رواية الماسة المكسورة الفصل الواحد والسبعون 71 ج2 بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الواحد والسبعون 71 ج2

بقلم ليله عادل


ظلتا هكذا لفترة طويلة، صامتتان، فـلم تعد للكلمات أي قيمة هنا


وبعد وقت، رفعت سلوى عينيها نحو ماسة، وكأنها للتو انتبهت لوجودها.


سلوى بصوت مبحوح: إيه إللي حصل إمبارح؟


ماسة بنبرة مخذولة، وعيونها مكسورة: ولا حاجة. حاولت أهرب... أهرب من نفسي، أهرب من سليم، أهرب من حبي، أهرب من جحيم رشدي وحاولت أنفذ أوامره. وأساعدكم... بس وقعت في حفرة كلها شوك، غرز في كل حتة في جسمي. لحد ما سليم جه، وأنقذني. ورجعت تاني للبداية. واديني أهو، مستنية الحفرة التانية؟ يا ترى هتكون المرة دي جواها إيه؟


ابتسمت نصف ابتسامة مليئة بالوجع أضافت بتمنى: يا ريت تبقى جواها خنجر مسموم يدخل قلبي ويخلص عليّا في نفس اللحظة.


عدلت سلوى من جلستها ونظرت لها بحزن: ماعرفتش غير النهاردة يا ماسة؟! إيه إللي حصل، سليم جابك هنا إزاي؟ قلت مستحيل يطلعك من قصره وهيحبسك!


تنهدت ماسة بضعف وهزت رأسها باستسلام: والله ماعرف. هو عقل ولا اتجنن، ولا بيعمل فيا مقلب؟ ولا محضر ليا فخ؟ مش عارفة، ومش عايزة أفكر أنا هنفذ أوامرهم وبس.


أمسكت سلوى يدها بحزن وألم: هنفضل كده لحد إمتى يا ماسة؟


صمتت سلوى للحظات: ما تحكي لسليم. قولي له إنك عرفتي كل حاجة، بس أضمن حياة أهلي الأول قولي له إن رشدي مهددك. 


اتسعت عينا ماسة وقالت بصدمة وخوف: إنتِ تجننتي! أقول له إزاي؟ إفرضي رشدي قتلكم قبل ما سليم يعمل أي حاجة؟ لا... مش هخاطر بيكم أسكتي.


سلوى تحاول أقناعها: بس سليم هو الوحيد إللي يقدر يحمينا، هو إنتي عندك شك إنه ممكن يأذينا؟


ماسة بثقة: لا، مستحيل. هو طلع مجرم، بس هو بيحبني، وده شيء أنا متأكدة منه. مش هيأذيكم، لإنه لو فكر كده عارف إنه هيخسرني للأبد أنا خايفة منهم هما مش منه.


صمتت ماسة نهضت وتحركت لحظات بتفكير، ثم قالت بتأكيد بنبرة ضعف: بس عندك حق، هو الوحيد إللي هيقدر ينقذنا بيترعبن منه.


صمتت للحظات ثم قالت بإعتراض وخوف، وكأنها تذكرت تهديدات رشدي


التفتت وقالت بحسم ورعب يخرج من عينيها قبل صوتها: لا، مستحيل أقوله. أفرضي رشدي عرف وسبقه... مش هخاطر بيكم، إنتِ مش عارفة رشدي عامل إزاي؟ ومش لوحده معاه صافيناز وفايزة.


مسحت وجهها بتعب وتساءلت: بقولك إيه، أنا مش عايزة أفكر دلوقتي. أمك مالاحظتش حاجة؟


سلوى تنهدت بتعب: هي لاحظت، قالت لي مابتتكلميش مع مكي ليه؟! مابيجيش ليه؟!. قلت لها هو مشغول، وأنا عندي امتحانات. وبذاكر، أمك اتصلت وسألته، بس طلع جدع وأكد كلامي إنه مشغول ومش حابب يعطلني عن المذاكرة.


ابتسمت بسخرية وأضافت: للأسف بيبان قد إيه محترم وعنده أخلاق، وفي الآخر طلع بالمنظر ده! مجرم منحط. 


جلست ماسة مرة أخرى على طرف الفراش، ووجهت جسدها ناحية سلوى وقالت بابتسامة مريرة: عارفة يا سلوى، أنا سألت سليم إمبارح. كان نفسي يقول لي حاجة، لكن ما قالش. كذب طبعًا، وقتها اتضايقت أوي، بس بعد شوية قعدت أفكر، وأقول يمكن هو خايف. الحاجات إللي عرفتها صعبة. أكيد خايف..إني ماسامحش وأغفر له، أنا بتمنى يجي يقولي إن الكلام ده مجرد ماضي،.... بس ماقلش وكذب ، وماما وبابا وإنتي وعمار ويوسف، بسببه حياتكم بقت في إيد الخنزير رشدي.


سلوى بضيق: والأوامر الجديدة هتكون عبارة عن إيه بقى؟


ماسة ابتسمت بألم: إن أنا أطلب الطلاق من سليم، وأنا هنا. ولو رفض وده أكيد، هو هيهربني تاني، بس المرة دي قال لي إنه هيخد باله عشان مايحصلش زي ماحصل.


زمّت سلوى شفتيها وووضعت كفها على يد ماسة المسنودة على الفراش: إنتِ كويسة


ماسة نظرت إليها بحزن: ماحدش يسألني السؤال ده، لإني مش عارفة معنى كلمة كويسة دي إيه.


سلوى تساءلت بفضول: ماسة لو سليم قالك هاتسامحيه؟!


صمتت ماسة للحظات، أغمضت عينيها بوجع هبطت دموعها فتحتها: صعب يا سلوى ده بيتاجر فى البشر، بس هطلب منه الأمان ليكم، لو مقابل أعيش معاه هعمل كدة، أنا أضحي بنفسي وإنتم لا، برغم إن نفسي كل ده يكون كذب بس شفت بعيني وكل إللي فات بيأكد كلامهم، طب وإنتي  هاتسامحي مكي. 


سلوى بغضب: مستحيل أسامحه لإني سألته كتير وقالي لا... كداب.


صمتت ماسة للحظات ثم قالت بألم وضعف:

أنا بكذب يا سلوى، أنا هاسامح سليم لو كان تاب أو قالي سامحيني وهتغير... أنا بحبه أوي أوي، أنا بكره قلبي أوي علشان لسه بحبه بعد كل ده.. أنا بكره نفسي.. 


نظرت سلوى إليها بمرارة وألم، وهنا انهمرت دموعها أخيرًا.


تبادلت ماسة معها النظرات، ثم فتحت ذراعيها لها بقهر على حالتهما. ضمتا بعضهما، وأخذتا تبكيان بحرقة.

💞________بقلمي_ليلةعادل _______💕


قصر الراوي الخامسة مساءً 


ترجّل سليم من سيارته بعد أن أوصل ماسة عند عائلتها، ثم إتجه مباشرة إلى مبنى الكاميرات في الداخل، كان عثمان وبعض الحراس جالسون يراقبون.


سليم بأمر حاسم: هات لي تسجيلات الكاميرات قبل حادثة والد ماسة بيوم.


ابتسم عثمان بهدوء وبدأ بتشغيل الفيديوهات. جلس سليم يشاهدها بتركيز، دون أن يلاحظ شيئًا غريبًا أو مثيرًا للريبة.


لكن، ننتبه أن بعض الفيديوهات المرتبطة بماسة قد حُذفت، تحديدًا تلك التي ظهر فيها وهي تصعد سيارة رشدي، يوم الذي رأت سليم وهو يقتل الشاب.

أما يوم الحادثة نفسه، فلم يظهر فيه شيء لافت... كل شيء بدا عاديًا.


(نحن نعلم أنهم اختاروا غرفة ياسين أو غرفهم لإتمام أي إتفاق خبيث، حتى لا يظهر شيء في الكاميرات، أو لتجنب الميكروفونات التي ربما زرعها سليم.) 


زفر سليم بغضب، لأنه لم يصل  لأي شيء.


غادر المبنى متجهًا إلى القصر.


بمجرد دخوله، توجه نحو المطبخ، حيث كان جميع الخدم منشغلين في تحضير الطعام. وما إن رأوه، حتى توقفوا عن العمل ووقفوا بإحترام.


سليم بثبات: أقفوا كده كلكم جنب بعض.


اصطفوا في صف واحد، وبدأ يراقب وجوههم بعينيه الحادتين.


سليم بأمر واضح: سحر، أطلعي فوق، استنيني في الجناح.


صعدت سحر على الفور، بينما ظل سليم واقفًا، يحلل ملامحهم، ثم قال بنبرة حادة: قولولي، يوم الحادثة إللي ماسة خرجت فيها وكسرت البوابة...في حاجة غريبة حصلت؟

بس قبل ما حد يجاوب، نصيحة: فكروا كويس، لو عرفت إن حد فيكم بيكدب أو مخبّي حاجة إنتو عارفين أنا مين، مش جديد عليكم، نرجع كده للماضي فاكرين أمجاد؟ من تسع سنين؟


عفاف، الخادمة الكبيرة: والله يا بيه، ماحصلش حاجة، الست هانم من يومها تعبانة، مابتاكلش، وعلى طول في أوضتها. يعني لو نزلت، تتمشى في الجنينة شوية وخلاص.


قالت خادمة أخرى: مفيش أي حاجة نقدر نقولها يا باشا.


أماني رئيسه الخدم: سليم بيه لو حصل اي حاجة ملفته للانتباة، اكيد هنبلغ حضرتك.


سليم هو ينظر لها بنوع من التحديد: إنتي الوحيده يا اماني اللي لازم تفكري في الموضوع ده عشان انا عارف انك عندك ولاء كبير للهانم.


نظر إليهم سليم نظرة طويلة، ثم قال بهدوء متوتر: تمام أخرجوا كلكم. مش عايز حد هنا.


خرج الخدم بسرعة، ثم أخرج سليم هاتفه واتصل: تعالى لي يا مكي.


جلس على مقعد منتظرًا، وبعد قليل دخل مكي.


مكي: خير يا سليم؟


سليم: أنا عايز تسجيلات الكاميرات إللي هنا.


مكي بهدوء: حاضر، هروح أجيب اللاب توب.


عاد بعد دقائق حاملاً الجهاز، وجلس بجانبه، وبدأوا معًا مراجعة الفيديوهات.


سليم وهو يركز: أنا عايز كل الكاميرات في القصر.


أجابه مكي وهو يشير للشاشة: أنا بصيت عليهم كلهم يوم الحادثة، بس مفيش أي حاجة مثيرة للشكوك.


فتح الفيديوهات وبدأ يشرح: بص، وهي نازلة من على السلم، شكلها متعصبة وزعلانة، ركبت عربية صافيناز من غير ماتكلم حد وخرجت باقي الفيديو أهو.


ظل سليم صامتًا للحظة، ثم قال بأمر واضح: من النهاردة، تخترق تليفون ماسة وسلوى وتزرعلي كاميرات في كل ممرات الأوض فوق.


سأله مكي بقلق: إيه إللي ممكن يكون حصل شاكك بإيه؟


سليم بعصبية مكتومة: لو كنت عارف، كنت قلتلك، لكن إللي بيحصل ده، مش طبيعي، دي مش تصرفات ماسة،مش مراتي أنا بحاول أفهم وأوصل لحاجة، هطلع أتكلم مع سحر، يمكن عندها معلومة.


تابع بأمر: الكاميرات تتحط من النهاردة محدش يعرف، ولو حد عرف، قول له أوامر سليم، الكاميرات تتوزع على كل الزوايا، تبين مين دخل ومين خرج، واضح؟


مكي: ماشي لو عايزه احطلك في اوضهم كمان نحط.


سليم: لا اوض النوم مش هينفع.


صمت للحظه، سأله سليم فجأة: هي سلوى هتروح الجامعة إمتى؟


مكي بضيق: مابنتكلمش من يومها، بس احتمال تروح يومين كده الكلية علشان جدول الامتحانات.


سليم: تمام. اليوم إللي هتبقى فيه برّه، أنا عايز أكلمها، أكيد عندها حاجة.


مكي بيقين: مش هتقول.


سليم: مش مهم تقول، بس عايز أشوف رد فعلها، عايز أشوف إللي مابيتقالش إللي ورا العيون، سلوى وماسة سرهم مع بعض.


مكي: عموماً أنا هروح لها النهاردة أو بكرة لو عرفت حاجة هعرفك.


هز سليم رأسه بإيجاب وتحرك للخارج.


جناح سليم وماسة


صعد سليم إلى الجناح، كانت سحر في انتظاره. ما إن دخل حتى وضعت يدها على صدرها وهمّت أن تتحدث.


جلس سليم على مقعد التسريحة فوضع قدمًا فوق الأخرى، ورفع عينيه نحوها بهدوء: قوليلي يا سحر… ماسة هانم يوم الحادثة أو قبليها بيوم، حصل أي حاجة غريبة؟ حاجة ممكن تكون مثيرة للانتباه؟


سحر بتوضيح: لا والله يا بيه، هي بس كانت تعبانة شوية، مابتاكلش كويس، بس الحمد لله.. هي مارجعتش للفترة إللي كانت فيها دايمًا نايمة، او بتنام طول النهار وتصحى بالليل.


أشار لها برأسه بتفهم: أيوه، أيوه، أنا فاهم ده، بس أنا أقصد حاجة تانية، حاجة حصلت فعليًا؟


سحر هزت رأسها: لا يا بيه، يومها ماحصلش حاجة خالص، هي مانزلتش من الجناح أصلًا، فطرت فوق، هي بس كانت متوترة شوية، يعني كأن فيه حاجة مضايقاها، بس ماقالتش حاجة.


مسح سليم جبينه، وفكر قليلًا، ثم نظر لها: مش لازم تكون حاجة حصلت لها هي… مش اتفقنا إن عينك تبقى على الكل؟


سحر بتفكير: هو يومها كان عادي، الست فايزة والست صافيناز ماراحوش المجموعة، ورشدي بيه جه بدري شوية، ماكانش فيه حاجة غريبة… سيدي عزت مابتش أصلاً في البيت وحضرتك عارف إن ياسين بيه أصلاً مش موجود والباقي عادي يعني في مواعيدهم. 


ترددت قليلًا ثم أضافت وكأنها تذكرت: بس فيه حاجة حصلت بعد الحادثة بيوم تقريبًا.


عدل سليم جلسته:إيه إللي حصل؟


سحر وهى ترفع كتفها: أنا مش عارفة لو مهمة ولا لأ… بس هقول لحضرتك. كنت داخلة أنضف الجناح، لقيت الست صافيناز خارجة من أوضة اللبس، ولما سألتها زعقتلي وقالت لي مالكيش دعوة. أنا كنت هقول للهانم علشان خفت،  لو حاجة ضاعت يتهموني بيها. لكن هي كلمت الهانم، وبعدها الهانم نزلتني، ومعرفش اتكلموا في إيه.


سليم تساءل وهو بيكتم غضبه: يعني صافيناز كانت في أوضة الدريسنج وماسة ماكانتش موجودة؟


سحر بتأكيد: أيوه، ماسة هانم كانت تحت، قاعدة في الجنينة قبل ماتروح لأبوها.


سليم وهو بضيق عينه بتذكر: وده كان تاني يوم الحادثة؟


سحر: أيوه يا بيه.


سليم أومأ برأسه: طيب، روحي إنتِ دلوقتي بس عايزك تفتحي عينيكي على كل. أكتر من كده، اتفقنا؟ 


هزت راسها بإيجاب وخرجت.


شعر سليم بالضيق أكثر، لم يصل لشيء حاسم، لكن مالفت انتباهه هو تواجد صافيناز في غرفة الملابس.


حدق في الفراغ بشك، ثم خرج وتوجه مباشرة إلى غرفة صافيناز، فى الطابق الثاني وطرق الباب.


غرفة صافيناز.


تجلس صافيناز على المقعد تبحث في هاتفها.


صافيناز: تفضل.


دخل.سليم وقال بهدوء: إزيك يا صافي؟


صافيناز وهي تضيق عينيها: تمام يا سليم… غريبة يعني.


سليم متعجبا: غريبة ليه؟


صافيناز توقفت أمامها: يعني مابتجيش أوضتي خالص، نادرًا.


دخل سليموفي موضوع مباشرة قاتل تساءل: دخلتي ليه أوضة ماسة من غير إذن، كنتي بتعملي إيه؟


صافيناز بثبات: كنت بدور عليها.


سليم متعجباً: تدوري عليها في الدرسنج روم؟


صافيناز بتفسير: الباب كان مفتوح، فافتكرتها جوه، قعدت أنادي عليها ماردتش، بصيت لقيت الـدريسنج منور، قلت يمكن جوه، بس مالقيتهاش، وأنا خارجة لقيت سحر، اتكلمت معايا كأن الأوضة أوضتها، فردّيت عليها بطريقتي. ممكن تكلم ماسة وتسألها.


سليم بأمر: صافيناز ماتدخليش الأوضة دي تاني غير لما تكون ماسة جوه.


صافيناز بإصرار: قلتلك كنت فاكراها جوة، وبعدين إحنا متربيين، مش زي رشدي.


نظر سليم لها بنظرة جامدة: أظن سمعتي أنا قلت إيه.


كاد ان يتحرك لكنه توقف فجأة وسألها: هو إنتي أصلاً كنتي عايزة ماسة ليه؟


تنهدت وهي تجلس على المقعد مجدداً: مافيش، كل الحكاية إني كنت عايزة أفهم منها إزاي عملت كده في البوابة… الموضوع ماكانش يستاهل، يعني تكسر البوابة؟؟ إللي عملته مش طبيعي الصراحة مايطلعش من ماسة البريئة.


نظر لها سليم مطولا. رمقها من أعلى لأسفل لم يرد وتحرك مغادرا بصمت.


بمجرد أن خرج، هرعت صافيناز إلى الكومودينو، فتحت الدرج وعدّت على الميكروفونات، واطمئنت أنها مازالت في مكانها.


أخذت هاتفها، وأسرعت بالاتصال بماسة: أيوه يا ماسة… بقولك إيه، لو سليم كلمك وسألك على حاجة، لما دخلت أوضتك، قولي له إني كنت بسألك على بابا وإزاي عملتي كدة في البوابة، علشان هو دخل وسألني، وقولت له إنك كنتي سايبة أوضة اللبس مفتوحة والنور شغال.


ماسة بزهق: حاضر يا صافيناز… عايزة حاجة تانية؟


صافيناز: لأ، مش عايزين حاجة تانية. سلام.


أغلقت صافيناز الخط، وجلست تفكر.


فيلا عائلة ماسة الخامسة مساءً 


غرفة سلوى


جلست ماسة على طرف الفراش، وسلوى مستلقية تضع رأسها على قدمها، تحدق في السقف بعينين تلمعان بالحزن، بينما كانت  ماسة تمرر اصابع يديها بهدوء بين خصلات شعرها، كأنها تحاول سحب الألم منها، لكنها أيضًا شاردة، تائهة في التفكير، لا تستوعب ما عرفته عن سليم، ولا تهديدات رشدي التي تحاصرها.


رنّ هاتف سلوى فجأة، قطع الصمت كالسهم

 نظرت إلى الشاشة، ثم قالت وهي تنظر إلى ماسة: ده مكي.


اعتدلت من وضعها وجلست، نظرت لها ماسة بتحذير: سلوى، هتنزلي تتكلمي معاه؟ عادي؟ علشان خاطري.


هزّت رأسها بإيجاب، بصمت موجوع: حاضر يا ماسة.


أجابت بتنهيدة ثقيلة وهي تنهض: ألو يا مكي.


مكي بجمود: إنتي مابترديش على طول ليه؟


سلوى: كنت في الحمام.


مكي ببحة رجولية:  أنا تحت، إنزلي.


سلوى:  حاضر... هنزل.


نهضت سلوى، وارتدت روبًا طويلًا فوق البيجامة، ثم هبطت إلى الحديقة بخطى هادئة، وكأن الأرض أثقل مما تحتمل.


في الحديقة


كان مكي يجلس بجانب سعدية بعد أن اطمأن على مجاهد.


مكي: إن شاء الله ماما هتيجي لكم كمان يومين كده.


سعدية، وهي تربّت على قدمه: تيجي وتشرف وتنور يا حبيبي.


اقتربت سلوى وقالت بهدوء: هاي


جلست على المقعد المقابل وقفت سعدية لتنسحب بلطف: أنا هدخل بقى لأبوكي، وهخلي انجي تعملكم عصير.


وما إن ابتعدت، حتى نظر مكي إلى سلوى بنظرات ممتلئة بالشك والتساؤلات: عاملة إيه؟


سلوى وهي تنظر أمامها:  تمام.


مكي: بتذاكري ولا إيه؟


تنهدت: آه، بذاكر، خلاص، أقل من شهر وهبدأ الامتحانات.


نظر لها مكي مركزًا في ملامحها: أتمنى تكون أعصابك ارتاحت وهديتي.


نظرت له بتمثيل واضح: أنا كويسة على فكرة.


مكي بإعتراض: لا إنتي مش كويسة على فكرة.


نظرت له مستنكرة: جبت منين الثقة دي؟!


مكي بثقة ومعرفة: أنا بقالي تمن سنين عارفك، أنا حافظك يا سلوى، إنتي تغيرتي، وماسة كمان، إنتي اتغيرتي من بعد يوم عيد الميلاد، وماسة من يوم ما فكرت تهرب لأول مرة، أنا لحد دلوقتي ما طقلتش لسليم، مع إن المفروض أقول، بس مش عايز أزودها عليها لأن سليم فاكر أن هي أتغيرت من يوم الحادثه.


تنهدت سلوى محاولة إقناعه: مافيش حاجة يا مكي، أنا زعلانة على أختي،


سألها مستغربًا: ومالها أختك.من الأساس؟! إيه إللي حصل؟ شك فيها وخلاص يا ستي، غلط واعتذر، في إيه؟!


سلوى بهدوء: هي مضغوطة وتعبانة، وأنا كمان عندي امتحانات.وموضوع الجواز ده كل مايقرب بيخوفني حاسّة إننا مستعجلين اوي، كل ما بشوف المتجوزين إللي حواليا بخاف أكتر، وإنت كمان أسلوبك معايا آخر مرة كان صعب، حتى لو كنت غلطانة، خوّفني منك زيادة.


نظر لها مكي، ممدًا وجهه بعدم اقتناع: هحاول أقنع نفسي، أنا هسيبك تخلّصي امتحاناتك، وهسيبك تساندي أختك، بس أنا عينيا عليكم إنتوا الاتنين، عشان أنا مش داخل دماغي أي حاجة من إللي بتقوليها دي.


نظرت له وضيقت عيناها: إيه إللي ممكن يكون سبب تغييراتي مثلاً؟


مكي: ياريتني أعرف، كلمة واحدة في الحكاية وكنت كملتها.


سلوى نافية تحاول إقناعه: مافيش حكاية، ومافيش أصلاً كلام غير إللي أنا قلته.أنا مش عارفة تغيّرات إيه إللي بتتكلم عليها، إنت إللي بتتوهم وتكبّر المواضيع مش أكتر.


مكي بهدوء: أتمنى، المهم، ماسة عاملة إيه دلوقتي؟


سلوى: بتفكر.


مكي بإستنكار: كانت تستاهل إنها تهرب!! 


سلوى أوضحت: ماسة ماكنتش بتهرب، كانت بتحاول تفصل، مش أكتر، ولإنه مش موافق ومصمم، عملت كده.


مكي: كانت هتروح فين؟


زفرت سلوى بإختناق: اسألها هي.


حك مكي في خده: طيب يا سلوى، أنا همشي.


سلوى: ماشي.


نظر إليها مكي بصمت...فقد كانت في الماضي تتمنى لو يبقى لوقتٍ أطول، وكانت تحزن وتُحدث مشكلة إن رحل مبكرًا عنها،أما الآن، فقد التزمت الصمت، صمتها كان يثير جنونه.لقد تأكد من نظراتها الهادئة أنها تُخفي شيئًا مسحه وجهه ونهضه وتحرك دون ان يقول شيئا بينما هي جزت على اسنانها وقامت بدفع الطاوله بقدميها واخذت تبكي.


الجونة، شاطئ البحر، الثانية مساءً


نرى هبة تضحك بسعادة وهي تمسك بيد نالا التي تسبح في عوامتها، بينما ياسين يرش عليهما الماء ضاحكًا. وبعد قليل، خرجوا من البحر، وجفّفت هبة جسدها وارتدت فستان البحر، ثم أعطت نالا للدادة كي تغيّر لها.


هبة بالإنجليزية بابتسامة: ميشيل، بليز غيري لنالا وماتنسيش كريم الشمس.


ميشيل: أمرك


عادت هبة وجلست بجانب ياسين الذي كان يدخن سيجارته. وضعت نظارتها الشمسية: بقولك إيه... أنا مبسوطة أوي هنا. ما تيجي نعيش هنا على طول؟


ضحك ياسين: ونسيب الشغل والمجموعة؟!


هبه تسألت: ما فكرتوش تعملوا مدينة شبه الجونة؟ مش كمباوند... لأ، مدينة حقيقية


ياسين: عندنا "مدينة الأحلام" جوه القاهرة، وفي مشروع في الساحل...


قاطعته هبه: بس دي مش مدينة، دي منتجعات. الجونة مختلفة... بلد متكاملة كانها محافظه.


ياسين باهتمام: تبقى فين بقى؟


هبه بحماس: في سينا، في أراضي فاضية، كمان سياحية، وكل اللي ناقص مشروع قوي.


ياسين ابتسم: فكرة حلوة، وممكن كمان نعمل حاجة شبه كده في الغردقة ونبقى منافسين.


هبه بانبساط: أيوه! بقى خلّي أفكار الراوي تطلع!


ياسين بجديّة خفيفة: بابا عايزنا نرجع بكرة، الشغل واقف.


هبه بهدوء: أنا مش راجعة القصر


ياسين: هنرجع يومين، لو سمحتي عشان الهانم والباشا ميزعلوش.


ترددت هبه قليلًا: ماشي، بس نرجع القصر كل شهر أو اتنين كام يوم بعدين نرجع فيلاتنا حقيقي انا مش قادره اعيش في البيئه دي.


ياسين وهو يطفئ السيجارة: خلاص... اتفقنا.


فيلا عائلة ماسة 


الشرفة الرابعة مساءً 


جلست سلوى على الأرجوحة، شاردة، تفكر في كل ما يحدث... في مكي، تشتاق إليه رغم معرفتها بحقيقته، لكن الغضب يمنعها من الغفران. حزينة على حياة لم تختَرها، وعلى أحلام تلاشت فجأة، كما فُرضت عليها واقع لا تريده.


أمامها وقفت ماسة عند السور، شاردة، تحاول تهدئة ضجيج عقلها المتعب. كيف ستحمي عائلتها؟ وكيف تتخلص من سليم لتنجو من رشدي وعائلته التي تشبه الضباع المسعورة؟ تمسك مج النسكافيه وتغلق عينيها، علّ النسيم يخفف من ثقل قلبها.


بعد دقائق، رن الهاتف الذي أعطاه لها رشدي ولم يفارق ملابسها. أمسكت به بتوتر، لا أحد يملك رقمه سواه. وضعت يدها على صدرها، تشعر بالاختناق وكأن أنفاسها تُنتزع بلا رحمه.


نظرت لها سلوى بعينيها، اقتربت منها، همست: رشدي.


هزّت ماسة رأسها بصم، أخرجت أنفاسًا ثقيلة ثم رفعت هاتفها على أذنها وقالت بجمود: إيه يا رشدي؟


أتاها صوت رشدي من الإتجاه الآخر حيث يجلس في غرفته وقال بنبرة جدية: أنا مش سامع أي أخبار، إيه؟ إنتي نسيتي الاتفاق ولا إيه؟


ماسة بنبرة مختنقة: أنا مانسيتش أي حاجة يا رشدي، بس زي ما قلتلك، أديني هنا، أهو قاعدة، بفكر، زي ماقلتلك بعدين أنا لسه جاية إمبارح أصبر.


قاطعها رشدي بنبرة باردة ممزوجة بتهديد حاد: أنا مش هستنى كتير يا ماسة.


ماسة بضجر استندت بظهرها على السور: هو إنت مش كل إللي همك إن سليم يبقى مذبذب؟ إنتي عايزني أصدق إن سليم دلوقتي مش مذبذب؟


ضحك رشدي وقال بنبرة ساخرة وهو يتوجه لركن الخمور وسكب في الكاس: سليم أصلاً مش في المجموعة، ده مابيجيش.


ثم أضاف وهو ينظر بغل بنبرة أكثر برودة وهو يتلاعب بالكأس بين يديه: بس أنا بقى مش عايزه مذبذب عايزه منهار، منتهي..

صمت لحظات ثم احتسى ما في الكأس وقال بنبرة ساخرة: 

بعدين أنا قلت أكلمك أطمن عليكي وبالمرة أفكرك بالاتفاق، علشان لو عقلك وزك وهو بيستريح وبيفكر،

ماتنسيش إن فيه ناس تانيين بإشارة واحدة مني حياتهم هاتنتهي.


ماسة بغضب تتحدث من بين أسنانها: قلتلك أنا مش ناسية، وإحنا على اتفاقنا. تفتكر يعني أنا ممكن أعيش مع سليم بعد إللي عرفته؟


تابعت بنبرة مختنقة مقهورة، عيناها تملأها الدموع من الخذلان: أو ممكن أنام في حضن واحد بيتاجر في البنات وفي لحوم البشر؟ إنت تبقى مجنون.


تبسم رشدي ابتسامة جانبية: أصل النظرة إللي أنا شفتها في عينك


قاطعته ماسة بشدة ممزوجة بنبرتها المبحوحة:

حتى لو لسة بحبه يا رشدي، استحالة. ماتقلقش، همشي، يعني همشي... عشان أنا مش هاعيش في حضن سليم تاني بعد إللي عرفته عنه،وعن إجرامه. أهلي عندي أغلى من روحي، مستحيل أخاطر بيهم. فياريت تبطل إزعاجي وتسيبني أهدى عشان أفكر في حل، علشان صدقني هي مش هتتحل بسهولة.


رشدي بهدوء: أنا عارف إنها مش هتتحل بسهولة، وبحاول أفكرلك، لإني متأكد إنك هاترجعي قريب. أكيد مجاهد وسعدية هيرفضوا الطلاق، أصل أوعي تفهميني يعني إنهم هايوافقوا.


زفرت ماسة بإختناق والتفتت مرة أخرى ونظرت للحديقة: طيب يا رشدي، طيب.


صمت رشدي للحظات ثم قال بجمود: بقولك إيه يا ماسة، بصي كده على الفيديو إللي أنا بعتهولك.


عقدت ماسة بين حاجبها متعجبة: فيديو إيه؟!


رشدي وهو يحتسي ما في الكأس: أفتحي بس يا ست الحسن.


ماسة وهي تقلب وجهها: أصبر.


كانت تقف بجانبها سلوى تستمع لكل شيء بضيق، نظرت لها  بعينيها بمعنى :عايز إيه؟ ردت ماسة بنظرها معناها: هانشوف.


فتحت ماسة الرسائل، وجدت فيديو... شقيقها يوسف يجلس في أحد المقاهي، وفي الجهة المقابلة، قناص يجلس في مبنى، مصوب سلاحه نحو يوسف. اتسعت عيناها وصرخت وضعت الهاتف بسرعه على أذنها بتوسل: رشدي! رشدي! إحنا على اتفاقنا والله العظيم هعملك كل إللي إنت عايزه!


نظرت لها سلوى باندهاش وأمسكت يديها وقالت بخوف: في إيه يا ماسة؟


تبسم رشدي الذي استمع لصوت سلوى وقال بجبروت لكنه مليء بالتهديد: بالراحة، أنا بس حبيت أفكرك... قولي لأختك إللي جنبك هي كمان، أوعي تنطقي، أصل أنا عرفت إنك حكيتي كل حاجة لسلوى.


ماسة بتوسل وبكاء: رشدي... أبوس إيدك، مالكش دعوة بحد من إخواتي. والله العظيم هعملك كل إللي إنت عايزه، أرحمني بقى كفاية كده، والله ما هنتكلم.


تحرك رشدي في الغرفة وهو يقول بصوت بارد: أنا بس بفهمك أنا ممكن أعمل إيه، ولازم تفهمي حتى لو أخوكي ماكانش قاعد في قهوة مكشوفة، هعرف أوصله، وأوصل لأي حد... نسيت أقولك على حاجة؟ قولي لسعدية إن التايير إللي هي لبساه بجد شكله جميل، بس خليها هي كمان تبقى تاخد بالها وهي بتعدي الشارع... سلام.


أغلقت الهاتف معه على عجل، ثم هرعت تتصل بسعدية بجنون، بينما كانت سلوى تمسك بيديها بقوة، تحاول تهدئتها وقد ارتسم الذعر على وجهها: فيه إيه يا ماسة؟ فهميني!


سحبت ماسة يديها من قبضة أختها، وبدأت تتحرك في الشرفة ذهاباً وإياباً، حتى جاء صوت والدتها من الطرف الآخر، فهتفت فورًا: أيوه يا ماما! إنتي فين؟ إنتي كويسة؟


سعدية من اتجاة أخرى، بصوت هادئ يفيض طمأنينة: أيوه يا حبيبتي، كويسة، بجيب شوية حاجات من السوق، في إيه؟ مالك؟


تنفّست ماسة بارتياح، وشدت يدها إلى صدرها محاولة تهدئة دقات قلبها المتسارعة: مافيش...هو. هو إنتِ كنتِ هتعدي الشارع ولا حاجة؟


ضحكت سعدية بخفة: لا يا حبيبتي، أنا جوة السوبر ماركت دلوقتي. في إيه يا ماسة؟


أجابت سريعًا، محاولة إخفاء قلقها: مافيش يا ماما... مافيش. تيجي بالسلامة. سلام.


اغلقت الهاتف فجأة، جزت على أسنانها ، ثم رمت الهاتف وقالت بغضب: حقير سافل.


كانت تنظر لها سلوى بعدم فهم. مدت يدها وأمسكت الهاتف من على الأرض وفتحته، ثم نظرت إلى الفيديو مجددًا. شعرت بالخوف، اهتزت يداها وارتعش صوتها، وأمسكت يد ماسة: هتعملي إيه يا ماسة؟ هنعمل إيه والله ما هتكلم أنا كمان ولا هقولك تاني قولي لسليم؟


لم تستطع ماسة التوقف. لم تتحمل قدماها الوقوف أكثر من ذلك وكأنها أصيبت بالشلل. جلست على الأرض وهي تبكي بحرقة وتضع يدها على فمها لكتم صوتها.


جلست سلوى أمامها وهي تمرر عينيها عليها فلا تجد دموعًا كي تنزفها، لكن كان قلبها قد نزف.


مدت يديها المرتعشة وربتت على قدم ماسة وهي تقول تقول اطمئننها برغم الخوف الذي يسكنها: خلاص أهدي، طيب أهدي، هنفكر في حل، مش هيعمل حاجة هو بيخوفنا بس، بس لازم نفكر في حل. إنتي ناوية تعملي إيه طيب.


رفعت ماسة عينيها نحوها وقالت بصوت مبحوح: هعمل إيه؟ هقولهم إني عايزة أطلق. خلاص، مش هينفع نسكت أكتر من كده.


سلوى: مش هيوافقوا، ماحدش هيوافقك.


ماسة بتعب: مش مهم، هقول أي حاجة بس سلوى، أحلفي إنك مش هتتدخلي.


سلوى متعجبة: يعني إيه  ماتدخلش يا ماسة؟


ماسة بتحذير: طول ما أنا تحت، أوعي تنطقي بنص كلمة. إنتِ مابتقدريش تمسكي نفسك، مابتقدريش تمسكي لسانك. قولي والله العظيم ماهتكلم.


سلوى بإختناق: يا ماسة، فهميهم وقولي لهم الحقيقة على لاقل ليابا وماما ياخدو حذرهم.


ماسة بغضب مكبوت: مش هينفع حد يعرف الحقيقة يا سلوى؟ ماتتعبنيش بقى، أحلفي.


سلوى: والله العظيم ما هقول لحد عن السر ده.


نظرت لها ماسة بقهر ثم ضمتها إليها وأخذتا تبكيان بحرقة.


اماكن وأوقات مختلقة/في شمال سيناء 


مظهر عام للمدينة تلك المدينة الساحرة حيث جبال شامخة تعانق السماء، بحر صافٍ كمرآة، وبيوت صغيرة تحتضن الهدوء، سانت كاترين.


قبل موعد الامتحانات بأيام، شعر عمار أن رأسه تكاد ينفجر من كثرة الضغوط.فقرر أن يسافر مع أصدقاءه لبضعة أيام.


أختار سيناء، حيث البحر يهمس، والجبال تحكي.


نشاهد عمار يسبح في مياه البحر الزرقاء، يغمض عينيه وكأنه يغتسل من التعب، ويصعد الجبل بخفة ومرح، ضحكاته تتردد بين الصخور مع أصدقاءه، وفي الليل يجلسون حول نار صغيرة، والنجوم فوقهم تنصت، وأحاديثهم تتناثر في الهواء البارد. 


وذات مرة كانوا يتجولون على أطراف الطريق الجبلي، توقف رامي فجأة (أحد أصدقاء عمار) 

اقترب من أحد العرباوية الجالسين على حافة الطريق حديث سريع ونظرات حذرة... ثم يده تمتد، بكيس صغير يختفي في جيب معطف رامي، عاد إلى السيارة، لكن أدهم لمح كل شيء.


نظر له أدهم وعلق: إنت ناوي تنزل بيه؟


ضحك رامي: يا عم دي حتة صغيرة يعني، وبعدين ده حشيش سيناوي... ماتقلقش.


في تلك اللحظة، كان عمار منهمكًا في تصوير الغروب، ولم يلحظ شيئًا، عادوا إلى السيارة وأكملوا الطريق.


الجامعة الأمريكية، الثانية عشر ظهرًا.


خرجت سلوى من البوابه بخطى هادئة كانت، توقفت سيارة بانتظارها. اقترب الحارس وفتح لها الباب الخلفي بأدب، وما إن استقرت على المقعد، حتى شهقت بخفوت.


كان سليم يجلس هناك، ساق فوق ساق، ذراعه ممدودة على ظهر الأريكة بثقة تملك. عيناه مستقرتان عليها، كأنهما تبحثان في أعماقها عمّا يُخفى، تراجعت دون أن تشعر، قبل أن تستعيد توازنها بسرعة.


سلوى بصدمة: سليم؟!


ابتسم ابتسامة واثقة، بنبرة ثابتة تكاد تكون هامسة: إزيك يا سلوى؟ عاملة إيه؟


ابتلعت سلوى ريقها بصعوبة، وردّت بصوتٍ شبه مبحوح: أنا كويسة.


تأملها سليم طويلًا، يفتش في ملامحها عن شيء لا تُفصح عنه الكلمات: قوليلي يا سلوى... إيه إللي حصل يوم الحفلة؟


ارتبكت سلوى، رفّت عيناها، وردّت: مش فاهمة، تقصد إيه؟


نظرته صارت أكثر حدة، بينما نبرته ظلّت هادئة بشكل مخيف: بصي، أنا مابحبش التلاعب بالكلام.  هسألك سؤال، تردّي عليه... بإجابة واضحة.


رفعت رأسها فجأة، كأنها تحاول التمرد، وقالت بحدة: وأنا كمان بسألك... آية اللي عملت معايا يوم الحفلة؟


سليم بهدوءٍ قاتل، وصوتٍ يحمل في عمقه تهديدًا مستترًا: لأ، أنا إللي بسأل، وإنتِ إللي هاتجاوبي. يلا.


زفرت بضيق واضح: أنا قلت لمكي إني معرفش حاجة. ماسة كلمتني، وقالتلي فيه حفلة، روحت معاكم. وهناك، في الحمام، قالتلي إنها ناوية تهرب، من الضغط، من سليم، من كل حاجة... كانت عايزة تهدي أعصابها.


رفع حاجبه قليلًا، نبرته غامضة: والنقاب؟ والإسدال؟ وكل التفاصيل دي؟ ماتعرفيش عنها حاجة؟


أجابت سلوى بإصرار: والله ما أعرف. هي بس قالتلي يومها في الحمام.


ضحك سليم ضحكة قصيرة، ساخرة، واقترب قليلًا.

قالتلك يومها؟ مع إنكم ماكملتوش في الحمام أكتر من ٣ دقايق؟


توترت، سلوى حكت أنفها، زاغت عيناها: ااتكلمنا قبلها بردو... لما سبتنا.


أومأ سليم كمن ألتقط الكذبة: بس إنتي لسة قايلة اتكلمتوا بس في الحمام؟


صمتت، لم تجد ما تقول. نظراتها المرتبكة فضحتها. 


ظل ينظر أمامه للحظات، ثم قال بنبرة هادئة كأنها تحمل ألف معنى: عموماً، أنا اتاكدت إللي كنت عايز أعرفه. بس سؤال كمان..


التفت إليها، نظرته كانت أكثر لينًا، لكنها لا تزال تختزن الخطر: لو ماسة عندها مشكلة، وإنتي كمان عندك، يا ريت تقولوها بدل ماتفضلوا تلفوا وتدوروا. مش هتلاقوا حد أحسن مني تقولوا له.


حاولت التبرير: صدقني مافيش حاجة... كل الحكاية إن ماسة أعصابها تعبانة، وإنت عارف.


رفع حاجبه، وقال بسخرية خفيفة: تعبانة ده يخليها تهرب بالطريقة دي؟ وتعرض نفسها لموقف بشع زي ده؟!


سلوى بتوضيح حاد:  ماكانتش بتهرب... كانت عايزة تمشي، لأنها حاسة إنك مانعها تخرج.


حك خده بإصبعه، صوته ملئ بلاستخاف:  هو إنتوا ليه بتحاولوا تقنعوني بالكدبة الغبية دي؟


سلوى: علشان دي الحقيقة.


هز رأسه نافيًا بثقة: لا، مش الحقيقة.


نظرت أمامها، وكأنها تُنهي الحديث: أنا إللي عارفاه قلته لك يا سليم.


ظل صامتًا لثوانٍ، ثم باغتها بسؤال مفاجئ.: وإنتي بقى, متغيّرة مع مكي ليه؟ ماسة وفهمنا، طب إنتي؟


ترددت لحظة: أنا؟ مش متغيّرة ولا حاجة، أعصابي بس مش مستقرة.


ابتسم ابتسامة جانبية: لا ألف سلامة على أعصابك.


ثم قلب عينيه فجأة، ونظر في عينيها مباشرة، كأن كلماته تنبش داخلها: سلوى، لآخر مرة هسألك... مخبية إنتي وماسة إيه؟


خفضت نظراتها، ثم همست: مش مخبية حاجة، وماعرفش حاجة.


ظل صامتًا للحظة، ينظر أمامه، وكأن الإجابة وصلت له، ليس من حديثها، بل من رعشة صوتها، من نظرتها المكسورة، ومن ضيق نفسها.


حرّك رأسه بهدوء، وكأن القرار قد اتُخذ، ثم التفت لها بنظرة حادة وثابتة:  لازم تعرفوا، ومهما كان إللي إنتوا مخبّيينه... أنا هوصله. وهعرفه.


قال كلمته الأخيرة، وهبط من السيارة، خطواته ثابتة وباردة، قبل أن تستوعب سلوى ما حدث، كان مكي قد صعد مكانه خلف المقود، وأدار المحرك، وسلوى، ظلّت صامتة، مشاعرها تشتعل، وقلبها يدق بلا انتظام.


واثناء ذلك نظرت سلوى له بإستغراب: رايح فين


نظر لها في مراية السيارة: هاروحك بعدين عايز أتكلم معاكي شوية هوقف العربية على جنب.


هزت رأسها بموافقة أوقف السيارة بجانب الطريق هبط منها وهي أيضا وتوقفوا بجانبها.


سألها مكي وهو يتأمل ملامحها الحزينة: عاملة إيه؟


سلوى بهدوء: الحمد لله، بذاكر، الإمتحانات خلاص قربت، أقل من عشرة أيام.


مكي: ربنا يوفقك. إحنا على اتفاقنا، صح؟


سلوى: آه طبعًا.


نظر إليها قليلًا بنبرة عاتبة:وهتفضلي ماتكلمنيش كده؟!


رفعت عينيها إليه: مش إنت إللي عايزني أذاكر وأنجح وأجيب درجات عالية وماشلّش؟ سيبني بقى، أركز في مذاكرتي. 


تنهد مكي وظم شفتية، أخفض نظره للحظة قال بتنبيه: طيب ياسلوى، بس أنا مش صبور زي سليم.


لم ترد، ولم بنظرها ترد كتفى بأن يفتح باب السيارة وقال بجمود :اركبي يلا، أوصلك.


صعدت في صمت، والأجواء مشحونًة بكلمات لا تقال


وخلال أيامٍ قليلة...


انعزل سليم في يخته بمدينة العين السخنة، رسى هناك في منتصف البحر، هاربًا من الضجيج، يبحث عن تفسير لما حدث، عن خلاصٍ من الحيرة، التى تنهشة 


ظل يعيد كل لحظة في ذهنه، كل لحظة، وكأن جبالًا كأن جبال بتنزل على رأسه بلا توقف.


ماسة تتركه في أكثر الأوقات التي يحتاجها فيه،

لم تكتفِ بالغياب، بل زادت عليه الألم بدل ما تخففه. 


يسأل نفسه: كيف انتهت علاقتهما إلى هذا الحد؟ كلاهما تغيّر، لكن لا بدّ أن شيئًا ما قد حدث... غامض، ثقيل، يطارده ككابوسٍ لا ينتهي.


مستحيل أن يكون الفيديو سببًا في كل هذا الانهيار.

حتى لو وُجدت تراكمات وضغوط، ليس منطقياً أن تنهار العلاقة هكذا في لحظة،  ذلك اليوم الذي جمعهما، وما تخلله من عشق، لا يزال حاضرًا في قلبه، حتى لو إدّعت ماسة أنها لحظة ضعف


لقد وعدته بالتفكير... لا بالطلاق. فما الذي تغيّر؟ 

ما الذي حدث يوم حادثة والدها؟! كانت فقط تطلب وقتًا، فلماذا اختفت فجأة؟ لماذا تعقّد كل شيء؟


عجزه عن الفهم  الذي ينهشه عقلة، يحرّض جنونه، ويضاعف اضطرابه، كان واثقًا أن شيئًا ما تغيّر يوم الحادثة... شيء خفيّ جرّهما إلى الهاوية، دون أن يملك دليلاً، سوى شعورٍ مفترس ينهش قلبه.


بينما التزم مكي الصمت انتظارًا لانتهاء امتحانات سلوى كما قالت، رغم أنه كان على يقين بحدوث شيء كبير، لكنه كان عاقلاً يمنحها المساحة، لا يفتعل المشاكل أو يضغط عليها، على عكس سليم تركها تفعل ما تشاء. بالطبع، كان يشعر بالضيق والغضب والحزن، لكنه لم يُظهر ذلك، ولم يحاول الاتصال بها إلا قليلاً للاطمئنان عليها فقط.


أما ماسة وسلوى، فكانت لا تغادر غرفة سلوى، تحبس نفسها في صمتٍ ثقيل، قلباهما يحترقان وكأنّهما يحملان جمرًا في الضلوعهما، يحرقهما مع كلّ دقيقة تمرّ، وكلّ لحظة صمتٍ تزداد ثقلاً.


كانت ماسة على وجه الخصوص تعيش جحيمًا لا يُحتمل، تحت حصار رشدي الدائم. يطاردها 

بكلماته الجافة، وبتهديداته  وصوره المرعبة: ماذا فعلتِ؟ تحرّكي! ويرسل لها صورًا لوالدها وإخواتها في أماكن متفرقة، ثم يتبعها برسالة مريعة: قد لا يعودون مجددًا.. أو صورة لقنّاصٍ يرصدهم عن قرب، ينتظر فقط إشارة واحدة منه ليطلق النار.


حاصرها بالخوف، كأنها سجينٌ مظلوم صدر بحقه حكم الإعدام وينتظر لحظة تنفيذ الحكم في صمتٍ خانق.

ظلّت على هذا الحال، وفي لحظة انهيار، قررت مواجهة والديها، وأخبرتهما برغبتها في الطلاق


لكن ما كان يمزّقها أنها لا تملك سببًا واضحًا أو مقنعًا لا تريد  الكذب، ولا تقدر على قول الحقيقة. لا يمكنها الاعتراف بأن رشدي هو من يقف خلف قرارها، يهددها في كل ساعة، ولا أن سلوكها ليس رفضًا لسليم، بل محاولة لحماية من تُحب.


    _______💞بقلمي_ليلةعادل⁦_______💞


فيلا عائلة ماسة الثانية مساء 


غرفة الليفنج


سعدية تجلس على الأريكة تقشر برتقالًا، وبجوارها يوسف، بينما تمدّد مجاهد صامتًا، لا يغادر الغرفة منذ الحادثة. الجميع منشغل بمشاهدة مسرحية "ريا وسكينة، ومندمجين معها، حتى دخلت سلوى، وتبعتها ماسة وقد قررت فتح موضوع طلاقها من سليم.


وما إن وقعت عينا يوسف عليهما حتى قال ممازحًا:

وأخيرًا شفناكم، ده أنا بدأت أنسى إنكم قاعدين معانا في البيت.


سعدية وهي تضحك: عندك حق.


جلست ماسة بجوار والدها على الأريكة وقالت بكذب: ما إنتم عارفين عندنا امتحانات.


يوسف ساخرًا: على أساس يعني أنا ماعنديش امتحانات.


سلوى وهي تجلس على المقعد: إنت فاشل وعمار فاشل زيك قال إيه سافر يغير جو.


نظرت ماسة إلى والدها، وضعت يدها على قدمه المجبّسة وسألته: قولي يا بابا عامل إيه دلوقتي أحسن؟


مجاهد برضا: الحمد لله يا بنتي أهو هنعمل إيه بتتعبني شوية باخد مسكن.


ماسة: إن شاء الله هتتحسن وهتبقى كويسة، هو إنت ليه بقيت بتقعد هنا على طول؟ أنا ملاحظة ده.


مجاهد: كدة أحسن يابنتي، مين هيطلعني وينزلني كل شوية؟ أنا بقيت بنام هنا.


ماسة بإقتراح: ليه طيب؟ ممكن نفضي أوضة،ونجيب لك سرير، إيه رأيك؟


مجاهد وهو يلوح بيده: وعلى إيه؟ كلها ثلاث أسابيع وأفك رجلي.


سعدية بدعاء: على خير إن شاء الله يا أبو عمار. 


نظرت سعدية لماسة وهي تمد يدها بموزة: خدي كلي دي...

أخذتها ماسة، أكملت سعدية وهي تدقق في ملامح ماسة بتهكم:

إنتي يا بت وشك بقى زي اللقمة، وتحت عينك أسود! إيه المنظر إللي إنتي فيه ده؟ وإيه إللي إنتي لابساه ده؟ يا بت إنتي ست متجوزة، لازم تلبسي ملون، وشك على طول يكون منوّر، وخدودك دي كده حُمَر.. زي الطماطم! ده إنتي متجوزة راجل ستات مصر كلها  مصر إيه، ده ستات العالم كله نفسهم بس يرمش لهم! إملي عين رجلك، علشان ما يبصش برّه، بالمنظر إللي إنتي فيه ده! أنا إللي هقول له بص، بطلي يا أختي تلبسي التيشرتات إللي شبه بتاع إخواتك دول.


مجاهد مهدئًا: يا سعدية، ما هي قاعدة معانا، هتلبس لمين يعني؟ لما جوزها يرجع تبقى تلبس له إللي هو عايزه، وبعدين ماتخافيش، ماسة ما شاء الله عليها زي القمر، مهما لبست زي القمر.


يوسف ممازحًا: أيوة يا عم، مين يشهد للخرزة الزرقاء بتاعتنا؟


ماسة تبسمت: بقولك إيه يا بابا، هو إنت فتحت سليم في موضوع الفلوس ولا لسة؟


ضيق مجاهد عينه مستفسرًا بقلق: قولي لي يا ماسة بصراحة، هو سليم قالك حاجة؟


هزت ماسة رأسها بلا: لا والله خالص، حرام عمره ماقالش حاجة، بس الواحد لازم بقى يبقى حسيس، هو صرف علينا كتير.


تدخلت سعدية بقلق: إنتي مش عاجباني بقالك فترة متغيرة، والموضوع ده،حاسة إن فيه "إنّ.


ماسة بتأكيد: مافيش إن يا ماما، مافيش حاجة.


صمتت ماسة لحظات، نظرت إلى سلوى، لا تدري كيف تبدأ، فهي تعلم جيدًا أن الأمر سيشعل النار ، فلا تملك أي أسباب قوية تجعلهم يرفقون بها. 


مسحت وجهها، تنهدت وأخذت نفسًا كأنها تحاول استجماع قوتها الهشة، ثم قالت: بابا... ماما... أنا كنت عايزة أقولكم على حاجة مهمة، بس أنا عايزاكم تسمعوني من قلبكم و تفهموني،وتحسوا بيا.. ممكن؟


مجاهد بقلق: خير يا بنتي، وطي التلفزيون ده شوية، ولا أقفله يا يوسف.


أغلق يوسف التلفاز، وبدأ الجميع يركز معها.


قالت ماسة بصوت متلعثم قليلًا وهي تعبث بأطراف السويت شيرت بألم خنق نبرة صوتها: يعني، الفترة الأخيرة، أنا وسليم كان بينا مشاكل كتير، وأنا أعصابي تعبت، مابقيتش قادرة أتحمل، حاسة بوجع كبير، مابقيتش قادرة أتحمل الوجع أكتر من كده، ولا أتحمل الصداع إللي بقى ملازمني، ولا أتحمل انفعالاته وغضبه كل شويه على أتفه الأسباب إللي وصلت للتهديد كمان... فـيعني، أنا اتكلمت معاه، وجيت هنا علشان أفكر في علاقتنا، وبصراحة لما فكرت شفت إن الأصلح إن إحنا نسيب بعض... فأنا عايزة أتطلق من سليم.


سكت الجميع في صدمة واستغراب، ثم ضحكت سعدية: بت يا ماسة، بطلي هزار.. طلاق إيه؟


ماسة برجاء: ماما من فضلك اسمعيني.


توقفت سعدية بغضب وهي تصيح بها: أسمع إيه؟ أسمع التخاريف إللي إنتي بتقوليها دي؟ أعصابك تعبانة من إيه يا بت؟ بتاكلي بالدين، ولا بتنامي من غير عشا؟ ولا قافشة جوزك كل يوم مع واحدة؟ ولا جوزك مدمن وبيصرف تعبك وشقاكي على نسوان عيلته ومزاجه، ولا بيضربك؟


ماسة بإنفعال: هو لازم يعني يكون بيضربني ويشتمني و واخد فلوسى علشان يبقى راجل وحش؟ بعدين هو راجل وحش من غير مايعمل كل ده... ده شكّ فيا!


يوسف متهكما بإعتراض: ماسة، إللي إنتي بتقوليه ده مش عاجبني، ويوم ماحصلت المشكلة كنت معاكي، بس لما فهمت اتضايقت منك! زميلك مين ده إللي تقعدي معاه.


ماسة تحاول توضيح: يا يوسف، أنا ماقعدتش مع حد، ده كان قاعد مع صاحبتي! الموضوع كله صدفة.


يوسف بصرامة وبحة رجولية: المفروض أول ماتلاقي صاحبتك هتقعد معاه، تمشي! أنا "مي" لو عملت حركة زي دي، هعمل معاها مشكلة! وهي لسه ماتخصنيش لحد دلوقتي مجرد واحدة معجب بيها، ولو مراتي، أقسم لك، كنت لطشت لها!


حاولت ماسة تمسك دموعها: بس هو متخانقش معاه علشان كده، طريقة سؤاله نفسها كان فيها نوع من الشك، وأنا مش هقبل ده وكمان عصبيته وطريقته دي، حقيقي أعصابي تعبت.


تنهد مجاهد وقال بحكمة: يعني علشان جوزك إنفعل شوية ولا زعق، تقومي الدنيا وتقعديها؟ الست العاقلة إللي بتحب جوزها لازم تتعامل مع المشكلة بحكمة، إنتي لما تشوفيه منفعل، تسكتي، تشربي غضبه، وبعد شوية تقولي له بعتاب: يا حبيبي، إنت كنت متعصب أوي، وأنا خفت منك وزعلت، كل إللي بطلبه منك إنك تتكلم معايا بهدوء، فهمني غلطتي، واعتبرني بنتك قبل ما أكون مراتك، ساعتها، هتلاقيه من نفسه جايب لك وردة، شوكولاتاية، ولا حتى بيضحكلك ضحكة تراضي قلبك وبيعتذرلك.


ربت على قدميها وتابع بحنان: 


بصي يا بنتي، سليم عصبي؟ آه. بيهددك وبيتصرف تصرفات غريبة؟ مصدقاك، بس الحياة مش بتمشي على مزاجنا، ولا الناس بنفصّلهم على هوانا. جوزك واقع في حفرة، مش عارف يطلع منها، وكل ما الوقت بيعدي وهو فيها، غضبه بيزيد، بيحس بالعجز. ساعات الراجل بيزعق مش لأنه قاسي، بس لأنه مش عارف يعبّر. الست لو ردت الغضب بغضب، النار بتزيد، لكن لو قابلته بحنية وهدوء، الدنيا بتهدى. وإنتي يا ماسة، ست واعية وعارفة تفرقي بين اللي يتحب واللي يتحاسب.


ماسة بألم وهي تنظر أمامها: وأنا بقول لك يا بابا، سليم يستاهل يتحاسب.


سألها مجاهد: ليه يا ماسة القسوة دي؟ ليه العند ؟ فهميني، بيعمل لك إيه؟


ماسة محاولة التوضيح: حاجات كتير يا بابا، بس أنا ماكنتش بتكلم. 


سعدية بضجر: طب ماتتكلمي وتفهمينا! إنطقي.


صمتت ماسة للحظات، لا تعرف من أين تبدأ. أغمضت عينيها، تشعر بثقل فوق صدرها، كأن عقلها وقلبها على وشك الانهيار. الضغط فاق قدرتها حتى على الكذب أو إرضائهما بكلمة. كل ما أرادته أن يستمعا لها ويصدقاها دون نقاش، لكن ذلك كان مستحيلاً... ولهذا، انفجر غضبها.


نهضت ماسة وصرخت ببحة وانهيار: يا جماعة، إنتم مش فاهمين حاجة! سليم ده راجل وحش، والله العظيم راجل وحش، وأنا مابقيتش قادرة أستحمله! إنتم مش فاهمين حاجة، ولا هاتفهموني! بس علشان خاطري، أنا لازم أطلق! مش لازم تقتنعوا، المهم أنا مقتنع، أنا شايفة إن ده هو إللي هيريحني وإنتم لازم تعملوا آللي يريحني!


سعدية صاحت بها غاضبة: لو مشيناكي على هواكي، وعلى إللي يريحك، يبقى معندناش أصل، ولا عقل، يعني علشان نفسيته تعبت شوية، نرمي الراجل؟

ناخده لحم ونرميه عضم... لو كل ست نفسيتها تعبت شوية علشان جوزها زعلان ونفسيته تعبانه، كانت نسوان البلد كلها أتطلقت! ماكانش في بيت فيكي يا بلد إلا والنسوان كلها مطلقة!  جوزك عنده مشكلة، تتحمليه علشان جوزك فيه حاجات كتير حلوة، أبوكي لسة قايلك، مش هنفصل الناس على مزاجنا، وإنتي كمان فيكي عيوب، ومش عاجبه! بس متحمل، بيبص للحلو إللي فيكي...


فقدت سعدية قدرتها على التماسك، اشتد غضبها وارتفع صوتها، وأخذت تلوّح بيديها نحو وجه ماسة بانفعال حاد، كأن الكلمات لم تعد تكفي للتعبير عن سخطها. كانت غاضبة حدّ الاشتعال، لا تستوعب تصرفات ماسة أو كلامها، تراها جاحدة، بلا أصل، لا تقدّر ما تملكه، ولا ترى الخير من حولها.


أضافت بنبرة جعلت صوتها ينبح:

إنتي ليه يا بت بقيتي أنانية ومتجبرة كده؟ ردي عليا يا بت، بقيتي زبالة ليه كده؟


فجأة دون سابق إنذار صفعَتها على وجهها بقوة.


تفاجأت ماسة بصفعة مباغتة، وضعت يدها على وجنتها في ذهول، واتسعت عيناها حتى خُيّل أنها ستخرج من محجريهما. خرج صوتها متحشرجًا، متهدّجًا، بالكاد تشكّل في حنجرتها: إنـتِ... بتضـربينـي؟


لم تعطيها سعدية فرصة بل جذبتها من شعرها وهي تصيح بها بقوة: وأكسر عضمك كمان! أبوكي بقاله ساعة بيفهمك، وبيرصلك في الكلام ويقولك اتحملي من إمتى يا بت وإحنا عاملين نقولك استحملي وأصبري جوزك أصيل وأساسه مش وحش ومدلعك بزيادة وإنتي مافيش. 


نظرت لمجاهد وهي تقول بإستهجان:  شفت يا مجاهد؟ قلتلك بناتك دول عايزين يتضربوا بالجزمة، ماينفعش معاهم الحكم والمواعظ والطبطبة!

بناتك دول عايزين يتضربوا بالحزام زي زمان، لإنهم مش متربيين! اتعودوا على السَرمحة والصياعة والأنانية!زأنا هاربّيكي يا بنت بطني!

طلاق إيه يا بت؟ إحنا ماعندناش مرة تطلّق، الست بتفضل متشعلقة في رقبة جوزها لحد ماتنزل قبرها، ولو جوزها سبقها، تفضل عايشة على ذكراه وتربّي عيالها! عايزة إيه يا بت؟ عايزة أكتر من العيشة إللي إنتي فيها؟ يامعفنة يا أنانية؟ ده مِعَيِّشِك في قصر وبيأكلك وبيدلعك آخر دلع ده جوزك زي الدهب الأصلي.


فجأة سحبت ماسة شعرها ودفعت يديها بقوة ونظرت لها نظره مليئة بالغل والغضب وهي تقول بصياح:

هو إنتي كل حاجة بالنسبالك أكل وشرب وفلوس؟ وأنا فين؟! أنا فين من كل ده؟! فكري فيا شوية؟! أنا محدش حاسس بيا؟! ما حدش حاسس بوجعي،

ماحدش شايفني بتدوسي عليا وعلى قلبي وعلى إحساسي مش شايفين غير سليم ووجع سليم وأنا طظ أولع أتحرق شوفيني شوية بقى حرام عليكي شوفيني شوية ولو مرة واحدة. أنا بنتك إنتي ليه بتعملي فيا كدة.


حاول مجاهد الاعتدال وتدخل بصوت حاد:

إنتي بتِزعقّي وأنا قاعد مش محترمة وجودي، ده إنتي لو بتكلمي جوزك كدة تستاهلي يديكي باللي برجله، إنتي عمرك شوفتي أمك بترفع صوتها عليا إحنا مش شايفينك ازاي يا ماسة؟؟ لا شايفينك وشايفينك كويس اوي، أمك صح بقيتي وحشة.


ماسة بإنفعال شديد حتى نبح صوتها: لا أنا مش وحشة، ولا قليلة أصل، إنتم مش شايفين حاجة! إنتم عمي! عمي! كل إللي فارق معاكم الفلوس، وإنه الراجل إللي عيّشنا عيشة كويسة، مش فارق إيه بيحصل لي! ماحدش فكر فيا ثانية واحدة زي ما فكرتوا في سليم، وإللي حصل لسليم، كأن كان لوحده في الحادثة،وأنا كنت متفرجة محدش عاش إللي أنا عشته، أنا الألم اللي جوايا مالهوش وصف.. 


يوسف متعجباً: إيه إللي بيحصل فيكي يا ماسة؟ ماتقوليلنا، ولو ماجبنالكِيش حقك، قولي علينا مش رجالة!! بس فهميني إحنا مش فاهمين منك حاجة، بتقولي راجل وحش، طب عملك إيه الراجل الوحش.


سعدية بسخرية وهى تضع يدها في وسطها:

قولي يا ختي لاخوكي، قولي لرجالة البيت، يا حبيبتي جوزك بيعمل فيكي إيه يا ماسة؟

بيمسكك سلك عريان كل يوم؟ 


يوسف وهو يرفع يده مستوقفًا والدته: إستني ياما... واضح إن فيه حاجة إحنا ما نعرفهاش.


ثم ألتفت إلى ماسة بنبرة أكثر هدوءًا لكنها حازمة:

قولي يا ماسة، فهمينا قبل ماتعاتبينا وتزعلي وتقولي إننا مش حاسين بيكِ، اتكلمي، ومالكيش دعوة بأبوكِ وأمك، إنتي عارفاني أنا وعمار... مابيفرقش معانا

وأديكِ شفتي، يوم ما جه أخدك بالعافية، عمار عمل إيه، وإللي خلاني أسكت وقتها إني عرفت إنه كان عنده حق في إللي عمله معاكي.


ثم تابع بلهجة صارمة: هتقولي دقيقة ولا مش دقيقة؟ أنا ماليش في الكلام ده، يلاا قولي أنا سامعك.


صمتت ماسة للحظات، عاجزة عن التفكير أو صياغة كلمات مقنعة. رأسها كان خاليًا تمامًا، وكل ماخطر ببالها أن تُلفّق شيئًا، أن تقول ماقد يُقنعهم، أو يبعدهم عن طريقها.


بصوت مرتعش متلعثم، تحمل نبرته مرارة التزييف:

بيهددني.. وبيكلّمني بأسلوب مهين... بيضربني!

و... وبيخوني، وأنا كنت عارفة وسكتُّ، بس خلاص، مش قادرة أتحمّل. كمان يشك فيّا، بيراقبني طول الوقت، حتى قالي هفضّل لحد إمتى أصرّف على أهلك؟


يوسف بإنفجار غاضب: إنتي كذّابة يا ماسة!


ماسة وقد اتسعت عيناها بصدمة: أنا مش بكذب دي الحقيقة.


يوسف وهو يهز رأسه غير مصدق، صوته يفيض بالخذلان: مستحيل أصدّق..؟! أنا أعرفك أكتر من نفسك، لو سليم  عمل معاكِ ربع إللي بتقولي عليه، كنتي اتكلمتي من زمان.


ماسة بتلعثم: كنت مستحملة وبعدين هو زاد دلوقتي


سعدية، وقد بلغ غضبها ذروته، تصرخ بإنفعال:

كذابة! مجرمة! بتألّفي على الراجل علشان تطلعيه وحش قدّامنا؟ مستحيل أصدق إن سليم بالشكل ده! ده بقاله سنين متجوزك ماشفناش منه حاجة وحشة أبداً. 


ماسة بصوت مبحوح يخرج من أعماق الاختناق:

سليم... أبشع من كده! أبشع من كده بكتير... كفاية! مش لازم أقول كل حاجة!


سلوى لم تطيق الصمت أكثر برغم من حلفانها أنها لن تتدخل كما طلبت ماسة: ما كفاية بقى! حرام عليكم!

إنتم بتعملوا كده ليه؟ ما تسيبوها تعمل إللي هي عايزاه! هي حياتها ولا حياتكم.


فجأة سعدية لفت وضربت سلوى بالقلم: إنتي تخرسي خالص! عشان إنتِ عايزة جزمة قديمة على وشك وبقك! والله العظيم شكلك إنتي إللي بتقوّيها.. يوسف خدها من قدامي علشان أقسم بالله هموّتها!


يوسف وهو يسحبها من كتفها تعالي يا سلوى هنا! ومالكِيش دعوة!


حاول مجاهد أن يقوم لكن لم يستطع، قال بصوت ضعيف مكسور: أنا عرفت دلوقتي اني ماعرفتش أربي..سعدية، خدي بنتك وديها لبيت جوزها، وقولي لجوزها: أبوها بيقول لك اعمل فيها مابدالك إخصّ عليكي يا ماسة، إخصّ عليكي! وصلت بيكي إنك تِتْبَلّي على الراجل.. يا بنتي إنتِ لو عندك حق، هجيبهولك، ولو جوزك عنده حق، مش هقدر أتكلم.

أنا روحت له لحد الشركة بتاعته وكلمته وفهمته،

قلت له: أوعى تكون فاكر عشان الفلوس والعيشة إللي عيشتها لنا، هسيب بنتي! بنتي عندي بالدنيا!

ولو فضلت مزعل بنتي أنا هاخدها..

والراجل ماستحملش عليكِ الهوا، أول ماحس إنك تعبانة وزعلانة، جِري قدم لك في الجامعة وخرجك!عايزة أكتر من كده إيه يا ماسة؟


ماسة بحزن ووجع جلست بإنهيار وكأن هناك أحدهم يقوم بخنقها: والله العظيم إنتم مش فاهمين حاجة.


أكملت بصوت مهزوز: بقولك بيضربني وبيهددني، بيقول لي: هندمك وهوريكي لو ماتعدلتِيش! وأنا مش هقدر أعيش مع واحد بيعمل كده!


سعدية: يا ختي على الدلع!

تابعت بتحذير: طب يا ماسة بيضربك وبيهينك وبيشتمك ماعندناش طلاق! وهترجعي لجوزك النهاردة! وكلمة كمان، والله العظيم همسح بيكي المكان كله! عشان انا دمي محروق منك، جاتك القرف في شكلك! عيلة معفنة زبالة!


نظرت لها ماسة بغضب ضغطت على أسنانها: أنا أصلًا مش باخد رأيكم! أنا هتطلق! ده قرار! لازم تعملوا حسابكم كويس لإن الحياة إللي إنتم عايشينها دي، هاتسيبوها قريب!


سعدية بشدة: بس يا بت بدل ماديكي على وشك،

أنا هروح البس عيلة جاحدة صحيح. 


خرجت سعدية لتُحضر عباءتها، بينما كانت ماسة واقفة أمام مجاهد تبكي، لا تدري ما الذي ينبغي أن تفعله...


نظرت إليه برجاء، وقالت وهي تميل عليه وتمسك يده: يا بابا، أبوس إيدك، أبوس إيدك أفهمني...

مش هينفع أرجع... أنا لازم أطلق... لازم أمشي...


لكنه لم يُصغِ إليها، بل مدّ يده وصفعها على وجهها!


ماسة بقهر وشعور بالخذلان: إنت كمان بتضربني؟


مجاهد بضيق وحزن: أنا مش عايز أتكلم معاكي، إنتي كسرتيني يا ماسة.. 

تابع بشدة: مش عايز أسمع حسّك! إنتي حظك إن أنا مكسور، أقسم بالله، أنا لو بعافيتي، كان زماني كسّرتك تحت رجليا دلوقت!


ثم دفعها بقوة: أبعدي عني!


حاولت سلوى أن تتدخل، لكن ماسة أمسكت بيديها وقالت ببكاء: بس أسكتي! أسكتي خالص.


وصلت سعدية، وأمسكت بيد ماسة بعنف: يلا معايا يا بت! يلا قدّامي على بيت جوزك!


صرخت ماسة: لا! أنا مش هروح في حتة!


مجاهد بصوت غاضب: لا، هتروحي! مش عايزك في بيتي! أطلعي برّه! يلاا برّه! روحي على بيتك!

أنا مش عايز أشوفك هنا! وإنتي يا سلوى، أطلعي فوق على أوضتك! مش عايز أشوفك تحت!


ماسة بخذلان و كلمات تخرج بصعوبة: إنت بتطردني يا بابا، علشان سليم؟ بتتخلى عني؟! 


مجاهد وهو ينظر أمامه بحزن: أيوة أنا بطردك علشان إنتي للأسف مش متربية! عشان أنا قلتلك هجيبلك حقك لو عندك حق، بس إنتي ماعندكِيش أي حق! بتتبلي على الراجل عيني عينك، وكمان مش عايزة تستحمليه في أزمته!  يا خسارة تربيتي فيكي!

بقول لك إيه يا سعدية؟ لو جوزها عايز يطلقها، قولي له إحنا موافقين، لو عايز يضربها، يرميها، يعمل إللي هو عايزه! أنا ماليش دعوة! شِلت إيدي من عليها، علشان بنتك دي ما كانتش تستاهل غير واحد زي صبري إللي كان هيتجوزها ويمرمطها !


سعدية بتأييد: عندك حق يا أبو عمار

نظرت لماسة قالت باستهجان: إنتي عارفة صبري ده عمل إيه؟ قتل مراته! وهو في السجن دلوقتي! إنتي كنتي عايزة واحد زيه كده؟ يرنّك كل يوم علقة، وفي علقة منهم تتصفي وتموتي؟ زي مراته،، تفوّ عليكِ!

يلا قدامي!


تحركت ماسة مع سعدية بإنكسار شديد، فهي غير قادرة على النطق بحقيقة طلبها للطلاق،،،لكنها اختارت الصمت لكي تحافظ على حياتهم وتظهر بهذه الصورة أمامهم.


سلوى نظرت لمجاهد: والله العظيم بُكرة تندموا.


يوسف: لو إنتي عارفة حاجة، قولي!


سلوى زفرت بضيق: ماعرفش حاجة غير إللي ماسة قالتها.


تحركت سلوى وتركت لهم الغرفة وتوجهت للخارج بحزن على ماسة. 


اقترب يوسف من مجاهد: بقولك إيه يا بابا... تفتكر فيه حاجة إحنا مانعرفهاش؟


هز مجاهد رأسه رافضًا: إخواتك اتدلّعوا يا يوسف، وعايزين يعيشوا حياة مش بتاعتهم، نسيوا إحنا مين. عايزين يقلدوا صحابهم! أول ما جوزها يِشخَط شَخطة، تسيب البيت وتمشي! مش عاجبهم عيشة أهلهم، نسيوا أصلهم.


يوسف بحيرة: المشكلة إن سليم راجل محترم جدًا، والله يا بابا، من يوم المزرعة ماشفناش منه حاجة وحشة، علشان كده أنا مش مع أختي.


مجاهد: والله يا ابني، عندك حق! هو أنا كنت هسيب بنتي تتهان؟ بس الراجل بقاله سنين ماشوفتوش عمل حاجة وحشة... أختك، الله يسامحها، مش عارف ليه بقت كده! إزاي توصل بيها البجاحة إنها تتبلى عليه بالشكل ده؟!


يوسف بشك: يمكن موضوع موت بنتها ده إللي مأثر فيها.


مجاهد برفض: لا يا يوسف! موت بنتها إيه؟ دي وحده اتعودت على الدلع والأنانية! لما جوزها تعب له شوية، مابقيتش قادرة تستحمله! أنا ماعرفتش أربيها يابني. 


تنهد يوسف: إنت بس ماتزعلش نفسك.


السيارة 


جلست سعدية ،جانبها ماسة في الأريكة الخلفية، تبكي بصمت ووجهها متجه إلى النافذة.


سعدية بتهكم: كلمي جوزك شوفيه فين، علشان مش عايزة أروح القصر وأبهدلك وأفرّجهم عليكي، إنتي بنتي برضه، وعايزاكي تروحي وإنتي رافعة راسك.


ماسة بصوت مكسور: رفعه راسي؟ هو أنا كده رافعة راسي؟ إنتِ مش عارفة إنتِ بتعملي فيا إيه... بكرة هتعرفي.


تنهدت سعدية بضيق: والله إنتي إللي بكرة تشكريني أنا بحافظ على بيتك، أنا مش عارفة إيه إللي جرالك.


ماسة بقهر وهي تنظر أمامها: فكري فيها، أنا كنت ماشية كويس وراضية، إزاي حالي يتغير كده؟ ده ماخلاكيش تحسي إن فيه حاجة غلط !! هو سليم ده إيه؟ نبي؟ أستغفر الله العظيم.


سعدية بحدة: لا يا ختي، جوزك مش نبي، بني آدم عادي، بس ماعملش حاجة غلط نزل لك الجامعة، وخلاكي تروحي كل حتة، رغم إنه مش مرتاح، بس عمل كده علشانك، علشان ما يشوفكيش مكسورة. جه على نفسه وعلى كرامته علشانك. وفي الآخر؟ اتعوجتي عليه علشان بيحبك! هي الست كدة لما تلاقي جوزها طيب وابن حلال، تتمرع عليه، تقلب وشها. لكن لو كسرها ويديها بالجزمة ويصبحها ويمسيها بعلقة، تلاقيها على عجين ما تلخبطوش، طب يا ريتني مكانك، روحي عيشي مع أبوكي وإخواتك، وأنا أجي مكانك، والله ما أطلع من الأوضة، خدامين يخدموني، وجوزي يحقق لي كل إللي نفسي فيه. 


نظرت إليها ماسة بجمود ويأس: هو إنتي لسه فاكرة إن مشكلتي في الحبس؟ أسكتي يا ماما، مش خلاص رجعتيني؟ أنا كنت متأكدة إنك هاترجعيني،  وإنكم مش هاتصدقوني وتقفوا معايا. 


رفعت سعدية حاجبيها: يا بت قولي كلام يدخل العقل، جوزك عمل إيه؟ فهميني.


نظرت ماسة للأرض: قلتلك كان بيضربني وبيهيني. 


صرخت سعدية وضربتها في كتفها بإصرار: والله العظيم كذابة يا ماسة!


هتفت ماسة بمرارة: أنا مش بكذب! والله العظيم كان بيضربني، واستحملت وسكت، شخصيته صعبة، وبرضه استحملت. ما كنتش بقولك علشان ماتزعليش منه.


سعدية هدأت قليلًا: كان.. يعني من زمان وتغير، أمال مالك..

صمتت للحظات وهي تركز النظر بها:  ماتقولي يا بت إللي في قلبك.


ماسة بصوت منخفض: في حاجات ماينفعش تتقال.


تأففت سعدية وقالت بتهكم ونبرة غاضبة: إللي ماينفعش يتقال إنك بقيتي بتدلعي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي، والله لو  ماتعدلتي أنا إللي هقول لسليم يطلقك، علشان إنتي ماتستاهليش ظفره إللي بيطيره ! الست إللي تلاقي الحب إللي بيحبهولك جوزك، ما تقومش من على سجادة الصلاة تحمد وتشكر ربنا عليه،  قولتلك يابنتي ماحدش كامل، بس إنتي مش راضية، عينك قوية وجاحدة وبقيتي وحشة، روحي بيت جوزك، ومش عايزة أشوفك تاني. من اللحظة دي لا إنتي بنتي ولا أعرفك. تفو عليكِ وعلى تربيتك! منك لله، قلبي غضبان عليكي يا ماسة لحد ما تتعدلي. 


تمتمت ماسة وهي تبكي: هو أنا ناقصة دعاوي؟ أرحميني. 


نظرت أمامها بصمت، تشعر وكأن حبلًا يلتف حول عنقها ويمنعها حتى من الكلام.


وصلت السيارة إلى قصر الراوي


قصر الراوي، الخامسة مساءً 


دخلت ماسة ومعاها سعدية القصر، لم يكن سليم موجودًا، مازال بالطريق بعد ان اتصلت به ماسة لكي يعود فلم تكن تعرف انه بالسخنه وليس بالمجموعة. أما رشدي، فكان واقفًا في الداخل، فى أعلى الدرج، وما إن رأى ماسة تدخل حتى ضحك ضحكة خفيفة. حين رآها تصعد السلم، أشار لها بيده بسلام، لكنها فهمت طريقته جيدًا.


انتظرت ماسة مع سعدية في جناح حتى عاد سليم.


جناح سليم وماسة


دخل سليم وهو يضع هاتفه ومفاتيحه على الطاولة: مساء الخير.


سعدية: مساء النور ياحبيبي، عامل إيه؟


نظر سليم إلى وجه ماسة، رآه محمرًا ودموعها واضحة، ثم نظر إلى والدتها وهو يقول: أنا كويس.


نظر مرة أخرى لماسة سألها بإستغراب وقلق: وشك عامل كده ليه؟ مالك؟


تقدمت سعدية قائلة بأسف: هي هتفهمك على مهلها. بص يا ابني، إحنا غلطنا في حقك، وحقك على راسنا. اللي عايز تعمله معاها أعمله، تطلقها، تضربها، تربيها، اللي يريحك. إحنا خلاص شيلنا إيدينا منها، بنتنا مش متربية معلش يا ابني، حقك علينا، وإن شاء الله تتعلم الأدب، ولو ما اتعلمتش، علمها إنت. ولو زهقت، طلقها، ولو هتتجوز عليها، برضه حقك، مش هنقولك حاجة للأسف بنتي ما تستاهلكش، أضربها كمان، ولا يهمك.


استدارت نحو الباب: هسيبكم مع بعض... وحقك علينا يا ابني. مجاهد كان عايز ييجي، بس تعبان.


ثم نظرت لماسة بتهكم: انتي يا زفتة، اسمعي كلام جوزك وقولي له حاضر ونعم، وبوسي راسه واعتذريله فاهمة؟ كتك القرف!


خرجت سعدية وأغلقت الباب خلفها. جلس سليم بجوار ماسة، تطلّع إلى وجهها بصمت. مدّ يده ولمس خدها برفق، لم يفتَهُ أثر الصفعات عليه، فعضّ على شفته بضيق عميق وتنهد بمرارة.


سألها: إيه إللي حصل؟


ماسة بإنكسار: إزاي سبتها تزعقلي وتشتمني، وماتدخلتش؟


سليم ببرود: أتدخل ليه؟ مش دي مامتك؟


نظرت إليه ماسة بذهول: ومن إمتى بتسمح لحد يكلمني كده؟ حتى لو أمي! ليه ماقلتلهاش ليه ملهاش دعوة؟ وأنك إللي وافقت اني قعد عندهم شوية!


سليم متعجباً: هو إنتي مش بتفتكري إني جوزك غير لما حد ييجي عليكي؟ إنتي كنتي رايحة هناك وإنتي عارفة إللي هيحصل!


صاحت ماسة ببكاءوقهر: أنا اتضربت واتبهدلت بسببك! ورجعت هنا وأنا مكسورة! أكيد إنت فرحان، إني ماليش حد، وإن أهلي بقوا معاك، وأنا لوحدي، ماليش سند بس أنا هبقى سند لنفسي.


اقترب منها متعجباً قال بضجر: في إيه يا ماسة؟ إيه الكلام الكبير ده؟ سند لنفسك إيه؟ هو إحنا في حرب؟ إيه كل إللي إنتي بتعمليه ده؟ إيه شغل الأفلام القديمة ده؟ أنا من إمتى ماكنتش سند ليكي، أنا زهقت من طريقتك دي بجد، أنا لو خاينك على سريرك، وضاربك، والله العظيم ماهتتكلمي معايا بالطريقة دي أنا عايز أفهم، أنا عملت إيه؟


كادت أن ترد لكنه سبقها بنبرة غليظة وعدم تصديق وهو يرمقها بنظرة قوية: وماتقوليش بفكر ومش قادرة أسامحك علشان العبط؟ ده أنا مش مصدقه، ولا هصدقه، ومش هصبر كتير على سكوتك وهتنطقي ياماسة.


ماسة بعناد: هتعمل إيه؟ هتنطقني بالعافية؟


سليم بنبرة باردة لكنها تحمل في طياتها الكثير: عندي أساليب بعرف أنطقك بيها... بلاش تخليني أستخدمها معاكي. ليه مصرّة تخليني أطلع حاجات جوايا مش عايزها تطلع معاكي إنتي بالذات؟


صمت للحظه ثم قال: أنا مش هدافع عنك يا ماسة، مش هدافع، علشان تحسي بقيمتي، وتعرفي أنا قد إيه كنت خايف عليكي، وبحميكي إزاي حتى من أهلك.


هتفت ماسة: طب أنا عايزة أطلق! مش عايزة أعيش هنا، ولا أعيش معاك! طلقني!


مسح سليم وجهه بكفيه، فجأة أمسك بالطاولة وقلبها بعنف، تناثر كل ما عليها على الأرض.


نظر لها بحدة وقال بزهق: ماسة كفاية علشان أنا صبرى بدأ يتلاشى.. بلاش أرجوكي.


ترك الغرفة وأغلق الباب خلفه بعنف حتى كاد أن ينكسر.


جلست ماسة تبكي، تشعر أن العالم كله ينهار فوق رأسها. كل شيء يخنقها، لا ملجأ ولا مفر. تعلم جيدًا أنها لن تُطلّق، ولا أحد سيقف في صفها، ولا حتى تملك حجة مقنعة لتطلب الطلاق. هي تعلم إنهم معهم كل حق، لكن لا أحد يعلم أنها تحاول فقط حماية عائلتها من شرور رشدي وضغوطه... لا أكثر.


سيارة أصدقاء عمار


كانت الأجواء هادئة، والموسيقى خافتة، والطريق ممتد أمامهم كسطر لم يُكتب بعد، لكن عند مدخل النفق... ظهر الكمين، أمرهم الضابط بالتوقف. بدأ التفتيش.


ارتبك رامي، ويده ترتجف وهو يُخرج بطاقته. الضابط رمقه بنظرة طويلة، كأن شيئًا لم يعجبه،قال بحدة: نزل لي العيال دي.


هبطوا جميعًا، والصمت ينمو بينهم كوحش خفيّ.


بعد دقائق، صرخ أحد العساكر من جهة شنطة العربية:

يا فندم... لقيت كيس في جيب الشنطة!


اقترب الضابط، فتح الكيس، شمّه، ثم نظر لعمار مباشرة:  شنطة مين دي؟

رامي رفع إيده، وصوته متوتر: أنا... بس أنا ما أعرفش يا باشا... أنا ما ليش دعوة!


الضابط بنبرة ثابتة: الكيس ده بتاعك؟


بسرعة، صوته يرتعش: لا والله! الشنطة بتاعتي، بس أنا ما معيش حاجة... ولا أعرف ده جه منين أصلاً!


لكن القانون لا يصغي كثيرًا للأصوات المرتبكة.


الضابط بصرامة: كله على القسم، ونشوف بقى دي تبع مين!


وبالفعل، أخذهم العساكر في البوكس، والتوتر يسري فيهم كالنار في الهشيم.

رجاء محدش ينسى يضغط لايك عشان تساعدوا الرواية تنجح 

وهنا نقول 


     الفصل الثاني والسبعون ج1 من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات