
رواية أسد مشكى الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم رحمة نبيل
| لأجل أميرة سبز |
بعتذر للتأخر في النشر بسبب عودتي من العمل متأخرة عن العادة بعض الشيء .
صلوا على نبي الرحمة .
قراءة ممتعة .....
ـــــــــــــــــــ
كانت صرخة هي ما سمعت زمرد قبل أن يندفع الادرينالين في جسدها بشكل مرعب جعلها دون حتى أن تدرك ما يحدث ترفع قدمها بسرعة تضرب الملثم في معدته بشكل كاد يتسبب في جعله يبصق امعائه .
أما عن سلمى فشعرت بيدها تنقسم نصفين وهي تترك الخنجر يسقط ارضًا وقد أصابت الضربة يدها ولا تدرك حتى كيف، فقبل دفع زمرد للخلف، شعرت بالضربة تصيب يدها هي .
و زمرد لم تتوقف حتى لتفكر بما يحدث، إذ مالت بسرعة تلتقط خنجره وهي تندفع صوبه صارخة بجنونه تنقض عليه بضربة لولا تدحرجه بعيدًا لاصابت قلبه بدلًا من ذراعه .
أطلق أنمار تأوهًا مرتفعًا وهو يبتعد بسرعة عن زمرد يبصر بعيونها توحشًا مرعبًا، توحشًا كان يبصره طوال الوقت في طفولتهم، لكن أقل حدة، الآن وقد نضجت نضج معها توحشها وأصبحت مرعبة بحق .
ابتسمت له زمرد بسمة مرعبة وهي تحدق في ملامحه التي ظهرت بعدما تحرك اللثام جانبًا :
_ لماذا لا أشعر أنك غريب يا هذا ؟! هذه الملامح القذرة تشبه وبشدة أحدهم، من يا ترى ؟!
ابتسم أنمار بسمة واسعة مقززة، وهو يجذب ثوبها بقوة صوبه حتى كادت تسقط لولا سلمى التي ركضت تسحب لها زمرد وتضربه في معدته ضربة اقوى جعلت صرخاته تعلو أشد وأشد.
بينما زمرد ظلت تنظر له نظرات غامضة وهي تشعر بأن ملامحه مألوفة وبشدة، تحدق به بأعين مرتابة، بينما الأخيرة ابتسم وهو يهمس كلمات بلغة فارسية كانت مجهولة لسلمى معلومة لزمرد التي اتسعت عيونها بصدمة كبيرة وشحب وجهها وهي تتراجع للخلف بسرعة، لكن وقبل أن تدرك ما يحدث كان هو ينتفض بسرعة يضربها في الجدار جوارها بشكل جعل صرخات سلمى ترتفع وهي تندفع صوبه تضرب رأسه في نفس الجدار بقوة وهي تحاول التحامل على وجع يدها .
تضربه بقدمها وهي تصرخ بصوت مرتفع تنادي الجنود عل أحدهم ينقذهما بعدما أبصرت وجهه حينما سقط اللثام عنه، هو نفسه ذلك الحقير الذي اختطفها سابقًا.
أنمار الوسخ؟! لم يمت بعد ؟! كم روحًا يمتلك هذا الخسيس ؟!
أما عن أنمار فقد شعر فجأة برأسه تدور وجبهته تتهشم بنفس اليد للمرة الثانية، بينما سلمى تراجعت تمسك كفها تكتم صرخة كادت تفلت منها بعدما اصطدمت يدها المصابة بالجدار أثناء ضربه به .
سقط جسد أنمار ارضًا وهو يحاول أن يتماسك وينهض، لكن الدوار كاد يغلبه وهو يشعر بالمكان حوله يدور بقوة، لم يكد يتمالك نفسه حتى شعر فجأة بخنجر يوجه على رقبته وصوت أخته العزيزة تردد .
_ يبدو أنك أبيت الموت إلا على يدي ... أخي الوسخ .......
اتسعت عيون سلمى وهي تحدق بوجه أنمار ومن ثم وجه زمرد تهمس بعدم فهم لما سمعت :
_ أخوكِ ؟؟
في اللحظة ذاتها أرتفع صوت جهوري في المكان يأتي من الجهة الشرقية لرجل يصرخ بنبرة مرعبة :
_ ما الذي يحدث هنــــــــــا ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ انتويتها ؟! الحمدلله ظننت أن روحي ستخرج ولن تنتهي وتتزوج .
رفع نزار عيونه صوب أرسلان يتحدث بعدم فهم وهو يبصر إصراره على تزويجه :
_ مازلت لا افهم سبب تمسكك بتزويجي، أنت تتحدث كما لم يتحدث أبي ؟! ما سبب ذلك يا ترى ؟؟
تحدث أرسلان ببساطة وهو يحرك كتفيه :
_ أخبرتك سابقًا لأنني لن اتزوج حتى يتزوج الجميع ويتبقى أنا للنهاية .
ضحك عليه نزار وهو يحرك رأسه بيأس ظنًا منه أنه يمزح :
_ أنت حقًا لن تتغير، طوال الوقت تمزح بهذا الشكل أرسلان.
لكن أرسلان والذي كان يتهمه بالمزاح كانت ملامحه في غاية الجدية وهو يرفع له حاجبه بسخرية شديدة، ليتحدث نزار بعدم فهم :
_ أنت لا تمزح ؟!
نظر صوب سالار وايفان:
_ هو لا يمزح ؟!
ابتسم له إيفان ينفي برأسه وهو يرتشف مشروبه الدافئ :
_ لا يا عزيزي، هو جاد أكثر مما كان أي وقت .
اتسعت عيون نزار بقوة وهو ينتفض من جلسته يهمس بعدم فهم :
_ لا تمزح ؟؟ هل أنت جاد أرسلان ؟! اخرت زواجك كل هذا لترى ما سأقدم مهرًا لزوجتي كي تحضر أكثر منه ؟! لماذا لم تسألني ببساطة لأخبرتك وانتهينا من هذا ؟؟
تشنجت ملامح أرسلان وهو يرفع كفه يضرب رأس نزار الذي تأوه بصوت مرتفع وهو يجلس مجددًا ينظر له بحنق :
_ ماذا ؟؟
_ أي مهر هذا أيها الأحمق؟؟ كيف اقيم زواجي على اطلال أحزانك ؟؟ وكيف اتخطى حرمة فقيد الملك آزار أيها الاحمق ؟! هل تراني بلا مروءة لهذه الدرجة ؟!
نظر له نزار بصدمة لكلماته وهو يستوعب الأمر متأخرًا، ينظر صوب سالار الذي يراقب ما يحدث ببسمة ساخرة صغيرة، وايفان يكبت ضحكاته، يدرك القادم، فارسلأن ليس من ذلك النوع الذي يعبر أمام الجميع عن مشاعره الحقيقية، الآن سيخرج بأي شيء يغطي به على اعترافه السابق، وها هو لم يخيب ظنه ...
_ وأيضًا لأنني أريد للجميع أن يتفرغ لزفافي لذا ستتزوج اولًا وتأتي لتحضر زفافي فأنا لن أعد زفافًا حقيرًا كما ستفعل أنت، فأنت لا تتوقع أن أقيم زفافًا مثلك عزيزي صحيح ؟!
نظر صوب آزار يردد بجدية :
_ لا إهانة أيها العجوز صدقني .
رفع له آزار حاجبه وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة وجدوا باب القاعة يُفتح بشكل مريب دون استئذان وأحد الجنود يردد بصوت لاهث :
_ مولاي ....قتـــال...في الجزء الـ....قتال في الجزء المخصص لقاعة النساء .
ابتلع ريقه يحاول تمالك نفسه في اللحظة الذي نهض بها أرسلان يرهف السمع ينتظر لسماع القادم بينما أرسلان اقترب من الجندي الذي ألقى في وجهه القنبلة وهو يكمل جملته المعلقة :
_ يبدو أن أحدهم تهجم على الملكة في طريقها للـــ....
فجأة صمت الرجل برعب وهو يشعر بجسد يصطدم في الباب مرة أخرى وأرسلان ينطلق بشكل مرعب يحطم الأرض أسفله يصرخ بصوت مرتفع :
_ أيــــــــــــــن هـــــم الجنود المكلفين بحراسة تلك المنطقة ؟؟؟
نظر إيفان لأثر أرسلان وهو يتنفس بصوت مرتفع ينظر صوب سالار يرفع يديه في الهواء :
_ هذا دورك أنت، اذهب وتدارك ما سيفعل في ذلك الرجل لربما كان الأمر سوء تفاهم، وأرسلان لن يتفاهم مع الرجل وهو يبدو كالثور، اذهب سالار وحاول أن تتحكم بــ
قاطعه الجندي وهو يحاول التحدث مرتعبًا من موته هذه المرة بعدما نجى من دفعة أرسلان:
_ هو مولاي ...في الحقيقة الأمر كان مع ...الملكة و....أعتقد أنني سمعت أن...سمو الأميرة زمرد في الأمر كذلك .
اتسعت أعين إيفان وهو يهتف بصدمة دون شعور :
_ تبًا ..
وفي ثواني كان يركض بجنون في الممرات وهو يسحب مع الجندي بعنف :
- امامي وارشدني صوب المكان، هيــــا ..
راقب الجميع رحيلهم لينظر آزار صوب سالار الذي كان يتابع ما يحدث ببرود ليتنهد بصوت مرتفع يمسح وجهه بضيق :
_ يا الله يا مغيث، لعنة الله على الكافرين، الآن بدلًا من أرسلان، سأكون في حاجة للتعامل مع أرسلان وايفان، وسيكتمل يومي إن علم دانيار بالأمر، هذا رائع .........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ والآن أنا أعمل على قنبلة جديدة أكثر روعة من الأخيرة .
كان تميم يتحدث بجدية وهو يتناول بعض الفاكهة في طرقات قصر مشكى في طريقه مع دانيار صوب القاعة مجددًا .
لكن دانيار علق بهدوء :
_ لماذا تصنع الأسلحة تميم، انتهينا يا أخي منهم ..
_ أمثال هؤلاء يا أخي يتكاثرون بالهواء، لكن لا بأس اصنعها لنفسي، أو ربما يقرر الملك أرسلان في يوم أن يعلنها حربًا علينا بعد كل تهديداته تلك فنحتاجها .
كان يتحدث بمزاح وسخرية، في اللحظة التي أبصر بها أرسلان يركض صوبه بملامح مرعبة ليشحب وجهه وهو يتوقف يتحدث بريبة :
_ هل سمعني ؟؟ جلالة الملك أنا فقط كنت ....
لكن أرسلان تجاوزه دون كلمة واحدة ليتنفس تميم الصعداء ينظر صوب دانيار مبتسمًا :
_ كان هذا وشيكًا ظننته سمعني، على كلٍ كنت أخبرك أنه إن قرر الملك إيفان أن يرد على تهديـــ...
ومجددًا يقطع كلماته بسبب هرولة الملك إيفان في نفس الاتجاه الذي هرول له الملك أرسلان منذ ثواني اتسعت عيون دانيار وهو يشعر بالريبة تزداد .
وتميم راقبهم بعدم فهم :
_ حسنًا كان هذا مزاحًا، هل تحقق ؟!
تحدث دانيار وهو يراقب الأجواء:
_ أشعر بأن شيئًا سيئًا يحدث هنا و...
صدق حدسه وصدقه حينما أبصر سالار يتحرك بخطوات سريعة لنفس الجهة ليزداد الشك في صدره ويتحرك خلفه بسرعة :
_ هذا ليس جيدًا، ليس جيدًا البتة .
نظر تميم لأثر الجميع ثواني قبل أن يهرول خلفهم وهو ينادي دانيار أن ينتظره ليبصر ما يحدث في هذه اللحظة والذي استدعى أن يهرول الجميع بهذا الشكل مرعب ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في اللحظة التي سمع بها أنمار صوت الجندي خلفه دفع سلمى بقوة مسقطًا إياها ارضًا وهو يرفع حنجره ولم يكد يهبط به على زمرد حتى أبصر أحد الجنود يصرخ به بجنون وهو يهرول صوبه، ليجذب بسرعة زمرد يضع خنجره على رقبتها يبتسم لهم بسمة مريعة :
_ صدقني أنتم لا تريدون أن اتهور وانحر لكم رأس سمو الأميرة صحيح ؟؟
نظر له الجنود بريبة وهو ابتسم بسمة جانبية يواري بها ارتجاف جسده ويده وقد شعر بفداحة تصرفه، يشير لهم بالتراجع بالخلف وهو ما يزال يحمل خنجره على رقبة زمرد، وبالفعل بدأ الجنود بالتراجع .
بينما سلمى مازلت ساقطة ارضًا تعاني من وجع جسدها بالإضافة لوجع يدها، ترفع عيونها صوب زمرد تبصرها مقيدة بين يدي أنمار، حالة عاشتها سلمى مئات المرات مع الكثير من المختلين الذين كانوا يتخذونها درعًا، بشريًا، الأمر نفسه لكن الضحية ليست هي هذه المرة، بل زمرد .
تأوهت وهي تحاول الزحف بعيدًا تدعي الاستسلام، وهي تنظر صوب قدمه، وزمرد على عكس المتوقع كانت هادئة بشكل غريب، تدرك أن تهورها في هذه اللحظة لن ينالها منه سوى تدحرج رأسها أرضًا .
_ صدقني إن ظننت أنك ستنجو من هذا فأنت غبي ...
_ ربما لن أنجو عزيزتي، لكنني لم أكون الوحيد الهالك هنا ها ..
رفعت عيونها تنظر له :
_ أتسال كيف نجوت من عملية الإبادة التي شنها العزيز بافل ها ؟؟
_ تمامًا كما سأنجو اليوم عزيزتي .
ابتسمت له زمرد بسمة خبيثة وهي تحرك يدها دون أن يشعر صوب مرفقه، وقبل القبض على يده سمعت صوت هز اركان المكان بأكمله..
_ أيـــــــــهــــــا الوســــــــخ.
في اللحظة التي رفع بها أنمار عيونه لينظر صوب أرسلان، استغلت سلمى الأمر وضربت قدمه بقوة تسقطه ارضًا، ومالت زمرد تنتزع منه الخنجر، لكن أنمار تمالك نفسه في ثواني وهو يدفع زمرد بعنف صوب الجدار ويركض بسرعة هاربًا من المكان، لكن ليس قبل أن يدفع سلمى بغضب وحقد في الجدار .
وصل إيفان في هذه اللحظة يهرول صوب جسد أخته ليتأكد أنها بخير، يصرخ بالحراس أن يلحقوا به.
لكن فجأة أبصر أرسلان يهرول خلفه بشكل مخيف بعدما أبصر ما فعل بزوجته يصرخ بلهجة مرعبة :
_ أيها الخسيس الحقيـــــــر .
نظر له إيفان بصدمة وهو يناديه :
_ أرسلان دعه للحراس...ارســـــلان .
لكن أرسلان لم يكن يبصر في هذه اللحظة سوى هذا الحقير وهو يدفع زوجته بعنف صوب الجدار، هذا ولم يدرك أنه كاد يقطع كفها .
أخرج أرسلان حنجره وهو يحرك بين أصابعه يهرول خلف أنمار بشكل مرعب، وسرعة مخيفة، بينما الأخير يكاد قلبه يتوقف رعبًا وهو يهرول صوب السور الخاص بالقصر يناور الجنود ولم يكد يقفز على السور حتى شعر بخنجر يصيب قدمه مسقطًا إياه أرضًا.
أطلق صرخة رنّ صداها في المكان يسقط ارضًا في اللحظة التي وصل لها أرسلان يجذبه من ثوبه بشكل محموم قبل أن يُصدم من هويته بعدما انقشعت غيمة الغضب يهتف بعدم فهم :
_ الكائن أنمار ؟؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مهلًا هل كان الأمر متعلق بزوجتي ؟؟
كانت تلك أول ردة فعل صدرت من دانيار حينما وصل ووجد إيفان يطمئن على زمرد وهو يضمها له بحنان يحدثها بصوت منخفض، والأخيرة تبدو وكأنها كانت في حرب لتوها.
وهو فقط يقف يراقب الجميع بملامح محتارة ينتظر أن يسمع نفيًا، لكن كل ما أبصره هو نظرة زمرد التي رفعت له عيونها تنظر له بنظرة ذبحت قلبه ليطلق سبة وهو يتحرك صوبها ينتزعها من بين ذراعي إيفان يتحدث بصوت حاد وهو يتفحصها بعيونه بحرص :
_ من الذي فعل هذا زمرد وماذا فعل ؟؟ تحدثي حبيبتي من احزنك اقسم بالله اطعمه كامل سهامي في فمه .
نظرت له زمرد تهمس بنبرة شبه باكية وهي لا تصدق ما حدث منذ ثواني :
_ كان .... أخي.
رفع دانيار عيونه بسرعة صوب إيفان، لكن الأخير تحرك مع سالار بسرعة ليلحق بأرسلان وقد اطمئن على شقيقته مع زوجها .
أما عن زمرد رددت بصوت خافت :
_ ليس إيفان دانيار، ليس أخي بل....بقايا شعبي الوسخ .
نظر لها بأعين متسع، يحاول أن يستوعب ما يحدث لتردد هي بصدمة :
_ أخي السادس ...الوسخ أنمار.
اتسعت عيون دانيار بعدم فهم، لكن زمرد لم تكن تمتلك الوقت لتشرح وهي تتحرك صوب سلمى التي كانت تجلس ارضًا تحاول مقاومة الوجع الذي أصابها..
_ سلمى أنتِ بخير حبيبتي ؟!
رفعت لها سلمى عيونها مبتسمة تحاول أن تتمالك وجعها، تهز رأسها بنعم وهي تضغط على كفها بقوة تكتم دمائهما عن النزيف .
ولم تكد زمرد تتحدث بكلمة حتى سمع الجميع صرخة أرسلان باسمها وهو يهرول صوبها بلهفة وخوف شديد يلتقط جسدها بسرعة كبيرة بين أحضانه يهتف بلوعة :
_ سليمى، ما الذي فعله بكِ، هل أنتِ بخير؟؟ لقد دفعك ذلك الحقير للجدار، هل أصبتي عزيزتي ؟!
رفعت سلمى عيونها له مبتسمة، ذهب ليقتل الرجل، ومن ثم عاد يسألها ماذا فعل .
فتحت فمها لتطمئنه، لكن يبدو أن زمرد لم تستطع الصمت أكثر وهي تسكب وقودًا على نيران زوجها تردد بجدية :
_ ربما عليك الخوف على يدها أكثر من خوفك من أمر اصطدامها بالجدار .
نظر لها أرسلان بعدم فهم ثواني، ومن ثم حرك نظراته صوب كف سلمى :
_ ماذا بــــه ...يا الله، بسم الله عليكِ سلمى ما الذي حدث ليدك ؟؟ ما هذا؟ يا ويلي هذا....هذا جرح ....خنجر لقد ....
اشتعلت عيونه وهو ينظر لها يهتف بصوت لاهث من شدة غضبه :
_ هو من فعل هذا ؟!
ولم تكد حتى تنفي أو تؤكد سؤاله، حتى انتفض جسد أرسلان مقررًا العودة ليكمل عليه بعدما انتشله سالار من بين يديه بصعوبة، لكن سلمى أمسكت فجأة يده وهي تلقي رأسها على كتفه بسرعة تدعي التعب :
_ أرسلان ساعدني ارجوك أشعر بدوار مرعب، لقد ...ربما لأنني فقدت الكثير من الدماء يا الله.
اتسعت عيون أرسلان برعب وهو يمد يديه يحملها بسرعة كبيرة بين يديه يركض بها في القصر صوب المشفى تحت أعين زمرد التي كانت تتابع ما يحدث بصدمة، وجوارها دانيار وتميم لا يقلان صدمة عما يبصران في هذه اللحظة ....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس بين أحضانه في الساحة الخلفية للمنزل والتي أعاد زوجها أعمارها وزرع بها بعض الأشجار التي ما تزال في طور النمو، ووضع بها أريكة يضمها عليها وهو يتنفس براحة شديدة وكأنه انعزل عن العالم .
يستمتع بكل لحظة يقضيها وهي بين أحضانه.
وفجأة وفي وسط ذلك الهدوء تساءلت فاطمة بصوت مرتفع قليلًا وكأنها تترجم أفكارها لصوت :
_ أنت.....لم تخبرني الكثير عنك يا المعتصم؟! كيف كنت وعائلتك ؟! حياتك ؟! قص لي عنك قليلًا .
كتم المعتصم ضحكة كادت تفلت منه، لكن فجأة وبمجرد أن أبصر نظراتها المرتقبة له ضحك بملء فاهه عليها، وهي فقط تتابعه بعدم فهم :
_ ماذا ؟!
_ حسنًا، يبدو أن هذا سؤال متأخر بعض الشيء ؟! أن تسألي عن حياتي وعني يوم زفافنا، الأمر مضحك بعض الشيء .
رمشت وهي تشعر بمنطقية حديثه، لكنها فقط لم تفكر يومًا في سؤاله عن حياته، لم تهتم سوى به هو فقط ولم تفكر في معرفة حياته أو أسرته أو أي شيء يتعلق به، كانت فقط تكتفي بوجوده .
ويبدو أنه أبصر شرودها ليجذب وجهها بين كفيه بحنان يقبل خدها بحب :
_ كانت حياة عادية قبل أن تملئها فاطمة بكل ما هو جميل .
_ إذن قص لي عن حياتك قليلًا .
تنهد المعتصم وهو يضمها لصدره يداعب خصلاتها الشقراء الحبيبة والتي انبهر بها منذ ابصرها أول مرة، يشرد بها وهو يتحدث ببساطة :
_ حسنًا كان أبي يعمل تاجرًا في مشكى، هو من الأساس من شعب مشكى، وفي إحدى رحلات التجارة له لسفيد ليبيع بعض بضائعه هناك أبصر والدتي، ومنذ الوهلة الأولى أُعجب بها، وأخذ يستغل كل فرصة تدفعه صوب سفيد حتى أدرك في لحظة أنه لا يستطيع المواصلة في هذه الحياة دونها .
تنهد وهو يحرك إصبعه بحنان على باطن كفها يراقب بسمتها الرقيقة وكأنها تشاهد مشهدًا رومانسيًا .
_ كانت والدتي الفتاة الصغيرة لوالدين عجوزين تعتني بهما، بسبب انشغال خالتي والتي كانت الأخت الكبرى بعملها في القصر لتعيل الجميع، لذلك عندما تقدم أبي للزواج منها قرر الاستقرار في سفيد لأجلها ولأجل أن تكون جوار جدي وجدتي، وبعد سنوات قليلة من زواجهما توفى جدي وتبعته جدتي وفي ذلك الوقت كانت خالتي قد تزوجت من الملك وانجبت إيفان، وبعدها بسنوات جئت أنا لأصبح رفيقهما الوحيد في هذه الحياة .
اتسعت عيون فاطمة بصدمة :
_ الملك إيفان ؟؟ يكون ابن خالتك ؟؟
_يا ويلي فاطمة أنتِ حتى لا تعلمين ابسط الأمور عني، نعم، ابن خالتي الأكبر، هذا ما اكتشفناه لاحقًا وقد ظننا أن خالتي فقدت طفلها بعد الولادة .
_ لا افهم شيئًا .
_ حسنًا هذه قصة طويلة، لكن اختصارًا لقصتي، خافت والدتي من أن يمسني أحدهم بسوء فابعدتني عن الجميع وعن العاصمة، لكن حينما بلغت سن المراهقة تطوعت دون علمها في الجيش، لأذهب هناك واتعرف على الجميع وتبدأ حكايتي في قصر سفيد، وتمر السنوات وافقد والدي واحدًا تلو الآخر، حتى استقر بي الأمر احيا في القصر وحيدًا .
تنهد بصوت مرتفع وكأنه وأخيرًا وصل للحظة المفضلة له في الحكاية، اللحظة التي غيرت مسار حياته :
_ حتى اختارني القائد سالار أن أكون قائد المقاومة هنا في مشكى للتحرر من المنبوذين، فدخلت البلاد متنكرًا وأخذت أجمع الشعب حولي وقدتهم في المعركة التي حررنا بها مشكى، ومن بعدها رشحني إيفان لأكون قائد جيوش مشكى واكون برفقة الملك أرسلان، وكذلك القائد سالار هو من زكاني لدى الملك أرسلان، و...ها أنا ذا .
كان يتحدث وهو شارد، قبل أن يحرك عيونه صوب فاطمة التي كانت ترفع رأسها وهي تحدق في وجهه ببسمة منبهرة واسعة :
_ أنت رائع حقًا .
_ أوه وأنتِ لطيفة وجميلة وكل الصفات الجيدة في هذا العالم فاطمي الحبيبة .
كان يتحدث وهو يميل عليها يداعب وجنتيها بحب شديد، وهي تضحك ضحكات صاخبة حينما بدأت يده تتحرك لمعدتها .
وفي ثواني .
المنزل الذي كان يضم على مدار الشهور الطويلة السابقة، صرخات وآنات وشهقات فاطمة، المنزل الذي ضم كوابيسها واوهامها، المنزل الذي أبت جدرانه ضمها فيدفئها في برد الشتاء، المنزل الذي كان قبرًا لسعادتها وسجنًا لأحلامها، أضحى فجأة في وجوده فردوسًا ...
استطاع المعتصم أن يحول كل كوابيس فاطمة لسراب، ورغم أنه لم ينتصر على مرضها بشكل كامل، إلا أن التعايش معه لا يضيره ولا يحزنه، بل يتقبله لأجلها...
وفي هذه اللحظات كان صدى ضحكات فاطمة هو ما يسمع بين الجدران، بعدما كانت أصوات بكائها وحيدة كل ليلة هي ما يرن صداه في المكان ..
دارت الأيام واتاها عوض الله متمثلًا برجل يبكي العالم لأجل ضحكة منها .
وكأن الله جاء به من سفيد خصيصًا ليكون يدًا تربت عليها، حضنًا يضم أحزانها ...
كان المعتصم بالله وكانت هي فاطمته ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أنا بخير ..
لكن لا ردة فعل منه، فقط يجلس أمامها يراقب يد زوجة سالار وهي تضمد جراحها بأعين حريصة وكأنه يحفظ كل حركة تصدر من تبارك، بينما الأخيرة والتي تفاجئت بسالار يستدعيها للمساعدة في تضميد يد سلمى .
_ حسنًا ...هو ....
رفعت عيونها بخوف صوب أرسلان الذي كان ينتظر منها أي كلمة ويتابع باهتمام وكأنه ينتظر منها كلمة لا تعجبه حتى ينقض عليها ..
نظرت لسلمى وهي تحاول التحدث بما اكتشفته، قبل أن ينتفض جسدها على صوت أرسلان الذي نفذ صبره وازداد خوفه :
_ ماذا ؟! ما بها زوجتي سمو الأميرة، هل الأمر بهذا السوء ؟!
ابتلعت تبارك ريقها وهي تتحدث بصوت منخفض من شدة الرهبة لوجود ذلك الرجل أمامها ولا تدري لماذا لكن في هذه اللحظة رأت أرسلان وحشًا مخيفًا سينقض عليها رغم أنه لم يرفع صوته أو ينظر لها حتى :
_ مش هتكلم غير في وجود سالار ..
انكمشت ملامح أرسلان بعدم فهم وهو يحرك عيونه ما بين تبارك وسلمى التي بدأ القلق يتسرب لها رغم علمها أن الأمر لن يتعدى مجرد تقطيب للجروح، لكن قلق تبارك انتقل لها وهي ترى ارتعاش المسكينة تقسم أن زوجها إن أبصر خوفها هذا من أرسلان لن ينتهي الأمر إلا بقتال بين الاثنين ..
ربتت سلمى على كتف تبارك بهدوء وهي تحاول طمئنتها:
_ تبارك عزيزتي ما بكِ خائفة هكذا ؟! الأمر بسيط وأرسلان ليس بهــ..
فجأة انتفضت سلمى برعب وهي تتمسك بأحضان تبارك التي انكمشت بين ذراعيها على صوت أرسلان الذي وصل قلقه منتهاه :
- يا ويلي هل الأمر بهذا السوء ؟؟ ما بــــهــــا زوجـــــتــــي ؟؟
ابتلعت سلمى عيونها وهي تبصر مظهر أرسلان لتهمس بنبرة مرتجفة لتبارك:
_ نادي زوجك لينقذ كلينا تبارك، نادي أحدهم لينقذنا من هذا الوحش .
ارتجفت تبارك وهي تنظر بخوف حقيقي لأرسلان، تحاول الحديث بكلمات متماسكة، وقد قررت أن تتبع نصيحة سلمى وهي تتحرك ببطء عن الفراش تحاول الخروج من المكان لإحضار سالار وما كادت تخطو خطوتين حتى سمعت هتاف أرسلان المذهول من هروبها دون قول أو فعل شيء لزوجته الجريحة :
_ أنـــــتِ ...توقفي وعودي لمعالجــــ
لكن قبل إكمال جملته هرولت تبارك للخارج تصرخ ببكاء باسم سالار بشكل جعل عيون أرسلان تتسع وكذلك سلمى التي صُدمت من كل الخوف الذي تنظر به تبارك صوب أرسلان تتحدث بعدم فهم :
_ أرسلان بالله عليك ما الذي فعلته للفتاة ؟!
نظر لها أرسلان بصدمة ولم يستوعب بعد ما حدث، هل هو مرعب بهذه الدرجة؟؟ ومن يرتعب منه ؟؟ امرأة تحيا مع سالار تحت سقف واحد ؟! وكأن زوجها قط وديع ؟؟
_ استغفر الله هذه المرأة هل هي مجنونة ؟! ركضت دون معالجتك حتى ؟! سأذهب لإحضار زيان ذلك الحقير الذي يختفي كلما غفلت عنه .
تحرك بسرعة خارج الجناح وهو يشير لسلمى التي كانت تبارك قد ضمدت لها الجرح بشكل مبدئي :
_ فقط لا تتحركي سوف أحضر طبيبة القصر أو زيان ليـــ....
توقفت كلماته في منتصف الطريق وهو يبصر بمجرد أن فتح الباب تبارك تقف أمام الباب وهي تتحدث بصوت مرتجف وعلى جانب الباب يقف سالار الذي لم يتصدر المشهد تحسبًا أن يظهر جسد زوجة أرسلان من الباب وحفاظًا على حرمة امرأة صديقه .
انكمشت ملامح أرسلان بعدم فهم، يبعد عيونه عن تبارك بسرعة، بينما هي تحدثت بهمس لسالار :
- يمكنك الظهور ..
وأخيرًا أخذ سالار تصريحه بعدما تأكدت تبارك له أن سلمى ليست ظاهرة من مكانها، ليخرج سالار يقف خلف تبارك كالجدار يضم يديه لصدره ينظر لأرسلان بشر :
_ هل ابكيت زوجتي للتو أرسلان ؟؟
أبعد أرسلان عيونه عن تبارك ولم يفكر حتى بالنظر لها، وقد تشنجت ملامحه بعدم فهم يشير صوب نفسه بصدمة :
_ أنا ؟! مالي وزوجتك يا هذا ؟!
_ نعم هذا ما اسألك عنه بالتحديد، مالك وزوجتي يا حقير ؟! تبكيها ابكيك دمًا أرسلان.
_ أيها الــ
توقف قبل أن يخرج سبته وهو مايزال ينظر صوب سالار الذي سحب تبارك خلفه يتصدر المشهد لأرسلان، والاخير ضغط على شفتيه بقوة :
- احمد ربك أن زوجتك هنا ولولا أنني أخشى خدش حياء امرأتك لاسمعتك ما لا يسرك، ابتعد عن وجهي دعني أحضر مساعدة لزوجتي .
ولم يكد يتحرك حتى جذبه سالار جانبًا يشير لتبارك بعيونه للداخل لتهرول الأخيرة بسرعة تاركة سالار يتحدث بهدوء :
_ زوجتك ستحتاج لتقطيب جروحها فالجرح عميق للغاية، هذا ما أخبرتني به زوجتي، وهي ستساعدها لتقطيب الجروح، فقط اخرج من الغرفة ودعها مع زوجتك فأنت تخيفها .
ابتسم أرسلان بعدم تصديق وهو ينظر للخلف حيث تجلس زوجته وقد صدمه سالار بكلماته :
_ اخفيها ؟؟ أنا اخيف امرأة تحيا معك ؟! حقًا ؟!
جذب سالار أرسلان من ثوبه بغضب شديد وهو يهمس جوار أذنه :
_ أنت إن كنت تبتغي موتك، اريني دمعة من عيون زوجتي مجددًا .
وفي ثواني كانت لكمة تهبط فوق وجه سالار و أرسلان ينظر له ببسمة مرعبة :
_ هذه لتتذكر أنني لست ذلك الوسخ الذي يبكي النساء، أنا لا اتعامل مع النساء حتى، مالي بالنساء سوى شقيقتي وزوجتي أيها الحقير .
كان سالار يدرك كلماته جيدًا، لكن أن تأتيه زوجته دامعة بخوف من أرسلان تطلب منه الحضور معها كان كثيرًا للغضب، تنهد بصوت مرتفع يزيح الشيطان من بينهم وهو يربت عليه بحنان :
_ أدرك أرسلان ولا تظن لحظة أنني أخشى على زوجتي بوجودك أو وجود إيفان بالجوار، والله أأمنكم على زوجتي وأدرك أن احدكما لن يمد لها عينه بنظرة ولا اصبعًا بالسوء، لكن يا اخي لقد ...اخفتها لزوجتي وجاءت تبكي .
تنهد أرسلان يعتذر بخفوت :
_ مازلت لا أصدق أن زوجتك تخافني، لكنني آسف إن فعلت ما اخافها وابكاها، فأنا لو جاءتني زوجتي تبكي من أحدهم لقتلته؛ لذلك اعذرك .
نظر للخلف وهو يحدق بالباب بخوف ليجذبه سالار صوبه :
_ تبدو متوترًا يا أخي، ما بك ؟! إن شاء الله لا شيء خطير تعرضنا لجروح اخطر من هذه ومرت بكرم وستر الله أرسلان.
_ طعنة بصدري ولا خدش باصبعها سالار .
كانت كلمات قليلة أجاب بها سالار وهو يستند على الباب ينتظر أي كلمة قد تهدأ ضربات صدره، بينما سالار يراقبه ببسمة ولم يعلق أو يستفزه بشيء، فهو لو كانت تبارك بدل زوجته لفعل المثل، لا يلومه، بل يلوم ما يدور داخل صدورهم ..
ياالله قبل سنوات قليلة كان الجميع صخور لا تهتز، لكن الزمان لا يترك شيء على حالته....
_ ما رأيك بعدما تطمئن على زوجتك تأتي لقتال سريع معي ربما يخفف هذا من غضبك وتوترك ؟!
استدار أرسلان صوب سالار يرمقه بتعجب لثواني قبل أن ينفي برأسه رغبته في الأمر مصيبًا سالار بصدمة كبيرة وهو يبصر للمرة الأولى رفض أرسلان لقتال .
- لا أعتقد أنني أستطيع ذلك سالار قد اتهور واؤذيك في القتال .
اتسعت بسمة سالار بقوة يبصر وأخيرًا تحسن حالة سالار وعدم توجهه للقتال حين احتدام مشاعره، وقبل أن يعبر عن سعادته تلك أكمل أرسلان جملته السابقة بهدوء :
_ سأذهب لأنمار أفضل فلن اضطر للتحكم بنفسي حين ضربه .
ضحك سالار بصوت صاخب على كلمات أرسلان يهز رأسه بيأس :
- وأنا من ظننت أن الله قد من عليك بالعقل وسترفض القتال لأنك أصبحت مسالمًا ولا تريد استخدام القتال لتخفيف غضبك ..
ابتسم له أرسلان بملامح متشنجة لما يقال، ليهمس سالار بسخرية :
_ يبدو أن زوجتك فاتها القليل من الخصال أثناء رحلة تحويلك لإنسان طبيعي أرسلان، إذن انتهي من أنمار واحضره للقاعة فالحكيم العزيز إيفان يود التأكد أنه سيتوزع بعدل على الجميع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعات قليلة وفي قاعة عرش مشكى .
_ لكل إنسان حق في تلقي محاكمة عادلة قبل الحكم النهائي عليه، ونحن هنا في هذه اللحظة للحكم على المدعو أنمار.
كان يجلس على مقعده وهو يتابع الهراء الذي يحدث أمام عيونه، يدور بنظراته بين الجميع دون قول كلمة واحدة، فقط يتابع حتى ينتهي حكيم الممالك من كلماته قبل أن ينطق هو حكمه، ينفخ بعدم اهتمام وهو ينظر لأنمار بشر وكأنه يتوعده بجوله ثانية من تحطيم عظامه حينما ينتهي كل هذا...
ابتسم سالار وهو يهمس له بصوت منخفض وهو يرى حالة أنمار أمامه:
_ جيد أنك رفضت قتالي في حالتك هذه .
ابتسم أرسلان بسمة جانبية وهو يهتف بصوت هامس مماثل :
_ سالار أخبر ذاك الحكيم أن ينتهي من كل هذا، الأمر لا يحتاج لكل ذلك، هي كلمة واحدة وتنتهي المحاكمة، هو يضيع وقتنا جميعًا .
وبالحديث عن الحكيم، كان إيفان ينظر لجسد أنمار الذي أصبح كالخرقة البالية في منتصف القاعة بعدما طلب له محاكمة عادلة كما الجميع.
_ جرائمك الكثيرة تخطت الحدود، انقلاب وتحريض على الخراب، قتل ودمار وخطف نساء، وتختمها بمحاولة حقيرة في قتل أختي و...
_ وخطفت زوجتي، وحاولت اذيتها كذلك وجرحت يدها جرحًا غائرًا أيها الوغد.
وكان هذا التدخل من أرسلان الذي تجاهل كل ما قيل منذ ثواني وكأنه يعرض أكثر جرائم أنمار بشاعة، وقد كان الأمر كذلك بالنسبة له في الواقع، فكل ما سبق وذكره ايفان كان في جانب، وأقترابه من زوجه في جانب آخر، ما يزال جرح كفها يصيبه بالجنون.
_ تخدع أحد رجال مملكتي وتدخلها وتقيم بأحد منازلها وتظن أنني لا ادري بالأمر ؟؟ تندس بين جنودي وتعتقد أنني لا أعلم ؟! عزيزي أنا فقط كنت انتظر انتهاء الزفاف لأتفرغ لك، وأرى ما تطمح له، لكن يبدو أنك تسرع من نهايتك .
ختم حديثه وهو يتذكر تحدث تيم له بخصوص ما علمه من إحدى نساء المملكة حول إقامة أنمار لديهم لفترة بحجة أنه رجل ضل طريقه في الغابة قبل أن يختفي تاركًا خلفه ورقة تحمل قائمة من يود التخلص منه، وحسنًا كان الأمر ليكون مضحكًا أن يجد اسمه في قوائم اعداء الخراف، لكن أن يجد اسم زوجته كذلك من بين الأسماء هذا ما أثار جنونه وجعله يرسل جنوده في المملكة بأكمله بحثًا عن الحقير أنمار، ليكتشف من يومين في النهاية أنه يتخفى أسفل سقف قصره.
تنهد إيفان وهو ينظر صوب زمرد التي كانت ما تزال تحدق فيما يحدث دون القدرة على الحديث حتى ومازالت لا تصدق ما تبصره، بعد كل هذه السنوات يعود الحقير أنمار من الموت لينتقم منها على ...اللاشيء .
_ حسنًا المظلمة لم تطالك فقط أرسلان، فأختي أحق الناس بثأرها من ذلك الرجل، ودانيار له كامل الحق في أخذ قصاص زوجته كما حقي أنا في أخذ قصاص اختي .
رفع أرسلان يده في الهواء بكل هدوء :
_ لا امنعكم حقكم والعياذ بالله إيفان، لم آكل يومًا حق أحدهم ولو كان في جيفة عفنة كأنمار، لذا سأصبر حينما ينتهي الجميع وآخذ ما يتبقى منه لي.
نظر له إيفان ثواني وهو يهمس بصوت منخفض جوار أذنه:
_ أرسلان حبًا بالله حاول ألا تظهر بمظهر المختل الآن هناك نساء في المكان .
نظر له أرسلان بعدم فهم، في ماذا أخطأ الآن، بينما إيفان أعتدل في وقفته وهو يهتف بجدية :
_ معاذ الله أن نظلم أحدهم، لكن ردًا على كل الجرائم التي ارتكبها ذلك الحقير أنمار، فلا حكم له لدينا سوى القصاص العادل، والقصاص العادل لا يتــــ....
_ الموت.
كانت كلمة خرجت من فم أرسلان الذي مال على أذن إيفان يهمس له بنفس الطريقة :
_ حبًا بالله إيفان حاول ألا تظهر بمظهر العادل الآن، هناك مختل قليل الصبر في المكان .
كان يشير في كلماته لنفسه، وهو ينهض يبتسم ببساطة يشير لجنوده لسحب أنمار من القاعة كي يسلمه اولًا لدانيار كي يأخذ قصاصه :
_ إذن وبما أننا انتهينا من هذه المحاكمة على خير وحققنا ما نطمح له جميعًا، أو ما يطمح له إيفان، اسمحوا لي يا سادة بالذهاب ريثما تنتهون من أنمار.
ومن بعد هذه الكلمات تحرك مبتسمًا للجميع يخرج من القاعة صوب غرفة سلمى كي يطمئن عليها بعدما سحبه إيفان بالقوة لأجل المحاكمة .
ونعم يشهد أرسلان أن شخصية إيفان لا يليق بها سوى الملك، عادل قوي وذو عقلية مرعبة، يدير سفيد بيد من حديد، أو عقل من حديد، ربما لهذا لم تسقط سفيد يومًا، بالإضافة لوجود قائد جيوش مخلص شديد البأس كسالار، الشيء الذي افتقده هو في فترة من الفترات وكان سببًا رئيسيًا في سقوط مشكى بعدما باعها كل قادتها للمنبوذين، لكن الآن انعم الله عليه بالمعتصم بالله وكذلك تيم .
_ آه حياة الملوك صعبة خاصة لو كانوا بعدل وحكمة وصبر إيفان، اعانه الله على حياته .....
ــــــــــــــــــــــ
_ إذن تريد إقامة زواجك من ابنتي خلال اسبوع واحد من اليوم ؟!
_ حسنًا أنا فكرت في ثلاثة أيام لكنني لم أرد استغلال كرمك كثيرًا كي لا اضغط عليك فترفض الأمر برمته جلالة الملك .
حرك بارق رأسه صوب توبة التي كانت تجلس جواره تنظر ارضًا تدعي الخجل كي لا يوجه لها أحدهم كلمة، لكن والدها لم يقتنع بما تفعل وهو يردد بعدم فهم :
_ هل ...هل أنتِ متأكدة يا ابنتي أنكِ تريدين إكمال باقي حياتك مع هذا الرجل ؟!
رفعت له توبة عيونها بسرعة ورعب حينما سمعت نبرة استنكار ورفض في صوت والدها، بينما آزار اعتدل في جلسته بعدما كان مسترخيًا في الشرفة الفسيحة يسمع الحوار بانتباه .
_ مهلًا وما به هذا الرجل بارق ؟؟ هل ينقص ولدي شيئًا ؟! ملك أبى وطبيبها وقائد جيوشها، أخبرني بالله عليك من أين لك بزوج ابنة كولدي ؟!
وقف بارق في وجه آزار وهو يبتسم ببرود وقد بدأت عيونه تلتمع بتحدي وكأنه يأبى أن يخسر ابنته لصالح رجل آخر، فانمار سابقًا كان مجرد رجل تقدم ورآه مناسبًا ولم يره يومًا خصمًا له، كما أنها كانت جواره طوال الوقت ولم تبتعد عنه .
_ هذه مميزات قد تغري أي أحد، وليس أميرة سبز عزيزي، أفق... فولدك لم يتزوج بأي امرأة، فهذه ابنتي أميرة سبز مبارزة بارعة مثقفة وجميلة، اجمل فتيات الممالك أجمع.
ابتسم نزار وهو ينظر لتوبة غامزًا لها ؛
_ اشهد بذلك مولاي .
استدار له بارق بغضب وهو يبعد وجهه عن ابنته :
_ أبعد عيونك عنها يا هذا .
_ ماذا ؟؟ هذه زوجتي .
أعاد بارق عيونه صوب آزار الذي تحدث بجدية بعدما ادار رأس ولده صوب توبة مجددًا بعناد :
_ أنت يا بارق ستكون والد زوجة حقير، ما بك هل سيأكل الولد ابنتك ؟!
اتسعت ابتسامة نزار ببراءة وهو ينظر صوب توبة بهيام، لتبعد الأخيرة عيونها بصدمة من تصرفاته، فبينما يكاد والديهما يفقدا علاقة الصداقة التي استمرت لعقود بسببهما يجلس هو ويتغزل بها بعيونه ودون نطق كلمة واحدة حتى .
حاولت أن تتحدث بكلمة لتوقف الحرب الناشبة حولهما، لتتفاجئ بجسد نزار الذي استغل حالة النقاش الحادة بين والده وبارق، ينتقل من مكانه لمكانها :
_ إذن سمو الأميرة أخبريني حول افكارك لزفافنا ؟!
نظرت له توبة بصدمة من كلماتها، نزار جن بالكامل، الرجل كان أكثر الرجال الجادين الهادئين والمتعقلين، هل حصلت على نسخة فاسدة منه ؟؟
_ هل تمزح معي ؟! أي زفاف هذا والحرب بين سبز وآبى على الابواب ؟!
سمعت ما يقال خلفها من فم الملك آزار، لتهتف بصدمة وهي تصرخ بوجه نزار :
_ والدك يهدد بإحضار جيوشه للقتال نزار، هل تمازحني ؟؟
_ حبيبتي هذا مزاح خشن فقط، أبي لن يقود جيوشه لسبز، سوف أحضرهم أنا لكِ بمهرك، والآن انتبهي لي وأخبريني حول لون الفستان الخاص به، أتخيلك بالذهبي ستكونين في غاية الروعة .
ارتفعت أصوات صرخات بارق وهو يصيح بجنون :
_ أنت وولدك لن تخطوا لسبز إلا على جثتي آزار، ومن الآن وحتى تعلم من ناسبت لن ينال ولدك نظرة واحدة من ابنتي حتى .
وفي الاسفل على الأريكة خلفه كان نزار يمسك يد توبة يقبلها بحنان شديد :
_ لا أصدق أنه بعد كل ما ممرنا به اصبحتي ملكي توبة، هذا حلم يتحقق اميرتي .
نظرت توبة خلفها بأعين متسعة، ومن ثم عادت بعيونها لنزار الذي كان يبدو وكأنه انعزل عن العالم حولهم، وصوت والد نزار يصدح في المكان بصرخات .
_ وهل ستُحرم على ولدي زوجته ؟؟ والله لن يحدث إلا على جثتي بارق .
_ معاذ الله أن احرم ما أحل الله، لكن شعرة من ابنتي لن يمسها حتى ارضى عن هذا الزواج وتدرك أنت وولدك قيمة ابنتي .
ضم نزار يديّ توبة بين كفيه وهو يستند عليهم بذقنه بحب كبير يهمس بصوت عاشق :
_ صدقيني لن تندمي لحظة واحدة على موافقتك هذه توبة .
مسح آزار وجهه بعنف وهو يزفر بغضب شديد :
_ أنت أيها العجوز الخرف ومتى أنكر أحدنا مكانة الأميرة توبة، والله مكانتها تعلو فوق مكانة ابنتي في البلاد، هذه أميرة سبز وملكة آبى ومن يحط من قيمتها أدفنه ارضًا، أنت من تبدو كغر تغار على ابنتك من ولدي، وهو ما أظهر لك يومًا نية بحرمانك منها .
ونزار كان يثبت حديث والده في هذه اللحظة وهو يهمس لتوبة بعشق :
_ فقط نتزوج ولن اجعلك تبتعدين عني خطوة واحدة ولو للذهاب إلى سبز حتى.
استغفر بارق ربه وهو يشعر أنه بالغ في ردة فعله :
_ استغفر الله، لم اقصد ذلك آزار، لكن ... أنت تمتلك فتاة وصدقني ستشعر بما أشعر أنا به حينما تدرك أنها ستبتعد عنك و....
توقف عن الحديث وهو يبصر نزار الذي كان يحتضن كف ابنته ويتحدث معها بصوت هامس ليصرخ بغضب شديد :
_ أنت أيها الحقير ابتعد عن ابنتي، أبعد ولدك عن ابنتي آزار..
جذب آزار ولده بغضب من ثيابه صوبه هامسًا :
_ أيها الحقير ما الذي تفعله ؟؟ تتغزل بالفتاة أمام والدها ؟! ألا عقل في رأسك ؟؟
كان يتحدث وهو يضرب على جانب رأسه بغيظ، بينما نزار غمز له بمزاح، ومن ثم حرك عيونه صوب بارق الذي جذب له توبة بغيظ :
_ تريد الحصول على ابنتي، إذن ابذل المزيد من الجهد لأجلها، أمامك اسبوع واحد فقط لتقنعني أنني لن اندم بزواجها منك .
وبهذا أعلن بارق موافقته غير المباشرة وهو يسحب توبة ويخرج من المكان، وتوبة قبل الرحيل استدارت للمرة الأخيرة تنظر صوب نزار الذي غمز لها ببسمة لتخجل وهي تبعد عيونها بسرعة عنه تحت أعين آزار الذي كان يراقب ما يحدث وهو يضم يديه لصدره :
_ سيرهقنا هذا العجوز يا ولدي .
_ يبدو هذا يا أبي، ما الذي سنفعله ؟!
_ نجاريه حتى ننتزع منه ملكة آبى، ومن ثم نردها له اضعافًا .
نظر له نزار ثواني قبل أن يبتسم بسعادة كبيرة وكأن الفكرة أعجبته .
_ والآن ماذا ؟!
_ الآن سنعود لآبى كي تجهز موكب زفافك يا ولدي ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصوات أبواق الاحتفال يرن في كامل أنحاء المملكة وقد أعلن الملك بارق عن زواج ابنته من ابنة الملك آزار، اتحاد مملكتين بحجم آبى وسبز كان شيئًا متوقعًا منذ زمن طويل، وقد ظن الجميع أنه بمجرد أن يشتد عود الأميرة توبة سيسارع الملك آزار ويزوجها لابنه الأمير نزار .
لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجئًا، إذ يبدو أن الله كتب لكلٍ منهما نصيبًا مع آخر، لكن تمر الايام وتعلو إرادة الله كل شيء، وتجتمع قلوب ما ظن أصحابها أن يتآلفوا يومًا .
فتحت سبز أبوابها أمام قوافل آبى التي بدأت تتدفق كالسيل منذ الصباح الباكر، قوافل يتقدمها نزار والذي قد جلب النفيس والغالي وبذل كل ما جمع طوال سنوات حياته من عمله بالجيش والمشفى وكل قرش اكتسبه يومًا ليحضر أثمن المهور للأميرة توبة .
يتحرك الموكب بين طرقات سبز والجميع يرحب بسعادة كبيرة، ونزار فقط يحرك رأسه له ببسمة واسعة وهو يضع يده جهة صدره بتقدير لترحيبهم ...
وخلفه تتحرك مواكب ما جمع لأجل توبة، يرفع رأسه صوب قصر سبز وهو يتطلع له بأمل واعين ملتمعة، ذلك القصر الذي يخفي خلفه مكافأة العمر .
سمع كلماته والده جوار أذنه وهو يهمس له بصوت شبه مسموع بسبب اصوات الشعب حوله :
_ حاول ألا يقتلك بارق اليوم بني، تحكم بنظراتك فنحن لا نريد أن يطعمنا ما احضرنا ويطردنا شر طردة من بلاده، والله لن الومه، فلو نظر أحدهم لشقيقتك نفس نظرتك لابنته أمامي لاطعمته سيفي.
ابتسم له نزار بسمة صغيرة وهو يهمس :
_ سأحاول .
صمت ثواني ثم تساءل بجدية :
- بالحديث عن صغيرتي، أين موكبها لا ابصره ؟!
أشار آزار بعيونه للخلف صوب الموكب الذي كان يتبعهم وقد أخرجت منه ابنته رأسها وهي تراقب ما يحدث حولها بسعادة كبيرة، ابتسم عليها نزار وهو يعود بنظراته للأمام يراقب ابواب القصر التي فُتحت أمامهم يستقبلهم الكثير من الرجال والذي يتقدمهم الملك بارق الذي فتح لهم ذراعيه يردد ببسمة :
_ أنرتم سبز يا رجال ...
هبط نزار عن حصانه سريعًا يتحرك صوبه يستقبله بالاحضان وهو يقبل رأسه باحترام :
_ السلام عليكم عم بارق، عساك بأفضل حال .
ضحك بارق وهو يبادل نزار الاحتضان يربت على ظهره بحب، فنزار كان الولد الذي لم يحصل عليه منذ طفولته وقد كان أقرب الرجال له بسبب كثرة زيارات آزار له معه، الرجل الذي تمناه سرًا لابنته ذات يوم، لكن حينما علم خبر زواجه تمنى له التوفيق وعلم أن الله سيحضر لابنته نصيبها ولو كان في أقاصي البلاد، وها هو يأتي به الله، الرجل نفسه الذي تمناه لابنته، يأتيه بالغالي والنفيس طالبًا ودها ..
تقدم آزار من بارق وهو يفتح له ذراعيه بسعادة كبيرة ليتلقفه الأخير بسعادة تفوق سعادته :
_ من يصدق بارق، بعد هذه السنوات يربطنا الله بعلاقة أشد وأقوى، لا أتخيل أن يأتي وقتٍ نتشارك به الحفيد ذاته يا أخي.
اتسعت بسمة بارق بشدة من التخيل، أن يمن الله عليه بحفيد ثاني بعدما فقد محمد، كان أمنية غالية يدعو بها الله بكل صلاة .
ترحم على حفيده وهو يرفع عيونه صوب آزار :
_ إن شاء الله يا اخي، هيا تعالوا لترتاحوا من السفر .
ختم حديثه ليشير آزار صوب رجاله بحمل الصناديق للداخل، وهو نظر صوب نزار الذي يتحرك بعيونه في كل مكان بحثًا عنها :
- هيا نزار .
تحرك نزار خلفه وضربات قلبه تضرب صدره بقوة في انتظار نظرة تروي شوقًا مضنيًا وقد حُرم منها طوال الأسبوع، تحديدًا حينما عادوا جميعًا من مشكى .
في الاعلى في إحدى نوافذ القصر المختفية بين الأشجار، كانت تقف هي تراقب ما يحدث وضربات قلبها تقرع بقوة، تشعر برغبة قوية في البكاء بسعادة، تنفست بصعوبة وهي تسمع صوت نغمة جوارها :
_ مازلت لا أصدق ما يحدث، الأمير نزار ؟؟ أنتِ حتى لم تنظري له مجرد نظرة فضول سابقًا، كيف ....هل أنتِ مجبرة على الزواج ؟!
ابتسمت توبة دون شعور وهي تراقب نزار الذي كان يرتدي ثوب يتكون من سترة بيضاء وبنطال بني اللون يبتسم للجميع بسمة ساحرة وهو يصافح ويرحب بالجميع وضحكاته تصدح في المكان لتزيد من وسامته.
_ نعم .
اتسعت عيون نغمة بصدمة من اعتراف توبة :
_ من ...هل والدك هو من اجبرك؟!
_ لا .
_ إذن من ؟؟
في اللحظة ذاتها أرتفع رأس نزار الذي لم يوفر فرصة للبحث عنها بين الشرفات، حتى التقط نظراتها لتتسع بسمة أكثر مظهرة غمزة صغيرة في باطن خده الأيسر، بسمة أطاحت بكل تماسك توبة :
_ قلبي ....
رمشت نغمة دون فهم وقد كانت تشتغل بالفضول ولأول مرة لا تشبع توبة فضولها، فجأة أبصرت توبة نزار يتحرك للداخل لتتحرك بسرعة راكضة من أمام نغمة دون كلمة، ونزار ما يزال يتابعها عبر النوافذ على طول الممر حتى استقرت في نافذة تطل على مدخل القصر تقف هناك وهي تتنفس بصوت شبه مسموع، قبل أن تشهق متراجعة للخلف بسرعة حينما رفع نزار كفه يطبع عليه قبلة، ومن ثم يرفع لها وكأنه يرحب بها، وأخيرًا وضعه جهة صدره غامزًا لها .
وهي فقط تراجعت للخلف تضع يدها على فمها تنظر حولها خوفًا أن يكون قد ابصرها أحدهم، ومن ثم هرولت بوجنة حمراء صوب غرفتها تختبئ بها عن الأعين...
ولم تدري أن تلك الأعين كانت تتابعها بصدمة واضحة وهي مجمدة أرضها بعدما أبصرت هذا المشهد تردد بعدم فهم :
_ هل كانت توبة ...هل هي تحبه حقًا ؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــ
ساعات قليلة وبدأت سبز تستقبل جميع الأفواج من أنحاء الممالك وقد كان أول الحضور موكب سفيد الذي كان به جميع رجال ونساء قصر سفيد .
وكانت توبة تقف في الاستقبال مع شقيقة نزار، ترحب بالجميع بسعادة وقد كان وجهها مشرقًا بشكل غير مسبوق، السعادة تملئ صدرها وهي تعانق هذه وترحب بهذه ..
تقودهم صوب مجلس النساء، بينما بدأ الملك بارق يستقبل إيفان وسالار وباقي الرجال ببسمة واسعة :
_ شرفتموني بحضوركم زفاف ابنتي يا رجال .
ابتسم له سالار وهو يعانقه بحب :
_ بل الشرف لمن يحضر مولاي .
ابتعد يتحرك صوب الملك آزار يعانقه بحب وسعادة كبيرة لأجله وقد كان قلبه يتراقص للسعادة التي تتلألأ في أعينه بعد شهور طويلة من الانطفاء .
_ مبارك يا عزيزي، عساه لنزار يملئ عليك قصر آبى بالاحفاد الذين تُقر بهم عينك .
_ آمين عزيزي، وعسى الله يسعدني بولدك القادم بني ..
ابتعد سالار عنه ببسمة قبل أن يتحرك صوب نزار الذي احتضنه بحب شديد وقد ساهمت الشهور السابقة في تقرب سالار منه بقوة، إذ لم يتركه سالار لأحزانه، بل ظل ملتصقًا به وكأنه يحاول ملء فراغ تركه الوليد بقلبه سابقًا .
_ مبارك يا اخي، عساها فرحة عمرك .
_ بارك الله بكِ وبأسرتك سالار، شكرًا لوجودك اليوم جواري أخي .
ابتعد سالار سربت على كتفه بحب :
_ طوال الوقت حتى يسترد الله أمانته.
_ أطال الله بعمرك يا قائد.
ومن بين الترحيب بالجميع أعلن حارس البوابة وصول موكب مشكى لبوابة القصر .
انتبه الجميع للبوابة ليبصروا أرسلان يتقدم الموكب يجاوره المعتصم مع تيم وخالد وفي الخلف موكب النساء، وموكب آخر كبير وصناديق كثيرة وكأن أرسلان جاء بالمهر لطلب عروس .
ضيق نزار ما بين حاجبيه بعدم فهم، يتابع توقف الموكب وترجل أرسلان من أعلى صهوة حصانه يتحدث ببسمة واسعة وهو يفتح ذراعيه للجميع وقد تألق بثوب ابيض اللون مع بنطال اسود بسيط دون أن يرتدي زيه الملكي ..
_ اشتقتم للعم ارسلان.
وشتان ما بين لهجته في هذه اللحظة ولهجته التي ينطق بها نفس الجملة في حروبه .
كان بارق أول من تحرك ليستقبله مرحبًا به، وقد أخذ يتنقل بين أحضان الجميع، حتى وصل للترحيب بنزار يضمه بقوة وهو يصيح بسعادة :
_ مبــــــــــارك لك يا اخي أن منّ الله عليك بالسعادة .
ضحك نزار وهو يستقبل عناقه بالمثل، بينما تحدث إيفان وهو يشير للرجال الذين بدأوا يحملون صناديق مشكى يتحركون بها للداخل :
_ ما هذا أرسلان، هل تشارك نزار بالمهر أم ماذا ؟!
نظر أرسلان خلفه يراقب رجال كثيرون يتحركون داخل القصر مع الصناديق، ثم عاد لهم بابتسامته يردد بهدوء :
_ هؤلاء طباخي قصر مشكى وهذه صناديق المكونات التي سيستخدمونها في تحضير مائدة الزفاف عزيزي.
اتسعت أعين الجميع بصدمة وتحدث نزار وهو يراقب ما يحدث بصدمة وقد شعر أنه لا يفهم شيئًا :
_ ماذا ...هذا .... أرسلان هذا ....
_ لقد وعدتك .
_ كنت ...امزح اقسم بالله كنت امزح .
غمز له ارسلان وهو يضم يديه لصدره :
_ وأنا لم أكن امزح نزار، لا أحيد عن كلمة نطقها فمي يومًا، مائدة زفافك لن يعدها سوى طباخي مشكى، لقد سحبت لك نصف طباخي القصر وتركتهم جياعًا هناك لتدرك مقدار تضحيتي .
أطلق إيفان ضحكات مرتفعة يضرب كتف أرسلان بمزاح :
_ احيانًا تكون .... إنسانًا أرسلان.
ضرب أرسلان كفه بضيق ممازح :
_ مع من يستحق يا عزيزي .
وقبل التحدث بكلمة تحرك بسرعة صوب الموكب الخاص بالنساء، يمد يده يلتقط خصر سلمى وهو يساعدها في الهبوط، ثم مال عليها يهمس بهدوء ولطف :
_ بخير سليمى؟! عساه الطريق لم يكن صعبًا .
ابتسمت له بسمة واسعة تنفي برأسها وهي تتمسك بكفه تربت عليها بحب :
_ كان سلسلًا آرس وقد هونت رفقة فاطمة الأمر كثيرًا .
هز رأسه يهمس بصوت منخفض :
_ تعلمين غرفتي صحيح؟؟ سوف أرسل لكِ طعامك وآتي لأجل ادويتك حسنًا ؟؟
_ أنا بخير أرسلان.
_ وأنا سأكون بخير حينما اطمئن أنكِ تناولي ادويتك سلمى .
هزت رأسها وهو مال قليلًا يرفع لها طرف فستانها، ومن ثم اعتدل يقودها مع فاطمة التي هبطت بمساعدة المعتصم، يشير لهم بالتحرك صوب عاملات القصر، يراقبها حتى غابت عن عيونه تحت أعين الجميع المصدومة ليكون تميم أول من يتحدث :
_ حسنًا لا أعتقد أنني قد اتأقلم مع هذا بسهولة .
وايفان ما كان ليفوت فرصته أبدًا في اثاره غضب أرسلان:
_ يا ويلي من حب أرسلان يا ويلي.
_ صدقني سيعجبك جنون أرسلان أكثر إن لم تصمت إيفان، ومن ثم أين هي جوهرتي أيها الحقير، هل تظن نفسك امتلكتها فقط لأنها زوجتك ؟!
نظر له إيفان ثواني قبل أن يهز رأسه بنعم مبتسمًا، ليرفع أرسلان إصبعه في وجهه :
_ خسئت أنت واشباهك الأربعون .
ختم كلماته ليرى أنه أصاب وترًا لدى إيفان وقبل التحدث بكلمة واحدة من إيفان وجد سالار يسحب أرسلان بين أحضانه صوب الداخل وهو يشير للجميع :
_ دعونا لا نضيع الوقت يا رجال ولنتحرك للأحتفال جميعًا، هيــــا .
أشار لرجالهم صوب موكب مشكى :
_ ساعدوا في انزال الموكب وقدموا يد المساعدة في الترتيبات يارجال فهذا زفاف الأمير نزار......
انتهى من كلماته لتعلو صيحات الاحتفال بين الجميع وقد بادر الكل بتقديم يد المساعدة في كل ما يحدث حولهم ...
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تحركت سلمى مع فاطمة داخل قاعة الاحتفالات الخاصة بالنساء لتبصر الجميع يتزين ويحتفلون وأصوات الدفوف تعلو في الإرجاء وأصوات الغناء كذلك ..
وفاطمة تنظر حولها بابنبهار وكأنها لأول مرة تتعرف على هذا العالم تراقب الجميع بأعين مبتسمة واسعة، بينما سلمى تبحث عن الفتيات من بين الجميع، ترفع الغطاء عن وجهها وهي تتقدم صوب من تعرف من النساء واللواتي كن نساء سفيد بالإضافة لتوبة بالطبع .
في اللحظة التي خطت بها سلمى للمكان حتى بدأت الهمسات تعلو وهن يحدقن بها، وقد بدأت نغمة تشير عليها خفية للنساء وهي تعرفهن على المرأة التي فازت في النهاية بالرجل الذي كان محور احاديث البعض لفترة من الزمن ...
وفي الحقيقة كان أرسلان تحديدًا محور أحاديثهم دونًا عن الباقيين لما ابصروا منه من تجبر وقوة مرعبة، وحنان منافي لتجبره مع الملكة كهرمان، الشيء الذي كان يحفز فضول البعض ليعرفن إن كانت زوجته ستنال نفس المكانة المميزة وتعامل بشكل اسثنائي أم لا ؟!
وسلمى التي شعرت بتغير الأجواء حولها حركت عيونها بين الجميع ثواني قبل أن ترتسم بسمة جانبية وهي تبصر عيون نغمة تتحرك عليها .
_ هذه الفتاة لن تتوقف عما تفعل حتى احطم عظامها .
نظرت لها فاطمة بعدم فهم :
_ تتحدثين معي ؟؟
_ لا صغيرتي ليس أنتِ فاطمة، بل فتاة أخرى.
نظرت فاطمة حولها وهي تبحث عمن تقصد سلمى في اللحظة التي نهضت كهرمان وهي تتحرك صوب سلمى ببسمة واسعة :
_ زوجة أخي الحبيبة أتت، هذا يعني أن أخي في الخارج صحيح ؟!
ابتسمت لها سلمى وهي تستقبلها بالاحضان ترحب بها ممازحة:
_ اشتقت لكِ عزيزتي، ونعم أخوكِ في الخارج يسأل عنكِ، لكني لا تكثري من الاحضان فأنا أغار عليه حسنًا؟
أطلقت كهرمان ضحكة مرتفعة وهي تبتعد عنها مفسحة الطريق أمام تبارك التي اقتربت منها تعانقها بسعادة .
_ أوه تبارك الحبيبة اشتقت لكِ، كيف حالكِ عزيزتي ؟!
_ بخير الحمدلله حبيبتي، كيف حالكِ أنتِ ؟!
_ بخير لم يأكلني أرسلان بعد .
ختمت حديثها لتنطلق ضحكة كهرمان وهي تنظر لتبارك بعدم تصديق حتى هذه اللحظة أنها تخشى أخاها، ولم تصدق حينما أخبرتها أنها بكت بسبب نظراته فقط :
_ حسنًا الأمر مضحك آسفة..
_ مضحك لكِ، لقد اعمى الله عيونكِ أنتِ وزوجته عن قسوة ذلك الرجل، لم تبصرا كيف كان ينظر حتى .
ابتسمت سلمى وهي ترفع عيونها صوب نغمة التي كانت ما تزال تحدق بها بنظرات غريبة جعلتها تشعر أن الفتاة تخفي مشاعر لزوجها وقد خاب ظنها حينما علمت بزواجه منها :
_ هكذا هو أرسلان وحشي من الخارج لمن لا يعلمه حنون من الداخل لمن يخصه..
هزت تبارك رأسها باقتناع ولم تنتبه لنظرات سلمى، لكن كهرمان فعلت، وهي ترى نظرات نغمة تسود بشكل غريب تنتفض من مكانها وتتحرك للخارج ...
في اللحظة التي سمع الجميع صوت الاحتفالات يزداد بدخول توبة من باب جانبي بعدما ارتدت فستان قصير ومعها زمرد التي كانت تساعدها في التزين لأجل حفلة النساء وكذلك برلنت ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اندفعت لغرفتها وهي تغلق الباب بقوة خلفها تتنفس بصوت مرتفع، تحاول أن تتمالك نفسها، قبل أن تسقط ارضًا تبكي غيظًا وحقدًا، هي والتي لم تهتم يومًا لرجل أو تفكر في أحدهم خوفًا أن تصبح يائسة كما توبة، أبصرت بعيونها توبة كم كانت غبية لتسلم مشاعرها دون مقابل لرجل لا يعلم عنها شيئًا حتى .
تأثرت توبة لا ريب بحديث النسوة عن أرسلان قديمًا، ومن بعدها ظنت أنها تحبه واقنعت نفسها أنها كذلك وليس مجرد انبهار، انبهار بحديث النسوة المعجبات بشخصية كشخصة الملك أرسلان كما غير من الملوك والرجال .
النسوة واللواتي كانت هي واحدة منهن، أحبته قبل الجميع، قبل توبة حتى، ولم تجرأ يومًا على التصريح بحبها، بل فقط كانت تعبر عن إعجابها السطحي به كما لو كان عاديًا، لتثير بكلماتها التي ظنتها عادية مشاعر توبة وتعترف لها أنها أحبت الرجل الذي تحب هي، فانسحبت دون كلمة تدرك أن لا فرصة لها أمام توبة، أميرة، جميلة ومثقفة، أين لها بفرصة أمامها...
كما أن توبة رفيقتها ولم تستطع أن تجرحها.
لكن حتى توبة بكل صفاتها هذه لم تجبر أرسلان على التوقف والالتفات لها، لم تفعل امرأة ذلك يومًا فما المميز فيها، ضحت به لأجل صديقتها، فلا هي طالته ولا صديقتها فعلت.
على الاقل أدركت توبة بعد هذه السنوات تفاهة مشاعرها الهشة تجاه أرسلان ووجدت من تحب حقًا وتمنحه كامل مشاعرها، عثرت على من تعطيه مشاعرها الحقيقة تاركة إياها على قارعة الطريق تحارب اللاشيء وتحصل على اللاشيء .
سقطت دموعها تتمنى للحظة لو أن مشاعرها كانت بهشاشة مشاعر توبة لأرسلان، تتمنى لو أنها كانت مثلها مجرد منبهرة بأحد الملوك .
تتمنى لو امتلكت نزار كتوبة ينسيها ما يوجعها.
مسحت دموعها بقوة ودون إرادة كانت تردد سؤالًا واحدًا لا ينفك يدور برأسها:
_ لماذا ...لماذا هي من بين الجميع ؟؟ ما الذي ...بها وليس بي، هي ليست أميرة وليست ....
فجأة صمتت وهي تنفجر في بكاء حار بعجز تدفن رأسها بين أقدامها وقد أدركت خسارتها بالفعل، خسرت الرجل الوحيد الذي تخلت عنه قديمًا مئات المرات، والآن للمرة التي لا تعلم عددها عليها التخلي عن حلمها مجبرة .
انسحبت قديمًا لأجل صديقتها، ولأنها كانت تعلم أن لا منافسة بينها وبين أميرة كتوبة، الآن ماذا عن تلك الفتاة لم تكن أميرة حتى ؟!
_ ما الذي ابصره بها وافتقدته أنا ؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تشعر أنك بخير أرسلان؟!
تنهد أرسلان بصوت مرتفع وهو يرفع عيونه لها يجلس ارضًا يساعدها في وضع الاعشاب على قدمها وقد بدأت الحروق تترك أثرها الشبه ملموس، يبتسم بسمة صغيرة :
_ بخير حلوتي، لماذا تقولين عكس ذلك ؟؟
_ لأنني أرى حزنًا تحاول مداراته خلف نظرات هذه أرسلان .
كانت تتحدث وهي تتلمس وجنته بحنان، ليبتسم هو لها بسمة صغيرة يقبل كفها ومن ثم تحدث بصوت مختنق :
_ كل ...شيء بخير .
_ هل سنعود لهذه الدائرة المغلقة أرسلان ؟؟ أرجوك لا تفعل هذا مجددًا.
مسح أرسلان كفه في قماشة نظيفة جواره ومن ثم تحرك يجلس على الفراش بجانبها ينظر ارضًا وكأنه يحارب نفسه للحديث، وهي فقط تعطيه كامل الوقت، قبل أن تربت على قدمها ليفهم ما تريد ويضع رأسه هناك يضم نفسه لها يهمس بصوت منخفض :
_ فقط ....غدًا ....
صمت يبتلع غصته وهي لم تتحدث بكلمة تمنحه كامل وقته ويدها تداعب خصلاته بحنان، تميل تطبع قبل صغيرة على رأسه بحب، وهو همس بصوت مختنق بغصة بكاء :
_ غدًا ...ذكرى نكبة مشكى و....استشهاد والدتي .
ختم كلماته وهو يدفن رأسه بمعدتها وكأنه يخفي عنها قهرته وحسرته، الذكرى تجلده كل عام وتصيب جزءًا اسودًا في ذاكرته، جزء يتمنى لو يتخطاه، لكن كل عام في نفس الموعد تتجدد جروحه مجددًا وكأنه يتلقى الضربة للمرة الأولى.
وسلمى لم تتحدث لثواني وقد تجمدت يدها تدرك أنه حتى وإن أظهر العكس فهو لم يتخطى بعد ما حدث له، مالت تهمس بأذنه :
_ إذن ننتهي من الزفاف غدًا ونذهب لزيارتها، عرفها عليّ أرسلان فأنت لم تعرفني عليها سابقًا .
رفع عيونه لها وقد كانت حمراء وكأنه يكبت بها صرخات وآنات، لتبتسم له بحنان وهي تضم وجهه بين يديها :
_ محظوظة تلك الأم لحصولها على ولد مثلك، اتمنى أن يمن الله عليّ بطفل بمثل قلبك هذا أرسلان.
ابتسم لها أرسلان بسمة مكسورة :
_ أشعر في ...كل عام بنفس الوقت أشعر بنفس العجز الذي شعرت به يومها، لم اتمكن من حمايتها أو حماية شعبي .
_ لم تفعل ماذا ؟؟ عزيزي لقد طُعنت حتى الموت وكتب الله لك الحياة بمعجزة رأفة بقلبي الذي كان سيتوه دونك في هذه الحياة، دافعت عنهم حتى كادت روحك تغادر جسدك، ماذا كنت لتفعل أكثر أرسلان، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والدتك استشهدت وهذا شرف لا يناله الكثير حبيبي، لذا فقط ادعو لها بالرحمة ولا تحمل نفسك حملًا لا علاقة لك به، أنت فعلت ما استطعت وأكثر...
نظر لها بأمل وكأنه يتعلق بكلماتها، لتميل هي تقبل عيونه بحب شديد تهمس بلطف أمام وجهه :
_ ابتسم عزيزي فأنت فعلت ما استطعت، والدتك بين يدي الله، وغدًا تلقاها في الفردوس بإذن الله، تأكد بأن والدتك حتى آخر لحظاتها كانت تفخر بالحصول على ولد قوي مثلك، حتى لحظة موته لم يحني رأسه أو يظهر خوفًا، بل قُتل مرفوع الرأس ومن الظهر حينما فشلوا في قتله من الأمام.
ضحك أرسلان ضحكة صغيرة يهمس لها وهو يمد يده يغرزها بين خصلاتها :
_ مازلت حيًا سلمى ..
شاركته سلمى الضحك وهي تطبع قبلة صغيرة أخرى على عيونه :
_ نعم هذه رحمة الله بي، فوالله لو أنني ظللت هذه الحياة دونك لأصبت بالجنون .
_ لا تندمين على تركك حياتك والمجئ للعيش هنا سلمى ؟؟
_ لو سمينا تلك الأيام الباهتة قبلك حياة، فلا ...لا أندم لحظة واحدة، بل أندم على عدم رؤيتك مسبقًا، والوم أبي أن حرمني نعمة مرافقتك منذ طفولتك وعشقك في كل لحظة أرسلان.
ابتسم وهو يتنهد بصوت مرتفع يرفع رأسه عن قدمها وقد سمع صوت الدفوف تضرب بقوة في الخارج دلالة على بدأ الاحتفالات :
_ كان ليتغير الكثير، إن امتلكت سليمى في طفولتي....
ابتسمت له وهو قبل وجنتها بحب :
_ هيا حبيبتي تجهزي سأنتظرك بعد نصف ساعة أمام الباب حلوتي، سأذهب الآن للمساعدة مع الجميع إن احتاجوني .
هزت رأسها له موافقة تراقبه يتحرك بحب يغلق الباب خلفه بهدوء، تضع يدها على قلبها مغمضة عيونها براحة كبيرة، ومن ثم نهضت تجهز ثوبها الذي احضرته سابقًا بمساعدة أرسلان والذي رأته للمرة الأولى يبدي رأيه في شيء غير السيوف والسهام .
ابتسمت وهي تتذكر ملامحه المقتضبة وهو يراقب الجميع حوله في السوق قبل أن تشرق ملامحه حينما أرته ثوبها وكأنه تحول يهمس بسعادة ولطف :
" يشبهك كثيرًا سليمى"
بدأت تتجهز وهي تبحث عن حذائها وقد قررت ارتداء حذاء مسطح تراقب كف يدها المقطب تفكر في استدعاء من يساعدها، ربما فاطمة أو تنتظر أرسلان ليساعدها في الحجاب كعادته .
ومن بين أفكارها سمعت طرقًا على باب غرفتها لتبتسم وهي تتحرك صوبه ظنًا أن فاطمة أو إحدى الفتيات جئن لمساعدتها .
لكن بمجرد أن فتحت الباب تجمدت وهي تبصر نغمة تقف أمامها بهيئة غريبة واعين حمراء مريبة تتحرك داخل الغرفة تدفعها للداخل ومن ثم أغلقت الباب بقوة خلفها ...............