رواية الماسة المكسورة الفصل الثالث والستون 63 ج2 بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الثالث والستون 63 ج2

بقلم ليله عادل


تبسمت ماسة بأمل: ليه متأكد كده؟ يمكن يقدروا يبنوا عش، يمكن يقدروا يحافظوا على نفسهم، يمكن...


قاطعها سليم بعقلانية شديدة وهو يشير بيده للقفص: كلمة "يمكن" دي أنا ما بحبهاش، لأنها مبنية على الاحتمالات. والاحتمالات مبنية على حاجتين يا نجاح يا فشل. يا هيواجهوا مصير مؤلم يا يواجهوا مصير كله أمل ونجاح. لازم نكون منطقين أكتر ..


أشار بيده نحو القفص استرسل بعقلانية شديدة أضاف:

العالم بره حدود القفص ده مرعب يا ماسة، مش زي ما انتي شايفاه ورود قرنفل وسعادة. صدقيني، هنا حياتهم أفضل ومحمية،هما ماواجهوش قبل كده أي مشاكل، طول عمرهم جوه القفص ده...كأنهم اتولدوا في بوقهم معلقة دهب، فجأة بعد كل ده عايزة تفتحي لهم القفص ويطيروا وتقوليلهم يلا واجهوا مصيركم يلا غامروا..عشان تزقزقوا بكل حريه وتطيروا بسعادة، !!! بس خدوا بالكم نسبه نجاتكم لا تتعدى الأسبوع. 


ماسة بتأثر: للدرجة دي متأكد إن فرصة نجاتهم هتكون مستحيلة؟


سليم هز رأسه بثقة: أنا ممكن أثبتلك كلامي، بس خايف تندمي لو شوفتي النتيجة.


هزّت ماسة رأسها نافية بتوتر...أكمل سليم متسائلًا:

وهو بضيق عينه: ليه غيرتي رأيك خوفتي؟


ماسة بتأثر ممزوج بتوتر: مش هاقدر أتحمل الذنب..


رفعت عينيها له قالت بنوع من الحكمة:

أنا عارفة إنهم هيواجهوا صعوبة في البداية، عشان يبنوا عش ويجيبوا أكل وشرب، بعد كل حاجة ما كانت متوفرلهم، وانهم مكنوش يعرفوا حاجة بره حدود القفص ده، بس هما من حقهم يعرفوا إن في حدود بره القفص ده، في عالم كبير، حياة جميلة، حرام إني أسرقها منهم، وفي نفس الوقت ماينفعش أجيب واحد مابيعرفش يعوم و أرميه وسط الموج وأقول له يلا عوم، انا كده بحكم عليه بالهلاك،( بحيرة نظرت لهم) انا مش عارفة بس أنا برده مابحبش أشوفهم محبوسين مابحبش أشوف أي حيوان محبوس ومسلوب منه حريته.


سليم بحكمة: صدقيني يا ماسة أحيانا بتكون الحبسة دي حماية ليه من أذى كبير هو مش عارفه ومش واخد باله منه، هي غلط بس مافيش غيرها والا هيكون مصير العصفور المسكين الهلاك وهيواجه رحله عذاب وقتها هيندم وهيبقى نفسه يرجع لقفصه الدهبي مرة تانية.


ماسة: فهماك خلينا نمشي 


هزّ سليم رأسه بالموافقة. قبل أن تتحرك، نظرت ماسة للعصافير داخل القفص. كانت تزقزق وتلعب، لكنها محبوسة داخل حدودها. ثم نظرت حولها للعالم الكبير، تنهدت بتحسر وتحركت.


عادت ماسة من شرودها بعينين ترقرقت بالدموع كأنها أدركت أنها أصبحت مثل تلك العصافير وأن هذه هي طريقة سليم في التفكير لكي يحافظ على حياة من يحب حتى لو على حساب حريتهم، 

نظرت حولها إلى الغرفة، ثم إلى الأسوار التي تحيط بها. شعرت وكأنها محبوسة داخل قفصها الخاص، قفص صنعه الحب والخوف عليها. تنفست بعمق، وابتلعت ألمها في صمت، متأرجحة بين فهم دوافعه ورغبتها الجامحة في التحرر.


   ♥️________بقلمي_ليلة عادل_______♥️


ومع مرور الوقت، بدأت ماسة تلاحظ تغيرًا في نفسها. لم تعد تجد الدافع للاستيقاظ مبكرًا كما كانت تفعل، أصبحت تشعر بالكسل تجاه ممارسة الرياضة التي كانت تمارسها بانتظام. تدريجيًا، بدأت الأمور تتغير، وفقدت الشغف الذي كانت تشعر به تجاه الأنشطة وكل شئ كان يملأ وقتها.


بدلاً من ذلك، أصبحت تقضي وقتها أمام التلفاز، تشاهد المسلسلات والأفلام، وكلما مر الوقت، أصبح التليفزيون هو وسيلتها الأساسية لتمضية الوقت. بدأ هذا الروتين يسيطر على حياتها، وتحولت إلى حالة من التكرار الممل.


كما أصبحت تنام في وقت متأخر، وتدريجيًا أصبح النوم يطول بشكل أكبر حتى إنها بدأت تستيقظ مع ساعات الظهيرة، ثم تحولت إلى الاستيقاظ في وقت العصر، ومع مرور الأيام أصبحت تستيقظ مع حلول المساء.


أما سلوى، فقد أصبحت مشغولة بدراستها في الجامعة، ولم تعد تزورها كما كانت تفعل في السابق. ونتيجة لذلك، بدأ الوقت ينقضي على ماسة وهي تشعر بالوحدة، حيث لم تجد حولها أي شخص يساندها أو يساعدها على تخطي ما تمر به.


بدأت ماسة تشعر بعدم القدرة على مواجهة أحد، خاصة سليم. تراجعت مشاعرها تجاهه، وأصبحت العلاقة بينهما شبه مقطوعة، كل واحد منهما مشغول في عالمه الخاص. 


💞_____________بقلمي_ليلةعادل 


جناح سليم وماسة الثانية عشر صباحاً 


نرى ماسة مستلقية على الفراش، وسليم يضع قبلات متفرقة على وجنتيها وعنقها، ثم قبلته العميقة على شفتيها التي لم تبادله إياها. كان يحاول بكل ما أوتي من حب أن يذيب جليد جسدها المتجمد، لكن ملامحها كانت بعيدة، غير تلك التي يعرفها ويشعر بها كلما اقترب منها. كانت نظراتها باردة، بينما هو يمرر شفتيه على بشرتها بحنان، وكل قبلة تحمل أملًا في أن يشتعل شيء داخلها، لكن لم يفلح. كان منتبهاً بشدة، همس بين القبلات بصوت يكاد يضيع وسط تنفسه المتسارع: كم أشتاق إليكِ، وأعشقكِ، لكن ملامحها بقيت ثابتة، وكأن جسدها لا يجيب على نداءاته.


ابتعد قليلاً، نظر إليها بعينين مليئتين بالشوق، وأنفاسه تتسارع أكثر، وكأن كل لحظة تمر تزيده إحساسًا بالفقد.


سليم، بصوت ضعيف من شدة الشوق: مالكِ؟


نظرت ماسة إليه بصمت، وكأن كلماتها غارقة في مشاعر مختلطة: مالي؟


سليم، وهو يمرر أصابعه برفق على خدها، تاهت عينيه في تفاصيل وجهها: مش معايا خالص... تعبانة؟


هزت ماسة رأسها بلا، صوتها خافت، وكأنها تتنفس بصعوبة: أنا كويسة.


ابتعد عنها قليلاً، استلقى على ظهره، وضمها إليه بكل مايملك من قوة كأنه يخشى فقدانها: لا... أنتِ مش معايا خالص.


ماسة، بتساؤل خفيف في صوتها: أنت بعدت ليه؟


سليم، بنبرة مليئة بالحرقة والألم: لما تكوني في المود، لكن كده مستحيل... حتى لو كنتِ وحشتيني.


ماسة بجمود: بس أنا كويسة، على فكرة... أنت اللي أوفر. بس قولي، ليه مستحيل؟


سليم، بألم يغلف كلماته: مستحيل... عشان مقدرش أقرب منكِ وأنتِ مش حابة كده. لازم ده يحصل، وأنتِ معايا بكل مشاعرك، مش بس جسمك.


ماسة بصوت ينساب كهمسات خافتة: أمم، بس أنا مازلت بقولك، إنت حسيت غلط.


نظر لها سليم وتبسم في صمت، ثم وضع قبلة على جبينها، فهو يعلم أنها تكذب عليه ولا تريد أن تصارحه بذلك.


ماسة: طيب، أنا هقوم ألعب على الكمبيوتر شوية.


سليم بحب وهو يقربها عليه: خليكي في حضني شوية. خلينا نتكلم مع بعض احنا مابقيناش نتكلم خالص يا ماسة أنا مابقتش بشوفك أصلاً غير كام ساعة.


ماسة متعجبه: هنتكلم في إيه؟ وبعدين إنت اللي بتنام بدري.


سليم: نتكلم بأي حاجة... هو هيفضل نومك بايظ كده.


ماسة بشدة: لو هنتكلم في الموضوع ده يبقى بلاش... تعالى نلعب مع بعض البلاي ستيشن.


سليم متعجباً: يعني ايه بلاش يا ماسة أنا بقول لك أنا مابقتش بشوفك.


ماسة بجمود: هتقوم تلعب معايا والا لا.


سليم تنهد: ماشي، روحي حضري عقبال ما أجي.


نهضت ماسة وبدأت في تحضير البلاي ستيشن، وسليم كان ينظر إليها في صمت، لا يعرف ما الذي أصابها، فمثل هذه اللحظات الصعبة لم تحدث بينهما منذ زواجهما.


وبالفعل، بدأت ماسة بتحضير البلاي ستيشن، وعندما جاء سليم، بدأا يلعبان معًا طوال الليل، يحاولان الهروب من صمت عاطفي ثقيل يضغط عليهما.


((بعد أيام قليلة))


جناح سليم وماسة الرابعة مساءً 


كانت ماسة مستغرقة في نومها العميق، وقد تجاوزت الساعة الآن الرابعة عصرًا.


دخل سليم الغرفة كعادته ليوقظها، فخلال الفترة الأخيرة أصبحت ماسة تستيقظ في هذا الوقت. كان سليم يحرص على العودة من عمله سريعًا ليقضي معها ماتبقى من اليوم، محاولًا تعويضها عن فترات غيابه.


وعلى الرغم من أن يومهما يبدأ معًا، إلا أن الليل ينتهي بسليم مستسلمًا للنوم بينما تكمل ماسة سهرها وحدها حتى الصباح. بالنسبة لسليم، لم يكن ذلك يشكل خطرًا أو إزعاجًا، بل كان يشعر بالراحة لكونها لم تعد تثير مشاكل بسبب بقائها في القصر.


لكن هذه المرة، عندما حاول إيقاظها، بدا الأمر مختلفًا...


ماسة بضيق: سليم، سيبني أنام، مش قادرة! عايزة أنام.


سليم بمزاح:؟ الساعة بقت 5! قومي، أنا جيت.


ماسة بضجر: يعني إيه جيت؟ أنا أصلاً نايمة الساعة ١٢ الظهر. سيبني بقى!


لكن سليم لم يستسلم، وأمسكها بمزاح وإصرار: يلا يا قطعة السكر، أنا جيت عشان نقعد سوا!


فاجأته ماسة بصرخة حادة وهي تشد نفسها بعيدًا:

سليم! بقولك عايزة أنام!


استدارت مرة أخرى ووضعت الوسادة فوق رأسها. وقف سليم للحظات صامتًا، ينظر إليها بحيرة. مد يده ولمس وجهها برفق، ثم استدار وخرج من الغرفة.


بعد ساعات، استيقظت ماسة وكانت الساعة تقترب من السابعة مساءً. بدا عليها التعب والأرق، ولم تكن الساعات التي نامتها كافية لتعويض إرهاقها. لم تهتم بمظهرها كثيرًا، واكتفت بغسل وجهها قبل أن تنزل إلى الطابق السفلي بالبيجاما.


كان الجميع يجلسون على الهول بانتظار تجهيز السفرة لتناول العشاء.


ماسة بصوت خافت: مساء الخير يا جماعة.


هبة بابتسامة: مساء النور! أخيرًا صحيتي... بقيتي بتنامي كتير أوي!


جلست ماسة وهي تنظر إلى هبة بطرف عينيها، دون رد ثم صرخت: سحر! اعمليلي نسكافيه!


سليم بهدوء: اصبري شوية، هنتعشى الأول.


ماسة: لا، أنا عايزة نسكافيه دلوقتي أفوق وأركز.


فريدة بصوت هادئ: يلا يا ماسة، خلينا نقعد على السفرة.


بدأ الجميع ينهضون ليتوجهوا للسفرة، إلا أن سليم اقترب من ماسة وقال بجدية:

الموضوع زاد عن حده يا ماسة، كده مش حلو.


ماسة ببرود: ليه مش حلو؟ أنا مبسوطة كده! مش فاهمة إنت متضايق ليه؟ وبعدين ده أول يوم أصحى متأخر كده!


سليم: ماسة، افهمي...


ماسة مقاطعة: فكك مني يا سليم! أنا مرتاحة ومبسوطة. روح كُل معاهم.


سليم بحزم: مش هاكل غير معاكي.


نظرت إليه بلامبالاة، ثم قالت: أنا هدخل الليفنج روم أشوف المسلسل بتاعي.


سليم بهدوء: ماشي... ندخل سوا.


دخل معها الغرفة، لكنها ظلت تنتقل من مسلسل لآخر دون أن تهتم بحديثه. حاول فتح حوار معها، لكنها كانت شاردة تمامًا تناولو العشاء في وقت متأخر.


وعندما حانت الساعة الواحدة صباحًا، قال سليم بتعب: ماسة، أنا مش قادر أكمل... هنام.


ماسة بصوت خافت: طب استنى شوية واتفرج معايا على الفيلم!


سليم: مش قادر، خلاص فصلت. تصبحي على خير.

مطوليش.


وضع قبلة على جبينها وغادر إلى غرفة أخرى، بينما استمرت ماسة بمشاهدة التلفاز، ثم انتقلت إلى اللعب على اللابتوب حتى ساعات الصباح الأولى.


مع بزوغ الفجر، بدأ الجميع في الاستيقاظ لتناول الإفطار، بينما سليم كان لا يزال في جناحه.


في جناح سليم وماسة


استيقظ سليم ببطء، ومد يديه على الفراش بحثًا عن ماسة، لكنه تفاجأ بعدم وجودها بجواره. فتح عينيه بدهشة وغمغم لنفسه:

مستحيل تكون لسه صاحية... عملتها تاني!


تنهد بضيق وهو يحاول استيعاب الأمر، ثم نهض وغسل وجهه قبل أن ينزل إلى الطابق السفلي. هناك، وجدها جالسة في غرفة الجلوس أمام اللاب توب، تتابع فيلمًا بتركيز شديد.


سليم مندهشًا: ماسة! لسه صاحية؟


ماسة بعينين مثقلتين بالنعاس: آه... الفيلم ده حلو جدًا، قرب يخلص.


سليم ينظر إلى الساعة: ماسة، الساعة 6:30 الصبح!


ماسة بلا مبالاة: طب إيه المشكلة؟ حتى لو الساعة بقت 6 المغرم... هو أنا ورايا حاجة؟


سليم بجدية: لازم نتكلم في الموضوع ده.


ماسة بضيق: بعدين يا سليم، مش دلوقتي. غير هدومك عشان الفطار قرب يتحضر، أنا جعانة.


نظر سليم إليها للحظات، ثم زفر بضيق. لم يكن هذا الوقت مناسبًا للنقاش. صعد إلى غرفته لتبديل ملابسه استعدادًا للخروج إلى العمل، ثم عاد إلى الطابق السفلي ليتناول الفطور بصمت.


خلال الإفطار، حاول مجددًا فتح الحديث معها، لكنها تملصت بحجة شعورها بصداع ورفضت النقاش.


في نفس اليوم، استمرت ماسة في نمط حياتها الغريب. نامت الساعة 12:00ظهرًا بعدما رفضت دعوة والدتها وسلوى لزيارتهما.


وعندما عاد سليم في الرابعة عصرًا لإيقاظها، استقبلته بصراخ ورفضت النهوض. استيقظت أخيرًا في الثامنة مساءً، ووجدته جالسًا على الأريكة ينتظرها بملامح متجهمة.


ألقت تحية صباحية سريعة، غسلت وجهها، ثم طلبت كوبًا من النسكافيه وجلست بجانبه.


ماسة: جيت إمتى؟


سليم: جيت الساعة 4:00.


ماسة تبتسم بكسل:هو إنت مش عندك مشاريع وحاجات مهمة؟ كنت بتيجي الساعة 6:00 زمان، إيه اللي حصل؟


سليم: خلصت شغلي بدري... وبعدين يا ماسة، كانوا أسبوعين شغل مكثف، ما تحسسنيش إنهم شهور. بقيت أرجع بدري عشان أقعد معاكي.


ماسة ببرود: لو عندك شغل مهم، روح كمله... مش مشكلة.


سليم: ماسة، عايز أتكلم معاكي شوية.


ماسة: ماشي، بس استنى شوية... أنا لسه مافقتش.


تهربت ماسة مجددًا بحجة تناول الطعام، واستدعت سحر لتحضر الطعام. كلما حاول سليم فتح حديث جاد، كانت تختلق عذرًا أو تؤجل النقاش، حتى انتهى اليوم دون أن يتحدثا.


هكذا أصبحت حياتها روتين ممل وقاتل

ماسة تستيقظ متأخرًا، تقضي ساعات طويلة في محاولة "الاستفاقة"، ثم تنشغل بأشياء سطحية. بحلول الليل، يكون سليم قد فقد طاقته وذهب للنوم.


بمرور الوقت، بدأ سليم يشعر بأنه لا يراها إلا بالكاد. ماسة انعزلت تمامًا، لم تعد تتحدث مع أحد أو تهتم بالخروج أو التواصل. كان نمط حياتها الجديد يلتهم علاقتهما ببطء، دون أن يدركا إلى أين يأخذهما هذا الوضع.


💕______________بقلمي_ليلةعادل 。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


في صالة الألعاب الرياضية


، كانت الأجهزة تصدر أصواتًا منتظمة، ممزوجة بإيقاع موسيقى خافتة. نيللي وصافيناز ومنى وفايزة توزعن على الآلات المختلفة، وكلٌ منهنّ غارقة في تمرينها.


فجأة، توقفت منى عن الحركة، نظرت حولها سريعًا، ثم رفعت صوتها قليلًا: أنا هدخل التواليت.


تركت الجهاز وتحركت بثبات نحو الممر المؤدي إلى الحمّامات.


مرت دقائق معدودة، ثم وضعت نيللي زجاجة الماء على الطاولة، شربت منها، وجففت جبينها، ثم لحقت بها.


داخل المرحاض، كانت منى تقف أمام الحائط، تستند إليه بهدوء، وكأنها في انتظار موعد معلوم. لم تلتفت مباشرة، لكن صوتها خرج خافتًا، فيه شيء من التوتر: وصلتي لفين؟


نيللي اقتربت منها بخطوة:


وصلت لكتير اوي.


تسألت متعجبه: بس إنتِ ليه مابتكلمنيش؟


منى انزلت عينيها للحظة، ثم رفعتها ببطء: ماينفعش أظهر معاكي كتير، ولا حد يشوفني معاكي. هاي وبس.خد كام جرعة؟


نيللي ابتسمت بسخرية خفيفة: لا... خد كتير. وكتير أوي كمان.بس على فترات متباعدة. هو بدأ يحب الإحساس اللي بيجي له لما بياخد سطر، بس لسه متعودش عليه. هو ذكي جدًا.


نيللي اقتربت أكثر، وعيناها لا تفارقان وجه منه: بقولك إيه يا منى... يعني انتي هتستفيدي إيه من كل ده؟


ردّت منى ببرود: هسفيد كتير. صمتت للحظه كانها تدرس ملامحها انتي... حبيتيه؟


نيللي تنفست ببطء، ثم أومأت برأسها، وهمست: آه... حبيته.


ضحكت منى، لكن الضحكة كانت قصيرة، مستخفه: رشدي؟ يخرب بيت عقلك... حب إيه؟ ده إنتِ واخدة أسوأ واحد في العيلة. ده أسوأ واحد في الكوكب كله!


ثم مالت بجسدها قليلًا نحو نيللي، وصوتها أصبح أكثر حدة: بصي... أنا هقولك نصيحة، رشدي ماعندوش قلب. قاسي، وبتاع مصلحته، الشر كله محطوط في قلبه. وحقود جدًا.هو عمره ما هيحبك، علشان ببساطة... مايعرفش يعني إيه حب. أوعي تفكري. هتندمي.. ركزت النظر في ملامحها وقالت وبعدين، أنا ماعنديش مشكلة، تحبيه، تكرهيه، أنا عندي هدف تاني. بس قلت أنصحك... نصيحة إنسانية.


منى عدّلت شعرها في المرآة، نظرت لنفسها للحظة، ثم قالت وهي تفتح الباب: سلام. اخرجي بعدي بعشر دقايق.مش أقل.


وغادرت بهدوء، بينما بقيت نيللي واقفة، تحدّق في انعكاسها في المرآة، عيناها ممتلئتان بأسئلة لا تجد لها أجوبة.


أمام بوابة الجامعة السادسة مساءً


نرى سلوى تقف مع مجموعة من أصدقائها، بينهم شباب وفتيات يضحكون بمرح، بينما كان الجو مليء بالضحكات العفوية والحديث الممتع، وفي تلك اللحظة، توقف مكي بسيارته، نزل منها وتوقف أمامها بعد أن أشار لها بالسلام، فبادلته الإشارة نفسها ثم نظرت إليه بابتسامة 


سلوى باعتذار: طب يلا، أنا همشي.


أحد الشباب مازحًا: بجد؟ هو خطيبك ده يبقى الحارس الشخصي لسليم الراوي؟


سلوى بتلقائية: أيوه، ومرات سليم الراوي تبقى أختي ماسة.


قالت صديقة أخرى بنوع من التقليل: طيب، كنتي المفروض تتجوزي حد من إخوات سليم أو أصحابه، مش واحد شغال عنده!


سلوى بحزم: ليه يعني؟ إيه المشكلة؟ وبعدين إحنا أصلاً كنا إيه زمان؟ القصة اللي طلعت زمان كانت حقيقية على فكرة، إحنا كنا خدامين عند قرايب سليم.

استأذنت بحدة بسيطة: يلا، عن إذنكم.


الشاب مد إيده: سوسكا، تسلم إيدك على البحث اللي ساعدتيني فيه، بجد ماكنتش هخلصه من غيرك.


قبل أن تمد يدها، فجأة ظهر مكي بخطوات واثقة وتدخل بهدوء مشحون، كان يطغى على نظراته القوة ومشاعر الغيرة:

أمسك مكي يد الشاب بقوة وهو يصافحه: أهلاً، أنا مكي خطيب سلوى.


أحس الشاب بالضغط في يده وضحك بتوتر وهو يحاول سحبها. نظر مكي لسلوى قائلاً: مش يلا يا حبيبتي؟


الشاب: آه، أهلاً بيك. تشرفت بمعرفتك.


مكي بنبرة حادة ومسيطرة: وليا، عن إذنكم.


سحب يده من يد الشاب الذي ابتعد مرتبكًا، أمسك يد سلوى وتحرك بها بينما كانت تنظر له سلوى بصدمة، ظهر عليها الانبهار من غيرته. قلبها كان ينبض بتسارع، شعرت بحمايته رغم تصرفه المفاجئ.


سلوى بهدوء متوتر: مكي، كنت ممكن تبقى أهدى من كده.


مكي وهو بيقرب منها: أهدى؟ وهو بيحاول يمسك إيدك كنتي عايزاني أهدى أكتر من كده؟


أنهى كلامه وهو بيفتح لها باب السيارة بعصبية واضحة. 

مكي: اركبي، مش محتاجين وقفة تانية هنا.


تنهدت سلوى ودخلت السيارة وهي تحاول كتم ابتسامتها اللي خرجت غصب عنها، كانت مشاعرها مختلطة بين الحيرة والسعادة. شعورها بالحماية والغيرة عليها والرغبة في أن يكون دائماً بالقرب منها جعلها تتمنى لو كانت لحظة مريحة.


مكي بضيق وغيرة: إيه الكلام والضحك اللي كنتوا عاملينه قدام كل الناس ده؟


سلوى بتعجب: إحنا كنا بنهزر عادي، إيه المشكلة؟


مكي بضجر: المشكلة إنك كنتِ بتضحكي مع الولد ده كأنه صاحبك من سنين! مش عجباني طريقتك.


سلوى بتحدي: أنت عارف إني بحبك، يبقى مالك ومال الناس التانية؟


مكي بعصبية: مالي ومالهم؟ ماليش فيهم غير إنهم شايفين خطيبتي بتضحك بصوت مسموع قدام الكل! لا ورايحة تمسكي إيده وتسلمي عليه بايدك، والله العظيم لو شفتك بتسلمي على حد تاني بالايد مش عارف أنا ممكن أعمل إيه. أنا بنبهك، لكن المرة الجاية رد فعلي هيزعلك.


سلوى بلطف: طب خلاص اهدى، يخرب بيت الغيرة! اتأخرت ليه؟


مكي: شغل، كنت بخلص شوية شغل. مش هتروحي عند ماسة؟


سلوى: كلمتها وقالت لي إنها نايمة وماتجيش. أنا مش عارفة، بقت حاجة صعبة. كل ما أكلمها، أقول لها يا بنتي عايزة أجي لك"، تقول لي "ما تجيش، أنا نايمة.


مكي: فعلاً، سليم كلمني في الموضوع ده ومش عارف يلاقي حل معاها، مش عارف يكلمها أصلاً. أنا من رأيي تروحوا لها وتحطوها أمام الأمر الواقع. ماتسيبوهاش كده.


سلوى: فعلاً، هنعمل كده. أنا وماما هنروح لها. أنا حاسة من ساعة مادخلت الجامعة، أنا وماسة بعدنا عن بعض شوية، بس والله هي السبب.


مكي: زي ما قولتك ماتستنيش، تقولي لها عشان هترفض. روحي لها على طول.


سلوى: خلاص، ماشي. بكرة هروح لها إن شاء الله. عندي محاضرات لحد الساعة 4:00.


مكي: بعد بكرة، اعملي حسابك. هنروح نشوف الفيلا عشان لو في حاجة عايزة تظبطيها في الديكورات.


سلوى: ماشي.


قصر الراوي الثامنة مساءً 


الهول


ظهرت ماسة وهي تهبط السلم، ترتدي بيجامة بسيطة، يبدو أنها استيقظت للتو من النوم، ولم تقم سوى بغسل وجهها كعادتها.


في الأسفل كان هناك بعض صديقات فايزة يجلسن في الصالون. لم يكن هناك مفر من أن تمر ماسة بهن في طريقها إلى غرفة اللفينج حتى لو لم تدخل الصالون ذاته، لكن مرورها كان لافتًا.


وأثناء مرورها، لاحظتها إحدى صديقات فايزة ونادت عليها


صديقة فايزة: ماسة!


اقتربت ماسة بابتسامة بسيطة: أهلاً، إزاي حضرتك؟


صديقة فايزة: الحمد لله، وإنتِ عاملة إيه؟ مالك؟ خاسة كده و وشك باهت!


ماسة بابتسامة مرهقة: نومي بس مش منتظم شوية

ثم ألقت التحية على باقي الحاضرات واستأذنت لتتوجه إلى غرفتها.


لكن فايزة، التي كانت تتابع الموقف بصمت، شعرت بالضيق والغضب. مظهر ماسة لم يكن يليق بالمكانة التي يجب أن تظهر بها زوجة ابنها داخل القصر. لم يمر وقت طويل حتى اقتحمت فايزة اللفينج روم بوجه متجهم.


فايزة بحدة: إيه اللي انتي لابساه ده؟ وإيه المظهر ده؟!


رفعت ماسة عينيها وتنهدت: لا إله إلا الله... ماله اللبس اللي أنا لابساه؟


فايزة اشمئزاز: ده شكل يليق بمرات سليم تقابل بيه الضيوف؟


ماسة بنبرة هادئة ولكنها حادة: أنا لابسة بيجامة عشان قاعدة في البيت. أنا مش خارجة، ومرتاحة في اللبس ده. وبعدين، ماسلمتش على حد، هم اللي نادوا عليا. وبصراحة، أنا ألبس اللي أنا عايزاه ماحدش ليه دعوة بيا.


فايزة بلهجة صارمة: تلبسي اللي انتي عايزاه في أوضتك، لكن تنزلي تحت تلبسي اللبس اللي يليق بالقصر وبمكانتك!


نظرت ماسة إليها ببرود: ولو مامشيتش بالقواعد دي، حضرتك هتعملي إيه؟


فايزة بقوة: أنا هعمل كتير يا ماسة، إوعي تتحديني!


أخذت ماسة نفسًا عميقًا وقالت بصوت محاولة ضبط أعصابها:

بصي، أنا مش عايزة مشاكل مع حد. سيبوني في حالي. عندك ابنك، روحي اشتكي له وقوليله مراتك بتلبس بيجامة في البيت. شوفي رأيه هيكون إيه.


فايزة ردت بابتسامة مليئة بالتهديد:

طبعًا رأيه هيبقى زي رأيك. بس خليني أقولك حاجة، سكوتي طول الفترة اللي فاتت مش معناه إني اتقبلتك. أنا ساكتة لوقت مؤقت. لكن أوعي تفكري إن ده هيستمر. أنا هلاقي حل يخليكي تسيبي سليم وتطلقي. وهعمل كل اللي أقدر عليه عشان ده يحصل.


كادت فايزة أن تتحرك، لكن ماسة سبقتها بنظرة صارمة، حادة، تحمل في طياتها تهديدًا غير معلن، ثم قالت بنبرة ثابتة لا تحتمل التأويل:

طب بقولك إيه يا طنط فايزة، فكّي مني... عشان أنا أصلًا مش ناقصة.

وأقسم بالله العظيم، لو فكرتِ تدايقيني تاني أو تكلميني بطريقتك دي تاني، ساعتها هقول لسليم... وممكن كمان أقوله "القديم".

وصدقيني، "القديم" ده هيزعله. ولو زعل... إنتِ أدرى الناس هو ممكن يعمل إيه.


تراجعت فايزة خطوة إلى الوراء، وقد تلبّس الشك ملامحها، وقالت ببطء:  إنتِ بتهدديني يا ماسة؟


أجابت ماسة دون أن يطرف لها جفن: لا، أنا بس بقولك اللي ممكن يحصل... لو فضلتِ على طريقتك دي، سيبيني في حالي، واعتبريني مش موجودة... ده أحسن لك.


ضحكت فايزة ضحكة باردة، ساخرة: والله وطلع لك حس يا ماسة!


رفعت ماسة رأسها بشموخ: هو اللي يعيش معاكم لازم يتعلم يبقى له صوت... ويرد... ويبقى قليل الأدب كمان لو اضطر.

بعد إذنك بقى، عندي فيلم مهم عايزة أتفرّج عليه.

ويا ريت، وإنتِ خارجة... خدي الباب وراكي.


نظرت فايزة لها باختناق، أسنانها تطحن الهواء غيظًا. أرادت أن تصفعها... أن تقتلها! لكن الحقيقة كانت أوضح من أي صفعة:

ماسة تغيّرت. ماسة أصبحت خطرًا حقيقيًا، وجب الحذر منها


تركتها... وخرجت دون أن تنطق بكلمة.


جلست ماسة على الأريكة واخذت تشاهد التلفاز دون اهتمام بكل ما حدث، أو بكل ما قالته فايزة، فقد أصبحت لديها حالة من التبلد واللامبالاة الغريبة يبدو ان اخذت القرار انها بعد ذلك ستكون سليم كل شيء، . طلبت الطعام في الغرفة وبدأت تتناول العشاء وبعد وقت جاء سليم.


دخل سليم بابتسامة: أقول لك صباح الخير ولا مساء الخير؟


رفعت ماسة عينيها نحوه: قول اللي يعجبك.


جلس سليم بجانبها وقال بشوق وهو ينظر إليها: وحشتيني.


ماسة بنبرة مازحة: أنت أوحش.


ابتسم سليم معلقًا: أنا أوحش؟ حلوة دي! ثم تنهد وقال: ممكن نتكلم؟


فأجابته ماسة بنوع من الضجر: بص، أنا لسه باكل ودماغي مصدعة. يا ريت تقعد معايا شوية وقت لطيف. عشان أنت لو فضلت تتكلم، هتلاقي نفسك بتنام بدل ماتتناقش في موضوع هيسبب لنا خناقة. خلينا نقضي وقت لطيف. الفراخ طعمها حلو، والملوخية دي روعة. ثم أمسكت بالممبار وقالت: الممبار ده أجمل وأجمل. خليتهم يعملوه ليا  انا بس عشان هنا ماحدش بيحب الأكل الشعبي ده.


أخذت ماسة تتناول طعامها.


سليم تنهد: أنا قولت لك، كلي اللي أنتي عايزاه، ولو حد ضايقك عرفيني.


ماسة: ماتقلقش، هعرفك خلاص ده قرار يا عشقي.


ظل  سليم جلسا مع ماسة يشاهدون التلفاز معًا. ورغم محاولاته للتحدث، إلا أنها كانت ترفض الحديث في هذا الموضوع. بعد فترة، لم يستطع سليم الصبر أكثر فتوجه إلى النوم في الساعة 1:00 صباحًا. أما ماسة، فقد استمرت في مشاهدة التلفاز مثل كل يوم.


منزل رشدي الثامنة مساءً


كان رشدي مستلقيًا على الأريكة، جسده ساكن، وعيناه عالقتان بشاشة الهاتف. يتنقّل بين الصور ببطء، وكأنه يتذوق كل تفصيلة في وجه مألوف… ماسة.


خرجت نيللي من الحمام، مرتدية برنصًا، وجلست بجواره، بدأت تفرد الكريم على ساقيها بنعومة. رفعت عينيها نحوه، لمحته شاردًا، فمالت قليلًا لترى ما يشغله… صورة ماسة.


نيللي، بتساؤل هادئ فيه لسعة: مش دي مرات أخوك؟


هزّ رأسه بإيجاب دون أن يبعد عينيه عن الصورة.


نيللي، بابتسامة خبيثة: حلوة.


رشدي، وهو ما زال غارقًا في شروده:  أوي… كل حاجة فيها حلوة. سكوتها حلو، عندها حلو، غضبها حلو، ضحكتها حلوة… ملاك على هيئة بشر.


ضيّقت نيللي عينيها، وبدأت ابتسامتها تتلاشى: سليم محظوظ.


رشدي، بسخرية موجعة: طول عمره محظوظ… بس مايستهلهاش.


نيللي، بتعجب: وانت بقى اللي تستاهلها؟


رفع رشدي عينيه نحوها، وقال بنبرة منخفضة: ولا حتى أنا. بس كنت هعرف أحميها. ماكنش حد هيقدر يتآمر عليها… سليم، برغم قوته وإن الكل بيعمله حساب، قدروا يخترقوه.


نيللي، بدهاء: ونجحوا؟


رشدي:  لسه.


نيللي، وهي تميل عليه شوية:  مادام لسه… يبقى لسه محافظ على قوته. دول تمن سنين! رقم مش بسيط… طبيعي تتآمروا، لأن في بينكم كراهية، لكن طالما محدش كسرها… يبقى هو كسب.


نظرت له بتعجب: بس أنتم ليه بتتآمروا على مراته؟ مش المفروض مشكلتكم على الكرسي وحاجات كده؟


رشدي: أنا أقصد الهانم… عايزة تطلقها. فرق طبقي.


نيللي، مستغربة:  هو لسه حد بيفكر كده؟


ابتسم باستخفاف:  إمي.


نيللي، بضِحكة خفيفة:  فايزة هانم؟ لا… كله إلا زعلها.


ثم نظرت له بنظرة فيها مكر:  انت شكلك بتحبها… بتتكلم عنها كتير


أغلق الهاتف ببطء، وتنهد، ثم نظر إليها نظرة طويلة... نظرة صامتة، مشبعة بما لا يقال.


تعالي نخرج نسهر.


النايت كلَب الوحده صباحًا 


الإضاءة الخافتة تتراقص على الوجوه، والموسيقى تصدح من كل زاوية. الأجساد تتمايل، والضحكات تذوب في الدخان.


رشدي ونيللي يرقصان، بجنون أحيانًا، وبعبث واضح أحيانًا أخرى. الزحام يُغري بالضياع، وكل شيء يبدو بلا وزن.


ابتعد رشدي قليلًا، جلس إلى الطاولة، رفع كأسه واحتسى جرعة سريعة. أخرج من جيب سترته كيسًا صغيرًا، فتحه بمهارة، ثم أخذ منه جرعة، وغاص في لحظة صمت.


تنفس بعمق.


أغلق عينيه.


العالم بدأ يتمايل... لم يكن الرقص وحده السبب.


الجامعة الأمريكية.


كافتيريا، الحادية عشر صباحاً 


جلست سلوى وعمار على طاولة صغيرة يتبادلا الحديث


عمار وهو يشرب من كوبه: خلاص، أنا يومين كده وهروح لها أنا كمان. أنا بس لازم أروح النهاردة عشان عندي شغل مهم في الشركة. يا دوبك أخلص المحاضرات وهجري على هناك.


سلوى وهي تكمل تناول مشروبها: أنا كده كده هروح لها النهاردة.أنا وامك قلنا هنروح لها على غفلة.مش هينفع معاها غير كده بصراحة.


عمار وهو ينظر إليها بامتنا: عارف يا سلوى... على قد ما أنا متضايق من سليم، عشان الحادثة دي حصلت بسببه، وكل اللي ماسة عاشته هو السبب فيه، بس مستحيل أنكر إن كل اللي احنا فيه دلوقتي صاحب الفضل فيه.. يعني لولا، ما كناش لا اتعلمنا، ولا اشتغلنا، ولا حتى اترحمنا من منصور.


سلوى بحسرة واضحة على وجهها: عندك حق… أنا كل ما بدخل الجامعة، أقول: الله يبارك لك يا سليم. كل ما أجيب حاجة وأدخل الفيلا… والحياة اللي احنا بقينا فيها…أقعد أدعيله.والله يا عمار، حياتنا دي بقت ولا الحلم، رغم كل السنين اللي عدت، برضو ولا الحلم.


عمار وهو يضع كوبه جانبًا: عشان كده أنا عايز أشتغل واثبت نفسي، أكون قد ثقة سليم… عشان شغلي هناك ما يكونش بس عشان هو جوز أختي وهو اللي بيشغلني… لا، عشان أنا أستاهل واستحق المكان اللي أنا فيه.


نهضت سلوى من مكانها بهدوء، استعدادًا للرحيل، وقالت: بقولك إيه… أنا همشي بقى عشان هعدي على أمك ونروح لماسة.


عمار مبتسمًا وهو يشرب من كوباية القهوة: سلميلي عليها… وقولي لها إني هجلها.


قصر الراوي 


الصالون الواحدة مساء


نشاهد ماسة وسعدية وسلوى يجلسون معًا ويتبادلون الأحاديث. كانت ماسة تحتسي النسكافيه، ويبدو أنها لم تستيقظ بعد. كان وجهها شاحبًا ويبدو أنها غير متوازنة.


سعدية بعتاب: شهر ونص يا ماسة ماشوفكيش، شهر! أخص عليكي! وبعدين إيه اللي إنتِ بقيتي فيه ده، وشك عامل كده ليه؟ عشان اشوفك اجي لك فجأة.


سلوى بتهكم: ما هو طبيعي، لازم تبقى عاملة كده وأكثر من كده، دي بقت بتصحى متأخرة.


سعدية بضيق: أنا عايزة أعرف إيه اللي إنتي فيه ده؟ بتصحي الساعة 6:00 المغرب؟


ماسة بلا مبالاة: ما بصحاش الساعة 6، بصحى الساعة٨/٩ كمان. أنا صحيت النهاردة بدري عشانكم. بعدين إيه المشكلة؟ مش ورايا حاجة أعملها.


سعدية، متعجبة: ماورّكيش إزاي؟ لا، وراكي حاجات كتير تعمليها. أمال الراجل اللي إنتِ متجوزاه، إيه؟ مش ليه حق عليكي؟


ماسة متعجبة: الراجل اللي أنا متجوزاه أعمل معاه إيه يعني؟ تقصدي الأكل والشرب، في خدامين هما اللي بيعملوه، أصلاً هو بيجي الساعة 4:00 تقريبًا (وهي تتثاءب) وبعدين أنا مبسوطة كده ومرتاحة كده. مش هو ده اللي كنتي عايزاه خلاص بقى.


سعدية باعتراض عقلاني: لا يا ماسة مش هو ده اللي كنت عايزاه، أنا كنت عايزاكِ يا حبيبتي تبقي كويسة مع جوزك، جوزك كويس، اللي إنتِ فيه ده مايرضيش ربنا. إنتي بتعاقبيه يا بت؟ ولا بتعاقبي نفسك؟


ماسة بضيق: أنا مش فاهمة، ماما هو إنتي بتتكلمي في إيه؟ أنا قلت لك مرتاحة كده، وبطلت أعمل مشاكل مع سليم وهو مشتكاش حتى ابقي اسألي بعدين هو المطلوب مني أصحى بدري وأنام بدري علشان الأستاذ سليم مايزعلش. لكن ماسة تتحرق بقولك، أنا بتخنق لما بصحى بدري. قربت أتكلم مع نفسي مش بلاقي حاجة اعملها ويوم طويل..


سلوى: بس، اللي إنتي فيه ده مش طبيعي! اصحي على الأقل الظهر، أنا عايزة أجي لك.


ماسة، بعتاب: أنا ماحدش بقى فاضي لي يا سلوى. حتى إنتي كمان بقى ليكي حياتك، وأنا حياتي فاضية، عرفت أملأها بالطريقة دي. دي الطريقة الوحيدة اللي خلتني سعيدة ومبسوطة ومابعملش مشاكل مع سليم.


سلوى: بس، أنا ساعات كتير بكلمك وأقول لك إني هاجي بعد المحاضرات، إنتي بتكوني نايمة وتقولي ماتجيش. 


ماسة متعجبة: وإنتي بقى بتسمعي كلامي على طول ومابتجيش، اللي عايز يجي بيجي زي ماعملتوا النهارده كده فبلاش نتكلم في الموضوع ده صدقيني عشان هنزعل من بعض. 


اتسعت سلوى عينيها بصدمه قالت بتوضيح: ماسة ايه اللي إنتي بتقوليه ده أنا هتهرب منك ليه؟ أقسم بالله اليوم بيبقى طويل جداً في الجامعة وببقى تعبانك مش قادرة مابصدق أروح أنام والأيام اللي ببقى فاضية فيها وابقى عايزة اجي لك انتي بتبقي نايمة ومش عايزة تقابلي حد. 


ماسة بقهر: أنا مش زعلانة منك أنا عارفة إن إنتي بقى عندك حياتك وبقى يومك مليان صدقيني حاسة بيكي. أنا اللي حياتي فاضية بس برده مش عاوزاكم ماتجوليش.


سعدية باستهجان وهي تغزها فى كتفها: بت يا ماسة! انا جتلك مرتين، وإنتي بتفضلي نايمة، وبعدين تصحي ومش طايقة حد يكلمك! اللي إنتي فيه ده ما ينفعش، إنتي لازم تغيري الطريقة اللي إنتي فيها دي ياحبيبتي. ماينفعش! واللي إنتِ بتعمليه بالليل، اعمليه الصبح على الأقل. أنا هاجي لك، واختك تيجي لك، بلاش سلوى عندها دراستها وبتيجي تعبانة، أنا هجيلك كل يوم.


ماسة مغيرة الحديث: إن شاء الله. قولي لي، عاملة إيه مع مكي؟ وصلتوا لإيه؟


سلوى:السيراميك اللي اخترناه سوا، أنا وإنتي الحمامات بس، والديكورات بتاعة الفيلا نفسها.


ماسة: ربنا معاكي، بقول لكم إيه؟ تاكلوا؟


سعدية: هو فين سليم؟


ماسة: والله معرف، هكلمه.


سكتت ماسة، ثم أخذت هاتفها وقامت بالاتصال.


ماسة تساءلت: إنت فين؟


سليم من الناحية الأخرى في مكتبه قال متعجباً: صاحية بدري يعني؟ غير العادة؟


ماسة: ماما وسلوى هنا، وصحوني بالعافية، إنت فين؟


سليم: لسه في الشغل، هحاول أجي لك بدري علشان أقعد معكم شوية، أنا ماصدقت صحيتي.


ماسة بتنبيه: طب ماتتأخرش. لأن لو هم مشوا هنام.أنا أصلاً مش قادرة. أنا صاحية بالعافية. أنا بكلمهم ودماغي لسه نايمة.


سليم: ماشي، سلام.


ماسة: سلام. أغلق الهاتف.


ماسة: أنا هخليهم يحضروا لنا الأكل، أنا جعانة مش قادرة أستنى سليم.


سعدية: طيب، قوليلهم.


وبعد وقت قليل تناولوا الغداء، وصل سليم، مبتسمًا وهو يقترب منهم:


سليم بترحيب حار: إيه الجمال ده؟ وحشتوني.


توقفت سعدية، صافحت سليم، وضمتّه قائلة:

إزيك يا حبيبي؟ عامل إيه؟ وحشتني!


سليم: إنتي كمان وحشتيني، الحمد لله على السلامة.

ثم صافح على سلوى: إزيك يا سوسكا؟ عاملة إيه؟


سلوى: الحمد لله.


جلس سليم بجانب ماسة وهو ينظر لسعدية بتهذب: طب سلوى دايما مشغولة لدرجة إن محدش عارف يشوفها دلوقتي بسبب الكلية لكن حضرتك بقى مابتجيش ليه؟!


سعدية: كل مكلم مراتك تقول لي إنها نايمة وماتردش عليا. ينفع كده؟


سليم: مينفعش طبعاً، بس موضوع نوم ماسة ده لسه قريب وحضرتك بقالك فترة غايبة.


سعدية معترضة: قريب ايه يا سليم؟! دي بقالها أكتر من شهرين.إزاي سيبها كده زعقلها، وشد عليها؟ بطل دلعك ده شوية.


أمسك سليم يده ماسة بابتسامة حب: أعيش وأدلعها لو مش أنا اللي أدلعها، مين هيدلعها؟ هي أصلاً بتصحى لما أنا بكون موجود ودة المهم.


ضحكت سلوى: سليم بيقول لك: أطلعي منها أنا ومراتي احرار، يا ماما بأدب.


ضحك سليم: ماقدرش. 


سعدية: والله يا حبيبي أنا بس عايزاكم تبقوا كويسين مع بعض. 


نظرت ماسة له: لو كنت قلت لي إنك جاي، كنت استنيتك، إحنا لسه واكلين.


سليم: أنا مش جعان. أخبارك إيه يا سلوى؟ مكي عامل إيه معاكي؟ اوعي يكون مزعلك؟


سعدية بشكر: هو في زي مكي، ما شاء الله عليه.


سلوى: الحمدلله أمورنا تمام.


سليم باحتواء: لو في أي حاجة واقفة قدامكم أو حصل أي حاجة قولي لي احنا اخوات.


تبسمت سلوى: كل حاجة تمام.


وبالفعل، قضوا وقتًا معًا، لكن كان واضحًا أن ماسة كانت تشعر بالصداع بسبب قلة نومها. ثم رحلت والدتها وسلوى، وتوجهت هي وسليم إلى جناحهما.


جناح سليم وماسة


دخلت ماسة إلى الجناح مع سليم، بدا عليها الإرهاق الشديد، كانت مرهقة جدًا وتريد النوم. ما إن وصلت إلى الفراش حتى رمت نفسها عليه بتعب.


وقف سليم يخلع سترته ويفك أول أزرار قميصه، ثم التفت إليها متسائلًا: بتعملي ايه؟


أجابته بصوت واهن وهي تغمض عينيها: هعمل ايه يعني... هنام، مش قادرة.


اقترب منها سليم و توقف أمام الفراش، نظر إليها وهو يمرر أنامله بين خصلات شعرها، ثم علق بنبرة دافئة: تنامي إيه؟


مال نحوها أكثر، يراقب ملامحها التي بدت مرهقة، ثم أكمل: هنقعد مع بعض شوية... أنتي وحشتيني، أنا ماصدقت إنك صحيتي بدري.


همست ماسة بتعب: هنام ساعتين وأصحى نقعد مع بعض، معلش يا سليم.


رفع سليم حاجبه وهو يردد مستنكرًا: هو إيه اللي معلش يا سليم؟ لا، هنقعد مع بعض، رخامة بقى! أنتي وحشتيني.


انحنى ليطبع قبلة على خدها بحنان، فتمتمت وهي تفتح عينيها بصعوبة: سليم... بجد مش قادرة.


نظر إليها سليم وهو يراقب تعابير وجهها المتعبة، لكنها رغم ذلك كانت جميلة في عينيه، بل كانت الأجمل دائمًا. لم يستطع مقاومة رغبته في البقاء بقربها، فاقترب أكثر، يمرر أنامله برفق على وجنتها، ثم همس بصوت دافئ:

ولا أنا قادر أصبر على شوقي ليكي.


اقترب أكثر، يحيطها بذراعيه، بينما هي تحاول المقاومة بخجل وضعف، لكنه لم يمنحها فرصة، احتواها بحضنه الدافئ وهمس في أذنها:

طيب، نامي يا عصفورتي الحلوة.. بس جوا حضني.


حاولت أن تبتعد قليلًا، لكن يديه كانت أسرع، احتواها بين ذراعيه برقة، عينيه تفيض بحب وشوق لم يعد قادرًا على كبحه بدا بوضع قبلات متقطع على مختلف وجهها وشفتيها.


ماسة: سليم... أنا تعبانة، بجد.


ابتسم بمكر وهو يهمس لها: وأنا كمان تعبان... بس مش من الإرهاق من شوقي ليكي.


شعرت بحرارة كلماته تمتزج مع دفء أنفاسه، فارتبكت، حاولت التهرب من عينيه لكنها فشلت، إذ كان قد أحاطها تمامًا، يقرأ كل ما يدور في عقلها وقلبها.


لحظات قليلة كانت كفيلة بأن تذيب المسافات بينهما، و تجعل التعب يتلاشى، لتحل محله مشاعر أقوى، مشاعر لم يكن لأي منهما قدرة على مقاومتها.


لم يكن بحاجة إلى كلمات أكثر، فقط نظراته كانت تكفي لتُشعل كل ماحاولت إخماده. أما هو، فلم يمنحها فرصة للهروب... ولم تكن بحاجة إلى ذلك.


اليوم التالي.


غرفة اللفينج روم.


كانت ماسة متسطحة على الأريكة تشاهد أحد الأفلام بتركيز، وعيناها تلمعان بالضحك. دخل سليم الغرفة مبتسمًا.


سليم بحب: عشقي.


رفعت ماسة عينيها إليه بابتسامة: إيه يا حبيبي؟


جلس سليم على الأريكة بجانبها، ومرر يده على وجنتيها  بحنان: عايز أتكلم معاكي شوية.


جلست ماسة باهتمام: خير؟


أمسك سليم بالريموت وأغلق التلفاز، ثم نظر إليها وقال بنبرة حنونه: عايز أتكلم معاكي في موضوع، بس أوعديني تكلميني بصراحة. صدقيني، مش هازعل، يعني عادي بس لازم نتكلم مع بعض بشكل ناضج. إحنا كبار، صح؟


تبسمت ماسة، معقبة على طريقته في الحديث وهي تعقد حاجبيها: مالك يا سليم؟ إيه الطريقة دي؟


ابتسم سليم وهو لا يعرف كيف يبدأ الحديث: عادي يعني...

أمسك بيدها ونظر في وجهها بتركيز ابتلع ريقه و تساءل:

إحنا لما كنا مع بعض امبارح، مش امبارح بس الفترة الأخيرة أقصد لما بنكون مع بعض...


نظر داخل عينيها بمعنى معين، تبادلت ماسة معه النظرة ، فقد فهمت مايقصده، هزت رأسها بصمت. أكمل سليم: هو أنا عملت حاجة ضايقتك؟ أو قلت كلمة ماعجبتكيش؟ قولي لي يا عشقي، والله ماهزعل ولا هتضايق، بالعكس هفهم، الموضوع ده بالأخص، لازم تتكلمي عن أي حاجة تضايقك أو مش حباها عادي.


نظرت له ماسة للحظة وتعجبت ثم قالت بخجل وهي تعود بخصلات شعرها خلف أذنها وعينيها إلى الأرض: أنا مش فاهمة إنت بتتكلم عن إيه، بس كنا مع بعض زي كل مرة.


سليم باستفسار: يعني إيه زي كل مرة؟ بعد إذنك بصي لي مش وقت خجل، أنا جوزك حبيبك يا ماسة.


رفعت ماسة عينيها بخجل بابتسامة خفيفة: يعني زي ما إحنا على طول، مش حاسة إن في حاجة جديدة، ولا في حاجة جدت علينا، إنت سليم حبيبي....


سليم: يعني مافيش حاجة عملتها ضايقتك؟ ده المهم.


ماسة هزت رأسها بلا: لا، خالص.


تساءل سليم متعجبا: أمال مالك؟


ماسة بتعجب: مالي إزاي يعني؟


سليم: آخر كام مرة كنا مع بعض، كنتي متغيرة، مش زي العادي. حاسس إنك مش حابة أو بتعملي كده عشان ترضيني؟ ملهاش علاقه بقى انك عايزه تنامي عشان احنا مرينا بالموقف ده كذا مره ما كنتيش بتبقي كدة.


نظرت له ماسة متعجبة، ثم قالت بنبرة جادة بعض الشيء: هل أنا لازم كل مرة أكون موافقة وحابة الموضوع؟


تجمد سليم للحظة، ولم يستوعب الجملة، ثم قال بصوت مهتز: إنتي لازم كل مرة تبقي حابة وموافقة؟ يعني ممكن يحصل ده بينا وإنتي مش حابة؟


ماسة بتوضيح: مش قصة مش حابة، بس ساعات ببقى عادي،  بس عشان خاطرك بوافق، مش بحب ازعلك، وعشان حرام كمان أرفض هشيل ذنبك.


أحس سليم بالضيق والألم من كلماتها تحدث بصوت خرج بصعوبة وهو يقول: بتعملي كده معايا عشان خاطري؟ بتديني حقي الشرعي وبس يعني؟


ماسة بهدوء: بس أنا يا سليم مش متضايقة،بس يعني ببقى عادي، فاهمني؟


أومأ سليم برأسه عددت مرات إيجابًا وبدا عليه التفكير العميق الممزوج بالحزن، ثم وضع رأسه بين يديه، وهو يحدق أمامه.


نظرت ماسة إليه بتعجب متساءلة: مالك يا سليم؟ إنت تضايقت!! مش هو أهم حاجة اني ماكونش متضايقة؟


فتح التلفاز بهدوء، وعينيه لا تبتعدان عن الشاشة، ولكن ذهنه كان بعيدًا تمامًا. لم يرد على ما قالته ماسة، واكتفى بالصمت.ثم ترك المكان وغادر إلى الخارج دون أن يتفوه بكلمة واحدة. أما ماسة، فقد أكملت مشاهدتها للتلفاز دون أن تولي أي اهتمام لما قاله أو فعله سليم، او عدم رده،  وكأنها لم تتفوه بأي حديث معه.


لكن الكلمات التي خرجت من فمها كانت كالعذاب بالنسبة لسليم، شعر بوخز في أعماق قلبه، وألم شديد قد اجتاحه، وكأن كل كلمة كانت تسحب منه جزءًا من نفسه. أكثر ما كان يؤلمه هو شعوره بأن زوجته حبيبته تقوم بذلك من منطلق الواجب أو حقه الشرعي دون أن يشعر منها بأي حب أو عاطفة شخصية، كان حزينا ليس فقط من كلماتها، بل من تلك الفجوة التي بدأت تظهر بينهما، فجوة لم يكن يعرف كيف يملؤها. كان يتمنى لو كانت مشاعرها تجاهه لا تقتصر على الواجب، بل تحمل ولو جزءًا من الحب الذي كان في قلبيهما منذ البداية.


الليفنج روم، الثانيةصباحاً


كان الجو هادئاً، إلا من صوت التلفاز الذي يعرض أحد الأفلام. ماسة تجلس مستندة على الأريكة كاعدتها، وأمامها طبق ممتلئ بالأطعمة والحلويات، عيناها تحدق بالشاشة، لكن ذهنها بعيد.


على الجانب الآخر، فتح عماد الباب ودخل كان مرهقاً. استمع إلى صوت التلفاز وعقد حاجبيه، ثم توجه نحوها.


عماد: هالو، ماسة... قاعدة لوحدك؟


ماسة: كل يوم ببقى كده، أنت اللي مش بتشوفني.


جلس عماد بجانبها وابتسم ابتسامة صغيرة: امم... أنا جعان. عملتوا إيه النهارده عالعشاء؟


ماسة:رز وملوخية وبامية وفراخ.


عماد: هطلب بيتزا... أطلبلك معايا؟


ماسة: مش بحبها أوي.


عماد: طب نطلب برجر؟


ماسة بتردد بسيط: أوكي، بس كتر بطاطس وكاتشب.


أخرج عماد هاتفه وبدأ في طلب الطعام:

تمام... هنطلب برجر وبطاطس كتير وكاتشب زي ما بتحبي.


أسندت ماسة رأسها للخلف على الكنبة، وعيناها تنظران للسقف بنظرة تحمل خليطاً من الملل والامتنان.


عماد بابتسامة مطمئنة: طيب، لحد ما الأكل ييجي، نتفرج على فيلم حلو مع بعض... ايه رأيك في فيلم رعب؟


ماسة بحماس: يلا، بس لو الفيلم وحش، مش هسكتلك.


عماد يضحك: خلاص، أنا اللي هتحمل.


جلسا معاً، يحاولان كسر الصمت الذي يحيط بماسة طوال اليوم. أثناء متابعة الفيلم، تناول عماد حفنة من الفشار وقال:


عماد: توقعت إنك بعد رجوع سليم المجموعة هتبقي موجودة معاه... خاصة إنك في الفترة اللي كان تعبان فيها أثبتي نفسك كويس.


نظرت ماسة له بصمت، عيناها تحملان مزيجاً من الأسف والخذلان

أنا كمان... أنا كمان افتكرت كده. تخيلت إني هشتغل في المجموعة وأكون جنبه، وتخيلت حاجات كتير. بس... صحيت لقيت نفسي كنت نايمة. أو يعني... كان مجرد وقت.


عماد : بس أنتي كان ممكن يطلع منك حاجات حلوة اوي. طب ماحاولتيش تتكلمي مع سليم؟


ماسة بشعور بضيق: مش عايزة أتكلم في الموضوع ده. أنت أخبار شغلك إيه؟ تمام؟


عماد: آه، تمام. بس جوزك مطلع عينينا في الشغل. مركز هو في مشروعه الجديد وسايب لنا إحنا باقي المجموعة.


ماسة بابتسامة باهتة: طب ما دي حاجة كويسة. عشان تثبتوا نفسكم، دلوقتي الساحة فاضية، وكل واحد فيكم لازم يشتغل على نفسه. لو سليم ما كانش واثق إنكم قدها، ما كانش سابكم. فدي فرصتكم تثبتوا إنكم تستاهلوا الثقة.


عماد: صح، عندك حق. هو فعلاً عرف يخلينا نشتغل تحت الضغط


ابتسمت ماسة، وهي تتابع الفيلم بنصف اهتمام، لكن عقلها كان يسرح في مكان آخر...


واستمر الحديث بينهما، يتبادلان الكلمات بتلقائية، كأنهما يحاولان ملء الفراغ حولهما. عماد كان يحكي عن بعض المواقف الطريفة في العمل، وماسة تستمع بين الحين والآخر، تبتسم أحياناً وتعود بنظراتها للشاشة أحياناً أخرى.


بعد قليل، وصل الطعام. جلسا يتناولان السندوتشات والبطاطس بصمت مريح، بينما استمر الفيلم في العرض.


عماد وهو ينهي طعامه: أنا طالع أنام بقى ماتسهريش كتير.


ماسة بابتسامة خفيفة:تصبح على خير.


عماد: وأنتي من أهله.


صعد عماد إلى الطابق العلوي، تاركاً ماسة وحدها في الليفنج روم. بقيت جالسة على الأريكة، عيناها تحدقان في الشاشة لكن ذهنها ذهب بعيداً.


مرت الساعات، وبدأ الصباح يتسلل بثقله. توجهت ماسة إلى المطبخ لتحضر لسليم مشروبه الصباحي، وضعته بجانبه ثم أخذت حمامًا. كان سليم قد استيقظ.


ماسة: صباح الخير.


رد سليم: صباح النور، مانمتيش؟


ماسة وهي تمد وجهها: تؤ، لسه.أنا هلبس عشان أنزل أفطر معاك، جعانة اوي.


تنهّد سليم بتعب : أنا مسافر روما. هقعد كام يوم، فيه شغل مهم لازم أخلصه، وبعدها هرجع على السويس عندي اجتماع. يعني أسبوع وهبقى عندك.


ماسة: تروح وتيجي بالسلامة إن شاء الله.


بالفعل، هبط الاثنان لتناول الفطور، ثم ذهب الجميع إلى عمله، بينما بقيت ماسة تجلس في غرفة المعيشة تشاهد التلفاز.


لم تشعر ماسة بالوقت حتى بدأت عيناها تغلقان ببطء. استسلمت للنوم أخيرًا، متكورة على الأريكة، بينما الفيلم ما زال يدور في الخلفية.


وبالفعل، ذهب سليم إلى روما للعمل، وبقيت ماسة في القصر تعيش نفس الأيام دون تغيير. لكن في اليومين الأولين، كانت دائمًا تسهر مع عماد ورشدي. كانا يأتيان متأخران، يجلسان معها لبعض الوقت، ثم يذهبان للنوم، بينما تواصل هي سهرها بمفردها.


💕_______________بقلمي ليلةعادل


مكتب عزت العاشرة مساءً 


نشاهد عزت وفايزة وياسين يجلسون في المكتب ويتحدثون وكان يبدو على ملامح وجوههم الجدية. 


تنهد عزت وهو يطالع ياسين بتركيز: عايزك تقرأ التفاصيل كويس وتوريني الصفقة دي هتخلصها إزاي.


أشار ياسين للورقة بثقة: ماتقلقش يا باشا، مش هيحصل فيها أي حاجة.

عقد حاجبيه: ده نص المبلغ استلمته خلاص.


انحنى عزت قليلاً على المكتب، هز رأسه بإيجاب: والربع التاني هيوصل لي بكرة قبل ما تروح. وانت هتجيب الربع اللي فاضل.


حدقت فايزة في ياسين بنظرة حادة: أحنا محتاجينك تحضر عشان تبقى قوي، تتعلم من اللي بيحصل أنا عارفة إن الشغل ده صغير عليك.


ارتخى ياسين على المقعد بملامح قوية :مافيش مشكلة يا باشا أنا هخلص كل حاجة، بس ياريت محدش يقول حاجة لهبة، أنا هقول لها إن عندي شغل تبع المجموعة.


مال عزت إلى الوراء مستندا على ظهر المقعد، ونظر إليهم بكل هدوء: مفيش مشكلة.


((غرفة السفرة))


جلس جميع أفراد عائلة الراوي على المائدة لتناول العشاء، ما عدا هبة وياسين اللذان كانا متواجدين في فيلاتهما. بينما كان عماد ورشدي موجودين في المجموعة، اعتذر سليم عن الانضمام للعشاء بسبب انشغاله في اجتماع مهم. كانت ماسة تجلس معهم بعد فترة طويلة من الانقطاع بسبب اضطراب نومها، الذي ترك في قلبها شعورًا بالوحدة، تائهة بين أفكارها وأوجاعها.


عزت متسائلاً: أمال فين عماد يا صافيناز؟


صافيناز موضحة: "عماد عند مامته، خلاص بقى الخميس والجمعة دايمًا عند مامته. عاملة معاه مشاكل كبيرة وزعلانة خالص. لما تكلمنا سوا لقينا الحل إنه يبات معاها خميس وجمعة، والسبت هيطلع المجموعة، بصراحة كده أحلى يعني عشان نشتاق لبعض.


منى: وأنتِ ليه مش بتروحي تقعدي معاه؟


صافيناز: مستحيل طبعًا، خلينا نشتاق لبعض، ما احنا في وش بعض على طول ملل.


اقتربت منى من طه وضعت قبله على خده: أنا مستحيل أبعد عن طه أو أزهق منه. 


نظرت فايزة نحو ماسة بإنتقاد: مش هتبطلي بقى تنزلي بالبيجامة؟ مافيش سماع للكلام؟


تدخل عزت بحذر: ما تسيبيها تقعد زي ما هي عايزة يا فايزة.


فايزة: بس القصر ده له قواعد، يا عزت.


ردت ماسة على فايزة محاولة إخفاء انزعاجها: وأنا قلت لحضرتك قبل كده لو في مشكلة عندك سليم ممكن تقولي له بلاش تتكلمي معايا، وحتى قلت لك حاجه ثانيه بس شكلك نسيتي.


فايزة بتعجب: غريبة، أول مرة تقعدي معانا بعد فترة طويلة، وبطلتي طريقة نوم الخفافيش بتاعتك. ده طبيعي لأنك مش وراكي أي حاجة بتعمليها يعني تنامي طول النهار وتصحي طول الليل!!! 


نظرت لها ماسة متعجبة قالت بنبرة ساخرة: ده إنتي مركزة معايا!! لكن ماعتقدش إنك كنتِ منزعجة من غيابي، دي كانت أسعد لحظاتك وأنا مش موجودة.


عزت، متعجباً: وهتبقى أسعد لحظاتها ليه يا ماسة؟


ابتسمت ماسة بحزن: مصممين تكملوا في مسلسل الهندي الفاشل؟ طب بالمناسبة سليم مش موجود. 


فريدة: يعني إيه سليم مش موجود؟ مالك يا ماسة؟


نظرت ماسة إليها بتوتر واضح: الكلام مش ليكي يا فريدة، ولا للأستاذ إبراهيم. الكلام للباقي. حتى برضه مش لطه.


صافيناز: يعني إيه بقى؟


نظرت لها ماسة، وكان الغضب يشتعل في صدرها، لكن صوتها ظل هادئًا، مثل قنبلة موقوتة. بنبرة حادة: يعني خلاص يا صافيناز، كفاية تمثيل، المسلسل بقى ممل.جددوا بقى. أنا عارفة إن كلكم مش بتحبوني، رغم إنكم حاولتوا تمثلوا. فخلينا صرحاء مع بعض بدل تمثيل المحبة المزيفة اللي مش لايق عليكم، صراحة بقى بايخ.


صافيناز باستياء: إحنا هنمثل إننا بنحبك؟ اخص عليكِ! إنتِ عارفة إني بحبك وماليش علاقة بمامي.


ضحكت ماسة بسخرية، رغم تألم قلبها: إنتِ أول واحدة مثلتي عليا إنك بتحبيني. وأنا صدقتك. بس أوعي تفكري تعمليها تاني. خلاص بقى، كبرت وفهمت كل حاجة..


رفعت فايزة حاجبها وقالت باستهجان: ولو فكرت تعملها تاني، هتعملي إيه يعني؟!


ماسة بابتسامة ساخرة، لكن ملئ بالثقة والقوة "ما انا لسه قايله لك من فتره صغيره هقول لسليم كل حاجه القديم والجديد ومش هسكت لحد وساعتها هنشوف بقى سليم هيعمل ايه هيختار مراته ولا عيلته..


مسحت على وجهها: انا مش عارفة إيه المكسب في إنكم تمثلوا عليا المحبة بالشكل المبالغ فيه ده، بس اللي متأكدة منه إن في مكسب كبير غير موضوع المصلحة بتاع المجموعة. 


فايزة بنبرة مستفزة: تفتكري مين اللي هيكسب في المعركة دي يا ماسة؟


ماسة، بهدوء ولكن بعزم: منطقيًا بيقول إنتم ، لأنكم الأكثر والأخطر. بس واقعًيا أنا، لأن أنا معايا سليم.


حدجتها صافيناز بخبث: تفتكري قوة سليم كفاية؟


ماسة بثقة: لو قوة سليم مش كفاية، كان زماني خرجت من القصر ده بعد شهر من رجوعي مصر، أو حتى بعد جوازي بس انا لسه هنا على ارض صلبه درجه ان انا قاعده على سفرتكم وسطكم وبقول الكلام ده وبهددكم كمان.


تنهدت ماسة بوجع وأضافت: عموماً، في النهاية، أحب أقول لكم إن المسلسل بقى مكشوف من زمان، وأنا كشفته. بس كنت بقول يمكن لما تشوفوني، تعرفوني وتقربوا مني، تحبوني. لكن واضح إن ده استحالة. زمان ماكانش فارق معايا أقول، بس لما حسيت إننا هنبتدي نفس المسلسل تاني، فهقول لكم المرة دي مش هتجيب أي نتائج.


تحركت وطرقت الغرفة.


خيّم السكون على المكان، وكأن الكلمات سلبت أنفاسهم.


لم عزت يستطع السكوت أكثر، فاندفع قائلاً بصوت عالٍ:

أنا عايز أفهم! إيه اللي حصل؟ إيه اللي بتقوليه ده؟ هو أنتِ يا فايزة ما بتتعلميش؟ ما بتبطليش؟!


فايزة، بتفادي نظراته، أجابت بصوت مشوش:

على فكرة... أنا المرة دي مظلومة! ما عملتش حاجة. أنا شفتها قاعدة بالبيجامة تحت في الليفنج روم، وقلت لها: "إزاي قعدة كده؟ لازم تلبسي حاجة تليق بيكي وبالمكان." البيجامة دي مكانها الأوض! ازاي بقى أقول لها كده؟ قعدت تقولي لي: بطلي تكلميني بالطريقة هقول لسليم القديم والجديد  وقعدت تهددني! دي بقيت مجنونة! مش طبيعية! شكلها من كتر القعدة لوحدها بقت مختله.


عزت،  غير مصدق: مستحيل ماسة توصل للي هي فيه ده عشان كلمتين دول، مش معقول!


فايزة، تؤكد على كلامها:  لا، عشان الكلمتين دول!


عزت، بنبرة حاسمة، محاولة:

طب، انا مش عايز مشاكل! اللي هيخسر في الموضوع ده لو ماسة فتحت بقها. هو انتِ يا فايزة، ما تنسيش... إنتِ مديها قلم! هي في حالها وإحنا في حالنا مفهوم.


هز الجميع رأسها بصمت.


مدينة السويس (شركة الشحن) 


مكتب الراوي الرابعة مساءً 


في مكتب واسع يطل على الميناء، جلس سليم خلف مكتبه، شاشة كبيرة خلفه تعرض مراكب الشحن وهي تبحر في البحر المفتوح. أمامه مجموعة من المديرين يناقشون أمور العمل، أصواتهم تتداخل مع صوت الأوراق التي يقلبونها والتقارير التي يستعرضونها. بعد انتهاء الاجتماع، قام سليم بتوقيع بعض الأوراق ثم أشار لهم بالخروج.


بينما غادر الجميع، دخل مكي بخطوات واثقة، أغلق الباب خلفه واستند إلى المكتب، ناظرًا لسليم الذي أراح ظهره على الكرسي بتعب واضح.


راقبه مكي بتمعن قائلا: خلصت


مرر سليم يده على وجهه بإرهاق ثم رد: اممم...


جلس مكي على الكرسي المقابل، ووضع قدمًا فوق الأخرى، ثم سأل مباشرة هتبات؟


سليم بلا تفكير: تؤ، طبعًا هنرجع.


ظل مكي صامتًا مترددا لثوانٍ، ثم قال بنبرة هادئة لكن حازمة: بقولك ايه؟ كنت عايز أكلمك في موضوع.


اعتدل سليم في جلسته، التقط قلمه بين أصابعه وابتسم: بخفة خير؟


نظر مكي إليه مباشرة، وقال دون مقدمات: هتفضل لحد إمتى مش سامح لماسة تخرج؟


تبدلت ملامح سليم، وغطى الجمود وجهه، عادت عيناه إلى الأوراق التي أمامه وكأنه لم يسمع شيئًا. بصوت منخفض لكنه قاطع: مكي مش عايز أتكلم في الموضوع ده.


مكي بإصرار: يعني إيه مش عايز؟ سليم، كفاية، فات كتير... مافيش خطر على ماسة، ولا على حد...الخطر ده إنت زرعته بوهمك!


رفع سليم عينيه بحدة، نبرته هادئة لكنها تحمل تهديدًا خفيًا: وهم ؟هي الحادثة كانت وهم؟ 


زفر مكي بضيق، ثم مال للأمام مستندًا على المكتب بيديه، قائلًا بجدية: لا مش وهم... بس افرض موصلتش للي عملها؟ هتفضل حابسها؟


قاطعه سليم بنظرة طويلة، قبل أن يرد بحزم: هوصل... ولحد ماوصل، هيفضل الحال كما هو عليه. أنا بحافظ على حياتها إنت المفروض تكون فاهمني.


مكي بهدوء وتحذير: فاهمك والله يا سليم، بس خايف من كتر خوفك تدمرها...والنهاية تكون غير مرضية ليك.


لم يرد سليم، فقط نظر إلى الشاشة التي تعرض مراكب الشحن، وكأن عقله كان أبعد بكثير من هذا المكان. الصمت كان أبلغ من أي رد... لكنه لم يكن صمت راحة، بل صمت رجل يحارب مخاوفه، دون أن يدري إن كان سيكسب الحرب أم سيخسر كل شيء في النهاية


صحراء القاهرة


الساعة الواحدة صباحًا


الهدوء يملأ المكان، الهواء البارد يحرك الرمال الخفيفة، والمصابيح الأمامية لعربات الشحن تلقي ظلالًا طويلة على الأرض الجافة.

نرى سيارة ضخمة متوقفة، محملة بالصناديق، ويحيط بها بعض الرجال المسلحين، يتحركون بحذر، يراقبون المكان على مسافة قصيرة، تقف سيارة فاخرة بجوارها ياسين، وإلى جانبه رجل أجنبي مسنّ، ذو شعر أبيض وملامح صارمة، يرتدي بدلة أنيقة، إنه نيكولاس.


أحد رجال ياسين، قوي البنية، يفتح شنطة السيارة الخلفية، كاشفًا عن حقيبة سوداء ممتلئة بحزم من الدولارات.


الرجل القوي يناول الحقيبة لياسين باحترام:

هذا هو باقي المبلغ، ياسين بيه.


ياسين يتفحص النقود سريعًا، قبل أن ينظر إلى نيكولاس: تمام...


نيكولاس بتنهيدة خفيفة هز رأسه: هذا باقي المبلغ، كنت أرغب في الحصول على كامل المقبرة.


ياسين موضحا: اضطررنا لبيع البعض منها لبعض التجار الآخرين، سيد نيكولاس. سنعوضك في صفقة أخرى.


قبل أن يرد نيكولاس، قطع حديثهما صوت طلق ناري بعيد...


تجمد الجميع للحظة، قبل أن تظهر سيارة سوداء مسرعة من بعيد، أضواؤها مغلقة، وصوت المحرك يزمجر وهي تقترب بسرعة جنونية.


وضع ياسين يده على مسدسه، كان صوته متوترا لكنه هادئ: استعدوا...


في لحظة، تنفجر عاصفة من الرصاص! النيران تخرج من نوافذ السيارة السوداء، رجال ياسين ونيكولاس يندفعون، يخرجون أسلحتهم، يطلقون النار نحو المهاجمين.


تحول الطريق إلى الجحيم من الطلقات، الرمال تتطاير تحت أقدامهم، أصوات الرصاص تصم الآذان.

وسط الفوضى وتبادل النيران، أخذ ياسين طلقًا. صرخ شاكر: ياسين بيه!


ركض نحوه، وقلبه يخفق بشدة


💞____________بقلمي_ليلةعادل 


على اتجاه اخر 


قصر الراوي الثانية عشر صباحاً 


اللفينج روم 


نشاهد ماسة تجلس مع عماد ورشدي، يضحكون ويلعبون معًا لعبة الشايب.


رشدي بضحك: إنتي بتنصبي عليّا !!


ماسة وهي تضحك: إنت اللي فاشل، مابتعرفش تلعب!


عماد بتأكيد: صراحة آه، بقولك إيه؟ نعاقبه بايه!


ماسة بضحك: ينزل حمام السباحة. 


رشدي: إيه الافتراء ده؟


ضحك الجميع.


وأثناء ذلك، دخل عليهم سليم، الذي عاد لتوه من السويس، مرر بعينيه عليهم،والغضب واضح على وجهه، شعر بشيء من الغيرة والضيق لأنها تجلس معهم وتضحك بهذا الشكل.


عماد بابتسامة: سليم! حمد لله على السلامة.


نهضت ماسة وقبلته من خده: حبيبي حمد لله على سلامتك. 


سليم بضيق: ماسة، يلا.


ماسة برفض: عايزة أقعد شويّة، مش عايزة أنام دلوقتي.


سليم بأمر: قولت يلا.


أمسك سليم يد ماسة بشدة وسحبها معه إلى الخارج. كانت تحاولت ماسة المقاومة، لكن قبضته على معصمها كانت قوية جدًا. دخل بها إلى المصعد.


ماسة بغضب: أوعى، إنت سحبني كدة ليه، إنت مجنون!


سليم نظر لها بعين تقدح شرار: هششش! اسكتي، فهمتي؟ اسكتي!


عند رشدي وعماد


رشدي بسخرية: شكلنا النهارده هنسمع أحلى سمفونية بين سليم وماسة.


عماد وهو يضحك: ده مجنون مش عاقل خالص. أنا مش عارف مستحملاه إزاي.


رشدي معلقاً: يعني هتسيب كل ده عشان مش عايز يخرجها وبيغير عليها مننا؟ وترجع تاني لفقر زمان؟


عماد بتوضيح: سيبك إنت، بس بصراحة البت طلعت عسل. أنا كذا مرة قعدت معاها بالليل، دمها خفيف وعاقلة وطيبة حدا.


رشدي بتأكيد: أيوة، ماسة حتة وردة ناعمة وسط حقل من الصبار. أنا ناوي أخلعها من سليم وأتجوزها. 


ضحك عماد بقوة: عشم ابليس في الجنة. 


في الجهة الأخرى.


نشاهد سليم ساحبا ماسة من معصمها بقوة، تجاوز بها المصعد حتى غرفتهما.كانت تحاول فك يديها، ويبدو عليها الضيق، لكن سليم لا يرحم. دخلا غرفتهما وأغلق الباب بقوة


جناح سليم وماسة.


سحبت ماسة يدها بقوة: إنت مجنون! أوعى إيدك دي.


نظر سليم لها بشدة: وطي صوتك.


ماسة بغضب: مش هوطّي صوتي! ايه اللي إنت بتعمله ده في إيه؟ إنت جاي من سفرك وحد مضايقك؟ هتطلع جنانك عليّا؟ في حد يرجع من سفره بيعمل اللي أنت بتعمله ده.


سليم بضيق: أنا محدش مجنني غيرك.


ماسة بذهول: أنا مجنناك.


سليم متسائلا بغضب وغيرة: ايه إللي مقعدك مع عماد ورشدي، وايه الضحك ده؟


ماسة بضجر: أيه المشكلة لما أقعد مع عماد ورشدي؟ هو أنت شوفتني قاعدة معاهم في أوضة النوم؟ بطل الأفكار المتخلفة دي، كمان عايز تحرم عليا أقعد مع البني ادمين اللي عايشين معايا في القصر، مش كفاية اللي إنت عامله فيا، حرام عليك كفاية مابقتش قادرة أتحمل.


سليم بقوة: أنا أفكاري متخلفة؟وهتقولي نعم حاضر يا سليم، من غير مناقشة. قسماً بالله، لو شفتك قاعدة تاني مع عماد أو رشدي، هتشوفي مني حاجة تانية خالص.


ماسة بعدم إهتمام: اعمل اللي تعمله، مش فارق معايا

اقتربت منه وقالت بحسم:

أنا مش هسيبك تتحكم فيا أكتر من كده، فاهم مادام مابعملش حاجة حرام أوغلط


قالت بنوع من التأثر والشدة:

مش هسمحلك فاهم، قلت لي خايف عليا من الخروج قلت لك حاضر ونعم وأمرك، لكن كمان تقولي أقعد مع مين مقعدش مع مين؟! انت فاضل تمنعني من كل البشر، عايز تجنني عايز تخليني أكلم الحيطان، صح، عموماً أنا هعمل إللي انا عايزاه زي ما أنا عايزة.


اقترب سليم منها ونظر داخل عينيها بقوة: ماتجبرنيش يا ماسة، أقعدك جوه الأوضة دي  وماخرجكيش منها، أنا سايبك براحتك، أنا من زمان قايل لك ماتقعديش مع رشدي لوحدك ولا مع عماد ، وانت كنتي بتسمعي الكلام، ايه اللي حصل. 


لم تهتم ماسة بكل الحديث إلا جملة أنه سيقوم بحبسها قالت له: هتحبسني هنا في الاوضة تعملها يا سليم.


سليم بصوت حاسم وعينيه ثابتة في عينيها: هاعملها مادام مش سامعة كلامي ولا بتحترميه ده اللي هيحصل، أنا مش هصبر عليكي كتير، دلع زمان ده انتهى.


ماسة بتحدي: وأنا مش هصبر على تصرفاتك دي أكتر، سامع؟


ضيق سليم عينه ونظر لها وهو يميل برأسه: هتعملي إيه؟


نظرت ماسة في عينيه: هعمل كتير، لأنني زهقت من تحكمك فيّ وحبك الزايد ده.


أخذا يتبادلان النظرات بضيق وغضب أثناء ذلك  هاتف سليم لم يتوقف عن الرن جز على اسنانه وقبض كفه أخرج الهاتف من جيبه.


سليم: ألو، إيه يا بابا؟ أنا في القصر.


اتسعّت عينا سليم فجأة قال بصدمة: ياسين!! طب انتم فين؟ انا جاي حالا، مسافة السكة. 


حاول التحرك أمسكت ماسة يده وقالت بتوتر : ماله ياسين؟


أمسكها سليم من كتفها وكلمها بتحذير: خليكي هنا ماتروحيش في حته فاهمة، أوعي تقولي لهبة حاجة،، إنتي ماتعرفيش حاجة. 


ماسة بقلق: فهمني طيب في ايه!! 


سليم بتوتر: ياسين اتضرب برصاص. 


قالها وتحرك مسرعاً بينما اتسعت عينا ماسة بصدمة وهي تنظر لآثار سليم وهو يتحرك أمامها. شعرت وكأنها فقدت القدرة على السيطرة على نفسها. لم تعرف إن كانت تبكي على حالها أم على ياسين الذي تعرض للرصاص، أم على الواقع المظلم الذي تعيش فيه من قتل وضرب لا ينتهي. كانت دموعها حبيسة في عينيها، وكأنها عاجزة عن فهم ما يحدث من حولها. جلست على الفراش وكأن جسدها قد استسلم تمامًا. وضعت رأسها بين كفيها، تحاول أن تُبقي على تماسكها، لكن الدموع كانت تتساقط بغزارة، تخفي وراءها خوفًا لا يوصف، خوفًا من شيء أكبر في الطريق.


لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: من يقف وراء ضرب ياسين هذه المرة

وعلاقة ماسة وسليم، ما الذي سيحدث فيها؟ كل ده هتكتشفوه في الحلقات القادمة. انتظرونا!

يا ريت ما حدش ينسى يضغط على اللايك ويحط كومنت حلو ويقول لي رايه في الفصل 


       الفصل الرابع والستون ج1 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات