رواية براءة العاشقين الفصل الثاني 2 بقلم هدى زايد


رواية براءة العاشقين الفصل الثاني 2 بقلم هدى زايد


أنا عمري شوفتك و لا كلمتك غير امبارح ؟
- حسين اهدأ بس عشان افهمك !
- تفهميني إيه ؟  يا كدابة أنا نفسي اعرف عملت لك إيه عشان تعملي فيا كدا ؟  مين الكلب اللي عمل معاكي كدا ؟! انطقي !

كانت "وصال" تعلم جيدًا أنها ستمر بهذه المرحلة في أول لقاءٍ بينهما 

اطبقت على جفنيها بعنفٍ إثر ضغط "حسين" على كتفيها، فتحت عينها بصدمة ما إن رأته يوضع نصل  السـ ـكين على رقبتها وقال :

- أنا النهاردا يا قا تل يا مقـ ـتول  لو معرفتش مين اللي عمل فيكي كدا و حطتيها فيا أنا 

بلعت"وصال " ريقها و قالت بكذب:

- اخوك هو اللي عمل فيا كدا و قالي اني اعمل كل دا عشان يكتب عليا و قالي اني لازم اتجوزك و بعدها هيخليك ترجع للمخدر ات من تاني عان يعرف يقـ ـتلك من غير ما ياخد فيك يوم واحد سجن و بعدها اورثك و اتجوزه .

كلما أرادت الفرار من مأزقٍ وقعت في آخر أشد قسوة  أما "حسين" كان يشعر بالتخبط و الحيرة الشديدة معًا، و لأن من أكثر العيوب لدى "حسين" هو الإستماع لغيره و يتأثر دون أدنى تفكير، نجحت " وصال" في بخ سُمها داخل عقل زوجها مما جعله يثور و يغضب مرددًا عبارة الوعيد و القتـ ـل لأخيه و لكل من تسول له نفسه بالتأمر عليه .

سأل حسين قائلًا :
- مالك يا حسين نازل و عفاريـ...

تفاجئ بـ حسين ينقض عليه و يضربه بكل قوته، دافع عن نفسه وضرب أخيه و كانت هذه  المرة الأولى التي ضرب فيها " خالد" أخيه "حسين"  هرع  والدهما  و حاول التفرق بينهم بعد معاناة كبيرة فيهذا  التوقيت تحديدًا كانت" وصال" واقفة تشاهد ما يحدث  
وبعد معاناة نجح الأب في إبعادهما عن بعضهم البعض ليسرد " حسين" ما قالته " وصال" رد والد حسين و قال بعصبية: 
- كلام إيه اللي بتقوله دا و لما خالد اخوك يعرفها من الأول ما راحتش قالت ليه الكلام دا لاخوها ؟!!

نادى بصوته العالِ لتهبط " وصال"  نزلت بالفعل و قالت ببراءة وكأنها لم تفعل شيئًا حين سرد ما قاله ابنه :  
-أنا يا عمي قلت كدا ؟! طب إمتى و لا فين ؟ 

ثم نظرت لـ حسين وقالت بعتاب:
- اخس عليك يا حسين بقى أنا مراتك مبقاش ليا ساعة معاك تتطلع  عليا كلام محصلش وكمان تتهم في مين ؟!  اخوك ابن امك و ابوك !! 

كاد " حسين" أن يفقد عقله ما هذه السرعة لقد تغيرت أقوالها في طرفة عين، ما زاد الأمر أكثر تصديقًا حين كشفت رقبتها أمام والده لتُظهر جرحها و هي تقول بحزن مصطنع:
- شايف يا عمي أول ما اتقفل علينا باب اتعمل فيا كدا و كان عاوزني اشهد ضد اخوه و اقول اللي هو قاله دا ولما رفضت هددني بالقـ ـتل 

ردت والدة حسين على كلامها بتأيد لها و قالت:
- اخوك يا حسين عمره ما فكر يزعلك تقوم تقول عليه عاوز يقتـ ـلك و بيعرف وصال لا يا حسين  !!! 

كان والد حسين يراقب تصرفات ابنه وزوجته من الصادق و من الكاذب هل صدقت هي و هو من الكاذبين أم كذبت هي و كان هو من الصادقين  لماذا تصمم على أن حسين هو من فعل فعلته ما دام ابنه يسرد له أن أخيه من فعلها انتشله من بئر أفكاره  " حسين"و هو  يسحب زوجته من خصلات شعرها الطويل 
جرها كالبهائم وسط صراخها محاولة الاستنجاد بأحدهم لكن لم يتحرك أحد قيد أنملة   دفعها في غرفتهما بأعلى سطح المنزل و اوصد  الباب ثم قال: 
_ انا النهاردا  يا قا تل يا مقتـ ـول  فهميني بقى ايه اللي حصل بالظبط ؟ 

زحف " وصال" للخلف حتى اصطدمت  رأسها في الجدار لا مفر لن يهدأ حتى يصل لإجابة تُرضي فضوله   ضغطت على شفتاها  بتفكير ثم  قالت:
_ على فكرة ابوك كداب ! 

صفعها " حسين"  على خدها و قال: 
_ ابويا انا كداب يا بنت الكل'ب  

تحملت الصفعة ثم تحاملت على نفسها وبدأت  تتحدث بحقدٍ و كُره و هي تقول: 

_ على فكرة ابوك يبان طيب انما هو اصلا عينه مني اوعى تصدق انه شيخ جامع بحق و حقيقي دا كان بيبص لي يا حسين وأنا بكشف له رقبـ...

رمقها " حسين" و قبل أن يرد عليها قاطعته    قائلة : 
_ قبل ما تتكلم  هقول على إمارة،   بأمارة  ما دخل عليا المطبخ و انا بعمل القهوة  .

بدأ يقتنع بكلامها و تسأل بشرودٍ ممزوج بدهشة: 
_ ابويا انا بيبص لك ! 

  *******
في الصعيد 

  كان جالسًا وسط مجموعة من الرجال  بهيبته  وكامل أناقته يستمع لجلسة عرفية جديدة و مشكلة جديدة و التي كان يعرغ حكمها من بدايتها لكنه فضل أن يستمع لجميع الأطراف كعادته ليكشف نواياهم  تنهد بعمق و قال: 
_ بزياده  لحد كده حديت أنت خدت اكتر من وجتك  و عشان نخلص  الليلة ديه أنت هتدفع  غرامة عشرين ألف 

رد الرجل معارضًا و قال: 
_ بس ديه كاتير  جوي يا راشد بيه  ليه يعني  عشرين ألف 

وقف "نصار"  ليُنهي الجلسة ووقف الجميع احترامًا له  وقال:
_ خلص  الحديت لحد  كده و دلوجه  كل واحد يروح على داره 

رحل الجميع و بقى هو ينهي آخر أعماله قبل بدء عطلته الأسبوعية ولج أخيه الأصغر و قال: 
_ الحج يا نصار 
_ فيك إيه يا فواز چرا ايه  ؟ 

بلع لعابه و هو يقول : 
_ حسين  ابن عمك اتعارك  مع  اخواته و ابوه
  وجتـ ـل ابوه

هب واقفًا متسائلًا بدهشة و ذهول شديدان 
- بتجول إيه يا مخبل أنت كيف ديه حُصُل و ميتا ؟!
- الأخبار لسه واصلة دلوجه و باين كِده الموضوع واعر جوي .

التقط عبائته السوداء و قال بجدية:
- هم بينا خلونا نشوف إيه اللي حُصُل .

******
عودة لمنزل "حسين" 

نفخت في شرارة الغضب فتحولت لنيران أشبه بنيران البراكين،  فعلت المستحيل لتُبعد التهمة عنها  و بكل أسف "حسين" من ساعدها على ذلك بسبب تشوشهُ الوضع لا يمكن أن يهدأ بهذه الطريقة أبدًا،  بل تفاقم حين سقط والد حسين مفارقًا الحياة بعد أن صُعق من اتهامات ابنه،  مشهد لن يتكرر أبدًا داخل منزل الحج محمد القصاص ذلك الرجل التقي الذي يحافظ على صلاته وصيامه و قيام الليل، ذلك الرجل حسن السير و السُمعة،  يالها من 
شيـ ـطانة نجحت في تفرقة العائلة في أقل من ست ساعات فماذا سيحدث إن مكثت لمدة عامًا أو أكثر. 

انتقل جثمان الحج محمد لأحدى المستشفيات الحكومية لمحاولة إنقاذه لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يدخل من باب المشفى حتى تلك الأزمة القلبية الحادة التي أتته إثر محاولة ضرب ابنه له، تم حجزه لحين الإنتهاء من الإجراءات اللازمة، و هم الآن في إنتظار عائلتهم من أحدى محافظات الصعيد و تحديدًا محافظة الأقصر .

*******
في عصر اليوم التالي 

 انتهت جميع مراسم الغُسل و حان الآن موعد الذهاب لمسقط رأس الحج محمد،  بكى عليه كل فرد في حارته حتى الأطفال لم يتوقفوا عن البكاء كانت جنازته مهيبة حقا الجميع يتسابق ليحمل صندوق الجثمان، زوجته في حالة من الصدمة أين زوجها رفيق دربها الرجل الذي لم يفعل أي شئ سوى أن يغار عليها من نسمة الهواء و حين يغضب منها يناديها بإسمها فقط دون مغازلة أو مشاكسة أين الرجل الذي تربت في كنفه طوال الثلاثون  عاما 
أين الرجل الذي كان يربت على ظهرها ويسألها عن حالها فتجيب ما دمت بخير أنا بخير أين أنت يا محمد،  صرخة مدوية خرجت منها تنادي فيها وتتوسله يعود و تفعل له ما يريد مهما كلفها الأمر .

  كان "حسين" واقفًا أمام السيارة التي ستنقل أبيه وحاله لايفرق كثيرًا عن حال أخوته، غجأة و بدون أدنى مقدمات وجد يدٍ من حديد تقبض على مؤخرة رأسه لتجبره الدخول في سيارة فارهة من اللون الأسود،  حاول معرفة هوية الشخص الذي تجرأ على فعل ذلك ليجد "نصار" بن عمه من فعلها حاول أن يتحدث معه بنبرة هادئة لكن لم يتلقى منه سوى تقييد في قدميه ويدهُ،  تتدخلت "وصال" لإنقاذ زوجها و هي تحدثه بنبرة غاضبة
- أنت مين و بتعمل في إيه جوزي يا جدع أنت ؟  

دفعها الأخرى دخل السيارة و هو يجيب على سؤالها :
- اني اللي هربيكم من أول و چديد يا بنت الكلاب 

صاحت لترد على وقاحته معها لكنه حدجها بنظرة من عيناه جعلتها تعود للخلف في هدوءٍ تام  نظرت لزوجها تسأله بخفوت: 
- مين دا يا حسين ؟ 
- نصار ابن عمي 
- و إيه اللي يخلي يعمل فيك كدا ؟ 

رد بنبرة مغتاظة قائلًا:
- منها لله أمي السبب هي اللي قالت له ياخدني معاه و حكت على اللي حصل .

ردت بنبرة مغتاظة قائلة:
- هي الولية دي إيه مبتتهدش أبدًا مش كفاية اللي عمله جوزها فينا ؟

نظر لها و قال بنبرة هادئة عله يستشعر كذبها 
- صارحيني يا وصال أبويا بصلك فعلا و لا كلام منك وخلاص ؟ 

دام الصمت لعدة ثوانٍ قبل أن تقول بنبرة هادئة لكنها لا تخلو من الكذب :
- مش عاوزاك تزعل مني يا حسين بس أبوك مكنش الراجل الطيب التقي اللي بيصلي الفرض بفرضه لا دا كان بتاع ستات أنا لما كشفت الجرح اللي في رقبتي عشان يشوفه 
لاقيت عينه نازلة على باقي جسمي من فوق ولما حاولت تضربني  كان كان 

سألها بعضبية قائلًا:
- كان إيه ما تنطقي ؟ 
- كان بيحضني و ايده بتفعص في جسمي ارتاحت كدا ؟ 

ختمت حديثها قائلة:
- الزفت اللي بتتعاطى يا حسين مش مخليك تفرق بين الصح و الغلط مش مخليك واخد بالك إن الطيب دا فعلا طيب ولا لا 

نظر لها و قال بأعين تملؤها الخزن الشديد على حاله الذي آل إليه :
- منك لله أنتِ السبب في كل اللي أنا في دا دلوقتي زماني كنت مسافر و عايش حياتي بشكل طبيعي 

تابع بوعيد وهو يقول:
- اوعي تكوني  فاكرة إني مش هعرف حكايتك اتقلي عليا يا حلوة اوصل بس وهعرفك مين هو حسين القصاص االي كان موقف الحارة كلها على رجل يتقفل علينا باب واحد و بعدها كل حاجة هتبان .

******
بعد مرور عدة ساعات 

كان " نصار" يبدل ملابسه ليستقبل العزاء في عمه طرقات خفيفة ثم أذن بعدها للطارق بالدخول تفاجئ بها تقف وسط الحجرة و تتحدث بنبرة هادئة عكس التي كانت عليها قبل وصولها الصعيد،  سألها بهدوء قائلًا:
- خير؟ 
-وهيجي منين الخير و أنت عاوز تحبسني مع واحد شمام في بيت لوحدنا ؟ 

رد " نصار" بإبتسامته الساخرة و قال: 
- الشمام ديه يبجى چوزك ولا أنتِ ماوخدش بالك ؟ 

جلس على الأريكة ليرتدي حذائه أما هي بدأت  مسلسلها الذي لم تكل ولن تمل منه حين قالت:
- حسين مش جوزي و أنا مبحبوش ولا راضية على الجوازة دي اخويا اللي منه لله جوزني بالعافية 

يبجى چوازك باطل منيه 

قالها "نصار" وهو يضع عبائته السوداء على كتفيه ثم نثر العطر،  أما هي حالة من الصدمة تلبستها حين أخبرها ببطلان زواجها،  كاد أن يذهب من غرفته لكنها قبضت على ذراعه و نظرت للأعلى نظرًا لفارق الطول الشاسع بينهما  ثم قالت بنبرة تملؤها الدهشة و الذهول 
- يعني إيه جوازي باطل ؟ طب والمأذون  و الشهود كل دول يبقوا إيه  كلهم باطل مزورين ؟

تنهد بعمق ثم قال بهدوء:
- لا مش مزورين بس الچواز أساسه الرضا و الجبول ومادام في طرف من الطرفين مرضيش على الچوازة تبجى باطلة .
- طب ولو أنا رضيت  بالجوازة من حسين يبقى كدا بقى رسمي وشرعي خلاص ؟ 

نظر لها نظرة مطولة ثم قال بفضول:
- أنتِ عمرك كِده إيه ؟ 
- تمناتشر سنة بتسأل ليه ؟ 
- مچرد سؤال مش أكتر عموما اجفي چار چوزك و خليه يطلع من اللي هو في ديه و بعدها نشوف هتكملي وياه ولا

ردت" وصال" و قالت بذعر من وعيد زوجها لها 
- لا مش هكمل ومش هقف جنب حد دا بيتعاطى مخد رات و مش أي نوع دا الآيس يعني سكة االي يروح و ميرجعش 
- و أنتِ عرفتي منين الحاچات ديه ؟ 

أجابته بحزن :
- ما أنا اخويا بيتاجر فيهم 

رد بنبرة ساخرة 
- أنعم و أكرم على النسب اللي يشرف بصحيح يا حسين يا واد عمي .
- ربنا يسامحك أنت ليك حق تقول كدا ما هو أنت متعرفيش اللي فيها .

كاد أن يغادر لكنها استوقفته قائلة:
- مش هتحل لي موضوعي مع حسين 
- بعد العزا يبجى نشوف الموضوع ديه 

ما أن خرج من غرفته ضغطت على شفتاها بتفكير إلى أن اهتدت لأحدى الأفكار الشيطانية خرجت هي الأخرى متجهة حيث حجرتها قبض على ذراعها و قال بجنون :
- كنتي بتعملي إيه في أوضة نصار ؟ 
- بلاش يا حسين عشان أنا لما بتكلم مبتصدقنيش و 
- بقلك كنتي بتعملي إيه ؟ 

قالي جوازك باطل من حسين و لو حابة تتطلقي أنا هساعدك بس ابقي تعالي بليل بعد العزا في اوضتي و أنا هشوف الموضوع دا 
- يعني إيه ؟ 
- شوف أنت بقى يعني إيه واحد بيطلب من واحدة متجوزة تروح له اوضته بليل في المتأخرعشان يساعدها تتطلق من جوزها .


               الفصل الثالث من هنا 


تعليقات