رواية لا تخافي عزيزتي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم مريم الشهاوي


رواية لا تخافي عزيزتي

الفصل السادس والعشرون 26

بقلم مريم الشهاوي


صعد يزن ودعاء وأسـيل المصعد الكهربائي، وما أن توقف المصعد عند طابقٍ معين وفتح بابه، حتى أحاطت يدٌ دافئة ذراع أسيل بلطف، قادها بحذر للخروج من المصعد. وقفت أمام شقةٍ لا تعرفها، ولكنها امتثلت صامتة، تترقب ما سيحدث.


وفي لحظة غير متوقعة، انطلقت كلمات من غناء رقيق:


"سنة حلوة يا جميل، سنة حلوة يا جميل، سنة حلوة يا إيسو سنة حلوة يا جميل."


وقبل أن تستوعب ما تسمعه، كان يزن قد أزال القماشة من على عينيها، لتفاجأ بوالدتها جالسة أمامها على كرسي متحرك، تحمل كعكة عيد ميلاد مضاءة بالشموع، تغني لها بإبتسامة دافئة لم تفارق وجهها. بدأت الدموع تزرف من عيني أسيل، فقد كانت مشهدًا مؤثرًا للغاية، وحتى قمر والدتها، لم تستطع الثبات على دموعها، لكن استمرت في الغناء مبتسمة. 


نظرت أسيل إلى يزن، الذي كان يراقبها بابتسامة تعبر عن فرحته بسعادتها. كانت تشعر بمشاعر عميقة تنبت بداخلها تجاهه؛ يزن يفعل كل شيء ليجعلها سعيدة. انحنت على ركبتيها أمام والدتها، اقتربت من الشموع، ونفختها لتنطفئ. ابتسمت قمر وقالت:


"اتمني حاجة."


همست أسيل في داخلها: "لم يعد هناك شيء أتمنى أكثر مما أملكه الآن."


يزن كان يقف متأملاً، قلبه يضحك لرؤية فرحتها، وقد تمنى أن تبقى سعيدة دائمًا. نظرت إليه أسيل، وتلاقت أعينهما. تلك النظرات حملت في طياتها الكثير من الشكر، فقد جعل هذا اليوم من أسعد أيام حياتها، بفضل ذكرياتها الطيبة مع والدتها.


دخلت دعاء المنزل، وتبعتها أسيل، تضحك مع والدتها. وقبل أن تغلق دعاء الباب، رأت يزن يقف بالخارج، فقالت:


"ادخل يا بني."


ابتسم يزن معتذرًا بوضوح: "لا يا طنط، ما ينفعش أكون معاكم. أنا غريب عنكم، هستأذن."


ابتسمت قمر حين سمعته، زادت مكانته في نظرها أضعافًا. استأذن يزن للمغادرة، وأغلقت دعاء الباب. ولكن بعد لحظات، ركضت أسيل نحو الباب، فتحته بسرعة، نزلت السلالم لتلحق بيزن قبل أن يغادر. حين وصل المصعد إلى الطابق الأرضي وفتح بابه، فوجئ بأسيل تقف أمامه، تتنفس بصعوبة. نظر إليها بقلق:


"أسيل، انتِ كويسة؟ في حاجة حصل..."


وقبل أن يكمل جملته، عانقته أسيل بقوة ودون سابق إنذار. ارتخى جسده واستند على باب المصعد، وحين أدرك ما يحدث، احتضنها بذراعيه بشغف، اشتاق لرائحة شعرها، وشعر بقلبه ينبض بشدة وجسده يرتجف حين أحس بأنفاسها الدافئة على رقبته، مما جعله يشتد في حضنها، وكأنه يريد أن يخفيها بداخله.


كان عناقًا غير عادي، فالشغف تجاه الآخر كان متبادلًا، والإحساسات القلبية كانت متشابهة. كلاهما كان يدرك ما في قلبه، ولكن يخشيان الإفصاح.


بعد دقائق طويلة، ابتعدت أسيل عنه ببطء، نظر إليها بنظرات جائعة، يتمنى لو أن العناق يدوم للأبد. ابتسمت له أسيل بخجل، وتعمقت عينيها في عينيه. كانت النظرة مختلفة هذه المرة، توحي بشيء آخر. تلك النظرة تشبه نظراته لها، وكأن شعورها تجاهه بدأ يظهر بوضوح في قلبها أيضًا. ظلت أعينهما معلقة ببعضهما، هو لا يزال يضع ذراعيه حول خصرها، وهي لا تزال يديها حول عنقه. لم يكن هناك كلمات، فقط أعينهما التي كانت تتحدث.


ثم سمعا صوت المصعد يوحي بنزول شخص ما، فابتعدت عنه بسرعة وودعته بابتسامة، ثم ارتقت السلالم وهي تضحك بسعادة تغمرها، وضعت يدها على قلبها لتهدئه قليلًا، وأمسكت هاتفها وأرسلت له رسالة:


"كنت حابة أشكرك على كل اللي عملته معايا♡."


رن هاتفه معلنًا بقدوم رسالة جديدة، فتحها ووجد أن أسيل هي التي أرسلتها، نظر إلى الرسالة مبتسمًا، ووضع يده أيضًا على قلبه ليهدئه. يا ليته يأتي اليوم الذي يستطيعان فيه الإفصاح عن مشاعرهما المختبئة بقلوبهما.

____________________________________


صعدت أسيل إلى شقة دعاء للاحتفال بعيد ميلادها، وقد اجتمعت سعادة غامرة باللقاء بين الأم والابنة بعد طول اشتياق. قضت أسيل وقتها ترقص مع والدتها وتشاركها لحظات من الفرح الخالص، وقد شعرت أن اللحظات تحتضنها بحنان كان مفقودًا لسنوات. جلست أسيل بجوار والدتها، وبدأت تكتب في دفترها عن يزن، تحكي كيف تعرفت عليه وكيف كان دائمًا منقذها في اللحظات الصعبة.


بعد أن أنهت سردها، نظرت قمر إلى ابنتها بحنان، وضعت يدها على خدها برفق وابتسمت قائلة:


"أتمنى أن يكون يزن الزوج المناسب لكِ، يا حبيبتي، وأنه يحبك ويُسعدك طول العمر. يظهر أنه بيحبكِ وأنتِ ظاهر عليكِ نفس الشعور."


اتسعت عينا أسيل بسرعة لتنفي، وكتبت لوالدتها: "إحنا الاتنين مش بنفكر في الحاجات دي خالص، وهو عمره ما هيعمل كده لأننا..."


كانت على وشك أن تخبرها عن الاتفاقية المزيفة بينهما بشأن الزواج، لكنها تراجعت عندما رأت سعادة والدتها. فكتبت لها: "ربنا يتممها على خير، وإن شاء الله تحضري جوازنا وانتِ واقفة على رجلكِ وترقصي كمان."


ضحكت قمر، واحتضنت ابنتها بحنان. دخلت دعاء في تلك اللحظة، قائلة:


"ضحكوني معاكم."


تحدثت قمر، مبتسمة: "مافيش، أنا فرحانة بأسيل، ربنا بعت لها يزن لينتشلها من كل اللي كانت فيه ويدخل البسمة إلى قلبها. ربنا يسعده دايمًا."


كتبت أسيل: "احكي لي عن أولاد رحاب."


ابتسمت قمر وقالت: "يارا في كلية الهندسة، ودي آخر سنة ليها. دايمًا كانت تبدو زعلانة أو متضايقة، لكن لما عمر خطبها، عادت البسمة لوجهها. مصطفى أصغر منها بسنتين، في تالت سنة في كلية طب الأسنان. ما بيعملش حاجة غير إنه بيذاكر، ما بيخرجش من أوضته. الاتنين ماشيين على أوامر طنط رحاب، تقدري تقولي إنهم بالنسبة لها مجرد آلات تعمل إيه وتسوي إيه. أنا كنت بعارضها، فكانت تحبسني..."


مسحت أسيل آخر جملة كتبتها وأكملت: "بس، وعشنا كده لمدة عشر سنين. بروح جامعتي، وأرجع أكمل يومي في أوضتي مع لوحاتي."


أشعرت قمر بسعادة حين رأت رسومات ابنتها الرائعة، وفخرت بأنها قد حققت حلمها في أن تصبح فنانة. كانت أسيل تبتسم وهي تتحدث عن رسوماتها، لكن قمر قاطعتها بسؤال مؤلم:


"وأبوكي فين؟"


كتبت أسيل بصعوبة، محاولةً ألا تبكي: "بابا ميعرفش عني حاجة غير إني صاحية وبتنفس، ومدي المسؤولية كلها على طنط رحاب. نادرًا ما بيسألها عن حالي، ونادرًا ما بشوفه، رغم إننا في نفس البيت. هو بيجتمع مع أولاد رحاب عشان ياكلوا، وأنا ما بآكلش معاهم بقالى سنين، حابسة نفسي في أوضتي، ما بخرج إلا للجامعة."


قالت قمر بحزن: "ليه كده يا بنتي؟ هي دي حياتك طول العشر سنين؟ حابسة نفسك ليه؟ ليه تبوظي حياتك ونفسيتك بالشكل دا؟ الحياة موقفتش."


اجتمعت الدموع في عيني أسيل قائلة بداخلها : "لا، وقفت عندكِ. لما ما بقيتش بحس بحنانك حواليا، لما اختفيتي من حياتي فجأة. اللي كنت مستنياه من بابا إنه يحتويني، لكن محصلش. جاتله سفرية بعد موتك على طول، وسابني في البيت مع شوية خدامين، وأنا عندي عشر سنين. كنت بعيط كتير لوحدي، ومحدش بيسمعني. كنت فاقدة النطق ومش عارفة أتكلم، بمسك صورتك وأحضنها وأطبطب على نفسي كأنها إنتِ. لما نزل من السفر، جريت عشان أحضنه وأقوله لو هيسافر تاني ياخدني معاه، لكنه رفض، وفضل شهر سايبني لوحدي في البيت. بعد شهر، جاب طنط رحاب وعيالها، وقال لي إنه اتجوزها وإنهم هيعيشوا معايا ويبقوا إخواتي. من يومها، ما شفتش ولا يوم حلو. تخيلي، يا ماما، دا أول عيد ميلاد أحتفل بيه. نسيت تاريخه من كتر السنين اللي عدت ومحتفلتش بيه. كنت بشوفه بيحتفل مع أولاد طنط رحاب بعيد ميلادهم، ويعمل لهم عيد ميلاد كبير، وأنا حتى ما بيفتكرش إن ليا عيد ميلاد ولا يفتكر تاريخه. كنت نكرة بالنسبة له، وكل ما كان بيبصلي، كان يدور وشه الناحية التانية."


صمتت أسيل وهي تخشى البوح بكل هذا كي لا تحزن والدتها عليها وحاولت تغيير الموضوع حيث تفهمت قمر هذا وعاودت الضحك معها في أمور عادية.


في روايتنا، نحن أمام ثلاثة أنواع مختلفة من الآباء. أولهم، والد أسـيل الذي نسي أن لديه ابنة، تركها مع زوجته معتقدًا أنه قد أدى واجبه بتوفير رعاية زوجة جديدة. كره ابنته لأنها تذكره بوجه زوجته الأولى، وجه اهتمامه إلى أولاد زوجته، يلاعبهم ويضحك معهم، بينما تجاهل ابنته كليًا. يتساءل في نفسه: هل تأكل؟ نعم. هل تشرب؟ نعم. إذن كل شيء على ما يرام، وأنا أب رائع. هذا النوع من الآباء يتصور أن الأبوة تنحصر في توفير الطعام والتعليم، وماذا بعد؟ لا شيء. يعتقد أن دوره ينتهي عند تعليم ابنته وإطعامها، دون أن يفكر في أن يظهر لها حنانه أو أن يعمل بصفته أبًا.


كان هناك أيام تمر دون أن يراها، يسمع فقط أخبارها عن بُعد.


أهذا أب؟ يؤسفني أن أقول لك، لا.


أريد أن أعرف آرائكم في شخصية شريف. هل يستحق لقب الأب بالنسبة لكم؟


________________________________


بعد انتهاء الحفل، وتلقي يارا التهاني من المعازيم في خطبتها، انصرف الجميع تاركين وراءهم أجواء الفرح والأمل. طلب عمر بلطف أن يصطحب يارا لعشاء رومانسي، وهو ما وافقت عليه رحاب بعد تردد واضح. لكن ذهن رحاب لم يهدأ؛ بدأت تبحث عن أسيل التي كانت غائبة عن الأنظار منذ ساعات.


______________________


بعد ساعاتٍ مرَّ يزن على بيت دعاء ليأخذ أسيل ويعيدها إلى منزلها كما اتفقا. عندما نزلت إليه، أشرقت على وجهها ابتسامةٌ خجولة وهي تتجه نحوه بخطواتٍ بطيئة. لاحظت فوراً أن يزن في وضع غير اعتيادي؛ فقد كان يخفي شيئاً خلف سترة بذلته، مما أثار فضولها. اقتربت منه بترددٍ، وعيناها تتابعان ما يخبئه، ثم نظرت إليه بتساؤلٍ صامت. بادلها نظراتها بابتسامةٍ خفية وقال:


"ماينفعش يكون عيد ميلادك وماجبلكيش هدية. بعد خطوبتنا، الصراحة معرفتش أجيب إيه. بحب الهدايا تكون لها معنى وتكون حاجة إنتِ محتاجاها فعلاً. وكنت ملاحظ حاجة وبتمنى تكون ملاحظتي صح. لقيت إن دي الحاجة الوحيدة اللي هتسعدك إن شاء الله."


ظلت تنظر إليه بعينين تائهتين، لم تستوعب تمامًا ما يقصده. قرر يزن إنهاء حيرتها، فأخرج قطة صغيرة لم تبلغ الشهر من وراء سترته. بُهِتت أسيل عندما لمحت القطة، ثم انفجرت ضحكًا من أعماق قلبها، كانت تضحك بفرحة عارمة. التقطت القطة بسرعةٍ من يده، واحتضنتها بحماسٍ، قافزةً في مكانها وكأن أمنياتها تتحقق واحدة تلو الأخرى، وكل ذلك بفضل يزن. شعرت بأن السعادة تتدفق في قلبها مجددًا مثل نهرٍ عارم. أخذت تداعب القطة بلطفٍ، بينما كانت القطة الصغيرة تلهو بخصلات شعرها. نظرت إلى يزن بامتنانٍ عميق، وركبت سيارته وهي منشغلة تمامًا بالقطة، وكأن العالم اختزل في تلك اللحظة. ضحك يزن على حالتها المتغيرة والطفولية نوعًا ما، وابتسامة رضا تملأ وجهه. وقبل أن يركب السيارة هو الآخر، لفت انتباهه وجود قمر في شرفة المنزل، تراقبهم من علٍ. كانت تنظر إليهما بنظراتٍ مفعمة بالسعادة والامتنان، وكأنها تشكر يزن على السعادة التي أدخلها على قلب ابنتها. بادلها يزن الابتسامة برقة، ثم ركب سيارته وتحرك بها نحو منزل أسيل. خلال الرحلة، كانت أسيل غارقة في انشغالها بالقطة، لم تستطع الالتفات عنها ولو للحظة. قال يزن ممازحًا، بنبرة مقتضبة:


"لو كنت أعرف إن القطة هتشغلك عني للدرجة دي، مكنتش جبتها."


ضحكت أسيل ضحكة رقيقة، صوتها الخفيض كأنه لحنٌ رقيق لكنه لمس قلبه بعمق. استمرت في تقبيل القطة بحبٍ، وفي تلك اللحظة تمنّى يزن لو كان هو القطة، لينال تلك القبلات الرقيقة التي تهطل على وجه القطة. تساءل في نفسه بصمت: "آه يا أسيل، ماذا تفعلين بي؟ كيف لكِ أن تأسريني بهذا الشكل، تجعلينني لا أفكر إلا بك؟ وأفكر بأشياء ليست من طبعي بتاتًا !"


اتفق معها على أن يوصلها إلى جامعتها لترى والدتها لبضع ساعات، ثم تعود مرة أخرى. سألها عن سبب إخفاء والدتها لهويتها رغم أنها ما زالت على قيد الحياة. أجابته بأنّها، كحالِه، لا تعرف السبب وتنتظر ما تخطط له والدتها وصديقتها دعاء.


وصلوا أمام منزلها، وتوقفت السيارة. انتظرها يزن لتنزل من السيارة، لكنها بقيت جالسةً تفكر في شيءٍ ما، عيناها تغرقان في تأملٍ صامت. حدق فيها يزن لوهلة، وكأنه قرأ ما يدور في عقلها. مد يده إلى الخلف وأخرج كيسًا يحتوي على مستلزمات القطة.


"خدي، دا كيس فيه أكلها ورملتها. ما تنسيش تدفيها كويس عشان الجو بارد. تصبحين على خير."


ابتسمت أسيل وأخذت الكيس، لكنها توقفت عندما سمعت كلماته التي أشعلت نبضات قلبها:


"تعرفي إنّي بحبك."


ثم أضاف بضحكة خفيفة، لطيفة:


"آه والله، طلعت بحبك... وقعت على بوزي زي ما بيقولوا."


تلاقت أعينهما، وعينيها مليئة بالدهشة والفرحة في آنٍ واحد. شعرت بقلبها ينبض بفرحٍ غامر، لا تعرف كيف ترد أو تتصرف، لكنها بقيت صامتة، تتأمل عينيه التي تغازلها برقة. أكمل يزن حديثه، ابتسامته تملأ وجهه وعيناه تتحدثان بلطف:


"وان جينا للحق... أنا موقعتش كده، ومحدش سمى عليا غير بسبب عيونك. أنا بحب عيونك بشكل غير طبيعي، وهما السبب إني أحبك."


لم تستطع أسيل أن تنطق بكلمة، بقيت تتأمل نظراته التي كانت تغرقها في عالمٍ آخر. تابع يزن كلامه، محاولًا أن يخرجها من صمتها:


"أنا بقولك كده عشان تعرفي إني هتجوزك لأنّي بحبك. مش بمثل على أهلي. لا، أنا بحبك فعلاً، وعشان كده هتجوزك. أي أسباب تانية بترجعلك، لكن أنا سببي واضح: هتجوزك عشان بحبك وبموت في عيونك."


ثم أضاف مازحًا:


"أنا ليه بقولك دلوقتي؟ عشان أنا ضد مرحلة الاستعباط. هتسأليني إيه هي مرحلة الاستعباط؟ هقولك: إنّي أكون بعمل كل حاجة الحبيب بيعملها، بس لسه معرفتكش إني بحبك. وده اللي بيجيبلي شلل. فقررت أفرغ كل اللي جوايا عشان مندخلش في المرحلة دي."


ضحكت أسيل بخفة، غير مصدقة ما سمعته. قلبها لم يستوعب بعد اعترافه بالحب، مما جعل وجنتيها تشتعلان حمرةً خجلاً وارتباكًا. في لحظة غمرتها الحيرة والفرح معًا، لم تجد أسيل ما تقوله أو كيف ترد. اكتفت بنظرة خاطفة إليه، عيناها تلمعان بخجلٍ واضح. شعرت أن حرارة الكلمات قد أضاعت عليها القدرة على التفكير السليم. كسرت حاجز الصمت فجأة، وفرَّت هاربة من أمامه، نازلة من السيارة بسرعةٍ، تركض نحو منزلها وهي تحمل القطة بين يديها، وقلبها يدق بعنفٍ لا تستطيع السيطرة عليه. تابعها يزن بنظراته وقال لنفسه:


"شكلي اتسرعت؟"


ثم أجاب نفسه:


"لا، لا، متسرعتش. دا الوقت المناسب. وأظن إنها حست بمشاعري طيلة الفترة دي. بعد ما حضنتني النهارده، اتأكدت إنّي لازم أصارحها. مهو مش تحضني وتسلب كياني كده وتسيبني وتمشي. دا اسمه استعباط وهي بتستعبط. ماشي يا أسيل، ادينا مستني. مش مستعجل تقوليهالي، بس اللي واثق منه إن مشاعري مش من طرف واحد. شعوري متبادل، لكن هي خجولة شوية، ساكتة حبتين، منعزلة شوية كتير، جميلة، مميزة، وفنانة، وشعرها ريحته حلوة، وعينيها... يا الله من عينيها. لو اتكلمت من هنا للصبح، مش هوفي قد إيه هما بيسحروني. لسه فاكر اليوم اللي قعدت أدور عليها، وأول ما لقيتها فضلت متنح زي الأهبل في عينيها. هيكدبوني لو قلت لهم إني حبيتها من اللحظة دي. أنا بحبها أوي، ولو حصلها حاجة، حاسس إنّي مينفعش أكمل حياتي من غيرها. هي امتلكتني من أول يوم شفتها فيه، ومعرفتش أفكر في غيرها. حاسس إني مجنون وأنا قاعد بتكلم مع نفسي كده، والحراس بدؤوا يبصولي. فلازم نتحرك يا يزن."


ثم أشعل محرك السيارة وانطلق بها نحو منزله، وبينما هو يفكر في حبيبته وروح قلبه، تذكر حديثه مع هدير بالحفل. 


____________________________


تعشى عمر ويارا معًا في أجواءٍ من الرومانسية الحالمة، تصاحبها موسيقى راقية تلامس الروح، وتأخذهم إلى عالمٍ من السحر والجمال. بدأوا في الرقص على نغماتها، بينما السعادة تتصاعد في أرواحهم ومشاعرهم تتزايد أكثر من أي وقت مضى، وكل منهما يعتقد بأن حبّه يفوق حب الآخر.


أنهيا عشاءهما ومع مرور الوقت شعر عمر بالحاجة لإعادتها إلى منزلها. نزل من سيارته ليفتح لها الباب، فترجلت يارا من السيارة بلطف. أغلق عمر الباب واقترب منها ليعانقها بشغف، احتضنها بقوةٍ كما لو أنه يخشى أن تنفلت من بين ذراعيه. ثم ابتعد قليلاً، ناظراً في عينيها بعمق، وقال بصوت يملؤه الحب:


"مش عاوزك تروحي. مش عايز اليوم يخلص."


أجابته يارا بنبرة مشبعة بنفس الحب الذي يملأ حديقها:


"ولا أنا كمان عاوزة أروح. حاسة إن فيه حاجة هتحصل بكرة. خايفة اليوم يخلص."


"ياريتني بقدر أخدك دلوقتي بيتي ونفضل سوا طول العمر."


زفرت يارا بعمق وهي تبتسم، مستسلمة لأفكارها التي راحت تتخيل حياتها معه. هذا التخيل جعلها تشعر بسعادةٍ غامرة، وقالت بصوت يملؤه التمني:


"ياريت."


نظر عمر إلى شفتيها، وأخذ يقترب منها بلهفةٍ، عينيه تغمض شيئًا فشيئًا مع تصاعد نبضات قلبه. أوقفه صوت يارا، وهي تبتعد عنه قليلاً بمرحٍ لتقول:


"كده أنا لازم أروح، يظهر بقينا في خطر."


ضحك عمر وهو يجيبها بتأكيدٍ:


"أنا فعلاً بقيت في خطر من ساعة ما بقيت شايفك، حبيبتي."


ابتسمت يارا، ثم اندفعت نحو صدره، تغمر نفسها في دفء حضنه، وهي تشم عبير عطره، وتسمع نبضات قلبه المتسارعة. أغمضت عينيها، تستمتع بشعور الأمان الذي يغمرها وهي في أحضانه. تمنت أن يبقى معها للأبد، وأن لا يكون للقدر رأي آخر.


ابتعدت عنه قليلاً، ناظرةً إلى عينيه الهائمتين بها، وقالت:


"أنا واخدة بالي إنك طالع باد بوي."


ضحك عمر بخفة وأجاب:


"يا ستي، أيوة، أنا باد بوي، وبعترف بكده."


ردت يارا بمرحٍ:


"ما عنديش مشكلة تبقى باد بوي، بس لما نتجوز. حالياً مش مسموح لك تبقى باد بوي معايا، ميصحش."


ابتسم عمر وقال بصدقٍ:


"طب أعمل إيه؟ مش قادر أكون إنسان طبيعي قصاد جمالك وخصوصًا انك احلويتي في نظري اوي بعد ما بقيت بحبك."


فجأة، بدأت الأمطار تتساقط بغزارةٍ على رؤوسهم، فركضت يارا نحو منزلها، محاولةً الاحتماء من المطر. لكن عمر، بلمحةٍ سريعة، أمسك بيدها في اللحظة الأخيرة. التفتت يارا إليه، عيناها مليئتان بالدهشة، لكنها لم تستطع فهم ما يريد. فجذبها عمر نحوه بقوةٍ، مما أدى إلى التصاقها به. شعرت بيده تلف خصرها، فأحاطت عنقه بذراعيها، وبدأا يرقصان بانسجامٍ تحت المطر. كانت موسيقى الهواء والأشجار وقطرات المطر تصنع لحنًا خاصًا، أطرب أرواحهما وأذهبهما إلى عالمٍ لا يعرفه إلا العاشقون.

______________________


-كنتِ فين كل دا وليه اختفيتي من الحفلة وايه القطة دي كمان؟؟! 


ابتسمت اسيل وكتبت بدفترها: "النهاردة عيد ميلادي ويزن خرجني وعملي مفاجأة برا وجابلي القطة دي هدية." 


شعرت رحاب بالغيرة من فرحة تلك الفتاة كيف لها أن تفرح منذ متى وهي تحتفل بعيد ميلادها هذه السنة هي السنة الاولى التي تتذكر بأن اسيل لديها عيد ميلاد مثل باقي البشر!


يزن يحقق لها امانيها ويسعدها كثيرًا كل هذا عكس ما تخيلته... كانت تتمنى لها حياة مليئة بالتعاسة مع زوج لا يهتم بها ولكن أتى يزن من حيث لا تدري وظل يهتم بأسيل ويخاف عليها حتى طلب بأن يتزوجها والظاهر بأنه قد أحبها ايضًا


فقالت باستهزاء محاولة إخفاء غيرتها: 


"قطة!!فيه حد يجيب قطة هدية؟ هو بخيل ولا ايه مجابش عقد الماس او خاتم سوليتير دا من عيلة كبيرة وغني ازاي يجيب هدية زي دي رخيصة؟!" 


ابتسمت اسيل بهدوء وكتبت بدفترها"ليس المهم نوع الهدية، بل مدى اهتمام الشخص برغباتك واحتياجاتك. يزن فهم دا وجاب لي شيئًا يعبر عن حبه واهتمامه بيا، ودا عندي أهم بكثير من أي هدية ثمينة ."


لم تستطع رحاب إخفاء استياءها، فصعدت أسيل إلى الطابق العلوي بعد ما قرأت رحاب ما كتبته، مما أثار غضبها الداخلي حيال تصرفات هذه الفتاة.


__________________________


كانت هدير ستعود إلى منزلها ولكن تفاجأت بالأمطار تهب صرخةً واحدة فقررت بأن تذهب بسيارة أجرة توصلها لمنزلها ولكن مصطفى كان خائفًا وقلقًا عليها في هذا التوقيت من ايجاد سيارة مناسبة توصلها بأمان فقرر بأن يوصلها بسيارته إلى منزلها ولم تعقب رحاب على هذا القرار، فاعصابها أرهقت اليوم لما يكفي فصعدت إلى غرفتها لتحتسي كوبًا من الليمون بالماء الدافئ لتهدئة أعصابها مما يفعله بها أولادها.


في تلك الأثناء، جلست أسيل في غرفتها تحدق في المطر الذي يتساقط خلف النافذة. لم يكن بإمكانها سماع صوت المطر، لكن رؤيته ذكرتها بيوم مشؤوم مر عليها، مما جعلها ترتجف خوفًا. أثناء تفكيرها، رن هاتفها ليعلن عن مكالمة واردة من يزن. شعرت بالخجل من محادثته بعد ما قاله لها، لكنها أيضًا كانت بحاجة إليه الآن. فتحت المكالمة بسرعة، وظهر يزن في مكالمة الفيديو، ينظر إليها بقلق قائلاً:


"لو سامعة صوت المطر، هاتي سماعات وحاولي تشغلي أي أغنية تشتتك عن الصوت."


ابتسمت أسيل بخجل وكتبت له رسالة نصية: "لا، الشباك معزول عن الصوت. أنا بس شايفاها من الشباك وحاسة بالخوف شوية."


قرر يزن أن يلهيها عن مخاوفها قائلاً:


"والقطة عاملة إيه؟"


نقلت أسيل الكاميرا نحو القطة التي كانت نائمة بأمان بجانبها على الفراش، وكتبت له: "زي الفل، أكلتها ونامت زي ما أنت شايف. بجد يا يزن، شكرًا على كل حاجة عملتها النهاردة. حسيت أني أسعد إنسانة على الكوكب."


ابتسم يزن وأجابها: "أوعدك، مش هتلاقي أي يوم يزعلك طول ما أنا معاك. صدقيني يا أسيل، هحاول بقدر الإمكان أخلي البسمة دايمًا على وشك، ومش هيجي يوم تحزني فيه طول ما أنا معاك. متخافيش."


استمر الحديث بينهما طوال الليل، وكل منهما يغمره إحساس جميل وصادق. حاولت أسيل أن تتجاهل ما قاله في المكالمة السابقة، وأن تتعامل معه بشكل طبيعي، فتبادلوا الأحاديث والضحكات، وعاشا لحظات من الدفء والطمأنينة، مما جعل الخوف يتلاشى ببطء.


_____________________


عندما انطلق مصطفى وهدير بالسيارة، لاحظا يارا وعمر يرقصان بعيدًا، فابتسمت هدير وقالت: "باين بيحبوا بعض، ربنا يكمل فرحتهم على خير."


فأجابها مصطفى بدهشة: "أوه، يعني بتفهمي في الحب؟ تعرفي إيه عن الحب؟"


ردت هدير بثبات وهدوء: "ايوة حبيت قبل كده، بس حب من طرف واحد مظنش انه كان واخد باله مني وهو دلوقتي متجوز وعنده أطفال." 


سألها مصطفى بفضول: "طب وليه مفكرتيش تقوليله او تصارحيه بِحُبك؟" 


أجابت هدير بعمق حزين قائلة: "عشان هو دا اللي كان مقدر انه يحصل... مكنتش طمعانه بانه يحبني ونجتمع ونتجوز... انا احلامي على قدها والحب دا مش للي زيي." 


تساءل مصطفى بإسغراب: "ليه بتقولي كده؟؟" 


أجابت هدير : "عشان انا أم لطفلين يا مصطفى ومفيش راجل هيقبل ان اخواتي يبقوا معايا في نفس البيت اللي هتجوز فيه كل واحد هيقول انا عاوزك بس وانا مش هرمي اخواتي في الشارع دول ملهمش حد غيري... دول عيالي مش اخواتي."


ابتسم مصطفى وقال: "يعني هي دي مشكلتك بس؟ "


أجابت هدير بثبات: "ايوة واعتقد ملهاش حل غير اني احافظ على اخواتي لحد ما اكبرهم واعلمهم ويكونوا احسن ناس." 


-طب وأنتِ يا هدير مش بتفكري في نفسك ليه؟ 


أجابت هدير وهي تبتسم باستسلام: "عشان انا كبرت وضاعت حياتي فمش عايزه حياتهم هم كمان تضيع بتمنى يعيشوا احسن مانا عيشت." 


انتهى حديثهم بشرود مصطفى وهو يفكر بها بتمعن ويرى نقاءها بالداخل كم هو محظوظ لانه احبها لقد اختار الانسانة الصحيحة. 


في تلك الليلة العاصفة، حينما وصلوا إلى بيت هدير، ساد صمت مهيب قطعته قطرات المطر التي كانت تهطل بغزارة. قبل أن تهم هدير بالنزول من السيارة، أوقفها مصطفى برفق. نظر إليها بابتسامة دافئة وأخرج مظلة، ناولها إياها بحذر لكي تحتمي بها من المطر الغزير. تحركا معًا نحو بيت مدام فردوس، جارتهم الطيبة، حيث كان إخوتها الصغار ياسين ودارين ينتظرونها.


بينما عادت هدير مع أخوتها، غاب مصطفى لدقائق ثم عاد حاملاً أكياسًا بداخلها بعض الحلوى. استقبله ياسين ودارين بفرحة طفولية، تضاعفت عندما اكتشفوا ما يحمل. انعكست الفرحة على ملامح هدير، إذ شعرت بالدفء من سعادتهما، وشكرت مصطفى بنظرة معبرة. وعندما وقفوا جميعًا أمام باب منزلها، همّت هدير بإعادة المظلة له. مدّت يدها لتسليمه إياها، إلا أن مصطفى بحركة مقصودة وناعمة، أمسك بيدها الممسكة بالمظلة. تعلقت أنظارهم لبرهة، تلك اللحظة كانت تحمل في طياتها كلمات غير منطوقة، مشاعر خافتة لكنها واضحة. استيقظت هدير على صوت دارين الذي جاءها من الداخل، فانسحبت يدها بتوتر وحيّت مصطفى بنظرة أخيرة قبل أن تغلق الباب.


بداخل المنزل، استندت هدير على الباب المغلق، تحاول تهدئة نبضات قلبها المتسارعة. وضعت يديها على صدرها، وأخذت شهيقًا عميقًا، ثم زفرت ببطء، محاولة تنظيم أنفاسها.


في الخارج، ركب مصطفى سيارته وأدار المحرك، والابتسامة لا تزال مرسومة على وجهه. تلك الذكرى، ذكرى لمسة يديها، عادت به إلى اللحظة التي تعانقا فيها عند محطة القطار، حين أنقذه الناس من الموت. تذكر كيف كانت خائفة عليه، وكيف دعمته عند قدومها للعمل في منزله ومساعدته على الشفاء من مرضه. كل تلك اللحظات، كل تلك المشاعر المختلطة، جعلته يدرك بوضوح أنها تبادله الحب بنفس القوة التي يشعر بها تجاهها. قرر أنه لا يمكنه التأجيل بعد الآن؛ عليه أن يصارحها بمشاعره. كانت نيته أن يتقدم للزواج بها، ليخفف عن كاهلها الأعباء، وليؤمن لها ولإخوتها حياة هادئة ومستقرة. فكر في أنه لن يمانع بقاء ياسين ودارين معهم، إذ أنه يحبهم ولا يريد أن يفرق هدير عنهم، فهي الوحيدة القادرة على رعايتهم والاعتناء بهم، وهو يريد أن يكون جزءًا من تلك العائلة الصغيرة، محاولًا أن يقدم لهم جميعًا الحياة التي يستحقونها.

_______________________________


دخلت يارا المنزل أخيرًا بعد صراع طويل مع عمر. شعرت بثقل البلل الذي تركه المطر على خصلات شعرها، فطلبت منشفة من الخدم لتنشف شعرها الذي تساقطت منه قطرات الماء كحبات اللؤلؤ. صعدت إلى غرفتها، وجلست على فراشها، تحاول أن تجد لحظات من الراحة.


لم تمضِ لحظات حتى فتحت والدتها باب الغرفة ودخلت، وأغلقت الباب خلفها بحركة حازمة. التفتت إليها بنظرة تحمل مزيجًا من القلق والغضب.


"ما لسه بدري "


عندما رأت يارا والدتها، هرعت نحوها لتعانقها وهي مفعمة بالسعادة، قائلة: "ماما انا فرحانة اوي بجد مش قادرة اتخيل ان حياتي هتبقى حلوة مع الشخص اللي بحبه" 


ردت والدتها بنبرة مشككة: "باين انك بتحبيه اوي!" 


أجابتها يارا بحماس: "اه يا ماما وهو كمان بيحبني مش مصدقة ان هيجمعنا بيت واحد في يوم ونعيش سوا طول العمر." 


نظرت والدتها إليها بنظرة متجهمة وقالت: "بس متبقيش تزعلي بعدين" 


استغربت يارا كلمات والدتها وسألتها: "ازعل؟ ليه ازعل؟" 


أجابت والدتها بحدة: "عشان بعد الجواز الفرحة اللي في عينيك دي هتختفي." 


ضحكت يارا، معارضةً، "لا يا ماما انا متأكدة ان عمر بيحبني وبعد الجواز حبه ليا هيزيد اكتر." 


نظرت والدتها إليها بجدية قاسية وقالت: "وانتِ عمرك شوفتي واحد خد اللي عايزه من واحدة ورجع حبها هو بيتجوزك وهيرميكي في بيته واحتمال يشوفله واحدة تانيه ولو نطقتي هيرميكي انتِ وابنك." 


ارتعدت يارا قائلة: "ايه يا ماما اللي بتقوليه دا عمر بيحبني." 


قست نبرة والدتها: "هيحب فيك ايه ما تفوقي بقا فاكراه واقع في حبك انت ناسية اننا اغنى منه وهو عمل كده عشان يتجوزك وياخد كل فلوسك." 


صرخت يارا غاضبةً: "يا ماما ليه لما بتشوفيني فرحانة لازم تعكنني عليا هو بيصعب عليكِ تشوفيني فرحانة؟" 


ردت والدتها ببرود: "انا بفتح عينك على اللي انت مش شايفاه عمر مش بيحبك لانه لو بيحبك كان اتجوزك قبل ما يعمل عملته ولو افترضنا انه حبك في الوقت دا فهو حاليا الحب دا اختفي من بعد ما سلمتيله اغلى ما عندك وعمره ما......" 


قاطعتها يارا بصرخة حادة: "بس بقى بس بقى يا ماما انت مش فاهمة اي حاجة.... انا مسلمتش نفسي لحد ارجوكِ كفاياا." 


اشتعلت عينا والدتها بغضب مفاجئ وسألت: "يعني ايه؟ اغت صبك؟؟؟؟ 


انهارت يارا بالبكاء وقالت: "لا يا ماما، لا."


هبت والدتها كالعاصفة، أمسكَت بها بقوة وصرخت: "اومال ايه الطفل دا جيه ازاي انطقي" 


جلست يارا على الفراش، مغلوبةً على أمرها، تبكي بمرارة وبدأت تسرد كل ما حدث بينها وبين عمر منذ أن عرفت بحملها. قالت لوالدتها عن كذب عمر وخططه، وأنه ادعى أبوته للطفل ولكنه ليس والده الحقيقي، وهي لا تعلم من يكون والد هذا الطفل.


استمرت يارا في البكاء بينما احتضنتها والدتها بحنان لأول مرة، وقد اجتمعت الدموع الساخنة في عينيها، تتوعد بالانتقام لمن أوقع هذا الظلم بابنتها. ابتعدت يارا قليلًا عن حضن والدتها وسألتها رحاب، بنبرة تخفي بين طياتها ألمًا عميقًا:


"وليه مقولتليش ليه خبيتي عليا ومثلتي معاه في نفس تمثليته؟" 


أجابت يارا بحزن: "عشان مكنتيش عايزة تسمعيني انت كنت فكراني غلطت لكن انا والله ما غلطت يا ماما." 


قالت والدتها بحزم: "بس كده مينفعش تتجوزي عمر الا لما تولدي عشان الولد ميتنسبش لاب تاني." 


"هو كان هيتجوزني لغرض حمايتي من عيون الناس لو عرفوا اني خلفت وانا لسه متجوزتش وكان خايف انك تخليني اجهض غصب عني كان هيبقى جواز على ورق عشان الكل يعرف اني متجوزة لكنه كان بعد كتب الكتاب هيروح يشوف الطفل دا من انهي واحد وهيعمل بلاغ للشرطة وكله كان هيبقى في المتداري لحد ما نعرف ابو الطفل." 


نظرت والدتها إليها بتفكر وقالت: "ولما تعرفوه؟..... هتسيبي عمر وتتجوزي ابو الطفل؟" 


فكرت يارا لبرهة ثم قالت: "لا مش هتجوزه بس هكتب الطفل باسمه ونربيه انا وعمر وهو هيتعاقب." 


نظرت والدتها إليها بعينين دامعتين وقالت: "بس انتِ كده بتظلمي عمر معاكِ." 


سألت يارا: "يعني ايه؟" 


قالت والدتها بحزن: "يعني سيبيه يا بنتي يشوف حاله وانا اوعدك اني هاخدلك حقك من اللي عمل كده ومش هنعمل اجهاض وهنعرف مين اللي عمل الجريمة دي بس سيبي عمر هو ميتساهلش منك كل دا هو اه وقف جمبك ومرضيش يساعدك لان انا كنت رافضة اساعدك بس انا دلوقتي بقولك انا هاخدلك حقك من اللي عمل فيكِ كده ومش هسكت بس سيبيه هو يشوف حياته متربطيهوش بيكِ. "


قالت يارا بدموع: "بس انا بحبه. "


قالت والدتها بحدة: "بس هو مبيحبكيش يا يارا اللي بيتنازل عن كل دا يبقى طمعان مش بيحب مفيش راجل هيقبل على نفسه اللي عمر عامله سيبيه يا يارا انا اللي بقولك هسيبك تنامي مرتاحة النهاردة وفكري في اللي قولتلك عليه تصبحي على خير." 


خرجت رحاب من الغرفة، تمسح دموعها، ودخلت غرفتها لتلقي بجسدها بجانب شريف الذي كان نائمًا. لكن دموعها لم تتوقف. تساءلت في صمت، هل تُعاقب الآن على ما فعلته في الماضي بابنتها الوحيدة؟

________________


استيقظ الجميع في ذلك الصباح ليجدوا أن يارا ليست في غرفتها. هَرَع الجميع ينادونها في أرجاء المنزل، ورحاب كانت في قلق شديد عليها. تساءلت إلى أين ذهبت، فأخبرهم الحارس بأنها غادرت المنزل بسيارتها في الصباح الباكر. حاولوا تتبع مسار السيارة عبر الكاميرات، لكن دون جدوى؛ إذ كانت قد سلكت طريقًا خاليًا من الكاميرات.


في ظل قلقها الشديد، اتصلت رحاب بعمر


أجابها عمر وقال بود: "ازي حضرتك يا طنط كنت متفق مع يارا اننا نخرج النهاردة بعد ما اخلص شغل هعدي عليها هي قالت لحضرتك مش كده؟" 


قالت رحاب ببكاء:

"يارا مش في البيت يا عمر ومحدش عارف هي راحت فين.... اول مرة اطلب منك طلب انا عاوزة بنتي يا عمر انا عرفت كل حاجة ومستعدة اساعدها ومش هخليها تجهض الطفل بس ترجع وانا هجيبلها حقها خليها ترجع يا عمر هاتلي بنتي..." 


أغلق عمر الهاتف بسرعة ثم غادر عمله مبكرًا، وأخذ يبحث عنها بالشوارع كالمجنون، لا يصدق ما حدث. الأمس كانت يارا أسعد إنسانة، واليوم اختفت!


تساءل في نفسه بحرقة وألم شديد على فقدان حبيبته: "أين أنتِ يا يارا!


         الفصل السابع والعشرون من هنا 

     لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات