رواية الماسة المكسورة الفصل الثامن والستون 68 ج2 بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الثامن والستون 68 ج2

بقلم ليله عادل


في منزل نانا، الثامنة مساءً.


السُّفرة


جلس عزّت إلى مائدة الطعام الصغيرة في أحد أركان الشقة، مسترخيًا في مقعدٍ وثير، أمامه أطباقٌ متعددة من أكلاته المفضلة. وإلى جواره كانت نانا، ترتدي قميص نوم حريريًا أحمر، تجلس على كرسي ملاصق له، تدلله وتضع اللقمة في فمه من حينٍ إلى آخر، بينما تغازل ملامحه بنظراتها المليئة بالثقة.


نانا بنبرة دافئة وهي تميل نحوه:

أنا ما صدقتش لما قلت لي إنك جايلي النهارده... وهتقضي اليوم كله عندي، وهتبات كمان.


عزّت يبتسم ابتسامة جانبية وهو يمضغ:

ما هو إنتِ عارفة إنك وحشتيني... زي ما أنا وحشتك.


نانا تنظر له بدلال:

بس برضو اتفاجأت... بقالي فترة بحاول أرجّعك، وإنت مافيش. ما قلتليش... مالك؟ يا وزتي، مين مزعلك؟


عزّت يتنهّد بصوت خافت:

 تفتكري يعني هكون مضايق من إيه؟!


نانا تحاول التهوين بعقلانية:

 معاك، المشاريع اللي خسرناها كانوا كبار... بس لسه في حاجات أكبر قايمة، ما تزعلش... دي أول غلطة لسليم؟


عزّت متعجبًا:

عرفتي منين إنه سليم بالذات؟


نانا تبتسم بثقة:

 أنا أعرفك أكتر ما إنت تعرف نفسك يا عزت.


عزّت يرفع حاجبه بنبرة ضيق:

 بس ما ينفعش نقول "أول غلطة"... الغلط مش لازم ييجي من حد زيه، خصوصًا لما يكون مش ناتج عن شغل أو مغامرة، لكن عن مشاعر وعاطفة... والعاطفة لو دخلت في البيزنس، تضيّعه.


نانا ترمش ببطء:

 أنا مش فاهمة إنت بتتكلم عن إيه؟


عزّت يتنهد بجديّة:

مش لازم تفهمي... كل الحكاية إني متضايق. ما بحبش أشوف سليم كده.


نانا تضحك ضحكة خفيفة، وتقترب منه:

سليم؟ ده شاطر وذكي وعنيد... ولما بيحس إنه بيخسر، عناده بيبقى الضعف، بس اللي حصل ده ما يزعلكش... بالعكس، ده يفرّحك. أنا حاسة إنه هيصحي فيه حتة ماكانتش باينة. هيقول لنفسه: أنا ما بخسرش، ولا اتخلق اللي يخسر سليم. ووقتها... هيسحق السوق.


عزّت بهدوء:

 أتمنى.


نانا تسكت قليلًا، ثم تميل عليه وتهمس:

بس قولي... في إيه تاني؟ أنا متأكدة إن في حاجة غير سليم.


عزّت يرمقها بنظرة مريبة:

 تفتكري مين يعني؟


نانا تبتسم وترد فورًا:

رشدي؟


عزّت يتنهّد مرة أخرى:

 كلهم... أنا حاسس إنهم بيخططوا لحاجة، بس أنا صاحي لهم.


نانا تضحك:

هما مابيزهقوش من المؤامرات؟ بيجيبوا دماغ منين؟


عزّت يتبسم باستياء ساخر:

 ما هما مش فاضيين لغيرها... لو ركزوا طاقتهم دي في الشغل بدل الكره لبعض، كنا زمانّا حاكمين العالم.


نانا تقترب أكثر وتهمس:

 بقولك يا عزّت... سيبك من سليم وفايزة وولادك. إنت جاي هنا عشان تنبسط، وأنا هبسطك.


فجأة، وقفت، وتوجهت لتشغيل الأغاني، ثم عادت تتمايل على أنغامها برشاقة وثقة، وبدأت ترقص أمامه... وقد شعرت أنها بدأت تستعيد عزّت مرة أخرى، بعد أن كاد يفلت من يدها.


قصر الراوي، العاشرة مساءً 


جناح سليم وماسة 


ظلت ماسة جالسة في جناحها على الفراش، تحدّق في الباب الذي تركته مواربًا، تنتظر عودة سليم. كانت خائفة من أن يعود ويدخل إلى غرفته دون أن يدخل عندها. 


جلست تتقلب مشاعرها بين الوجع، والخوف، والتوتر.

ما سمعته في الأيام الماضية، وما رأته بعينيها، كان أكبر من قدرتها على الاستيعاب.


كل شيء بدا كذبًا... مستحيل أن يكون سليم كذلك. لا بد أن هناك شيئًا ناقصًا، تفسيرًا ما... لا يمكن أن يكون ما رأته هو الحقيقة الكاملة.


وبعد وقت، عاد سليم، اتجه مباشرة إلى جناحهما كان يحتاج اليها أكتر من أي وقت مضى، توقف للحظة ينظر بعينه من تلك الفتحة، ثم مد يده ودفعه بهدوء.


رفعت ماسة رأسها  تنظر إليه، تقدّم بخطوات مثقلة، وجلس أمامها على الفراش، كانت ملامحه تحمل مزيجاً من الحزن، القهر، الغضب، ويأس. كل شيء، إلا الراحة.


ركّزت ماسة في ملامحه، وسألته بنبرة هادئة مموّهة بخبث خفيف: مالك؟


أجاب سليم بصوت مبحوح، ممتلئ بالقهر:

تعبان أوي...أنا محتاجلك... محتاجك أوي يا ماسة.


نظرت له لثوانٍ. كانت تود أن تسأله، أن تواجهه، لكن لسببٍ ما، لجم لسانها، ربما لأنها خافت... خافت أن يعرف أنها خرجت دون علمه.

فتحت ذراعيها بابتسامة، فهي تشعر أنه يحتاجها، يحتاج لحضنها.


اقترب منها، ووضع رأسه على صدرها... في المكان الذي دائمًا كان ملجأه وملاذه ويشعر بالراحه به، طوّقت ذراعيها حول ظهره، وأسندت رأسها على رأسه، وبدأت تربّت على ظهره بحنان.


ماسة همست: إيه اللي حصل مالك يا حبيبي؟


سليم وهو يسند رأسه على صدرها، وعيناه مغمضتان: مش عايز أتكلم دلوقتي من فضلك.


ماسة بهدوء: طيب... كنت فين وتأخرت ليه؟


سليم بإيجاز: كان عندي عشاء عمل.


ماسة بصوت خافت بنبرة مليئة حنان وهي تمرر يدها على شعره، تحاول فتح أي حديث ربما يفتح قلبه ويتحدث: طب حصل حاجة! زعلتك فهمني مالك خرج اللي في قلبك.


تنهد سليم بتعب، هو يريد أن يتحدث ويحكي ما حدث لكنه لا يريد إخافتها فهو ايضا لا يعرف شيء ويشعر بالضغط: بعدين... بعدين يا ماسة، أنا محتاج أرتاح... جوّا حضنك، وبس.


هزّت ماسة رأسها بصمت، وضعت قبلة على أعلى رأسه، وأخذت تربّت على ظهره لوقتٍ طويل لم يعرف كم مرّ من الوقت، لكنه شعر أن ضجيج عقله وقلبه قد هدأ أخيرًا تنهدت ماسة وتسالت.


ماسة باهتمام: أكلت طيب.


سليم:  تؤ.


ماسة وهى تمرر يديها داخل شعرة: طب أحضر لك حاجة تاكلها.


سليم بهدوء: بعدين...خلينا كده شوية بس..


همست ماسة: مش هتقولّي مالك؟


أخرج أنفاسا ثقيلة، وهو ما زال مغمض العينين: 

وحياتك بلاش نتكلم... دلوقت.


نظرت له ماسة طويلًا، لم تفهم، ولم تقتنع، لكنها لم ترد أن تزعجه أكثر: طب أرتاح يا حبيبي.


مرّرت يدها على شعره بحنان، وقالت في نفسها بصمتٍ داخلي:

أنا بثق فيك يا سليم.. حتى لو مش فاهمة، أنا بثق فيك.


وظلّ الوضع على حاله طوال الليل؛ لم يستطع سليم التحدث، أو تناول الطعام، أو حتى النوم. عيناه لا تفارقان الهاتف، يترقّب مكالمة من إسماعيل أو مكي ليخبراه بحقيقة ذلك الشاب.


وأخيرًا، اتصل به إسماعيل، وأخبره بنتيجة التحريات:

الشاب مجرد صاحب سوابق، لا يملك سجلًا واضحًا، ولم يصلوا إلى أي شيء مؤكد، لكنه وعد بأن يواصل البحث خلفه.


زاد هذا الخبر من ضيق سليم واختناقه؛ وكأن كل مرة يظن فيها أنه أمسك بطرف الخيط، ينزلق من بين يديه ويضيع، فيعود إلى نقطة الصفر، باحثًا عن أي إجابة.


كان يظن أن ذلك الشاب له علاقة بالحادثة...

لكننا نعلم جيدًا أن الشاب لم يكن سوى دمية، دُفِعت من رشدي وعماد، لتنفيذ الخطة أمام ماسة.


وفي تلك الليلة، بقي سليم بجوار ماسة، واضعًا رأسه على صدرها، ولم ينبس ببنت شفة حتى غلبه النوم.


💞______________بقلمي_ليلةعادل (⁠ ⁠ꈍ⁠ᴗ⁠ꈍ⁠)


في اليوم التالي


ظلت ماسة في غرفتها، لم يُغمَض لها جفن. انتظرت حتى غادر سليم، وظلت جالسةً تنتظر مكالمة أو رسالة من رشدي. كانت تسير ذهابًا وإيابًا في الغرفة بجنون، مر وقت حتى وصلت إليها رسالة منه.


كتب لها: انا هستناك في أوضة ياسين حاولي ماتتأخريش وحاجة مهمة قوي أوعي حد يشوفك وإنتي داخلة الاوضه خدي بالك كويس ويا ريت تكلمي سحر وتقولي لها إنك مش عايزة حد يزعجك عشان هتنامي أضمن، أنا مستنيكي يا ست الحسن.


شعرت بالغرابة من طريقته، لكنها لم تكن تريد التفكير في أي شيء سوى رغبتها في فهم ما حدث البارحة. رتبت الفراش كأنها نائمة، وغطّت الوسادة. ثم اتصلت بسحر وقالت لها:


أنا هنام، مش عايزة حد يزعجني خالص، مفهوم؟" فأجابتها: حاضر.


خرجت ماسة من غرفتها، ونظرت يمينًا ويسارًا في الممر. تسللت في صمت، وتوجهت إلى غرفة ياسين التي كانت في نفس الطابق، لكن في الجهة الأخرى، وكانت أبعد قليلًا.


فى غرفة هبة وياسين الثانية مساءً 


نري رشدي يجلس على المقعد الأمامي لمكتب ياسين الصغير، يطرق بأطراف أنامله على سطحه، وكأن كل ضربة على الخشب تنبئ عن لحظة مفصلية ستغير مجرى الأمور، نظراته كانت مليئة بالمكر والخداع، وابتسامة خبيثة على شفتيه، تُخفي وراءها خطة محكمة، لا يعلم أحد إلا هو إلى أين ستقوده...


بعد دقائق مرت، دخلت ماسة الغرفة دون أن تطرق الباب، خطواتها كانت بطيئة، لكنها تحمل في كل خطوة رهبة وحيرة. عيناه لم تتركها لحظة، وكأنهما يقرآن كل تفصيلة فيها، ابتسامة شيطانية تزين وجهه، وكأنّه يجد متعة في مشاهدتها وهي تكافح داخليًا.


جلست أمامه امامه، محاوِلةً أن تبدو قوية، لكن في داخلها كانت العواصف تتلاطم، وقلبها ينبض بشدة كأنما يطلب النجدة. شعرت وكأنها في قلب كذبة ضخمة، في مسلسل طويل هي فيه البطلة، لكن البطلة المهزومة التي ترى نفسها تغرق في بحر من الأكاذيب والألاعيب التي لا تستطيع الهروب منها.


ماسة باقتضاب: ها، سمعاك؟


رشدي مبتسمًا بمكر: عايزة تعرفي إيه؟


ردت ماسة، وهي مازالت متمسكة بقوتها الكاذبة: كل حاجة. مين إللي سليم قتله امبارح ده؟


رشدي ببرود، وهو يمد وجهه بلا مبالاة: واحد خد من سليم مزاد وتحداه فـ قتله.


شعرت ماسة بالارتباك، حاولت السيطرة على مشاعرها هزت رأسها برفض فمازالت تثق بسليم زوجها وحبيبها تأمل أن هناك شيء مبرر جعله يفعل ذلك: 


ماسة باعتراض: مستحيل أصدق، ان سليم قتله عشان خاطر أخذ منه مزاد بس، أكيد الموضوع أكبر من كدة، ولا حتى قادرة أصدق الكلام اللي كنت بسمعه الفترة الأخيرة وأنه حقيقي، مستحيل.


ارتسمت على شفتي رشدي إبتسامة خبيثة: بتسمعي إيه في الفترة الأخيرة؟ وأصلاً ازاي كنتِ في المكان امبارح خرجتي ازاي؟


تنهدت ماسة بتعب بأفكار مضطربة، تعود بشعرها للخلف قالت متعجبة: بسمع إن سليم الفترة دي متغير، وإنه بدأ يحل مشاكل في الشغل بطرقه القديمة اللي كان بيستخدمها، ودي هتفتح عليكم مشاكل كتير، آخرهم امبارح. أنا سمعت فايزة هانم وهي بتكلمك وبتقول لك روح امنعه يقتله سليم اتجنن بيحل كل أموره بالقتل، بصراحة مصدقتش قولت لازم أشوف بعيني وأفهم معنى الكلام ده، استخبيت في عربيتك عشان ماكنتش قادرة أصدق إن سليم ممكن يقتل بالسهولة دي، لأن زي ما أنت شايف، سليم مانع عني كل سبل الخروج... 


وضعت يديها على جبينها بعدم تصديق أضافت:

ولما شفت بعيني، ماصدقتش، طول الليل منمتش. مش قادرة أصدق إن سليم حبيبي ممكن يقتل روح بريئة عشان خد منه مزاد أو مشروع، أكيد في حاجة غلط، صح يا رشدي؟؟ 


رشدي مازحا: بقيتي بتعرفي تخططي وتهربي وتركبي عربية طلعتي مش سهلة يا ست الحسن.


عدلت ماسة من جلساتها بقوة قالت بجدية: رشدي، أنا عايزة أفهم اللي حصل إمبارح، حصل إزاي؟ يا ريت تجاوبني. أنا من إمبارح وأنا مش قادرة أصدق، مصدومة، هتتكلم جد ولا أمشي.


تبسم رشدي وعاد بظهره على المقعد، وهو يقول بسخرية: ده أقل حاجة ممكن يعملها سليم حبيبك... (تحدث بجدية) مشكلتك يا ماسة إنك ماتعرفيش حقيقة سليم، مع إنها قدام عينك واضحة مش بس الفترة دي، من سنين، يمكن الفترة دي الموضوع زاد، لأن بعد الحادثة النقص اللي عنده بقى بيخليه يحاول يعوضه بالإجرام، بس هو كده من سنين، من قبل ماتعرفيه حتى مش جديد عليه دي لعبة مفضلة عنده إسمها الصياد. تعرفيها؟!


زغرد ماسة بعينها قالت بشدة: رشدي ماتلفش وتدور، واتكلم على طول، وأوعى تتكلم على سليم كده، أنا ماسمحلكش تغلط فيه.


ضيق رشدي عينه قال متعجباً: برغم إنه شك فيكي، وبرغم كل اللي بيعمله فيكي وحبسه ليكي وتهديده، لسه بتحبيه وبتدافعي عنه بالشراسة دي؟


ماسة بتهكم: ملكش دعوة، أنا وهو حرين ميخصكش، أنا أصلاً غلطانة إني بتكلم معاك وبعدين، انت عرفت منين الكلام ده؟؛ انت بتتصنت علينا هي دي أفعال ولاد الناس.؟!!

بص أنا أصلاً غلطانة إني جيت أكلمك، كان لازم أبقى متأكدة إن واحد زيك مينفعش آخد كلامه على محمل الجد.


قالت كلماتها تلك ونظرت له ماسة من أعلي لأسفل بضيق همت لتتحرك للخارج لكنها ثبتت مكانها حين أستمعت لحديث رشدي..


ارتسمت على شفتي رشدي إبتسامة مستخفة وهو ينظر لها قائلا ببرود شديد: إحنا اللي مسمعينك إمبارح حقيقة سليم يا ماسة...


التفتت له برأسها ببطء وهي تضيق عينيها باستغراب أكمل رشدي على ذات النبرة:

ومش بس إمبارح، طول الأيام اللي فاتت كمان، وأنا اللي ساعدتك إنك تعرفي تعدي الحراس وتهربي منهم، ووفرت لك طريقة الهروب، وأنا اللي سبت شنطة عربيتي مفتوحة، عشان أخليك تروحي تشوفي حبيب القلب وكراميلك على حقيقته اللي إنتِ مصممة ماتشوفيهاشظ 


توقفت ماسة في مكانها بعد ما استمعت لكلمات رشدي، وكأنها تجمدت كانت تنظر له بتعجب وهي تعقد بين حاجبيها بصمت فـ كلماته صادمة..


توقف رشدي واقترب حتى توقف أمامها مباشرة أضاف بنبرة غليظة وشيء من الشماتة وهو يسترجع حقيقة سليم المزرية، وكأنها طعنة غائرة في قلبها استرسل:

تعرفي إنك متجوزة واحد من أكبر زعماء المافيا في العالم، واحد منحط وعتيد في الإجرام بيشتغل في كل حاجة غلط وضد القانون.


نظرت له ماسة، وهي تعقد بين حاجبيها وقالت بشدة وعدم تصديق: إنت بتقول إيه؟!


قرب رشدي وجهه منها ونظر داخل عينيها كأنه يريد أن يجعلها تصدق كل كلمة يقولها، بنبرة مليئة بالتحدي والتصميم:

 بقولك الحقيقة، بقولك القصة من أولها. أنتي متجوزة عضو من أعضاء عصابات المافيا، وزعيم فيها كمان، وهو ماكانش بيحبك أول ماتعرف عليكي، كنتي مجرد واحدة زي أي بنت من اللي عرفهم قبلك وعمل معهم علاقة، لكن حظك إنه حبك، بس عشان نكون صريحين في البداية اتجوزك عند وتحدي مع عائلته لما رفضوكي، وبعدها حبك.. فوقي يا ماسة، أنتي متجوزة مجرم بيتاجر في الأعضا"ء، والمخ"درات، والسلا"ح، والآثا"ر،مجرم بيمتلك شبكة دعار"ة عالمية، بيسرح البنات اللي زيك بياخدهم من الأماكن الفقيرة ويشغلهم، وكان ممكن تبقي واحده منهم.. يعني سليم قوا"د عالمي عارفه يعني ايه قوا"د...يا ست الخسن والجمال...


تبسم ابتسامه جانبيه أضاف وهو يتلف حولها كالثعبان السام:

لكن عشان أكون حقاني، إحنا كلنا شغالين في الآثا"ر والالماظ والذهب المهرب دي هي تجارة العائلة.


نظرت له ماسة للحظات بدهشة فجأة ضحكت على حديثه بعدم تصديق قالت باستنكار: 

ومطلوب مني أصدق بقى العبط ده صح، أوعى تكون فاكرني صدقت كل اللي إنت قلته ده، أنا عارفة إنك أكتر واحد بتكره سليم وبتحقد عليه وبتحاول تشوه صورته بأي طريقة، أنا أصلاً غلطانة اني واقفه بتكلم مع واحد زيك.


كادت تتحرك لكن أمسكها رشدي من كتفها بقوه، قائلا بتوضيح وتصميم وبنبرة باردة:

أنا فعلاً بكرهه وفعلاً بأحقد عليه، بس أنا مش محتاج أشوه صورته عشان هي لوحدها مشوهة، أنا بس بقول لك الحقيقة اللي انتي بتهربي منها.


ارتسمت على شفتي ماسة إبتسامة عدم تصديق، مدت وجهها وقالت مستخفة: 

المطلوب بقى مني أول ماسمع الكلام ده أصدق على طول وأكره سليم؟ أصل أنا عبيطة وهبلة؟ أنا مستحيل أصدق أي كلمة إنت قلتها يا رشدي، فاهم؟ ولو نفترض إن كلامك في صدق واحد في المليون، ليه جاي تقولي دلوقتي؟! ها بعد كل السنين دي؟! ايه ضميرك صحي فجاه.


رشدي طرق كتفها وقال بهدوء: الصراحة الفكرة نورت في دماغي قريب ياريتني كنت فكرت فيها من زمان بس يلا مش مهم.


استرسل بتوضيح وهدوء: ولأن سليم دلوقت استوحش بزيادة يا ماسة، الحادثة اللي حصلت له جننته. مش معاكي بس، معانا إحنا كمان، بقى عايز يثبت بأي طريقة إنه لسه سليم الراوي. وبدأ يقف ضد طموحاتي ومشاريعي، وبقى شايف نفسه بزيادة؟!

فضلت أفكر إزاي أتخلص منه بطريقة ماتخلنيش ألجأ للدم، ركزت شوية كده لقيت إن مفيش أنسب منك، لأنك نقطة ضعف سليم..


استرسل وهو يمرر عينيه عليها وهو يقول بنبرة مستخفة بشدة:

ده أنتِ يا شيخة، بس عشان اكتأبتي حبة، واتجننتي حبتين الفترة دي، خلتيه مشتت لدرجة إنه خسرنا شغل ب250 مليون دولار، غير المناقصة اللي اشتغلنا عليها شهور، عشان مايخسركيش يا ست الحسن، بقولك مهووس بيكي ...

فطبعًا دي أول مرة يعملها، لكن دي اتحسبت ضده، وبكده أنا عرفت هضربه منين؟!. بيكي يا ماسته الحلوة، بأني أقول لك حقيقته، وساعتها طبعًا مش هتقدري تكملي معاه، لأنك إنسانة عندك أخلاق ومبادئ، ومابتحبيش تاكلي حاجة حرام فـ هتسبيه، وساعتها هقدر أثبت نفسي، لأن سليم هيبقى كل تفكيره معاكي، مش هيبقى مركز لأنك قادرة تخلي سليم يفقد توازنه. بشكل كبير جداً جداً.


نظر في عينيها، شعر بأنها ما زالت غير مصدقة لما قاله، فقال بابتسامة شيطانية: 

إنتِ ليه مش مصدقة؟ طب أنا هفكرك بحاجة يا ماسة... فاكرة مرة في أول جوازكم لما دخلتي المكتب وكان سليم ماسك في إيده تمثال دهب فرعوني؟ ده كان آثا"ر... وساعتها سألتيه إيه ده، وقال لك تمثال انتيك؟ فاكرة؟


رمشت ماسة برموشها للحظات وهي تنظر إليه بصدمة وترقب، وكأنها تذكرت ذلك المشهد. بدأت أنفاسها تنخفض تدريجيًا، والدموع بدأت تسكن عينيها. كان هناك شعور كالصاعقة الرعدية يعلن عن قدومه داخل قلبها وعقلها لكنها مازالت تصارع نفسها برفض وعدم تصديق لما يقوله ..


لم يتوقف رشدي لم يمهلها ثانية حتى لتستوعب بل كمل بنفس الوتيرة لكي يمحي عقلها و يفقدها توازنها:

أمال إنتِ اتخطفتي ليه يا ماسة؟! محمود كان هيقتلك ليه؟! طريقة قتل سليم لمحمود ورجالته، مالفتتش نظرك لحاجة؟ بلاش! سليم، جالك مرتين مضروب بالرصاص، ده ماخلكيش تشكي في حاجة؟ بلاش ده كمان... الحادثة البشعة اللي اتعرضتوا ليها وماتت فيها بنتك بسببها، وهي في بطنك، والرصاصة اللي في ظهر سليم، وطعنك بالسكينة، تفتكري إن ده كله عادي بس لأن عندنا أعداء ومنافسين؟!


ضحك ضحكة ساخرة وهو يقول:

ماسة إنتي تبقي ساذجة اوي، ومختلة لو كنت صدقتي إنه بس عشان هو ليه منافسين حصل فيكم كده؟!

أكيد بيشتغل في حاجة غير مشروعة ده المنطق؟! طب لو نفترض انهم منافسين؟! ماحصلناش احنا ليه أي حاجة؟! طب بابا نفسه ماحصلوش ليه كده؟! ولو ضحك عليكي ومفهمك عشان هو الجامد اللي فينا؟ بيحصل له هو بس كدة واحنا لا! يبقى عبط منك؟! بعدين بالعقل كدة، هما المنافسين هيحاولوا يقتلوكم بالبشاعة دي يا ماسة؟! ماأعتقدش؟!! طب خوفه عليكي الزايد ده وحبسه ليكي مالفتش نظرك لحاجة؟!؟ أكيد لأنه عنده أعداء عايزين يتخلصوا منك، زي ماهو قتل كتير منهم كمان عايزين يقتلوكي، علامات الرصاص اللي في جسمه ماسألتيش نفسك سببها ايه؟؛ ما دام هو ماشي على الصراط..؟!!!


دقق النظر داخل عينيها متعجباً اضاف:

كل اللي أنا قلته ده ماشككيش في حاجة لحظة واحدة يا ماسة؟! ان في حاجه غلط في حاجة أكبر من إن سليم عنده منافسين ممكن يتخلصه منه؟!

اسأليه عن لعبة الصياد دي عبارة عن أيه، صدقيني هتتصعقي، كان بيدي الحراس بتوعه مسدسات فيها رصاصة واحده ويقتلوا كل اللي بيقف قصادهم أكيد أكيد سمعتي عن اللعبه دي...

الولد اللي اتقتل مجرد ماسليم وصل له عادي؟! الراجل اللي مات قدام عينك امبارح وسليم قتله قصاد عينك بدم بارد عادي... 

وبعدين انتي أكيد سألتي سليم انتي فضولية؟؟ وبالتأكيد مقلش إنه قتل... صح؟


رفعت ماسة عينيها وهي تهز رأسها بنفيٍ صامت، والدموع تتساقط من عينيها، وكأنها كانت تحاول مسح الألم قبل أن يصل إلى عقلها فهي تشعر بالضياع وأن عقلها قد توقف..


نظر إليها رشدي وهو يدرس ملامح وجهها، وكل كلمة ينطق بها كانت كالصاعقة على قلبها. بدأ يضغط عليها أكثر، كأنه يقول: 

كيف تؤمنين بشخص مثل هذا؟


وكأن كلامه يعصر قلبها. وضعت يديها على رقبتها، كأنها تحاول أن تمسك نفسها، محاولةً أن تتنفس وسط هذا الكم من الألم والشكوك. عقلها كان عاجزًا عن استيعاب ما يقوله. هل من المعقول أن يكون سليم هو ذلك الشخص الذي أحبته بكل جزء من قلبها، هو بالفعل كما يقول؟ 


كان الصوت في عقلها يصرخ: لا تصدقي، هذا ليس هو.


قلبها يرفض بشدة التصديق، وكأن كل نبضة فيه تقول لا، هذا مستحيل.


مابين حبها له والشكوك التي زرعها رشدي، كانت الضغوط تزداد عليها. عقلها كان يحاول أن يتقبل مايقوله رشدي، لكنه لم يكن قادرًا على التصديق، بينما قلبها كان يعيش في حالة إنكار، غير قادر على تصور أن سليم قد يكون كما يقولون عنه وبتلك الصورة البشعة، كل كلمة كان ينطق بها رشدي كانت تحفر جرحًا أعمق في قلبها، وكل لحظة كانت تزيد من ارتباكها، وكأن قلبها يحاول أن ينجو من العاصفة التي تجتاحه. ومع ذلك، كان جزء منها يشعر بأن ما يقوله رشدي قد يكون الحقيقة المؤلمة.


هل يُعقل أن يكون كل هذا من فعل منافسين؟


هو محق... لقد اختُطِفت من قبل، ومحمود قال لها ذات يوم:

أنتي لا تعرفين حقيقة سليم.


تذكّرت كلماته وكأنها تُقال الآن.


تذكّرت أيضًا الطريقة التي قتل بها سليم محمود ورجاله، ببرود، بدون حساب، وكأن الدم لا يُثقل كاهله.


سليم... الرجل الذي حمل وجوهًا كثيرة منذ بداية زواجهما.


ما فعله مع لورين، ومنصور، والرصاص الذي لم يُنتزع من جسده حتى اليوم...أشقاؤه الذين لا تمر فترة دون أن يُصاب أحدهم برصاصة..التهديدات التي تحيط بهم، والطريقة التي يفرض بها سيطرته..الحادثة البشعة التي نجا منها، وكان حديثه عنها أشد وقعًا من الرصاص:

الفاعل لا يملك قلبًا... يقتل الإنسان حين يبدأ في حبه، حين يصبح جزءًا منه.


ثم تذكّرت جملة أخرى، أقسى وأوضح:

الفاعل لا يملك قلبًا... لا يقتل الضحية مباشرة، بل يتركه حيًّا بعد أن يذبح أعزّ ما لديه، يقتله بالخيانة، ويتلذّذ بعذابه البطيء، وكأنه ينتقم من روحه لا جسده.


نعم... من المؤكد أن من يفعل ذلك لا يسعى إلا للانتقام، وسليم، لا شك، قد اقترف شيئًا في الماضي... شيئًا لا يُغتفر.


كل تلك التفاصيل، كل تلك الذكريات،

انهالت على رأسها دفعة واحدة... كأن أحدهم فتح أبوابًا مغلقة في ذاكرتها، فانفجرت الذكريات فيها بلا رحمة.


كل سؤال يُطرح كان يزيد من دوامة الألم والارتباك التي تعصف بها.

ورَشدي... لم يرحم، لم يصمت، لم يمنح عقلها فرصة للتفكير، ولا لقلبها لحظة واحدة للهدوء أو الاستيعاب.


فـ هذا ما أراد فعله بها، وهذا ما كان يفعله بها طوال تلك الفترة... يُعِدّها نفسيًا، دون أن تدري، لاستقبال هذا الطوفان من الشكوك.


أكمل رشدي بنبرة شيطانية، وقال بابتسامة:

ومع ذلك، أنا ماجيتش ليكي وإيدي فاضية، عشان عارف إن مافيش حد بيصدقني في البيت ده، مع إنني والله أنا أكتر واحد صريح هنا.


أمسك التابلت وفتح أحد الفيديوهات، ثم عرضه أمامها،:

بصي كده، أنا جايبه بالعافية... ده يا ستي سليم وهو داخل غرفة العمليات، وهم بيطلعوا أعضاء واحد عشان يبعوها. على فكرة، كلنا ضد الشغل ده، بس سليم زي ماقلت لك، ماحدش بيقدر عليه، وبيخلي الشغل ده لحسابه الخاص.


نظرت ماسة بطرف بعينها ببطء، بتوتر وتردد. لم ترغب في النظر، فربما ما تراه سيجعل الشك الذي تسرب لها وتلعنه قد يصبح حقيقيا..


 وقعت عيناها على الفيديو وياليتها لن تفعل:

كان سليم وهو داخل غرفة العمليات. كان هناك جثة على السرير، ولا يوجد بها أعضاء.


ضغط رشدي على التابلت وهنا نستمع لصوت سليم وهو بيقول، ببحه رجولية: شيل الحاجة دي بسرعة يلا.


هزت ماسة رأسها بنفي، وصدمة وجلست وكأنها لا تستطيع الوقوف أكثر. دموعها انهالت بصمت.


لن يتوقف ولم يتوقف، اقترب منها بابتسامة خبيثة، ووضع التابلت أمام عينيها، قائلاً:

لسه لسه في تاني....إحنا لسه في الأول اجمدي، 


فتح فيديو أخر..


ذلك الفيديو القديم... الصياد، عدو الأمس، يقف مرتجفًا، يتلقى من سليم مسدسًا. صوت سليم بدا واضحًا في التسجيل:

أنا لو منك... أموت نفسي برصاصة الرحمة دي قبل ما أتفتح بكرة.

ثم تحرك مبتعدًا، كأنه لا يهتم بما سيحدث... وبالفعل، لم تمضِ ثوانٍ حتى أمسك الصياد المسدس بيد مرتجفة، وبحركة واحدة، سقط أرضًا، صريعًا.


قلبها كاد يتوقف، وضعت يدها عليه كأنها تحاول تهدئته، لكن الرجفة كانت أقوى منها.


رشدي، وكأن المشهد لا يعنيه، علق بهدوء بارد:

ده يا ستي... واحد من منافسينه، أكيد سمعتي اسمه... أيوب الصياد، سليم مسك عليه شوية حاجات كده... فيديو لبنته وهي في حضني،  وابنه طلع جا، يعني...مش هنكر إننا كنا متعاونين معاه، بس ما كناش متوقعين إنها تختم بالقتل...


لم يجعلها للحظه تستوعب كان يفتح فيديو تلو الاخر بسرعه رهيبه وكانه يريد ان يجعلها تجن. 


جعلها تشاهد فيديو آخر... لم تتوقع أن ترى ما رأته


فتح فيديو، كان لفتاة صورتها مهتزة وغير واضحة، تتوقف بجانب سليم يبدو أنها في الخامسة عشرة من عمرها أو أقل، وهو يعطيها لرجل كبير السن.


رشدي معلل: 

معلش الصوره مش واضحه اعمل ايه جوزك ده عقرب محدش بيعرف يمسك عليه حاجة بس اهو قدرنا اسمعي بقى ..


شغل رشدي تسجيل صوتي لسليم وهو يقول:

هسمعك صوت سليم وهو بيتفق على بنت وبنات تانيه؟!


صوت سليم:

أيوه، أنا جبتلك البنت اللي أنت عايزها .... بكره هتكون عندك ...هتشكرني عليها ....، مش قادر أقولك هتعمل لك كل حاجة نفسك فيها وكل حاجة بتحبها...... أنت عارف سليم واختياراته....... بلاش طمع ... لو عجبتك هشفلك غيرها ..... دول كتير...... الفلوس هتجيلى امتى ... عايز كام واحدة ... تمام أسبوع ... ياريت حفلة من بتوع زمان....، طيب.


كانت الدموع تنهمر من عينا ماسة بغزارة، غير مصدقة لما تراه وتسمعه. شعرت وكأن قلبها على وشك الإنفجار من شدة الصدمة، أشبه بجلطة تضرب صدرها، فوضعت يدها عليه في محاولة لتهدئة نبضه الهائج. أما عقلها، فقد بدا وكأن صاعقة كهربائية أصابته من هول المشهد والصدمة تشعر بالغثيان بسب الاشمئزاز مما سمعته وتحاول مقاومته.


برغم كل ما رأته، كانت لا تزال غير قادرة على التصديق أن سليم يمكن أن يكون هكذا. 


توقفت ماسة بصوت مختنق مهتز كمجنونه:

لالا مستحيل يكون كده...  لا مستحيل يكون الراجل اللي أنا حبيته وعشت معاه كل السنين دي يكون بالبشاعة دي... مستحيل! أكيد كذب... مستحيل! إنت كذاب! لالا كذاب كل الصور دى كدب و مفبركة والصوت ده كمان كدب سليم مستحيل يبقى كدة ...


رشدي وهو يصيح بها: 

لا مش كداب دي حقيقة.


ماسة صاحت به بعدم تصدق: 

لا كداب، كداب مستحيل مستحيل يكون حقيقة مستحيل اصدقك انت كداب يا رشدي كداااااب.


صرخ رشدي في وجهها، صوته يعلو بثبات مجنون:

لا أنا مش كداب، دي حقيقة.


صاحت ماسة بعدم تصديق، عيناها تشتعلان إنكارًا:

لا كداب، كداب! مستحيل... مستحيل يكون حقيقة! مستحيل أصدقك! انت كداب يا رشدي... كداااااااب!


قالها بإصرار، نبرة صوته حادة، لكنها مشبعة بعناد لا يلين:

أنا مش كداب يا ماسة... دي الحقيقة. سليم... مهما هربتي، مش هتقدري تهربي منها.


وضعت ماسة يديها على أذنيها، كأنها تحاول حجب العالم، وانحنت برأسها نحو الأرض، جسدها كله يهتز من الداخل. كانت تهمس بهستيريا، تحاول طرد صوته من عقلها:

اسكت... اسكت... اسكت...


لكنه لم يتوقف. لم يمنحها لحظة تنفس. اقترب منها أكثر، وصوته ارتجّ في المكان، كأن كلماته تندفع كسكاكين تبحث عن عقلها لتستقر فيه:

مش هسكت يا ماسة! مش هسكت! لازم تعرفي إن سليم مجرم... زعيم مافيا.


رفعت عينيها له، نظرتها خاوية، باردة، كأنها فقدت كل قدرة على الاستيعاب، وقالت بصوت مخنوق بالكاد خرج منها:

اسكت.


لكنه تابع، بصوته نفسه، عناد بلا رحمة، عنف بلا شفقة:

بيتاجر في البشر.


انفجرت، صوتها خرج متقطعًا، مختنقًا بالبكاء، تتوسل كأنها تستجدي خلاصًا:

كفاية... كفاية بقى... ارحمني!


ألقى رشدي كلمته التالية كأنها صفعة:

قواد.


تراجعت ماسة خطوة، صوتها بالكاد يُسمع، مكسور وضعيف كأنها تنهار من الداخل:

اسكت... أرجوك...


اقترب منها أكثر، عيناه تتقدان، وصوته كالسيف المسموم:

وانتي... كنتي هتكوني واحدة من البنات اللي بيأجر بيهم!


صرخت، ملأت صرختها المكان، وهي تغطي أذنيها بكلتا يديها، جسدها كله يرتجف:

اسكت!! اسكت!! بقى


ثم... انهارت. سقطت على المقعد مرة أخرى، دموعها تنهمر بلا توقف، وجهها شاحب كأن الحياة انطفأت داخله. السواد يبتلع كل شيء من حولها... وكأنها ماتت واقفة


جلس رشدي أمامها بهدوء قال بابتسامه بارده:

 أنا مش كذاب، أنتي اللي مش قادرة تصدقي الحقيقة، حبك عميكي، برغم انك لو ربطي الخيوط هتوصلي أن دي حقيقته حتى لو مؤلمة.


بنبرة أكثر جدية أكمل بقوة وشر: 

بقول لك إيه، يا ماسة، أنا الوحيد اللي هنا اللي هلاعبك على المكشوف، من الآخر كدة كلنا عايزين نعرفك حقيقته، عشان نخلص منك. ماما بتكرهك ودي حاجة أنتي أكيد عارفها، وصافيناز عشان بتحب ماما وبترضيها تعاونت عشان يسمعوكي قاصديين كل حاجة تخص سليم، مش بس المرة دي، من زمان اوي، عشان يمشوكي من هنا عشان عقدة اختلاف الطبقات، أما أنا طموحاتي حاجة تانية خالص، كرسي العرش، عشان أقعد على الكرسي، لازم أخلص من سليم عن طريقك، زي ماقولتلك وقتها هيبقى مشتت وهيغلط كثير ساعتها أعرف أقرب من الباشا..


استوحشت نظراته قائلا بشدة كأنه يحاول أن يسمعها ويجعلها  تصدق قال بنبرة غليظة: فوقي يا ماسة، انتي عايشة مع مجرم، وعضو في اكبر عصابات المافيا في العالم...


ارتسمت على شفتيه نصف ابتسامة ساخرة:

 معلش، هي الحقيقة صعبة وبتوجع.


هزت رأسها بنفي بصوت مكتوم كأنها فقدت صوتها من الصدمة بوجه مبلل بالدموع قالت برفض:  لا مستحيل إنت بتكدب عشان بتكرهني وعايزني أسيب سليم زيهم.


رشدي بهدوء وضع قدما فوق قدم قال:

مسألة تصدقي ماتصدقيش مش فارق لي، أنا كل اللي يهمني إني أخلص منك وتمشي من هنا، تمشي حباه أو تمشى كرهاه، تمثلي عليه الجنان والكره وقلبك بيحبه مش فارق، انا فارق لي حاجة واحدة، إني أخلص منك..


عدل من جلسته، نظر في وجهها بملامح أكثر شراسة قال بنبرة مخيفة: 

بصي لي بقى، عشان اللي جاي هو الأصعب، أنتي هتهربي، وأنا هساعدك تهربي. أنتي لازم تسيبي سليم..


زم على شفتيه بقلق أضاف:

بس الأهم من كل ده يا ماسة، أنا مش ضامنك. أنتي ممكن تروحي وتقولي له إنك عرفتي حقيقته.


ماسة بغضب صاحت به:

 وإنت فاكر إني ممكن أعيش معاه لحظة واحدة بعد كل ده ؟


رشدي بفحيح أفعى رقطاء: 

قولتلك مش عايزك تعيشي معاه، بالعكس هو ده اللي إحنا كلنا عايزينه.... أنتي لازم تمشي من هنا، بس أنتي لازم قبل ماتمشي، تنكدي على سليم، عشان سليم يبقى عنده أسباب لكرهك ليه أو لهروبك منه، لازم برده تظبطي الدور أصل سليم ده دماغه سم.


ماسة بضيق ممزوجه بشدة وهي تمسح دموعها تحاول أن تبدو قوية: 

ماتقلقش انا وسليم بينا مشاكل كتير جداً بالأخص آخر فترة وأنا فعلاً عايزة أمشي وأول ما ييجي هطلب من الطلاق وأمشي واخلص منكم، صدقني انا اللي عايزة أخلص منكم مش انتم، وماتخفش مش هقول لسليم حاجة من اللي إنت حكيتهولي. 


ارتسمت على شفتي رشدي ابتسامة صغيرة قال بهدوء وشر: تؤ أنا مش ضامنك أنتي أكيد هتقولي له. أنا عرفت إنك قو،اد، بتاجر في لحو،م البشر والسلا،ح، وإن عيلتك من أكبر تجار الآثا ر في مصر، وكل اللي قلتلك عليه ده، وساعتها سليم هيقتلني. وأنا ماعنديش استعداد أموت. الصراحة الفترة دي أنا عندي طموحات لازم أحققها فـ نعمل إيه يا ماسة؟ ما هو سليم أكيد هيضغط عليكي لما تطلبي منه الطلاق.

 فـ هتقولي له. 


قاطعته ماسة وصاحت به ببحه وغضب مكتوم:

 قلت لك مش هقول حاجه ماتخافش على نفسك؟!


أكمل رشدي وكأنه لم يستمع لها وضع أصابع يده أسفل ذقنه وهو يحركها بتفكير:

 تؤ بردو مش ضامنك ...


اكمل وكانه يتلاعب بمشاعرها:

نعمل ايه يا رشدي؟؛ نعمل ايه يا رشدي عشان نضمن ان ماسة ما تتكلمش؟!


صمت لحظة، رفع يده قائلا بصوت عالي:

 لاقتها.


أمسك التابلت مرة أخرى وقرب جسده لها وأطلعها على الفيديو:  بصي كده،


نظرت ماسة له بتردد، كان الفيديو يظهر مجاهد يتحرك في الشارع. 


عقدت ماسة حاجبيها بتعجب: بابا ؟!


أمسك رشدي هاتفه وقام بعمل مكالمة بأمر قائلا ببرود: نفذ.


وفجأة جاءت سيارة مسرعة ودهست والدها، صرخت ماسة بأعلى صوتها توقفت: بابا ... بابا.. لالا يا مجرم حرام عليك بابااااا باباااا يا مجرم


نهض رشدي مسرعاً وتوقف خلفها وضع يديه على فمها: هشششششش ..اسكتي خالص مش عايز أسمع حسك فاهمة. 


أخذت تبكي وهي تهتز بضعف: قال رشدي:

 هشيل ايدي وماسمعش حسك فاهمه.


ابعد يديه ببطئ وهو يراقب ملامحها.


دفعته ماسة بقوة وهي تبكي: 

يا حقير يا حيوان عملت ليه كده قلت لك مش هتكلم ومش هقوله والله ما هقوله حرام عليك.


رشدي بشر بابتسامة باردة: 

ماتقلقيش أوي كده اهدي ابوكي عايش وهيقوم كويس يعني ممكن رجله تتكسر، دي بس قرصة ودن مني عشان لو فكرتي تتكلمي، وتحكي لسليم ...


نظر داخل عينيها بتهديد صريح وشر يخرج من عينه أمسكها بقسوة من كتفها قربها إليه:

ماتقلقيش هيخرج منها سليم، بس المرة الجاية هموته يا ماسة، أنا مش زي سليم مش هقولك هسيب خيالك يقول لك هعمل ايه؟! ولا هندمك، لا لا لا .. أنا بعمل على طول، سليم بيهدد وبس. وسكتة. اللعب على التخويف، اللعب على الأعصاب،، انا بقى سكتي التنفيذ، ودي أقل حاجة ممكن أعملها، بلاش تخلي مصير أهلك كلهم مقبرة العيلة في يوم واحد..وصدقيني مش هغلب في قتلهم باستمتاع كمان ...


كان يتحدث باضطراب قليل ولامبالاة لكن نظرته كانت تحمل الكثير من التخويف والرعب بعين مستوحشة أضاف:

يعني مثلا سلوى أختك ممكن تتعرض لحفلة اغتصاب، طبعاً بعد ما أنا أعدي عليها الأول واللي كان نفسي أعمله معاكي زمان هعمله مع سلوى، وأكسر مكي اللي طلعلي فيها ده، وأخوكي عمار مثلا بدقنه الحلوه دي نعمل له قضية ارهاب، وبعدين نقتله جو سجن،  مامتك تاخذ نفس مصير بابا عربية تخبطها بس المرة دي بموت، ونخلص من لسانها الطويل، وأبوكي وهو في المطعم نعمل له حريقة، أما يوسف مش هغلب فيه، كل دي حوادث قدرية بتحصل كل يوم.


نظرت له ماسة وقالت بغضب يخرج من عينيها: 

أنت مش بني آدم طبيعي، إنت حقير وحيوان.


فجاة صرخت في وجهه بضعف ببحه: 

إنت عايز مني ايه؟!


رشدي بهدوء قاتل مرعب وهو يركز النظر في ملامحها بنبرة باردة: 

عايزك ماتقوليش لسليم اي حاجه قلتها، عشان مايقتلنيش لأني كشفت حقيقته ليكي.


ماسة وهي تبكي بحرقة بنبرة مبحوحه:

 قولتلك مش هتكلم والله ماهتكلم .. 


وضعت يديها على قلبها وكانها هفقد الحياه بصوت مكتوم:

والله ماهتكلم، والله ماهتكلم...عايز مني ايه تاني؟! حرام عليك سبني في حالي.


رشدي بحسم: 

تطلقي وتمشي من هنا 


ماسة بدموع واهتزاز:

 أنا عايزة أمشي من فترة وسليم رافض، تفتكر لما أطلب الطلاق هيوافق بسهولة؟


رشدي تنهدت وتحدث بهدوء: 

هتكملي في وصلة النكد يا ماسة أسبوع مش زيادة، والمرة دي تقولي  أنا عايزة أطلق، مش همشي اهدي اعصابي،  كدة كدة انتي المفروض تتطلقي بعد إللي سمعتيه، المهم إنك تفضلي كدة، وأنا هعرف ازاي أخليكي تهربي من هنا، وهساعدك ومانشوفش وشك تاني.


ماسة ودموعها تنهمر بضعف وصوتها بالكاد يخرج: 

ده على أساس يعني بقى إن سليم مش هيعرف يوصل ليا.


رشدي بثقة: 

لا ما أنا ساعتها هساعدك إنه مايعرفش يوصلك.


ماسة بتقليل: 

إنت!! 


تبسم رشدى بمزاح:

 لا لا لا يا ست الحسن أوعي تستقلي بيا كده ده أنا جامد أوي.. 

وبعدين الصراحه أنا ماعرفش ازاي تقدري تقبلي تعيشي مع واحد كان السبب في موت بنتك حتى لو كل اللي فات ده كان كدب بس الحقيقة إللي مستحيل تهربي منها إن حور ماتت بسبب سليم.


ركز رشدي نظره في وجهها قائلا بتهديد:

 يومين وهقول لك هتعملي ايه خليكي هادية وحلوة عشان كمان نص ساعة خبر حادثة مجاهد هيوصل لك، لسانك لو قال حرف لسليم بعد دقيقه واحده من كلامك معاه، واحد واحد من أهلك هقتله وساعتها ابقي خلي لسانك الحلو الجميل اللي ماحافظش على السر ينفعك.


نظرت له ماسة بدموع قالت بشراسة: 

إنت مجرم ومنحط وأحقر حيوان في الدنيا. 


تبسم رشدي إبتسامة بارد قال بسخرية:

كلنا يا ست الحسن مش أنا بس، ده أنتي عايشة مع أكثر واحد منحط فينا.


تركها رشدي بعد أن ألقى كلماته المسمومة، كلمات أشبه بحية ملتفة حول عنقها، تقتلها ببطء. جلست مكانها تبكي بحرقة، وكأن الصدمة تسري في عروقها مثل نار لا تنطفئ. كانت يداها ترتعشان بشدة، وكأنها شاهدة على مشهد حقيقي لوحشية لا تُحتمل،كأن أماً قتلت طفلها بيدها أمام عينيها حرقا.


شعرت وكأنها سقطت في حفرة عميقة مظلمة، مليئة بالثعابين والعقارب، تلدغها من كل اتجاه، دون أن تعرف كيف تنجو، حاولت الصراخ، لكن صوتها كان أسيرًا داخلها، كأن العالم أصم لا يسمع أنينها.


كلمات رشدي لم تكن مجرد اتهامات؛ بل كانت سلاسل ثقيلة تقيدها إلى قاع الهاوية،  أيهما كان أقسى على قلبها؟ وصفه لسليم حبيب روحها، كتاجر سلا،ح وأعضاء وقوا،د ،أم تهديداته الخفية التي ألقى بظلالها على عائلتها؟


شعرت بالاختناق. الهواء من حولها صار أثقل من أن يدخل إلى رئتيها، وكأن الصمت نفسه تحول إلى عدو. 


وضعت يدها المرتعشة على صدرها، تحاول تهدئة الألم الذي كان يمزقها من الداخل، لكن دقات قلبها المتسارعة بدت كأنها صوت طبول الحرب قد وضعت أوزارها..  جسدها كله يرتعش بخوف ورفض وكانها وقعت فى أعماق الجلد..


دموعها انسابت، ليس فقط حزنًا، بل خوفًا حقيقيًا يعصف بكيانها. كانت ترى أمام عينيها وجه والدها ووالدتها، تتخيل مصيرهما لو نفذ رشدي تهديداته. لأول مرة شعرت بالعجز الكامل، وكأنها أسيرة في سجن مظلم بلا أبواب، بلا منفذ، بلا أمل.


رغبت في الصراخ، في مواجهة هذا الجحيم، لكن جسدها خذلها. بقيت متجمدة، والأفكار تنهش عقلها. كيف تحمي من تحب؟ وكيف تواجه الحقيقة المدمرة التي قذفها رشدي في وجهها؟


كان الصمت الذي أحاط بها أشد فتكًا من أي صوت، وكأن هذا الصمت يقول لها إن النهاية قد بدأت. كل ما أرادته هو لحظة أمان واحدة، لكن تلك اللحظة بدت مثل حلم بعيد، حلم بعيد المنال.


وفجأة ، صرخت بكل ما أوتيت من ألم، صرخة اخترقت جدران الصمت، وكأنها تطلق وجعًا عميقًا ظل محبوسًا في صدرها لسنوات 

صرخه جرحت قلبها قبل خنجرتها...


"آاااااااااااااااااااااااااااه"

اااااااااااااااااااااه


خرج منها وهي تمزق نياط قلبها، كأن كل خيط في روحها يُنتزع ببطء. لم تكن مجرد صرخة؛ بل كان كيانها بأسره ينفجر في لحظة واحدة، وكأن الوجع صار صوتًا، وكأن الحزن تحوّل إلى نغمة حزينة تعزف على أوتار ألمها.


وقعت على الارض ظلت تبكي بحرقة، ولا تعرف عيناها سبيلًا للجفاف، بينما قلبها يصرخ في صمتٍ موجع. لا تدري كم من الوقت مضى... 


دقائق أم ساعات؟ لكنها كانت تمر عليها كالعُمر.


رنّ هاتفها فاهتزت يدها وهي تلتقطه. كانت سلوى تتصل...


تعرف الخبر، بالطبع، لكن لا بد أن تتظاهر بالدهشة، أن تمثل أنها لا تعلم. نعم، هذا صعب... لكنها يجب أن تفعله الآن.


ابتلعت ماسة الغصّة المُرّة العالقة في حلقها، ورفعت الهاتف بيدٍ مرتعشة، خرج صوتها متكلفًا طبيعيًّا: إيه يا سلوى؟ عاملة إيه؟


صوت سلوى جاء من الجهة الأخرى باكيًا مشقوقًا: ماسة..... بابا عمل حادثة.


وقفت ماسة كأن الأرض انسحبت من تحت قدميها، وسمحت لمشاعرها أن تثور أخيرًا: بتقولي إيه؟ أنا جاية حالًا!


هرعت نحو الخارج، وهناك، وقفت الأفاعي الثلاثة يراقبونها بصمت وعيونهم تقطر سما زعاف، 

لم يتحدثوا.


لكن رشدي نظر لها وهو يقول بنبرة ساخرة شامتة: عملنا معاكي خدمة صغيرة، صافيناز خارجة كمان شوية، الباب هيتفتح. يعني لو رفضوا يخرّجوكي، تقدري تتسللي من غير ما حد ياخد باله.


اشتعل الغضب في عيني ماسة، فصرخت بعنفٍ ممزوجٍ بالدموع:

أنتم مش بني آدمين! والله العظيم أنتم مش بني آدمين! ماعندكوش لا رحمة ولا إحساس! أنا بكرهكم!


اندفعت نحو الباب محاولة الخروج، لكن خطوات فايزة الهادئة المقتربة أوقفتها، تلك الخطوات التي كانت كأنها طعنات باردة في قلب ماسة، تلاها صوت ناعم خبيث، يحمل في طياته شماتة خبيثة وهدوءًا قاتلًا:

شفتي بقى يا ماسة؟

مين اللي واقف دلوقتي على أرض من إزاز؟

مين اللي قوته في إيده؟ مين اللي لازم يخاف؟

مشكلتك إنك كنتِ فاهمة غلط... فاكرة نفسك سند وقوة؟

إنتِ ولا حاجة! إشارة واحدة كفيلة تمسحك، إنتِ وعيلتك، وروحك أرخص من الرصاصة اللي ممكن تخلص عليكم.


ارتعشت يد ماسة وهي تمسح دموعها، التفتت نحو فايزة بعينين مهزومتين، وهزت رأسها موافقة، وتمتمت بصوت مكسور:

عرفت... عرفت إنكم قادرين، وإنكم أقوياء، وإن أنا اللي واقفة على أرض من الازاز ونكسرت بيا...

عرفت إنكم كبارات، بس من غير رحمة...

وإن كلمة ولاد ناس، وأخلاق ولبس شيك، دي كلها كلمات مسمومه، وستارة... ستارة تخبي وراها حقيقة بشعة، واثبته أن كلمة، ولاد الناس مالهمش علاقة بالغنى ولا الفقر، بالعكس… ساعات الأغنيا بيكونوا أكتر ناس ماعندهمش أخلاق.


ابتسمت فايزة بسخرية لاذعة، وقالت بنبرة واثقة:

دي مثليات عبيطه حفظوها لامثالك، عشان يرضوا بفقرهم...

لازم تفهمي يا ماسة... العالم اللي دخلتيه ده مفيهوش بقاء لا للأقوى ولا للأذكى...فقط تؤ...

البقاء للي نفسه طويل، وللي عنده هدف وطموح

و أنا صبرت تسع سنين، وكان عندي استعداد أصبر كمان، بس اوصل.. هدفي كان واضح: إنك تمشي من هنا .. وحصل، وياريتني كنت نفذت الخطة دي من زمان، بس هي جت في وقتها! المهم النهاية.


شهقت ماسة من شدّة القهر، وردّت بصوت مخنوق تكاد الأحرف تتساقط من شفتيها:

وانتي مش زعلانة إني عرفت حقيقة ابنك... وبقيت شايفاه بالصوره البشعه دي.


تحركت فايزة بخطوات هادئة، وقلبها كأنه قطعة جليد، وأجابت باستخفاف:

إيه المشكلة؟

مادام هحقق هدفي، وبعدين... إنتِ مين أصلاً؟ عشان تحطي معايير لسليم الراوي؟

أو حتى تتضايقي من اللي اتقال عليه؟ او تشوفيه حتى بصوره سيئه انت مجنونه، انت مين انت عشان صورته تهز في عينك، او ترفضي او تقبلي؟!

إنتِ ولا حاجة، مهما كان، سليم لازم تقبليه

سواء اللي سمعتي كان قي الماضي أو الحاضر

إحنا بس دخلنا لك من الحتة دي، عشان المثاليات العبيطة اللي عندك هتخليكي تمشي من نفسك، إنما لو كنا في وضع تاني يا ماسة، كنت هقولك: مكانك الحقيقي تحت رجلينا، تقبلي وتسكتي… بس حظك.


نظرت إليها ماسة بعينين دامعتين، وقالت بصوت خافتٍ مملوء بالمرارة:

أنا... أنا مش زيكم، ولا عمري هكون، أنا عندي مبادئ، اخلاقي وتربيتي وديني يمنعني اقبل.. يمكن شايفينها كلام فارغ

بس دي اسمها "أخلاق" أنا مستحيل أعيش مع واحد بالبشاعة دي، ومتأكدة إنكم كلكم زيه، كلكم شغالين في نفس الشغل القذر ده، كلكم أبشع من بعض... وأحقر من بعض!


حاولت صافيناز التدخل، لكنها لم تكد تفتح فمها حتى أمسكتها فايزة من يدها، وقالت ببرود وابتسامة خفيفة لا تخلو من لؤم:

سيبيها... هي دلوقتي عاملة زي الطير المذبوح، بيتمرمغ على الأرض، يا حرام، بيبهدل الدنيا بدمه، إحنا اللي كسبانين الحرب يا صافي، سيبيها، دي حلاوة روح


أخفضت ماسة رأسها في استسلام، وهمست بألم:

عندك حق... إنتِ كسبتي، وأنا خسرت، خسرت كل حاجة.


خطت خطوة للأمام، لكنها توقفت فجأة، وصوت فايزة يلاحقها كنصلٍ بارد:

المهم... تنفذي اللي قالك عليه رشدي، بدل ما مكالمة واحدة مني، وقبل ما توصلي المستشفى، تلاقي عيلتك كلها مدبوحة


أغلقت ماسة عينيها، وأخذت نفسًا عميقًا.

لم ترد. فقط مسحت دموعها، ثم تحركت بصمتٍ يشبه الموت.


دون أن تنطق خطواتها كانت غاضبة، سريعة، تهبط السلالم كأنها تهرب من قيدٍ خانق.


فور خروجها، وجدت سيارة "صافيناز متوقفة في انتظار


لكن شيئًا ما بداخلها انفجر... دفعت الحارس من طريقها بعنف، صعدت السيارة، أدارت المحرك، وانطلقت بها نحو البوابة.


أمام البوابة، أشار لها الحارس أن تتوقف حين شاهدها هى من تقود. فتحت نافذة السيارة.


نظرت له والنار تشتعل في عينيها بأمر: 

افتح البوابة.


الحارس بهدوء متعنت: 

مش هينفع ياهانم لازم نستأذن سليم بيه.


ماسة وهي تحاول لجم جماح غضبها: 

افتح البوابة... أحسن لك.


الحارس بتريث: 

اسف يا هانم… دي أوامره. هنكلمه حالًا.


ماسة هزت راسها بإيجاب غاضب: كدة طيب


نظرت حولها، ثم إلى البوابة، ثم إلى الحارس... شرارة ما لمعت في عقلها جزت علي اسنانها قلبت عينها التي غامت بسواد خطر  ووووو



     الفصل التاسع والستون ج1 من هنا 

      لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات