
رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الاول 1 بقلم هبة نبيل
لا أتذكر شيئًا... إلا الخوف
لم تكن تتذكر سوى القليل...
الضوء الساطع في سقف المشفى، رائحة المطهّرات، والأصوات المبهمة القادمة من الممر.... فقط كانت تعلم انها ستخرج اليوم اخيرا بعد ايام طويله من العزله والعلاج
لم يكن الشارع مزدحمًا ذلك المساء، لكنه كان مريبًا كفاية ليجعل نبضها يعلو كطبول الحرب.
السماء ملبدة بغيمٍ ثقيل، الهواء يحمل برودة غريبة في عزّ الليل، وكأن شيئًا في الجو يوشك أن ينفجر.
خطت فرح خارج بوابة المشفى بخطى مترددة.
يدها تمسك بحقيبة صغيرة لا تتذكر ما بها، وذهنها مشوش لا يلملم له صورة واحدة مكتملة.
اسمها فقط ما تعرفت عليه من احدي الاطباء... "فرح". نعم هذا هو اسمها فرح
باقي التفاصيل؟ مجرد شظايا.
حادث... فقدان ذاكرة مؤقت... أسئلة دون إجابات.
لكن الإحساس بالتهديد كان حاضرًا، رغم كل هذا الفراغ.
أحسّت أن أحدهم يراقبها.
لم تكن هذه المرة الأولى، لكنها كانت الأكثر وضوحًا.
أدارت رأسها بخفة، ومن طرف عينها لمحته... رجل في منتصف العمر، يرتدي قبعة ونظارات سوداء، يسير خلفها ببطء كمن يترصّد بفريسة.
تجاهلته أول مرة.
ثم أبطأت خطواتها فجأة، توقف.
حين أسرعت، أسرع.
هنا، لم يعد للشكّ مكان.
ركضت.
ركضت بكل ما تبقي في جسدها من طاقة، تحمل حقيبتها التي لا تعرف عنها شيئًا، تجري وسط المارة كمن يهرب من ماضٍ مجهول أو موت مؤجّل.
وصوته... صوت خطواته خلفها، لم يفارقها.
عند أول إشارة مرورية، توقفت سيارة سوداء فخمه
كان السائق منشغلًا، يحدّق في المشهد عبر الزجاج الأمامي بندهاش—رأى فتاة تركض بجنون، ورجل يركض خلفها.
فتح فمه، همّ أن يترجّل ليساعدها...
لكن قبل أن يتخذ أي خطوة كانت اختفت في العدم رفع حاجبيه وهم ان يشغل المحرك مجددا ويسير ولكنه التفت إلى المقعد المجاور له، فوجدها جالسة، تلهث، تتشبث بالحقيبة، وتقول بصوت متقطّع:
"امشي... بالله عليك، امشي حالًا!"... قالتها فرح بخوف
نظر إليها بذهول وقال....
"إيه ده؟ انتي مين؟ ودخلتي هنا ازاي؟!"
فرح بخوف:
"من شوية... كان باب العربية مش مقفول كويس... والنبي امشي، الراجل اللي ورايا مش طبيعي!"
رغم فوضى اللحظة، قرأ الصدق في عينيها.
ضغط على دواسة البنزين، وتحرك بالسيارة مسرعًا، وهو لا يزال يتساءل: من هذه؟ وماذا يحدث بحق الجحيم؟
مرت دقائق من الصمت، فقط صوت أنفاسها المتقطعة يملأ الجو.
ثم تمتم قائلاً لكسر هذا الصمت:
"أنا اسمي حسام... إنتي تمام؟ انا لسه مش فاهم أنا دخلت في إيه؟" وانتي مين وايه اللي وراكي
أجابت وهي تضع يدها على رأسها:
"أنا نفسي مش عارفة... كنت خارجة من المستشفى... كنت خارجه من حادثة ومش فاكرة أي حاجة تقريبًا، بس لما شفت الراجل ده... حسيت إني شفت الوش ده قبل كده... في كابوس يمكن؟ أو في لحظة حقيقية؟ مش عارفة..." كل اللي اعرفه ان أسمي فرح
حسام: "وإيه اللي مخليكي متأكدة إن وراكي خطر؟"
فرح: "ماهو حسّيت إني مترقّبة... ولما مشيت، مشي ورايا، ولما جريت... جري. كأن في حاجة أنا نسياها، بس هو فاكرها كويس."
هزّ حسام رأسه بتفكير.
لم تكن تبدو مختلّة أو تهذي ولم يبدو عليها انها محتاله
هناك توتر حقيقي في صوتها، عينان تحاولان استرجاع ذكرى دفنتها الصدمة.
سألها بعد لحظة صمت:
"طيب... تعرفي عنوانك؟ بيتكم فين؟ أوديكي، يمكن تفتكري..."
هزّت فرح رأسها بأسى:
"ولا فاكرة حتى شكله... ولا فاكرة مين بيحبني ومين ممكن يقتلني."
ابتلع حسام ريقه بصعوبة. كان قد قرر توصيلها فقط، لكنه الآن لم يعد يستطيع تركها فقال له بيأس:
"بصي... أنا اكيد مش هينفع أسيبك كده. تعالي معايا بيتي لحد ما نشوف هنبدأ منين. ونشوف موضوع المستشفى والبلاغات وكده بعدين."
فرح مقاطعا بشك: بيتك..؟
نظرت إليه في دهشة.
"هتسيبني أدخل حياتك كده؟ وإنت متعرفنيش؟" يدوب تعرف اسمي
ابتسم ابتسامة خفيفة رغم التوتر:
"ماهو واضح إن حياتي دخلت في حياتك فعلا... من غير ما تستأذن."
قالتها بصوت خافت وهي تشيح بنظرها:
"أنا آسفة... بس كنت بجد حاسة إني هضيع."
أجابها بنبرة صادقة:
"ماهو باين عليكي... وإن شاء الله مش هتضيعي وأنا مش هسيبك اكيد لحد مانفهم."
ومع انحراف السيارة نحو طريق بيته، لم تكن فرح تدري أن دخولها تلك السيارة لم يكن بداية للهروب من الخطر... بل أول خطوة نحو دائرة الشر، التي ستبتلعها، ببطء، وبلا رحمة.
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا