قصة الشخصية المحذوفة البارت التاسع 9 والاخير بقلم احمد عصام أبوقايد


قصة الشخصية المحذوفة البارت التاسع 9 والاخير بقلم احمد عصام أبوقايد



الحقيقة الملعونة 
________________

ساد صمت ثقيل… صمت بدا وكأنه يمتد عبر الزمن نفسه.
أحمد لم يتحرك، لم يستطع حتى أن يرمش…
 كان يحدق في المرآة، في ذلك الدفتر الأسود الذي لم يكن موجودًا منذ لحظات. 
لم يكن مجرد دفتر، كان رسالة…
 كان تهديدًا صريحا وواضحا !!
يداه بدأتا ترتجفان، أنفاسه تعثرت في حلقه، وعقله يصرخ: "مستحيل! أنا أنهيت القصة!"
لكنه لم يكن بحاجة إلى دليل آخر…
 لأن الصفحة الأولى من الدفتر انقلبت من تلقاء نفسها من جديد !!
وبخط قاتم، كانت هناك جملة جديدة:
"مرحبًا مجددًا يا أحمد… 
هل ظننت حقًا أنك تستطيع إنهاء هذا؟"

في تلك اللحظة، عاد الصوت. 
الصوت الذي لم يكن من المفترض أن يسمعه مجددًا. كان يأتي من كل مكان…
 تمامًا كما حدث في الغرفة 7.!

والذي كان يردد وبلا توقف :
"أحمد… الباب اتفتح خلاص."

عقله أصابه الذعر، أنفاسه تسارعت، وأصابع يده قبضت على حواف الدفتر حتى كاد يمزقه…
 لكن لم يكن هناك مفر.
كل ما حدث… كان مقدمة فقط.!

والآن… 
اللعبة بدأت من جديد.
************                          
فلاش باك : (قبل سنوات – بداية اللعنة)
داخل مستشفى النور، كان هناك جناح سري لا يعرف عنه أحد.
الجناح الذي احتُجز فيه طفل صغير كان يتحدث مع شخص لا يراه أحد…
إلياس..
في ذلك الوقت، كان د. ماهر الجندي مجرد طبيب مساعد، لكنه كان الوحيد الذي استطاع ملاحظة أن الأمر لم يكن مجرد تخيلات طفل يعاني من اضطرابات نفسية.

إلياس لم يكن مجرد صديق وهمي فحسب !
كما أن الطفل لم يكن عاديا أيضا ، فقد كان يعلم أشياء لا يمكن أن يعرفها طفل في سنه.!
حينها فكر الدكتور ماهر في فصل الطفل عن إلياس ..
وفي كل مرة حاولوا فصله عن "إلياس"… 
كان يحدث شيء مريع.
_أحد الأطباء اختفى دون أثر، ووجدوا جثته لاحقًا مشوهة في خزان المياه أسفل المستشفى.!
_ممرضة بدأت تتكلم بلغة غير مفهومة، ثم فقأت عينيها بأظافرها.!
_كاميرات المراقبة سجلت مشهدًا مستحيلًا…
 الطفل كان يتحدث إلى الفراغ، لكن عندما راجعوا التسجيل بالحركة البطيئة، ظهرت يد سوداء طويلة تمسك بكتفه.!

حينها أدرك د. ماهر أن الأمور خرجت عن السيطرة.
ويجب إنهاء كل شيء فورًا.
فتم إصدار قرار بإغلاق الغرفة 7… 
عندها…
 بدأ إلياس يتحدث معهم لأول مرة.!
جن جنون الدكتور ماهر فلم يكن من المفترض أن يكون موجودًا.
 علي الأقل بشكل مادي وبهذه القوة.
لكنه ولسوء الحظ  خرج من الظلام…
"أنا مش مجرد خيال… أنا الحقيقة اللي حاولتوا تنسوها.".. كانت آخر ما قاله إلياس قبل تنفيذ قرار غلق الغرفة ٧ .

وفي الليلة التي أغلقوا فيها الغرفة 7…
اختفى الطفل.!
لم يجده أحد !
لم يظهر اسمه في أي سجل رسمي بالمستشفي !
وكأنه لم يولد من الأساس.!

لكن وبعد سنوات…
عاد.
عاد وهو رجل راشد..أسمه أحمد !
********************                
          
فلاش باك (قبل أيام- يوم اختفاء أحمد ويحيي وسارة):
سارة كانت تمسك بيد يحيى بقوة وهي تستند عليه بتقوم من علي الأرض وهي تنظر حولها في رعب .
 ثم قالت بصوت متحشرج من الألم :
" أيه اللي حصل ؟..إحنا مش كنا في الغرفة مع أحمد؟ أيه اللي رجعنا بره الغرفة من تاني؟!"
وأمسكت رأسها وهي تتألم!
فرد يحيي الذي كان مشدوها .. شاردا .. تائها لا يعلم ماذا يحدث وقال :
" مش عارف .. أنا كل اللي فاكره لما الياس ظهر وحسيت بسلم رهيب في كل جسمي وسمعت صراخكم أنت وأحمد ،فجأة الدنيا ضلمت في عنيا وأختفي كل شئ ،فوقت لقيت نفسي هنا .. بره الغرفة".
ثم أستطرد وهو يبحث حوله في توتر وقال:
 " هو فين أحمد؟!"
نظرت ساره حولها في قلق وقالت:
 "مش عارفه لما فوقت مالقيتش حد غيرك معايا هنا"
نظر كلاهما لنهاية الممر...
نحو الغرفة 7 التي كانت مفتوحة.
فقال يحيي :
"أنا هدخل الغرفة تاني أكيد أحمد جواها ..دا صاحبي ومش هسيبه مهما حصل "
فأمسك به سارة بقوة وقالت:
"أنت مجنون؟!..تدخل الغرفة الملعونة دي تاني أزاي ..أكيد أحمد مش جوه"
شعر يحيي بالغضب وأفلت عنه يد سارة بقوة وقال:
" أنا ماطلبتش منك تيجي معايا..أنا داخل مش هسيب صاحبي وأمشي أبدا "
وقبل أن تنطق سارة ،رأت ما جعلها فاغرة فاها جاحظة العينين.!!

فمن الغرفة ٧ التي كان يود يحيي الدخول إليها للتو، خرج طفل صغير… 
طفل كان بنفس ملامح أحمد ، لكن عيناه كانتا سوداوين بالكامل.!
ابتسم الطفل ، ثم قال بصوت هادئ:
"اللعبة لسه مخلصتش."!
ثم… 
انطفأت الأضواء.
               ***********************
(قبل دقائق – العودة مرة أخرى لغرفة أحمد):
وقف أحمد أمام المرآة، يحدق في الكتاب الأسود الذي لم يكن موجودًا منذ لحظات. قلبه ينبض بجنون، وكأن عقله يرفض تصديق ما يراه.
لكنه لم يكن بحاجة إلى دليل آخر…
لأن الصفحة الأولى من الكتاب انقلبت من تلقاء نفسها.

كلمات جديدة حفرت نفسها على الورق بلون أحمر داكن… لون الدم.
"مرحبًا مجددًا يا أحمد ، هل ظننت أنك تستطيع إنهاء هذا؟"

حاول أحمد أن يبتعد ، أن يشيح بنظره عن تلك الكلمات، لكن يديه تحركتا وحدهما، كأنهما مسيرتان بقوة خفية، وأمسكتا بالكتاب.!

وفي اللحظة التي لامست فيها أصابعه الغلاف ، انبثق صوت من العدم قائلا :
"أحمد… الباب اتفتح خلاص."
لم يكن صوتًا عاديًا.
 كان يتردد داخل رأسه، ينساب عبر عروقه، وكأن شخصًا يهمس داخل قلبه نفسه.!

ثم… 
انفجر الضوء من المرآة!
لم يكن مجرد انعكاس، بل دوامة سوداء امتصت الغرفة كلها، سحبته إلى الداخل، حتي قبل أن يصرخ!
تحسس أحمد الأرضية الباردة وهو ينهض ببطء.
 كان المكان مظلمًا، لكنه ورغم ذلك كان يعلم هذه المرة أين هو !!
ذلك المكان المقبض الملعون ..
الغرفة ٧ .
شعر بإنقباض في قلبه وقشعريرة تملكت منه وسرت في كل أوصاله ..
وشعر أيضا بأنه ليس وحده في هذا الظلام الدامس.
فعلي مقربة منه كان هناك شخص يجلس على كرسي متحرك ، رأسه مائل للأمام، وأنفاسه بطيئة كأنها تأتي من عالم آخر.!
تجمد أحمد في مكانه للحظات قبل أن يتقدم نحوه في خوف ..
وعندما أقترب منه شعر بأن كل خلية في عقله ستنفجر من تدفق لومضات الذكريات التي تجري بسرعة جنونية داخل عقله!!
فهذا الرجل ليس أي رجل ...
"د… د. ماهر؟" هكذا قالها أحمد بتلعثم وهو في قمة الهلع لا يفهم ماذا يحدث!

ببطء شديد، رفع الرجل رأسه.
فدقق أحمد فيه النظر ...
لم يكن كما يتذكره.
كان وجهه شاحبًا، عظامه بارزة، وعيناه غائرتان، كأنه محبوس هنا منذ عقود…

ثم…ابتسم الرجل .
"كنت مستنيك، أحمد." قالها الدكتور ماهر بصوت ضعيف .
لم يستطع أحمد أن يتحرك. 
كانت قدماه كأنهما مزروعتان في الأرض، وعيناه معلقتان بذلك الوجه المنهك الذي لم يكن يجب أن يكون هنا.!

لكن فجأة، تحدث د. ماهر مرة آخرى قائلا:
"أنت فاكر إنك اخترت تيجي هنا بإرادتك، صح؟"
حينها شعر أحمد بقشعريرة تجتاح جسده دون أن يرد عليه .
فتابع د. طارق بابتسامة أكثر شحوبًا وقال :
"هو اللي جابك… زي ما جابني أنا من قبلك."
فجأة ...
وقف الدكتور ماهر علي قدميه وعادت إليه عافيته وكأنه شخص آخر غير الذي قابله أحمد للتو !!
شعر أحمد بالرعب مما حدث فكيف تحول ذلك الجسد الأقرب للموتي فجأة إلي رجل سليم معافي في دقائق...
شعر الدكتور ماهر بما يدور في خلد أحمد ، ولكنه لم يعر الأمر إهتماما وقال وهو يدور بخطوات بطيئة في الغرفة :
"عارف الحقيقة يا أحمد؟ ، أنا جزء منها."
تجمد الدم في عروق أحمد من هول ما سمع وقال : "إنت بتقول إيه؟! ، أنت السبب في اللعنة دى؟!"

نظر إليه د. ماهر بعينين مملؤتين بالسواد، ثم قال:
"إنت كنت هنا قبل كده… لما كنت طفل ..فاكر؟"

شعر أحمد برعشة باردة تسري في جسده، وكأن شيئًا ما استيقظ داخله.!

تابع د. ماهر قائلا:
"أنا اللي كنت مسؤول عن حالتك…
 كنت واحد من الدكاترة اللي حاولوا يعالجوك من الهلاوس اللي كنت بتشوفها."!

بدأت الغرفة تهتز ببطء، كأنها تتنفس معهم. 
أحمد تراجع خطوتين للوراء في ترنح إثر ما يسمعه ..
 تابع د.ماهر:
"كنت طفل صغير، بتتكلم مع حد محدش غيرك شايفه ولا سامعه.. إسمه إلياس"

شهق أحمد، وشعر كأن أنفاسه انقطعت للحظة.
فأستطرد الدكتور ماهر قائلا :
"كنتم بتلعبوا مع بعض… بتتكلموا بالساعات، وكنت بتقول إنك بتروح معاه أماكن مش موجودة."!

رفع أحمد يده إلى رأسه، شعر وكأن جمجمته على وشك الانفجار من الألم.
تابع الدكتور ماهر وعيناه معلقتان بأحمد وقال :
"وقتها الكل كان فاكر إنها مجرد هلاوس .. أو فصام .. مرض نفسي عادي زي أي مرض بنشوفه في شغلنا "
صمت الدكتور ماهر للحظات ثم تابع قائلا :
" لحد ما بدأت ألاحظ حاجات غريبة بتحصل في المستشفي زي موت الدكتور اللي لقينا جثته في خزان المياه"
سقط أحمد علي ركبتيه وهو لازال ممسكا برأسه من شدة الألم.
تابع الدكتور ماهر وقال :
"وقتها بدأت أحس أن الموضوع أكبر من أنه مجرد مرض وخصوصا لأن الدكتور دا كان كل اللي عمله هو إنه حاول يعاقبك لما كان في جلسه من الجلسات بيتكلم معاك وانت في نفس الوقت كنت بتتكلم مع علياء بدون ما تديه أي أهتمام ، وقتها الدكتور أتضايق لأنه حس إنك مش بتحاول تتعاون معاه عشان تتعالج وقرر إنك لازم تاخد جلسات كهربا ... واللي كنت انت بتخاف منها."
حينها شعر أحمد بتلك الصعقات الكهربائية وكأنه يتعرض لها في رأسه وتسري الصاعقة لباقي جسده!
ألم رهيب.. لا يستطيع أحد تحمله !
فقط أحمد بكامل جسده علي الأرض في وضع الجنين محتضنا ركبتيه تاره ومتخشبا تارة أخرى!!
وكأن الذكريات عندما عادت له من جديد ، كان يشعر بألامها لحظة بلحظة !
تابع الدكتور ماهر بعد أن خطا نحو أحمد خطوتين مقتربا منه وقال وهو يتابعه بعينيه :
" وقتها قعدت أدور كتير وأبحث لحد ماكنت قربت احس بالإحباط، فجأة جاتلي فكرة أدور في الأرشيف يمكن ألاقي حاجه تشبه حالتك..لحد ما لقيت طرف الخيط كان فيه حاله شبه حالتك بالظبط لكنه مات ..
مات موته غريبه جدا.. مات محروق لدرجة إنه تفحم تماما متغير أي نار أو أثار حريق في المكان ..والأغرب ان الحادثة دي كانت في الغرفة ٧ ."
"وقتها وصلت الطرف الخيط.. الغرفة ٧ كانت هي طرف الخيط .. الغرفة ٧ كانت هي مملكة إلياس ..أو بمعني أدق دا اللي فهمته وقتها !"
بدأت تخف حدة الألام عن أحمد تدريجيا ، فأستند بيده علي الأرضية محاولا الجلوس ، لكن رأسه لازال يؤلمه..
تابع الدكتور ماهر :
" وقتها وبعد فترة طويلة من البحث عرفت حاجات كتير ، وإتأكدت من ضرورة شئ واحد ... كان لازم أفصلك عن إلياس قبل ما تحصل مصيبة أكبر أو ينتهي الأمر بموتك زي الحالة اللي قبلك..ولما حاولنا نفصلك عنه… بدأ كل شيء يخرج عن السيطرة."

جلس الدكتور ماهر علي ركبتيه بجوار أحمد ثم تابع بصوت منخفض، وكأنه يهمس بسر مميت:
"لأنك مش بس كنت متصل مع إلياس…ولا أنت زي الحالة اللي كانت قبلك.. إنت كنت المفتاح."

ارتجف أحمد وهو يهمس: "مفتاح لإيه…؟!"
أغمض د. ماهر عينيه، وكأنه يتذكر شيئًا مريعًا، ثم قال:
"البوابة… بوابة العالم الآخر. 
وأنا بدور وببحث وصلت لمعلومات كتير خطيرة عن علاقتك بإلياس وايه السر في إختياره ليك  … ووقتها، اكتشفنا إنك مش مجرد طفل عادي يا أحمد."

تسارعت أنفاس أحمد. "أنا… إيه؟!"

نظر إليه د. ماهر نظرة مرعبة، ثم قال:

"إنت الشخص اللي كانوا مستنيينه من زمان… الشخص اللي يقدر يفتح البوابة."
"بوابة أيه ؟..وأشمعني أنا؟!..أنا مش فاهم حاجة!" قالها أحمد بغضب مع حشرجة بكاء .
فرد الدكتور ماهر بعد أن نهضة من الأرض قائلا:
" مش هينفع أقولك أكتر من اللي قولته يا أحمد"
ثم مد يده لأحمد ويساعده علي النهوض ، بتردد أحمد قبل أن يمد يده إليه ، ولكن الدكتور ماهر أمسك بيده مساعده علي النهوض دون انتظاره.
ليقف كلا منهما في مواجهة الأخر ويتابع الدكتور ماهر بعد أن يقترب من أذن أحمد بيقول بصوت منخفض :
"أنت مش عارف أنت بتتعامل مع مين ولا البوابة دي بالذات تخص مين يا أحمد..الموضوع أكبر مني ومنك ومن كل البشر! ..الموضوع حرب وجود ونزاع موجود من قديم الأزل ومش هيتوقف!.. بس أكيد هتعرف كل شئ هناك دا أقصي اللي ممكن أقولهولك "
نظر إليه أحمد في تعجب قائلا :
"هناك فين ؟!..وهفهم أيه؟!"
وفجأة وبدون سابق إنذار وقبل أن يرد الدكتور ماهر..
 انفتح الحائط أمامهما، ليكشف عن فراغ كامل يمتد إلى ما وراء العقل البشري.
وفي وسطه، كان يقف إلياس وعلي وجهه تلك الإبتسامة المرعبة.
شعر أحمد بجسده يُسحب نحو ذلك الفراغ.
حاول الصراخ، لكن صوته لم يخرج.
ثم… 
سمع تلك الأصوات المتشابكة المرعبة مرة آخرى تقول :

"البوابة فُتحت."
"أحمد هو المفتاح."
"العالم القديم سيعود."

ثم… 
اختفى كل شيء.
                  ***********************
في وقتنا الحالي (بعد أسبوع – مكان لا أستطيع البوح به)

رجل خمسيني كان يجلس على مكتبه في مكتبة قديمة، يفتح صندوقًا مغلقًا بإحكام.
وبداخل الصندوق، كان هناك دفترا أسود، محترق عند أطرافه ..

فتحه بفضول وتصفح الصفحة الأولى منه ، وقرأ الكلمات المكتوبة بخط يد مرتجف:
"أنا كنت المفتاح… وإلياس كان الحارس."
"وكل ما حدث… سيحدث مجددًا."

الرجل شعر بشيء خلفه.
وقبل أن يلتفت…
انطفأت الأضواء.!
             


                   تمت بحمد الله 

تعليقات