساعدته):
"بابا، لا... أرجوك، فوق! إحنا محتاجينك!"
المشهد يعود إلى الوراء، قبل لحظات...
قبل حدوث هذا الانهيار، كان كمال يتذكر اللحظة التي جعلته يقبل أن تدخل وسام حياتهم. كانت داليا هي التي لعبت دورًا كبيرًا في ذلك القرار. في البداية، كانت تبرر لدخول وسام كخادمة في بيتهم بأنها فرصة لها لتحسن حياتها. كانت داليا متأكدة أن وسام ستساعدها في الحفاظ على عادل بعيدًا عن المشاكل التي كانت تزعزع حياتهم.
داليا (بحيلة واضحة، أثناء حديثها مع كمال): "دي فرصة ليها، كمال. لو ساعدناها، هتكون في مكان أفضل وتحت عنينا
لكن الحقيقة أن داليا كانت تخطط لخطف قلب عادل بيدها، وعملت على تجنب أي مفاجآت قد تخرج الأمور عن السيطرة. لم يكن كمال يعرف أن داليا كانت تخفي سرًا أكبر وأنها كانت تدير الأمور خلف الكواليس.
كمال (في نفسه، قبل معرفته بالحقيقة): "ممكن ده يكون خير ليها، وربنا يقدرها وتعيش حياة كويسة."
لكن عندما جاءه الخبر المفاجئ، اكتشف أن داليا كانت قد خططت لكل شيء، بما في ذلك أن وسام هي ابنة كمال الحقيقية، وأنه قد تم دفعه ليخوض هذه اللعبة من دون أن يعرف الحقيقة المدمرة وداليا ارادت تستخدم وسام لكي تضغط ع كمال
كمال (ينخفض رأسه، بصوت مكسور): "أنا... أنا كنت عايش في وهم. كنت فاكرها واحدة عادية. إزاي ما حسيتش؟ إزاي؟"
وفي لحظة، بدأ يشعر بمرارة كبيرة، مرارة كانت تتغلغل في قلبه. كان يشعر أنه كان في حلم طويل، عايشه مع ابنة ضاعت منه قبل أن يعرف حقيقتها.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
المستشفى – طريق الألم
كان الصمت مخيفًا وهما يجلسان في سيارة الإسعاف. وسام تُمسك بيد والدها الممدد على النقالة، وكأنها تحاول منعه من الغياب أكثر. كلما لمحت شحوب وجهه، كانت دموعها تسبقها، لكن صوت صافرات الإسعاف العالي كان يُخرس كل شيء داخلهما.
وسام (بصوت يختلط بالبكاء):
"بابا... لو سمعتني، أرجوك ما تسبناش... إحنا لسه محتاجينك طول عمري نفسي اقولها ليه تحرمني منها بسرعة كدا !"
عادل، الجالس بجانبها، يضع يده على كتفها، محاولًا أن يُثبِّتها. لكنه، هو الآخر، يحاول أن يمنع قلبه من الانهيار. عيناه محمرتان ووجهه جامد، إلا أن كل ملامحه تصرخ بخوفه.
عادل (بصوت خافت ومكسور):
"هيكون كويس يا وسام... لازم نفضل أقوياء عشانه هو اكيد سامعنا وحاسس بينا هو بس يمكن زعلان بس احنا سامحناه ع كل اللي حصل واول م يقوم هناخده ف حضننا وكل اللي حصل هنرميه ورا ضهرنا."
لكنه لم يكن يؤمن بكلماته، وكأنها مجرد محاولة بائسة للتماسك.
الوصول إلى المستشفى
اندفعت النقالة عبر الممر الطويل، وأبواب الطوارئ تُفتح أمامهم واحدة تلو الأخرى. وسام وعادل يركضان خلف الأطباء، قلبيهما يسبقان خطواتهما، وعيناهما تلاحقان كمال الذي بدا وكأنه يبتعد عنهما أكثر فأكثر.
حين أغلق الأطباء الأبواب أمام غرفة الطوارئ، وقفا مشدوهين. وسام تُمسك بيدها المقفلة الباب، وكأنها تريد اقتحامه.
د
وسام (تصيح بانهيار):
"افتحوا! ده بابا! متسيبونيش برا... متسبوش لوحده!"
عادل (يمسك بها ويحاول سحبها):
"وسام، اهدي! لازم نسيبهم يعملوا شغلهم... ده عشان مصلحته."
تتراجع وسام ببطء، لكنها تنهار على الأرض، واضعة رأسها بين يديها. عادل يجلس بجانبها، يضع يده على كتفها ويحاول أن يخفف عنها، رغم أن قلبه ينهار بصمت.
وسام (ترفع رأسها، تنظر إلى عادل بعينين مليئتين بالدموع):
"إحنا اتأخرنا عليه، ياعادل. طول عمره بيشيل كل حاجة لوحده، ودايمًا ساكت. ماعرفناش إمتى كان بيتوجع اوي كدا صدمتنا خليناه نهمله ونقسى عليه."
عادل (يحاول التماسك لكنه يفشل، وصوته يرتجف):
"كنت فاكر إنه قوي... إن بابا مبيتكسرش. بس الحقيقة... إننا اللي كنا ضعاف، وما شوفناهوش ياوسام ربنا يسترها."
غرفة الانتظار – لحظات ثقيلة
ساعات مرت وكأنها دهور. وسام تجلس على أحد المقاعد، يديها متشابكتان وتهتزان بعصبية، تنظر إلى الباب المغلق وكأنها تنتظر أن يخرج معجزة. عادل يتحرك جيئة وذهابًا، يحاول السيطرة على خوفه، لكنه فشل حين أتى الطبيب.
الطبيب (نظراته جادة، وصوته يحمل ثقل الحقيقة):
"كمال دخل في غيبوبة. حالته غير مستقرة، وإحنا هنعمل كل اللي نقدر عليه... بس محتاجين نكون صريحين: الوضع صعب."
كان الكلام كصفعة على وجهيهما. وسام تجمدت في مكانها، وعينيها اتسعتا من الصدمة، ثم فجأة، انفجرت بالبكاء.
وسام (تصيح وهي تنهض من مكانها):
"غيبوبة؟ يعني إيه؟ يعني إحنا مش هنعرف نتكلم معاه تاني؟ مش هنقول له إننا أسفين؟!"
عادل، الذي حاول أن يتمالك نفسه طيلة الوقت، لم يتحمل أكثر. جذب وسام إلى صدره بقوة، ودموعه تساقطت بصمت.
عادل (يهمس بصوت مختنق):
"مش هنفقده يا وسام... بابا هيقوم، لازم يقوم. إحنا مش هنتخلى عنه."
وسام تبكي بحرقة في حضنه، وعادل يُحاول أن يهدئها رغم أنه يُصارع ألمه الخاص. في تلك اللحظة، كل الخلافات والمشاعر المتضاربة بينهما تلاشت، ليبقى فقط خوفهما على الشخص الذي كان دائمًا مركز عالمهما.
وسام (بصوت متقطع):
"عادل، أنا خايفة... مش عارفة أعيش من غيره."
عادل (يُمسك بوجهها ويجبرها على النظر إليه):
"هيقوم ياوسام دا وعد مني ليكي مش هنسيبه والله"
(ظلو ف احضان بعضهم البعض بينما الطبيب يُراقبهما من بعيد، ملامحه تعكس شفقة ممزوجة بالقلق)..