
رواية بعينيك أسير الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم شهد الشورى
انسابت دموع كاميليا وهي تصرخ بغضب :
ليه عمل فيا كده يا عليا ، لو كان قالي اني مش بنته كنت عرفت مكانتي كويس مكنتش عيشت حياتي كلها اسأل نفسي انا غلطت في ايه عشان يكرهني
ثم تابعت بقهر :
مكنتش فضلت معيشة نفسي في مقارنة بيني و بينك ، مكنتش هعيش شايفة اني استاهل السعادة اللي كل واحد فيكم عاشها و انا لا....من القهر اللي عيشته طول حياته
سقط السلاح من يدها ارضاً وجلست هي على ركبتيها قائلة بدموع و ألم :
لو كان قالي كنت هقبل بوضعي و اعرف ان مش من حقي اطالب بأي حقوق مش حقي ، بس هو عايشني في قهر و ذل و حرمان طول عمري
نظرت لعليا قائلة بحيرة :
السؤال اللي فضل محيرني انا اصلاً مش فارقة معاه ليه يخبي عني ليه مقاليش يا عليا ، ليه استكتر يديني ابسط حقوقي لا منه اعتبرني بنته و عاملني كويس و لا منه قالي و عرفني الحقيقة و قالي انا ابقى مين ، هو السبب يا عليا المفروض هو اللي يتحاسب مكاني على كل الجرايم دي
رددت عليا بدموع :
كان بينفذ وصية ماما الله يرحمها يا كاميليا !!
سألتها الاخرى بصدمة :
انتي كنتي عارفة !!!
اومأت لها قائلة بحزن و هي تجلس بجانبها ارضاً :
لما كنت في الثانوية ، كنت مستغربة السنين اللي فاتت دي معاملته ليكي اتشجعت و سألته و حكالي كل حاجة من الأول و حلفني الكلام اللي يتقال ما يخرجش بيني و بينه !!
ثم تابعت بتذكر لذلك الحديث الذي دار بينها و بين والدها الراحل منذ سنوات طوال :
قالي ان قبل ما يخلفوني كانت فرصة حمل ماما ضعيفة كانت عايزة تتبنى بس بابا رافض الحكاية دي بس وافق عشان خاطرها لحد ما حصل و قدرت ماما تخلف و انا جيت على الدنيا ساعتها هو كان عايزها تتخلى عنك و يرجعوكي من المكان اللي جيتي منه بس هي رفضت لحد اخر يوم في حياتها كانت متمسكة بيكي و وصت بابا بعد موتها ان سر انك مش بنتهم يدفن معاها ، بس هو......
لم تقدر عليا على قولها فقالت كاميليا بدلاً عنها بقهر :
مقدرش يحبني و لا يتقبلني مش كده
سألتها عليا بقهر وهي تتفحص ابنتها بقلق :
ابني كان ذنبه ايه و بنتي ذنبها ايه يا كاميليا
سألتها الاخرى بدموع :
انا كمان ذنبي ايه
ثم تابعت بحقد :
الذنب ذنبك و ذنب ابوكي و ذنب راشد عشان محبنيش زي ما بحبه و ذنب كوثر عشان هو حبها و انا لأ ، انا ما استاهلش كل ده يحصلي
جاء صوت عمار من خلفها قائلاً بقهر و حزن :
طب انا و سفيان ذنبنا ايه، المفروض ان احنا ولادك
اقترب سفيان من ميان يتفحصها بقلق شديد ليتفاجأ بيد رأفت تدفعه بعيداً عنها بقسوة قائلاً بحدة :
ابعد ايدك عن بنتي
انحنى فارس على الفور يتفحص جرحها حتى يسعفها سريعاً، بعدها وقف يجذب احد المفارش التي تزين احد الطاولات يلفها حول رأسها حتى يتوقف النزيف ثم حملها بين ذراعيه ليتوجه بها للمستشفى قائلاً لرأفت بسرعة :
الوضع ما يسمحش ان حضرتك تمشي انا هاخد ميان على المستشفى بسرعة وابقى حصلني على هناك
ارغم رأفت على الموافقة سريعاً قائلاً برجاء :
خلي بالك منها يا بني همس هتكون معاك
اومأ له ثم غادر وخلفه همس متجهين للمستشفى بينما رأفت التفت ينظر لكاميليا بأعين قاتمة تنوي على كل شر لكنه توقف مكانه عندما رأي عليا تحتضن كاميليا وكلتاهما تبكيان بقوة، فجذبها بقسوة قائلاً بغضب :
انتي بتعملي ايه دي قتلت ابنك وكان هتموت بنتك و توديها في ستين داهية ، في الآخر تحضنيها !!!
رددت عليا بقهر :
ابويا السبب يا رأفت ، ابني مات بسبب ابويا الذنب اللي ارتكبه زمان معاها ولادي بيدفعه تمنه و ولادها كمان كلنا دفعنا تمن اللي عمله ، مش طيقاها و صعبانة عليا في نفس الوقت ، قلبي محروق على ابني و بنتي و.........
لم تكمل حديثها فقد سيطر على الجميع حالة من الفزع و الصدمة عندما سقطت كاميليا ارضاً و الدماء تغطي وجهها اثر تلك الرصاصة التي اخترقت منتصف جبينها !!!!
انحنى عمار يتفحصها بصدمة و اعين جاحظة كذلك سفيان كلاهما طوال الاعوام الماضية لم يكف كلاهما عن قول انهما يكرهونها لا يكترثون بها لكن تلك اللحظة تبخرت تلك الكلمة من قاموسهما....فالانكسار والحزن سيطر عليهما تلمس عمار جبينها قائلاً بدموع :
قومي كلميني مش هقولك بكرهك تاني، هقولك بس قد ايه بحبك و قد ايه كان نفسي تفضلي جنبي متسبنيش، هقولك برغم كل اللي عملتيه قلبي مش عارف يكرهك يا....امي !!!
حالة صمت سيطرت على سفيان لم ينطق بأي كلمة فقط ينظر لها مصدوماً….. كان رافت وسالم والرجال يبحثون عن من اطلق النار لكن لا اثر لأحد !!
احتضنها عمار و سفيان متشبثين بها بقوة كلاهما في حالة صدمة و عدم تصديق....ألم عاصف يضرب قلبهما على ما مرت به والدتهما....مذنبة لا احد منهما ينكر لكنها ايضاً ضحية!!!
.......
مرت الجنازة و العزاء بحضور سفيان و عمار تجاهل الجميع تعزية سفيان تماماً اكتفوا بتقديم واجب العزاء لعمار وحده مما اثار حزن الآخر فبيده جعل الجميع يبغضه وينفر منه لقد أصبح وحيداً بهذه الحياة !!
يتمنى لو الزمن يعود لما سمح لهم بخداعه، كان سيستمع لها و كانت ستكون الآن بين ذراعيه وبجانبه
بينما ميان خرجت اليوم التالي من المستشفى لقد كان جرحها سطحي وعلمت كل ما حدث من جدها، لكنها لم تشفق على كاميليا ابداً فلا مبرر لجرائمها هي من اختارت ان تكمل حياتها هكذا !!!!
........
"انا ابتديت احس ان الجوازة دي منحوسة"
قالها قصي بأحباط لسيلين التي كتمت ضحكتها بصعوبة قائلة :
ليه بس كده
رد عليها بضيق ونفاذ صبر :
انتي عارفة كام مصيبة حصلت من بعد الفرح لحد دلوقتي ده احنا الحمد لله اننا لسه عايشين اصلاً
اومأت له قائلة بابتسامة حزينة وهي تحتضنه :
اللي حصل الفترة اللي فاتت دي صعب، وميان صعبانة عليا اوي اللي حصل صعب على اي حد يتحمله اصلا ، تخيل في ليلة المفروض انها ليلة العمر زي ما بيقولوا يحصلك كل ده ، قتلها وهي هي لسه عايشة ، معندوش قلب اياً كان كرهك لشخص ده مش معناه انك تدمره بالشكل ده
تنهد بحزن ثم قال :
سفيان اتغير من ساعه ما عمي شريف الله يرحمه توفى، في اليوم اللي سابتهم فيه كاميليا واتخلت عنهم، ما تعرفيش ايه اللي حصل مع سفيان، بعد عن الكل مفهومه الحاجات كتير اوي اتغير
سألته سيلين بفضول:
حاجات زي ايه
رد عليا قصي بحزن :
زي انه شاف ان الحب ضعف...الحب هو اللي خلي ابوه يموت بقهرته بعد صدمته في كاميليا، عشان كده بعد عن ميان لانه كان بيحبها خاف يكون مصيره زي مصير ابوه، وخاف على عمار، عشان كده كان عاوز يبعد لينا عنه خاف لا يكون نهايته على ايديها زي ما حصل مع عمي شريف ونفس الكلام عمله معايا انا وانتي بعد ما بعدتي عني وشاف حالتي خاف عليا.....
تنهد بعمق ثم قال بحزن :
مهما سفيان حاول يبين العكس بس هو اكتر واحد اتاثر باللي عملته كاميليا زمان حتى اكتر من عمار !!
نظر الى سيلين وتابع بأسف :
ميان صعبانه عليا اوي
رددت سيلين بحزن :
ربنا يعوضها و يرزقها بالأحسن منه، بنت حلال وجدعة وتستاهل كل خير والله
قرر ان يغير مجرى الحديث فقال بمكر :
بقالنا ساعة بنرغي سوا مع ان المفروض كنا نستغل الوقت ده !!
سألته بعدم فهم :
نستغله في ايه مش فاهمة !!
ردد بابتسامة ماكرة :
حالاً هفهمك
باللحظة التالية كان يحملها بين يديه لداخل الغرفة مغلقاً الباب بقدمه، سرعان ما تعالى صراخها بسعادة عندما أخبرها ان شهر عسلهم المؤجل سوف يبدأ من الغد حيث سيسافر الاثنان بداخل مصر لمدة اسبوعان غافلان عن ما ينتظرهم بعدها !!
.......
بينما بأحد السجون كان زاهر يستمع لأحد المساجين الذي يتحدث معه بصوت خفيض :
كله تماام الست اللي قولت عليها باتت الليلة في قبرها والباشا الكبير بيقولك هيخرجك من هنا لما يجي الوقت المناسب يا زاهر باشا !!!!
اومأ له الآخر يبتسم بتوسع لقد تحققت واحدة من امنياته كاميليا ماتت لقد انتظر تلك اللحظة سنوات طوال، صحيح انها لم تموت بيده لكن المهم انها ماتت أخيراً.....تلك الحقيرة سبب كبير من اسباب دمار حياته سابقاً، حتى ان الرصاصة التي قتلت بها غالية كثيراً على رخيصة مثلها !!!!
......
بينما بسجن اخر خاص بالنساء كانت امرأة بحالة يرثى لها تنظف الأرض بخرقة قديمة تلك المرأة بالطبع جميعاً نعرفها انها " نرمين " كانت تنظف و هي تشعر بالانهاك الشديد تحاول ان تنهي عملها سريعاً حتى لا تتعرض للضرب المبرح من المسجونات التابعات لكبيرة السجن التي تدعى بـ " تفاحة " لكن يبدو ان اليوم لن تفلت من ايديهم ايضاً فقد اقتربت منها تفاحة تركلها بقدمها في جانبها حتى سقطت ارضاً و تبللت ثيابها بالماء
ضحكت المسجونات عليها، واقتربت منها الأخرى، ثم وضعت قدمها فوق وجهها، تضغط عليه بنعلها بقوة. حاولت نرمين الابتعاد، لكن دون جدوى فهذه المدعوة "تفاحة" كانت ذات بنية ضخمة، ولن تستطيع نرمين مقاومتها. حاولت دفعها بكل قوتها، حتى استطاعت أخيرًا، فسقطت الأخرى على ظهرها إثر جذب نرمين لقدميها
تراجعت نرمين للخلف برعب عندما انهالت عليها المسجونات بالضرب المبرح دفاعاً عن كبيرتهم التي وقفت قائلة بغضب كبير :
ده انتي ليلتك سودا كتفوها وهاتوها !!
كانت نرمين تتنفس بصعوبة، وفجأة، شهقت بصوتٍ عميق، قلبها يكاد يتوقف حين رأت "تفاحة" تغرس سكينًا حادًا في بطنها مراتٍ متتالية، كل طعنة كانت كالعقاب الذي استحقته عن سنواتٍ من الشر والظلم كانت نهايتها، رغم فظاعتها، أقل مما تستحق....روحها التي ارتكبت من الآثام ما يعجز اللسان عن وصفه، كانت تودع هذا العالم المظلم الذي صنعته بيدها، لتصعد إلى مصيرٍ لا يشبه الرحمة، بل هو الوجه الآخر للظلم الذي زرعته طوال حياتها !!!!!
.......
مرت الأيام سريعاً مضى شهران على وفاة كاميليا لم يحدث بهم شيئاً جديدًا سوا ان عمار ذهب برفقة فريدة و سفيان لطلب يد والدة لينا لتصبح الأخرى خطيبته رسمياً وهمس تتقرب من يزن يوماً بعد الآخر وميان منذ ان بدأت الدراسة وهي تصب كامل تركيزها عليها
اليوم هو حفل خطبة " لينا و عمار " حفل بسيط بأحد المناطق المفتوحة على البحر يقتصر فقط على المقربون والاصدقاء كما رغب الاثنان بذلك ، حضر ايضاً كلاً من فارس وكارم وحضر يزن بينما رأفت وعليا وسالم اعتذروا عن الحضور لقد كانت حالة عليا النفسية مدمرة على الأخير بسبب ما حدث من كاميليا وطريقة موتها البشعة فكان رأفت بجانبها طوال الوقت بينما سالم قد عاد للقاهرة ليتابع اعماله المعطلة منذ فترة
كان سفيان يقف بجانب منفصلاً عن الجميع الكل يتعامل معه بحدود خاصة بعد الذي فعله مع ميان، لقد سقط بنظر الجميع وخسر احترامهم، كان يتابع باب الدخول بلهفة منتظر دخول ميان لم يراها سوى مرتان منذ تلك الليلة
حبس أنفاسه ما إن رآها تدخل من الباب بفستان أسود فضفاض، وخصلات شعرها المموجة طليقة، بينما صبغت شفتيها بأحمر شفاه ناري، خطواتها كانت كلها ثقة، ونظراتها تختلف عن السابق، تلك التي امامه لا يعرفها.....لا يعرفها، ضحك بسخرية، كأنه كان يعرفها سابقًا، لو كان يعرفها حينها، لكان صدقها ووثق بها، لكنه لم يفهمها أبدًا
مضت من أمامه دون أن تعطيه نظرة واحدة، وتخطته مقتربة من لينا وعمار لتهنئهما، غير مكترثة له بعدها، بحثت عن همس، فوجدتها تقف بجانب يزن كان الاثنان مندمجين في الحديث، وكذلك قصي وسيلين
ذهبت باتجاه طاولة كارم وفارس ما ان وجدت انها لا تعرف بالزفاف سواهما حيث كانت عائلة سيلين يقفون بجانب فريدة وبالطبع هي لا تطيق النظر إليها حتى وليس لحديث معها
منحتهم ابتسامة صغيرة، فحياها الاثنان بنفس الابتسامة، لكن ابتسامة فارس كانت مختلفة، فقد كانت ممزوجة بإعجاب شديد بجمالها، أبعد عيناه عنها بحرج بعدما لاحظ أنه كان متأملاً فيها لفترة طويلة، عكسه كان كارم، الذي يضغط على قبضة يده بحقد وغل، يراقب يزن الذي يقف يتبادل الحديث باندماج واستمتاع مع همس التي ترد عليه بشغفٍ مماثل
ردد فارس بخفوت وحزن بعدما غادر كارم بعيداً :
بيحبها اوي
اومأت ميان وقالت بأسف :
سهل ان اي حد يعرف انه بيحبها، بس للأسف قلبها مع غيره، انا اكتر واحدة جربت وجعه بس الفرق ان وجعي على حد ما يستاهلش
رد عليها فارس بهدوء :
محدش بيتعلم ببلاش
تنهدت ميان وقالت بقهر :
بس التمن كان غالي اوي
أخذت تغلق عينيها وتفتحها عدة مرات، تمنع نفسها بصعوبة من البكاء خاصة في وجوده، فهي متأكدة مئة بالمئة أنه يراقبها الآن!
تركت فارس وتوجهت نحو الشاطئ، وقفت أمامه، أخذت نفسًا عميقًا وأخرجته، تحاول أن تهدأ من انفعالها بعدما داهمت الذكريات عقلها بقوة
أخذت تتحسس ذراعيها، تشعر بالبرد الشديد، فقد تركت الفورير الخاص بها في السيارة كادت أن تلتفت لتذهب وتأتي به، لكنها توقفت مكانها عندما شعرت بأحدهم يضع على كتفها سترته بالطبع علمت أنه هو من خلال رائحته التي تميزها من بين الجميع....في السابق كانت تعشقها، أما الآن فقد أصبحت تشمئز منها، انتابتها رغبة ملحة بالتقيؤ ما ان اشتمتها، التفتت ودفعت سترته عن ذراعها بقرف
كادت أن تغادر، لكنه أوقفها متمسكًا بيدها مرددًا برجاء : ميان، اسمعيني لحظة بس
دفعت يده بعيدًا عنها بقرف، دون أن تنظر له أو توجه له أي كلمة، ثم اقتربت من طاولة فارس الذي كان يراقبها منذ البداية.....نظر لها ليجدها تحك جلد معصمها، وملامح الاشمئزاز والقرف مرتسمة على وجهها
فسألها بقلق :
فيكي حاجة؟
نفت برأسها وقالت باشمئزاز وهي تلتقط حقيبة يدها الصغيرة :
انا ماشية
لحق بها سريعًا، وأعين سفيان تتابعهما بغيرة شديدة، لا يعرف من ذلك الرجل الذي تقف بجانبه منذ مجيئها، ثم لحق بها الآن بعد مغادرتها
لحق فارس بها قائلاً بقلق:
استني، ماينفعش تمشي دلوقتي لوحدك
ردت عليه بقهر:
مش قادرة استنى هنا. مش طايقة أشوفه. لو فضلت هنا دقيقة كمان، مش بعيد أقتله من غلي وغضبي منه
كانت ترتجف من الغضب والبرد فنزع سترته سريعًا ووضعها على كتفها قائلاً بقلق:
طب اهدي وخدي نفس، وأنا هوصلك
دفعها برفق نحو سيارته، والأخرى ترتعش من الغضب ومن الذكريات التي عصفت برأسها صعدت إلى السيارة، تردد بغضب كأنها تحدث نفسها، بينما فارس يقود السيارة يتابعها بشفقة وحزن وهي تردد بقهر :
عايزني أسمعه؟ طب هو ماسمعنيش ليه، سنين فضلت يهينني ويذلني من غير ما يسألني ويسمع ردي، عمل فيها قاضي وحكم من غير ما يسمع، سنين فضلت أتحايل عليه يسمعني، مسمعش، اتهمني في شرفي أكتر من مرة من غير ما يدي لنفسه فرصة يسمعني، حتى أجمل ليلة في حياة كل بنت، خلاها أسوأ ليلة في حياتي لأنه بردو ما سمعنيش
توقف فارس بسيارته على جانب الطريق، ثم نظر لها بحزن وقال :
انسي و.....
قاطعته قائلة بغضب وقهر :
بطلوا تقولولي انسي، مش زرار هو هضغط عليه وأنسى على طول محدش فيكم مكاني، محدش شاف اللي شوفته واللي قاهرني إني مش قادرة أشتكي من الوجع اللي جوايا لأن متأكدة أول كلمة هتتقالي أنتي اللي عملتي في نفسك كده، اه انا قبلت الأول بس بعدين انسحبت وأنا على البر، بس هي استكترت علي ده، أجبرتني أكمل معاه وخلتني غصب عني في اللعبة بعد ما كنت انسحبت منها
ثم وضعت يديها على وجهها، وانفجرت في نوبة بكاء مرير، تنهد فارس بحزن، ثم التفت إليها برفق...نزع يديها عن وجهها بحذر، ورفع يديه ليحاط وجهها برقة قائلاً بنبرة دافئة :
كفاية دموع يا ميان
أخذ يمرر إصبعه على وجنتها برفق، يمسح دموعها التي عادت وانسابت من جديد، ليتفاجأ بها تعانقه وتبكي بقوة !!!
تعالت ضربات قلبه من قربها، وبدون وعي منه رفع يده ليضمها إليه...كانت تبكي بقوة وترتجف بين يديه.....لم تكن تعي ما تفعل!!!!
رنين هاتفها العالي، جعلها تنتفض بعيدًا عنه مصدومة مما فعلت!!!!!
رفع فارس يده يحك عنقه بحرج من الموقف، فرددت ميان باعتذار وخجل من فعلتها :
آ...آسفة
ردد هو الآخر بحرج:
أنا كمان آسف....خليني أوصلك للبيت
قبل أن يقود سيارته، أعطاها منديلاً وزجاجة مياه، التقطتهما منه قائلة بصوت خفيض: شكرًا
بعد وقت، توقف بسيارته أسفل منزلها، شكرته، وقبل أن تنزل من سيارتها أوقفها قائلاً بهدوء:
المستشفى عندي بتقبل متدربين في الفترة دي يعني لو حابة تقدري تيجي المستشفى بكره، أنا قولت لهمس ولينا وموافقين لو إنتي كمان موافقة، بكرة الساعة عشرة الصبح تعالي المستشفى
أومأت له بصمت، ثم غادرت السيارة على الفور. بقي مكانه يراقبها حتى اختفت عن أنظاره، ثم انطلق بسيارته مغادرًا يفكر فيها متسائلًا عن السبب الذي جعلها تملأ تفكيره في الأيام الأخيرة تنهد بعمق وأجاب نفسه ذات الإجابة التي يرددها دومًا إنه مجرد شعور بالشفقة والحزن عليها بسبب ما مرت به، لا شيء أكثر من ذلك....لكن شيئًا ما في قلبه كان يهمس له بأن تلك الكلمات لم تعد قادرة على تهدئة تساؤلاته أو إخفاء ما بدأ يشعر به في اعماقه
........
قام عمار بتوصيل لينا لمنزلها فبعد انتهاء الحفل ذهب الاثنان لتناول العشاء بالخارج وقبل ان تنزل من السيارة رددت بمزاح :
على فكرة شنطة السكاكين لسه مجبتهاش
ضحك قائلاً بغيظ مقلداً اياها :
متنساش الساطور
ضحكت بقوة و هي تتذكر ما حدث بينهما قبل يوم من وفاة كاميليا !!!
فلاش باك
"لينا مالك فيكي ايه" قالها عمار بنفاذ صبر للينا التي كانت تتهرب منه طوال الأيام الماضية
ردت عليه لينا بتوتر وهي تهرب من الجواب :
ماليش فيا ايه يعني
زفر بضيق ثم قال :
معرفش والله....انتي اللي عارفة
تهربت من النظر الى عيناه وقالت بتوتر :
بيتهيألك يا عمار انا كويسة
رد عليها عمار بسخريه :
كويسة !!
رفع يده برفق، وأدار رأسها نحوه حتى يتمكن من النظر إلى عينيها ، ثم قال بعتاب :
كان ممكن اصدقك لو قولتي الكلام ده من غير ما تتهربي بعينيكي مني
ردت عليه بصوت مختنق :
مش بهرب
صرخ عليها بغض :
في ايه يا لينا بقالك فترة متغيرة معايا قولت يمكن من اللي حصل بس انتي معايا انا بس، لو زعلانة مني قولي علطول
انسابت دموعها على وجنتيها بصمت، فسألها عمار برفق :
طب بتبكي ليه دلوقتي، انا زعلتك في حاجة من غير قصد فهميني في ايه يا لينا
نفت برأسها، فسألها بصبر :
طب اومال ايه يا لينا فيكي ايه
بعد صمت دام لدقائق قليلة ردت عليه بتوتر، وخوف من ردة فعله :
انا خايفة يا عمار !!!
سألها بصدمة :
من ايه !!
ردت عليه بخوف وحزن :
منك ومن اللي ممكن يحصل قدام !!
سالها بصدمة :
مني !!
ثم تابع بانكسار :
خايفة مني ليه عشان كنت مدمن يعني
نفت برأسها فسألها بحزن :
اومال ايه ، ايه اللي عملته عشان تخافي مني
ردت عليه بتوتر :
معملتش حاجة بس خايفة تعمل، خايفة تبقى زي سفيان بعدين خايفة اكون مكان ميان في يوم من الأيام
صمت للحظات ثم قال بحزن :
ليكي حق تخافي
كاده ان يرحل من امامها لكنها وقفت امامه تمنعه من الرحيل قائلة بحزن :
رايح فين !!
رد عليها عمار بحزن منها :
فهمت رسالتك مش عايزة تكملي ، بس مكنش فيه داعي للف والدوران كنتي قولتي من ساعة ما حسيتي مني بالخوف انك مش عايزة تكملي بدل ما تفضلي تتهربي مني كده
رددت لينا بتوسل ان يفهمها :
عمار افهمني بس....
قاطعه قائلا بألم :
انا فاهمك كويس يا لينا
نفت برأسها وقالت بدموع :
لأ مش فاهمني
ثم تابعت بحزن وهي تتمسك بيده :
فاكر اول مرة قولتلي بحبك قولتيلي ايه كمان قولتلي انتي يعني انا رديت عليك و قولتلك وانا يعني انت ، انا بتكلم معاك دلوقتي كأني بكلم نفسي
ثم تابعت بعتاب :
انا بقولك على اللي جوايا مش عشان تسيبني و تبعد بقولك عشان تطمني يا عمار ، تطمني انك دايما جنبي و هتحبني و مستحيل تكون كده
عاتبها قائلاً :
المفروض انتي تكوني عارفة كده من نفسك و يكون عندك ثقة فيا
تنهدت قائلة بحزن :
مين قال اني مش واثقة فيك ، كل الحكاية اني محتاجة اطمن يا عمار مش محتاجة منك لوم و عتاب انا بس محتاجة منك تطمني ، صورة ميان مش بتفارق بالي من يومها مرعوبة وخايفة يجي يوم ويحصلي اللي حصلها
تنهد ثم قال وهو يحاوط وجنتيها بحنان :
أنا جنبك و معاكي صدقيني الموت عندي اهون من اني اخليكي تعيشي اللي هي عاشته انتي بنتي قبل ما تكوني حبيبتي و الأب عمره ما يأذي بنته
ضمت شفتيها قائلة و هي تمسح دموعها بظهر يدها :
طب لو عملت كده في يوم من الأيام
ضحك بخفوت ثم قال بمرح :
هشتريلك شنطة سكاكين بحالها ادبحيني بيهم كلهم لو جيه اليوم ده مع اني واثق زي ما ان شايفك دلوقتي ان عمره ما هيجي
ضحكت بخفوت قائلة وهي تلكمه بصدره :
مستناس تتأكد ان معاهم الساطور
ضحك بقوة ثم قال وهي يضع يده على رقبتها بمزاح كأنه سيخنقها :
ساطور ها
اومأت له بضحك فجذبها لاحضانه قائلاً بعشق :
انا بموت فيكي يا قلب عمار
عودة للوقت الحالي
ضحك الاثنان بقوة فلثم عمار يدها قائلاً بحب :
مبروك عليا انتي يا لينا وعقبال كتب الكتاب والفرح
........
باليوم التالي اتفق الثلاث فتيات مع فارس على التدريب بالمستشفى الخاص به بداية من الغد
ابتسمت ميان بسخرية وهي تجلس امام فريدة التي فجأتهم بزيارتها صباح اليوم تخبرها عندما جلست معها بمفردهم كما طلبت :
أنا عارفة ان سفيان غلط بس ندمان ، ارجعيله يا بنتي ان.......
قاطعتها ميان قائلة بسخرية :
انتوا الاتنين بتحبوا بعض و ندمان و الكلام اللي كنت بتشجعيني عليه زمان وكنتي بتستغلي حبي ليه عشان توصلي للي عاوزاه يا فريدة، بعد كل اللي حصل جيتي بس عشان صعب عليكي حفيدك انما انا اولع بجاز
نظرت لها ميان باشمئزاز ثم تابعت بغضب :
غلطه بقى ده نتج عن ايه ، دمر مين بسببه ولع مين مايخصكيش انتي كل اللي يخصك حفيدك وبس!!!
صمتت ميان لحظة ثم تابعت بازدراء :
حقارت سفيان دي انا عرفت منين، جدته مثل أعلى والست الوالدة طبعاً ، ده في مثل بيقول الإحساس نعمة بس للأسف مش عندك و لا عند حفيدك
صرخت عليها فريدة بحدة :
ميان اتأدبي واعرفي انتي بتكلمي مين
ردت عليها ميان بصرامة :
اطلعي بره !!!!
سألتها فريدة بصدمة :
انتي بتقولي ايه
ميان بغضب بعد ان نادت على الخادمة :
اللي سمعتيه بعاملك بالاسلوب اللي بتفهمي بيه، انا مش عاوزة اشوفك تاني حتى لو صدفة وان كان على حفيدك اولعي انتي وهو بجاز مايهمنيش!!!!!!
جاءت الخادمة فأمرتها ميان بحدة و صرامة :
وصليها للباب
نظرت لها فريدة بغضب كبير ثم غادرت نادمة على مجيئها إليها
........
بمنزل عاصم الشريف حيث يجتمع العائلتان على الغداء رددت والدة يزن فجأة و بدون مقدمات :
ايه رأيكم نخلي الفرح بعد شهر !!!
ردت عليها والدة همس بتعجب :
ليه الاستعجال بس
نفت الأخرى برأسها قائلة بحماس :
لا استعجال ولا حاجة يا هبة بذمتك مش نفسك تشوفي ولادهم بيلعبوا حواليكي كده ويقولولك يا تيتا و تفرحي بيهم
هبة بتمني :
ده انا مستنية اليوم ده بفارغ الصبر
ثم نظرت لعاصم وسألته :
ايه رأيك يا عاصم
صمت عاصم للحظات ثم قال و هو يشير ليزن و همس اللذان يستمعان للحديث بصمت :
والله الرأي رأيهم هما الاتنين لأنهم اللي هيتجوزا مش احنا ، و هما اللي يقرروا مستعدين للخطوة دي دلوقتي او لأ
ردد والد يزن مأيداً حديثه :
معاك حق يا عاصم
صمتت همس تنتظر سماع رد يزن فعلى أساسه ستقرر شيئاً ما ليصمت الآخر متحدثاً بعد لحظات :
انا عن نفسي موافق
ابتسمت همس بخفوت تنظر لوالدها تحرك رأسها بنعم فردد صلاح بسعادة :
يبقى على بركة الله نبدأ بالتجهيزات من انهاردة
كان عاصم صامتاً طوال الوقت و ما ان غادر الجميع استوقف ابنته قبل ان تصعد لغرفتها قائلاً :
همس لأخر مرة هسألك انتي مرتاحة و مبسوطة ، احنا لسه على البر لو مش مرتاحة قولي وفكري كويس يا بنتي ده جواز
منحته ابتسامة صغيرة ثم قالت :
انا كويسة يا بابا ومبسوطة متقلقش عليا
ثم صعدت لغرفتها ، فجلست هبة بجانب عاصم تلومه :
مالك يا عاصم كنت ساكت خالص طول ما كانوا هنا، وبتسأل همس كده ليه.....هو حصل حاجة
رد عليها عاصم بقلق :
انا مش مرتاح يا هبة ، يزن محترم و كل حاجة بس مش بيحب بنتك
سألته بتعجب :
ليه بتقول كده بس !!!
اخذ عاصم يشرح لها تتلك التفاصيل التي لم تفوت عليه :
لما والدته فتحت موضوع الجواز مكنش عنده لهفة، الواحد لما يحب واحدة بيكون ملهوف عليها و مستني اللحظة اللي تكون مراته لكن هو لأ لو فرضنا مثلاً انه خجول، لكن مفيش اي تأثر في عينه بالعكس شوفت حزن حتى ساعة الخطوبة كان نفس الكلام ، لما اتخانقوا ورجعوا اتصالحواد....صالحها بعد ايه
تنهد ثم تابع بحزن:
اللي مسكتني بس ان بنتك مبسوطة وموافقة
هبة بابتسامة صغيرة :
والله هيطلع كل ده اوهام ملهاش داعي ، انت بش ادعيلهم ربنا يسعدهم سوا
اومأ لها بصمت و عقله مشغولاً بابنته يتمنى حقاً ان تكون اوهام و ان يخيب ظنه !!
........
بعد مرور ثلاثة أسابيع، كان سفيان يجلس في بهو فيلاته، التي أصبحت صامتة وخالية من الحراس والخدم، يعيش فيها وحيدًا كانت حالته يرثى لها فقد أهمل عمله، وأصبحت هيئته غير لطيفة بالمرة، نظر إلى الفراغ أمامه بعينين حمراوين من كثرة البكاء، وكأن الحياة قد سلبت منه كل شيء. فقد خسر الجميع، حتى ميان لم تعد تطيق النظر لحظة واحدة...كل يوم يذهب إليها، ويقف أسفل المستشفى حيث تعمل، لعلها تلتفت إليه لكنها لم تفعل....لكنه كان يرى دومًا ذلك الطبيب الذي لا يكف عن التواجد بجانبها، وقلقه يزداد كلما لاحظ نظراته لها، نظرات تحمل شيئًا من الود أو الاهتمام، مما يثير غيرته بشكل كبير.... أغمض عينيه مسترجعًا ما حدث قبل أسبوعين، عندما ذهب ليتحدث معها، ليفاجأ بردة فعلها التي هزت كيانه
في احد الايام عندما دخل للمستشفى يسأل عنها فعلم انها بغرفة العمليات صعد لها على الفور، وما ان وصل رأها تخرج منها برفقة ذلك الطبيب المدعو "فارس" تبتسم بتوسع و هي تحمل بيدها طفل رضيع يلتف بفراش صغير ازرق و فارس يحمل على ذراعه طفلة صغيرة ملتفة بفراش مماثل لكنه ذو لون وردي
اقترب منهما و الغيرة و الندم ينهشان قلبه لكنع توقف ما ان استمع لوالد الطفلين يقول بسعادة :
توأم
اومأت له ميان قائلة بابتسامة جميلة :
الف مبروك يتربوا في عزك و عز مامتهم
سأله فارس بابتسامة جذابة :
مكنتوش تعرفوا !!
اومأ الرجل برأسه و هو يأخذ الطفلة منه :
قولنا نخليها مفاجأة وكانت احلى مفاجأة ، كرم ربنا كبير رزقنا بيهم بعد خمس سنين حرمان
ربت فارس على كتفه قائلاََ بابتسامة :
الف مبروك ، زوجة حضرتك هتتنقل اوضتها و تقدر تطمن عليها ، هي بخير و أولادك كمان بخير بس الممرضات هيبدلوا هدومهم و على ما المدام تفوق هيكونوا خلصوا
اومأ له الرجل بلهفة فتسألت ميان بفضول :
هتسميهم ايه !!
نظر لهم الرجل بابتسامة بشوشة قائلاََ :
حضرتك اسمك ايه
ردت على سؤاله فكرر سؤاله لفارس فأجابه....منحهم ابتسامة جميلة قائلاََ :
فارس و ميان....اسامي ولادي !!!!
توسعت اعين الاثنان بصدمة وسعادة لكن فارس ربت على كتفه قائلاََ بابتسامة :
متستعجلش و خد رأي المدام ، ربنا يباركلك فيهم و يجعلهم ذرية صالحة
ابتسم الرجل و قرب شفتيه من اذنهم مؤذناََ بها ثم اخذهما الممرضات ودخل الرجل للغرفة مع الباقين ليساعد زوجته
تمتمت ميان بابتسامة واسعة :
شوفت يا دكتور فارس حلوين ازاي ما شاء الله ، زمان مامتهم هتفرح بيهم اوي
ابتسم بهدوء وقال :
اكيد، انتي خلاص نويتي تتخصصي في أمراض النساء و.التوليد
اومأت له قائلة بابتسامة :
ان شاء الله، لسه بدري على التخصص، بس يا ترى لما اتخرج ليا مكان هنا اشتغل فيه و لا اشوف مستشفى تانية
ابتسم بزاوية شفتيه قائلاََ :
المستشفى كلها تحت امرك ، اعتبريني ضيف عندك و اعملي اللي عاوزاه
ضحكت بخفوت ثم قالت:
مش للدرجة دي يعني ، اصل بصراحة بعد اقتراحك ليا ان اتدرب هنا حبيت جو المستشفى اوي و حبيت الشغل هنا و حابة استمر ان شاء الله
نظر لها للحظات ثم قال :
انبسطت انك مرتاحة معانا هنا ، و زي ما قولتلك المستشفى كلها بتاعتك
كادت ان ترد لكن ماتت الكلمات على شفتيها ما ان استمعت لصوت تعرفه بل تحفظه على ظهر قلب انه هو " سفيان " منادياََ اسمها
التفتت له تنظر لوجهه الذي كلما لمحته تعود ذكريات تلك الليلة تتدفق لعقلها و كلماته الممزوجة بصوت صراخها ترن بأذنها.... انتفضت ما ان وضع يده على ذراعها قائلاََ بتوسل ان تستمع له و لو لمرة :
ميان ، ممكن تسمعيني
نظر لعيناها لتصدمه بنظرات نفور و كره كبير لم يسبق ان رأه بداخل عينيها.....فدوماََ ما كان يرى الحب ، الحب فقط !!!
خطت للأمام متجاهلة اياه تماماََ فعاد و ركض خلفها يتمسك بيدها حتى لا تذهب لكنها دفعته بقوة كبيرة بعيداََ عنها مشمئزة نافرة منه وحاقدة عليه أشار لها بيده انه لن يقترب قائلاََ :
مش هقرب و مش هلمسك ، بس اسمعيني ، انا كنت معمي و مغفل و غبي انا غلطان يا ميان و غلطي كبير مش سهل يتغفر ، بس حطي نفسك مكاني كل حاجة كانت بتقول اني لازم اكدبك و لازم اصدقها انا شوفتك بعيني و سمعت اي حد مكاني كان هيفكر كده ، انا مش بحط مبرر بس ، بس يمكن اللي بقوله يشفعلي عندك انك تسامحيني ، انا بحبك و كل كلمة كنت بقولها و بوجعك بيها كانت من صدمتي فيكي و وجعي منك
كان فارس يضم ذراعيه لصدره يتابع ما يحدث بهدوء لكن عيناه لا تتوقف عن القاء نظرات محتقرة نحو الأخر يتساءل اي نوع من الرجال هذا !!!
كلمات اعتذار واحدة تلو الأخرى يقولها و الأخرى تستمع له دون حديث و ما ان انتهى نظرت له مطولاََ ثم تحدثت له و لأول مرة بعد تلك الليلة :
عايز تعرف ردي مش كده !!
اومأ لها بأعين حزينة الندم يقطر منها فابتسمت ميان بزاوية شفتيها.....لقد ظن انها اقتنعت بما قال و ابتسم بسعادة سرعان ما تبددت عندما رفعت يدها ثم هوت بها بقوة على صدغة.....صفعة قاسية تعالى صداها بالأرجاء، صفعة مهينة له ولكرامته !!
تعالت همسات الجميع من حولهم على بينما اعتدل فارس بوقفته متأهباََ ان حدث اي شيء، فرددت ميان بقوة و اشمئزاز :
ردي وصلك صح ، بس عايزة اقولك حاجة انا مش هحط نفسي مكانك لأن ميان القاضي مكانها مش الزبالة !!!!
صفعة و كلمات مهينة شهدها الجميع كور سفيان قبضة يده غاضباََ و صمت مبتلعاََ الإهانة لأنه يستحق !!
استفاق من شروده، ثم مسح دموعه التي عادت تنساب على وجنتيه من جديد من شدة الندم و الحزن على حالته التي وصل لها بفضل غبائه و تهوره
دخل عمار من الباب المفتوح بأهمال ليتفاجأ بحالة شقيقه اقترب منه قائلاً بحزن و اشفاق عليه :
هتفضل ع الحال ده لحد امتى
لم يرد عليه فتابع هو بضيق :
دي مش عيشة دي يا سفيان ، فوق بقى و ارجع اقف على رجليك انت كده بتخسر كل حاجة شغلك و حياتك و اللي بنيته السنين اللي فاتت هيضيع منك
رد عليه بحزن و ألم :
كل ده ملوش لازمة من غيرها ، ياريت كل ده يضيع و اكسبها هي من تاني ، الندم بينهش قلبي يا عمار و جملتها مش بتفارقني قالتلتي الندم وحش اوي بلاش تجربه و يارتني سمعت منها ، ياريت كنت سألتها يا عمار ، كاميليا ماتت بعد ما دمرتني و مع ذلك رغم كل اللي عملته موتها كسرني يا عمار
تنهد عمار قائلاً بحزن متجاهلاً الحديث عنها :
خسرتها فبلاش تخسر كل حاجة يا سفيان فوق لحياتك بقى و ابعد عنها سيبها تعرف تداوي جرحها اللي في كل مرة بتشوفك فيها بيرجع يتفتح من تاني انت مخبطش فيها بالغلط ، شافت منك وجع و عذاب سنين عشان تيجي انت و تختمه باللي عملته ، انت و ميان الحياة بينكم بقت مستحيلة و ان كانت هتنفع زمان فدلوقتي و بعد اللي حصل لأ
سفيان بغضب و أمل :
بس انا مش هيأس انا وراها لحد ما تسامحني ، هي بتحبني يا عمار حب سنين مش ممكن يتنسي في بسهولة كده ، هي بس محتاجة شوية وقت
قبل ان يتحدث عمار بكلمة كان سفيان يخرج من الفيلا سريعاً متوجهاً حيث هي سيحاول الحديث معها اليوم ايضاً
.......
كرامتها استُردت الآن !!
كبريائها الذي كان يدهسه يوماََ بعد يوم عاد إليها من جديد و هي تراه يقف بتلك الهيئة المزرية و حالته التي يرثى لها يكاد يقبل قدمها لكي تنظر له نظرة واحدة ليس فقط كلمة !!!
بل يتمنى نظرة !!
ابتسمت بتشفي و هي تراه من الأعلى عبر واجهة المستشفى الزجاجية التي تعمل بها يجلس على مقدمة سيارتها شعره مشعث و ذقنه التي كانت دوماََ حليقه نبتت و اصبحت مشعثة ملابسه التي كانت دوماََ مهندمة لم تعد كما كانت !!
لقد تغير كلياََ الحزن يملئ قسمات وجهه عيناه زابلة حمراء من كثرة البكاء كلما رق قلبها له تذكر نفسها بما فعله قبل شهور طويلة و كيف بكل برود دفعها عارية لا يسترها إلا القليل أسفل قدم والدها قائلاََ بجبروت و قسوة :
بنتك مبقتش تلزمني ، انتي طالق !!
ربما كانت تغفر له ما مضى بأكمله لكن ما حدث تلك الليلة و فقدان طفلها الذي قتله بقسوة و بدون رحمة كانت نقطة تحول لقد جعلها تلك الليلة من امرأة عاشقة له إلى أخرى لم تكره بالعالم سواه !!
تراجعت للخلف متوجهه للمرحاض تهندم من ثيابها تنظر لنفسها بالمرآة مرددة بغل :
لسه ، الحكاية مخلصتش على ندم و بس ، الحكاية مخلتصش لحد كده يا سفيان كل اللي انا عيشته انت لازم تعيشه و اكتر.....اكتر بكتير !!
نظرت لنفسها بثقة ثم غادرت المرحاض متوجهة لخارج المستشفى بخطوات واثقة و كبرياء ما ان لمحها تخرج من الباب ركض إليها متوسلاََ :
ميان ارجوكِ كفاية كده بلاش سكوتك ده اصرخي اتكلمي و عاتبي حتى لو هتضربيني مش هقدر افتح بوقي بكلمة اعملي اي حاجة بس بلاش سكوتك و تجاهلك ده ، بيموتني بالبطيء
توقفت عن السير بينما هو يسير خلفها كالمتسولين
التفت له قائلة بابتسامة لا تنم عن خير ابداََ مرددة بثقة و غل :
احب ما على قلبي انك تموت بالبطيء !!
قالتها ثم صعدت لسيارتها مغلقة اياها عليها من الداخل بينما هو يطرق على الزجاج حتى تنظر له او تسمعه لكنها لم تلتفت له من الأساس بل قادت سيارتها غير مبالية به او بتوسلاته
........
الوقت يمر سريعاً، لقد جاء اليوم المنتظر انه زفاف همس ويزن الذي سيقام بأحد الفنادق الكبيرة بحضور الجميع بلا استثناء
علم كارم قبلها بيوم فقط من عاصم فلم تكن همس تملك الجراءة لتخبره بذلك.....لينهار حرفياً !!!
وضع يده على قلبه يحاول ان يتنفس قائلاً بصعوبة :
فرحها بكره يا فارس
فارس بحزن :
كارم اهدى عشان خاطري
نفى الآخر برأسه قائلاً بدموع و ألم لا يحتمل ينهش قلبه على ضياع من حلم بها و عشقها :
هتبقى معاه هيلمسها ، بعد كده مش هيكون ليا حق افكر فيها هتبقى لغيري ، هعيش ازاي من غيرها اللي كان مصبرني ان كان فيه فرصة ليا معاها عشان مكنش فيه في حياتها حد انما دلوقتي أعيش ازاي ، رد عليا يا فارس هكمل ازاي من غيرها
عانقه فارس بقوة فلم يجد ما يواسيه به غير العناق اخذ يردد بداخله داعياً له ان يصبره الله على القادم ان كان الآن و هكذا فكيف القادم !!!
........
في صباح يوم الزفاف كانت بسمة تخرج من منزلها لكن قبل ان تفتح باب المنزل استوقفها صوت ضحى تسألها :
رايحة فين يا بسمة !!!
تنهدت بسمة بعمق ثم قالت :
اتصلوا بيا من الاوتيل بيقولوا فيه فرح انهاردة محتاجني معاهم فهقطع الاجازة بقى و ارجع الشغل
ردت عليها ضحى بعتاب :
مش كان زمانك بتشتغلي في مستشفى محترمة بدل الخدمة في الافراح
تنهدت الأخرى بحزن ثم قلت:
ياريت كان ينفع بس انا في نظر الكل ميتة، يعني لازم اثبات و بطاقة و حاجات كتير ، انا يدوب بمشي نفسي بالبطاقة المضروبة اللي عم مصلحي عملهالي ، لولا بردو قرابته مع صاحب الاوتيل مكنتش عرفت اشتغل لأنهم كانوا عايزين فيش و ورق.....مش هعرف اتصرف فيهم
ضحى بعتاب :
والله انتي اللي عملتي في نفسك كده
بسمة بضيق و غضب :
مش هنخلص بقى من الاسطوانة دي بتاعت كل يوم ، قولتلك مية مرة انا مش قدهم
ردت عليها ضحى بغضب و تهكم :
فالحة بس تقولي انا بحب يزن ، والله لحد دلوقتي انا مش شايفة اي دليل على جبك ليه
صرخت عليها بسمة بغضب:
انتي مش في النار عشان كده بتحكمي على الامور بمنظورك انتي بس ، انتي مش مكاني عشان تحسي باللي حاسة بيه يا ضحى
ردت عليها ضحى بضيق :
لأ مقدرة بس الغلط عليكي من الأول يزن بيحبك لو كنتي قولتيله كل حاجة من الأول كان زمانك معاه دلوقتي من غير ما تكدبي الكدب ده كله
رددت الأخرى بقهر :
مش هيصدقني
ردت عليها بسمة بثبات على موقفها :
مش بتقولي بيحبك
اومأت لها بسمة بصمت لترد عليها الأخرى:
لو بيحبك هيصدقك
تهربت منها قائلة بتعجل :
لازم امشي هتأخر ع الشغل
ضحى بسخرية :
اهربي زي كل مرة ، بس هيجي يوم و الحقيقة هتبان ابقى شوفي بقى هتواجهي يزن ازاي هتبرري عملتك بأيه ، انتي عارفة و متأكدة انه زمانه موقف حياته عليكي و سنين ضاعت من عمره وهو معيش نفسه في وهم مش بعيد يكون بيلوم نفسه انه سبب موتك
ابتلعت بسمة ريقها بصعوبة و هي تستمع لحديث الأخرى:
لما يجي يوم و يعرف الحقيقة و تتواجهوا هتقوليله ايه يا بسمة هتبرري اللي عملتيه بأيه بعدتي عنه عشان خايفة عليه و على نفسك فعملتي الأسوأ صح
ثم تابعت بغضب:
اللي المفروض يخاف نادر مش انتي روحي ليزن عرفيه الحقيقة حتى لو بعد عنك بس تكوني ريحتي ضميرك الله اعلم اللي اسمه نادر ده معيش اخته ازاي ذنب العيلة دي و ذنب يزن و اخته في رقبتك لأنك عارفة الحقيقة و سكتي خلتيهم لحد دلوقتي مخدوعين فيه
غادرت بسمة بغضب صافعة الباب خلفها بقوة حديث شقيقتها صحيح لكنها خائفة و بشدة لقد ذاقت الكثير من حقارة نادر لذا تخشاه شرفها و عرضها بين يديه صور ليست بزائفة من يراها سيظن انها حقيقة هي بالفعل ذلك لكنها كانت رغماً عنها سيتركها يزن و يشمئز منها ربما لا يصدقها حتى الجميع سيظن انها فتاة بلا شرف عائلة والدها بالصعيد متشددين للغاية ان علم احدهم بأمر تلك الصور فستكون النهاية الموت الحتمي لها !!
........
دخل زفافها يجر قدمه للداخل بصعوبة و معه فارس بينما والدته رفضت الحضور وتعللت بمرضها لم تشأ رؤية حلم ابنها الوحيد يذهب لغيره.....لا تكره همس على العكس هي تعدها ابنتها التي لم تنجبها وكم يعز عليها تركها بيوم كهذا لكنها لم تستطع!!!
ابتلع كارم غصة مريرة بحلقه و التمعت عيناها بالدموع وهو يراها تجلس بفستانها الجميل مثلها تماماً تستقبل التهاني من الجميع يرى السعادة بوضوح مرتسمة على قسمات وجهها ياليته مكان ذلك الرجل، وياليت تلك الابتسامة و الضحكة له....وياليت اليوم زفافه عليها.....يا ليت !!!
ردد فارس بخفوت و حزن شديد لأجله :
ورحمة ابوك اهدى وامسك نفسك انا مكنتش عايزك تحضر بس انت اللي صممت بارك لها و نمشي علطول
اومأ له كارم بصمت ثم اقترب منها بينما كان يزن منشغلاً بالترحيب بأصدقائه قائلاً بابتسامة رسمها على شفتيه غصباً :
مبروك يا عروسة
تفاجأت بوجوده فتحاشت النظر له خجلة من الموقف نظرت للأسفل تحاول ايجاد كلمات تواسيه بها لكنها لا تجد :
كارم اا...انا.....
تنهد ثم بابتسامة حزينة متألمة :
أجمل عروسة في الدنيا كلها
ترى الألم بعيناه بوضوح و تشعر به في صوته وعيناه اللامعة الممتلئة بالدموع المهددة بالسقوط في أي لحظة، ردت عليه همس بحزن :
ربنا يرزقك بالأحسن مني يا كارم
ردد بداخله بقهر :
انتي مفيش أحسن منك في الدنيا يا همس
اخرج من جيب سترته الداخلي وردة بيضاء كما تحب هي يضعها خلف اذنها قائلاً بوداع :
يارب تكون حياتك الجديدة مليانة سعادة وتكون كل ايامك جميلة زيك، أنتي تستحقي كل خير يا همس
ثم تراجع للخلف و اختفى عن الانظار قبل ان يغادر برفقة فارس استوقفتهم والدة همس قائلة بعتاب :
ماشين علطول جيتوا في ايه وماشين في ايه استنوا حتى لكتب الكتاب ما يخلص
ابتعد يزن قليلاً ليخرج من القاعة فهو لا يحب الصوت العالي والضوضاء ولكن قبل ان يخرج تفاجأ بكارم يقف امامه قائلاً بصعوبة و هو يشير برأسه ناحية همس :
خدت فرصة غيرك بيتمناها، معاك كنز كبير حافظ عليه بأيدك وسنانك عاملها كبنتك قبل ما تكون مراتك، هي عنادية بس من كلمة حلوة بتلين، اللي في قلبها على لسانها صدقني انت لو لفيت الدنيا كلها مش هتلاقي زيها
نظر له يزن مشفقاً عليه لكن سرعان ما تحول لضيق عندما قال كارم قبل ان يبتعد من امامه :
انا بقولك كده عشان قلبي بيقولي انك بدل ما تكون سبب سعادتها هتكون سبب في وجعها !!
خرج يزن من القاعة يستنشق الهواء قليلاً ثم سيعود لكن بمجرد خروجه اصطدم بفتاة تمشي بسرعة كادت ان تسقط فمسك بكتفيها ليحول دون ذلك لكن بمجرد ان رفعت رأسها توسعت عيناها بصدمة كذلك هو ابتعدت للخلف سريعاً فزعة سرعان ما تحولت لصدمة أكبر عندما قال احد المدعوين و هو يضع يده على كتفه قبل ان يدخل للحفل :
مبروك يا عريس !!
ردد يزن بصعوبة و عدم تصديق :
بسمة ، انتي عايشة !!!!
سقطت مغشي عليها من الصدمة فحملها على الفور قبل ان تسقط يضمها لصدره بقوة متشبثاً بها كالطفل الصغير المتشبث بوالدته خائفاً من ان تضيع منه مرة أخرى حملها و ركض بها خارج الزفاف و الفندق بأكمله لأقرب مستشفى متناسياً كل شيء ما يفكر به الآن هي فقط.....بينما التي بالزفاف و منحته ثقتها وقلبها لم يفكر بها ولم تأتي على باله للحظة.....تركها تواجه الجميع !!!!
......
تعالت الهمسات في أرجاء القاعة كأنها سهام تخترق قلبها، بين شفقةٍ خجولة وشماتةٍ متوارية خلف الوجوه. جلست همس وسط ذلك الضجيج، جسدها ثابت كتمثالٍ نُحت بالألم، وعيناها الزائغتان تجولان المكان كأنهما تبحثان عن مخرج من هذا الكابوس صوتها كان مبحوحًا، متهدجًا بالكاد يُسمع، وهي تردد بجنونٍ خافت :
هيجي...يزن هيجي...مستحيل يعمل فيا كده....مستحيل !!
بدأ المعازيم يغادرون القاعة، واحدًا تلو الآخر، تاركين خلفهم أثقال نظراتهم وكلماتهم المبتورة لم يجرؤ أحدٌ على التحديق في عينيها المحطمتين. اقترب والدها أخيرًا، يحمل على وجهه مزيجًا قاتلًا من الحزن والغضب، نبرة صوته كانت مجروحة، تتفجر منها خيبة الأب المنكسر، وهو يقول بصوت متوعد :
يلا يا همس... خلينا نمشي!!!
لكنها لم تتحرك، بل رفعت رأسها في تحدٍ يائس، وعيناها تبحثان عن خيط أمل في زوايا الفراغ، هزت رأسها بعنف، ترفض كلماته، ترفض الواقع نفسه كأنها تحارب كل شيء كي لا تسقط في هاوية الحقيقة :
لا....يا بابا....يزن مستحيل يسيبني بعد كل اللي عملته عشانه، انا واثقة فيه صدقني
ارتفع صوت والدها، هذه المرة ممزوجًا بالغضب الذي لم يعد يستطيع احتواءه
مش هيجي يا همس، يلا نمشي، كفاية لحد كده !!!
لكنه توقف فجأة حين صرخت، كأن صوتها بسعادة :
يزن!!!!
التفت الجميع، والتفت والدها، لتقع أعينهم عليه، كان يزن يدخل القاعة، يجر خلفه حضورًا خافتًا، لكنه لم يكن وحيدًا يداه كانت متشابكتين مع يد فتاة بدا وجهه شاحبًا، وملامحه مشبعة بالذنب والخجل
أما همس، فقفزت من مكانها كغريق وجد طوق نجاة، ركضت نحوه، وعلى وجهها مسحة من السعادة الجنونية التي بدت كأنها تهزأ بالواقع :
أنا عارفة.....انت مستحيل تعمل فيا كده يا يزن، قولي إيه اللي حصل، اتأخرت ليه وروحت فين !!
لكنه لم ينظر إليها بل ظل وجهه منخفضًا، وصوته حين خرج كان أشبه بطعنة مغلفة بالأسى :
انا آسف... مش هقدر
تجمدت في مكانها. كلمات بسيطة، لكنها كانت كالصاعقة، حدقت فيه بارتباك، كأن عقلها يرفض أن يستوعب، ثم انتقلت عيناها ببطء إلى تلك الفتاة التي تمسك بيده، والتي كانت تقف بجانبه بوجه يحمل ملامح الشفقة، وكأنها هي الأخرى عاجزة عن النظر في عينيها، سألته همس بصوت مختنق :
مش فاهمة... مش هتقدر إيه، ومين دي؟
ظل صامتًا للحظات، ثم رفع وجهه أخيرًا ليواجهها....نظراته كانت مكسورة، لكنه لم يستطع أن يخفي فيها حقيقةً دامية :
آسف يا همس أنا....انا مش هقدر أتجوزك!!!!!!!!
في تلك اللحظة، بدا الزمن وكأنه توقف كل شيء حولها أصبح باهتًا، لا صوت، لا حركة، فقط طنينٌ مدوٍ داخل رأسها نظرت إليه بصدمة، ثم إلى الفتاة مجددًا كان وجهها مألوفًا، مألوفًا حد الألم. إنها هي....الحبيبة السابقة التي ظنت أنها صفحة أُغلقت للأبد لكنها عادت، لتسرق منه كل شيء، لتسرق حياتها بأكملها
كلماتها خرجت كهمسة خافتة، مليئة بالخزي والخذلان:
ليه!!
لم يرد، لم يكن بحاجة إلى الرد كانت نظراته ونظرات تلك الفتاة كافية لتقتل فيها كل ذرة أمل
ركضت خارج القاعة بجنون، والدموع تتسابق على وجنتيها، كأنها أنهار لم تجد مجرى آخر لتفيض فيه، قلبها يعتصره ألم لم تعرف له مثيلاً، خذلانٌ أشد من طعنة خنجر غُرِز في صدرها بلا رحمة...كيف استطاع أن يتخلى عنها بهذه البساطة؟ كيف يمكن أن يكون بهذا الجفاء؟ أنانيته، قسوته، حطمت شيئًا داخلها لم تكن تعلم بوجوده حتى الآن
قدماها لم تعودا تشعران بالأرض تحتها، كل ما تريده هو الهروب، الهروب من كل شيء، من صوته الذي ما زال يتردد في أذنيها، من نظراته الباردة التي طاردتها كأنها شبح يلاحقها. خرجت من الفندق بسرعة، والليل من حولها بدا كأنه يشاركها صرخاتها الصامتة
لكن فجأة، وسط العتمة والصخب داخلها، ظهرت أمامها أضواء سيارة تسير بسرعة جنونية لم تستطع التوقف، لم تستطع حتى التفكير.... اصطدمت بها بقوةٍ، وصوت ارتطام جسدها بالأرض كان كصفعةٍ قاسية !!!!!!
سقطت هناك، جسدها غارق في بحرٍ من دمائها، وعيناها المفتوحتان تحدقان في سماء بلا نجوم. شعرت بخفة غريبة، كأن الألم الذي أثقل روحها قد تلاشى بردت أطرافها، وخفت صوت العالم من حولها، حتى عم الصمت.....صمتٌ ثقيل كأنما ابتلع كل شئ!!!!