
رواية زواج تحت التجربة الفصل السادس 6 بقلم رباب حسين
في جنح الليل حين يسكن العالم وتهمس الأشجار بأسرارها للرياح كان يركض لم تكن قدماه تلامسان الأرض بقدر ما كانت تطأ جمر الندم خلفه ضجيج ماضي لم يمت وأمامه درب لا يعرف إن كان خلاصًا أم هلاكًا
لم يهرب من القانون فحسب بل من الحقيقة التي تسكن قلبه كطعنة صدئة كل خطوة يخطوها كانت ثقيلة ليس لفرار الجسد بل لأن روحه مكبلة بقيود الذنب
العدالة؟ كان يؤمن بها يومًا يراها كميزان ذهبي لا يخطئ لكن حين غلف الخوف قلبه ولامس ظل السجن أطراف حياته اختار الهروب قال لنفسه إنها لحظة حتى يلتقط أنفاسه حتى يجد الحقيقة الكاملة حتى يُبرر لنفسه ما فعله وتحولت لحظات الهروب إلى حياة كاملة كل وجه يراه في الطريق يذكره بالقاضي كل صوت مرتفع يُشبه صوت الحارس وكل مرآة تعكس ملامح رجل يطارد نفسه أكثر مما يطارده القانون
العدالة لم تنس لكن الأشد قسوة منها كانت نفسه تلك التي لم تمنحه يومًا هدنة ولم تسكن له وجعًا
وفي ليلة حين سكن الليل مجددًا توقف عن الركض رفع يديه إلى السماء لا طالبًا غفرانًا من الناس بل راجيًا سلامًا من داخله
مر يومان لم يظهر خالد بهما وتم نشر خبر قتل خالد لسالم وزيادة الخوف في الشوارع من خطر المجرم الهارب وأخيرًا عرف علي وتهاني سر تغيير خالد.... كانت الصحافة والأعلام لا يتوقفان عن الحديث عنه ولا تنفك إيمان عن سماع إسمه يتردد بكل مكان وأصابع الإتهام والنظرات القاتلة التي تحيط بها كانت تقتل روحها حزنًا تريد أن تقف وتصرخ بكل قوتها..... زوجي ليس قاتل ولا مجنون..... زوجي مريض وله حق العلاج ولكن لن يستمع لها أحد..... إين إنت يا حبيبي؟!.... أفتقدك حد الجنون وأعلم أنك ستأتي إليّ بنهاية المطاف ولكن أين أنتظرك؟.... أبحث عنك بكل مكان ولا أجدك
في اليوم الثاني عادت إيمان إلى المنزل بعد أن قضت وقتًا في البحث عن علاج لحالته في المشفى مع أيهم ولكن لازال كل شئ متوقف حتى يظهر خالد ويقوما بتجربة الأدوية عليه.... وعندما اقتربت من المنزل وجدت الباب مفتوح وهناك أصوات مرتفعة بالداخل فدخلت في فزع ووجدت سامية تصيح بعلي وتهاني في غضب حتى وقعت عينيها على إيمان التي تدخل من الباب وذهبت إليها في غضب وجذبتها من ملابسها في عنف وقالت : إنتي أكيد عارفة هو فين..... فين القاتل اللي إنتي متجوزاه؟!..... مش بعيد تكوني مخبياه
أمسك علي يدها ودفعها بعيدًا عن إيمان وقال في غضب : يا ستي أنا مقدر حالتك واللي إنتي فيه بس بنتي ملهاش ذنب في اللي بيحصل ولا تعرف عنه حاجة
سامية : أمال مين اللي يعرف؟.....مش ده حبيب القلب اللي فضلته على أبني..... إبني اللي أتقتل على أيد جوزها
إيمان في غضب : جوزى ده يبقى إبن عمه على فكرة قبل ما يبقى بينا أي حاجة..... وبعدين إنتو اللي سرقتوه ورمتوه في الشارع والمال الحرام بياخد كل حاجة في سكته..... وزي ما قبلتي على نفسك تعيشي من مال حرام متجيش تلوميه على اللي عمله..... إبنك اللي راح إستفزه والله أعلم قاله إيه وصله لكده
سامية : وهو أي حد يستفذ حد يقتله..... ليه عايشين في غابة؟
إيمان : اه عايشين في غابة..... غابة بياكل فيها الراجل فلوس إبن أخوه ويرميه سنة بحالها في الشارع يشحت اللقمة وياريت إبنك كان سايبه في حاله.... كان بيجي يهزقه ويذله قدام المستشفى ويقوله هتجوز حبيبتك عشان أحرق قلبك كمان وكمان..... عرفتي مين الوحوش الحقيقين اللي في الغابة..... على الأقل خالد بيعمل كده غصب عنه مش بمزاجه وإنتو السبب أصلًا.... لو كان جوزك مخدش حقه وفلوسه مكنش قبل ياخد العلاج ده ولا اتحول لقاتل بسببكم..... جاية تقفي قدامي بمنتهى البجاحة وتتهميني..... إنتي بتجني تمن الفلوس الحرام اللي كلمتيها إنتي وجوزك من غير ما يصعب عليكم حتى رميته في الشارع..... أطلعي برا ومش عايزة أشوف وشك هنا تاني..... لو جيتي هنا هبلغ عنك واتهمك إنك بتتعدي عليا في بيتي..... براااا
نظرت لها سامية ولم تجيب وخرجت تبكي على فراق زوجها وإبنها والندم يتصاعد في قلبها بعد أن جنت ما فعلت بخالد ودفعت الثمن باهظًا
أما علي فنظر إلى إيمان وقال : معقولة يا إيمان؟!.... معقولة بتحبي خالد للدرجة ديه وواقفة تدافعي عنه بالشكل ده قدام الست اللي قتل جوزها وإبنها
إيمان : أيوة بحبه ومن زمان..... بحبه من ساعة ما كان بيقف كل يوم يبصلي من شباك أوضته..... بحبه من أول مرة وقف قدامي وشفت عينيه..... بحب إحترامه لنفسه وليا وإنه محاولش حتى يتكلم معايا من غير ما يبقى فيه حاجة رسمي بينا..... بحبه لما عمل في نفسه كده وخد الدوا ده عشان ياخد الفلوس ويقدر يجي يتقدملي عشان مستحملش يشوفني بتجوز واحد غيره.... خالد خد الدوا ده عشان يبقى معايا.... عرفتو ليه مش هسيبه؟.... عشان اللي يعمل في نفسه كده عشان خاطر اللي بيحبها يبقى نضيف من جواه..... اللي يقبل يمد إيده للناس ويشحت على إنه يعمل حاجة غلط ولا حرام يبقى أنضف بني أدم أنا شفته في حياتي وأنا لو حطو رجالة الدنيا كلها قدامي في كفة وخالد في كفة هختاره هو..... ومش هبقى لحد غيره وهفضل معاه لحد ما يرجع لطبيعته ومش هسيبه ولا لا لحظة ولما ألاقيه مش هسيبه
تركتهما إيمان ودخلت غرفتها وأغلقت الباب وجلست بالفراش تضع يدها على وجهها وتدهش بالبكاء تتذكر اليوم الذي تحقق به حلمها عندما جاء خالد إلى هذا المنزل وطلب يدها للزواج
فلاش باك
دخلت إيمان الغرفة التي جلس بها خالد مع علي وتهاني وهي تحمل أكواب العصير ثم قدمته له وجلست بجوار والدها الذي كان ينظر إلى خالد في تعجب من تبدل حاله بهذه السرعة ثم نظر إليها وقال : خالد جي يتقدملك يا إيمان..... إيه رأيك؟!
إبتسمت إيمان في خجل وقالت : اللي تشوفه يا بابا
خالد في جمود : يبقى نقرا الفاتحة
نظر لها علي في تعجب فهي لم تعترض كعادتها ثم نظر إلى خالد وقال : بس أنا عندي سؤال قبل ما نقرا الفاتحة
خالد بجدية : عارف..... جبت الفلوس منين..... متقلقش يا عمي أنا مش حرامي.... ربنا كرمني من عنده وفتح عليا.... أظن حضرتك عارفني كويس وعارف أخلاقي
علي : عارف..... بس.... بس الوضع غريب شوية بصراحة
خالد : كل اللي أقدر أقولهولك إن فلوسي حلال يا عمي
علي : وأنا عشان عارفك وعارف أخلاقك وأخلاق والدك الله يرحمه هثق فيك..... نقرا الفاتحة
نظر خالد إلى إيمان بوجه عابس ثم قامو بقراءة الفاتحة معًا وبعد أن أنهوها قال خالد : الشبكة إن شاء الله وكتب الكتاب مع بعض.... هسيب العروسة تحدد اليوم اللي هي عايزاه..... والشقة جاهزة من كله مش محتاج غير شنطة هدومها
علي : على خيرة الله.... بس يعني عايزين تتجوزو بعد أد إيه مثلًا.... شهر أو إتنين
خالد : لا كتير.... أنا بقول لو العروسة معندهاش مانع الفرح يبقى بعد أسبوع
إيمان : معنديش مانع..... إيه رأي حضرتك يا بابا
علي : والله يا بنتي لو موافقة مفيش مشكلة.... ديه حياتك وإنتي حرة فيها
وقف خالد وقال : تمام.... يبقى الفرح وكتب الكتاب بعد أسبوع..... لو العروسة حابة تنقي الشبكة هعدي عليكم بكرة وننزل نشتريها
إيمان : لا هاتها على ذوقك
خالد : تمام..... أستأذن أنا
وقفت إيمان بعد أن لاحظت جمود وجهه العابس وقالت : إستنى
إلتفت إليها خالد وقالت إيمان : بابا ممكن أقعد مع خالد لوحدنا شوية؟
علي : أكيد.... تعالي يا تهاني نسيبهم يتكلمو شوية
خرج علي وتهاني التي اقتربت منه في همس وقالت : هي بنتك جرالها حاجة ولا إيه؟ ما هي عمالة ترفض في عرسان أد كده إشمعنة ده موافقة وبعد أسبوع يتجوزو.....أنا أصلًا قلقانة من العز اللي ظهر عليه فجأة ده
علي : هششش.... مش وقته.... تعالي نتكلم جوا
أما إيمان فكانت تجلس أمام خالد الذي ينظر بعيدًا عنها تحاول أن تبدأ بالحديث ولكن لم تجد كلمات وكأنها طفلة تتعلم كيفية النطق من جديد فقالت : أنا..... هو إنت....
نظر لها خالد وقال : مش فاهم حاجة
إيمان : ما أنت موترني..... أنا حاسة إنك متضايق.... هو أنت زعلان من حاجة ولا ندمت إنك جيت إتقدمت؟
خالد : لو ندمان كان زماني مشيت
إيمان : تبقى زعلان مني..... أنا بجد مكنش قصدي أقولك الكلام ده..... أنا أسفة..... متزعلش مني
خالد : أنا زعلت أوي إنك شيفاني كده.... مكنتش أتوقع إنك تظني فيا كده.... أنا لو وحش يا إيمان كان زماني متكلم معاكي من زمان زي ما شباب كتير بتعمل لكن أنا حافظت عليكي وعلى حبي ليكي عشان تبقي ليا
إيمان : خلاص طيب.... متزعلش مني.... وبعدين أنا مكنتش أعرف إنك بتحبني كده
نظر لها خالد وقال : كلمة الحب متوصفش اللي في قلبي.... أنا بتنفس حبك جوايا من أول يوم شفتك فيه..... ومن أول يوم وأنا بحلم إني أجي زي النهاردة واطلبك للجواز وأخيرًا قدرت أحقق حلمي
نظرت له إيمان في عشق وقالت : أنا كمان بحبك..... حبيتك من بعيد وأتأكدت من حبي ليك لما شفتك من قريب أول مرة وعيني شافت عينيك.... أوعى تزعل مني أبدًا
خالد : مش هيحصل..... ولا هزعل منك أبدًا طول عمري يا قلبي
عودة من الفلاش باك
بعد وقت وجدت يد تمتد وتمسك يدها في بطء وسمعت صوت خالد وهو يقول : ولو خيروني أخد الدوا ده تاني عشان أبقى معاكي برده هختاره..... حتى لو بقيت قاتل بسببه بس إنتي ليا ومعايا ومش عايز حاجة من الدنيا تاني
فتحت إيمان عينيها في صدمة ونهضت لتشعل الإضاءة بالغرفة والتفتت لتراه.... لترى عينيه التي إشتاقت لهما حد الجنون ثم ركضت إليه واحتضنته وهي تقول : وحشتني..... وحشتني أوي يا حبيبي..... كنت فين كل ده؟
خالد : هربان..... بقيت هربان يا إيمان..... إكتشفت إن حتى السجن مش هيحمي حد مني
إبتعدت عنه وقبلت وجنتيه ووضعت يدها على وجهه وقالت : إزاى متجيليش كل ده؟..... أنا كنت هتجنن عليك وبدور عليك في كل حتة
خالد : حاولت أدور على مكان بعيد أستخبى فيه بس مقدرتش أبعد عنك يا إيمان.... قلت على الأقل أجي أخدك في حضني قبل ما أمشي... الله أعلم هشوفك تاني ولا لا
إيمان : وإنت فاكر إني هسيبك لوحدك؟.... رجلي على رجلك
خالد : لا طبعًا
إيمان : لا هروح معاك
خالد : تيجي معايا فين يا إيمان؟..... أنا معرفش هروح فين ولا مصيري إيه
إيمان : هاجي معاك عشان أنا الوحيدة اللي هقدر أمنعك تأذي حد تاني وفي نفس الوقت أنا اللي هلاقي علاجك ولازم أبقى معاك عشان نجرب العلاج سوا
صمت خالد يفكر ثم قال : وفين المكان اللي هنروحه عشان نعمل كل ده
إيمان : سيب الموضوع ده عليا.... إنت مش كان معاك فلوس.... هي فين؟
خالد : في البيت عندنا
إيمان : قولي شايلهم فين وكمان عايزين نبيع العربية..... هخلي أيهم يدور على مشتري ولما يلاقي يجيب العقد ليك تمضيه وتاخد الفلوس.... أو هخلي أيهم يشتريها ده أسهل
خالد : طيب هتعملي إيه بالفلوس ديه؟
إيمان : هشتري شقة في أي كومبوند بعيد عن القاهرة في الحتت الجديدة ديه وهجهز معمل فيها وهاخدك ونقعد هناك بعيد عن الناس ومش هسيبك تخرج من الشقة ديه غير على القسم تسلم نفسك ومعايا تحاليل وكل حاجة تثبت إنك خفيت ولما يعرضوك على دكاترا هيعرفو إنك مبقتش خطر وهفضل وراهم لحد ما تخرج
خالد : طيب لحد ما تشتري البيت ده أنا هقعد فين؟
إيمان : هنا..... خليك في الأوضة ديه بس أوعى حد يحس بيك لحد بكرة بس.... هو أنت دخلت هنا إزاى أصلًا؟
خالد : من الشباك..... ما أنا بقيت بنط من أي حتة دلوقتي من غير ما أتأثر..... خايف كمان شوية أطلع نار من بقي
ضحكت إيمان فوصل صوتها إلى علي الذي يجلس بالخارج فاقترب من الغرفة وفتح الباب ووجد خالد يقف في الغرفة معها فنظر إليه في صدمة وقال : إنت دخلت هنا إزاى؟.... وبتعمل إيه؟.... إوعى تقتلها
خالد : لا يمكن أئذيها..... ده أنا أموت نفسي ولا إني أجرحها بكلمة
أغلق علي الباب وقال في همس : بس أحسن تهاني تسمعكم..... جي هنا ليه يا خالد؟
خالد : عشان مليش غيرها يا عمي..... والله أنا ما عملت حاجة ولا فاكر عملت كده إزاى..... أنا مش قاتل ولا عمري فكرت أئذي حد في حياتي.... إنت عارفني يا عمي من زمان..... ومش عايز منكم حاجة غير بس تساعدوني
علي : أنا عارف يا إبني معدنك كويس.... بس إنت دلوقتي خطر وأنا خايف على إيمان
إيمان : متخافش عليا يا بابا..... أعتقد إننا لازم نخاف من ماما أكتر
علي : إنتو عايزين تعملو إيه؟
إيمان : أنا ههرب معاه.... بس هظبط مكان الأول لينا عشان أقدر أعمل تجارب للعلاج اللى يساعده إنه يقدر يتحكم في أعصابه
علي : طيب ولحد ما تلاقو المكان هتقعدو فين؟
إيمان : بص يا بابا أنا عايزة بس يوم بالكتير إتنين.... فا أنا هخلي خالد هنا وإنت عليك تاخد بالك منه وتبعد ماما عن الأوضة
علي : طيب بصي أنا هاخد أجازة من الشغل بكره وهبعتها تجيب حاجات من برا وكده مش هتاخد بالها وإنتي حاولي تتصرفي بسرعة
إيمان : حاضر
خالد : أنا متشكر أوي يا عمي على اللي إنت بتعمله معايا
علي : أنا بعمل كده عشان أبوك اللي يرحمه وعشان بنتي اللي بتحبك بالشكل ده ومش عايز أكسر قلبها.... ربنا يظهر الحق وترجع تعيش حياتك زينا ويشفيك يا إبني يارب..