
للحب وجوه أخرى اسكربيت الثاني 2 بقلم نورهان ناصر
وإنِّي أجَاهِدُ يا الله ...، أحَاوِل أن أكُون في صفوف الصالحين ؛ فأعِنّي
صلوا على رسول الله
________________________
انتهيت من الدعاء لأمي وكفكفت دموعي ثم ودعتها وعدتُ إليك ، كنت تجلس فوق قبرها تحتضنه بينما دموعك تهبط بغزارة وأنت تردد بهذيان :
" أنا آسف يا أمي آسف إني مكنتش جنبك وعذبتك آسف ... تعرفي هو معرفش يعوضني عن حنانك ووجودك هو رباني بس تربية للأسف متشرفش علمني القسوة والجفاف وبس محى طفولتي و دمرني بقيت نسخه منه كان نفسي أعيش معاك اتعلم منك الطيبه وأفضل في حضنك بس حرمني من كل ده ومقدرتش أرجع سامحيني ".
كنت تبكي بحرقة فابتعدت عنك كي لا تشعر بالحرج وأنا أركل الحجارة بقدمي هبطت دموعي ، حينما يتخلل صوتها عقلي وهي تحدثني بانفطار أنها فقط تود رؤيتك ، أن تأتي مرة واحدة لزيارتها كانت تبكي بداخل حضني وهي تنادي عليك .
بعد مضي بعض الوقت أتيت ، العجيب أنك لم تكن تخجل من إظهار مشاعرك أمامي فاستطاعت بوضوح أن أرى الدموع في عينيك ، فأشرت نحو القبر وقلت وأنت تبتسم بخفوت:
" أنتِ اللي زرعتي الورد ده هنا ؟؟".
أومأت برأسي بصمت وقبل أن أتحدث قلت لي بنبرة حزينة :
" ده الورد المفضل عندها كانت بتحبه أوي ده كل اللي فاكره عنها ".
اهتز هاتفي في جيب سترتي فأخرجته وأنا أنظر إلى رقم صاحب المعمل وقلت لك :
" مكالمة مهمه أنا هامشي أنا بقى وأنت بقيت عارف الطريق تقدر تروح لوحدك ".
قبل ذهابي هتفت بلهفة استشعرتها في حديثك :
" هشوفك تاني مش كدا ؟".
توترت وأنا أجيبك:
" مش عارفه...بس ليه عاوز تشوفني ؟؟".
أجبتني وأنت تشير إلى قبر والدتك :
" علشانها هي علشان أعرف أمي أكتر وتحكي لي عنها أوعدك مش هضايقك أنتِ آخر حاجه منها وأكتر شخص كان معاها بحسك فيك منها مش عارف أنتِ فاهمه قصدي أو لأ بس ده اللي بحسه ينفع ما تحرمنيش منك ".
خفق فؤادي بقوة آه لو تعلم ماذا تفعل بي كلماتك تلك كنت قد أخبرتك سابقًا بمدى كرهي لك ، كنت أكذب لا أدري ولكن شعور غريب بدأ يسري بداخلي ، كنت أشعر من الوهلة الأولى بمقدار تأثيرك علي وكنت أخشى ذلك أعلم بأنك خطر على قلبي البريء ولكن مع ذلك وجدتني أهتف ببسمة صغيرة:
" فاهمه قصدك ، كل ما تحتاج تعرف عنها حاجه تعرف عنواني تقدر تيجي عندنا البيت وتسألني عن اللي عايز تعرفه ".
سألتني وأنت تعقد حاجبيك باستغراب :
" وكدا مش هاسببلك مشاكل ؟؟".
" فين المشاكل إحنا هنتقابل بعلم والدي أنا ماتعودتش أعمل حاجه من وراه فاهمني ؟".
أومأت برأسك بصمت ثم تركتك ورحلت كنت أشعر بعينيك التي تطالعاني حتى غبت عن ناظريك وهذا جعلني أسرع من خطواتي لشعوري بالخجل .
........................................
صباح اليوم التالي:
دخلتُ إلى الفصل الذي أتولى تعليمه وبدأت بشرح الدرس حتى انتهيت وبدأت أتناقش مع تلميذاتي بود ؛ عندما قاطعنا طرق على باب الفصل وزميلتي جيهان تقول :
" أنتِ لسه هنا يا حنان يالا ارحميهم الحصه خلصت من خمس دقايق ".
ضحكت وأنا أخبرها :
" هما مش معترضين وبيحبوا حصتي موتِ بغيظك"
ضحكت جيهان مردفة حينها :
" بقى كدا يا حنون طيب شوفي بقى مين هيعزمك على الشاورما اللي بتحبيها ".
ابتسمت بود واقتربت منها وأنا أضع يدي على كتفها أقول بنبرة مازحه :
" لا كله إلا الشاورما باي باي يا بنوتات عايزه مذاكرة قوية كدا للامتحان علشان فيه جوائز قيمة ".
ابتسم طلابي فودعتهم ورحلت مع رفيقتي جلسن في مطعم هادىء على النيل تبادلنا أطراف الحديث وحدثتها عما حدث معي البارحه وبعد أن أنهيت حديثي عقبت عليه جيهان بقولها :
" بقى فيه شخص ميعرفش الفاتحه ؟ ده أنا كنت أفكر الحاجات دي موجودة بس في الروايات وإن الكتاب بيبالغوا ".
تنهدتُ بحزنٍ لأجلك ولا أدري ما سبب ذلك فليس لك عذر صراحة لهذا الجهل فقد تقدمت الوسائل التعليمية وبات بمقدورك وأنت في منزلك أن تتعلم أو أن تذهب إلى إحدى الدورات التعليمية لأحد الشيوخ مثلا ولكنك فضلت أن تظل بجهلك ، فقلتُ لرفيقتي حينها :
" مش عارفه بقى أهو طنط سعاد بتقول إنه قعد معاها تقريبا ست سنين قبل ما باباه ياخده معاه ويروح على أمريكا وهناك أكيد يعني هتكون النتيجه إنه لا يفقه شيء سيبك منه بقى مش هنتغدى ولا إيه ؟؟؟".
تناولنا الطعام بشهية مفتوحه ، وأخذنا نتمشى على الكورنيش حتى توقفت أنا وأنا استند بيدي على السور بينما ذهبت جيهان لتحضر لنا حمص الشام وبعض الذرة الصفراء المشوية ، وقفنا ننظر للنيل وكلا منا في أفكاره الخاصة والتي كنت تحتل جزء منها ولا أدري ما سبب ذلك حتى .
صدح صوت هاتف جيهان فجاءة ليخرجنا من فقاعة أفكارنا ، فأخرجته من حقيبتها وهي تناولني كوب حمص الشام خاصتها ، أثناء ردها عليه اتضح لي أنه خطيبها تحدثت معه بضع دقائق ووجدتها تقول لي بنبرة متوترة:
" أنا هضطر أمشي ".
قلت لها حينها باستغراب:
" بس لسه واصلين طب كملي الحمص بتاعك والذرة ".
قالت لي باستعجال :
" مش هينفع يا حنون مؤيد جاي عندنا البيت بسلامته جاي يقولي دلوقت لازم امشي أشوفك بكرا إن شاء الله ".
ودعتها وأنا أدعي لها بالخير خاصة مع خطيبها ذاك هو ووالدته متسلطة اللسان ، أجارنا الله من لسانها ،
كنت أحمل الأشياء بيدي حينما مر مجموعة فتيان من جواري وبدأ أحدهم بمضايقتي وهم يلمحون لأشياءٍ سخيفة ، توترت بشدة وهاج قلبي بداخلي ؛ عندما حاول أحدهم التمادي باليد نحوي وفجأة رأيته يُسحب للخلف ولكمة قوية تصطدم بوجهه قبل أن يفر أصدقائه هاربين ، فنظرت إليك حينها بشكٍ أكنت تراقبني أم ماذا ؟؟.
أفقت من ذهولي عندما مددت يدك وأخذت الذرة الخاصة بـ جيهان وقلت بمرح :
" أنتِ طالبه اتنين مستنيه حد ؟؟".
حدقتك بنظرات مستنكرة ثم أردفت ببسمة مغتاظة :
" تلميحات سخيفة مش هاسمحلك عن إذنك ".
ما كدت اتخطاك وإذ بيدك تقبض على ذراعي تمنعني الرحيل ، نفضت ذراعي منك وأنا أحدقك بغضب شديد فتركت يدي وقلت :
" أنا آسف ، هاتمشي ليه ؟؟؟" .
نفخت بغيظ وقلت لك :
" هو أنت متعرفش أي حاجه عن المجتمع هنا وإن وقفتنا دي حرام شرعًا ومجتمعًا ما ينفعش بردو ".
رفعت كتفيك بجهل وقلت :
" فيها إيه يعني الوقفه مش فاهم المكان عام محسسانا إننا واقفين في أوضة نوم مثلا "
احمرت وجنتي خجلاً لفظاظة لسانك وقلت بغضب :
" فيها كتير أوي ...بعدين إيه الجهل ده كله أنت مش مسلم ولا إيه ؟".
اْجبتني بنبرة هادئة:
" مسلم طبعا بس مش فاهم مضايقه من الوقفه معايا ليه ؟".
استغفرت الله بصوت مسموع ثم قلت لك :
" لأنها غلط يا أفندي وحرام فهمت بأي حق توقف معايا هل أنت أحد محارمي مثلا أبويا أخويا عمي مثلا أو حتى جوزي لأ يبقى سلام عليكم ".
ناديتني بلهفة وأنت تقول :
" طيب استني ، بصي أنا مش جاهل للدرجه دي اوك هنا عندكم ماينفعش تمام فهمت خلاص ، بس إحنا في مكان عام يعني وفي ناس حوالينا كتير يعني فـ تسمحيلي استغل الفرصة دي في إنك تحكي لي عن والدتي شوي كنتوا بتقضوا الوقت إزاي كانت بتتعامل معاك إزاي كانت حنينه عليكِ ؟؟ وهي صفاتها كانت إيه ؟؟".
حيرة وتردد شديد طغى عليّ وصوت يخبرني بأن أبقى وصوت آخر يأمرني بالرحيل وصوت بدأ بالنبض بذلك الذي يتوسط صدري ، وكل ما استطعت فعله أن حركت رأسي موافقة ، شيء في نبرة صوتك كأنها تترجاني أن أوافق وهذا ما فعلته .
بدأت أحدثك عن والدتك ، تحدثت وتحدثت عن مواقفنا معًا وكم كانت عطوفة وحنونه للغاية ، كنت أتحدث عنها وعن ذكرياتنا وأنا أغفل عن عينيك التي غمرتهما الدموع وملامحك التي تكسوها علامات الخيبة والانكسار ، كلما ذكرت مقدار حنانها وعطفها ، فعلمت أنك قاسيت كثيرًا في طفولتك .
.................................................
لم أنتبه للوقت برفقتك يا وائل لطالما كان يسرقنا الوقت ، كان الزمن يمضي وأنا معك ولا أشعر ، ترددت مقابلاتنا سويا ومر على تعارفنا حوالي الشهرين وأكثر حدثتك حينها بكل ما أعرفه و لا أدري كيف انجرفت لذاك الطريق معك برغم رفضي في البداية ولكن كنت أردد على مسامعي كي أسكت صوت ضميري بأني أفعل ذلك لأجل السيدة سعاد لأ أكثر وحتى أريح طفل تعذب في طفولته بعيدًا عن حنان أمه تربى بين يدي أب غير مسؤول .
ها نحن ذا نقف أمام قبر والدتك وأنت تحادثها بدموع بينما أنا التزمت بالصمت تاركة لك مساحتك الخاصة .
وفي طريق العودة كان على طرف لساني أسئلة كثيرة أود طرحها عليك بشدة ولكني في كل مرة ألوذ بالصمت .
أدركت أنك تشعر بي حينها عندما توقفت فجأة وقلت :
" حنان قولي لي عايزه تسأليني عن إيه ؟؟".
ارتسمت على وجهي معالم الحرج وضحكت كي أخفي توتري :
" أنا ؟ مين قالك إني عايزه أسألك عن حاجه ؟".
أرجعت شعرك للخلف وقلت لي وأنت ترفع إحدى حاجبيك بغير تصديق:
" عيونك قالولي بقالنا قد إيه بنتقابل كل مرة بقول هتقولي بس بتسكتي وانبارح لما عزمني أبوك وأنت بتودعيني قولت هتسأليني لما نكون لوحدنا بس بردو سكتي وما كلمتيش ".
تنهدت ثم قلت لك بتوتر :
" أنت إيه حكايتك ؟ ومين علمك عربي كويس كدا وأنت على حد علمي ماشي من هنا وأنت صغير وليه سافرت مع باباك وما اتمسكتش بوالدتك وفين قرايبينكم؟؟؟".
وضعت يديك بجيبي بنطالك وأنت تقول بحزن :
" أنتِ نسيتي إني مشيت وانا عمري ست سنيين كنت بعرف اتكلم عربي إلى حد ما بس اتعلمتها أكتر من المربية لأنها كانت عربية ودايما بتتكلم بيها وبابا كان دائما بيتكلم قدامي عربي بردو ، وحكايتي تتلخص في إن أبويا حب واحدة امريكيه زميلته في الشغل ، وبقى يغيب عن البيت وتمر سنين وهو مش موجود ولا راضي ينزل وفي مرة عمري ما أنسى اليوم ده لما أمي عرفت الحقيقه وقتها اتخانقوا ، وماما دخلت أوضتي وأنا كنت مستخبي تحت البطنيه من صوت صراخهم العالي ، وقتها شدتني وطلعتني برا وقعتني تحت رجليه ، كان راجل غريب عليا مش بشوفه إلا في الصور حتى وقت ولادتي مكنش موجود ، المهم عيطت لما وقعت على الأرض تحت رجليه وسمعتها بتقوله بكره إنها خلاص زهقت مننا ومن تربية عيل ضعيف لوحدها".
صمت فجأة وأنت تبتسم بألم بدى واضحًا جدا رغم محاولتك للسخرية والضحك وأنت تخبرني عن ماضيك الأليم :
" تعرفي إني كنت مريض توحد وعندي رهاب إجتماعي ، طفل مريض ضعيف بيخاف من خياله ومتعلق بأمه لدرجه مكنتش بعرف أعمل أي حاجه من غيرها ، يا حنان أبسط الأمور معرفش أعملها وكان لازم هي تساعدني ، تساعدني ألبس ، تساعدني أكل ، تساعدني أدخل الحمام ،تساعدني أشرب تنيمني زي الطفل الرضيع ".
أزلت دموعك بعنف وأنت تتابع بغصه تشكلت في حلقك :
" كانت عالمي بس خذلتني ، ماحبتنيش قد ما حبيتها كنت دائمًا بشوف كرهها ليا في عيونها ، وكنت بتعاير بأبويا ؛ إنه طفش وسابني أنا وأمي واتخلى عننا في عز ما إحنا محتاجين لوجوده ، وهو داير برا عايش حياته بالطول والعرض ، قالتله ياخدني معاه ؛لأنها مش عايزه أي ذكرى منه ولا أي حاجه تفكرها بأيامها معاه ويطلقها ، بكيت واترجيتها تخليني معاها أنا معرفش غيرها إزاي هتقدر تتخلى عني بالسهولة دي ست سنين قضيتهم في حضنها ، أصلا مكنتش أعرف أبويا ده إلا من خلال الصور ، بس هي كرامتها كانت أهم من ابنها وفعلا أطلقوا واخدني معاه ".
ختمت حديثك وأنت تضحك بوجع :
" قصه مأساوية صح .... ".
ردة فعلي في ذاك اليوم كانت غريبه شيء ما كان يحركني بغير إرادتي ، فلم أشعر بذاتي سوى وأنت تشدد من يديك حولي وتدفن رأسك بعنقي تبكي بقوة بين أحضاني وأنت تصرخ بألم أصم قلبي :
" ما حبتنيش ولا هو حبني مجرد إنه أخدني رماني للمربيين وآخر ما زهق مني لقحني في مستشفى نفسيه علشان يخلص مني كنت طول الليالي بعيط لوحدي وبنادي عليها تعرفي يوم ما اخدني ركعت عند رجلها وبكيت مسكت رجليها وقولتلها تخليني معاها رفضت بعدتني عنها ودخلت الاوضة وقفلت الباب وسابتني بعيط وبس، بس مقدرتش اكرهها ابدا لسه بحبها زي الأول وأكتر محتاج لحضنها حتى لو كانت بتحضني وهي كارهه ده محتاج لشفقتها اللي كانت دائما تبصلي بيها وأنا معتمد عليها في كل حاجه ".
ضممتك حينها بكل قوتي وأنا أبكي بشدة فسمعتك تقول بحزن شديد:
" حضنك دافئ أوي ...كانت بتضمك لصدرها صح كانت بتحبك يا حنان كانت دايمًا تقولي كدا وهي بتكلمني ".
أخرجتك من حضني وأنا أمسك بوجهك بين يدي :
" وائل ...وائل طنط سعاد بتحبك جدا مش عارفه صراحه ليه عملت كدا فيك ...بس كن واثق من أنها بتحبك هي يمكن كانت بتعاتبك وبس أو ندمت أو حتى باباك رفض يرجعك أنا كنت شاهدة على عذابها في بعدك ".
قاطعتني حينها وأنت تهتف بوجع في عينيك :
" هي عوضت حنانها وامومتها معاك أنتِ وبس ، عمرها ما حبتني يا حنان عمرها ".
سألتك حينها مباشرة :
" وائل أنت بتكرهني لأن والدتك عاملتني كويس وعوضتني عن حنان أمي ".
صمت لثواني وكأنك تفكر في إجابة ما تقولها ليً وأنا قلبي يزداد خفقانه لا الومك إن شعرت بالكره نحوي ولكن أنا لا ذنب ليّ ولا أدري حقا لما فعلت بك ذلك وهي من كانت تبكي كل يومٍ لأنها لم تتمكن من الاحتفاظ بك ، أفقت من شرودي على صوتك وأنت تقول بصدق :
" منكرش في الأول مكنتش طايقك وبغير منك كل ما تحكي لي عنك مش عارف هي ليه عاوزه تجرحني وخلاص ؟ أو ليه بتكرهني كدا مع إني ابنها الوحيد بس بعدين نوعًا ما اتقبلت وجودك معانا وحاليا لا مش بكرهك ".
ابتسمتُ حينها بارتياحٍ وقلت بصدق :
" هي بس كانت مجروحه من أبوك يا وائل فمعرفتش تعمل إيه ؟ هسألك سؤال والدتك كانت بتحب والدك ؟؟".
شردت ملامح وجهك قليلًا قبل أن تنظر نحوي وتقول :
" جدا مكنتش بتنام إلا وهي واخده صورته في حضنها وتكلمني عنه ".
أومأت برأسي وقلت :
" خيانة باباك مش هاينه وحب بالطريقه دي للأسف بيكون الجرح منه بمقتل زي ما بيقولوا وللأسف الاطفال هما اللي بيدفعوا تمنه ، بس بجد والله هي بتحبك وأكيد ندمت على اللي عملته في حقك لحد آخر لحظه مكنتش بتنطق غير بـ اسمك وهي بتنادي عليك وتقول سامحني بس أنا وقتها مفهمتش ليه بتقول كدا وتسامحها على إيه ؟".
أطلقت زفيرًا قويًا قبل أن تقول :
" اتأخرتي يالا أروحك الدنيا ليلت زي ما بتقولوا ".
ابتسمت وأخذنا نسير متجاورين قلبي بجوارك يرقص طربًا وقعت بحبك وانتهى الأمر .
وبينما أسير بجوارك انحل طرف حجابي فانكشف جانب عنقي ورقبتي توترت كثيرًا وأخذت اجذب الحجاب لاخفي به ذاك التشوه الذي يحف رقبتي وصولا إلى ظهري ، حينها مددت يدك لتشبث حجابي الذي يرفرفه الهواء بقوة فسحبت الحجاب من طرفي يديك وقمت باخفاء جروحي عنك وأنا بلا شعور وجدت دموعي تطفوا على السطح حينما بادرت تسألني لأول مرة عن تلك النقطة الحساسة في حياتي :
" واجعينك صح ؟؟؟ ازاي الحادثة دي حصلتلك ؟ ".
ضغطت بأسناني على شفتايّ من الداخل كي اتماسك وبعد دقيقة قلت لك وأنا أضحك :
" غيرة ".
ضيقت عينيك وزويت ما بين حاجبيك وأنت تسألني باستغراب :
" مش فاهم ".
ابتسمت بحزن وأنا أتذكر تلك الأيام ثم بدأت أبوح لك ، ما لم أود مشاركته مع أحد ولكنك أضحيت أهم شخص بحياتي وأنت لا تعلم :
" كان معايا زميلة في المعمل دكتورة ، وكان معاها خطيبها الاتنين كانوا بيتدربوا هنا خطيبها كان بصباص وكان دايمًا يقعد يضايقني ويقول كلام يستغل إن خطيبته مش موجوده ،طبعا في الفترة دي مرات أبويا كانت بتزن عليه إنه يجوزني وإن ابن أخوها عينه مني وكدا ، المهم استمرت مضايقات خطيب الدكتورة دي ليا ، ولما كانت بتقفشه يقولها إن أنا اللي بجري وراه طبعا أنا مسكتش ليه وكنت بوقفه عند حده وشكيته لصاحب المعمل بس هو قالي إنه هيتكلم معاه بس لا حياة لمن تنادي بدأ يضايقني ويحاول يتمادى ومهما أقول لخطيبته دي متصدقنيش "
صمتُ لدقيقة وأنت تسمعني بكامل اهتمامك ثم أكملت بحرقه :
" وبدأت الدكتورة تحطني في دماغها هي أصلا عارفه إن أنا علشان حلوه حبتين فهو بيبصلي فعلشان تخليه يتلم أذتني أنا تفكير مريض ، بس اهو ده اللي حصل ، كنت أنا وهي بنفنش مجموعه مواد كيميائية ضارة ومركبات طبية فمسكت البرطمانات ورمتهم عليا قال ايه بدون قصدها ، شوهت ضهري وجانب عنقي ورقبتي من ستر ربنا إن المواد دي مصابتش وشي ، قعدت حوالي الأربع شهور في المستشفى محجوزة وعملوا لي عملية بس فشلت والتشوه فضل زي ما هو خطيبي المحترم زي ما قولت زهق والناس استلموني معايرة وبقوا يشمئزوا مني قام المحترم سابني وقال كل شيء قسمه ونصيب بس يا سيدي "
أخبرتني ببسمة واسعه وبنبرة عفوية :
" مش عارف أشكر الحادثة دي ولا أشكر الدكتورة إنك بقيتي حرة بعدها "
تورد خدي بحمرة الخجل وقلت لك بتوتر :
" تشكرهم وهما كانوا ممكن يقتلوني وبعدين ما أنا بقيت مشوه بعدها "
همست لي بنبرة هادئة :
" بعيد الشر عنك يا حنون ، هما اللي مشوهين من برا ومن جوا لكن أنتِ أبعد ما تكوني عن التشوه " .
نبرتك المخادعة تلك أوقعتني بمصيدتك يا ليتني ما التقيتك وما يفيد الندم سوى أنه يزيد من تحسر الإنسان وإيلامه من حينٍ لآخر فـ بعدك لم يصاحبني سوى الندم ولم يكن لي أنيس سوى الحزن والوحدة ..