رواية قيود العشق ج2
الفصل الثامن عشر 18 والتاسع عشر 19
بقلم دعاء احمد
في كافيه هادية - زين وتميم قاعدين على ترابيزة جنب الحيطة
زين شكله متوتر شوية، وتميم باصص له بنظرات حادة وهو مشدود بعد ما عرف إن سيليا لسه عايشة. الجو مليان غضب وتوتر.
تميم (بعصبية):
زين، إزاي كنت عارف إنها عايشة ومقلتش؟ إزاي قدرت تخبي عليا الموضوع ده؟
زين (بياخد نفس ويحاول يهدي):
تميم، اسمعني الأول. أنا مكنتش متأكد في الأول، ومكنتش عايز أعمل دوشة أو أقول حاجة تأذيك من غير دليل.
تميم (مقاطعًا بصوت عالي):
"مكنتش متأكد"؟! سيليا بالنسبة لي أختي الصغيرة. أنا دفنتها بإيدي! ودلوقتي بتقول إنها عايشة وأنت ساكت طول الوقت ده؟
زين (بحزم وهو بيحاول يبرر):
متعليش صوتك عليا يا تميم. أنا مقدر غضبك، ولو كنت مكانك كنت هحس بنفس الحاجة. بس كنت محتاج وقت أتأكد. خليني أشرح.
تميم (بيضرب الترابيزة بإيده):
اتكلم!
زين (بيبدأ بهدوء):
أول مرة شفتها كان في شغل ميداني. مكنتش عارف هي مين. كانت واقفة قدام بيتها، غضبانة وبتزعق عشان جوزها اللي عرفت إنه بيخونها. ساعتها الموضوع كان شكله مشاكل عادية، لكن مكنتش رابط بينها وبين سيليا اللي كنتوا فاكرين إنها ماتت.
تميم (ساخر):
والمرة التانية؟
زين:
المرة التانية كانت مختلفة. شوفتها بالصدفة في مول. كان في حاجة في شكلها مألوفة. بدأت أشك، خصوصًا لما لاحظت ارتباكها لما شافتني وحاولت تهرب.
تميم (بنبرة أهدى شوية، لكن الغضب باين في عينيه):
وبعدين عملت إيه؟
زين:
بدأت أتحرى وطلبت من أدهم إنه يدور ورا الموضوع. وبعد شوية بحث، اتأكدنا إنها هي. الصدمة كانت كبيرة بالنسبة لي.
تميم (بضيق عينيه، بنبرة مشككة):
وإيه اللي عملته بعد ما تأكدت؟
زين (بصراحة):
روحت قابلت واحدة اسمها ليلى. هي اللي أنقذتها وخبتها طول السنين دي. ليلى دي عمتك يا تميم. أخت أبوك وعمك فؤاد.
تميم (غاضب جدًا):
ليلى؟! عمة مين؟ إحنا معندناش عمة اسمها ليلى!
زين:
عارف إن الموضوع صادم، بس الحقيقة إنها أخت أبوك. هي وابنها رائد أنقذوا سيليا لما كنتوا فاكرين إنها ماتت.
تميم (بيتعصب أكتر وبيقوم فجأة):
إزاي تعمل كده؟ وإزاي تخبي الحقيقة دي؟
زين (بيقوم وراه، بيحاول يهديه):
تميم، اسمعني! أنا مقصدتش أخبي حاجة بنية وحشة. كنت محتاج وقت أفهم القصة كلها. مكنش ينفع أقولك حاجة ناقصة.
تميم (بياخد نفس عميق وهو بيحاول يسيطر على غضبه):
زين، دي مش مسألة وقت. دي أمانة. كان لازم تقولي من أول لحظة.
زين (بيحط إيده على كتف تميم):
عارف إنك زعلان، وحقك. بس دلوقتي اللي فات مات. المهم دلوقتي إننا نفكر إزاي نرجّع سيليا لأهلها ونصلح اللي اتكسر.
تميم (بيرجع يقعد وباين عليه إنه سرحان):
ليلى... عمة؟ وسيليا عايشة؟ الموضوع كبير عليا يا زين. بس عندك حق. لازم نبدأ نصلح كل حاجة.
زين بيبتسم بهدوء، وتميم بيبص بعيد وهو غرقان في التفكير. واضح إنه قرر يبدأ خطواته عشان يرجع سيليا لمكانها الطبيعي بين أهلها
******************
في منزل ليلى ، سيليا قاعدة على الكنبة في غرفة المعيشة، بتحاول تذاكر لكنها مشغولة بأولادها الصغيرين، و ريان معاها ،راحوا معا بعض عشان يذاكرلها ،
ريان (بنبرة مترددة):
سيليا... ممكن أتكلم معاكي؟
سيليا (بتسيب الكتاب وبتبص له):
خير يا ريان؟ شكلك مش طبيعي.
ريان (بياخد نفس عميق وبيقعد قدامها):
أنا... أنا محتاج أقولك حاجة، بس أرجوكي تسمعيني للآخر.
سيليا (بتشد حواجبها باستغراب):
إيه اللي حصل؟ أنت عملت إيه؟
ريان (بصوت هادي ومحاول يثبت نفسه):
يوسف... يوسف عرف الحقيقة.
سيليا (بتقوم بسرعة وهي مصدومة):
إيه؟! إزاي؟ مش إحنا اتفقنا إنك مش هتقول لحد؟
ريان (بحزن وندم):
ما قلتلوش، هو اللي ضغط عليا. يوسف مش غبي و له عبيط، لاحظ إني متوتر وفضل يسألني ويزن عليا. حاولت أتهرب، حاولت بجد، بس في الآخر انهارت واعترفت.
سيليا (بتتكلم بصوت عالي وبغضب):
إزاي يا ريان؟ إزاي تعمل كده؟ أنا وثقت فيك! إنت وعدتني!
ريان (بيقف ويحاول يهدّيها):
عارف إني غلطان، وعارف إني خيّبت ظنك. بس يوسف مش هيعمل حاجة تضرّك، وعدني إنه مش هيقول لحد.
سيليا (بتضحك بسخرية):
وعدك؟ زي ما أنت وعدتني؟ أنا دلوقتي مش عارفة أصدق مين ولا أعمل إيه.
ريان (بحزن):
سيليا، أنا آسف بجد. كان لازم أكون أقوى، بس... يوسف أخوكي برضو. هو زيي، ندمان على كل حاجة حصلت.
سيليا (بتلف وشها عنه وهي بتحاول تهدي نفسها):
مش كفاية الندم دلوقتي يا ريان. أنا مش جاهزة أواجههم، ومش عارفة أتعامل مع الوضع ده.
ريان (بيقرب منها):
أنا هنا عشانك، وسيليا، يوسف مش هيخونك. هو فعلاً عايز يصلح كل حاجة.
سيليا (بتهز رأسها وهي مش مقتنعة):
أنا مش عارفة أصدق ده دلوقتي. سيبني أفكر.
ريان (بنبرة ندم):
أنا فعلاً آسف، وأوعدك إني مش هسمح لحد تاني يعرف من غير إذنك.
سيليا بتلف وشها بعيد، مش قادرة ترد عليه، ريان مش قادر يبصلها
**********************
في شركة البحيري ، أحمد جالس على مكتبه، منهمك في العمل. فجأة، تُفتح الباب دون استئذان، وتدخل سمر بابتسامة مصطنعة وملامح واثقة. أحمد يرفع نظره ليجدها أمامه، وعيناه تمتلئان بالاشمئزاز.
أحمد (بنبرة حادة):
إيه اللي جابك هنا يا سمر؟
سمر (بنبرة ناعمة ومتصنعة):
وحشتني يا أحمد. قلت أجي أشوفك، يمكن نبدأ صفحة جديدة.
أحمد (بيرمي القلم بعصبية وبيقف):
صفحة جديدة؟ إنتي بتهزري؟ بعد كل اللي عملتيه، جاية بكل بجاحة تطلبي ده؟
سمر (بتتكلم بثقة وكأنها مش سامعة كلامه):
أحمد، ده كان زمان. كلنا بنغلط. وبعدين، فاكر الأيام الحلوة اللي قضيناها مع بعض؟
أحمد (بيرد بحدة):
أيام حلوة؟ إنتي بتستعبطي؟ إنتي كنتي السبب في تدمير أختي، تدمير عيلتي، وجاية دلوقتي تتكلمي عن أيام حلوة؟
سمر (بتضحك بسخرية):
تدمير عيلتك؟ ده عشانكم كنتوا أغبياء وصدقتوا كل حاجة بسهولة. أنا مالي؟
أحمد (بيقرب منها وعينيه مليانة غضب):
إنتي مالك؟ إنتي اللي زرعتي الشك فينا، إنتي اللي لعبتي على مشاعرنا وسممتي دماغنا ضد سيليا.
سمر (بتهز كتفيها بلا مبالاة):
كنت صغيرة ومتهورة. وبعدين، ليه الموضوع كبير كده؟ دي حياتكم مشيت بعدها، مش كده؟
أحمد (بصوت عالي وغاضب):
حياتنا مشيت؟ إنتي عندك فكرة إحنا مرينا بإيه بسبب كذبك؟ إنتي دمرت أختي، دمرت ثقتي في كل حاجة، وجاية دلوقتي بكل برود كأنك ما عملتيش حاجة؟ و اختي تحت التراب دلوقتي بسببك يا هانم ، انتي مش مستوعبة حجم المشكلة و الكارثة اللي عملتيها؟؟
سمر (بتحاول تلمس إيده بإغراء):
أحمد، أنا هنا عشان أصلح كل حاجة. ليه مش بتدي نفسك فرصة؟
أحمد (بيسحب إيده بسرعة وبنبرة اشمئزاز):
مش هديكي ولا نفسي أي فرصة. إنتي بالنسبة لي ماضي أسود، وجودك هنا بيخليني أتأكد إنك عمرك ما هتتغيري.
سمر (بابتسامة مستفزة):
أنت كده بتقاوم بس، أحمد. بس في الآخر هترجع لي، عارف ليه؟ لأن مفيش حد هيحبك زيي.
أحمد (بيقفل الملف اللي كان بيشتغل عليه بعصبية):
لا سمر، مفيش حد هيكرهك زيي. إنتي مجرد ذكرى قذرة بحاول أنساها. وأظن المفروض تمشي دلوقتي قبل ما أفقد أعصابي اكتر و اعمل فيكي جريمة دلوقتي
سمر (ببرود وابتسامة ساخرة):
زي ما تحب، بس أنا هفضل موجودة. هتشوف.
تخرج سمر من المكتب بخطوات واثقة، بينما أحمد يقف مكانه، يحاول يسيطر على أعصابه. بعد ما تقفل الباب، يضرب مكتبه بيده وهو بيكتم غضبه
*********************
على الناحية الاخرى ، مراد جالس على كرسيه، يراجع بعض الملفات. فجأة تُفتح الباب وتدخل شاهي بدون استئذان، بابتسامة متصنعة ونظرة مغرية. مراد يرفع نظره إليها ببرود.
مراد (بهدوء وبرود):
فيه حاجة يا شاهي؟
شاهي (بتتكلم بنبرة دلال مصطنعة):
مش معقول يا مراد، دايماً رسمي كده معايا؟ جيت أشوفك، قلت يمكن نتكلم شوية ونغير جو.
مراد (بيرجع بظهره على الكرسي وبيبصلها ببرود):
نتكلم؟ عن إيه بالظبط؟
شاهي (بتقرب بخطواتها وبتجلس على الكرسي قدامه):
عن أي حاجة. عنك، عن حياتك، عن اللي مضايقك... أهو نفضفض.
مراد (بنبرة جافة):
ما فيش حاجة مضايقاني، وبصراحة مش محتاج أفضفض مع حد بالخصوص أنتي
شاهي (بتحاول تضحك بلطافة):
يا مراد، أنا مش زي سمر، أنا مختلفة عنها. فاكرني زيها؟
مراد (بلهجة حادة):
أيوة، فاكر إنك زيها بالظبط. صاحبتها الروح بالروح، وشبهها في كل حاجة.
شاهي (بصوت متصنع ومندهش):
مراد! أنا مش زيها، سمر غلطت، لكن أنا جاية هنا عشان أقولك إني دايماً معجبة بيك، ومن زمان قوي.
مراد (بيقطع كلامها بسرعة):
معجبة؟ شاهي، أنا مش مهتم، لا بيكي ولا بأي حاجة ليها علاقة بيكي.
شاهي (بتحاول تستميله):
ليه دايماً بتصدني كده؟ يمكن لو حاولت تشوفني بجد، تتغير نظرتك ليا.
مراد (بصوت قوي وحازم):
وأنا مش مهتم أحاول. إنتي وسمر، نفس الأسلوب، نفس التصرفات، ونفس الطمع و نفس الهدف ، وأنا مش عايز أشوفك هنا تاني.
شاهي (بتحاول تستفزه بابتسامة):
أنت بتقاوم بس، مراد. عارف؟ أنا هفضل أحاول.
مراد (بيشاور على الباب):
لو كنتي فعلاً بتعرفي حدودك، دلوقتي تخرجي من مكتبي. وإلا مش هسكت و انده للأمن يطلعوكي بره
شاهي بتقوم ببطء، تخرج وهي بتضحك بسخرية، ومراد بيرجع يركز على شغله، وعينه مليانة استياء
**********************
في مطار القاهرة الدولي ،جاد وجيسي واقفان ينتظران وصول زيزي. جاد يبدو عليه الضيق من الموقف، بينما جيسي متحمسة وهي تحمل باقة ورد صغيرة. تظهر زيزي مرتدية ملابس فاخرة وتقترب منهما بخطوات واثقة وابتسامة واسعة.
زيزي (بصوت مرح):
جاد! جيسي! وحشتوني أوي!
جيسي تحتضن زيزي بحرارة، بينما جاد يكتفي بهزة رأس وجملة مقتضبة.
جاد (ببرود):
أهلاً، أخبارك؟
زيزي (تتحدث بنبرة دلال مصطنعة):
أنا تمام لما شوفتكم! خصوصاً إنت يا جاد، إيه الحلاوة دي كلها؟ شكلك زي ما هو، يمكن أحلى كمان.
جيسي (تضحك بخبث):
جاد دايماً كده، مفيش جديد.
جاد يتجاهل تعليق زيزي ويدير وجهه للباب للخروج، لكن زيزي تمسك بذراعه برفق.
زيزي (بدلال):
استنى شوية، إيه الاستعجال ده؟ كنت لسه عايزة أعرف أخبارك.
جاد (بنبرة ضجر):
زي ما إنتِ شايفة، الشغل، الحياة... كلها عادية.
زيزي (بتبتسم بسخرية):
آه طبعاً، عادية قوي لما تكون متجوز واحدة زي... اسمها إيه؟ آه، سيليا.
جيسي (تضحك بخبث):
آه، الزوجة المثالية اللي ما حدش طايقها.
جاد (بتأفف):
سيليا؟ ما تتكلميش عنها. العلاقة بيننا انتهت خلاص، وده أحسن شيء حصل لي.
زيزي (تضحك بتعليق لاذع):
طبعاً أحسن حاجة، كنت دايماً مستغرب إزاي واحد زيك يقبل بواحدة زيها. أكيد غلطت غلطة عمرك.
جاد (يهز رأسه):
ما كانتش غلطة، كانت كابوس. بس خلاص، الموضوع انتهى.
زيزي (بنبرة خبث):
طيب، عايز رأيي؟ إنت تستحق حد يفهمك، يعرف يعيش معاك. مش حد تقليدي وكئيب زي... سيليا.
جيسي (تبتسم بخبث):
بالضبط، حد يعرف يقدّر إن جاد مش مجرد زوج، دا جاد حكاية!
جاد (بنبرة حاسمة):
كفاية بقى الكلام ده، مش ناقص نقاشات عن موضوع منتهي. خلونا نخرج من هنا.
زيزي تبتسم بثقة وتنظر إلى جيسي وكأنها تؤكد أنها ستظل تحاول، بينما جاد يتقدم إلى الأمام متجاهلاً تصرفاتهما
*********************
في فيلا ليلى الألفي ، سيليا تجلس على الأريكة في حالة غضب، وعيونها ممتلئة بالدموع، بينما ريان يقف أمامها مرتبكًا يحاول تهدئتها.
سيليا (بنبرة عتاب وغضب):
إنت وعدتني، ريان! قلت مش هتقول لأي حد، ليه كسرت وعدك؟
ريان (يتنهد ويحاول التبرير):
سيليا، والله ما كان قصدي. يوسف ضغط عليا، لاحظ إني متوتر وكل شوية يسألني... ما قدرتش أتحمل.
سيليا (تصيح بغضب):
يعني أول ما الأمور تبقى صعبة شوية تخون ثقتي؟ أنا كنت فاكرة إنك الوحيد اللي ممكن أثق فيه، ريان!
ريان (يتوسل):
أنا آسف، سيليا. بس يوسف يستاهل يعرف. هو أخونا برضه، وندمان على كل اللي حصل.
سيليا (تهز رأسها بحزن):
ندمان؟ الندم مش هيرجع اللي ضاع. أنا ميتة بالنسبة لكم من زمان، ليه دلوقتي عايزين يعرفوا الحقيقة؟
ريان ينظر إلى الأرض بصمت، لا يجد ما يقوله. فجأة يرن جرس الباب. سيليا تلتفت نحو الباب بقلق.
سيليا (بقلق):
مين ده؟
ريان (بهمس):
يوسف...
سيليا تحدق فيه بصدمة، صوتها ينخفض كأنه لا تصدق.
سيليا:
إنت... إنت بعتله العنوان؟
ريان (يحاول تهدئتها):
سيليا، هو بس عايز يشوفك...
سيليا (بغضب):
إزاي تعمل كده؟ إزاي؟
يطرق الباب مرة أخرى. سيليا تبتعد بسرعة نحو إحدى الزوايا، تضع يديها على وجهها محاولة تهدئة نفسها. ريان يتجه لفتح الباب ببطء. يظهر يوسف واقفًا أمام الباب، وجهه يعكس مزيجًا من القلق والحزن.
يوسف (بصوت مختنق):
سيليا...
سيليا تتجمد في مكانها عندما تسمع صوته. تلتفت ببطء لتنظر إليه، عيناها تفيض بالدموع. يوسف يقترب منها بحذر، وكأن أي خطوة قد تجعلها تهرب.
يوسف (يتوسل):
سيليا، أرجوكي... سامحيني.
سيليا تنهار بالبكاء فجأة، وتغطي وجهها بيديها. يوسف يقترب منها بسرعة ويمسك بكتفيها بلطف.
يوسف (بصوت مكسور):
أنا آسف، أنا... أنا غلطت، ما كنتش أستحق أكون أخوكي.
سيليا تسقط في أحضانه، تبكي بشدة وكأن سنوات الألم تنفجر في تلك اللحظة. يوسف يضمها بقوة، ودموعه تنهمر على وجهه، يربت على رأسها بحنان وحزن.
يوسف (يبكي):
سامحيني، يا سيليا... والله ندمان على كل لحظة.
ريان يقف بعيدًا، يشاهد المشهد وعيناه تلمعان بالدموع، بينما سيليا ويوسف يستسلمان لدموعهما في عناق طويل مليء بالحزن والندم.
فصل 19
داخل فيلا ليلى الألفي ، سيليا لا تزال تبكي في أحضان يوسف، الذي يضمها بقوة وكأنها قد تضيع منه مرة أخرى يحاول أن يتحدث، لكن صوته مكسور من البكاء
يوسف (بدموع وتوسل):
سيليا، أرجوكي... سامحيني. أنا كنت أعمى، ما شفتش الحقيقة... ما صدقتش اللي كان المفروض أصدقه.
سيليا تحاول التحدث وسط بكائها، لكنها لا تستطيع. يوسف يمسك بيديها، ينظر في عينيها، وصوته مليء بالندم
يوسف (بإلحاح):
كل يوم كنت بدعي ربنا يغفر لي، وكنت بقول يا ريت أرجع بالزمن وأصلح اللي عملته. بس الزمن ما بيرجعش، سيليا... اللي فاضل هو إنك تسامحيني.
سيليا (بصوت مكسور):
يوسف... إنت عارف قد إيه وجعتوني؟ إزاي كلكم صدقتوا إني ممكن أعمل حاجة زي دي؟
يوسف (يمسك بكتفيها برفق):
عارف، عارف إننا ظلمناكي... وأكتر واحد أنا. كنت المفروض أكون أخوكي اللي يحميكي، مش اللي يشك فيكي. أنا ما أستاهلش إنك حتى تسمعي كلامي... بس بترجاكي تسامحيني.
ريان، الذي كان واقفًا بعيدًا، ينفجر بالبكاء بصوت مكتوم. يقترب منهما وينحني بجانب سيليا، يمسك بيدها.
ريان (بدموع):
سيليا، أنا كمان غلطت... سامحينا، إحنا كنا وحشين، كنا ظالمين.
سيليا تنظر إليهما، دموعها تتدفق بلا توقف. تتذكر سنوات الألم والوحدة، لكنها ترى الندم الحقيقي في عيونهما. تأخذ نفسًا عميقًا وتحاول التحدث.
سيليا (بصوت مرتعش):
يوسف... ريان... أنا...
تتوقف للحظة، ثم تمد يدها لتلمس وجنة يوسف بلطف.
سيليا:
سامحتك، يا يوسف. سامحتك لأنك أخويا، ولأن الوجع اللي جوايا مش هيقل غير لما أسامحكم.
يوسف ينفجر بالبكاء مرة أخرى، يحتضنها بقوة.
يوسف (يبكي):
شكرا... شكرا، يا سيليا. والله عمري ما هنسى إنك سامحتيني.
ريان ينحني ويضمها هو الآخر، والبكاء يسيطر على الجميع. لحظة صمت مليئة بالمشاعر، فقط أصوات بكائهم تُسمع.
ريان (بدموع):
سيليا... مش هنسيبك تاني. هتفضلي وسطنا ومعانا طول العمر.
سيليا تهز رأسها بإيجاب، وهي لا تزال تبكي، لكن دموعها هذه المرة ممزوجة ببعض الراحة التي افتقدتها لسنوات
**********************
سيليا ما زالت في أحضان يوسف، ودموعها تبلل كتفه. ريان يقف بجوارهما، يمسح دموعه بصمت. فجأة، يسمعون صوت خطوات صغيرة، غير ثابتة، على الأرضية الرخامية. يتوقف الجميع عن البكاء، ويلتفتون نحو مصدر الصوت.
لينا، تظهر وهي تمشي بتعثر، تحمل دميتها الصغيرة بإحدى يديها، وتحاول أن تصل إلى والدتها.
يوسف (باندهاش):
لينا؟... هي دي لينا اللي كنت بشوفها في الصور؟
سيليا تبتسم ابتسامة صغيرة لكنها متعبة، ثم تمسح دموعها بسرعة وتحاول الوقوف لاستقبال طفلتها
سيليا (برقة):
آه... دي لينا، حبيبتي الصغيرة.
يوسف ينظر إلى لينا بدهشة، ثم ينزل على ركبتيه ليكون في مستوى نظرها. الطفلة تقترب بخطوات متعثرة، تضحك ضحكتها البريئة
يوسف (بصوت هادئ):
تعالي هنا... تعالي عند خالك يا أميرة.
لينا تتوقف للحظة، تنظر إليه بفضول، ثم تواصل المشي نحو سيليا. تصل إلى والدتها، وتسحب طرف فستانها لتلفت انتباهها
سيليا (تضحك بخفة):
إيه يا لينا؟ جيتي دلوقتي علشان تشوفي خالك؟
يوسف يمد يديه نحو الطفلة بحذر
يوسف (بصوت مليء بالعاطفة):
ممكن أشيلها؟
سيليا تنظر إليه للحظة، ثم تومئ برأسها موافقة. يوسف يحمل لينا بين ذراعيه بحذر، وكأنه يحمل كنزًا ثمينًا
يوسف (بهمس):
يا رباه... شبهك يا سيليا. دي جميلة زيك.
لينا، التي لا تفهم شيئًا، تضحك بصوت عالٍ، وتمسك بأنف يوسف بخفة. يوسف يبتسم، ودموعه تتجمع مجددًا في عينيه
يوسف (ينظر إلى سيليا):
سيليا... أنا مش هسامح نفسي أبدًا على اللي فات. مش بس ظلمتك... ده أنا كنت بعيد عن حاجات زي دي، عن عيلتك، عن بنتك.
ريان (يضحك بخفة):
لينا كسبت خال جديد النهارده.
سيليا تنظر إلى يوسف ولينا، ثم تقترب وتلمس خد طفلتها بحنان.
سيليا (بصوت دافئ):
لينا مش بس بنتي... دي بداية حياتي الجديدة. والنهارده، يمكن نبدأ صفحة جديدة كلنا.
يوسف يقبل جبين لينا بخفة، ثم ينظر إلى سيليا بابتسامة مليئة بالامتنان.
يوسف:
إن شاء الله يا سيليا... إن شاء الله
**********************
يوسف يجلس على الأريكة، واضعًا لينا على ركبتيه، يلعب معها بخفة. سيليا تجلس بجانبه، تبدو أكثر هدوءًا بعد اللقاء العاطفي. ريان يقف بجانب النافذة، ينظر إلى المشهد بابتسامة خفيفة، لكن فجأة يتحول وجه يوسف إلى الجدية.
يوسف (بنبرة جادة):
سيليا... في حاجة لازم أتكلم معاكي فيها.
سيليا (تنظر إليه بتوجس):
في إيه يا يوسف؟
يوسف (ينظر إلى ريان):
ريان قالي عن جاد... عن اللي بيعمله معاكي.
سيليا تشحب ملامحها، وتخفض نظرها نحو الأرض.
سيليا (بصوت متردد):
يوسف... الموضوع ده مالوش داعي دلوقتي.
يوسف (بحزم):
إزاي مالوش داعي، سيليا؟! جاد المفروض يبقى زوجك... وأبو ولادك. هو بدل ما يحميكي ويكون سندك، بيهملك وبيكره ولاده؟
ريان يتقدم بخطوة، يحاول التخفيف من حدة الحوار.
ريان (بلطف):
يوسف... سيليا مش ناقصة ضغط أكتر. إحنا هنا عشان نساندها، مش نزيد عليها.
يوسف (بغضب مكبوت):
ريان، أنا مش هسكت على الموضوع ده. خمس سنين وهي متجوزاه، وخلال الفترة دي كلها بيهينها ويخونها؟ لا... جاد لازم يتحاسب.
سيليا (بصوت ضعيف):
يوسف، أرجوك... أنا متفقة مع جاد على الطلاق. الموضوع خلاص بينتهي.
يوسف ينظر إليها بذهول.
يوسف:
طلاق؟! يعني هو قرر يسيبك بعد كل اللي عمله؟
سيليا (بهدوء):
لأ... أنا اللي طلبت الطلاق. أنا تعبت، يوسف. تعبت من إهماله، من كرهه ليا ولأولادي... مفيش حاجة تربطني بيه غير الورق.
يوسف (بغضب):
وأنا مش هسيبه. مش هسيب واحد زي ده يفلت كده بسهولة بعد اللي عمله.
ريان يحاول التدخل مرة أخرى.
ريان:
يوسف، الموضوع مش بالسهولة دي. جاد عنده نفوذ وشغله قوي... ممكن يقلب الموضوع ضدنا.
يوسف (بصرامة):
نفوذه مش هيمنعه لما أقف قدامه. ده متجوزها وهي لسه طفلة عندها 17 سنة، وبعدين يعاملها بالشكل ده؟ دي مش رجولة.
سيليا تمسك يد يوسف، تحاول تهدئته.
سيليا (برقة):
يوسف... أرجوك، سيب الموضوع لي أنا. الطلاق خلاص قريب، وأنا عايزة أعيش بهدوء بعد اللي عديت بيه.
يوسف (بحنان):
سيليا... إنتي أختي الصغيرة، وأنا مش هقف أتفرج تاني. اللي عمله فيكي وفي أولادك مش هعديه بالساهل.
سيليا تبتسم بخفة، لكن الخوف يظهر في عينيها.
سيليا (بتوسل):
بس، يوسف... أوعدني إنك مش هتعمل حاجة تتهور فيها. أنا مش عايزة مشاكل أكتر.
يوسف (يأخذ نفسًا عميقًا):
ماشي... أوعدك إن مفيش حاجة هتحصل دلوقتي. بس صدقيني، يا سيليا... جاد هياخد جزاءه، بالطريقة اللي يستحقها.
ريان ينظر إلى يوسف بسيطرة هادئة، لكن القلق يسيطر على وجهه.
ريان:
يوسف، إحنا هنقف مع سيليا في أي حاجة تختارها، بس لازم نفكر بعقل.
يوسف يومئ برأسه ببطء، لكنه ينظر إلى لينا التي تبتسم ببراءة في حضنه، وكأنه يقرر في داخله أنه لن يترك الأمور كما هي
********************
بعد فترة قصيرة ، يوسف لا زال يحمل لينا التي تضحك وتلعب في حضنه. سيليا تجلس بجانبه تنظر بحذر إلى يوسف، بينما ريان يقف بجانب النافذة يراقب الشارع. فجأة يُفتح الباب، ويدخل رائد وهو يحمل حقيبة صغيرة بيد، وفي اليد الأخرى يمسك بيد زياد ومازن، اللذين يدخلان وهما يركضان نحو الداخل.
رائد (ينادي بحيوية):
رجعنالكوا... الحضانة كانت زحمة جدًا النهارده!
يتوقف فجأة عندما يلمح يوسف جالسًا، عيونه تضيق بحدة ويميل رأسه قليلاً، متسائلاً.
رائد (بنبرة حذرة):
مين ده؟
يوسف ينظر إلى رائد بارتباك واضح، ثم ينقل نظره إلى ريان.
يوسف (يشير إلى رائد):
مين ده؟
ريان يضع يده على جبينه بتوتر.
ريان:
آه... لحظة، لحظة. رائد، ده يوسف... أخويا الكبير. يوسف، ده رائد... ابن عمتنا ليلى.
رائد يصدم للحظة، ملامحه تصبح متصلبة، ويخطو خطوة إلى الأمام.
رائد (بدهشة):
أخوها الكبير؟ يعني... ده يوسف؟
يوسف يقف من مكانه، يضع لينا على الأريكة برفق، وينظر إلى رائد بتساؤل.
يوسف (بحدة لكن بنبرة محترمة):
أيوة، وأنا عايز أفهم إنت مين بظبط؟
رائد (يرد بسرعة):
أنا ابن ليلى... عمتك.
يوسف يفتح عينيه على مصراعيهما، ويبدو وكأن صدمة جديدة تسقط عليه.
يوسف:
عمة مين؟ إحنا معندناش عمة اسمها ليلى.
سيليا (بتردد):
يوسف... في حاجات كتير متعرفهاش. ليلى هي أخت بابا اللي محدش كان يعرف عنها حاجة... وهي اللي أنقذتني.
يوسف يبدو مذهولًا، لكنه لا يتكلم. فجأة، يقترب زياد ومازن ببطء، ينظران إلى يوسف بحذر.
زياد (بصوت طفولي):
مين ده؟
مازن (يتمسك بيد رائد):
رائد... مين الراجل ده؟
يوسف ينحني ليصبح في مستوى الأطفال، يبتسم بخفة ليخفف توترهم.
يوسف:
أنا... أنا خالكم يا زياد ومازن.
زياد ومازن ينظران إلى بعضهما البعض بذهول، ثم يركضان نحوه بابتسامة واسعة.
زياد (بفرح):
إنت خالنا؟ بجد؟
مازن:
يعني زي خالو ريان ؟
يوسف (يضحك ويحتضنهما):
أيوة... زي ريان بالضبط.
سيليا تنظر إلى المشهد بعيون ممتلئة بالدموع، بينما رائد يقف بجانب الباب، ينظر إلى يوسف بحذر لكنه يتنفس بعمق، محاولًا استيعاب الموقف.
رائد (يخاطب سيليا):
واضح إن في كلام كتير لازم يتقال... بس مش هنا.
سيليا (بابتسامة خفيفة):
عارفة يا رائد... عارفة.
يوسف يحمل زياد ومازن، ويلعب معهما بحب واضح، بينما سيليا تراقب المشهد بمزيج من الحزن والفرح
***********************
سيليا، يوسف، رائد و ريان يجلسون في الغرفة. زياد ومازن يلعبان مع لينا في زاوية الغرفة، بينما يوسف يتحدث مع سيليا ويضحك على ذكريات قديمة. رائد يجلس في الزاوية الأخرى، ملامحه جامدة ومستاءة، لكنه لا يظهر استياءه. فجأة، يُفتح الباب وتدخل ليلى تحمل أكياس تسوق، لكنها تتوقف فجأة عندما ترى يوسف.
ليلى (بدهشة):
يوسف؟!
يوسف ينظر إلى ليلى، يحدق فيها للحظات، ثم يقف ببطء. عينيه تمتلئان بالدهشة.
يوسف (بصوت خافت):
...إنتِ؟
ليلى (تقترب بخطوات مترددة):
إنت... ابن فؤاد؟ يوسف؟
يوسف يهز رأسه ببطء، وكأنه يستوعب الحقيقة تدريجيًا.
يوسف (بصوت مرتجف):
عمة ليلى... إنتِ فعلاً موجودة؟
ليلى تبتسم ابتسامة حزينة، تضع الأكياس على الطاولة، وتنظر إليه مطولاً.
ليلى (بهدوء):
أيوة يا يوسف... موجودة.
يوسف ينظر إلى سيليا، ثم إلى ليلى، وكأن الأسئلة تتراكم في ذهنه.
يوسف:
بس... ليه؟ ليه طول السنين دي ما حدش كان عارف عنك حاجة؟ وليه سيليا كانت عندك؟
ليلى تنظر إلى سيليا، ثم تأخذ نفسًا عميقًا.
ليلى (بحزن):
دي حكاية طويلة اوي، ظلموني زي ما ظلمتوا سيليا
يوسف يخفض رأسه، يشعر بالعار والندم، بينما سيليا تضع يدها على كتف ليلى محاولة تهدئتها.
سيليا:
عمة ليلى... يوسف ما كانش يعرف. محدش كان يعرف... وهو هنا علشان يتأسف.
يوسف (يرفع رأسه):
فعلاً يا عمة. أنا ما كنتش أعرف عنك حاجة، وما كنتش أعرف إنك كنتي الملجأ الوحيد لسيليا. بس أنا هنا علشان أصلح الغلط اللي عملناه... لو لسه في مجال.
ليلى تنظر إلى يوسف بتمعن للحظة، ثم تهز رأسها بخفة.
ليلى (بهدوء):
مش بسهولة كده يا يوسف. اللي عملتوه في سيليا كان كابوس... ولسه شايلة جواها ألم السنين دي كلها.
يوسف يقترب بخطوة نحو ليلى، عينيه ممتلئتان بالندم.
يوسف:
عارف.... أنا مستعد أعمل أي حاجة علشان أعوض سيليا... وعلشان أثبت إننا ندمنا بجد.
ليلى تنظر إلى سيليا، التي تبتسم بخفة وتومئ برأسها. ثم تتنهد ليلى ببطء، وكأنها تقبل وجود يوسف في حياتهم.
ليلى (بصوت منخفض):
هنشوف يا يوسف... الزمن هو اللي هيحكم.
رائد ينظر إلى الحوار بصمت، ملامحه ما زالت جامدة، لكنه يختلس النظر إلى سيليا التي تبتسم بخفة، وكأنه يحاول فهم قرارها بمسامحة عائلتها.
تتبادل ليلى النظرات مع يوسف ، بينما سيليا تجلس في الوسط، تحاول أن تكون الجسر بين الماضي والمستقبل
***********************
الجميع يجلس في صمت بعد الحوار الأول. ليلى تأخذ نفسًا عميقًا، ترفع رأسها وتنظر إلى سيليا، يوسف، وريان.
ليلى (بهدوء):
كنتم دايمًا بتسألوا ليه أنا بعيدة عنكم؟ ليه ماحدش يعرفني؟ الوقت جه علشان تعرفوا الحقيقة.
يوسف ينظر إليها بترقب، وريان يضع يده على كتف سيليا ليواسيها، بينما رائد يجلس في زاوية الغرفة، يراقب بصمت.
ليلى:
جدكم... والد فؤاد وجليل... كان شخص عنيد. لكن في نفس الوقت، كان بيهرب من أي حاجة مش على مزاجه.
يوسف (بحذر):
إيه اللي حصل؟
ليلى (بحزن):
جدكم كان متجوز جدتكم... اللي خلف منها فؤاد وجليل. لكن حياتهم مع بعض كانت مليانة مشاكل. وبدل ما يواجهها، اختار الهروب. ساب جدتكم، وراح اتجوز واحدة تانية... والدتي.
ريان يفتح عينيه بدهشة، بينما سيليا تضع يدها على فمها.
ريان:
يعني... إحنا وإنتي من نفس الجد؟
ليلى (تومئ برأسها):
أيوة، أنا عمتكم... أخت فؤاد وجليل من أبوكم.
يوسف ينظر إلى الأرض، يحاول استيعاب الكلام.
يوسف:
طب... ليه ماحدش كان يعرف ده؟
ليلى (بمرارة):
لأن لما جدكم رجع لجدتكم، قرر ينسى كل حاجة عن والدتي... وعن وجودي. كانت بالنسبة له نزوة. سابها وهي حامل... ورجع لبيته الأول.
صمت ثقيل يملأ الغرفة، وسيليا تمسح دموعها بخفة.
سيليا (بصوت منخفض):
يعني... عشتي كل الألم ده لوحدك و احنا منعرفش
ليلى (تبتسم ابتسامة حزينة):
أنا ما كنتش لوحدي. كان عندي زاهر ابو رائد و ابني رائد ومن يوم ما أنقذت سيليا، بقت هي بنتي التانية.
رائد ينظر إلى ليلى بعيون مليئة بالغضب المكتوم.
رائد (بصوت هادئ لكنه حاد):
وبالرغم من ده كله، العيلة دي دايمًا بتعيد نفس الأخطاء. زي ما سابوكي زمان، عملوا نفس الشيء مع سيليا.
يوسف يخفض رأسه، يشعر بالخجل. ريان يحاول التحدث لكنه يتراجع.
ليلى (تنظر إلى رائد):
رائد... هما هنا علشان يصلحوا اللي فات.
رائد (بجفاء):
اللي فات؟ اللي فات كان سنين من الألم والندم اللي مستحيل يتعوضوا بسهولة.
سيليا تضع يدها على ذراع رائد، تحاول تهدئته.
سيليا (برفق):
رائد... هما غلطوا، وأنا سامحتهم. ده اللي مهم دلوقتي.
رائد (ينظر إليها):
سامحتيهم بسرعة أوي، سيليا. بس يمكن لأنك نسيتي كل اللي عدتي فيه.
ليلى تتدخل بحزم، تقطع التوتر المتزايد.
ليلى:
رائد، كفاية. الغضب مش هيغير الماضي. لازم نركز على المستقبل... نصلح اللي نقدر عليه.
يوسف يرفع رأسه، عينيه ممتلئتان بالندم.
يوسف (بصوت منخفض):
أنا مش عارف أقول إيه... بس كل كلمة بتقولها صحيحة، رائد. إحنا أخطأنا، وأنا مستعد أعمل أي حاجة علشان أثبت إننا ندمنا بجد.
رائد ينظر إليه بصمت، ثم يهز رأسه بخفة دون أن يقول شيئًا. المشهد ينتهي بتبادل نظرات حزينة بين الجميع، بينما يسيطر الصمت على الغرفة
**********************
في مقر للمخابرات ، تميم يجلس على كرسيه، يضع رأسه بين يديه. المكتب هادئ، والساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل. أمامه تقارير مفتوحة لكنه لا يقرأ أي شيء، وعينيه مثبتتان على نقطة غير مرئية في الأفق.
تميم (بهمس لنفسه):
سيليا... معقولة؟ كل ده كان كذب؟ كل الألم والندم اللي عيشناه... كانت حية طول الوقت؟
يتنهد بقوة، يدفع الكرسي للخلف وينهض. يبدأ في المشي ببطء في مكتبه، يمرر يده على وجهه بعصبية.
تميم (يكلم نفسه):
زين... زين عرف وسكت؟ ليه؟ كان مفروض يقولي على طول... بس... هل أنا جاهز أقابلها؟
يتوقف فجأة أمام النافذة، ينظر إلى المدينة المظلمة، أضواء الشوارع الخافتة تضفي جوًا كئيبًا على المشهد.
تميم (يهمس):
ست سنين... ست سنين وأنا فاكر إنها ماتت. ست سنين وأنا فاكر إننا السبب في موتها.
صوت طرق خفيف على الباب يقطعه، لكنه لا يلتفت.
تميم (بصوت مبحوح):
ادخل.
يدخل أدهم، يقف مترددًا خلف الباب.
أدهم:
سيدي... كنت فاكر إنك غادرت.
تميم (يلتفت إليه ببطء):
لا، لسه هنا. عايز حاجة؟
أدهم (يتردد):
لا، بس... إذا كنت محتاج أي مساعدة أو حاجة، أنا موجود.
تميم ينظر إليه طويلًا، ثم يهز رأسه بخفة.
تميم:
شكراً يا أدهم. روح ارتاح، أنا تمام.
أدهم يخرج بهدوء، يغلق الباب خلفه. تميم يعود إلى كرسيه، يجلس ويمسك بقلم على المكتب، يديره بين أصابعه وهو شارد.
تميم (بصوت أعلى، لنفسه):
طيب... لو رحت وشوفتها، إيه اللي ممكن أقوله؟ إزاي أبرر اللي حصل؟ هل هي حتى مستعدة تسمعني؟
يتذكر وجه سيليا عندما كانت طفلة صغيرة، تبتسم له عندما كان يزورهم، تذكر كيف كانت تتوسل لهم في ذلك اليوم ، لكن لم يصدقها أحد ، تذكر نظرة الكسرة و الخذلان فعينيها
تميم (يتنهد بعمق):
كانت زي أختي الصغيرة... وسبتها تضيع.
يضرب سطح المكتب بقبضته فجأة، صوته يخرج مشحونًا بالغضب والحزن.
تميم:
لازم أروح. لازم أشوفها... حتى لو ده آخر شيء أعمله.
ينظر إلى الساعة على الحائط، ثم ينهض بحسم. يلتقط معطفه من على الكرسي ويخرج من المكتب بسرعة، وجهه يعكس مزيجًا من الحيرة، الغضب، والأمل..