رواية بعينيك أسير الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم شهد الشورى


رواية بعينيك أسير الفصل السابع والثلاثون 37  بقلم شهد الشورى 



كان جميع أفراد عائلة العزايزي يقفون داخل الغرفة التي تم نقل سيلين إليها، برفقة الرضيع بعد انتهاء عملية الولادة

كانت تحمل صغيرها بين يديها بحب، تلثم يده الصغيرة التي تجعلك تشعر برغبة شديدة في قضمها من شدة جمالها

أما قصي، فقد بلغت سعادته عنان السماء، وهو يلثم طفله الصغير.....قطعة من قلبه، بحنان ورفق شديدين

ربت سفيان على كتفه بحب وقال :
ألف مبروك يا ابن عمي بتربى في عزك يا حبيبي

ابتسم له قصي و هو يحمل طفله بحذر شديد :
عقبالك انت كمان يا بن عمي

رسم سفيان على شفتيه ابتسامة باهتة وهو يجلس بجانب فريدة، التي كلما رأت حالته لا تستطيع إلا أن تحقد على ميان، التي جعلت حفيدها تعيسًا بهذا الشكل!

أما عمار، فكان سعيدًا رغم أنه لم يتوقف عن إلقاء نظرات حانقة نحو قصي، بينما  لينا تجلس بجانبه، تكتم ضحكاتها بصعوبة
........
"ما شاء الله زي القمر" قالتها ميان وهي تقف بجانب فارس، تحمل صغير سيلين وقصي بحذر وحنان في حفل سبوع المولود، رفعت رأسها تسألهما بسعادة :
سميتوه ايه 

ردد الاثنان معاً بحب :
يامن

ابتسمت ميان بحب وهي تلثم انف الصغير برفق:
ما شاء الله اسم جميل زيه....يتربي في عزكم يارب

ردت عليها سيلين بحب و مرح :
امين يارب و نفرح بيكم قريب ان شاء الله و نشوف ليكم بيبي صغنون كده وتكون بنت عشان احجزها لابني حبيبي

التقت عينا ميان بفارس بخجل، ورأت في عينيه بريقًا من السعادة، حتى وإن كانت مجرد تخيلات، داعب الصغير بين يديها بحب، بينما انضم إليهم الجميع عدا سفيان، الذي أخذ جانبًا حتى لا تتضايق ميان من تواجده
........
رددت ميان بسعادة ما إن عادوا من الخارج، وقاموا بتبديل ملابسهما. ها هي الآن تجلس برفقته على فراشه، تتحدث بحيوية وسعادة :
شوفت كان جميل ازاي و صغنون خالص، تحس انك عايز تاكله اكل من جماله واسمه كمان حلو اوي ، يا روحي عليه

رد عليها بابتسامة وتمني :
عقبالنا

سحبت يدها من يده بارتباك وقالت بتوتر ملحوظ :
انت اكتر اسامي بتحبها في الاولاد ايه

رد عليها بمرح :
بحب البنات اكتر

ضحكت بخفوت ثم سألته :
اشمعنا !!

رد عليها وهو يتذكر شقيقته الراحلة "اوركيد" :
عشان حنينين والرقة كلها بتكون فيهم

ثم تابع بحماس :
انا عايز بنوتة مش واحدة لا كتير و اسميها اوركيد على اسم اختى الله يرحمها

ردت عليه بنفس الحماس ونبرة غلب عليها الحنين :
جميل اوي الاسم، انا كمان عايزة اسمي مروان....مروان اخويا اللي يرحمه كان بيحب اسمه اوي ، كان يفضل يرسم اسمه بأشكال مختلفة ، عمري ما شوفت حد بيحب اسمه زيه

تنهد بعمق ثم سألها بهدوء :
ميان ، تفتكري هنوصل للمرحلة دي

سألته بعدم فهم :
مرحلة ايه !!

رد عليها بنفس الهدوء :
انا يكون عندنا اولاد و تكون لينا عيلة و نقعد نختار اساميهم سوا و نستنى تشريفهم على الدنيا بفارغ الصبر ، تفتكري هنوصل للمرحلة دي

اومأت له بخجل، ثم قالت وهي تتحاشى النظر إليه:
لموضوع محتاج وقت ، بس مش مستحيل هو اقرب بكتير من التأكيد ، فاهمني

ابتسم وقال بحب و هو يحرك رأسه بنعم :
فاهمك

ابتسمت بتوتر ثم قالت بتهرب :
يلا ننام عشان الوقت اتأخر

ضحك عليها بخفوت وهو يغلق الانوار
.........
باليوم التالي بفيلا كارم الحسيني
"شوفي اللي عايزة تغيريه ايه وكلنا هنا تحت امرك"
قالتها والدة كارم لهمس التي جاءت اليوم برفقة والدتها لتفقد الفيلا، فقد اتفقت مع كارم على الاقامة هنا بعد الزواج 

ردت عليها همس بابتسامة واسعة، واحتضنتها بحرارة بعدما لثمت وجنتها برقة، قائلة بحماس:
الفيلا قمر وفرشها قمر واللي فرشتها قمرين

ضحكت والدة كارم بقوة، واحتضنتها هي الأخرى بسعادة، ثم قالت بابتسامة تغمرها المحبة:
ماشي يا بكاشة اطلعي اوضة كارم شوفيها، الاوضة التانية يمين في الدور اللي فوق علطول

سألتها هبة أولاً بجدية :
هو كارم هنا؟

نفت والدته برأسها وقالت بابتسامة بعدما فهمت عليها :
لأ في شغله من الصبح ، خلي همس تطلع تشوفها و تعالي نعمل انا و انتي قهوة نشربها لحد ما تنزل ، بس انتي اللي تعملي القهوة طول عمري احب اشربهامن ايدك و طالما انتي هنا استغلك بقى يا هبة

ضحكت الأخرى بخفوت وهي تتوجه معها إلى المطبخ، بينما همس صعدت للأعلى، فتحت باب الغرفة لتتفاجأ بديكور مريح للأعين، مزيج رائع من الأبيض والأزرق، أثاث أنيق وغرفة ملابس خاصة، وزوايا تحتوي على مقعدين وأريكة وشاشة كبيرة

دفعتها فضولها لفتح أحد الأدراج أسفل الطاولة، لتجد ألبوم صور مكتوب عليه بالإنجليزية: "My Soul" تصفحت الصفحات الأولى لتتفاجأ بصورة كبيرة لها وهي تبتسم ابتسامة عريضة....ارتسمت على وجهها ذات الابتسامة الآن وبدأت تقلب الصفحات، تتوقف عند كل صورة، تقرأ التعليقات المكتوبة أسفلها بابتسامة عذبة،  تتساءل من أين حصل كارم على هذه الصور!!!

كانت مندمجة تماماً، ولم تنتبه إلى وجوده حين دخل الغرفة بهدوء وأغلق الباب خلفه وقف يراقبها بابتسامة دافئة، ثم اقترب منها بخطوات خفيفة، وعندما لاحظت وجوده فجأة، انتفضت مكانها بقلق وقالت :
هو انت....حرام عليك خوفتني يا كارم!!!!

ضحك بخفوت وقال بحب :
سلامتك من الخضة يا قلب كارم

سألته بتوتر وهي تحاول تهدئة نفسها:
انت هنا من أمتى؟

رد عليها بابتسامة واثقة:
من لما فتحتي أول صفحة

شعرت بالإحراج وردت وهي تتراجع خطوة للخلف:
شوفت ماما تحت....كانت بتسأل عليك

رد عليها  بنبرة هادئة:
ما شوفتش حد، أنا بس جيت آخد ملف وراجع شغلي

أومأت له وهي تقول بتوتر ملحوظ :
طب أنا هنزل أشوفهم

مرت من جانبه باتجاه الباب، لكنه أمسك بيدها برفق وقال بصوت عاشق :
مش معقول تمشي كده... انتي عارفة انا قد إيه استنيت اللحظة دي....إنك تكوني هنا، في بيتي، وفي اوضتي....سنين يا همس

نظرت إليه همس بتوتر وقالت بصوت خافت:
مينفعش افضل هنا لازم انزل 

اقترب منها خطوة فتراجعت حتى اصطدمت بالجدار، رفع يده ليضعها برفق فوق إطار الباب بجانبها وقال بحب :
حلمت باللحظة دي كتير....وكنت بخاف انها تفضل حلم ويجي عليا يوم واخسرك، حلمت كتير لدرجة اني مش مصدق انك ليا لحد دلوقتي ومعايا

نظرت إليه بعينين خجولتين، وقالت بصدق :
وأنا معاك يا كارم... وعمري ما هكون لحد غيرك

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ممتنة، لكنه ابتعد عندما سمعا صوت والدتها ووالدته من الخارج، تسمرت همس مكانها وهي تهمس بخوف :
ادخل بسرعة الحمام واقفل الباب وراك

نظر إليها بذهول لكنه أطاعها على الفور، بعدها بلحظات دخلا عليها والدته و والدتها التي سألتها :
طولتي كده ليه؟ 

ردت عليها همس بتوتر وهي تتهرب بعينيها :
كنت بتفرج عليها والوقت سرقني.....وكنت نازلة خلاص 

ضحكت والدة كارم بمكر وقالت :
خليت صاحبتي اللي عايشة بره تجيبلك شوية حاجات لعروستنا انما جنان....عشان تدلع ابني الغلبان

تمتمت همس بداخلها بسخرية :
غلبان!!!، والله ما حد غلبان غيري

ثم تابعت بصوت خافت من الخجل :
ماكانش فيه داعي تتعبي نفسك 

ردت عليها والدة كارم بمزاح:
مش هتعب لأغلى منك يا هموسة، وبعدين ما ابني اللي هيستفيد ويتدلع!!!!

هربت همس من الغرفة، بينما خرجت والدتها ووالدة كارم خلفها ضاحكين أما عن كارم، فخرج بعدهما من الباب الخلفي مبتسماً وهو يغمغم بمرح :
حبيبتي يا ست الكل
.........
"عايز إيه؟" قالتها عليا بحدة وهي تهبط على السلم بعد أن أخبرتها الخادمة بأن سفيان ينتظرها بالأسفل

رفع سفيان عينيه إليها بصوت متعب وحزين:
"عايز أتكلم مع خالتي، ينفع؟"

تمتمت عليا ببرود، رغم ذلك كانت تحمل في نبرتها غضبًا مكتومًا:
"أنا مش خالة حد، أنا خالة عمار بس، لكن إنت... معرفكش أصلاً."

ارتبك سفيان، وحاول التماسك لكنه تمتم بمرارة :
ما تعرفينيش؟

تقدمت نحوه بخطوات غاضبة حتى وقفت أمامه، تتفجر كلماتها من قلبها.:
ايوه، معرفكش! أنت غريب عني مش ده سفيان اللي أنا ربيته...كنت معايا أكتر ما كنت مع أمك، ربيتك وسط ولادي، عمري ما فرقت بينكم. حتى أخوك اللي معاشش معايا قدك طمرت فيه العشرة، لكن إنت؟ لا

أشارت إليه بأصابع مرتجفة، وصوتها يفيض بخيبة أمل :
"مش زيك... روحت وبيعت....وجبت في سيرتنا بالباطل و خصوصًا بنتي، حتى يوم ما مروان مات استنيتك، استنيت ابني التاني يجي يحضر وياخد عزا اخوه....لكن مجتش، كان بيحبك، ونفسه يشوفك، لكن حتى الوداع استكترته علي

ضربته بقبضتها على صدره، وهي تتابع بحزن:
بنتي حبيتك... ومع ذلك دوست عليها، كسرت قلبها وكسرت قلبي وقلب أبوها عليها

نزلت دموعها غصبًا عنها وهي تردد بقهر:
من وانت عمرك يوم ما فارقتش ايديا، امك ما حبتكش ربع الحب اللي حبيته ليك، انا ورأفت كنا معتبرينك انت ومروان سندنا في الدنيا، فكرنا انك هتحافظ على ميان طول العمر.....لكنك خذلتنا

أخفض وجهه، ودموعه تنساب بصمت، فصرخت عليه بحدة :
مش بترد ليه؟!

مسح دموعه وقال خزي:
عشان مفيش رد انا غلطان، وأستاهل أكتر من كده، ولو مكانك....مكنتش سمحت لواحد زيي يدخل من باب البيت ده حتى!!!

ثم تابع بقلة حيلة، وصوته يقطر وجعًا :
"بس كل الأبواب مقفولة في وشي. قلبي لو ينطق، كان صرخ من الوجع....في وقت زي ده الواحد بيجري على حضن أمه... يستخبى فيه. بس أمي مش موجودة. وحتى لو كانت موجودة، وجودها مش هيفرق... فريدة مش هتهديني، بالعكس، كرهها لميان هيزيد

رفع عينيه وقال برجاء ان لا تخذله :
"لكن إنتي غير... إنتي أمي بجد... أمي اللي غبائي خلاني أخسرها زي ما خسرت كل حاجة، أنا محتاج حضنك دلوقتي يا امي.... هلاقيه مفتوح؟

لامس كلامه قلبها، لكنها رفضت أن تظهر ضعفها وردت عليه بقسوة لم تعهدها من قبل :
حضني مش لحد أذى بنتي بالشكل ده، قلبي لا مسامحك ولا هيقدر يسامحك

أومأ برأسه بوجع، التف ليغادر، والألم يملأ عينيه...لا يلومها، بل كان يعلم أنه يستحق كل كلمة تخرج منها لكنه فجأة توقف عندما قالت بصوت مختنق :
استنى!

التفت إليها ليجدها تفتح ذراعيها. ركض نحوها يعانقها بشدة، دموعه تنهمر بلا توقف.... تمسك بها كطفل خائف، يشكو وجعه بصوت مرتجف:
سامحيني... وخليها تسامحني، انا قلبي واجعني أوي، خسرتها وخسرت الكل... بس أنا بحبها والله بحبها 

شددت على عناقه، تبكي منه وعليه، و أخيرًا قالت بحزن:
راحت للي يستاهلها... وإنت ربنا يرزقك باللي تستاهلك

رد عليها بصوت مكسور وحزين:
"بس أنا عايزها هي... خليها تسامحني، والله عمري ما هزعلها تاني....قلبي مش راضي عن بُعدها، نار قايدة فيا لأنها مع غيري

ثم تابع بوجع، وكأن الكلمات تخرج بصعوبة:
قالتلي مش عايزاك وعايزاه... قولتلها اني هبعد، بس مش قادر.....مش قادر أعيش من غيرها، ومش قادر أعيش بالوجع اللي جوايا ده...الموت مش بيجي ليه، على الأقل هيكون رحمه لواحد زيي

ردت على الفور بحزن :
بعد الشر عليك يا بني

ثم صمتت ، وهي لا تعرف كيف تواسيه، اكتفت بالصمت بينما يدها تمررها برفق على كتفه، محاولة أن تُخفف عنه بشيءٍ لا تستطيع الكلمات التعبير عنه!!!!
.......
في المساء، أغلق عمار باب المنزل وباب الغرفة عليه وعلى لينا من الداخل، مردداً بحزم وهو يقترب منها ويتمسك بيدها، قائلاً بتصميم :
شوفي، مش هقولك لو أبويا قام من تربته، لأ لو الموتى كلهم قاموا والعمارة اتهدت كده، والقيامة قامت، مش هتهربي مني النهاردة يا لينا، وهدخل دنيا، يعني هدخل دنيا

مرت الأيام حتى أصبحت شهور، وقد مضى فصل الشتاء وحل فصل الربيع، أصبحت متزوجة منه منذ أكثر من عام، يعاملها بصبر، ولا زالت تتابع مع الطبيبة، هل تبالغ ميان إن قالت إن اليوم أصبح لا يمر بدونه، وأنها أصبحت تكره ابتعاده عنها حتى للحظات؟

بينما تأجل زفاف كارم وهمس ليكون في الصيف، رفض كارم بالبداية بشدة، لكنه اقتنع في النهاية بعد إلحاح شديد من همس

أما عن حياة عمار ولينا، وسيلين وقصي، فقد مرت بين هدوء وجنون، لكن كان يسودها الود والمحبة
.......
دخلت ميان غرفة فارس فوجدته يرتب ملابسه داخل حقيبة السفر، فسألته بتعجب :
هتروح فين يا فارس....أنت مسافر؟

رد عليها بابتسامة :
كويس إنك صحيتي، عيد ميلاد فراس الأسبوع ده، هنروح نقضي كام يوم لحد عيد ميلاده ونرجع، ماما اتصلت، عزمت الكل، ولينا وعمار رايحين، وكمان همس وكارم، ووالدك ووالدتك جايين، وانا وانتي طبعا، حفلة كبيرة وكام يوم حلوين للكل عشان نغير الجو، ده حتى سيادة اللواء عاصم ومراته جاين!!!

صفقت بيدها بحماس ثم ذهبت لترتيب أغراضها. وما إن انتهت، دخل عليها فارس قائلاً بحماس:
تعالي نسهر شوية لو مش جايلك نوم

اقتربت منه وقالت بدلال: ماشي، بس بشرط

جذبها إليه وشاكسها قائلاً:
اشرط يا سكر، أنا كلي ملكك أصلاً !!

ردت عليه بحماس وشهية :
نفسي دلوقتي في مكرونة بشاميل وياه بقى لو الصوص يكون كتير اوي 

سألها مبتسمًا : والملطوب ؟

ردت عليها بدلال، وهي تداعب زر قميصه بخجل :
تطبخ أنت، عشان مش بعرف أعمل

ضحك بخفوت وقال بمكر :
بس أنا مش بتثبت بالكلام، لازم مقابل كبير اوي

سألته بغيظ :
هتسيبني نفسي فيها يعني؟

رد عليها فارس بمكر :
يرضيكي أنا كمان أفضل نفسي في حاجة

سألته بتعجب:
نفسك في إيه

ركز بصره على شفتيها، بينما هي ردت عليه بغيظ وخجل، ودفعته بعيدًا عنها  :
مش عايزة، ومش هسهر مع واحد قليل الأدب زيك

جذبها إليه مرة أخرى وقال ضاحكًا :
خلاص يا ست قمصة، هعملك، متزعليش مني علطول كده، بهزر معاكي 

جزت على أسنانها وقالت بغيظ :
فاارس!!

تنهد بعمق ثم قال بهيام :
جننتي فارس وأهل فارس

رددت بخجل شديد، وبصوت خفيض حتى لا يسمعها  :
تتجنن بيا أحسن ما تتجنن بغيري

سألها بمكر وقد سمع ما قالت :
قولتي إيه؟

ردت عليه بسرعة :
مقولتش

ضحك قائلاً بمشاكسة:
سمعتك على فكرة

لكزته ميان بذراعه وقالت بخجل :
أنت رخم

بعد قليل كان الاثنان داخل المطبخ، فسألته ميان:
إيه الحاجات اللي هتستخدمها عشان أحضرها ليك

حملها من خصرها وجعلها تجلس على الطاولة الرخامية قائلاً بحب:
إنتي تقعدي هنا زي الملكة، وأنا هجهز كل حاجة

ابتسمت بخجل وجلست تأرجح قدمها في الهواء، كانت تراقب كيف ينتقل من مكان لآخر، يعد لها كل ما تحب، وكيف ينظر إليها ويعاملها كأنها ملكة، كل ما تطلبه يُجاب دون تردد

تذكرت في تلك اللحظة كلمات الطبيبة معها بالأمس :
سيبي نفسك يا ميان، فارس جوزك كل اللي تحسي بيه ناحيته اعمليه من غير تفكير.... فارس جوزك مش خطيبك، ومشاعرك ناحيته اللي ابتديتي تحسي بيها قوليها لي، طلعي كل اللي في قلبك ليه عشان ترتاحي....وهو يرتاح

تشجعت ونزلت من على الطاولة، واقتربت منه تعانقه بقوة،  بادلها فارس العناق بصمت، حتى مرت دقائق وهما على نفس الوضع، فسألها بصوت خفيض:
مش قصدي حاجة، انا حضني ملكك لوحدك طول العمر، بس ايه سبب الحضن ده

ردت عليه بصوت خفيض صادق :
حسيت إني عايزة أحضنك....بلاش يعني؟

لم يرد فابتعدت، قائلة بمرح وخجل:
شكله بلاش

جذبها إليه مرة أخرى وقال بلهفة:
انتي ماصدقتي ولا ايه، ده الكلام أخد وعطا

ردت عليه بمرح :
عطا مات خلاص

ضحك فارس بمرح وهو يتأملها بهيام، لكن فجأة التقت عيونهما في نظرة طويلة، أوقفت الزمن بينهما للحظة تراجع فارس، وأشار لها بلطف لتجلس مكانها مرة أخرى، ثم بدأ في تحضير الطعام لها، بسعادة واهتمام

بعد وقت انتهت ميان من تناول الطعام، وأطلت ابتسامة على وجهها وهي تقول  بامتنان :
تحفة يا فارس، طعمه جنان

ابتسم فارس بحب، وظل يتأملها بعينيه دون ملل، وكأن كل شيء حوله اختفى، لم يستطع رفع نظره عنها، لا يعرف كيف أو متى بدأ يشعر بهذا القرب، لكنه كان يدرك أنه شعر به الآن، في تلك اللحظة تحديدًا، وبينما هو يراقبها، اقترب منها بلا وعي كالمسحور، لكن ميان لم تبدي أي مقاومة، بل كان هناك شيء ما في قلبها جعلها تستسلم دون إرادة، وكأن قوة غير مرئية جذبتهما معًا.....حتى قاطع تلك اللحظة رنين هاتفه!!

ابتعدت عنه فجأة، وكان واضحًا في عينيها الصدمة، لأول مرة في حياتها، لم تشعر بالخوف أو الرغبة في أن يبتعد عنها بل على العكس، كانت ترغب في المزيد من القرب، شعور جديد تمامًا عليها وكأن جدارًا داخليًا قد انهار فجأة، لأول مرة شعرت بالحرية في الاقتراب منه دون تردد

لكن في نفس اللحظة، دخلت ذكرى سفيان في ذهنها، كصوت قاسٍ يحطم اللحظة الساكنة، شعرت بقسوة الذكرى، وكأنها تذكرها بكل ما عايشته معه...لكن ما شعرت به الآن كان مختلفًا لأول مرة، لم تتذكر ما فعله سفيان بها، ولم تشعر بآلام الماضي، في تلك اللحظة، كان فارس قريبًا منها، وكانت هي أيضًا بحاجة لهذا القرب، بحاجة لهذا الشعور بالأمان الذي لم تعرفه من قبل سوا معه

لاحظ فارس ايضا التغير الواضح عليها، وأدرك أنه لولا رنين الهاتف، لكانت أصبحت الآن زوجته قولاً وفعلاً !!!

كان في حالة من التردد، لا يعرف هل يقترب منها مجددًا أم يبتعد، مشاعر متشابكة تملأه، لكنه لم يستطع إلا أن يراقبها بحذر، كان يعلم في أعماقه أن اللحظة القادمة هي التي ستقرر ما إذا كان سيكمل أم.....يبتعد !!

جاء الرد منها حين قالت بصوت خافت جدًا، بالكاد يسمع في الهدوء الذي يحيط بهما :
تصبح على خير

ثم ركضت إلى غرفتها بسرعة، بينما بقي هو في مكانه، يدعو الله في قلبه أن يأتي اليوم الذي تحبه فيه....مثلما يعشقها
.........
في اليوم التالي بشرم الشيخ، كان الجميع مجتمعين حول طاولة مستديرة يتناولون طعام العشاء في أجواء جميلة على البحر، وضحكاتهم ترن في المكان

اشتغلت الموسيقى في المكان، لكن فارس بقي مكانه، جالسًا على الرمال، يردد كلمات الأغنية وهو يحتضن ميان، و يمرر يده في خصلات شعرها بينما هي، رغم خجلها الشديد كانت سعيدة جدًا

بينما كارم كارم ينظر لهمس من بعيد بتحسر و بغيظ لوالدها  الذي رفض قيام ابنته من جانبه، ضحكت همس بخفوت على هيئة كارم، بينما كان عمار يراقص لينا بحب، والأخرى تحاوط عنقه بسعادة
......
في منتصف اليوم التالي، كانت ميان تجلس بجانبه على الأريكة  يشاهدان أحد الأفلام في جناحهم، كان فارس يتابع الفيلم بتركيز، بينما هي كانت تتململ بجلستها، منذ الأمس، وهي تحاول قول ثلاث كلمات، لكنها لم تتمكن!!!!

استجمعت نفسها ثم رددت بسرعة :
فارس اا.... أنا.....

نظر إليها باهتمام لتكمل، لكنها صمتت مرة أخرى، فسألها بقلق   ونفاذ صبر :
انتي إيه يا ميان، من مبارح وإنتي كل شوية تقوليلي فارسوتسكتي، وما تكمليش!!!

ربت على خصلات شعرها بحنان وقال :
حصل حاجة....قوليلي، متخافيش

نفت برأسها ثم قالت بتوتر وخجل :
مفيش حاجة، أنا هروح أعمل شاي!!!

قالت الأخيرة وهي تركض إلى داخل المطبخ الصغير الملحق بالجناح، هاربةً منه، تفكر في كيفية إخبارِه أنها مستعدة لإتمام زواجهما....ومن أين ستجد كل تلك الجراءة!!

دخل خلفها يسألها بقلق، بعدما جعلها تستدير لتنظر إليه :
لأ بجد، فيكي إيه، فهميني، مش على بعضك ليه من امبارح 

نفت برأسها  قالت وهي تتحاشى النظر إليه:
انا كويسة، مفيش حاجة

رد عليها باستنكار :
كويسة...عشان كده بتعملي شاي تشربيه، وإنتي أصلاً مش بتحبيه 

نظرت إلى داخل عينيه بصمت للحظات، ثم رددت بخجل :
ما خلاص....حبيته!!!

كلماتها زلزلته من الداخل، وللحظة شعر بالتوتر، وكأن تلك الكلمات لها مغزى آخر، فسألها بنبرة متوترة :
هو مين؟

ردت عليه بخجل شديد :
الشاي.....يا فارس!!!

تعالى رنين هاتفه فابتعد لينظر إلى شاشته، ثم إليها، وبعدها خرج من المطبخ، مرت دقائق، ثم خرج من الجناح بأكمله، فغادرت خلفه حيث يجلس الفتيات برفقة والدته نادين على الشاطئ، تقص عليهم مواقف تجعلهم يضحكون بقوة، وقبل أن تقترب منهن جاءها صوت والدها الهاديء :
تعالي يا ميان، عايز أتكلم معاكي

أومأت له بتهذيب، وبعد دقائق كانت تجلس معه في مكان هادئ، تنهد رأفت وقال بابتسامة:
جوزك أثبت فعلاً إنه راجل ويستاهلك، من غير ما أسألك، عايزاه ولا لأ، عيونك ونظرتك ليه، ابتسامتك، وضحكتك الصافية اللي بتطلع، كفيلة إنها تعرفني إنك مرتاحة ومبسوطة

صمت للحظات ثم تابع بفخر :
نظرتي ليه عمرها ما خابت

منحته ابتسامة صغيرة، فسألها رأفت :
انتي عارفة انا وافقت عليه أول ما اتقدملك ليه؟

نظرت له بتساؤل، فتابع رأفت بحب :
عشان جاي و شاري مش بايع، قالي كل اللي حاسس بيه، ما خباش عني حاجة

تنهدت بعمق واكتفت بالصمت، فتابع والدها بعتاب لم يقدر على كتمانه :
طول عمري أنا وعليا نقولك، إوعي تشتري اللي بايعك، بس حب سفيان كان لعنة عاميتك عن كل ده

خفضت وجهها بخجل بسبب ما عرضت له والديها في السابق، فربت رأفت على كتفها وقال بحنان :
هقولها ليكي من تاني يا بنتي، لو في يوم وحصل، مع اني متأكد إنه مش هيحصل، بس لو حسيتي في يوم إنه بايعك ومش عايزك وانك بقيتي تقيلة عليه، بيت أبوكي مفتوح، اوعي تيجي على نفسك تاني لمجرد إنك بتحبي، إوعي تقدمي تضحيات عشان حد مقدرش

ردت عليه بخجل شديد بعد صمت دام للحظات :
انا بحب فارس يا بابا

ضحك بخفوت وقال بمرح :
عيونك فضحاكي يا قلب بابا

ركضت من أمامه بخجل، متوجهة للفتيات، وبدون أي مقدمات قالت بخجل وهي تجلس بجانبهم :
أنا بحب فارس!!!

تهللت أساريرهم جميعًا، وأكثرهم والدة فارس، التي عانقتها بقوة، متخيلة سعادة ابنها عندما يسمع تلك الكلمة منها، ضحكت همس وهي تضرب كفها بكف لينا قائلة بمرح :
سبيها يا طنط أم فارس، البت هتموت مخنوقة قبل ما تقول لابنك بحبك

ابتعدت نادين عنها وقالت بلهفة :
بعيد الشر عنها، دي حبيبة قلبي دي

قصت عليهم بخجل واختصار مشكلتها فقد أرادت التحدث مع أي حد وإلا حتماً كان سيحدث لها شيء :
يعني إزاي هروح أقوله إني موافقة وجاهزة....واني بحبه!!

ردت عليها والدة فارس بمرح :
ده جوزك يا بنتي، مفيش حاجة تخليكي تتكسفي، قوليله إنك جاهزة وبس

نفت ميان وقالت بصوت خفيض ووجه أحمر قاني من شدة الخجل:
مقدرش أقول كده يا طنط.

تدخلت لينا وقالت بمرح و جراءة جديدة عليها :
طب مش شرط تقولي.....اعملي !!

لكزتها همس وقالت مشاكسة اياها :
بت....انتي الجواز فسد اخلاقك خالص

نهرتها ميان قائلة بخجل وحدة :
لينا إنتي بتقولي إيه....عيب كده !!

ثم تابعت بحرج وخجل شديد وهي تضع يدها على وجهها :
أنا أصلاً مش عارفة إزاي بتكلم معاكم كده، أنا مش هعمل حاجة ولا هقول حاجة، أنا كده كويسة خلاص

ردت عليها والدة فارس بغيظ بعدما لكزتها بذراعها بخفة :
لأ، بقولك إيه، أنا عايزة أشوف أحفادي، على كلامك ده مش هشوفهم غير في الحلم بس!!

أنهت حديثها ثم وقفت وقالت بصرامة:
خلص الكلام، إنتي هتقومي معايا دلوقتي، وإنتي كمان يا بت يا همس، أنا مش عارفة هما عاجبهم فيكم إيه العيال دي

أشارت لميان وتابعت حديثها بسخرية :
واحدة ولا كأنها في ميتم، علطول بالأسود ومبهدلة في نفسها

ثم أشارت لهمس متابعة بتهكم :
والتانية بايظة من كله، مفيش أنوثة كده ورقة

ردت عليها همس بصدمة وسخرية :
جبر الخواطر اخترعوه من سنين يا طنط أم فارس، سمعتي عنه ولا إيه!!

لكزتها بذراعها وقالت بضيق :
بلا جبر بلا هندسة، يلا إنتي وهي قوموا معايا، ده ده إنتوا حكايتكم حكاية، خلونا نلحق اليوم من أوله

سألتها ميان وهمس معًا، بينما لينا تضحك عليهما :
على فين!!!

غمزتهما وهي تقول بمكر لميان :
هنروح سوا نعمل اللي يدلع ابني يا مراة ابني!!!!

في نهاية اليوم دخلت ميان إلى غرفتها بخطوات متسارعة، تحاول إخفاء الثياب التي اشترتها لها والدة فارس، مسكت بيد ترتجف قليلاً مسكت تلك بالغلة البيضاء ، تنظر إليها بعينين مثقلتين بالخجل، تعلم أن ارتداء هذه الثياب يعني أنها تعطي فارس الإشارة بأن يقترب أكثر، خطوة قد تغير كل شيء بينهما، لكن في أعماقها، كانت تخشى ما سيحدث بعدها، لأنها بمجرد أن يقترب، سيتسلل إليها خوفها المعتاد، ويجعلها تبتعد فجأة، وحينها ستسبب ألمًا وجرحًا عميقًا في قلبه الذي لا يرى في العالم سواها !!
........







تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة