رواية قيود العشق ج2 الفصل السابع 7 والثامن 8 بقلم دعاء احمد

رواية قيود العشق ج2
الفصل السابع 7 الثامن 8
بقلم دعاء احمد


صعد زين إلى الطابق العلوي بخطوات ثقيلة، وهو يشعر بثقل الذكريات يضغط على صدره. فتح باب غرفة والده ببطء، وكأنها ما زالت تحمل رائحته ودفء وجوده. النور الخافت المنبعث من مصباح الطاولة كان يلقي بظلال خافتة على الجدران، ليعيد إحياء مشاهد قديمة من ذاكرته.

توجه زين نحو الخزانة الخشبية القديمة، فتح أحد الأدراج بيدين ترتجفان، وأخرج ألبوم الصور الأسود. جلس على طرف السرير، فتح الألبوم ببطء، وعينيه بدأت تلتهم الصور.

كانت أول صورة له مع والده في حديقة المنزل، زين طفل صغير، يضحك بينما والده يحمله على كتفيه. عادت ضحكته إلى أذنيه وكأنها تسخر من الحاضر. قلب الصفحة، فوجد صورة أخرى لهما وهما يلعبان كرة القدم. والده كان يبتسم بفخر وكأنه يرى فيه امتداداً لحياته.

زين (بصوت مبحوح مليء بالشجن):
"يا ترى... كنت فخور بيا وقتها؟ كنت بتشوفني إزاي؟ كنت بتخطط لمستقبلنا إزاي؟"

مرر أصابعه برفق على وجه والده في الصورة، وكأن اللمس قد يعيده للحياة. كانت الصور التالية تحمل ذكريات يوم ميلاده العاشر، والده يضع له القبعة الورقية على رأسه ويطفئان الشموع معاً.

توقف عند صورة أخرى. نفس الملابس التي كان والده يرتديها في اليوم الأخير. الصورة التي التقطت صباح اليوم الذي تغير فيه كل شيء. دمعت عيناه، وكأن جسده لم يتحمل طوفان المشاعر الذي أغرقه.

زين (بصوت خافت يتخلله البكاء):
"ليه؟ ليه كل حاجة انتهت بالشكل ده؟ ليه كنت لازم أشوفك تنهار قدامي؟... ما كنتش أقدر أعمل حاجة. كنت طفل صغير... ما كنتش أعرف إني هشوفك... تموت."

أسند رأسه إلى الألبوم، وأغمض عينيه، بينما تملأ الغرفة سكوناً مشوباً بالألم.

تذكر اللحظة التي رأى فيها والده يضع يده على صدره ويسقط أرضاً، صرخاته وهو يحاول أن يوقظه، ووجه والدته الذي لم يحمل سوى الصدمة الزائفة. صوت الإسعاف وهو يأخذ والده بعيداً... للأبد.

زين (بغضب مكبوت وهو يشد يده على الألبوم):
"كانت السبب... هي اللي قتلتك. كل حاجة بسببها."

قلب الصفحة الأخيرة من الألبوم، ليجد صورة قديمة تجمع والده ووالدته قبل أن يتغير كل شيء. لم يستطع أن يزيل وجهها من الصورة، لكن بدا وكأنه يحاول إزالتها من ذاكرته.

أغلق الألبوم بعنف، ووضعه على الطاولة بجانب السرير. وقف أمام النافذة المطلة على الحديقة، وأشعل سيجارة، في محاولة يائسة لإخماد الألم الذي يشتعل في صدره.

زين (بصوت حاسم، وكأنه يخاطب نفسه):
"لازم أتحرر من ده كله. ما ينفعش أفضل محبوس في الماضي ده. أنت كنت تستحق حياة أحسن... وأنا لازم أعيشها علشانك."

نظر إلى السماء، وكأنها تحمل روح والده، ثم خرج من الغرفة، حاملاً في داخله وعداً صامتاً بأنه لن يسمح لأي أحد، بما في ذلك والدته، أن يعكر ذكريات والده أو يقترب منها مجدداً.

نزل زين من على السلم بخطوات تقيلة، بس المرة دي كان كل حاجة جواه زي بركان على وشك الانفجار. عينيه مليانة غضب وحقد، وملامح وشه جامدة زي الحجر. لما وصل للصالة، لقاها لسه قاعدة في مكانها، حواليها هدوء مصطنع كأنها بتحاول تبان قوية بعد كلامه.

وقف زين عند آخر السلم، وبص لها بنظرة كلها قرف، وكأنه شايف قدامه السبب في كل حاجة دمرت حياته.

زين (بصوت واطي لكنه مليان احتقار):
"إنتِ قاعدة هنا... مستنية إيه؟ مستنية أعملك كإنك أمي؟ ولا مستنية أصدق الندم اللي بتمثليه ده؟"

ثم أكمل قائلا بسخرية مريرة 
زين" اه ، نسيت ،انتي أصلا ملكة التمثيل و ****** يا هناء هانم"

هناء (رفعت رأسها ليه، وعينيها مليانة دموع):
"أنا مش قادرة أرجّع اللي فات، يا زين. كل اللي أقدر أعمله إنّي أطلب منك تسامحني."

زين (ضحك بسخرية مُرة وهو بيقرب منها بخطوات بطيئة):
"تسامحك؟ أسامحك على إيه؟ على إنك خنتي الراجل اللي كان بيشيلك فوق راسه؟ ولا على إنك دمرتي حياته قدامي؟"

هناء (بصوت مهزوز):
"كنت صغيرة .... ضعيفة... غلطت. بس ده مش معناه إنّي..."

زين (مقاطعاً بحدة):
"مش معناه إيه؟ مش معناه إنك خاينة؟ إنك... ****؟ آه، ****! ما تخجليش من الكلمة. عارفة إيه الأصعب؟ إن العاهر**ة العادية على الأقل ما بتهدش بيتها. لكن إنتِ، إنتِ هدمتي بيتنا... هدمتي حياة أبويا... وحياتي أنا كمان."

هناء (انهارت بالبكاء وهي بتحاول تقرب منه):
"زين... أنا أمك. حتى لو غلطت، أنا أمك!"

زين (ابتعد عنها بخطوة، وكأن قربها بيئذيه):
"إنتِ ما تستحقيش تكوني أمي. أمي كانت ست تانية... كانت ست بتحبنا وبتحترمنا. إنتِ مجرد واحدة أنانية ما فكرتيش غير في نفسك. أبويا مات بسببك، وأنا اتحولت لشخص ما بيعرفش يحب ولا يثق في حد... بسببك. كل كلمة بتقوليها، كل دمعة بتنزل منك، مش هتغير أي حاجة."

هناء (بوجع كبير):
"أنا ندمانة... والله ندمانة!"

زين (بص لها نظرة أخيرة مليانة قرف واشمئزاز):
"ندمك ده جه متأخر. كنتِ لازم تندمي يوم ما قررتي تخونيه. دلوقتي... كل اللي أقدر أشوفه فيكِ هو الخيانة. عايزة مني تسامح؟ انسِ، ده مش هيحصل. عمرك ما هتاخديه."

استدار زين ناحية الباب، فتحه وخرج على الجنينة، وسبها في الصالة لوحدها غرقانة في دموعها، وسط ذكرياتها وأخطائها اللي عمرها ما هتعرف تهرب منها.

***********************

في البار ، المكان مليان بالأضواء الملونة وأصوات الموسيقى العالية. الضحك داير حوالين الطاولات، وصوت الكوبايات وهي بتخبط في بعضها واضح. جاد قاعد على ترابيزة  ، في إيده كوباية مشروب، متكاسل على الكرسي، وعينيه متسمرة على الناس اللي بترقص على المسرح. جنبه واحدة لابسة فستان لامع يظهر أكثر مما يخفي، بتحاول تلفت انتباهه بابتسامة مغرية.

جاد: (يضيق عينيه ويبتسم بمكر) الليلة دي غريبة... فيها حاجة بتخليني عايز أنسى كل حاجة.

الست: (تقرب منه وتميل بجسمها) أنسى؟ الرجالة زيك ما بيعرفوش ينسوا بسهولة، شكلك بتحاول تهرب من حاجة.

جاد: (يرشف من كوباية المشروب ويضحك بسخرية) أهرب؟ ممكن. أو يمكن أنا بس بدور على لحظة متعة... من غير أي قيود.

الست: (بجرأة وهي بتبصله) إنت متجوز؟

جاد: (يضحك بخفة ويبص في كوباية المشروب) متجوز؟ كلمة كبيرة دي. خلينا نقول... مرتبط بواجب.

الست: (تحط إيدها على كتفه و تقول بدلع) يبقى الليلة دي إنت راجل حر.

جاد: (يبصلها بابتسامة ماكرة) دايمًا حر... حتى لو فيه قيود.

(يقطع كلامهم صوت ضحك عالي جاي من ناحية تانية في البار. جاد يلتفت للصوت ويرفع كوباية المشروب بتحية لصاحبه اللي قاعد على ترابيزة بعيدة.)

جاد: (بنبرة لا مبالية) على فكرة، إنتي شايفة إن السعادة بتيجي لما الواحد يتحمل المسؤولية؟

الست: (تضحك بمياعة) السعادة؟ السعادة تيجي لما الواحد يعيش اللحظة... زي دلوقتي بالظبط.

جاد: (يبتسم ويقوم من الكرسي، متوجه لمنصة الرقص) أهو ده اللي كنت بدور عليه... لحظة ما تخلصش.

(الست تمشي وراه وهو يكمل ليلته وسط الضحك والمزيكا، ناسي تمامًا مراته وعياله اللي سايبهم في بيت بعيد، مستنيين أب يحتويهم و يحسسهم بحنانه )
***********************

في فيلا ليلى الألفي ، في غرفة المعيشة فسيحة ومزينة بذوق راقٍ، تضج بالهدوء الذي يعم المنزل بعد نوم الأطفال. سيليا تجلس على الأريكة وهي ترتدي ملابس منزلية أنيقة، تحمل كوبًا من الشاي بيدها وتبدو على وجهها علامات التفكير العميق. على الكرسي المقابل تجلس عمتها ليلى، امرأة في منتصف العمر، بثوب بسيط ونظرة حنونة لكنها قلقة. بجانب ليلى يجلس رائد، شاب في أواخر العشرينات، ملامحه تعكس الجدية والاهتمام.

ليلى: (بنبرة حنونة) سيليا يا حبيبتي، أنا شايفة الضيق في عينيكي... لكن الكلام اللي بتقوليه مش سهل. إنتي فعلاً قررتي؟

سيليا: (تضع الكوب على الطاولة وتنظر لعمتها بثبات) قررت، يا عمتي. كفاية اللي استحملته من جاد. لا حب، لا احترام، لا اهتمام حتى بأولاده. أنا تعبت من دور الضحية.

رائد: (يتكئ للأمام ويضع كوعه على ركبته) سيليا، أنا فاهم اللي إنتي حاسة بيه، وجاد تصرفاته لا تتغتفر... بس إنتي بتتكلمي عن خطوة كبيرة. التمثيل وعروض الأزياء؟ إنتي واثقة؟

سيليا: (تبتسم بسخرية) واثقة. جاد ما بيشوفش غير المظاهر. بيحب أي حاجة تلمع وتشد الانتباه. طيب، لو دي اللعبة اللي بيعرفها... يبقى أنا كمان هعرف ألعبها.

ليلى: (بتوتر) بس يا بنتي، المجال ده مش سهل. ومش مضمون، وكمان مش لايق عليكي ، أنتي بنت محترمة مش للحوار ده وجاد... هيعمل أي حاجة عشان يحبطك.

سيليا: (بنبرة مليئة بالتحدي) عشان كده، أنا مش هخليه يحبطن و على فكرة يا عمتو أنا مش بنت ليل ، همثل بس ، أنا طول عمري عايشة عشانه، ولعياله، وهو ما قدرش ده. دلوقتي دوري أثبتله إنه مش الوحيد اللي يقدر يكون محط الأنظار.

رائد: (ينظر إليها بإعجاب مخلوط بالقلق) واضح إنك مصممة. وأنا دايمًا جنبك، بس يا سيليا، خدي بالك. اللعبة اللي بتدخليها دلوقتي فيها مخاطر، وجاد مش سهل.

سيليا: (تبتسم بثقة) ولا أنا.

ليلى: (تتنهد) ربنا يهديكي يا بنتي... أنا عارفة إنك قوية، بس متنسيش إنك أم لثلاثة أطفال.

سيليا: (بهدوء، وهي تنظر باتجاه السقف) عشانهم، يا عمتي. عشانهم لازم يشوفوا أم قوية مش واحدة مكسورة.

رائد: (ينهض ويضع يده على كتفها) لو دي خطتك، يبقى أنا معاك. بس وعديني إنك هتبقي حذرة.

سيليا: (تضع يدها على يده وتنظر إليه بامتنان) وعد.

تتبادل سيليا ورائد النظرات بثقة، بينما ليلى تهز رأسها بخوف وحنان. 

بعد صعود ليلى و رائد ، بقيت سيليا تجلس على الأريكة وحدها. في يدها صورة قديمة لعائلتها، تحتفظ بها منذ 6 سنوات منذ هروبها في ذلك اليوم ، تنظر في الصورة بصمت، وكأنها تسترجع لحظات كانت مفقودة. تبدو عيناها مليئة بالمرارة، تنهدت بشدة ثم بدأت في الحديث مع نفسها، عاتبة على عائلتها بطريقة لا تخلو من الحزن.

سيليا: (بصوت ضعيف، وهي تنظر إلى الصورة) إزاي، يعني إزاي قدروا يشكوا فيا؟ أنا اللي تربيت وسطهم، أنا اللي كنت كل حاجة ليهم... مش فاهمة لحد دلوقتي ليه شكوا فيا بالشكل ده.

(تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تتابع بحزن)

سيليا: (بهمسات) لو كانوا شافوا الألم اللي أنا عشت فيه... لو كانوا حاسوا بيه... هل كانوا هيشكوا فيا؟ هل كانوا هيصدقوا كذبة واحدة من اللي كانوا بيقولها عني؟

(تمسك بالصورة أكثر، وكأنها تحاول أن تجد شيئًا مفقودًا فيها)

سيليا: (بغضب مكتوم) كانوا دايمًا يقولوا إني البنت المدللة، آخر العنقود. ليه دلوقتي لما كنت محتاجة لهم، هما مش موجودين؟ كانوا شايفينني قويّة، وكانوا بيقولوا إن مهما حصل أنا هكون دايمًا في أمان بينهم. 

(تسكت قليلاً، عينيها مليئة بالدموع، ثم تكمل بحزن)

سيليا: (بصوت ضعيف) أمي، كنتي دايمًا بتقولي إنك لو احتاجتي حاجة، هتكوني موجودة. لكن ليه ما كنتيش جنبّي؟ ليه ما حاولتيش تدافعوا عني؟

(تنظر بعيدًا، وكأنها تراجع الأحداث في ذهنها)

سيليا: (بهمسات) أخواتي، كلهم كانوا فاكرين إني غلطت... لو كانوا جادين في حبهم ليّ، لو كانوا فعلاً أخواتي، ما كانوا يسيبوني أهرب كده. كنتوا تقدروا تلاقوني، كنتوا تقدروا تساعدوني لو كنتوا فعلاً حاسين بيا.

(تسكت، تعقد يديها معًا، وتظهر علامات الصراع في عينيها)

سيليا: (بصوت مكسور) كان عندكم فرصة تعيشوا معايا الحقيقة، لكن اخترتم إنكم تسمعوا كلام واحد، واحد بس. مش أنتم اللي كنتوا معايا، أنا كنت الوحيدة اللي كنت عايشة في الوجع ده، وحدي.

(تنهض وتتحرك في الغرفة قليلًا، وهي تكمل حديثها بصوت حازم)

سيليا: (بصوت حازم) كان المفروض تكونوا معايا في اللحظات دي، كان المفروض تدافعوا عني، مش تكونوا أول ناس تصدقوا الكذب. أنا مش هقدر أسامحكم على الشك ده، مهما حاولتوا.

(توقف للحظة، وتلملم نفسها كما لو كانت تستعد للمضي قدمًا في حياتها، ولكن الألم لا يزال في قلبها)

سيليا: (بصوت هادئ) مش هنسى، بس مش هخلي ده يقف في طريقي. الحياة مستمرة، وأنا هعيشها من غيركم

فصل 8
مرت عدة أيام دون جديد يذكر ، غير أن سيليا غيرت رأيها و قررت أن تكمل تعليمها في الجامعة بدلا من التمثيل ، بعد أن أصرت عليها عمتها ليلى بذلك 
في صباح ذلك اليوم كانت سيليا امام المرآة تجهز نفسها للذهاب للتسجيل في الجامعة ، قاطعها صوت ابنها الصغير زياد قائلا بطفولة 
زياد(ببراءة) : ماما ، انتي رايحة فين ؟
سيليا ( بحنان): رايحة الجامعة يا حبيبي ، عشان أدرس و أكمل دراستي 

زياد (متفاجئ): "زياد كمان عايز يروح يدرس "
سيليا (بابتسامة): "لما تكبر شوية وتدخل المدرسة السنة الجاية، يا بطل."

زياد (بحماس): "وزياد هيبقى شاطر؟"
سيليا (تضحك): "أكيد، بس النهارده عايزاك تبقى شاطر في البيت و تسمع كلام تيتا ليلى و خالو رائد، وتساعد ماما وتاخد بالك من مازن ولينا."

سيليا (تقبّله على رأسه): "صح، لينا صغيرة وأنت البطل الكبير بتاع البيت، ما تنساش تدي مازن لعبته المفضلة عشان ما يعيطش، ماشي؟"
زياد (بجدية طفولية و هو يلقي تحية الجيش): "ماشي علم و يتنفذ يا فندم
سيليا (بابتسامة): "وأنا لما أرجع هاجيبلك المفاجأة اللي بتحبها."
زياد (بفرحة): "آيس كريم؟"
سيليا (تضحك): "آيس كريم، لو كنت بطل."

قبلت سيليا رأس زياد تاني، وبصت على مازن اللي كان بيلعب بلعبته ولينا اللي كانت بتبصلها بعيونها البريئة. وقالت بلطف: "خد بالك من إخواتك يا زياد، أنت البطل الكبير."
خرجت سيليا من البيت وعينيها مليانة أمل للمستقبل اللي بتحلم بيه ليها ولولادها و قررت أن تضرب كلام جاد و عن طلبه منها ترك الجامعة بعرض الحائط 

بعد عدة دقائق ، انهت سيليا تجهيز نفسها وبعد لحظات كانت  تنزل مع أولادها باتجاه المطبخ، تحمل رضيعتها لينا بين ذراعيها، بينما زياد ومازن يتسابقان امامها)

زياد (بحماس): "ماما، أنا كسبت مازن!"
مازن (بإعتراض طفولي): "لأ! أنا اللي كسبت!"
سيليا (تضحك): "طيب، كفاية سباق لحد هنا، هتوقعوا على السلالم!"

يدخلون المطبخ ليجدوا عمتها ليلى وابن عمتها رائد يتحدثان

ليلى (مبتسمة): "صباح الخير يا حبايبي! جهزت لكم الفطار."
رائد (ناظرًا إلى سيليا): "أهو جيتِ شايلة لينا كأنك رايحة تحاربي! هاتيها شوية، إيديكي لازم تستريح."
سيليا (بابتسامة): "لأ يا رائد، مش تقيلة عليا، عادي."
رائد (بابتسامة لطيفة): "هاتي بس، اعتبريها أوامر."

يمد يده برفق ليأخذ الرضيعة من بين ذراعي سيليا، وهي تسلمه الطفلة مطمئنة

سيليا (مازحة): "طيب يا أخويا الكبير، خلي بالك منها، دي مش لعبة."
رائد (ضاحكًا): "متقلقيش، ما أنا اللي علمتك إزاي تشيليها من أول يوم."

يجلس رائد على الكرسي ويبدأ بهدهدة لينا برفق، بينما ليلى تضع الطعام على الطاولة

ليلى (ناظرة إلى سيليا): "ما تنسيش تخلصي أوراق التسجيل النهارده في الجامعة، عايزة أشوفك متألقة "
سيليا (بحماس): "أكيد يا عمتي، أنا نفسي متحمسة جدًا أكمل الخطوة دي."
رائد (بجدية مازحة): "بس على شرط، لما تبقي دكتورة ولا مهندسة، ما تنسي إن أنا اللي شجعتك."
سيليا (تضحك): "حاضر يا سيادة المشجع الأول!"

زياد ومازن يجلسان لتناول الطعام، بينما ليلى تنادي عليهما لتناول الحليب، ورائد يواصل اللعب مع لينا التي تضحك بصوت طفولي يملأ المكان بالبهجة
*************************
في فيلا البحيري كان ريان يستعد لأول يوم له كمعيد في الجامعة ، 

ريان نازل من أوضته لابس شيك جدًا، ماسك شنطته ووشه كله ابتسامة. العيلة قاعدين في أوضة السفرة والفطار متجهز.

فؤاد (الأب): صباح الخير يا بطل! جاهز لأول يوم؟
ريان (مبتسم): طبعًا يا بابا، ده يوم مهم جدًا بالنسبة لي.

نجلاء (الأم): ربنا يوفقك يا حبيبي. إحنا كلنا فخورين بيك، طول عمرك رافع راسنا.
أحمد (الأخ الكبير): والله يا ريان، أنا واثق إنك هتكون أحسن معيد في الكلية، مش بس بذكاءك، بأخلاقك كمان.

مراد (مازحًا): بس خدها نصيحة مني، ما تبقاش طيب أوي مع الطلبة، هيستغلوك لو عرفوا إنك حنين زيادة.
سامر: فعلًا، لازم تكون جدع وحازم من الأول. التواضع حلو، بس الحزم أهم.

يوسف (مبتسم): ما تقلقش يا معيد، إحنا كلنا ضهرك. لو احتجت حاجة، إحنا موجودين.

ريان (بثقة): شكرًا ليكم كلكم. دعمكم ده هو اللي دايمًا بيخليني أقدر أعدي أي صعب.

نجلاء: طب كُل لقمة بسرعة يا حبيبي، ما ينفعش تروح الجامعة وإنت جعان.
فؤاد (بابتسامة حزينة): فعلاً، بس نفسي اللحظة دي تبقى كاملة... لو سيليا كانت معانا دلوقتي!

الجميع يلتزم الصمت لثوانٍ، ونجلاء تحاول كسر الحزن على وجهها بابتسامة ضعيفة.

نجلاء (بحنين): لو كانت عايشة... كانت خلصت الجامعة هي كمان السنة دي. كانت هتبقى جنب أخوها، ويمكن هي كمان تبقى معيدة يوم من الأيام.
ريان (بدموع متحجرة): أنا متأكد إنها كانت هتبقى حاجة كبيرة، يا ماما. سيليا كانت دايمًا شاطرة ومتفوقة.

فؤاد (بصوت منخفض): كان نفسي أشوفكم كلكم ناجحين مع بعض... لكن دي إرادة ربنا.

نجلاء تضع يدها على يد فؤاد في محاولة لتهدئته، والجو في الغرفة يصبح مشحونًا بمزيج من الفخر والحزن.

أحمد: ربنا يرحمها ويجمعنا بيها في الجنة، يا بابا. إحنا كلنا ورا بعض، وهنفضل كده مهما حصل.
ريان: أكيد، يا أحمد. وأوعدكم إنّي هفضل أرفع راسكم زي ما سيليا كانت بتحب تشوفنا ناجحين.

ريان يودعهم بحماس، ولكن آثار الحديث عن سيليا تظل عالقة في الجو، والجميع يدعو لها بالرحمة بصمت.

يغادر ريان المنزل بابتسامة، والجميع يودعونه بحب ودعوات بالنجاح. بعد أن يغلق الباب، يعود الصمت للحظات في غرفة الطعام.

نجلاء (تتنهد وهي تلتفت إلى أحمد): أحمد... هو إحنا هنفضل نستنّى كتير؟ مفيش أخبار حلوة منك؟
أحمد (يضع كوب الشاي بعصبية على الطاولة): أخبار إيه يا ماما؟

نجلاء (تبتسم بخفة): أخبار جوازك بقى. بصراحة نفسي أشوفك مستقر، البيت محتاج فرحة، وأنت الكبير، و...

أحمد (مقاطعًا وبحدة): مفيش جواز، يا ماما. الموضوع ده مش في حساباتي دلوقتي.

فؤاد (يحاول تهدئته): أحمد، أمك ما قصدتش تضايقك، هي بس بتحلم تشوفك سعيد ومستقر.

أحمد (بغضب مكبوت): سعيد؟ السعادة دي حاجة مش موجودة في حياتي، يا بابا. خاصة بعد... (يصمت فجأة ويشيح بنظره).

نجلاء (بحنان): يا ابني، ما تحرقش دمك كده. ربنا يعوضك عن أي وجع مريت بيه. سمر كانت...

أحمد (يقاطعها بعصبية أكبر): سمر؟ ما تجيبوش سيرتها قدامي تاني! البنت دي كانت أكبر غلطة في حياتي.

الغرفة تمتلئ بصمت ثقيل، ونجلاء تنظر بحزن إلى ابنها، بينما فؤاد يضع يده على كتف أحمد في محاولة لتهدئته.

فؤاد: أحمد، ما تعيشش حياتك في سجن الماضي. الحياة مكملة، والفرص الجديدة موجودة.

أحمد (يخفض صوته): يمكن، بس دلوقتي مش وقتها.

ينهض أحمد من مكانه ويترك الطاولة، متوجهًا نحو الحديقة ليهدأ. نجلاء تنظر إليه بحزن وتهمس لفؤاد.

نجلاء: نفسي أشوفه سعيد يا فؤاد... نفسي أشوفه يلاقي حد يستاهله وينسى اللي حصل.

فؤاد (بهدوء): اديله وقته، يا نجلاء. أحمد قوي، وهيعرف يخرج من اللي هو فيه... بس على مهله.
بعد خروج أحمد إلى الحديقة، يجلس مراد، سامر، ويوسف في غرفة الطعام بصمت لدقائق، يحاولون استيعاب الموقف.

مراد (يتنهد): بصراحة، أنا فاهم أحمد كويس. الخيانة دي حاجة ما حدش يقدر يستحملها. طبيعي إنه يبقى بالشكل ده.
سامر: طبيعي، بس لحد إمتى؟ أحمد ما ينفعش يفضل حابس نفسه في الماضي كده. اللي حصل حصل، ومش كل الناس زي... (يتوقف للحظة ثم يشيح بيده).

يوسف (بهدوء): مش سهل عليه. أحمد كان بيحب بجد، ولما الحب يتحول لجرح، مش أي حد يعرف ينسى بسهولة.
مراد (بصوت أعمق): معاكم حق، بس إحنا كإخواته لازم نساعده يخرج من الحالة دي. ما ينفعش نسيبه كده طول الوقت غارق في الماضي.

سامر (بغضب خفيف): أنا نفسي أفهم إزاي حد ممكن يعمل فيه كده؟ أحمد ما يستاهلش اللي حصل، أبدًا.

يوسف (يضع يده على الطاولة): طيب إحنا نقعد نقول ما يستاهلش وإزاي وكده؟ ده مش هيغير حاجة. الحل إننا نفضل جنبه، نحاول نشغله، نوريه إن الحياة مكملة.

مراد: معاك حق يا يوسف، لكن هو كمان محتاج يقتنع بنفسه. ما حدش هيقدر يخرجه من اللي هو فيه غيره هو.

سامر: يمكن لما يشوف إننا دايمًا وراه ويلاقي حد يستاهله بجد، هيبدأ يغير طريقته في التفكير.

يوسف (بابتسامة خفيفة): أهو ده اللي لازم نركز عليه. أحمد محتاج يشوف إن الدنيا لسه فيها ناس كويسة، وإنه لسه فيه أمل.

مراد (بثقة): وإحنا هنا علشانه. أحمد مش لوحده، مهما طالت المدة.

الجميع يهزون رؤوسهم بالموافقة، ويشعرون بثقل المسؤولية تجاه أخيهم الأكبر الذي عُرف دائمًا بقلبه الطيب وتحمله للمسؤولية.
************************
في مركز للمخابرات المصرية ، كانت الأضواء الخافتة تعكس على شاشات المراقبة المضيئة، والهدوء الثقيل يغلف المكان كأنه يحمل أسرارًا لا يمكن البوح بها. دخل زين إلى الغرفة بخطوات متثاقلة، ووجهه يحمل ظلالًا من حزن عميق. كان يرتدي بدلته الرسمية، لكن نظراته الشاردة كانت تكشف عن صراع داخلي.

رفع تميم رأسه عندما رأى صديقه على هذه الحالة، فتوقف عن مراجعة الملفات وقال بصوت خافت يحمل شيئًا من الحزن:
– إيه اللي مضايقك، يا زين؟

جلس زين بصمت على أقرب كرسي، وكأن الكلمات تخنقه. أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بصوت منخفض مليء بالمرارة:
– كنت في بيت أبوي... وشفتها.

تجمدت ملامح تميم للحظة، لكنه تمالك نفسه وسأله بحذر:
– والدتك؟

هز زين رأسه بإيماءة صغيرة، ثم تابع:
– شفتها قاعدة و هاممها حاجة و لا كانها عملت حاجة . كأن الزمن واقف هناك، يا تميم. كأنها مش شايفة إن البيت دا مش بيتها من يوم اللي عملته... أنا مش قادر أشوفها من غير ما أشوف اللي حصل... أبويا مات قدامي، وهي... هي السبب.

صمت لثوانٍ، ثم ضرب سطح المكتب بقبضته فجأة، وأضاف بصوت مخنوق:
– كان نفسي أصارحها... أصرخ فيها وأقول لها إنها قتلت أبويا، قتلتني أنا كمان. بس ما قدرتش... فضلت أطلع من البيت زي كل مرة وأنا شايل هم الذكرى دي.

حدق تميم فيه بعينين مليئتين بالتعاطف، لكنه لم يعرف بماذا يرد. كان يعرف أن زين يحمل عبئًا ثقيلًا منذ سنوات، لكن رؤية هذا الألم مجددًا على وجهه جعلت الموقف أصعب مما تخيل.

قال تميم بصوت هادئ، محاولًا مواساته:
– زين، الماضي عمره ما هيرجع، بس انت اللي تقدر تحدد إذا كان هيكمل يتحكم فيك... أو هتلاقي طريقة تقفل الجرح دا للأبد.

لكن زين ابتسم بسخرية، وعيناه ممتلئتان بالغضب:
– الجرح اللي سبته أمي؟ مستحيل يقفل.

نظر تميم إلى زين بعينين تحملان مزيجًا من الحزن العميق والحكمة المولودة من الألم، ثم قال بصوت منخفض، لكنه مليء بالعاطفة:

– فاكر لما قلت لك إن الوجع أحيانًا بيبقى أكبر من إننا نعرف نتعامل معاه؟ كنت بتكلم عني... عن سيليا.

توقف لحظة، وكأن الكلمات تثقل لسانه، ثم أكمل:
– سيليا كانت زي أختي... كنت شايفها ملاك وسط عتمة الدنيا. بس إحنا، عيلتنا، شكينا فيها... أهناها... ذليناها... وخليناها تواجه الدنيا لوحدها. ولما عرفت الحقيقة؟ كنت فاكر إن الندم ممكن يصلح اللي حصل، بس الوقت كان أسرع مننا، والمسامحة عمرها ما وصلت.

تغيرت نبرته، وصارت أقرب إلى الوجع:
– لما العصابة اللي كنت بطاردها قتلتها... كنت واقف هناك، شايفها بتموت بين إيديّ، وما قدرتش أعمل حاجة. ما قدرتش أنقذها. لحد النهارده، يا زين، كل مرة أبص لبنتي الصغيرة... بشوف سيليا في ضحكتها، وأفتكر إن اللي ضيعها مش بس العصابة... إحنا كمان.

توقف للحظة، ثم نظر إلى زين نظرة مباشرة، وقال بصوت جاد:
– أنا مش هقدر أغير اللي حصل، زيك ما تقدرش ترجع أبوك. بس اللي تعلمته من اللي حصل مع سيليا... إننا ما ينفعش نسيب الماضي يدمر اللي باقي مننا. مش لازم تسامح، ومش لازم تنسى، بس لازم ما تخليش الحقد يستهلكك. لأنه لو عمل كده... مش هيبقى فيك حاجة تنقذها، لا لنفسك، ولا للي بتحبهم.

ثم أضاف، بعد صمت قصير:
– أبوك لو كان هنا... كان هيطلب منك حاجة واحدة: إنك ما تبقاش زيه، وإنك تعيش حياتك بعيد عن الظل اللي سابته أمك. مش عشانها... عشانك.
نظر زين إلى تميم بعينين مليئتين بالمرارة، وقال بصوت متهدج:
– بس إزاي أعيش وأنا كل ما أبص لنفسي بشوف ابن الراجل اللي مات مقهور؟
أمسك تميم بكتف زين بحزم ونظر إليه بعينين تحملان مزيجًا من الألم والإصرار، ثم قال:
– تعيش لما تثبت لنفسك إنك أقوى من القهر اللي كسر أبوك، وإنك ابن الراجل اللي كان يستاهل تشيل اسمه بفخر، مش بحزن.

التزم زين الصمت، غرق في أفكاره، وملامحه تعكس صراعًا داخليًا بدأ يتفاقم. تشوش عقله مع الذكرى التي قفزت فجأة إلى ذهنه: وجه تلك الفتاة التي التقاها قبل أيام. ملامحها... عينيها... كل شيء فيها يذكره بشيء مألوف.

رفع رأسه فجأة، وحدق في تميم بنظرة مليئة بالفضول والحيرة، وقال:
– تميم... لو افترضنا إن... إن اللي ماتت مش سيليا... يعني لو كانت لسه عايشة، إيه اللي ممكن يخليها تختفي وتعيش حياة تانية؟

نظر تميم إليه بدهشة، ثم رد بحدة:
– زين، إنت بتتكلم عن إيه؟ أنا شفتها بعيني وهي...

قاطعه زين بعصبية:
– استنى... اسمعني بس! قبل كام يوم، وأنا مروّح... قابلت واحدة... كانت ماشية في الشارع، واضح إن جوزها بيخونها أو في مشكلة كبيرة. اللي لفت نظري... إنها شبه سيليا جدًا. نفس الملامح... نفس العينين.

تجمدت ملامح تميم، وكأنه يحاول استيعاب كلام زين، ثم قال بصوت متردد:
– شبهها؟ زين... سيليا ماتت. إحنا دفناها... إنت عارف دهو كنت معانا في العزا 

أمسك زين برأسه، وكأنه يحاول ترتيب أفكاره، ثم قال بصوت مخنوق:
– طيب لو ما كانتش هي؟ ليه حسيت إن في حاجة غلط؟ ليه كل كلمة قلتها دلوقتي خلتني أشك؟ أنا مش متأكد، بس تميم... أنا محتاج أعرف الحقيقة.

تميم، رغم محاولته التمسك بالمنطق، لم يستطع تجاهل نظرة زين المتوسلة. شعر بشيء يتحرك بداخله، ربما أمل صغير أو خوف أكبر، لكنه لم يظهر أي منهما، واكتفى بالقول بهدوء:
– زين... لو كنت شاكك فعلاً، لازم تتحقق بنفسك. بس أوعى تتعلق بحاجة ممكن تكسر قلبك أكتر من اللي حصل

عاد الصمت بينهما من جديد و كل واحد منهما غارق في افكاره الخاصة و بدأ الشك يتسلل لعقل تميم ، هل يعقل أن سيليا لا تزال على قيد الحياة ؟؟ نفض هذه الفكرة من راسه و عاد لعمله 
********************
في شقة فاخرة في القاهرة ، كان جاد يتابع أعماله من الحاسوب قبل أن يرده إتصال من الحارس 
جاد ( بجدية): في ايه ؟
الحارس ( بجدية): المدام سيليا يا جاد بيه 
جاد ( ببرود و ملل): فيها إيه الست دي؟
الحارس ( بخوف): أنا كنت مراقبها زي ما طلبت مني و راحت الجامعة دلوقتي 
انتفض جاد من مكانه و صاح قائلا بغضب 
جاد: نعم ، قلت راحت الجامعة ؟؟؟ 
الحارس ( بخوف): نعم 
جاد ( بغضب و حقد و توعد):  بقى كده يا سيليا ، تكسري كلمتي و تتصرفي على راحتك ،  أنا هوريكي مين هو جاد الحسيني 

(لحظات صمت، كان جاد يمرر يده في شعره بعصبية)

جاد (بصوت منخفض، كأنه يخاطب نفسه): لو فكرّت تخرج عن طاعتي، هتندم.. أنا مش هسيبها 

الحارس (بقلق): يعني... أعمل إيه دلوقتي؟

جاد (بحسم): تابع خطواتها، خليها ما تحسش بأي حاجة. لو حصلت حاجة غريبة، خليني عارف فورًا.

الحارس (موافقًا بتردد): حاضر، جاد بيه...




تعليقات