رواية طوفان الدرة الفصل الخامس والعشرون 25 الجزء الثاني بقلم سعاد محمد سلامه

      

رواية طوفان الدرة الفصل الخامس والعشرون 25 الجزء الثاني بقلم سعاد محمد سلامه


بمنزل طوفان
هنالك قلق ينهش قلب وجدان منذ أن غادرت درة خلف طوفان... حاولت نفض ذلك الإحساس عنها لكن ظل مرافق لها... حاولت الإتصال  على جود لكن لم ترد عليها... فكرت بالاتصال على بدرية وتتحجج بأي شئ وتتحمل سماجتها... بالفعل اتصلت عليها كان ردها شبه جاف، لكن أكدت ان جود بخير. 

أغلقت وجدان الهاتف مازال قلبها غير مُطمئن لكن لم تدع ذلك الاحساس يتوغل، نهضت ذهبت الى غرفة الضيوف تستقبل إحد نساء العائلة جائت لتقوم بدعوتها لحضور حفل زفاف إبنتها،كان قلبها شارد، لكن ما زالت تضغط على قلبها،تنفض ذلك الشعور السئ. 
❈-❈-❈
بالمشفي
تجمعت الدموع بعيني دُرة وهي تنظر الى طوفان بإستنكار يغص قلبها بألم  قائله: 
إفتكر كويس أنت اللى إتفقت مع شاهر وكتب كتابنا بدون علمي وقتها، مع ذلك قبلت بجوازنا  ولما عرفت إن حاتم متقدم لـ جود وقتها قولتلك إيه، وإنت قولت لى إنها موافقة بدون أي ضغط... حاتم طول عمري أنا وهو علاقتنا سطحية، عكس حسام، يمكن لانه أختار المدرسة العسكرية وكان بعيد عكس حسام اللى كان متربي فى بيت بابا ودايمًا قريب منه... 

قاطعها بغضب: 
قصدك كان قريب منك عشان توافقي تتجوزيه. 

غص قلبها وإبتلعت ريقها قائلة: 
أنت عارف مين كان السبب في موافقتي على الجواز من حسام... ومع ذلك... 

قاطعها بغضب أقوي: 
إنتِ اللى دايمًا كده يا دُرة مُتسرعة  وبتصدقي اللى على مزاجك ومش بتفكري بعقلك... ودلوقتي مالوش لازمه وجودك هنا، إرجعي البيت. 

مازالت تشعر بوخزات فى قلبها من طريقة طوفان القاسية لأول مره ترا ذلك الجانب منه معها، توقفت الدموع بين أهدابها، وقالت بتصميم: 
مش هرجع للـ البيت يا طوفان... 

-درة
قالها طوفان بعصبية لكن قاطعته دُرة بتصميم: 
مش هرجع البيت يا طوفان ولو مشيت من هنا دلوقتي... هرجع بيت بابا ومش هرجع بيت مهران تاني. 

تمركزت عينيهما في مواجهة صامتة...
عيون طوفان تشتعل بغضبٍ مكبوت، وأنفاسه تتسارع وكأنه يُحارب رغبة بداخله أن يصرخ، أن يهدم كل شيء حوله

بينما دُرة، فكانت تحدق فيه بعينين دامعتين ولكن ثابتتين،   تلمع  الدموع بعينيها تنتظر منه اماءة فقط، لكن طوفان 
تقدّم خطوة نحوها قائلًا  بصوتٍ منخفض مشحون بالغضب: 
بتهدديني يا دُرة... تمام. 

قبل أن ترد درة  حايد النظر لها ولم ييالي وتركها واقفة وذهب نحو غرفة جود... فتح الباب، رمقها نظرة أخيرة قبل أن يغلق الباب بوجهها.. 

شعرت درة بغصة قوية وعاندت جلست على أحد مقاعد الردهة... سالت دمعة من عينيها سُرعان ما مسحتها. 

بينما طوفان أغلق باب الغرفة ثم ذهب نحو جود نظر لها يغص قلبه يلوم نفسه، ليته كان أنهي طلب حاتم بالرفض وما أخذ رأي جود 
كيف تغافل عن أفعال حسام الدنيئة معه بسببه إفترق عن دُرة لولا لعبة القدر لكانت الآن بعيدة عنه... زفر نفسه وشعر بألم فى قلبه زائد من ناحية تلك العنيدة الأخرى... توجه ناحية باب الغرفة يتمني أن يفتح الباب ويجد دُرة  غادرت... 
لكن كما توقع حين فتح الباب ونظر بالردهة كانت دُرة جالسة لاحظ خلعها للحذاء، زفر نفسه بآسف وتجنب على طرف الباب، فقط يُشير لها بيده لتدخل الى الغرفة دون أن يتحدث... 
كانت دُرة تجلس تتكئ بظهرها على خلفية المقعد شعرت ببعض الألم الطفيف بقدميها فخلعت الحذاء، بمجرد أن سمعت صوت فتح باب الغرفه نظرت نحوها، سُرعان ما تبسمت من إشارة يد طوفان لها نهضت سريعًا وضعت قدميها بالحذاء وذهبت نحو الغرفة دخلت لداخلها، حتى أنها سمعت همس طوفان وهو يغلق الباب قائلًا: 
الصبر يااارب. 

غصبً ابتسمت وهي تجلس على آريكة بالغرفة. 
❈-❈-❈
أمام منزل حاتم
ترجل من السيارة يشعر بإنهيار وهو يسير مثل الشريد الذي فقد عقله، فتح باب المنزل يتمني الا يقابله أحد، لكن لسوء حظه... 
شهقت بدرية حين رأت منظر حاتم  وأثر الدماء الكثيف على ثيابه إقتربت منه بلهفة وقلق سائلة: 
حاتم جرالك إيه، إيه الدم اللى على هدومك ده، إنت بخير. 

نظر لها عيناه دموية، قائلًا بنبرة خسارة ويأس: 
للآسف أنا بخير. 

تنهدت بإرتياح قليلًا، بنفس الوقت جاء والده ونظر له بقلق، لكن سبقته بدرية بالسؤال: 
إيه سبب الدم اللى على هدومك  ده كله، كمان منظرك اللي يوجع القلب. 

نظر لها.. يشعر بثُقل فى لسانه خرجت منه كلمة واحدة: 
جود. 

لسانه توقف عن بقية الكلام، أكملت بدرية قولها ظنًا أنه يسأل عن جود تحدثت بطريقة 
فظة: 
البرينسيسة خرجت من الصبح راحت الجامعة ولحد دلوقتي  مرجعتش أكيد... 

قاطعها حاتم بعصبية: 
جود فى المستشفى. 

هلع قلب والد حاتم سائلًا: 
فى المستشفى  ليه إيه اللى حصل وإيه سبب الدم اللى على هدومك  ده، ساكت ليه، ومنظرك ده إيه سببه،هنطلع منك الكلام بالعافية. 

رمق والده بنظرة مشوشة، ثم جلس على أول مقعد كأن قدميه لم تعد تتحمل جسده، دفن وجهه بين يديه وقال بصوت مخنوق:
جود سقطت. 

صدمة لجمت والده وأذهلت عقل بدرية التي جلست جواره تضع يدها فوق فمها بذهول،بينما سأل والده بإستفسار: 
إيه اللى حصل لـ جود سقطت إزاي، ساكت ليه بتتكلم بالقطارة. 

بماذا يتكلم هو يود أن يكون بكابوس ويفيق منه، لكن للآسف إنه الواقع الذي حدث في الوقت الذي صدمه حين أراد ان ينهي ضغائن قلبه  لـ جود ويبدأ من بمشاعر أخيرًا فهمها، 
فاز براءة ونقاء جود  أن تسحبه نحوها، لقاؤه مع ماهيتاب اليوم، كان لوضع نهاية لعلاقته بها لن يجرح قلب جود ولن يجعل طفله يعيش بؤس ..بداية مشوهة... 
كان يُريد أن يُنهي كل ما مضى، أن يُنهي الماضي بشوائبه، أن يُغلق صفحة ماهيتاب للأبد، ولكن...
القدر دائمًا ما يختار التوقيت الخطأ
لم يتخيل أبدًا أن تتحول خطوته نحو اصلاح الحياة بينه وبين جود.... إلى صدمة تنغرز في قلبه مثل خنجر... 
رؤية جود اليوم، نظرتها، دموعها المكبوتة، كانت كافية لتُشعل داخله حربًا... بين رجلٍ أراد الإصلاح، وواقعٍ يُصر على معاقبته على نواياه السابقة... 
كيف يخبرها أن لقاءه بـ ماهيتاب لم يكن خيانة، بل ختامًا.... 
كيف يُبرر جروحه وقد لطّختها الدماء أمام عينيها
كيف يُنقذ قلبه الذي اختارها، بعد أن رآها تهرب  منه تمنى لو يصرخ، لو يُمسك بكتفيها ويخبرها:
"أنا جيتلك... برجلي، بإحساسي، بقراري... مش عاوز غيرك إنتِ."
لكن حتى هذه الأمنية الصغيرة، صارت الآن بعيدة، كما جود تمامًا.

سرد جزء من ما حدث ثم نهض يترنح قائلًا: 
أنا عاوز أبقي لوحدي، هطلع شقتي أنا و... 

صمت وهو يتوجه نحو السلم يسير يرتكز بيديه على سياج السلم يصعد 

راقبت عيون بدرية وزوجها حاتم وهو يصعد شعر الإثنين بإنفطار قلبيهما بؤسً، نظر والد حاتم لـ بدرية بنظرة لوم قائلًا: 
إرتاحتي كده عاجبك منظر إبنك، يا ما نصحتك قولتلك بلاش طريقتك دي معاه، بلاش تغذي الحقد فى قلبه، أهو شوفتي بعينك، إبنك حب جود إكتشف، لاء اتصدم فى مشاعره ناخيتها للآسف فى الوقت الغلط، مش جود اللى تسامح، حتى لو سامحت فى كرامتها هتسامحه إزاي بعد ما فقدت الجنين اللى كان فى بطنها، هتنسي الألم ده إزاي، حاتم كانت علاقته إتقطعت بـ ماهيتاب بعد وفاة حسام، ليه كلمتيها تاني وخلتيها ترجع تلف حواليه، بعد ما إتجوز، خوفتي قلب حاتم  ينشغل ويحب جود، أهو اللى خوفتي منه إتحقق، ياريت ترتاحي، والله أعلم لسه رد فعل طوفان مش هيبقي سهل، إشربي، لو واحدة غيرك كان بعد ما فقدت واحد كانت حافظت عالتاني لكن إنتِ عملتي العكس، مش قادر أديكِ عذر وأقول قلبها محروق على ضناها، حاولت كتير ونصحت حاتم لكن طبعًا دموعك كان لها مفعول أقوي، حاولت أجبر بخاطر جود كانت رقيقة وهشة وبتتحمل كنت بشوف نظرة عينيها قلبي بيزعل عليها، مُغرمة بـ حاتم رغم متأكد إنه كان قاسي معاها، يمكن كانت بتنتظر منه بس نظرة محبة، بقاله كام يوم غايب عن الدار، ملاحظتيش إنها كانت متغيرة وزعلانه، داست على كرامتها وكانت رايحة له عشان تشوفه وتطمن عليه، لكن طبعًا سبقت ماهيتاب اللى بسببك رجعت تحوم حوالين حاتم، نسيتي سُمّها الناعم، ولا تكبرها عليه وعلينا إنها بنت لواء...وطلباتها لازم تتنفذ ... جود بنت أصل عنها وعمرها ما اتكبرت ولا طلبت حاجه... 
ماهيتاب مكنتش راجعة عبث، دي راجعة عارفة إن قلبه مكسور من ناحية أخوه ، وإنه في لحظة ضعف ممكن يلاقي فيها حنان كاذب...حقيرة وإستغلاليه،رجعوها مكنش محبة لـ حاتم...رجعوها وقبولها إن حاتم يبقي متجوز من غيرها كان لغرض فى دماغها...رجعوها كان هدفه تفسد حياة حاتم وإنه مقدرش ينساها،متأكد إنها بمجرد ما كانت هتخرب حياته مع جود كانت هترجع ماهيتاب القديمة وتخليه يكره حياته...
، لكن جود... جود كانت رايحة له بقلبها، بكل خوفها ووجعها، كانت عايزة تطمن عليه حتى لو من بعيد،
بس للأسف لقت نفسها واقفة تتفرج على مشهد ماكنتش تستحقه...ونهاية صعبة. 

قال ذلك وغادر شهقت بخضة حين سمعت صوت إغلاق الباب القوي، دموعها سالت أمام حقيقة لم تكُن غائبة عنها... لكنها صُدمت بمشاعر حاتم نحو جود... ندم توغل من قلبها لكن فات الآوان وربما لا يكون هنالك فرصة أخري. 
*****
دلف حاتم الى داخل شقته... توغل الى فؤاده رائحة خاصة، كأنها نسيم ربيعي محمل بأريج الزهور... إنها رائحة عِطرها الذي أبدى لها يومً إعجابه به، داومت على استعماله ونثره أحيانًا بالشقة...أشياء بسيطة كان يُعطيها لها،جفاء مُتعمد منه مقابل رقتها...ذهب الى غرفة النوم...كان العِطر أقوي،لكن يخنق روحه... 
جلس على طرف الفراش، يشعر كأن جسده ثقيل كذالك وجدانه، نظر الى  يديه ملطختان بدماء بمن لا ذنب لها... وثيابه تشهد على ليلٍ قاتم قادم يغزو حياته 
أسند وجهه بين كفيه، صوته بالكاد خرج، أشبه بهمهمة موجوعة:
جود... سامحيني.
أغمض عينيه، وكل ما رآه هو ملامحها... عيناها المتسعتان بصدمة، يدها التي أمسكت بطنها قبل أن تُدير ظهرها له... تمنى أن يكون أبًا
لكن ليس بهذا الشكل، ليس وهذه النظرة في عينيها.... لم يستطع تذكُّر كيف وصل للبيت، فقط يتذكر صوت بدرية وهي تصرخ حين رأت الدماء على ثيابه، سيل من الأسئلة، وذعر يشبه ذعره تمامًا.
لكنه لم يُجب... لم يكن هناك جواب يكفي.

هو الآن عالق... بل هالك بعشق  امرأة انتهى معها كل شيء، 
❈-❈-❈
بالمشفي 
جلس طوفان على الطرف الآخر لتلك الآريكة، لاحظ خلع دُرة لحذائها كذالك إتكائها بظهرها على الآريكة زفر نفسه من عنادها، ليس بمزاج قادر على المناهدة معها، كذالك  تُغمض عينيها، لكن فتحت عينيها ونظرت له قائلة بلا مقدمات: 
أنا جعانة. 

نظر لها بإندهاش قائلًا  بسؤال: 
بتقولي إيه؟. 

أجابته ببساطة: 
بقولك جعانة... وعاوزة أكل. 

نظر لها بدهشة قائلًا: 
جعانة... تمام هتصل عالسواق  يجي ياخدك للبيت هناك هتلاقي أكل. 

زفرت نفسها قائلة: 
قولتلك مش راجعة البيت، خلاص مش جعانة. 

تنهد بسأم قائلًا: 
درة بلاش عناد متنسيش إنك حامل كمان عندك مشكلة فى صدرك وإحنا هنا فى مستشفي يعني ممكن تلقطي أي عدوة.

تنهدت درة قائلة ببساطة:
بسيطة إحنا فى مستشفى لو مرضت إحجزلي أوضة،وخلاص أنا مش جعانة. 

غصبً إبتسم، رغم أن البسمة تغص فى قلبه...ظل لحظات قبل أن ينهض متوجهًا نحو باب الغرفة ثم فتح الباب تحدثت دُرة بتسرُع:
رايح فين.

تنفس قائلًا:
طالع أشرب سيجارة فى الهوا بره.

نظرت له بغيظ،هي ظنت أنه سيقول أنه سيأتي لها بطعام تفوهت بسخط:
أحسن برضوا،بره مكان مفتوح،حاول تقلع عن السجاير عشان صحتك.

أومأ لها وغادرت،زفرت نفسها وضعت يدها على بطنها قائلة:
منها لله خلود بسببها معرفتش أتغدا ودلوقتي طوفان يقولى أرجع البيت عشان أكل،خلاص هتحمل الجوع لحد الصبح.

بينما خرج طوفان توقف بحديقة المشفي،زفر تنهيدة طويلة كأنها تحمل كل ما يشعر به من وجع وندم.... رفع رأسه للسماء يستنشق الهواء يشعر بندم وآسي على حال جود حين تعود للوعي وتعرف أنها فقدت جنينها...لا يعلم رد فعلها ولا سبب لما حدث لها لكن على يقين أن ذلك الأحمق حاتم هو السبب، انتهت كل فرص حاتم، حتى لو توسلت له جود نفسها، لن يسمح له بالاقتراب ثانية.... عليه أن يتأدب.... 
،كذالك عِناد درة الحمقاء  حين تعصب عليها  بلا ذنب هي حقًا... لام نفسه دُرة  لا  ذنب لها لكن إستغرب تقبلها لهجاءه لها أنها "لعنة حياته" 
رغم غصة قلبه حين  لاحظ لمعت عيني دُرة بحزن  حين قال لها جملته السامة
كان يتوقع منها أن تغادر ، لكنها  نظرت له بصمت موجوع... صمت كان كفيلاً بجلده أكثر من أي كلمة.
أحس بالمرارة تملأ فمه، وبالندم ينهش صدره... 
.. "هي حقًا لعنة أعطت لحياته دفئ كان  مفقود...لعنة تؤلم وتداوي في نفس الوقت"

تنهد وأخرج علبة السجاىر والقداحة لكن قبلها قام بإتصال هاتفي يطلب طعام لـ درة هو لاحظ عدم تناولها الطعام بشكل يُشبعها... أشعل السيجارة، سحب نفسًا عميقًا منها.... كأنه يحاول سحب   حيرته،  وجعه،  حبه... قائلًا: 
آه يا دُرة  حيرتيني معاكِ، أوقات بحس إنك طفلة وعاوزة اللى يراضيكِ، وأوقات بحس إنك
لا بتخافي، ولا بتتراجعي.

لا يعلم كم أحرق من السجائر، حتى سمع رنين هاتفه، نهض واقفًا وإقترب من ذلك الشخص أخذ منه المغلف وزفر نفسه عائدًا الى الغرفة... 

بينما دُرة  حين غادر طوفان ظلت جالسة لدقائق ثم نهضت نحو شباك الغرفة نحت الستائر ونظرت للحديقة رأت طوفان يجلس يُدخن، غص قلبها وشعرت بالمرارة من أجله، لكن هي لا تمتلك سوى قبول عصبيته فى صمت، كذالك لم تقدر على تركه وحده الليلة كما أراد  فكيف لقلبها أن ينفصل عن حزنه... 
تركت الستائر وعادت تجلس على الآريكة، رفعت قدميها ممددتهما أمامها وإتكئت على مسند المقعد، فتحت هاتفها تعبث به بعض الوقت... كادت تغفوا لكن فتحت عينيها حين سمعت صوت مقبض الباب، سُرعان ما تبسمت حين دخل طوفان يحمل كيسًا متوسط، لا تحتاج لتخمين محتواة فالعلامة التجارية واضحة لأحد المطاعم، لكن لم تُبدي لهفة، إقترب طوفان نظر لها وهي تجلس هكذا، زفر نفسه هي بالتأكيد لا تشعر براحة... لكن ماذا يفعل أمام عنادها، وضع الطعام على طاولة صغيرة وقربها منها قائلًا: 
الأكل. 

إبتسمت وهي تجذب ذلك الكيس وفتحته رائحة الطعام شهيه، نظرت له قائلة: 
تعالي أقعد ناكل سوا. 

أجابها وهو يتجه نحو الفراش ينظر لـ جود قائلًا: 
مش جعان كُلي أنتِ. 

-براحتك
هكذا قالت، بينما هو عاد يجلس على طرف الآريكة يختلس النظر لها وهي تأكل تعمد قائلًا: 
واضح إنك كنتِ جعانة، رغم إن أكل العزومة كان مُمتاز. 

نظرت له بسخط قائلة: 
أه كان ممتاز وكله دسم  وأنا مش بحب الدسم بيغم على قلبي. 

تبسم قائلًا: 
مش بتحبي الدسم بس بتحبي أكل المطاعم. 

أومأت له واكملت طعامها حتى شبعت، نظرت له قائلة: 
فاض أكل كتير على فكرة.... لو... 

هز رأسه بالنفي وأسند رأسه على  خلفية المقعد بصمت. 

حل الصمت، رغم أنه لم يغفوا لكن حين إستقام برأسه تفاجئ بـ درة غافية. 

تنهد بقلة حيلة... نهض بهدوء وعدل جسد دُرة  على الآريكة كي تشعر بالراحة، ثم وضع عليها مِعطف خاص به، ثم جلس على مقعد آخر يراقب الإثنين الغافيين كل منهن تمتلك مكانة خاصة في قلبه، وإن كانت مكانة غير متساوية…
جود تنام على الفراش، ملامحها الساكنة تُخفي آلام، ودُرة على الآريكة، تحمل براءتها في غفوتها كأنها تستجديه ألا يغادر عالمها.

ضمّ ذراعيه إلى صدره، ومال برأسه للخلف مغلقًا عينيه، لا لغفوا ربما يرتاح، بل ليهرب من صراع  لم يُحسم بعد.

❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صباحً
بالمشفي
رغم هدوئها الغير متوقع حين علمت بفقدان جنينها، لكن تحمل بقلبها ألمً قويًا حاولت تحمله وحدها، لا تلوم أحد غير نفسها، هي أرادت خوض مشاعر كانت واهيه من الطرف الآخر فلما تحمل غيرها مرارة ما تشعر به، لكن طوفان  ووالدتها كانا مرافقين لها كذالك دُرة...

تبسمت لتلك الطبيبة التي دونت بعض الادوية وقالت بعض الآرشادات لها...ثم خرجت،بعدها دخل طوفان قائلًا:
أنا خلصت إجراءات المستشفي.

تنهدت وجدان براحة قائلة:
الحمد لله الدكتور قال إن جرح راسها مش هياخد وقت طويل ويخف وفى جرح فى ايدها اليمين هيخف بسرعة.

حقًا بعض الجروح تطيب سريعًا لكن هنالك جروح لا تطيب ولا تندمل سوا بالكي،وهي الآن أخذت قرار كي تلك الجروح حتي لا تعود وتشعر بضعفها وخسارتها.

يومان وها هو اليوم الثالث 
يأتي الى المشفى ولا يستطيع الإقتراب من غرفة جود،يتابع تطور حالتها من الطبيب عبر الهاتف..علم أنها ستخرج اليوم من المشفي...ظل واقفً بسيارته أمام المشفي...ربما رؤيتها تخفف من ألم ما يشعر به من فقدان...
بالفعل ها هي تستند على طوفان حتى وصلا الى السيارة...

توقفت للحظات  حين رأت حاتم يترجل من سيارته...تلاقت عيناهم 
بحوار صامت بلا إهتمام منها،كأنه فقد حتى  حق التبرير...
أخفض عينيه أولًا، أما هي، فأكملت خطواتها دون أن يرمش لها طرف، لا وجع، لا شوق، ولا حتى حنين... فقط برود موجع يشبه التجاهل المتعمد، كأن ما بينهما لم يكن يومًا.
تشبثت بيد طوفان الذي فتح  لها  باب السيارة صعدت إليها،  أغلق طوفان الباب خلفها بصمت، ثم استدار لينظر نحو حاتم للحظة، نظرة فيها من التحذير أكثر مما فيها من الكلام... وقد كان رد فعل جود واضحًا هي إستقوت بـ طوفان الذي لم يخذلها مثلما هو فعل.... 
ظل واقفًا، يده متجمدة على باب سيارته، قلبه يصرخ بمرارة 
لكنه لم ينطق...
لأول مرة، يعجز لسانه عن ملاحقة قلبه، ويكتفي بالمراقبة، بالخذلان، وبالوجع.
غادرت السيارة، وغابت معها جود من أمام عيناه
أدرك الآن أن ما كسره لم يعد يُصلح... وأن ما خسره لن يُعوض.  
❈-❈-❈
منزل عزمي
قوة عسكرية دلفت الى المنزل، شعرت سامية بهلع منها بالأخص حين سألوا عن وليد تلاعب الظن السيء برأسها لكن تحدث رئيس تلك القوة قائلًا: 
إحنا من الجيش وجاين معانا أمر بأخد 
"وليد عزمي مهران" 
تنفيد لقرار ظبط وإحضار له بسبب تهربه من الجيش وعدم تنفيذه لأمر إستدعاءه.

ذُهلت سامية من ذلك...حاولت الإتصال على عزمي لكن لا رد هاتفه يُعطي خارج التغطية...
بينما جاء أحد العساكر يقبض بيده على معصم وليد الذي تباجح معهم،لكن أمر رئيس القوة قائلًا:
أي إعتراض أو إلتماس قدمه بعدين،أنا بنفذ المطلوب مني  …وهو القبض عليك وتسليمك للنيابة العسكرية.

صرخ وليد بغضب وهو يحاول التملص من قبضة العسكري:
إنتو مش فاهمين... أنا سبق وخدت تأجيل قبل كده في غلط حاصل. 

لكن الضابط رد بصرامة دون أن يتزحزح:
أي مستند أو دفاع تقدمه بعدين، دلوقتي تنفيذ القرار أولًا.

انكمشت سامية مكانها، قلبها يوشك على الانفجار، تلهث وهي تراقب العساكر يُحيطون بـ وليد كأنه مجرم ، أحدهم يُقيده بالكلبشات دون رحمة، صرخت فجأة بصوت مبحوح:
وليد... 

تلفّت وليد نحوها، نظرة مختلطة بين الذهول والانكسار، حاول أن يبدو قويًا، لكن عيناه خانتاه.... همس لها وهو يُساق للخارج:
ـ ماتقلقيش يا ماما…  أكيد فى سوء فهم... الموضوع هيتحل. 

خرجت القوة من المنزل كما دخلت، تاركة خلفها صدى ثقيلًا وسامية يرتجف جسدها بالكامل، غير مصدقة ما حدث، تردد:
ـعزمي… فين عزمي ليه سايبنا كده. 

نظرت للهاتف مرة أخرى قامت بالإتصال عليه، لكن الرد نفسه ظل يُجيبها:
"هذا الرقم غير متاح حاليًا..."
❈-❈-❈
بالسجل المدني
ذُهلت دُرة من ذاك المستند الذي بيدها 
نظرت نحو شاهر سأله: 
مش فاهمة إيه المستند ده. 

أجابها ببساطة إيه اللى مش مفهوم. 

سألته: 
المفروض الأرض دي بابا باعها لـ طوفان... آزاي متسجلة بإسمي. 

فسر لها شاهر بهدوء:
فعلًا، طوفان كان اشترى الأرض من مختار الله يرحمه... بس العقد كان صوري. بعدين تراجع وسجّلها باسمك، بيع وشراء رسمي.

دُرة بعفوية وبنبرة  شبة غبية:
مش فاهمة حاجة. 

ضحك باسل، ولم يمنع شاهر نفسه من الابتسام، لكن كريمان هجمت عليها برد ساخر:
إيه اللي مش مفهوم  الأرض  اتسجلت باسمك رسمي... مختار هو اللي سجلها. 

نظرت لها دُرة باستغراب، لكن ما لبثت أن ارتسمت صدمة على وجهها وهي تتذكر مساومة طوفان لها على الأرض…
الأرض دي كانت ملكها من الأساس
فلماذا ساومها... لماذا راوغها يوم طلبت منه أن تشتريها 
الآن فقط فهمت...
هو لم يكُن مالك حقيقي، كان بيتلاعب بيها، يحاول إثبات سلطة عليه حتى ولو وهمية...

همست بصوت مبحوح، شبه مصدومة:
يعني... يعني كان بيضحك عليا 
وبيساومني بحاجة مش مِلك له.... 
لازم أواجهه وأعرف هو إزاي قدر يعمل كده 
❈-❈-❈
بعد قليل 
بمصنع طوفان... 
دلفت دُرة الى مكتب طوفان دون أن تستأذن، لطن وقفت بمكانها مُتصنمة حين رأت تلك السخيفة خلود تقف جوار طوفان كأنهما يتحدثان بإنسجام.
«يتبع» 




تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة