
رواية ظلك أنت الفصل الثالث 3 بقلم منه ممدوح البنا
"مملكة الغسق"
اقتحم الملك عازم جناح ابنه الأمير أورهان، كان ظاهر على وشه الغضب الرهيب عيونه بتومض بنار اشعلتها تصرفات ابنه، في المقابل كان الأمير اورهان واقف في شرفة جناحه، على وشه ابتسامة خبيثة وكإنه عارف بالزيارة دي.
دخل الملك عازم الشرفة وهو بيزعق_من امتى وفيه مؤامرات بتتعمل في مملكتي وفي ضهري وبدون علمي؟!
من امتى واتجرأت إنك تخالف أوامري
جيبت الجرأة دي كلها منين!
اتلفت ليه أورهان وعلى وشه ابتسامة مستفزة وقال وهو رافع إيديه في الهوا_اهدى يا جلالة الملك
أنا عملت اللي في صالح المملكة
قرب الملك عازم منه، ورفع إيديه في وشه وهو بيقول من بين أسنانه_أنا اللي أقول إيه اللي في صالح المملكة
مملكتي أنا
وأنا ملكها
أنا حاكمها والكلمة العليا ليا أنا
ازاي تتجرأ تخالف أوامري وتدعم مظفر في الخيانة العظمى اللي عملها!
إزاي قدرت تدنس المملكة بالمؤامرات ودماء مملكة مكين؟!
رفع أورهان راسه بكبرياء وقال_قولت عملت اللي في صالح المملكة، واللي في صالح المملكة إننا نتحد مع مملكة ميراث الظلال دي حاجة هتأمن مستقبل المملكة من الغدر، إنما الوضع الحيادي اللي جلالتك حاطت فيه المملكة مش هينفعنا بشيء
البقاء للأقوى دلوقتي!
بعصبية رد_مش أنتَ اللي هتحدد ده
مصلحة المملكة من شأني أنا بس
من شأن الملك
مش حتة طفل مدلل زيك اللي هيعدل على قراراتي
رفع أورهان حواجبه، وببرود قال_ولما يكون الملك جبان وخايف يجازف في حاجة زي دي من خوفه على عرشه، يبقى دوري إني أصحح الوضع!
ملت الدهشة ملامح الملك عازم من اسلوب ابنه الجديد، سرعان ما اتبدلت للغضب الشديد وصرخ_أنتَ اتجننت!
نسيت نفسك!
اللي قدامك الملك عازم ملك مملكة الغسق، اتأدب في كلامك
لا مش ممكن الظاهر إني دلعتك زيادة، وهنسى حالا إني أبوك وإنك ابني
رفع راسه بكبرياء تحت ابتسامة اورهان وقال_أمير أورهان
أنا بعفيك من كل صلاحياتك كأمير لمملكة الغسق، وعقابك التاني هو النفي لقصر المنفى لحد ما أنسى كل التراهات اللي قولتها وعملتها
وقراري لا رجعة فيه!
ولكنه اندهش لما شاف ملامح ابنه اللي بتتبدل للسخرية، وبعدها قال_راحت الأيام دي يا ملك عازم
ده لو فضلت الملك، الظاهر إنك كبرت وخرفت ومبقتش تميز، ومملكة الغسق محتاجة ملك قوي ليه موقفه، مش جبان ماشي جنب الحيط!
كانت عيون الملك عازم متسعة بصدمة، مش متخيل إن ابنه هو اللي بيقول الكلام ده في وشه، وبعصبية قال_أنتَ اتجننت
لا يمكن تكون اورهان اللي اعرفه
أنا مش هكتفي بإني اعزلك من صلاحياتك وكمان انفيك في قصر المنفى
انا هرميك في السجن مع كل الخونة
أنتَ دلوقتي متهم بالخيانة العظمى لمملكة الغسق!
قرب منه الأمير أورهان وقال باصفرار_قولتلك ده لو فضلت الملك يا عازم
راحت أيامك خلاص
وقبل ما يستوعب كانت خرجت شهقة قوية من الملك عازم بعد ما حس بطعنة عنيفة في ضهره، بعيونه المحمرة اتلفت بألم فشاف وراه الوزير بيبرس واللي كان مبتسم باتساع وهو بيقول_اعذرني جلالتك، للضرورة احكام
رجع اتلفت لابنه بضعف وهو بيبصله بنظرات مليانة ألم، خذلان، مكانش متخيل إن الطعنة تجيله من أقرب اتنين ليه، ابنه وصاحب عمره ووزير المملكة
الاتنين اللي كان بيأتمنهم على كل أسراره
ثبت أورهان إيده على كتف الملك عازم وقال_سامحني يا مولاي، المملكة محتاجة ملك قوي، وأنا الملك القوي، وللأسف أنتَ الحائل بيني وبين العرش
اتمنى تعذرني
سحب بيبرس خنجره من ضهر الملك اللي اترنج في وقفته بضعف، وبدل ما يكتفوا بالغدر بالعكس كان الجشع ملى عيونهم، فبدون تردد دفع الوزير بيبرس الملك عازم ناحية سور الشرفة، اتسبب في فقدانه لتوازنه وبعدها سقوطه من الشرفة على الأرض من على ارتفاع عالي أودى بحياته.
وبعد ما انتهوا منه واتأكدوا إنه مات تمامًا، اتلفت الأمير أورهان وهو بيتنهد براحة، سرعان ما اتجمد تمامًا لما شاف الملكة كاميليا واقفة على باب الشرفة وهي بتبصلهم بعيون متسعة وصدمة في آن واحد، ارتبك أورهان ونطق_جلالة الملكة!
رفعت عيونها اللي بترتجف ليه وقالت بإرتعاد_أنتَ قتلت الملك
قتلت والدك!
مكانتش قادرة تتخيل اللي حصل، كانت بتحاول تستوعب اللي شافته قدامه، اتبادل الوزير بيبرس هو وأورهان النظرات، سرعان ما اتحرك أورهان ناحية والدته بسرعة، احتوى كتفيها بين قبضته وهو بيقول_ماما اسمعيني
ده لصالح المملكة، صدقيني لو فضل الملك عازم حاكم المملكة مصيرنا كلنا هيبقى الموت
أنا عملت ده لصالحنا كلنا، لازم حاكم المملكة يكون قوي
صدقيني مكنتش عايز أعمل كده بس هو اللي أجبرني!
كانت بتبصله بتيه أما هو فكان بيتكلم بسرعة عشان يقنعها، فضلت صامته تمامًا، فبحذر قال الأمير اورهان_مش هتقولي لحد اللي حصل صح؟
مش هتتسببي في موت ابنك مش كده؟
مش هتعملي كده يا ماما!
خرجت نبرته الأخيرة بأمر ممزوج بتهديد مبطن لكن مخدتش بالها منه، كانت بين نارين، إنها تحكي عن اللي عمله ابنها وتتسبب في اعدامه، أو إنها تسكت وتعمل مشافتش حاجة
وكان الخيار التاني الأفضل ليها، فرفعت عيونها ليه تبصله بخواء، أما الأمير أورهان فابتسم وهو بيتنهد براحة وبعدين جذبها ليه وضمها وهو بيوجه عيونه للوزير بيبرس بنظرات مليانة انتصار.
وهنا بقى ملك مملكة الغسق، هو الأمير اورهان وريث العرش وولي العهد
وبموت الملك عازم كانت صدمة لا تُنسى في المملكة..
****
"مملكة مكين"
كانت بتصرخ وعيونها مش مبطلة دموع، جريت عليهم بانهيار ولكن اتجمدت مكانها لما شافت الملك مظفر والملكة حليمة خارجين ورا الجنود من داخل القصر، فهتفت سيبال بصدمة_ملك مظفر
ملكة حليمة!
أول ما شافوها صابهم الدهشة، وقال الملك مظفر_الأميرة!
اتسعت ابتسامته في الوقت ده بشيطانية، وشاور لجنوده اللي حاوطوها، حاولت تقاومهم بسيفها وهي بتزمجر بشراسة ولكنهم كانوا اكتر منها وكتفوها
حاولت تتملص من بين إيديهم وهي بتصرخ بعنف وشايفاهم بيجمعوا كل الجثث بما فيهم والدها ووالدتها وكل قرايبها في مكان واحد، فهتفت بغضب وقهر_لــيه
لــيه كده
حرام عليكم يا مجرمين، ازاي تتجرؤا!
سيبـونـي، سيبـونـي بقولكم!
اتكلم الملك مظفر بسخرية_اهدي يا صغيرة، هتلحقيهم كمان شوية متستعجليش، بس الأول هتشوفي النهاية المهينة لأركان وميراي
ظهر واحد من الجنود اللي كان بيحمل في إيده دلو، ابتدى يدلق محتوياته على الجثث كلها، واللي كان ظاهر إنه دلو لمواد قابلة للاشتعال، اتسعت عيون سيبال بهلع وصرخت_لاااااا!
لا بالله عليكوا
لا متعملوش كده
بالله عليكوا
مـامــــا!
ووسط قهقهات الملك مظفر، وشماتة الملكة حليمة، أخذ الملك مظفر شعلة من إيد الجندي، والقاها على الجثث تحت أنظار وصراخ سيبال اللي انهارت على الأرض وصرخت لدرجة إنها حست بالدماء في فمها من احبالها الصوتية، عيونها بينعكس فيهم النيران المشتعلة في جسد والدها ووالدتها
صراخها باسمهم رج القصر كله
وفي الوقت ده اتكلم الملك مظفر بافتخار_انتهت مملكة مكين
وانتهت السلالة كلها
ومن دلوقتي مملكة مكين اصبحت من الماضي، وبقت ولاية تابعة لمملكة ميراث الظلال العظمى!
ارتفع هتاف الجنود وهما بيضربوا سيوفهم في دروعهم كاحتفالا بالانتصار اللي حققوه
وكانت سيبال على الأرض بتبكي بإنهيار
انطفت النيران، واتملصت هي من الجنود، وجريت على بقايا الجثث المحترقة
ارتعشت أناملها وشهقت بانهيار وهي شايفة جسد والدها ووالدتها المحترق واللي أصبح عظام محروقة، رفعت إيديها على فمها وعيونها متجمدة بالدموع
نزلت على ركبتها، مدت إيديها عشان تلمسهم ولكن مقدرتش من هول المنظر وقسوته، شافت والدتها وهي ماسكة سلسلة في إيديها المحترقة
بأنامل مرتعشة خدتها من بين إيديها، كانت سلسلة ذهبية على شكل بيضاوي، بيتوسطها رمز طائر العنقاء المحفور عليها.
بكت بإنهيار وهي بتضم السلسلة لصدرها، في الوقت ده اتلفتت للملك مظفر وهي بتهتف بغضب_يا مجرمـين
ازاي تتجرؤوا يا مجرمين!!
وبدون تردد سحبت سيف من على الأرض وجريت بيه ناحية الملك مظفر، ولكنه مسكه وسحب منها السيف وصفعها بعنف لدرجة إنها ارتطمت بالأرض ونزلت الدماء من زاوية شفتيها.
ووجه كلامه لحراسه_اقتلوها
مش عايز حد من سلالة اركان يفضل عايش
ولكن اتدخلت الملكة حليمة في الوقت ده وعيونها بتلمع بانتصار وقالت_سيبهالي يا مولاي، أنا عندي خطة أفضل بكتير ليها
دي سمو الأميرة برضه!
رفعت سيبال عيونها ليها اللي كانت بتلمع بحقد وغضب رهيب، فبادلتها حليمة بابتسامة واسعة
فاتكلم الملك مظفر برفعة حاجب_سيبك من خططك دلوقتي، لازم نخلص منها
البنت دي بتحمل الدماء الملكية، وكمان نضمن منين إنها مش بتحمل هبة والدتها!
لا يمكن نجازف بوجودها!
قربت منه الملكة حليمة وبسطت كفها على دراعه وهي بتقول بدلال_اتطمن يا مولاي
متقلقش، سيب الموضوع ده ليا ونهايته هترضيك جدًا
شاورت للجنود اللي جم شالوا سيبال وسط صراخها ومحاولاتها العنيفة في التملص منهم، وعلى بُعد كان واقف فارس من الفرسان السود وهو بيتأمل اللي بيحصل من على بُعد
وعيونه مسلطة عليها هي بس، لحد ما حطوها الجنود في عربة واتحركوا بيها، وقتها اختفى الفارس في ثواني وكإنه مكانش موجود من البداية...
****
بعد ١٣ سـنـة!
"قلعة الظلال"
الرياح كانت صوتها عالي مقارنة بالهدوء اللي بيسود المكان في القلعة المهجورة اللي بتنتمي لمملكة الظلال ولكن في مكان مهجور نائي على الجانب التاني من الغابة المظلمة
السماء كانت مليانة غيوم داكنة بتنافس داخلها، أما هي فكانت واقفة على سطح القلعة قدام الجدار اللي متهدم منه احجار ضخمة، شعرها الاحمر الطويل بيتطاير زي السنة اللهب، فستانها المتواضع المهترىء بيتحرك من عنف الهوا، فستان مهترئ زي قلبها اللي اهترئ من عدد السنوات اللي قضتهم حبيسة هنا في القلعة اللي مبتشوفش فيها غير عدد قليل من البشر.
بتراقب المكان من حواليها بعيونها العسلي اللامعة
من كل وقت للتاني بتاخد نفس عميق تنعش بيه صدرها اللي شايل هموم تقيلة.
حاسة نفسها تايهة، شاردة، جزء منها ناقص.
مش فاكرة حاجة قبل ١٣ سنة
من وقت ما فاقت ولقت نفسها في القلعة، وجنبها روزا اللي ماسكة إدارة القلعة هنا تحت سيطرة الملكة حليمة
وبعد ما استوعبت وضعها اتقالها انها نجت من حادث مروع بأعجوبة، لدرجة إنها فضلت شهور طويلة في غيبوبة، وللأسف لما فاقت كانت فقدت الذاكرة
قالولها إنها اتربت في القلعة من صغرها، من لما لقوها طفلة ضايعة في الغابة، وقتها خدتها الملكة حليمة ووضعتها في أمانة روزا
ولكنها حاسة إن فيه شيء ناقص، كإنها مش بتنتمي للمكان ده
كإنها مش هي!
نفسها تفتكر أي حاجة تكونلها دليل، نفسها تفتكر مين اهلها!
رفعت معصمها قصاد عينيها واللي كان حواليه سوار معدني مطلي بالنحاس، سوار غريب ملتصق بمعصمها لدرجة إنها حاولت بدل المرة ألف إنها تخلعه بكل الطرق الممكنة ولكن معرفتش
ولما سألت روزا قالتلها إنها جت بيه ومقدروش يشيلوه من إيديها بس حاسة إن فيه سر غريب مش عارفاه!
تركت إيديها ورفعت كفها لداخل ملابسها وطلعت قلادة محتفظة بيها في جيب ملابسها من الداخل
قلادة ذهبية داخلها رمز طائر، بعد ما فاقت واستوعبت الوضع اللي هي فيه اكتشفت انها محتفظة بيه داخل ملابسها
سألت نفسها وقتها إيه سرها؟
ليه دي الحاجة الوحيدة اللي لقتها معاها!
ليه القلادة دي بالذات متمسكة بيها!
والمدهش أكتر إن الرمز اللي في القلادة هو هواه نفس الرمز اللي على عنقها من الخلف
فأدركت وقتها إن الرمز ده ليه علاقة بماضيها، بهويتها!
_سيبال..
سيبال!
صوت نداء غاضب جه من وراها وخلاها استيقظت من شرودها، دارت القلادة بسرعة وجريت ناحية الصوت وهي بتقول_أنا هنا يا سيدة روزا
اتحركت روزا ناحيتها واللي كانت سيدة ملامحها غير مريحة في بداية الخمسينات من عمرها، مرتدية ثياب كبار الخدم، كان واضح على ملامحها الغضب وهي بتقول_أنا مش قولتلك متطلعيش فوق سطح القلعة كذه مرة؟
أنتِ مبتسمعيش الكلام ليه؟
ولا تحبي أقول للملكة حليمة وتعاقبك بمعرفتها!
عند الفكرة دي ظهر الهلع على وشها، وقالت وهي بتنزل بسرعة_أنا آسفة، أنا بس حسيت إني مخنوقة شوية
رفعت روزا حاجبها وهي بتبصلها بشك_شربتي دواكي؟
هزت سيبال راسها بلا، فصرخت روزا في وشها خلتها تنتفض برعب_أنا مش قولتلك كذه مرة تشربي دواكي بانتظام!
ولما يحصلك حاجة دلوقتي هيبقى ذنبك في رقبتنا!
اشربيه حالًا!
هزت سيبال راسها كذه مرة بسرعة وهي بتقول_حاضر هشربه لما اخلص الشغل اللي ورايا
حطت روزا إيديها في خصرها وهي بتقول بأمر_قولت اشربيه حالًا
قدامي!
وبالفعل بأيدي مرتعشة طلعت سيبال زجاجة دواء صغيرة خالص ملفوفة بقماشة حمرا من جيب فستانها، فتحت الغطا وقبل ما تشربه سمعت روزا صوت نداء باسمها من تحت
فهتفت روزا_جاية حاضر
وجه نظرها لسيبال بتحذير_اشربي دواكي كله
وبعد كده تشربيه في معاده!
سابتها ونزلت فاتنفست سيبال الصعداء بعد ما كانت حاسة بالهلع الرهيب، رفعت إيديها وبسطتها على قلبها، والإيد اللي حاملة زجاجة الدوا مدتها عشان تسند على حائط سلالم القلعة
ولكن اخطأت في حساب المساحة، فسندت على الهوا وشهقت بعنف بعد ما اختل توازنها وكادت تقع على الأرض
ولسوء حظها سقطت منها زجاجة الدوا واتدلقت كلها على الأرض
شهقت سيبال بهلع وهتفت_لأ!
نزلت على الأرض وهي بتشيل الزجاجة وبترفعها قدام عيونها واللي كانت فاضية تمامًا
زفرت بضيق وقالت_اعمل إيه يا ربي دلوقتي!
لو روز عرفت إني دلقت الجرعة هتبقى مصيبة!
وقفت تفكر شوية، محتارة بين إنها تقولها دلقت الجرعة وتستحمل عقابها، وبين إنها تسكت ومتقولش على اللي حصل وجرعة واحدة مش هتأثر
وفي الآخر لقت إن الحل التاني هو الأصح ليها
وبالفعل دارت الزجاجة في جيبها وانتفضت بهلع لما سمعت نداء روزا من تحت وهي بتسعجلها، وفلحظات كانت بتجري على السلم عشان متنالش توبيخ منها..
****
على جانب تاني
في أعماق غابة كثيفة مش بيوصلها ضوء الشمس إلا كخيوط بتتسلل من بين الأشجار، كان موجود كهف عتيق محفور في قلب جبل صخري، نص مدخله مخفي ورا شجيرات كثيفة لافة حوالين بعضها، مدخل ميعرفوش ولا يقدر يوصله إلا لو سمحت ليهم بنفسها!
ريحة المكان مزيج بين الأعشاب الجافة والمطر القديم، ودخان خفيف بيخرج من سقف في سطح الكهف.
المكان من جوا بارد وضلمة إلا من مشاعل خفيفة معلقة على الجدران الحجرية، حتى النار نفسها كان شكلها مختلف
لونها ازرق باهت!
الأرض غير مستوية، متغطية بسجاد متقطع ظاهر عليه الزمن.
وسط المكان طاولة خشبية ضخمة مصنوعة من جذر شجرة عليها مجموعة زجاجات مليانة بسوايل لونها غريب، وجماجم حيوانات نوعها مش معروف.
بيتدلى من السقف خيوط فيها اعشاب مجففة وجلود حيوانات واجراس نحاسية، بتصدر رنين هادي بيثير الرعب كل ما تدخل نسمة هوا.
وفي ركن من أركان الكهف، مراية طويلة متغطية بنص ستارة سودة وقدامها كرسي عالي من الجلد الاسود.
صدع صوت طائر، فظهر عقاب وهو بيطير في الكهف بعشوائية، تليه ظهور سيدة طويلة بجسد رفيع، لابسة فستان مش منفوش ولكن كإنه جاي من العصر الفيكتوري، بشرتها شاحبة بيضاء زي مصاصين الدماء، عيونها واسعة بنية حمراء، وخصلاتها الذهبية سايباهم على ضهرها
رغم عمرها اللي يقارب لقرون ولكنها ما زال جسدها في شبابه وكإنها ست تلاتينية
ومين غيرها يبقى فيها الميزة دي
"زاهيــرا"
من اقوى السحرة على وجه الأرض
تأففت بانزعاج وهي بتقول_جسار!
كفاية دوشة بدل ما أخليك عقاب مشوي واسيبك وجبة دسمة للتعابين
وعلى كلامها سكت العقاب وكإنه سامعها، ونزل وقف على الترابيزة
اتحركت زاهيرا وراحت شالت الستارة من على المراية، قعدت على الكرسي وابتدت تعمل حركات بإيديها وهي بتلقي تعاويذ بكلام بلغة مجهولة، فومضت المراية بضوء قوي، ابتدى يشع الضوء وهي تزود من وتيرة كلامها وحركات إيديها، ولكن في النهاية انطفى الضوء وظهر اليأس على زاهيرا وهي بتقول_أنا متأكدة إنك موجودة في مكان ما يا سيبال
لو كنتي ميتة كنت شوفت ده بنفسي
أنتِ عايشة أنا واثقة من ده!
ظهر صوت العقاب اللي طار وراها وفضل يصدر صوت غريب، فرفعت زاهيرا ايديها وبنفاذ صبر حركت صوباعها في الهوا، فاتحول العقاب لجسد شاب طويل شعره بني وعيونه شديدة السواد، اتكلم العقاب جسار وقال_بقالك ١٣ سنة بتحاولي تدوري كل يوم على سيبال يا زاهيرا ولكن من غير فايدة
لو كانت عايشة كانت ظهرت!
شردت زاهيرا في المراية قدامها واللي ومضت وأظهرت مملكة مكين السابقة واللي بقت تحت حكم مملكة ميراث الظلال وقالت_سيبال عايشة، أنا متأكدة، زي ما متأكدة إن فيه قوة هي اللي مخلياني مش قادرة اتواصل معاها
من سبع سنين تمت سيبال ال ١٨، كان لازم تكون اكتشفت هبتها في الوقت ده
ولكن الظاهر إن فيه قوة هي اللي مانعة اظهار واكتشافها لقدرتها، وإلا كنت شوفتها
واتواصلت معاها زي الملكة ميراي
ضم جسار شفايفه وقال_الملكة حليمة؟
سرحت وردت_مفيش غيرها
استعانت بقوة سحرية قوية بتضاهي قوتي، وقدرت تخفيها عني، زي ما خفت اللي حصل لسيبال
للأسف مش قادرة ألاقي أثر الأميرة التانية لإنها مش واخدة هبة ميراي
ظهر عليها الحزن وهي بتقول_لو كنت أقدر أحذر ميراي قبل اللي حصل!
اتلفتت بطرف عينها وقالت بأمر_كمل مراقبتك لحليمة ولكل حاشيتها
لازم نوصل لسيبال بأي طريقة
وفي الوقت ده اتحول جسار لعقاب من تاني، وبالفعل كان طار واتحرك لمملكة ميراث الظلال
فقالت زاهيرا_مستقبل مكين في إيدك أنتِ يا سيبال
من غيرك هتفضل مكين من الماضي...
****
"قلعة الظلال"
انتهت سيبال من تنظيف الاطباق اللي مش نضيفة، ولكن كانت حاسة بدوار بيلفح دماغها، دوار غريب وصداع عنيف أول مرة تتعرضله
جففت إيديها بقماشة قديمة، واتجهت ناحية روزا اللي كانت قاعدة بتشرب قهوة وقالت_سيدة روزا، أنا خلصت المطلوب مني، ممكن اطلع أنام لإني حاسة إني مرهقة ومصدعة أوي؟
بصتلها روز بشكل وقالت وهي معلقة فنجان قهوتها على شفايفها_شربتي دواكي كله؟
ظهرت الارتباك على وش سيبال وهربت بعيونها عن نظرات روزا وهي بتقول_آه
أيوه طبعًا شربته
ارتشفت من فنجان قهوتها وبعدت عيونها عنها وهي بتقول بلا مبالاة_كويس
عامة اطلعي ارتاحي كده كده الوقت اتأخر
فضلت سيبال واقفة مكانها وهي بتفرك إيديها الاتنين في بعض وكان ظاهر عليها التوتر، وكإنها عايزة تقول حاجة بس خايفة، لاحظت روزا حالتها فقالت_اخلصي وقولي عايزة إيه يا سيبال
ماهي وقفتك دي أكيد وراها حاجة هتعصبني وتخرجني عن شعوري!
بتردد قالت سيبال_ممكن أروح مع البنات بكرا أجمع محصول الطماطم معاهم من الحقول اللي على الضفة؟
انتفضت على صوت خبط روزا لفنجان قهوتها، وقولها بعصبية_تاني يا سيبال
أنتِ مبتزهقيش!
بقالي سنوات بقولك ممنوع تخرجي برا القلعة!
بنفاذ صبر وملامح مليانة حزن قالت سيبال_ليه؟!
أنا نفسي أفهم ليه
من وأنا صغيرة ومن وقت ما فتحت عيوني وأنا محبوسة هنا بين جدران القلعة وممنوع ليا الخروج
حتى منعتيني من إني أقف على سطح القلعة!
ليه أنا
وليه ممنوع أخرج
أنا بقت امنيتي الوحيدة إني أشوف خارج القلعة ده شكله إيه!
حست روزا إن سيبال اكتفت ودا مش في صالحهم، فقامت وقفت وحاولت ترسم قناع الحنية على وشها، قربت منها واحتوت كتفها بين إيديها وقالت_سيبال حبيبتي
دي أوامر الملكة حليمة، من خوفها عليكي مش عايزاكي تتعاملي مع العالم الخارجي لتتوهي أو يطلع عليكي قطاع طرق يقتلوكي، خاصة بجمالك الفاتن ده، وبعدين أنتِ عاملة جوا القصر، ملكيش علاقة بكل العاملات الاقل اللي بنوديهم الحقول ونبهدلهم!
وبعدين أنتِ شايفاني اهو، مبخرجش برا القلعة برضه.
سكتت شوية وهي بتتنهد، ورفعت وش سيبال من دقنها وهي بتتأمل ملامحها اللي بقت تشبه الملكة ميراي بشكل كبير وقالت_أنتِ متعرفيش أنتِ قيمة قد إيه عند الملكة حليمة، وأهم حاجة عندها هي سلامتك
ممكن نقول حاضر وبس؟
ممكن؟
هزت سيبال راسها وهي ظاهر عليها الحزن وردت_حاضر
ابتسمت ليها روزا وربتت على خدها بحنان مصطنع مليان غيظ، فسابتها سيبال واتحركت بأكتاف متهدلة من الحزن واليأس ودخلت جناحها اللي كان ضيق وشكله عتيق وقديم بفراشه المهترئ وخشبه المتهالك، بدلت فستانها بواحد تاني للنوم وبعدين اتمددت على السرير، لقت نفسها بتطلع القلادة اللي مخبياها وفضلت تتأملها لحد ما راحت في النوم.
وعلى بُعد من القلعة، بين الأشجار الكثيفة، كان واقف شاب في الثالثة والثلاثين من عمره، شعره الناعم الطويل واصل لرقبته باللون الاسود، جسده المعضل مختفي تحت البدلة الفولاذية اللي لابسها، واللي كان موشوم على صدرها وشم الفرسان السود
عيونه السوداء مسلطة على أحد الغرف المضيئة في القلعة المهجورة
نظراته فيها بريق غامض وغريب.
فضل واقف مكانه لحد ما انطفى نور الغرفة فاتنهد واتلفت بطرف عينه على صوت أحد فرسانه اللي قال من وراه_قائد إلياس
لازم نتحرك دلوقتي، الخصم وصل عند مدخل الغابة
مردش عليه الياس، بل رمى نظرة أخيرة على القلعة وبعدين ارتدى خوذته اللي دارت كل ملامحه عدى عيونه القوية، واتحرك مع باقي جنوده لتنفيذ مهمته...