رواية طوفان الدرة الفصل السابع والعشرون 27 الجزء الاول بقلم سعاد محمد سلامه

       

رواية طوفان الدرة الفصل السابع والعشرون 27 الجزء الاول بقلم سعاد محمد سلامه


بمنزل كوثر
تهكمت حين رأت دخول سجى تحمل على يدها مِعطفً أبيض وبعض الكُتب، سخرت قائلة: 
الدكتورة وصلت بالبالطو الابيض على ايدها. 
فهمت سجى نبرة تلقيح والدتها، غص  قلبها تعلم أنها 
تزن الناس بما يمتلكون من أموال ومُمتلكات، لا تهتم بأخلاقهم ذلك آخر ما تفكر به

تنهدت بقوة ولمعت الدموع بعينيها قائلة: 
أيوه هبقي دكتورة يا ماما، وعندى أخلاق والناس كلها هتحترمني، مش عشان الأموال
عشان أنا الدكتورة بنت الموظف اللى بيشتغل فى الجمعية الزراعية... تفتكري وقتها الإحترام  هيبقي لمين
ليا ولا... 
توقفت تنظر لها، ثم أكملت
ليا ولا لإسم عيلة مهران... عيلة مهران اللى سببت لك هوس الشُهرة والأموال... قدامك الأموال وإسم العيلة
هل نفعت جود 
رغم حزني عليها بس قدامك الحقيقة يا ماما
لا إسم العيلة المشهور ولا الأموال جابوا السعادة لـ جود و...ولا حتى قدروا يلموا كسر قلبها.

نظرت إليها سجى بعينين دامعتين، صوتها منخفض لكن موجع:
جود كانت بتضحك دايمًا، بس محدش كان يعرف الوجع اللى في قلبها...
كانت بتضحك قدام الكل، وبتتألم في سكات.
إنتِ طول عمرك شايفة إن الجاه والمظاهر هما اللى بيعملوا قيمة للناس...
بس جود كانت عندها كل ده، ومع ذلك كانت مجابوش لها السعادة

سكتت لحظة، ومسحت دموعها بإيدها المرتجفة، وأكملت:
هتقوليلي إختيارها غلط لانسان مش من مستواها، هقولك قبلها خالتي وجدان كنت صغيرة صحيح بس كنت بشوف الحزن فى عنيها من معاملة جوزها، عكس حنية بابا 
بابا اللى متأكدة إنه متحمل العيشه مش عشان إسم ولا شهرة عيلة مهران 
لاء عشان أنا وأخواتي البنات، خايف علينا من الضياع... 
يمكن بابا موظف بسيط، بس عمره ما باع نفسه، ولا باع ضميره... ودايمًا بيعاملك باحترام 
وده في نظري أغنى مليون مرة من كل فلوس مهران.... 
كمان خالي عزمي وولاده اللى دايمًا مرات خالي بتتباهي إنهم صبيان 
الإتنين مفيش واحد فيهم عنده مسؤولية بالعكس دول عندهم تسيُب 

صمتت سجي للحظات...لم تستطع كوثر الرد...ساد صوت صمت ربما  أقوى من أي الكلام... 
سجي لوهله ظنت أن حديثها رغم غلطتة قد يساعد فى إفاقة والدتها من هوس  العظمة الذي يُسيطر لكن كانت أمنية واهيه وهي ترا جحود والدتها، وهي تنظر لها بإستهزاء قائلة: 
خلصتي المُحاصرة بتاعتك... غوري من وشي. 

هزت سجى رأسها بآسف، تخشي على والدتها من ذلك الهوس. 

غادرت سجى بينما جلست كوثر على آريكة بالردهة، تشعر بغضب من حديث سجى، كيف لها أن تحدثها بتلك الطريقة المُجحفة..كم هي حمقاء،يعتنق عقلها شعارات والدها الواهية  

❈-❈-❈

بمنزل عزمي
إندفعت سامية خلف عزمي الى الغرفة بغضب عارم، تحدثت بإستهجان: 
خرجت من الدار من إمبارح مرجعتش غير دلوق،ولا فى دماغك ولدك فين ولا عامل إيه.

شعر بتأفُف، وأجابها بنزق: 
ولدك.. ضحكتيني والله بلهفتك عليه، لهفتك دي اللى ضيعته، ولدك فى الجيش. 

شعرت بغضب قائلة: 
يعني اللى خدوه إمبارح بتوع الجيش هو مش كان الجيش بتاعه إتأجل. 

إستهزأ بها قائلًا: 
اللى كان بيأجل له الجيش هو الجامعه ولما بطل يروحها، نسي إنه يروح يقدم أنه على ذمة الجامعه كانت اجلت له الجيش، دلوق
كل اللى أقدر اعمله انه أكلم أي واسطه تتوسط ويجبوه  فى أي ثكنة للجيش قريبه من هنا. 

شعرت بغضب قائلة: 
وليد مش هيتحمل العيشة القاسيه دي، شوف واسطه تخليهم يدوه تأجيل تاني، أو إعفا نهائي. 

تهكم بإستهزاء قائلًا بسخريه: 
تأجيل، أو إعفا، وعيشة قاسية، هتكون أقسي من الشهور اللى قضاها فى الأحداثية، خليه يتربي يمكن أخلاقه تتحسن شويه. 

نظرت له بغضب ساحق، والدموع تكاد تنفجر من عينيها، وهتفت بصوت متحشرج:
تعرف... أنا قلبي حاسس إنك انت اللى يمكن تكون السبب في كل اللي حصل لوليد
من أول ما طلع على ضهر الدنيا، وأنا شايفة فيك السبب... قسوتك، جفائك، عدم وجودك أصلًا... مكنش لاقي راجل يحبه ويحتويه... مكنش لاقي أب... يا عزمي. 

ظل عزمي مُتصنمً  مكانه للحظة، كأنه تلقى صفعة، لكن سرعان ما ضيق عينيه وقال ببرود:
أنا السبب... 
ماشي، خليه على...
بس ما تنسيش إنك انتي اللى كنتِ كل يوم تدلّعيه، وتبعديه عن أي مسؤولية،
كنتِ بتغلفي الغلط وتسمّيه حب وحنان.

وقفت سامية بتحدي، اقتربت منه وتحدثت بصوت خافت لكنه حاد:
كنت بحاول أرمم اللي انت بتكسره.

إستهزأ من ردها قائلًا: 
بلاش ترمى اللوم عليا، إنت السبب  فى فساد إبنك  البكري، لما بشد عليه إنتِ بترخي وتدلعي وهو يفكر شدتي عليه قسوة، لكن هقول إيه ده طبعك دايمًا كل هدفك التفاخر، زي ما بتتفاخري بشرا المجوهرات كده، بتتفاخري إن عندك ولدين صبيان، "أم الصبيان" 
وطبعًا الصبيان مش بتحتاج تربية زي المحروسة أمك ما بتقول، "إرمي الولد الشارع يرجعلك راجل" 
منطق غلط نسيتِ حتى لو أنا كنت مهمل فى ولادي وقاسي زي ما بتقولى كان سهل تلمي عيالك وتعلميهم الصح من الغلط 
وعلى الأمثال اللى امك دايمًا ترميها وهي ماشيه
"الأب بيطفش والأم بتعشش" 
بتعشش بالحب والادب والتربية الصح مش بالدلع المرئ والسايب الحبل عالغارب... وكل شئ مباح قدامه. 

نظرت له وتهكمت من تلك المواجهه قائلة: 
وإنت مش أحسن مني، إنت فين، ورا هفواتك، بلاش تعمل فيها إنك شجاع... إنت كل هدفك السُلطة، بس حتى دي مقدرتش توصل لها، جه طوفان ودمر كل أحلامك إنك تبقي كبير العيلة وصاحب الأمر النافذ... جه طوفان ودمر كل أحلامك إنك تبقي كبير العيلة فى لحظة جبرك تركع إنت وإبنك قدام الخلق العالي والداني. 

إتسعت عيناه بذهول من صلافة كلماتها اللاسعة... لم يتوقع منها هذا الهجوم المباغت، ولا أن تُفرغ ما بجعبتها بهذا الكم من الاحتقار في نظرة واحدة.

لوهلة حاول تمالك أعصابه لكنه فشل، صوته خرج غليظًا بمُعايرة قصدًا:
وإنتِ اللى مش حقودية وفي قلبك الغِل،والرياء...كُل هدفك تظهري بصورة بنت الأكابر،عندك عقدة نقص تبقي زي امك اللى أبوكِ فضل عليها واحدة من الخدمات  واتجوزها وبقت شأنها بشأن والدتك بنت الأجاويد. 

تباينت النظرات بينهم بتلك المواجهه، وبداخل كل منهم معركة  وأمنية
تلاقت نظراتهما، اشتعلت معركة صامتة، كل منهما يُكابر، وكل منهما يتمنى

هو... لو أنها فقط أظهرت بعض الاهتمام، والاحتواء، لربما نسي خيباته القديمة، ولأحبها بصدق... ونسي معها أماني الماضي الضائعة. 

وهي... لو أنه فقط أفصح عن جزء بسيط مشاعر دفءٍ يسكن صدره، لاحتضنته بقلبٍ عامر، وشيدت معه غدًا بأماني مُستقرة.

لكن بينهما بُنيان شاهق... شيداه بأيديهم، طوبةً طوبة، من صمتٍ وغرور وجحود وكبرياء.

انسحب عزمي في النهاية، وغادر... كأن  بقاؤهما لدقائق أخرى كان كفيلًا بأن يُفجّر أحدهما الآخر.
❈-❈-❈

بمنزل الشيخ عرفه
رغم  وجع قلبها ربما ليس على خذلانها من مشاعر حاتم، وأنها رسمت بنفسها  وهمً ليس له أي أساس، عِدة لقاءات ظنتها كافيه لخوض مصير واحد بينهما، كان الاساس واهيًا وسقط سريعًا من أول هَبة رياح... الوجع الحقيقي والمُضني فى قلبها كان خسارتها لذلك الجنين، رغم كل شئ كانت تريد بقاؤه معها ليس ليكون رابط بينها وبين حاتم بل لأنه كان حلمًا صغيرًا تشكل بداخلها، قطعة من روحها بدأت تنمو في صمت، تمنّت أن تحتضنه، أن تمنحه حبًا لم تنله من والده، أن يُولد ليملأ فراغ الوحدة التي أصبحت تشعر بها....
كانت تشعر أنه فرصتها الوحيدة لتمنح الحياة معنى، أن تثبت لنفسها أنها قادرة على العطاء رغم كل الخذلان...
لكن القدر لم يمهلها، وانتزع منها ذلك الأمل قبل أن يُزهر.... 
رحل قبل أن تشعر بحركته، قبل أن تُخبره كم كانت تحبه رغم أنه لم يُولد،
رحل وترك في صدرها فراغًا أكبر من كل الخيبات، وألمًا لا يراه أحد،
تركها تشعر بالنُقصان  تسير مع الأيام، تُظهر  عكس ما يختزله قلبها من ألم... كأن شيئًا لم يحدث، تبتسم حين تُجبر نفسها على ذلك،
لكنها في الخفاء ليلًا كانت تتكوّر على ذاتها، تحتضن ذاتها،والآن بطنها أصبحت خاوية،
تبكي بصمت  على جنينها وكأنه رحل بعد عمرٍ معها، لا مجرد أسابيع قليلة.

نظرت لـ حاتم الذي فاق من سطوة الانتقام تفاجئ بمشاعر لم يحسب لها حساب... إعترف أخيرًا رِقة جود فازت على قسوتك، لكن مازال صامتً ينظر لها وجهها شاحب لكن لم تنطفئ رقة وبراءة ملامحها... زفرت نفسها وهي تنهض واقفه تُعيد قولها بنبرة أشد قسوة: 
طلبت ليه تقابلني، طوفان وصلك قراري. 

إقترب منها  وكاد يمسك يدها، لكن عادت للخلف، آنت بألم، للغرابة تلهف عليها حاتم. 

رفعت وجهها تنظر ببسمة سخرية وإستهزاء من رد فعله ودت أن تقول له... 
-يالك من كاذب..أحقًا ألمي يفرق معك....كاذب لا تتظاهر فلم يعُد هنالك شيء يجمعنا سوى الخيبات، لا تُمثل دور الندم الآن، فقد أهدرتَ فرصتك مرارًا... وألمي... أتعلم ما يؤلمني حقًا أنك كنت تعرف كيف تحطمني، وفعلت، دون أن يرف لك جفن.

سكتت لحظة، تتنفس ثم زفرت بمرارة قبل أن تتحدث بصوت متهكم قائلة: 
الكلام إنتهي... لاء الطريق بينا خلص يا حاتم.. من البداية  أنا ضليت الطريق مكنش يليق بيا أمشي فى طريق مُخادع مُنتقم على باطل. 

تجمدت نظراته على وجهها، كأن كل الكلمات تبعثرت فجأة...
قال بصوت منخفض يحاول الحفاظ على بقايا كبريائه:
جود... 

رفعت يدها  بوجهه  تضع حاجز بينه وبينها قائلة بنهي: 
متكملش، كل اللي ممكن تقوله مش هيغير حاجة.

لكنه أصر على الحديث بتبرير: 
منكرش إنى كنت ضعيف قدام رغبة  فى الإنتقام ، بس أنا مش كذاب.

ضحكت بمرارة وهي تنظر له:
كنت ضعيف... لما يبقى ضعفك على حساب غيرك، يبقى أنانية، مش ضعف..وبتنتقم من مين،مش طوفان هو اللى قتل أخوك،كان قدامك وليد تاخد تارك منه،لكن إنت جبان يا حاتم،طوفان كان أشجع منك وسيطر على عيلة كاملة ضغط على خالي وابنه وغصب عليهم يركعوا قدام بلد كاملة.. وده كان بناء على رغبتك... طوفان لأخر لحظة كان متردد يوافق ومستني مني أرفض، بس أنا كنت غبية، وصدمة الحب الأول بلعتها فى قلبي علقم زي اللى بيقاوح قدام دوامة بحر هايج، للآسف مغرقتش زي ما أنت كنت عاوز، إيد طوفان إتمدت لى وشدتني... 

صمتت للحظات ثم أكملت بكبرياء وتحدي:  الأيدين اللى دايمًا كانت بتساندي إيدين طوفان اللى كنت بشوف نظراتك له كنت بسأل نفسي ليه بتنظر له بالشكل القاسي ده، عرفت ليه
عشان عقدة نقص عندك، معندكش شخصية تاخد قرار، دايمًا بتستني تصتطاد من أخطاء غيرك... أنا أتأكدت متأخر إنك مش البطل اللي كنت بحلم بيه، إنت بس شخص لابس دور صاحب الحق الضايع...تعرف درة كانت صاحبة إرادة وشخصية فى لحظة رفعت السلاح ومخافتش،لكن إنت جبان لابس قناع الضعف ... كان عندي هاجس خايفة إن أخسرك..  دلوقتي عارفة مين أنا، وعارفة مين اللي يستحق قلبي ومين اللي ضيعه...

اقتربت منه خطوة، همست وهي تنظر في عينيه:
انا شوفتك على حقيقتك، إنت متستحقش قلبي... بس الحمدلله، قلبي فاق... ومبقاش ليك.

قالت ذلك
واستدارت تمشي، تسير بكبرياء، كأنها تخرج  من  شرنقة جرحها وهي شامخة...

ظل خاتم
واقف مُتخشب، أمامه الحقيقة لأول مرة،لك بعد فوات الأوان... هي 
لم تعاتب، لم تشرح، لم تطلب شيئًا.
لكن شيئًا في داخلها تغيّر،
تلك النار التي كانت تحترق بصمت، قررت أن تُعلن لهبها في وجهه، عيناه ظلت تنظر نحوها حتى  خرجت وأغلقت الباب برفق،
لكن ما أغلقته  معه فعليًا كان أعمق…
أغلقت بابًا داخل قلبها،خطت بثبات، بينما ظل واقفًا مكانه، يتنفس عبء خسارته لأول مرة دون أن يجد مبررًا يُخدره.
❈-❈-❈
قبل لحظات 
بحديقة المنزل، كانت عيني دُرة تُراقب عصبية طوفان الظاهرة بوضوح، يحاول كبت غضبه كي لا يدخل الى الغرفة، رغم ذلك درة لم تستطيع إخفاء بسمتها، 
تنفست بهدوء قائلة: 
تعالي إقعد يا طوفان بلاش عصبيتك دي.. العصبيه مُضره ليك. 

نظر نحوها بسخط قائلًا  بغضب: 
أقعد جنبك عالمورجيحة. 

ابتسمت وهي تهز تلك الأؤرجوحة قائلة: 
أنا كنت بحب المورجيحة دي من وأنا صغيرة كنت باجي الدرس مخصوص عشانها فاكر لما كنت بتزقني عليها. 

زفر نفسه بحنق، فهي تحاول إثارة غضبه أكثر، لكن هي العكس تمامً تحاول صرف تفكيره عن من بالداخل... أخرج علبة السجائر وضع إحداها بفمه وكاد يُشعلها بالقداحة لكن دُرة  سريعًا تحدثت بتنبيه: 
طوفان إنت هدخن قدامي، ناسي مشكلة صدري. 

نظر نحوها أطفأ شعلة القداحة، كذالك عاود وضع السيجارة مكانها بالعلبة بغيظ، يقف مُتحفزًا وهو ينظر نحو تلك الغرفة، 
دقائق بكل لخظة يخشي على جود من مواجهتها مع ذلك الخسيس، يخشي أن تميل له مرة أخرى وتهدر كبريائها... 
لكن كما توقع حين سمع صوت فتح باب الغرفة وطلت جود منه تسير نحو طوفان، سُرعان ما توجه نحوها وصل قبلها قبل أن تُلقي بنفسها عليه كان يضمها بقوة هامسًا: 
جود مهران متبكيش على خسيس، وبكلمة منك أنا...

تفوهت  رغم لوعة قلبها بنهي: 
لاء يا طوفان، كل اللى انا عاوزاه هو الطلاق وأنهي المرحلة دي من حياتي بقى. 

ضمها أقوي، ثم نظر نحو الشيخ عرفة الذي نظر له بآسف كان يود ان يهتدي الحال، لكنه القدر. 

جذب طوفان جود نحو  سيارته، ثم نظر لـ درة قائلًا: 
ناوية تكملي بقية اليوم عالمُورجيحة. 

نهضت واقفة تقول بتسرع: 
لاء الشمس قاسية. 

زفر نفسه بحِيرة من تلك المُتسرعة. 

صعد الإثنين اللى السيارة كذالك طوفان، غادروا بالسيارة بينما خرج حاتم ينظر الى ذلك الغُبار الذي تركته السيارة خلفها، هو مثل ذلك الغبار يتلاشى، يتبعثر، لا يبقى منه سوى أثر باهت لا يُرى،
وقف  ساكنًا، يداه بجانبه، ونظراته مُسمّرة نحو الطريق...
كل خطوة تبتعد بها جود عنه كانت تسحب من روحه بقايا أمل.

همس لنفسه بمرارة:
حتى النهاية ماعرفتش أحتفظ بيها،
ولا حتى واجهت وجعها برجولة.

تقدم خطوتين بسير يشعر  كأن الأرض تهتز به بزلزال ترك صدعً بل إنشاق وإنشطار 

❈-❈-❈
مساء 
بغرفة وجدان 
كانت تشعر بتقطُع فى قلبها...أخفت عن الجميع حزنها،لكن بين جدران غرفتها تركت العنان لقلبها وعينيها التى سالت دموعها بغزارة 
غصات قوية تفتك بقلبها... 
بذلك الوقت سمعت صوت طرق على باب الغرفة... جذبت محرمة ورقيه... جففت دموعها، وسمحت له بالدخول... رفعت رأسها تنظر نحو باب الغرفة... 
رسمت بسمة وبعضً من التماسك، لكن سُرعان طغت عاطفتها أمام طوفان الذي دلف الى الغرفة وذهب نحوها، ضمها سريعًا، ربما يحتاج الى حضنها وهو يشعر بالخذلان... والأسي على جود الرقيقة التي تُخفي وجعها أمامهم، لكن يشعر بألمها... ربتت وجدان على ظهره هامسة بأمومة: 
هتمُر يا طوفان... جود مش ضعيفة دي من نسل "نوح مهران" 

غص قلبه لكن تبسم قائلًا: 
جود الصورة التانية من وجدان مهران. 

ضمته قائلة: 
يبقي بلاش تعذب ضميرك وإعرف إن ده قدر، حاسه بقلبك، بلاش تحمل نفسك اللوم.

قالت ذلك ودفعته عن حضنها قائلة:
ـجود صحيح الضربة قاسية، بس يمكن تفوقها من العالم الرومانسي اللي كانت حابسة نفسها فيه...
أنا مش هسيبها، وهقف جنبها وهقويها، لحد ما ترجع تضحك من قلبها تاني.

نظرت له بعينين بهن حزم وعتاب:
 وإنت... بلاش تستسلم لغضبك، وتقسى على مراتك... 
هي كمان عندها مشاعر، وحامل... ومتحملة عصبيتك وبعدك عنها...
لو كنت موجوع، هي كمان موجوعة...
روح لها، طبطب على قلبها، قبل ما تكسرها زي ما الزمن كسر جود.

سكتت لحظة، ثم أردفت بصوت أهدى:
الحياة مش دايمًا عادلة، بس إحنا نقدر نكون أحنّ على بعض...
ويمكن دي تبقى البداية... بداية ترميم كل اللي اتكسر.
❈-❈-❈
بعد وقت بغرفة طوفان 
دلف وجد  درة غافية... تنهد بإرتياح، خلع ثيابه... ظل بسروال فقط، ذهب نحو الفراش لكن توقف للحظة حين سمع صوت ذلك الطائر الذي يُناجي ربه بصوت شجي،يشق سكون الليل...ذهب نحو الشُرفة ازاح الستائر ينظر الى الخارج،ظلام من بعيد،حتى النجوم مُتفرقة وعددها قليل،فالخريف بدأ يزحف،ظل واقفً يود أن يفصل عقله عله يرتاح من عذاب الضمير...لكن فاق من ذلك الشرود حين شعر بيدي درة حول عضديه ثم سندت برأسها على ظهره تتفوه بآسي ودعم: 
أنا حاسة بيك يا طوفان. 
 
شعر برأسها على ظهره، ودفء أنفاسها يلامس جلده كأنه ندي رطب يُهدئ جفاف داخله .. 
ترك الستائر ببطء، و إستدار يده امتدت تمسك يدها برفق، كأنه يتمسك بالأمان الهارب، عينيه مليئة بصراع داخلي مرير، لكن صوتها الهادئ الخالي من اللوم هدئه:
 أنا حاسة بيك يا طوفان… حتى لو مش بتتكلم، عارفة اللي جواك.
عارفة إنك موجوع ومشتت 
مش هسيبك تغرق في موجة حزن وصمت. 

حاول أن يتكلم، أن يقول أي شيء، لكن كلماته علقت في حلقه،
فقط نظر لها طويلًا، ثم ضمها إليه بقوة، كأنه يتشبث بها من الانهيار.

همس أخيرًا بصوت محشرج يحاول إخفاء حزنه بضلوعه: 
إيه اللى صحاكِ. 

فهمت أنه مازال يُكابر حتى لا يُظهر حزنه أمامها... 
رفعت وجهها إليه، كذالك كف يدها على وجههه قائلة: 
مكنتش نايمة هي بس عنيا غفلت، كنت مستنياك وحضرتك أنا آخر إهتمامك... خلى بالك إني حامل وبكره هحكي لابنك كل ده... مش الحجة وجدان  بتقول إنى حامل فى ولد، هاخده لصفي عليك وأقوله كان بيزعل ماما. 

غصبً تبسم وعانقها بقوة، يشعر ببعض الراحة  وجدها وهي بين يديه ، فك عناقه عنها، جذبته من يديه سار معها نحو الفراش... تحدثت له: 
بقالك كام يوم مش بتنام وأكيد مُجهد تعالى نام. 

وافقها وفعلًا تمدد على الفراش، توجهت الى الناحية الأخري للفراش،تمددت هي الأخرى على الفراش،لكن لم تستطيع النوم،ظلت لدقائق تتقلب يمين ويسار،شعر طوفان بذلك فتحدث بتريقة قائلًا:
من شوية قولت لى أنام عشان أرتاح وعماله تتقلبي وتهزي فى السرير.

تنفست بقوة قائلة:
مش عارفة أنام،مش حاسة براحة 
بنام على جانبي اليمين يوجعني،انام على ظهري بطني توجعني،أنام على جانبي الشمال يوجعني.

لم يستطيع إخفاء بسمته التى لاحظتها درة،فصفعته على صدره بخفه قائلة:
بتضحك على إيه،طب عقاب بقي قصاد ضحكك ده هنام هنا.

قالت ذلك ووضعت رأسها فوق صدره يده فوق عُنقه...ضحك قائلًا:
كده حسيتي براحة.

اومأت برأسها تزداد فى ضم نفسها له قائلة بإرتياح: 
جدًا جدًا.

تنهد طوفان مُبتسمًا يضمها لصدره،لم تظل وقت وغفت سريعًا بعد حديث قليل بينهم،ربما كان بالنسبة له إزاحة عن صدره بعضً من الهم.  

❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين 
صباحً
بأحد فنادق المنيا الفخمة 
أزاحت تلك الستائر عن زجاج الشُرفة... نظرت امامها كانت الشمس تملأ الكون بنورها... 
منظر الخُضرة المُمتد حول النيل مُريح للغاية... كادت تفتح زجاج الشرفة لكن منعها  صوت رنين الهاتف 
تركت الستائر وذهبت نحوه جذبته...تنهدت بعمق قبل أن تقوم بالرد: 
صباح الخير يا روان،قوليلي إيه  أخبارك فى المنيا هترجعي إمتي. 

أجابته: 
النهاردة هقوم بزيارة خاصة لبيت طوفان،وإن شاء الله راجعه بكره القاهرة.

سألها الآخر:
طوفان مش سهل وأكيد...

قاطعته بحسم:
مش هيقدر ينكر إننا كُنا متجوزين،متنساش كمان معايا نسخة من عقد الجواز العرفي...عاوزة أشوف مراته عن قُرب وأعرف رد فعلها لما تعرف إنه كان متجوز قبلها و... 

قاطعها الآخر قائلًا:
ربنا  يستر أنا مش قلقان غير من رد فعل طوفان. 

أجابته بتصميم: 
ميهمنيش إيه هيحصل كل اللى يهمني أرد كرامتي. 
 
❈-❈-❈
ظهرًا
على ذلك الطريق الترابي المؤدي إلى البلدة، كانت دُرة تقود سيارتها بهدوء عائدة الى المنزل، أناملها تقبض على المقود بإحكام، وعيناها تراقبان الطريق الممتد أمامها، تتنفس بهدوء... النسيم الشبه حار يتسلل الى السيارة ،  مرت فوق تىك الحفر الصغيرة الممتدة في ذلك الطريق الريفي.

ربما يوم الحظ لذلك المُتربص لها، قام بإتصال هاتفي قائلًا: 
شكل يوم الحظ النهاردة
الخراسة اللى دايمًا مرافقة مرات طوفان، إتأخرت فى البنزينه وهي لوحدها عالطريق. 

حدثته بنوايا شريرة قائلة بظفر: 
فرصتك مش لازم تضيعها... عاوزه أسمع خبر حلو النهاردة. 

لمعت عيناه بشرر وظفر فها هو يقترب من سيارة درة، 
درة التى نظرت الى مرآة السيارة  الجانبية لاحظت سيارة سوداء قديمة تُعطي لها تنبيهًا، تچنبت بسيارته قليلًا كي تسمح له بالمرور من جوارها وها هو يقترب وأصبح بالمقابل لها 
أخرج ذلك السلاح من جيبه وفتح صمام الأمان. 





تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة