قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت العشرون 20 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت العشرون 20 والاخير بقلم احمد عصام أبوقايد
قرار البوابة
_____________
عندما انحسر الضوء، وجد أحمد نفسه واقفًا في مكان لم يكن مألوفًا هذه المرة، ولكنه وفي نفس الوقت شعر وكأنه كان هناك من قبل !
كان فضاءً ممتدًا، أرضيته من حجر أسود ناعم، وسقفه…..
مهلا .. لم يكن هناك سقف، بل فراغ يعج بنجوم تتحرك ببطء، وكأنها تتنفس !
لكن ما جعله يتجمد في مكانه لم يكن هذا…
بل الشخص الذي كان يقف أمامه حينها ...
لقد كان إلياس !
لكنه ليس إلياس الذي يعرفه والذي كان معه في كل خطوة داخل هذا العالم.
ولم يكن أيضا مجرد ظل هذه المرة، أو شبحًا يهمس في أذنه من العدم !
كان إلياس كاملًا، متجسدًا، ينظر إليه بعينين عميقتين، تحملان شيئًا لم يستطع أحمد فهمه على الفور.
"وأخيرًا… وصلت."
قالها إلياس بصوت هادئ، له صدى ثقيل وكأنه قادم من عصور قديمة !
لم يرد أحمد.
فقد كان لا يزال يحاول استيعاب ما يحدث.
كان يتملكه إحساس جديد بداخله، شيء مختلف…
شيء ينبض بداخله بقوة لم يشعر به من قبل..
تقدم إلياس نحوه بخطوة، ثم أضاف:
"دلوقتي… لازم تعرف الحقيقة كلها."
وفجأة...
بدأ المكان يتحول من حولهم !!
الأرض تلاشت، والفضاء تمزق، ووجد أحمد نفسه داخل مشهد آخر…
مشهد لم يره من قبل، ولكنه شعر به كما لو كان جزءًا من ذاكرته !!
كان يرى مدينة…
لكنها لم تكن من عالمه.
مبانٍ شاهقة، لكنها ليست من حجر أو زجاج، بل من مادة سوداء تتحرك وكأنها حية.
السماء فوقها كانت مشتعلة بلون أحمر داكن، والهواء كان يملؤه صدى أصوات غريبة، أو بالأحري همسات لا يفهمها لكنها تملأ عقله باضطراب !!
"دي المدينة الأولى."
قالها إلياس وعينيه تراقبان المشهد.
ثم أضاف قائلا :
"دي البداية… ودي النهاية."
شعر أحمد بقلبه يخفق قبل أن يقول :
"مدينة إيه؟ مش فاهم؟"
التفت إلياس إليه، وابتسم ابتسامة خفيفة وقال :
"دي المدينة اللي بدأ منها كل شيء… ودي المدينة اللي لازم تروحها… عشان تنهي اللي بدأته."
أحمد لم يستطع الرد، لكن داخله كان يخبره بشيء واحد فقط…
لقد تجاوز نقطة اللاعودة.
ظل أحمد يحدق في المدينة، وقلبه ينبض بعنف، وكأن كيانه بالكامل يدرك أنه يقف على عتبة شيء لا رجعة فيه.
لم يكن هذا مجرد مكان آخر في العالم الآخر… هذه كانت وبحق "النقطة الفاصلة"، كما وصفها إحساسه الغريب !!
نظر إلياس إليه بتمعن، وكأنه يراقب أفكاره تتشكل ، ثم قال بصوت هادئ :
"أحمد… قرارك هنا هو اللي هيحدد كل حاجة. تقدر ترجع، تقدر تكمّل… بس لو كملت، مفيش رجوع."
كان هناك شيء في طريقة كلامه جعل أحمد يتساءل.
هل كان إلياس يعرف أكثر مما يقول؟
هل كان يخفي شيئًا طوال الوقت؟!
"إنت عارف أنا إيه ؟، وأيه اللي بيحصلي ، مش كده؟"
سأله أحمد وعيناه لم تفارقا المدينة المظلمة.
إلياس لم يرد ، فقط ظل محدقا فيه...
فعاد أحمد ليسأله مرة أخرى قائلا :
"طيب، ولو دخلت المدينة؟ إيه اللي هيحصل؟"
إلياس لم يجب فورًا.
بدا وكأنه يفكر، أو ربما كان يزن كلماته بعناية.
وأخيرًا وبعد مدة ظن فيها أحمد إنه لن يرد فجأة قال:
"هتعرف كل حاجة،و هتشوف كل حاجة، وهتبقى جزء من كل حاجة."
شعر أحمد أن هذا الرد كان أسوأ من أي إجابة مباشرة !
لكن في داخله، كان يعرف أنه لم يكن هناك خيار آخر.
لو لم يدخل لن يفهم أبدًا… ولن يستطيع إنهاء ما بدأه.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم خطا إلى الأمام.
وبمجرد أن وضع قدمه علي أرض المدينة، شعر بشيء يسري في جسده…
كأن آلاف الأيدي امتدت من الفراغ تلمسه، تحلله، تتغلغل في داخله !
الهواء كان أثقل، وكأن العالم نفسه يحاول أن يجذبه للداخل !
التفت لينظر إلى إلياس، لكنه لم يجده…
كان قد اختفى !
لم يكن هناك إلا المدينة…
والظلال التي بدأت تتحرك بين شوارعها !
شجع نفسه وحاول ان يتخطي مخاوفه وبدأ يتحرك...
فشعر بأنفاسه تتباطأ وهو يسير في شوارع المدينة المظلمة.
لم تكن مجرد مبانٍ مهجورة، بل كانت أشبه بكائنات حية تتنفس معه، تراقبه، تنتظر قراره الأخير !
فجأة سمع أصوات تهمس من كل الاتجاهات، لكنه لم يستطع فهمها.
كانت كأنها أجزاء متفرقة من ذاكرته...
وكأن شيئًا يحاول إعادة بناء قصته !
وفجأة…
برز أمامه باب حجري عملاق، تغزوه رموز غامضة تنبض بطيف أحمر خافت، وكأنها تحذّره من الاقتراب !
تسمّر في مكانه وقلبه يخفق بجنون.
إما أن يعبر… أو يترك اللعنة تنهش روحه إلى الأبد.
رفع يده، ثم وضعها على سطح الباب.
وعلى الفور، اجتاحت جسده موجة من الرؤى، كأن روحه تمزقت إلى أجزاء، كل جزء يرى واقعًا مختلفًا.
رأى نفسه في منزله القديم…
رأى سارة، رأى يحيى…
رأى الدكتور ماهر...
رأي نفسه ممدا على سريرٍ في مستشفى قديم.
الأضواء تتقطع…
أجهزة المراقبة تصدر صفيرًا عشوائيًا…
والدكتور ماهر يصرخ في الخلفية:
"افصلوه حالاً… إحنا بنتعامل مع كيان، مش حالة!"
ثم رأى نفسه طفلًا مربوطًا في السرير، والصدمات الكهربائية تضرب جسده…
صرخة من الماضي تصم أذنيه، ثم صمت قاتل.
و رؤية أخرى:
ظل ضخم خلف أحد الأطباء.
وجه الدكتور ماهر مشوّه من الرعب.
يده تمسك ملف أحمد، وعليه مكتوب بخط أحمر:
"المفتاح – حالة الغرفة ٧"
ثم صوت إلياس يعود:
"من أول يوم شافوني… عرفوا إنك النهاية والبداية."
عاد أحمد إلى وعيه… والباب أمامه.
كان كل شيء أمامه الآن واضحًا.
هو لم يكن مريضًا… لم يكن ضحية…
بل كان "المخطط".
"أنا مش هكون باب لأي كيان."
قالها، ثم هم ليلمس الباب ،وقبل أن يلمسه سمع صوتا :
"أحمد…"
جاء الصوت من خلفه.
صوت مألوف، لكنه لم يكن بشريًا بالكامل !
استدار ببطء…
فرأى إلياس، لكنه هذه المرة لم يكن كما كان.
لم يكن سوى ظل متغير الشكل، ملامحه تتحرك بلا استقرار، وعيناه…
عيناه كانتا مثل الفراغ، لا نهاية لهما !
"دلوقتي بس هتعرف… إنت مين فعلاً."
الباب انفتح…
وأحمد دون تردد، عبر إلى الداخل.
وما رآه هناك… كان بداية كل شيء.
وجد أحمد نفسه في الفراغ المظلم، يشعر أن كل شيء حوله ينهار ويتشكل من جديد.
الباب الحجري أمامه، مفتوح نصف فتحة، والعيون التي تراقبه من الداخل لم تعد مجرد ظلال…
بل كانت انعكاسات له، أو بالأحري لنسخ منه لم يعشها أبدًا !
ثم جاء الصوت…
وهذه المرة صوته هو!!
نعم .. صوته هو لكن الغريب أنه لم يصدر منه.
"الوقت انتهى، يا أحمد… أنت اللعنة، وأنت المفتاح..."
حينها بدأت الذكريات تنهال عليه، لكنها لم تكن مجرد مشاهد عشوائية…
بل كانت قطعًا من الحقيقة المفقودة التي تم إخفاؤها عنه.
رأى أسلافه، رأى المحاولة الأولى لذلك الكيان لعبور العالم، وكيف كان هو أخر نسخ هذه السلالة.
لم يكن مجرد ضحية…
بل كان هو الغرض الأساسي لكل شئ ، كان الباب نفسه.
وقف إلياس على بعد خطوات، عينيه تحملان شيئًا لم يفهمه أحمد …
لم يكن خصمًا ... لم يكن خادمًا للكيان…
كان محاصرًا في هذه اللعبة منذ زمن، وكان يحاول دفع أحمد لاكماال دوره، حتى ينتهي كل شيء.
"أنا مش هكون بوابة لحد…"
قالها أحمد بصوت ثابت.
لكن الكيان لم يكن يحتاج إلى إذنه، بل كان ينتظر لحظة تقبله للحقيقة…
تحرك أحمد نحو الباب الحجري وهو ينظر إليه بثبات ...
اهتز الفضاء...
بدأ الباب في الانفتاح أكثر، والعالم الحقيقي بدأ يتداعى و يتغير.
كل شيء كان على وشك الانهيار.
لكن قد أحمد اتخذ قراره بالفعل .
فإن كان هو البوابة… فسيكسرها بنفسه.
تقدم بخطوات آخرى إلى الداخل… .
وعند تلك اللحظة، تغير كل شيء.
الصرخات...
الظلال التي كانت تحوم حوله ...
العيون…
كلها تبعثرت كذرات ضوء، كأن العالم يعيد ضبط نفسه...
لقد أختار أحمد بالفعل ...
ولكنه أختار ألا يرضخ لما خطط له الكيان !!
اختار أن ينهي اللعنة بيده ويقضي علي البوابة والمفتاح !
والكيان لم يعد قادرًا على العبور، لأن أحمد لم يعد موجودًا ليكون الوسيط.
وفي اللحظة الأخيرة…
كان آخر ما سمعه أحمد همسًا خلفه يقول :
"اللعنة مش بتنتهي… مهما حاولت ."
ثم… الصمت.
الفراغ ابتلعه ...
والأصوات خفتت، وكل شيء انتهى…
أو هكذا ظن الجميع.
...........................
(بعد أسبوع – مستشفى النور – الجناح القديم)
_____________________________
كان يحيى يجلس وحده في الممر الطويل، بجوار غرفة 7 المغلقة.
لم يكن أحد يصدّق روايته.
سارة ما زالت في حالة صمت، تائهة النظرات، لا تتحدث منذ أن خرجت من الغرفة.
لكن يحيى ...كان ينتظر شيئًا.
وبالفعل… عند منتصف الليل… سمع الخطوات.
خطوات صغيرة… كأنها خطوات لطفل!
التفت ببطء و قلبه يخفق، فوجد الطفل واقفًا عند نهاية الممر.
كان نفس الطفل…
نفس الملامح…
نفس العينين السوداوين.
الطفل ابتسم، ثم قال بصوت خافت:
"اللعبة لسه مخلصتش."
..........................
(في مكان آخر – خارج الزمن)
__________________
كان الفضاء ما زال يدور.
والعالم الآخر يعيد بناء نفسه من جديد.
داخل دائرة من الضوء والظلام، كانت هناك روح تهمس:
"حتى وإن ظنوا أن النهاية كُتبت… فكل بداية هي مجرد صفحة جديدة."
أحمد… لم يمت.
بل أصبح البوابة ذاتها.
وللأسف…
البوابة… لا تُغلق أبدًا…
.................................
وبعد فترة غير معروفة من الزمن.
_________________________
فتحت امرأة شابة باب غرفتها في مستشفى صغير.
حملت مولودها الأول بين ذراعيها، تنظر إليه بابتسامة هادئة.
لكن الطفل لم يكن يبكي…
كان فقط يفتح عينيه ببطء..
كان اسمه… أحمد
ينظر بعينين بدا وكأنها يعرفان أكثر مما ينبغي،أو كأن هناك شيئًا في داخله يعي أكثر مما يجب !!
وكأن الزمن دار...وعاد من البداية...
وبدأ كل شيء من جديد..
تمت بحمد الله
لقراءة جميع حلقات القصه من هنا
وأيضا زرونا على صفحة الفيس بوك
وايضا زورو صفحتنا سما للروايات
من هنا علي التلجرام لتشارك معنا لك
كل جديد من لينك التلجرام الظاهر امامك
وايضا زورو صفحتنا سما للروايات
من هنا علي التلجرام لتشارك معنا لك
تعليقات
إرسال تعليق